مصر والسعودية روابط صنعها الابطال‏/ سلوي أحمد

ان الروابط التي تجمع بين الشقيقتين مصر والسعودية اكبر من أن تهدمها تلك التصرفات الطائشة من اناس اتخذوا من السب والشتم والسفالة
عنوان للحرية , انها روابط  صنعها الابطال ومن الصعب ان يعبث بها الصغار .

فقد حرص الرئيس مبارك منذ ان تولي الحكم عام 1981 ان يعيد العلاقات مع كافة الدول العربية الشقيقة

تلك العلاقات التي توترت وتحولت الي قطعية بعد توقيع السادات لمعاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل .

وقد كان فنمنذ ذلك الحين وتلك العلاقات تنمو وتقوي يوما بعد الاخر مع كل الدول العربية

وهنا نخص بالذكر السعودية فكما قال القطان سفير السعودية ان مصر والسعودية جناحا الامة.

لقد حرص الرئيس مبارك طوال فترة حكمه علي العلاقة الطيبة بين البلدين سواء في عهد الملك فهد او الملك عبدالله

لم نشهد اي توترات بالعكس راينا في اتحاد البلدين وتماسكمها قوة للعرب كانت تتصدي وتواجه الكثير من اجل العروبة.

ان مثل هذا النوع من الروابط اقوي من ان تهدمة تلك التصرفات واقدر علي ان تفوت الفرصة علي من يريدون زرع الفتنه بين الاشقاء العرب

حتي يكون الخلاف الذي يؤدي الي الضعف وهو الهدف الذي تسعي اليه العديد من الدول الصديقة والمعادية .

ان حرص مصر علي الحفاظ علي علاقتها مع السعودية ليس من اجل استثمارات او عماله  بالخارج ولكن هو حرص  علي اخوه حقيقية ,

حرص علي مصلحة امة يضربها الخلاف ضربه قاضية خاصة في تلك الظروف العصيبة التي تمر بها العديد من الدول العربية .

ستظل السعودية ومصر بلدين شقيقين متماسكين لديهما من المحبة والاخوه ما يجنبها الوقوع في فخ الفرقة والقطعية الذي تسعي العديد من القوي الزج بالبلدين فيه

ويصعب هنا ان يمر الحديث دون ان نوجه تحية للرئيس مبارك الذي عاش العمر يجمع ولا يفرق يبني ولا يهدم واذا كان هناك تماسك يستطيع

ان يصد الوقيعة فلاشك ان الرئيس مبارك عاملا اساسيا فيه بحكمته وحبه لعروبته وحرصه علي تقويه العلاقات

وتوطيدها مع كافة الاخوه العرب , فكل التحية والتقدير لهذا البطل الكبير .

الثوار هم من يرسمون ملامح سورية الجديدة/ محمد فاروق الإمام

بداية أطمئن المرجفين والذين يدّعون الخوف على سورية وملامحها الجديدة ما بعد سقوط النظام، أن من يرسم ملامح سورية المستقبل هم أولئك الثوار الذين رسموا خريطة الوطن بقاني دمائهم ومهروها بمصابيح أرواحهم، وما دون ذلك غثاء كغثاء السيل، فدمشق الفيحاء لن يتربع على كرسي الحكم فيها بعد اليوم ظالم غشوم ولا مستبد فاجر ولا عميل مدسوس ولا طامح مشعوذ ولا راكب موج فر من سفينة غارقة.
من يرسم ملامح سورية الجديدة هم أولئك الذين واجهوا الرصاص بصدورهم العارية وقارعوا الظلم بمظاهراتهم واحتجاجاتهم وهتافاتهم المدوية، وخرجوا إلى الشوارع متحدين سوط الجلاد وقعقعة الحراب ووقع جنازير الدبابات ولفح قاذفات اللهب، الذين خرجوا مشاريع شهداء يدقون الأرض بوقع اقدامهم غير آبهين بالموت فهم يطلبونه شهادة في سبيل الله.
ما دفعني إلى كتابة هذه المقدمة أنني أردت بها طمأنة السيد عبد الباري عطوان الذي كتب مقالاً يوم الجمعة 27 نيسان الحالي تحت عنوان (سورية الجديدة والخيار الثالث) عبر فيه عن تخوفه على سورية المستقبل بعد سقوط النظام، وجاء هذا التخوف على خلفية ما أعلنه رجل الأعمال السوري نوفل الدواليبي في مؤتمر صحفي عقده في باريس من أنه ينوي تشكيل حكومة انتقالية سورية، مدعياً أن العديد من أعضاء المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر "يدعمون الحكومة التي ينوي تشكيلها" مؤكداً أن "أهداف هذه الحكومة الانتقالية" تتمثل في تسليح المقاتلين والعمل على "تدخل عسكري دولي مباشر"، وضمان "عودة الامن والاستقرار الى سوريا". وقال إنه سيعلن أسماء الأعضاء في الحكومة، الذين أكد أنهم سوريون من الداخل، بين عسكريين ومدنيين، "بعد بضعة أيام، لأسباب أمنية".
وجاء الرد على ما أعلنه نوفل الدواليبي من قبل المجلس الوطني على لسان عبد الباسط سيدا، عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري إن إعلان الحكومة الانتقالية المتوقع لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأمور. وقال من القاهرة إن هذه الخطوة لم تدرس جيداً ولن تؤدي إلى شيء.
كما كان للجيش الحر موقف من تصريحات الدواليبي على لسان قائده العقيد رياض الأسعد  الذي اعلن عن رفض الجيش الحر تأييد الجماعة الجديدة. وأشار في مكالمة هاتفية من تركيا إلى أن ظهور كتل سياسية جديدة يؤدي إلى تشوّش الوضع، مضيفاً أن الجيش السوري الحر معني فقط بالوضع العسكري.
من هنا فإنني أعود لأطمئن الأستاذ عبد الباري عطوان أن الثورة السورية بخير وأنه لا ولن يتمكن أي إنسان مهما بلغ من الجاه والمال والمكانة العربية والدولية أن يقرر ملامح سورية الجديدة ويرسم خطوط مستقبلها بعد سقوط النظام، لأن هذه الملامح صاغتها عقول الشباب وسواعدهم وهم المؤتمنون على ذلك بإرادة شعبية وتصميم جماهيري منظم، ودليلنا هذا الزخم في التظاهر وهذا الانتشار الذي غطى كامل التراب السوري من النهر إلى البحر ومن الجبل إلى السهل، والكل يهتف بصوت واحد (حرية للأبد غصب عنك يا أسد)، وقد دفع ضريبة غالية لتعبيد طريق هذه الحرية وانتزاعها (12 ألف قتيل، 30 ألف مفقود، 200 ألف معتقل، 2 مليون نازح داخل الوطن، مليون مهجر خارج الوطن، تدمير وإحراق مدن ونهب بيوت ومحلات) ولا يزال صامداً منتصب القامة متظاهراً يصدح بملء فمه (شهداء بالملايين عالجنة رايحين)، وأعتقد يا أستاذ عبد الباري عطوان أن ثورة عمادها مثل هؤلاء الشباب وبهذا التصميم والإصرار وهذه الشجاعة النادرة والتي قل نظيرها يمكن أن تجعل أي عاقل، ولو لحظة واحدة، أن يخشى او يتخوف على سورية الجديدة وعن مستقبلها بعد سقوط النظام!!
وأؤكد لك يا أستاذ عبد الباري أن سورية لن يخطف ثورتها عملاء مأجورين أو أفاكين مغامرين كما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، لأن العراق لم تقم فيه ثورة.. العراق غزي بقوات أجنبية أرادت تغيير نظام الحكم بعد أن أصبح عبئاً عليها، ليتوافق ومقاس حفنة من العملاء والمأجورين الذين تربوا على موائد واشنطن وطهران ورعتهم عيون صهيونية، ودخلوا بغداد على دبابات أمريكية وحمير إيرانية، وكان ما كان وحدث الذي حدث، ولا يزال العراق وبعد خروج القوات الأجنبية منه بعد نحو عشر سنوات من غزوه أسير هذه الحفنة العميلة المأجورة التي تنفذ بحرفية مقيتة ما تمليه عليهم قم ومعمميها أصحاب القلوب السوداء الحاقدة.
أخيراً أقول للسيد نوفل الدواليبي أنه ما هكذا تورد الإبل وما هكذا تطرح الأفكار وليس بهذه الطريقة يرسم لسورية مستقبلها فلا تكن الحجر العثرة في طريق ثورتها ولا الصوت النشاز الذي يعمل على طعن الثورة في الظهر لأنك لن تحصد إلا الخيبة والخذلان وتسويد صفحة والدك الذي كان رمزاً من رموز الوطن ووجهاً من وجوهه الأوفياء، الثورة تحتاج إلى رص الصفوف وتوحيد الجهود للوقوف خلف هذه الثورة المباركة ودعمها بكل الوسائل التي تكفل ديمومتها والإسراع في نجاحها، وهذا لا يكون إلا من ولوج الأبواب الشرعية التي أقرتها الثورة وساندتها واعترفت بها.

اطالة اللسان حبسة/ ميساء ابو غنام

 كان ذلك قبل ستة اشهر حين ذكرني في احدى المسيرات الداعمة لمرضى سرطان الثدي،ذكرني بالاسم واعتبرني رمزا من رموز فلسطين،سررت بعد عودتي من دبي عندما رأيت الرابط على صفحتي على الفيس بوك"الدكتور سلام فياض يشيد بي ويقول اخص بالذكر ميساء  غنام والتي هي رمزا للصمود الفلسطيني"....
مرت الايام والتقيته في دار الشروق وبالتحديد في الاسبوع الثقافي للكتاب،بعد انتهاء فعاليات الافتتاح توجهت لاسلم عليه،كان مشغولا بالحديث عن القيادة الفلسطينية وسياستها تجاه الوضع الحالي،وكان هناك مجموعة من الوزراء والصحفيين والمهتمين بسماع تصريحات رئيس الوزراء وطبعا لن تجد من يعترض او يناقش فهذا رئيس الوزراء.................
كان رئيس تحرير جريدتي حافظ البرغوثي حاضرا وايضا اراد ان يعرف الدكتور فياض علي،وبالتأكيد لن يكون التعريف ميساء ابو غنام الاعلامية الفلسطينية المتميزة ،سيكون لامحالة الحديث عن مريضة السرطان وفعلا ما توقعت،وفورا قال الاستاذ حافظ للدكتور سلام،هذه ميساء ابو غنام التي تتحدى السرطان،فقلت تحديته وانتهى،رأيت ابتسامة عريضة على وجهه وسلم علي بحرارة"انا كتير انبسطت اني تعرفت عليك"كانت ملامحه عبارة عن تقدير واحترام وفخر،حينها رأيته رئيسا للوزراء قريب القلب،بسيط جدا لدرجة محيت خطوط المكان والزمان والاعتبارات البليدة للتقسيم الهرمي للدور الاجتماعي والوظيفي،فكان هناك غصة في قلبي اردت اخراجها كما لو انها من بقايا السرطان"بتعرف دكتور سلام انني ارى ان اداء القيادة الفلسطينية ضعيف ولا يوجد لديهم استراتيجية ولا رؤية ولا هناك ابعاد مستقبلية لديهم"وفورا رأيت الصدمة على وجه الدكتور فياض والخوف في وجه الاستاذ حافظ الذي قال"شو دخلك انت في الموضوع خليك بصفحات المراة شو بدك بهالحكي"ورددت فورا "انا لم اضيع ست سنوات من حياتي وانا اتعلم السياسة لاصمت اريد التعبير عن رأيي".
وفورا توقف الجميع صامتين على صوت الدكتور سلام وهو يرفع اصبعه الشاهد ويهددني"اطالة اللسان حبسه...كمان كلمة زيادة باخد اجراء ممنوع اطالة اللسان"كان يهدد وانا ابتسم وفعلا صمت عم المكان......الى ان رأيت الدكتور يضحك ويسلم علي بحرارة"احكي شو بدك انا كتير انبسطت بمعرفتك"....
بعدها توجه للحديث معي صديقي عبد اللطيف البس قائلا"خليهم يحبسوكي شو ما بيعرفو انو الشعب وراك كلنا بنطلع مظاهرات عشانك"فأجبته كم احببت هذا الانسان واقصد الدكتور فياض،احببته على تواضعه وسعة صدره وعفويته وجميلا ان ترى خفة دمه،لذلك ان قرر فياض الدخول في الانتخابات سأصوت له،ليس لانه المدبر المالي للسلطة وليس لانه رئيسا للوزراء  وانما لانه كسر القالب الهرمي في التعاطي مع الاشياء،واعتقد اننا بحاجة ان نقلب الاشياء لتصبح القيادة هي القاعدة وان تخرج من قوقعتها لتلمس الشعب الذي لا ولن يتوافق مع رؤيتها منذ اوسلو حتى الان"نعم انا لا اثق بها ولا بسياستها واتمنى ان يستطيع الشباب اخذ زمام الامور لملأ الفراغ السياسي فنحن بحاجة لقائد من نوع اخر يحتضن حاجات ورغبات الشعب وعلى وعي  بالوضع الذي وصلنا اليه وان يكون قادرا على معالجة الحاضر المزري وقادرا ايضا  على استشراف المستقبل للاجيال القادمة-نحن نريد البديل ارجو منكم التنحي وترك المكان لقيادة شابة".

إستقلال شر من شتات/ نبيــل عــودة

ثلاثة احدات في الذاكرة من استقلال اسرائيل
بينما تحتفل اسرائيل بمرور 64 سنة على قيامها، وكما في كل مناسبة، استعيد في ذاكرتي الكثير من الصور والذكريات المرتبطة بهذه المناسبة.ومنها ثلاثة احداث لا تغيب عن ذاكرتي ابدا .
اولهما: لقاء مع طلاب يهود ثانويين يساريين وشيوعيين في حدود العام (1960) تفاجأ الطلاب اليهود اننا لا نحتفل باستقلال الدولة. وعبثا حاولنا بمفاهيمنا السياسية الأولية ولغتنا العبرية الضعيفة ان نشرح ما يؤلمنا في هذا اليوم. بعد حوار طويل أشبه بالحوار السفسطائي،او حوار بين طرشان،نجحنا بمساعدة مرشدتنا التي هي أيضا لا تعرف العبرية بشكل مقبول،في ايصال ما يؤلمنا. راودتني فكرة. سألتهم: ما هو شعوركم بمثل هذا اليوم الذي يسمى استقلال اسرائيل؟ كان ردهم متشابها ، الشعور بالأمان والسعادة ان لهم دولة تحميهم وتجعلهم اسوة بجميع الشعوب. قلت لهم فورا اول جملة تيسرت لي بالعبرية : هذا بالضبط ما ينقصنا نحن. واضفت بلغة مكسرة بمساعدة سائر الزملاء العرب والمرشدة: استقلالكم يعني تشريد اكثر من مليون فلسطيني من شعبنا. استقلالكم يعني مصادرة اراضينا. استقلالكم يعني اننا صرنا مواطنين اقل شأنا منكم. استقلالكم يعني ارهاب الحكم العسكري وتقييد حريتنا بالتصاريح.استقلالكم جر علينا كوارث تدمير 500 بلدة عربية وطرد سكانها. استقلالكم يعني مجزرة كفر قاسم رغم انهم مواطنين في دولة اسرائيل مساوين لليهود حسب القانون على الأقل.وربما اضفت نماذج اخرى ليست اقل شانا.
كان ذلك منذ أكثر من نصف قرن والتطورات عمقت حدة النزاع مع الفلسطينيين ومع سائر الشعوب العربية حتى التي وصلت بغفلة من زمن عربي ضائع ( وحتى اليوم كله زمن ضائع)، الى "اتفاقات سلام" مهينة لكل منطق سياسي سليم ، على الأقل بتحولها الى "ثنائية مغلقة" بدون أي علاقة بقضية العرب المركزية.
ثانيهما: في مناسبة استقلال أخرى للدولة، وكان الحكم العسكري يتحكم باستبداد وقمع وارهاب بالأقلية العربية الباقية في وطنها،بدون رقيب تحت مظلة قوانين الانتداب الاستعماري البريطاني لفلسطين . كان الحكم العسكري من نصيب المواطنين العرب فقط، تخضع له  جميع مناحي الحياة وخاصة فرص العمل والوظائف في المؤسسات وحق التنقل داخل الوطن (حتى الى العمل خارج بلداتنا كنا نحتاج الى تصاريح عسكرية محدودة بالزمن والساعة ) وبرز تعسف الحكم العسكري بالتحكم بالتعليم العربي والمناهج التعليمية والتوظيف لسلك التعليم. وارهاب المعلمين، وقد ساد الخوف بين المعلمين من امكانية طردهم من التعليم اذا لم يلتزموا بالتعليم حسب الكتب المنهجية الضعيفة والتافهة والتي تشوه اللسان والعقل.وقد انتشرت في تلك الفترة ظاهرة طرد المعلمين العرب من سلك التعليم، لأن الحكم العسكري لم يعد يثق بتبعية المعلم والتزامه بالبرنامج التعليمي المقرر في دوائره.وهناك معلومات ان ظاهرة السيطرة الأمنية على جهاز التعليم ظلت سائدة بقوة حتى سنوات قليلة ماضية وهناك شكوك اليوم بان جهاز التعليم العربي ما زال يخضع لرقابة أمنية شديدة رغم الإتساع الكبير في مساحة الحرية.وهذه الحرية النسبية لم تحدث في فراغ بل بثمن نضالي كبير.
 لذلك كان الخطر على لقمة العيش مسلطا فوق الرؤوس. وساد وقتها جو كئيب في مدارسنا. وامتنع الكثير من المعلمين عن التعبير عن ارائهم او اضافة معلومات والتوسع في مواضيع الدراسة خوفا من سيف الفصل من العمل، والمؤسف ان هذه الظاهرة لم تؤرخ بشكل يظهر ممارسات الحكم العسكري الذي اطلقته دولة اسرائيل على رقاب الأقلية العربية ، واطلقت يده الحرة حتى بالتضييق على لقمة الخبز للمواطنين بطريقة تعسفية استبدادية وارهاب متواصل لدرجة خوف المواطن من التعبير عن رأي لا يقع جيدا على آذان زلم دوائر الحكم العسكري. وقد تحول بعض المعلمين الى مخبرين رغما عنهم،او استسلاما للأمر الواقع ، وربما بعض الطلاب ايضا اصبحوا عيونا تراقب وتدون وتنقل؟!
ونعود لموضوعنا:
في عشية أحدى مناسبات "الاستقلال" وكنت طالبا بالمدرسة الابتدائية. طلب معلم العربية من صفنا ان نكتب موضوع انشاء بهذه المناسبة "السعيدة للعرب"، وشرح لنا استاذ اللغة العربية (مرغم اخاك لا بطل)كيف "تطورنا وتقدمنا" (وصرنا "اشبه بالانسان"؟) وانتشرت المدارس والتعليم وصار العرب بفضل دولة اسرائيل عمالا في المصانع وفي البناء ، دون ان يذكر ان مصادرة الأرض العربية اجبرت الفلاحين للتحول الى العمل المهني ونقلتهم عنوة من مجتمع فلاحي الى مجتمع شبه مدني مع مشاكل هذا الانتقال القسري وتناقضاته الصعبة على جميع المستويات.
كنت ابنا لوالد شيوعي، وام مثقفة اهتمت بتدريسي اللغة العربية على صفحات جريدة الحزب الشيوعي (الاتحاد)..وصرت قارئا ممتازا منذ الصف الثالث ولم اترك كتابا في مكتبات ابناء العائلة الكبار الا وقرأته حتى ولو لم افهم الكثير من نصوصه،وكنا نعاني وقتها من حصار ثقافي، ومنع الكتب من العالم العربي وكل طباعة كتاب يجب ان تمر على الرقابة العسكرية. سحرتني الروايات والقصص ، وبدأت منذ الصف الرابع في صياغة القصص مقلدا ما أقرأ . ومن هنا  عشقت الانشاء العربي ، ولكن شرح المعلم لم يعجبني ويتناقض مع المعرفة التي نشأت عليها والمعلومات التي بدأت تشكل بداية وعيي السياسي المبكر.فكتبت موضوعا عن النكبة والتشريد واللاجئين ومصادرة الأرض والحكم العسكري، لا اتذكر بالتفصيل ما كتبته، ولكن مربي الصف ، ولم يكن هو نفسه مدرس اللغة العربية دخل بوجه غير طبيعي. ظنناه لوهلة مريضا. وضع حقيبته على المنضدة، والتقط دفترا تبين انه دفتري، وناداني بصوت مخنوق شعرته يكبت مخارج الكلام : نبيل ، خذ دفترك واذهب الى غرفة المدير. عرفت انه دفتر الانشاء. لم افهم السبب، ولكن وجه المعلم وصوته المخنوق ادخلني بحالة خوف. ماذا كتبت حتى يستحق هذا التجهم والارسال للمدير الذي كان يعرف بقسوته وهناك حديث عن تعاونه مع أجهزة الأمن ؟
 هل سُر بما كتبته عن استقلال الدولة؟
استقبلني المدير بصراخ وتهديد لم اعهده ، وللحقيقة شعرت بخوف شديد وارتباك وجف حلقي ولم انبس ببنت شفة. شعرت اني بعد قليل سأُعلق على حبل المشنقة. بعد وجبة الصراخ والتهديد والوعيد والتنويه بالخطر على مستقبلي، فهمت اني كتبت موضوعا يعتبر تجاوزا خطيرا يعرضني للعقاب من الشرطة . ويعرض معلمنا لخطر الطرد من التعليم. وأمرني المدير ان انصرف الى البيت ولا اعود الا مع والدي ليتعلم كيف يربيني.
وصلت الى منجرة والدي ، وكان نجارا مستقلا، وبصعوبة افهمه ابنه المرعوب ما جرى. وما اخرجني من رعبي ان والدي بدأ يتذمر بغضب من المدير وسياسة السلطة الغاشمة واعتقادها ان تشويه الحقائق سيغير من الواقع. وكنت عادة أقرأ قصصي ومواضيعي التي أكتبها على مسامع "جمهوري" العائلي، لذلك كان والدي على علم بما كتبت. قال لي لا ترتعب ليذهبوا الى الجحيم ، يريدون ان يعلموا الطلاب على الخنوع والخوف، ان ما كتبته في موضوعك هو الحقيقة التي لا يمكن تزويرها.
شعرت بالاطمئنان والراحة.
رافقني  في الطريق عائدا الى المدرسة.دخل غرفة المدير وانا مختبئ وراءه.ولم يعط للمدير ان يقول اكثر من جملة : هل انت على علم بالحماقة التي كتبها ابنك؟ فرد عليه: ان حماقة ابني أفضل من تضليل جهاز التعليم وتشويه عقول الطلاب. فقال المدير ان مستقبل الولد سيكون في خطر. فقال والدي بغضب : طز في مستقبله اذا بني على الكذب والتزوير.بالطبع ذاكرتي لا تحتفظ بنصوص دقيقة لما جرى.ولكني اكتب عن مجمل الحدث الذي لم يغادر ذهني كلما كتبت مقالا او قصة وربما ذلك الحادث المترسب في ذهني جعلني حادا في مواقفي ، بل وعنيفا احيانا في نقدي لمواقف ارى انها تفتقد للمصداقية.
وهكذا عدت الى الصف منتصرا ومستوعبا ان الحقيقة يجب ان تقال.
ثالثهما: قبل عقد ونصف العقد من السنين.  وصلت الى مدينة الرملة، في زيارة لعائلة زوجتي والوقت كان عشية ما يسمى "عيد الاستقلال".
لفتت انتباهي اعلانات ضخمة تملأ شوارع الرملة ومداخلها تدعو السكان الى الاحتفال ب "تحرير" مدينة الرملة. وعرب الرملة "المحررة" مدينتهم،والذين يسكنون في احياء مهملة تسمى ب "الغيتو العربي" يقرأون عن احتفالات تحرير مدينتهم.
لست هنا في باب الرد على "رواية التحرير" الصهيونية. ولا تفاصيل النكبة الفلسطينية وحصة الرملة فيها وهي حصة كبيرة جدا. انما ساذهب الى تاريخ الرملة التي "حررت" والتي يشملها تشويه تاريخ الوطن الفلسطيني.  وفي حالتنا قد تتحول الرملة الى هدية أخرى من ابراهيم الخليل لأبناء اسرائيل.
كانت الرملة خلال فترة طويلة خاصة في عهد الدولة الأموية عاصمة للولاية الفلسطينية. ولعل في استعراض التاريخ ادراك ان الغطرسة والاستعلاء هي نتيجة طبيعية للصوصية والتزوير.
بنى سليمان بن عبد الملك بن مروان مدينة الرملة عام (710ميلادية) يوم كان واليا على فلسطين في عهد أخيه الخليفة الأموي الوليد (705 – 715م) وواصل سليمان بناء المدينة بعد ان تولى الخلافة بعد الوليد، ولكنه لم يعمر طويلا.اذ توفي بعد عامين ونصف (717م) ولكنه حول الرملة الى عاصمة الولاية بدل مدينة اللد المحاذية لها.
جاء بعده عمر بن عبد العزيز الذي تابع ما بدأه سليمان من بناء مدينة الرملة.فبنى الجامع الأبيض، واذكر هذا الجامع من ذلك الوقت بناء متهالكا، ولكنه رمم فيما بعد. وقام ببناء "العنزية" وهو مجمع لسقي المعزة.وما زال ذلك الموقع من اجمل آثار الرملة التاريخية، ومن معالمها السياحية الجميلة. والعنزية عبارة عن نبع وبركة ضخمة تحت الأرض، ينزلون  اليها بدرج شديد الانحدار، وبالإمكان ركب قارب صغير والتجديف به في ارجاء البركة.
كانت تنشل المياه من البركة لسقي القطيع، ولكن المكان مهمل نسبيا، وتاريخه مشوه.
هناك رواية اخرى تقول ان العنزية بالأصل هي كنيسة اسمها "سانتاهيلانه"،وهو من الأسماء اللتي يعرف بها الموقع حتى اليوم، بنتها ، حسب الرواية الملكة هيلانه ام الإمبراطور قسطنطين،التي يعتبر دخولها للمسيحية ، ثم تحول الدين المسيحي الى دين امبراطورية قسطنطين، بداية لانتشار عالمي واسع للمسيحية، وقد رُسمت هيلانه قديسة بسبب اعمالها في بناء عشرات الكنائس في الأماكن التاريخية للمسيحية ونشر المسيحية. 
وهناك رواية تقول ان العذراء مريم في طريقها الى القدس هربا من هيرودوس،استراحت في ذلك المكان، وان كنيسة سانتاهيلانه المذكورة غمرت ارضها مياه الينابيع بسبب انخفاضها، وتحولت الى بركة ماء تحت ارضية، بني فوقها مسقى العنزية. وبسبب اهمال دائرة الآثار ، للآثار العربية والاسلامية، لم يتم الكشف عن الكثير من سراديب وطرق وابنية الرملة التاريخية، وظلت مغلقة بالأتربة ولا يجري الكشف عنها، هذا عدا عشرات المقامات والأضرحة الدينية الاسلامية ذات القيمة التاريخية، وأبرزها مقام النبي صالح، ببرجه الشامخ ، والبعض يقول ان اسمه النبي الصالح مع "ال" التعريف. كان وقتها مهملا واشبه بمجمع للنفايات. اليوم نظف واستغلت الأرض لمشاريع بلدية .. وقد علمت ان مهندسة رملاوية تقوم بالعمل على كشف "اسرار" الرملة العربية ومعالمها التاريخية.ولكن يبدو ان المهمة أكثر صعوبة من رغبة شخصية ودافع وطني.
ومن الجدير ذكره ان آخر رئيس لبلدية الرملة قبل النكبة هو الشيخ مصطفى الخيري. ولكن البعض يقول انه يعقوب القصيني.ومهما كان الخلاف فالإثنان هما آخر رئيسان لبلدية الرملة العربية قبل ان "تحرر"  الأول مسلم والثاني مسيحي وتلك دلالة هامة لحياة التآخي والتفاهم التي سادت المجتمع الفلسطيني ومدينة الرملة العربية ، قبل الظواهر الطائفية المقلقة التي بدأت تنتشر اليوم وتزيد مجتمعنا تفسخا.
مدينة الرملة التي "حررت" على آخر زمان، كانت خلال تاريخها الطويل، مركزا للثورات العربية التحررية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وذلك منذ اواخر العصر الأموي وحتى الفتح الصليبي ، أي لفترة تزيد عن اربعة قرون وهذه أهم معالم تلك الثورات.
اول ثورة يحدثنا عنها التاريخ كانت ثورةعام(743م)نصب خلالها الثوار احد ابناء سليمان بن عبد الملك قائدا لهم، وذلك حفظا منهم لعهده، وقد بايعوا ابنه يزيد أميرا للمؤمنين.ولكن الوليد الثالث خليفة دمشق استطاع القضاء على الثورة بمعارك دامية.
بعدها كانت ثورة المبرقع اليماني، الذي انتفض على المعتصم خليفة بغداد عام (841م)وقد هزمت جيوش الخلافة المبرقع وأسرته ونقلته الى سامراء العراق.
حين تولى الشيخ عيسى بن عبدالله الشيباني ولاية الرملة ( فلسطين) قام بجهود مضنية لإقناع المعتمد الخليفة العباسي باستقلال فلسطين. ولكن جهوده فشلت، فتمرد على المعتمد، الذي ارسل الجيوش وقضى على تمرد الشيباني ومحاولته اقامة دولة فلسطينية وطرده من بلاد الشام كلها.
في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، والنصف الأول من القرن الحادي  عشر، جرت محاولات كثيرة قام بها آل جراح في سبيل استقلال فلسطين عن دولة الخلافة، وذلك من عاصمة ولاية فلسطين مدينة الرملة.ولكن ثوراتهم وتمرداتهم المتواصلة فشلت في مواجهة جيوش الخلافة العباسية، رغم الفترة الطويلة التي صمدوا بها.
هذا التاريخ يبين ان الشعب الفلسطيني ليس وليد الصدفة،كما تحاول ان تصوره الرواية التاريخية الصهيونية، وانما هو شعب جذوره عميقة بالتاريخ والنضال من أجل الاستقلال. له ثقافته وحضارته الخاصة والتي هي جزء من الثقافة والحضارة العربية. ومن الضروري ان نؤكد ان العرب في بلاد الشام ، كانوا قبل الاسلام بعشرة الاف سنة.
هذه الصور الثلاث تعاودني كلما اقترب ما تسميه اسرائيل عيد الاستقلال. هل حقا هو استقلال حين ندرك انه قائم على الحراب وتطوير اسلحة الابادة الجماعية؟ هل هو استقلال ذلك القائم على العداء للمحيط العربي الذي زرعت اسرائيل داخله بالاعتماد على خطط امبريالية لا ارى  مصلحة للشعب اليهودي بأن يكون أداة لتنفيذها. هل هو استقلال بأن يجري اخضاع الشعب اليهودي ، وليس الشعب الفلسطيني فقط، لأبشع احتلال استيطاني، لا أمان فيه للمستوطنين الا بتواجد عسكري ضخم وقمع متواصل لأصحاب الأرض الشرعيين، وصرف ميزانيات هائلة على مشاريع استيطانية تقود الدولة الى تسانومي عزل سياسي، والأخطر الى سد كل الطرق امام حل سلمي مع الشعب الفلسطيني ومع الشعوب العربية والاسلامية بالتالي؟
انا لا اعرف استقلالا جعل شعبه رهينة للحروبات والعنف والقمع والتمييز العنصري وارتكاب جرائم حرب لم تكشف بعد تفاصيلها رغم مرور 50 سنة على الوثائق السرية حسب القانون ، وجرى تمديد اغلاق الأرشيفات الحكومية لعشرين سنة أخرى مما اثار تساؤلات من اليهود انفسهم عن المعلومات التي تخاف حكومة اسرائيل من كشفها.
لسنا ولن نكون أعداء للشعب اليهودي. بل مقاومين لسياسة الاحتلال الصهيونية . الصهيونية كما قال احد مؤسسيها،كانت هدية اوروبا للشعب اليهودي، ولكني اعارضه بان هذه "الهدية" كانت استراتيجية اوروبية لما بعد الحرب العالمية الثانية، جعلت من الشعب اليهودي رهينة لسياسة قديمة- جديدة، لإبقاء الشرق الأوسط بثرواته الطبيعية ملحقا فقيرا ومتخلفا للنظام الرأسمالي الدولي الذي بدأ للتو حركة نهضة جديدة.
64 عاما بدون ان يحدث أي تقدم نحو الانفراج السياسي تقول امرا واحدا. المشكلة أكثر اتساعا من الموضوع الفلسطيني ، وللأسف الأنظمة العربية الفاسدة، الساقطة واللاحقة، تثرثر حول المؤامرة وهي نفسها أهم نتاج للمؤامرة.من هنا رؤيتي ان مأساة الشعب اليهودي من استمرار الاحتلال لا تقل عن مأساة الشعب الفلسطيني.والتحرر من الاحتلال  هو تحرر للشعبين!!
 وقد بلغ السيل الزبى!!

ثورة... ترعى في وطن الربيع/ عبد العالي غالي


استحضر جيدا كل تلك الشعارات الرنانة التي حشرت بها  فظاعيات البترودولار عقولنا مع بزوغ شمس ما اصطلحوا عليه "الربيع العربي" واسميه "ربيع الهيستيريا"، فتختلط عندي الغصة بالحلم... ثم أعود وأصدق الأستاذ عبد الله القصيمي في قوله أن العرب ظاهرة صوتية... فهاهم مجددا يملكون الشمس والكون بالصوت، وهاهم يبلغون الديمقراطية والحرية والكرامة بالكلام عنها. وبذلك يثبت العرب أن أشهر مواهبهم تكمن في اعتقادهم أنهم يفعلون الشيء بمجرد الحديث عنه (...) فها قد شاخت ثوراتهم في كنف أهلها وانتهت أزهار الربيع ذابلة قبل أن يرتد إلينا طرفنا. وها نحن نتيقن بعد أن زالت الغشاوة أننا دخلنا مرحلة التيه الشامل والكبير ولا أرى بحثا عن توازن في الأفق...
نعم، لقد أتقنوا اللعبة إذ ألبسوا دلائل البله حلة الربيع، وجعلونا وغيرنا نصدق الهوس رغما عنا، بل وحتى رغما عن كل منطق سطره المفكرون حقا، لا أولئك الذين وصفوا بالعرب (...)، والذين لقبوا بالمفكرين زورا وبهتانا فاستأسدوا على الفكر الجمعي يبررون فجائية الجنون الجماعي بكون العرب أهل الخوارق والكرامات، ويحاولون إقناعنا أن ثوراتنا لا تسير بمنطق الثورات... فوحدها ثوراتنا يتبناها الأغنياء جدا لصالح الفقراء والمحرومين. وليذهب كل من قال بالصراع الطبقي إلى الأدغال عله يجد له بين الزواحف تطبيقا لبعض قوانينه... ووحدها ثوراتنا ينتصر لها الناتو والبيت الأبيض وأمراء النفط والبورصات، فيقيمون لها المؤتمرات العابرة للقارات، كما وتصرف فيها للثوار إكراميات... 
نعم، لقد أتقنوا اللعبة إذ جعلونا ننسى أن الكفاح الحقيقي هو ذاك الذي ينبثق من وجدان الشعب لا ذاك المدفوع الأجر. وصيرونا ابْعَـد ما نكون عن فهم الفرق بين الثائر والمرتزق، فأضحينا نفتخر إذ نحارب الباطل بالباطل وننتصر للحق بالظلم، فأمست الغاية تبرر الوسيلة في ديننا الحنيف (...)
نعم، لقد أتقنوا اللعبة في هذا الزمن المشبوه حيث اختلطت مفاهيم العدل والظلم، وترامى الجميع على حلبات الشرف، وأصبح ما كان واضحا مبرما بالأمس منقوضا متخلى عنه اليوم (...) فتناوبت العواهر على منابر الشرف وأبانت عن فصاحتها، وتسلط مرتزقة الإعلام على علم التاريخ ليحولوه إلى "دراما" سخيفة يواجه فيها الخير الساذج الشر الذكي... وفي خرق سافر لأبسط قواعد المنطق التي تجعل الاستدلال سابقا على الاعتقاد، تواطأ معهم فقهاء الفضائيات ومفكروها العرب (...) بأن دفعوا الشعب ليعتقد بما أرادوه، وتركوا له الحق بعد ذلك في أن يستدل عليه إن استطاع إلى ذلك سبيلا. كما واطل علينا من يحترف التلاعب بشظايا الحمق ليحول كل الحنق فينا سرابا وخرابا ودماء وصديدا، فيضيع كل الذي أردناه انتصارا ويصير كل غضبنا الشريف هباء منثورا، فتشيخ الثورة فينا قبل أن تبلغ الفطام ونبقى رهائن عبث الأوهام.
وها نحن، بعد سكرة الربيع تلك، نستفيق لنتأكد أننا ما أحسنا في ثوراتنا البلهاء غير العزف على أوتار الرعب والرحيل على صهوة المراثي، فقد جعلوا بمكرهم أحلام شعوب ملت حالها، ترتقي... وساعدهم على ذلك طول سنين القضم والهضم من العذابات. كما وعبّد لهم الطريق جيل ينجب الأجداد لا الأبناء كما تقتضي قوانين الطبيعة. إذ ما الفرق، إذ نشاهد التلفاز، بين من يحتفلون اليوم بنجاح ثورة الناتو في بنغازي ومن كانوا يحتفلون بنجاح ثورة الفاتح منذ أزيد من أربعين سنة؟ ولولا أن التقدم التكنولوجي جعل التلفاز بالألوان لأقسم المتابع أنهم أنفسهم، وما أظنهم قد غيروا حتى الأسماء ما دام الابن يسمي الحفيد باسم الجد تيمنا وبركة(...) بلى إنهم هم أنفسهم من نسجوا حلم ثورات مضت، ويغزلون اليوم الصوف لينسجوا من جديد حلم ثورات الربيع. ولأن "الثورة تأكل أبناءها" فليهيؤوا أجسادهم لتكون وقود نار المجانين حتى ينتصروا.
وحيث أن العاطفة لا ترغب أبدا في معرفة الحقيقة، برز إلينا من يردينا أن نبقى نتلوى بين زوايا الكذب والنفاق والرياء والخداع (...) لهؤلاء وأمثالهم نقول: "إذا كان عليك أن تكذب لتثبت صحة ما تؤمن به فاعلم أن ما تؤمن به كذبة"(...) وكم أطربني احد الظرفاء إذ قال إذا دخلت مدينة سكانها اقل دراية بتاريخهم وأكثرهم افتخارا به فمرحبا بك في وطن الثورة(...) وأظنه يقصد الثورة التي هي مؤنث الثور الذي فر يوما من حضيرة البقر.
وحتى ارفع عني بعض الحرج أمام من أعتبرهم أصدقاء اختم بقول المظفر النواب:
اغفروا لي حزني وخمري وغضبي
وكلماتي القاسية - بعضكم سيقول بذيئة، لا بأس-
اروني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه.

المغرب


في الذكرى الأربعين لنياحة قداسة البابا/ أنطوني ولسن

المؤتمر الأسلامي العالمي الخامس عشر
[ هذا المقال كتبته بتاريخ 17 مايو عام 2003 ونشر بجريدة " المستقبل " بأستراليا وموثق بكتاب " المغترب " الجزء الخامس والذي أصدرته في عام 2004 ، و قد رأيت أن أعيد نشره في ذكرى الأربعين لرحيل مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث الغائب بالجسد الموجود بالروح بما قدمه لمصروالإنسانية في ذكرى تأبينه. ]
الصدفة وحدها هي التي أتاحت لي فرصة مشاهدة وسماع معظم خطاب قداسة البابا المعظم شنودة الثالث . وخطاب فضيلة الشيخ " الراحل " الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف ، اللذين ألقياهما في المؤتمر الأسلامي الخامس عشر ، الذي عقد في القاهرة صباح يوم الجمعة التاسع من شهر آيار / مايو الجاري .
كنت أتجول بين الفضائيات العربية أبحث لروحي الهائمة غير المستقرة ، عن فكر أو أيدلوجية تصلح لنا نحن أبناء الشرق الأوسط الضائعين بين مختلف ألوان ومذاهب وأيدلوجيات العقائد الدينية والسياسية .
لذا سعدت جداً عندما رأيت بابا الأقباط في مصر يجلس وسط علماء المسلمين وفقهائهم في مؤتمر يحمل اسم مستقبل الأمة الأسلامية .
بل نجد قداسة البابا يلقي خطاباً ينير فيه الطريق امام مستقبل الأمة الأسلامية . وهذه ظاهرة . على قدر معرفتي . فريدة من نوعها لم تحدث من قبل . وعن نفسي لن أتساءل عن سبب حدوثها ، أو أسباب حدوثها ، وإنما أشكر الله على أن الأمة الأسلامية قد بدأت تستيقظ بعد سبات عميق وتعي أهمية الأستماع إلى الرأي الآخر . وعدم تهميش رأي أبناء الوطن الواحد بسبب دين أو عقيدة أو جنس أو لون .
وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا الأستيقاظ ما هو إلا أستيقاظ أهل الكهف الذين يجدون أنفسهم يعيشون عصراً يختلف اختلافاً كلياً عن عصرهم فيفضلون العودة الى سباتهم خشية أفتضاح أمرهم .
أو أن يكون هذا الأستيقاظ لشيء في نفوسهم يُظهر غير ما يبطن في قلوبهم وأفئدتهم وأفكارهم تجاه الغير المخالف لهم في الرأي أو الفكر ، خاصة الدين . " وكأني كنت أتنبأ بما سيحدث تحت مسمى الربيع العربي بالعالم العربي عامة ومصر خاصة " .
مما تحمله الذاكرة لما قاله قداسة البابا أنه طالب المجلس الموقر بالتفكير في حاضر الأمة الأسلامية أيضاً ، وليس في مستقبلها فقط . فحاضرها هو الذي سيبني عليه مستقبلها .وشدد قداسته على ضرورة معرفة ماذا يعمل الغير مستشهدا بالعديد من أعمال اليهود قبل تكوين دولتهم وبعدها .
كما أكد قداسته على ضرورة وجود لوبي عربي في الدول الغربية . وتشجيع أبنائنا في الخارج الذين يتمتعون بحق الجنسية في الدول التي يعيشون فيها على الترشح للمجالس النيابية التي تعطيهم حق المشاركة في صنع القرار السياسي لهذه الدول .
ومما يدل على مدى عمق اهتمام قداسته بشؤون وشجون المنطقة ما أوضحه قداسته للمجتمعين من أن العالم قائم على شيئين .. القوة .. والمنفعة . وأهمية القوة والمنفعة تأتي من تضامن مصالح الشعوب العربية في التداول فيما بينها بالمنتجات التي تغنيهم عن المنتجات الأجنبية. وأن يكون انتاجهم نافعاً حتى يحترمهم الغير . وان يقل الأستيراد ويزداد التصدير.
" هذا ينم على أن قداسة البابا مثلث الرحمات ليس فقط رجل دين ، بل على أنه رجل سياسة وإقتصاد من الدرجة الأولى " .
أما فضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي " رحمه الله " شيخ الأزهر الشريف ، فقد بدأ كلمته هادئاً مشيداً بحكمة قداسة البابا شنودة الثالث . وما يربط بينهما من مودة وفكر ورحمة وليس ما يفكر فيه ضعاف النفوس من أن كل منهما يحاول أن يغير من دين الآخر . أنا لا أطلب منه أن يتحول إلى الأسلام ، ولا هو يطلب مني أن أتحول الى المسيحية . وأخذ يذكر الكثير من الموضوعات التي تناولها قداسة البابا في خطابه .
بعد ذلك إحتد صوته وعلا محتجاً على ما أسماه نفاق الأمة الأسلامية وجامعة الدول العربية . وكان تهكمه واضحاً على وزير الأعلام العراقي السابق الذي كان يدلي بشيء يخالف الواقع تماماً.بل في لحظة كان ذلك الوزير " يجعجع " وبكلمات لا نعرف قاموسها . وفجأة إختفى من على شاشة التلفزيون ونهائياً .بل يقال أنه إرتدى ملابس ... لكي تساعده على الفرار والهرب .. ( هذا ليس نصاً كلامياً لما قاله فضيلته .. بل هو إجتهاد مني لتذكر ما سمعته ) .
واضح من كلمة فضيلة الشيخ طنطاوي الغضب الشديد لما آلت إليه أحوال الأمة الأسلامية .
أما إنطباعي الشخصي لما شاهدته وسمعته على شاشة الفضائية المصرية الأولى ، والذي بثته مباشرة في ذلك اليوم ، فيتلخص في اعجابي الشديد بالرجلين .
حبي الشديد لقداسة البابا المعظم شنودة الثالث الأب الروحي للأنسانية كلها . والذي سعدت مراراً كثيرة بشرف اللقاء به والتحدث اليه وتقبيل يده ووجنتيه .
وحبي العميق أيضاً لفضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف . وكم أتمنى لقاء هذا الرجل العظيم " رحمه الله " .
أعود إلى الكلمة التي ألقاها قداسة البابا . فأجد أنه لم يطلب لنفسه ولا لأبناء مصرالأقباط شيئاً على الرغم من أن لهم مطالب عديدة جداً ، وحقوقاً ضائعة ، وعدم الأعتراف بهم كمواطنين متساويين مع اخوتهم المسلمين . لأن في أصلاح الأمة الأسلامية سلام وإستقرارلشعوبها مع إختلاف دياناتهم أو معتقداتهم .
**********
قداسة البابا شنودة الثالث المثلث الرحمات إن نسيَ الناس بحكم طبيعتهم آياً من أعمالكم إن كان في مصر أو خارجها ... فلن ينسى الزمان والتاريخ ما قدمته للبشرية في جميع أنحاء العالم الغربي وبعضاً من الدول الشرق أوسطية بأنتشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في أجزاء كبيرة من العالم والذي دفع بوجودها الكثير من أبناء هذه الأماكن إلى العودة لمعرفة الله الحي بعد أن شردوا وبعدوا عن تعاليم الرب يسوع المسيح ، فقد أيقظت فيهم الكنائس المسيحية الشرقية إن كانت أرثوذكسية أو إنجيلية أو غير ذلك روح الإيمان المسيحي الذي كاد أن يختفي من قلوبهم لما يعانون منه من ماديات أرضية فانية .
قداسة البابا شنودة الثالث لقد جاهدتم الجهاد الحسن، أكملتم السعي، حفظتم الإيمان، وأخيرا قد وضع لكم إكليل البر ...
لقد إفتقدانكم بالجسد.. لكن بالروح أنت معنا وأعملكم تشهد .....

من ترزي وطني لترزي اخواني يا قلبي لا تحزن/‏ سلوي أحمد

من أكثر الانتقادات التي وجهت لمجلس الشعب السابق  أن نوابه وغالبيتهم من الحزب الوطني كانوا  يفصلون القوانين بما  يتناسب مع مصالحهم وتوجهاتهم الخاصة في تحدي واضح للارادة الشعبية , فكانت احداث 25 يناير التي جاءت لتغيير ما كان وتم انتخاب مجلس الشعب الذي قيل انه ولاول مرة يأتي نوابه بناء علي الانتخاب الحقيقي وليس  التزوير , ومن البديهي ان هذا المجلس كان لابد ان يتلافي كل أخطاء الماضي وأبرزها تفصيل القوانين ولكن للاسف جاء المجلس ليقوم بنفس المهمة  تفصيل القوانين ولكن هذه المره بايدي الاخوان بدلا من الحزب الوطني فكان قانون العزل السياسي الذي رفضه الشعب مطالبا بان تكون إرادته هي المحدة لمن ياتي ومن يذهب  .

فهل التفت احد للارادة الشعبية ام ظلت الوصايه عليها باعتبارها ارداة عاجزة علي ان تحديد مصيرها واختيار ما يناسبها ,هذا  من جانب علي الجانب  الاخر اتساءل باي حق يحرم مصري من ممارسه حقوقه التي كفلها له الدستور ومن الذي يمتلك السلطة ليقرر عزل مصري من ابوين مصريين يحمل الجنسية المصريه من ممارسه حقوقه السياسية في الترشح لاي منصب حتي وان كان رئيسا للجمهوريه .

ان قانون العزل السياسي هو ضربه في مقتل للحريه وتشكيك واضح في قدره شعب علي ان يحدد مصيره في الوقت الذي يتباهي فيه المصريون انهم وبارادهم استطاعوا تغيير نظام ظل لمده 30 عاما . ان هذا هو التناقض بعينه ولو كان هناك حقا احتراما لارادة الشعب ولو هناك حقا حريه لتركنا القرار لصندوق الانتخاب ليحدد من يبقي ومن يرحل ولكن للاسف بمجردد الوصول الي السلطة لا احد يفكر الا فيما يحقق مصالحة حتي وان كان الثمن تجاهل ارادة شعب .

ان الفارق الوحيد بين مجلس الشعب الان ومجلس الشعب السابق هو تغيير الوجوه والقوي المسيطرة فبدلا من الحزب الوطني جاء الاخوان ضف الي ذلك اننا كنا نشعر حقا في السابق بان هناك مجلس للشعب يناقش مشاكل وقضايا اليوم اصبح مجلس لتصفية الحسابات والانتقام , ولا عزاء للشعب .

منصف المرزوقي والتغير من الأزمة السورية/ محمد فاروق الإمام

أصيب جل من حضر مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس بخيبة الأمل وهم يستمعون إلى خطاب الرئيس التونسي منصف المرزوقي الذي رفض فيه مسألة "المعالجة العسكرية للأزمة السورية سواء بتسليح المعارضة أو التدخل العسكري الأجنبي من أي طرف كان، وذلك لتجنيب الشعب السوري ويلات المواجهة المذهبية والطائفية والعرقية ومخاطر الانزلاق في الفوضى والدمار والتفتيت" بحسب قوله.
وحذر المرزوقي في خطابه من تكرار السيناريو الليبي، قائلا: إن سورية ليست ليبيا، ودعا باسم بلاده إلى "مواصلة العمل السياسي وفق الأطر المتوافرة لاسيما من خلال الأمم المتحدة والجامعة العربية".
اليوم وبعد شهرين من سماع العالم وجهة نظر الرئيس منصف المرزوقي في إيجاد حل للأزمة السورية بالطرق السلمية، نجد أن الرئيس التونسي قد تغير 180 درجة حول الطريقة التي يمكن من خلالها وقف نزيف الدم في سورية، بعد أن صدمته الوقائع على الأرض وما يقترفه جيش النظام ورجال أمنه وشبيحته من جرائم بشعة بحق المواطنين السوريين، ومن مواقف النظام الحاكم الذي تخطى كل الخطوط الحمر في تعامله مع شعبه باتباعه نهج (الأرض المحروقة) التي لا تبقي ولا تذر ولا تفرق بين بشر وحيوان وشجر وحجر، وكل الشواهد الحية التي تنشرها الفضائيات العربية والأجنبية عن وحشية النظام وسلوكه غير الإنساني في الوسائل التي يتبعها في اقتراف جرائمه التي تفوق التصور والخيال.. هذه الجرائم الفظيعة والبشعة دفعت الرئيس التونسي إلى تغيير موقفه من الأزمة السورية، حيث وجه رسالة قوية إلى بشار الأسد طالبه فيها بوقف "إراقة الدماء".
ففي مقابلة  له مع جريدة الحياة اللندنية نشر يوم الثلاثاء 24 نيسان الحالي أكد فيها "أن نظام دمشق انتهى".
وقال الرئيس التونسي موجهأ حديثه إلى بشار الأسد: "سترحل بطريقة أو بأخرى. سترحل ميتأ أو سترحل حيأ، وأنه من الأفضل لك ولعائلتك المغادرة وأنتم على قيد الحياة".
كما قال الرئيس التونسي منصف المرزوقي : "إذا قررت أن ترحل ميتأ، فهذا يعني أنك تسببت في قتل عشرات الآلاف من الأبرياء. كفى إراقة للدماء".
واعتبر المرزوقي في مقابلته أن خطة المبعوث الدولي إلى سورية، كوفي عنان، "لن تنجح" لأن الـ300 مراقب – الذين قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إرسالهم إلى سوريا – لن يكونوا كافيين من أجل التحقق من احترام وقف إطلاق النار الذي يتم انتهاكه باستمرار منذ دخوله حيز التنفيذ في الثاني عشر من نيسان. وشدد المرزوقي على أهمية تطبيق "السيناريو اليمني في سورية"، قائلاً "إن على الروس والصينيين والإيرانيين أن يفهموا أن الرئيس السوري بشار الأسد انتهى".
وتحدث الرئيس التونسي عن "سيناريو كارثي بمواصلة ذلك العمل المجنون (عنف النظام ضد الشعب). هذا الرجل (الرئيس السوري) هو في رأيي غير مستعد لأي تنازل، وبالنسبة لي (الحل) يكمن في السيناريو اليمني. لابد أن يفهم الروس والصينيون والإيرانيون أن هذا الرجل (بشار) انتهى، ولا مجال للدفاع عنه، وعليهم أن يقنعوه بالتخلي عن السلطة وتسليمها إلى نائبه، وهذا النائب يستطيع أن يطمئن الأقليات التي ربما تخشى على نفسها. هذا النائب (نائب الرئيس السوري) يجب أن يدخل في حوار مع المعارضة لتبدأ مرحلة انتقالية، بهدف حفظ الأمن والاستقرار وتطمين الأقليات، علماً أن لدي قناعة بأن الشعب السوري واحد ولن يقبل أبداً بتعامل أو انتقام طائفي، لكن لابد من أن تكون هناك قوات حفظ أمن وسلام، وإذا كانت عربية فإن ذلك لا يشكّل أي مس بالسيادة الوطنية السورية، لأننا عرب، وهذا البلد (سورية) بلد عروبي منذ قديم الزمان. بعد ذلك تجرى – بعد الفترة الانتقالية – انتخابات حرة ونزيهة، وآنذاك تجد سورية طريقها نحو الاستقرار وعودة الأمل. هذا هو السيناريو الذي تقترحه تونس، ونأمل بأن يساهم كل العقلاء في تحقيق هذا السيناريو".
وختم المرزوقي موجهاً كلامه إلى بشار: "أنت (بشار الأسد) سترحل بطريقة أو أخرى. سترحل ميتاً أو سترحل حياً، فمن الأحسن لك ولعائلتك أن ترحل حياً، لأنك إذا قررت أن ترحل ميتاً فمعنى هذا أنك ستتسبب في موت عشرات الآلاف من الأبرياء. يكفي ما أرقت من دم!".
وسبق وأدلى الرئيس التونسي بتصريحات خاصة لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أذيعت يوم الأحد 22 نيسان الحالي طالب فيها بأن يكون هناك تدخل عسكري من قبل الدول العربية لإنهاء الأزمة السورية والمساعدة على الانتقال الآمن للسلطة هناك، معرباً عن شعوره بالإحباط الشديد لما يجري في سورية.
وأضاف المرزوقي أنه عرض اللجوء على الرئيس السوري بشار الأسد في شباط الماضي، واصفاً ذلك بأنه كان مبادرة شخصية منه لتسهيل عملية نقل السلطة في سورية. وتوقع له مصيراً مشابهاً لمصير القذافي.
وأكد الرئيس التونسي أنه يعلم أن بشار الأسد لم يكن يوافق بأي حال من الأحوال على مغادرة سورية واللجوء في تونس، لأنه لديه أماكن أخرى قد يذهب إليها غير تونس.
وأوضح المرزوقي أنه عرض ذلك اقتناعاً منه بحتمية القيام بأي شيء واتخاذ ما يمكن اتخاذه من خطوات في سبيل وقف "المجازر" الدائرة على أرض سورية.
وتوقع المرزوقي ألا يتوقف بشار عن ممارساته في حق أبناء الشعب السوري، بقوله "لا أعتقد أن هذا الرجل قادر على أن يفعل شيئا سوى أنه سيستمر ويستمر ويستمر".
ورجح الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أن يواجه بشار في النهاية نفس المصير الذي لاقاه العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، واصفا ذلك بأنه سيكون بمثابة مصلحة لسوريا وللعالم العربي كافة. معرباً عن قلقه لما قد يحدث للشعب السوري في الأيام القادمة.
تخوفات الرئيس التونسي مما قد يصيب الشعب السوري من جرائم على يد النظام وجيشه وأمنه وشبيحته إن لم يكن هناك حل سريع لهذه الأزمة في محلها، فقد تغول النظام في دماء السوريين إلى أبعد مدى وراح كالكلب المسعور ينهش لحوم كل ما يصادفه من البشر بجنون وهستيرية، ويدك بآلته العسكرية المدمرة المدن والبلدات والقرى ويحرقها بعد أن ينهبها ويستبيح أعراض حرائرها ودور عبادتها بشكل ممنهج ومدروس.
أخيراً نقول للدب الروسي والتنين الصيني أما آن لكم أن يستفيق فيكم ضمير الإنسان الروسي وضمير الإنسان الصيني وتغيروا موقفكم مما يجري في سورية بعد كل هذه الأنهار من الدماء وبعد كل هذا التدمير للمدن والبلدات والقرى بالسلاح الذي تقدمونه لهذا النظام الباغي؟! أما آن لكم أن تتوقفوا عن مناكفتكم للمجتمع الدولي والتحليق خارج السرب العقلاني حمية لسفاح ونصرة لجزار، يجز الرقاب بسيفكم، ويبقر بطون الحبالى بسكينكم، ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ بمسامير قنابلكم، ويخنق الآمنين بغاز سموم متفجراتكم، مقايضة مع حفنة من الدولارات المغمسة بالدم المنهوبة أصلاً من ثروات أبناء الوطن ونتاج عرق جبينهم، فمصلحتكم مع الشعب السوري الذي كم أيد نضال شعوبكم، وهتف باسم قادتكم، ووقف إلى جانبكم في قضاياكم العادلة، وعليكم أن تعوا أن مصلحتكم لن تكون في دعم جزار هدفه كرسي الحكم حتى ولو كان منصوباً على جماجم شعبه، فكما انتصرت شعوبكم بثوراتهم على أنظمة الاستبداد التي تقلبوا على جمرها لأجيال وأجيال، لابد للشعب السوري من الانتصار على الطاغوط الذي سامهم لأكثر من أربعين سنة سوء العذاب، ونصب لهم المجازر والمقاصل وأعواد المشانق في طول البلاد وعرضها، وأقام لهم السجون والمعتقلات بدلاً من المدارس والجامعات، وحفر لهم الأخاديد والمقابر الجماعية، وغيبهم في السجون والمعتقلات وأبعدهم إلى المنافي والشتات؟!

لقاءات مع الراحل الفنان محمود صبري/ د. عدنان الظاهر

( توفي في بريطانيا في 13.نيسان 2012 وسيُدفن في 27.4)
أولاً : في بغداد / نيسان 1973
نقل لي رئيس قسم الكيمياء الصديق الدكتور عبد الرضا الصالحي رغبة فنان عراقي في أنْ يعرض لمختص في شؤون ميكانيك الكم الجوانب العلمية لطريقته الجديدة في فن الرسم وأنْ يتناقش معه ويسمع رأيه. كنت وقتذاك أُدرِّس مادة مبادئ كيمياء الكم لطلبة السنة الرابعة كيمياء في كلية علوم جامعة بغداد فضلاً عن كوني مقرراً لقسم الكيمياء. سألته أين هذا الفنان ؟ قال تجده في هذه الساعة في أكاديمية الفنون الجميلة . قصدت الأكاديمية ووجدت هناك كلا من السيدين ضياء العزاوي وإسماعيل فتّاح التُرك وكلاهما رسام ومُدرِّس في الأكاديمية. أين السيد محمود صبري ؟ أجابا إنه كان هنا لكنه غادر إلى مطبعة وأوفست رمزي. ذهبت إلى مطبعة رمزي ووجدته هناك. فتحنا الموضوع وجرت بيننا نقاشات ووجهت إليه الكثير من الأسئلة حول منهجه وطريقته الجديدة في رسم اللوحات التي أطلق عليها إسم " واقعية الكم ". سألته أيجد غضاضة فيما سأسأل وأوجه من تساؤلات قد يراها مُحرجة ؟ قال سلْ ستجدني مرحباً بكل ما ستسأل عنه. ما كنتُ أعرفه سابقاً ولا أعرف شيئاً عما وراءه من تأريخ فني أو وطني نضالي لكني عرفت أنه مُقيم في مدينة براغ عاصمة جيكوسلوفاكيا يومذاك. طلب مني حضور أمسية قامت بتنظيمها له جمعية الفنانين العراقين في المنصور وأنْ أقرأ مجمل آرائي حول طريقته الجديدة في رسم اللوحات. وافقت وكتبت بياناً مطولاً ذكرت فيه ما للفنان وما عليه من جوانب علمية ومن وجهات نظر كيمياء الكم.
كنت هناك حسب الموعد ووجدت كل شيء مرتباً مُعدّاً في حديقة نادي ومقر الجمعية .. وفوجئتُ بوجود عدد كبير من الضيوف ميّزتُ فيهم زميلي في قسم الكيمياء الدكتور غازي عبد الوهاب درويش وربما صهره الفنان المعروف حافظ الدروبي. ثم كان الراحل جبرا إبراهيم جبراً جالساً في الصف الأمامي. أخبرني فيما بعد الفنان الأخ فيصل لعيبي أنه كان هناك بين الحضور وكان وقتها ما زال طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة ( أو ربما معهد الفنون الجميلة ). من على منصّة خاصة كانت في مواجهة الجمهور قرأت بياني مفصّلاً ثم عرض الفنان محمود على شاشة كبيرة سلايدات لمجموعة من لوحاته الجديدة وقام بشرح مضامينها فهذا طين وهذا سيليكون وهذه جزيئة ماء ... وجّه الحضور الكثير من الأسئلة فأجاب عليها الفنان الفقيد بإسهاب وكان مقتدراً ومقنعاً في أغلب ردوده. كان كثير القناعة فيما يقول وكبير الثقة في طريقته وجدواها وحداثتها. قبل أنْ نفترق عرض عليَّ أنْ نلتقي عصرية اليوم التالي حيث دعاه شفيق الكمالي على عشاء في أحد نوادي بغداد . إلتقينا فذهبنا لزيارة معرض مشترك بين الكمالي ويوسف الصائغ. بعد زيارة المعرض ذهبنا لتناول العشاء وكان معنا الأستاذ محمد كامل عارف. كان عشاء متواضعاً جداً. ليس المهم نوع العشاء ولكن دخل الفنان الراحل في نقاشات جادة مع الكمالي كان فحواها أنْ تخصص وزارة الثقافة له قاعة مناسبة ليؤسس فيها ورشة عمل ومرسم خاص به وبمن سيلتحق به من طلبة الفنون الجميلة وبالطبع تعهد بترك براغ والرجوع لبلده العراق. عرض عليَّ أنْ ألتحق بورشته أو مختبر أبحاثه في فن الرسم خبيراً في شؤون كيمياء وميكانيك الكم لكني اعتذرتُ . طلب الكمالي منه كتابة تقرير مفصّل حول مشروعه لدراسته والبت فيه من قبل وزارة الثقافة التي كان الكمالي حتى وقت قريب وزيرها ثم أُعفي من مسؤوليتها . عرضت على الراحل فكرة أنْ أسعى إلى ترتيب لقاء له ليقدم محاضرة عن منهجه الجديد في المركز الثقافي السوفياتي على شارع أبي نؤاس في بغداد. رحّب المرحوم بالفكرة فسارعت للإتصال بالملحق الثقافي السوفياتي وناقشته في هذا الأمر فرحب الرجل بالفكرة وسرعان ما أُعدَّ الكارد الخاص بالدعوة لهذه المناسبة يحمل عنوان المحاضرة واسم الفنان فقمت بتوزيع بعضها على الأصدقاء وما كان أمامنا ما يكفي من وقت لتوزيعها على عدد كبير من المهتمين بأمور الفن. في ساعة الشروع بتنفيذ البرنامج أصرَّ مدير القاعة العراقي أنْ يقوم هو بتقديم محمود صبري رغم أنه لا يعرف محمود ولا علاقة له بالفن ولم يطّلع على منهج محمود في الرسم. لم أشأ أنْ أساهم في خلق أزمة قد تُحرج الضيف العزيز فتنازلت لهذا المدير عن المهمة التي أعددتُ نفسي للقيام بها . كان الحضور متواضعاً لشديد الأسف لضيق الوقت المُتاح لتوزيع رقاع الدعوة . بعد إنتهاء البرنامج إلتقيت الأخ فائز الزبيدي فطلبتُ منه أنْ ينشر مطالعتي عن فن محمود صبري في مجلة الثقافة الجديدة وكان هو مسؤول الجوانب الثقافية والفنية فيها. رفض الفكرة جملة وتفصيلاً إذْ لم يكن مقتنعاً بأفكار محمود صبري ولا بمنهجه الجديد في تنفيذ اللوحات. نفس مواقف ستالين في حينه من موضوعي ميكانيك الكم وأشعة الليزر حيث حظر تدريسهما بإعتبارهما هلوسات برجوازية !
أهداني الراحل بيان واقعية الكم باللغتين العربية والإنكليزية وترك معي عنوان بيته ورقم تلفونه في براغ . فهمت فيما بعد أنَّ وزارة الثقافة العراقية لم توافق على مشروع صبري فظلَّ الرجل مغترباً مقيماً في براغ حتى عام 2009 .
كان توّاقاً للرجوع إلى وطنه الذي غادره عام 1960 تاركاً منصباً وظيفياً مرموقاً لدراسة فن الرسم في أحد المعاهد السوفياتية في موسكو وبالفعل إلتحق بمعهد مختص ومكث هناك ثلاث سنوات ثم غادر موسكو صيف عام 1963 وأقام في براغ. طبيعي أنَّ أجواء الجبهة الوطنية التي إنعقدت عام 1973 بين الحزب الشيوعي ( حزب محمود صبري ) وحزب البعث أغرت الفقيد بالرجوع للوطن ولكن ... عسى أنْ تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ...
الغريب أنَّ الراحل لم يتطرق لذكر ما وقع بيني وبينه وما قدّمتُ له من جهود خلال زيارته تلك إلى بغداد لا في أحاديثه الخاصة والعامة ولا فيما قال في الفيديوهات المسجّلة له حديثاً . بلى , ذكر ذكراً عابراُ في بضعة كلمات أنه كان قد زار العراق عام 1973 للمشاركة في مهرجان للفنانين العرب في بغداد. كان سروره عظيماً أنه عثر على أستاذ مُختص في كيمياء الكم ناقشه  بصبر وإقتدار وبيّن له أوجه الخطأ والصواب فيما نظّر وعلل وبرر. كنتُ أول وكنت آخر مختص عرفه محمود صبري وكتب عنه في مناسبتين . خلا ما سمعت أنَّ الصديق الراحل الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب ـ مختص بالفيزياء الذرية ـ  كان هو الآخر قد كتب نقداً لواقعية كم محمود صبري لكنَّ الثقافة الجديدة رفضت نشر ما كتب. لعله نشر مقالته في صحف أو مجلات أخرى لكني لم أطّلع عليها .
ثانياً : في مدينة براغ
1ـ 1977
زرتُ وعائلتي صيف عام 1977 مدينة براغ ضمن سياحة طويلة معقدة بسيارتي زرنا خلالها العديد من البلدان إستغرقت شهرين كاملين تموز وآب قطعنا فيها 14 ألف كيلومتراً. وطبيعي أنْ أتصل بمحمود صبري الرجل الذي ترك فيَّ إنطباعاً جميلاً حيث التواضع وقبول النقد الثقيل ودماثة الخلق ثم تغرّبه المفروض عليه . شرح لي كيف أصل إلى شقته فوصلتُ . وكان لقاء حميماً طويلاً تعرف فيه على عائلتي وتحدثنا طويلاً مرة أخرى حول جوانب منهجه الجديد ولاحظتُ إهتمامه بمداراة الشاي في قوري من الخَزَف مُغطى وكان حقاً شاياً ممتازاً قدمه مع الكيك لضيوفه القادمين من بغداد في سفرة سندبادية . كانت بعض جدران صالة الإستقبال مليئة بخطوط متوازية وأخرى متقاطعة فعرفت أنه دليل منهجه في حسابات أطوال الأطياف الموجية وتحويلها إلى ألوان تراها العين . كان كثير الحماس للدخول معي في نقاشات علمية وما كان الرجل مختصاً لا بالكيمياء ولا بالفيزياء. في شقته الصغيرة الأنيقة صالة كبيرة لإستقبال الضيوف إتخذ من أحد أركانها ورشة  لرسم لوحاته. ثم حجرة نوم واحدة . مع ذلك ، ويا لكرم نفس الراحل ، عرض علينا المكوث معه في شقته لنا حجرة النوم وله صالة الإستقبال. شكرته كثيراً واعتذرتُ فقال [ يمكث معي هنا حمدي التكمه جي وعائلته حين يزورون براغ ]. شكرته ثانية. بعد الكيك والشاي وشتى الأحاديث إقترح أنْ نذهب إلى مقهى بعينها تشرف من علٍ على نهر فلتافا أو مولداو الذي يخترق مدينة براغ ويقسمها نصفين. ركبنا السيارة وحسب توجيهاته وصلنا الكازينو العالي الأنيق الذي كان يحمل إسم أكسبو 1957 . كانت جلسة أكثر من شاعرية حيث الجانب الأيمن من براغ تحت أبصارنا والنهر جارٍ أمامنا بعنفوان وسرور محمود صبري بضيوفه لا يوصف. قررنا المغادرة فأصرَّ الراحلُ أنْ يدفع الحساب. أخرج من جيبه ( وكان بالقميص الصيفي والبنطرون فقط ) جزداناً صغيراً أخرج من إحدى زواياه ورقة نقدية جيكية صغيرة القيمة كانت وحيدة في تلك الزاوية فشعرت بالندم والألم لأنه منعني من أنْ أدفع الحساب وكان واضحاً لي أنَّ الرجل ليس ميسور الحال! أخذته بسيارتي لشقته وفي طريق العودة إلى مكان إقامتنا ضيّعتُ طريقي ! واصلت زياراتي له في شقته لمتابعة حواراتنا حول مسائل تخص واقعية الكم وكنت صريحاً معه وكان لا يغضب ولا يحتج معبّراً عن أعلى درجات القناعة فيما يقول وينفّذ من لوحات. غادرنا براغ وعدنا للعراق بعد سفرة أكثر من خيالية صادفنا خلالها ما صادفنا وابتعنا ما قد إبتعنا من هذه العاصمة أو من تلك فدراجة هوائية من وارشو لولدنا الطفل أمثل والكثير من الدُببة لإبنتنا قرطبة ثم قلائد الكهرب الروسي الأصلي من براغ وبودابست وبلوزات صوف لي من فيينا وملابس للأطفال ووالدتهم من هنا وهناك وأخيراً دراجة هوائية صغيرة لقرطبة من مخزن خاص على الحدود بين بلغاريا وتركيا. لا بدَّ من مفاجآت في السفر ومن المفاجآت الأخيرة أنَّ عسكري الحدود التركية مدَّ رأسه بالقرب من وجهى ثم رفع رأسه للسماء ثم وضع أصبعيه على فمه ففهمت أنه يطلب سجائر. نفضت كفيَّ أمامه ليفهم أننا لا نحمل سجائر. مفاجأة أخافتني بادئ الأمر فقد كان العسكريُّ التركيُّ حاملاً رشاشة ضخمة ومع ذلك يستجدي سجائر!
لم تنقطع مراسلاتي مع الفقيد محمود صبري. غادرتُ العراق في التاسع من شهر تموز 1978 هارباً وللعمل في ليبيا في جامعة الفاتح عاصمة الجماهيرية الليبية. واصلنا تبادل الرسائل وكرود المناسبات حتى كتبت له قبيل نهاية العام الدراسي في 1979 أننا قادمون لزيارة براغ وثلاث عواصم أوربية أخرى.
2ـ 1979
والتقينا في شقته هو وأنا فقط وكان قوري الشاي جاهزاً يتوسط منضدة تحتل مركز صالة الضيوف . حسب وصية صديق حملت لمحمود صبري من العاصمة الليبية طرابلس صندوق شاي سيلاني قوي وممتاز وزجاجة مليئة بالزيتون ثم زجاجة نبيذ ممتاز. دخلنا في معمعة واقعية الكم أنا أصول وأصاول وهو يرد ويجول ويكرُّ ويفرُّ حتى أتينا على آخر قطرة من الشاي بقيت في القوري الخزفي. كان قد أحضرَ مع الشاي نوعاً من اللحوم غير متوفر في الأسواق حينذاك قال إنه إبتاعه خصيصاً لي من مخزن مُلحق بمطار مدينة براغ يبيع سلعه بالعملة الصعبة فقط. لم أستطع إلاّ تناول القليل. حين طلب مني تناول المزيد واعتذرتُ قال إنه جلبه لي وإنه لا يأكل مثل هذه اللحوم فإذا لم أُجهز عليها من سيأكلها إذاً ؟ أحرجني الرجل وآلمني أني أكلّفه وأحمّل منكبيه الناحلين فوق ما يُطيق. نعم ، لم أرَهُ يوماً يتناول طعاماً فكيف تحمل وواصل الحياة هذا الزاهد الراهب المنقطع عن دنياه ؟ بعد أنْ أضنتنا حرارة سجالات المناقشات إقترح أنْ يُريني حديقة ومكاناً قديماً شهيراً في وسط مدينة براغ مختصاً بتقديم أفضل أنواع البيرة لا يخطر إسمه على ذاكرتي. رحّبتُ بالفكرة ووجدتها مناسبة معقولة لإخراج هذا الرجل المترهب من عزلته في صومعته البعيدة عن مركز المدينة. أعجبني المكان المتعدد الحجرات والصالات تتوسطه ساحة واسعة فيها أشجار عتيقة ضخمة وارفة الغصون كثيرة الفروع. إختار لنا مكاناً مناسباً ليس بعيداً عن وسط الساحة. طلبت لتراً من البيرة السوداء لكنه طلب نصف لتر فقط. بعد حين تعالت الأناشيد الوطنية تؤديها حناجر شباب وشابات عراقيين وعراقيات قال محمود إنهم طلبة عراقيون تقدميون يحتفلون بذكرى ثورة 14 تموز 1958. لم نمكث طويلاً حيث أتممت مشروبي وترك محمود كأسه إلى ما فوق منتصفه ! لم يكمله. يا لعفّة هذا الرجل ويا لسموّ ورفعة نفسه ! أخذني للمترو وافترقنا.
لم أستطع السفر خلال عطلة العام 1980 لأنَّ حكومة العراق يومذاك رفضت تمديد جواز سفري فبقيتُ بدون وثيقة سفر.
3ـ 1981
[ دبّرَ ] لي أهل الخير جوازَ سفرٍ غير عراقي فكتبت لأبي ياسمين أني وعائلتي قادمون صيفاً إلى براغ ضمن سياحة طويلة لعدد من عواصم أوربا. وتم لقاء جديد بيننا في شقته حسب موعد محدد بيننا. وجدت الرجل غير ذاك الرجل القوي المتين الكثير الثقة بنفسه وبما أنجز. كان مُحبطاً بل وكان قريباً من حالة اليأس مما أنجز. رأيت جدران صالة إستقبال الضيوف خالية من تلك التشكيلات والخطوط المرسومة بدقة التي دأبتُ على رؤيتها في سالف زياراتي له. قدّمتُ له ملفاً من الكارتون المقوّى فيه أبيات من إحدى قصائدي التي كنتُ أشكو فيها من وضعنا غرباء في ليبيا ومن محنة أطفالنا بعيدين عن أهلهم وذويهم ومدارسهم في العراق ثم من مستقبل مجهول لا ندري ما يُخبئُ زماننا لنا فيه. عرضتُ عليه أنْ نزور مركز المدينة ونجلس في مقهى أو مطعم فاعتذر مفضلاً البقاء في شقته. قبل أنْ نفترق قدّم لي لوحة مرسومة بالزيت على ورق خاص سميك كانت ملفوفة كإسطوانة. فتحها فأذهلني موضوعها وطريقة تنفيذها. رأيت فيها الكثير من تشكيلات وطرق تنفيد جدارية جواد سليم ( نصب الحرية ) التي تشمخ في ساحة التحرير في قلب بغداد. لما رأى حَيرتي المتسائلة قطع طريق الحيرة وقال إنه رسمها في عام 1956 أي قبل جدارية جواد سليم بثلاث سنوات في الأقل. إعتذرت عن قبولها فقال لديه نسخة ثانية ومع ذلك أصررتُ على إعتذاري ثم بقيت طوال عمري نادماً على ذلك الإعتذار! هذا يومها وأنا أجلس لأكتب ما أعرف عن هذا الرجل الذي عاش بيننا ورحل عنا كأسطورة ولا باقي الأساطير.
لم تنقطع الصلات بيني ومحمود صبري فكنا نتبادل الرسائل والمعايدات والأخبار حتى قرأت ذات يوم مقالاً حول معرض أقامه محمود صبري في لندن كتبه الأخ محمد كامل عارف في مجلة المجلة السعودية التي كانت تصدر في لندن وكان الفقيد بلند الحيدري محرر صفحتها الأدبية والفنية. كتبت توضيحات وتعليقات عميقة حول ما كتب الأخ محمد كامل فنشرها المرحوم بلند الحيدري ثم فوجئت بكتيب صغير يصلني من محمود صبري في براغ يوضح فيه ما أسماها بالإنجازات الجديدة على طريق واقعية الكم. نشر محمد كامل عارف مع مقالته تلك صورة محمود صبري واقفاً أمام لوحة كبيرة مُعلّقة على جدار تظهر فيها أطياف ذرة الهايدروجين باعتبارها آخر إنجازاته في حقل واقعية الكم وأظنها آخر ما رسم الفقيد الراحل.
إفتقدته كثيراً في سني أواخر تسعينيات القرن الماضي وأوائل قرننا هذا وكنتُ أتصل به تلفونيا ولكنْ في مرات قليلة حتى كانت رسالتي الأخيرة له في عام 2009 كتبتها وأرسلتها بالبريد العادي على عنوان شقته التي أعرف في براغ.  أخبرته أني بصدد زيارة مدينة براغ وفي نيتي الإتصال به لألتقط له بعض الصور وأجاذبه الأحاديث على أمل الخروج بمقالة أكتبها عنه .. وكان في
 خاطري هاجس الموت ! نعم ، كنتُ أخشى أنْ يضيع مني محمود صبري وهو قريب فميونيخ ليست ببعيدة عن براغ والرجل يتقدم في سلّم العمر. أتاني  جوابه في رسالة مُقتضبة قال فيها حرفياً تقريباً ( ليس لديه وقت كافٍ .. إنه متأهب لمغادرة جيكيا ) .. لم يقل مغادرة براغ بل قال جيكيا. فكّرتُ : هل كان يعني أنه سيغادر الجمهورية الجيكية بصورة نهائية ليلتحق بكريمته ياسمين التي تعمل لعقود في إحدى المدن البريطانية ؟ الزمن ووفاته قالا نعم!
كلمة لا بدَّ من قولها : كل هذا العمر الذي أمضيتُ مع الراحل محمود صبري في مرحلتين إثنتين وكل هذه اللقاءات والتجارب وما قدّمتُ له من نصائح حول واقعية الكم وما نشرتُ من مقالات وما أجريت معه من مكالمات تلفونية .. رغم ذلك كله لم يذكر إسمي أبداً فيما سجلوا له من فيديوهات وخلال أحاديثه مع صحبه الأقربين سواء في براغ أو في بريطانيا عدا حادثة واحدة قد لا تخلو من طرافة : سيّدة عراقية واحدة كانت سمعت بإسمي من محمود صبري . كنت وهذه السيدة نشارك في بعض فعاليات مؤتمر للمعارضة العراقية أقيم عام 1998 في برلين . جرى بيننا حديث عابر وما كنتُ أعرفها ولكن أخذنا الحديث لمحمود صبري فتفرّست هذه السيدة في وجهي ثم سألتني : ألستَ الدكتور عدنان المختص بكيمياء الكم ؟ كيف عرفتيني يا دكتورة لميس العماري ؟ قالت ذكرك لي محمود صبري. إذاً ذكرني الراحل ولكن أمام إنسانٍ واحد في هذه الدنيا فشكراً لك يا فقيد أنك لم تبخسني حقّي فلك الرحمة والمغفرة ومقامك في جنان الخلود.  

ليس جديداً أن أستراليا مستعمرة اميركية/ بطرس عنداري

‮ ‬تجدد‮ ‬السجال‮ ‬حول‮ ‬العلاقات‮ ‬الاسترالية‮ - ‬الاميركية‮ ‬بعد‮ ‬زيارة‮ ‬الرئيس‮ ‬اوباما‮ ‬العام‮ ‬الماضي‮ ‬التي‮ ‬اقتصرت‮ ‬على‮ ‬عدة‮ ‬ساعات‮ ‬دشن‮ ‬خلالها‮ ‬قاعدة‮ ‬بحرية‮ ‬اميركية‮ ‬على‮ ‬ارض‮ ‬استراليا‮ ‬وفي‮ ‬مدينة‮ ‬داروين‮ ‬الشمالية‮ ‬وغادر‮ ‬عائداً‮ ‬الى‮ ‬بلاده‮ ‬دون‮ ‬ان‮ »‬يتكرّم‮« ‬على‮ ‬المستعمرة‮ ‬العظمى‮ ‬بقضاء‮ ‬يوم‮ ‬واحد‮ ‬يتعرف‮ ‬خلاله‮ ‬على‮ ‬مجلسها‮ ‬وحكومتها‮ ‬وأبرز‮ ‬معالمها‮.‬
كان‮ ‬السجال‮ ‬احتدم‮ ‬في‮ ‬ستينات‮ ‬وسبعينات‮ ‬القرن‮ ‬الماضي‮ ‬خلال‮ ‬تورط‮ ‬استراليا‮ ‬في‮ ‬الحرب‮ ‬الفيتنامية‮ ‬الى‮ ‬جانب‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة‮ ‬وخسارتها‮ ‬لمئات‮ ‬الجنود،‮ ‬الى‮ ‬ان‮ ‬جاء‮ ‬حزب‮ ‬العمال‮ ‬بقيادة‮ ‬ويتلم‮ ‬في‮ ‬الشهر‮ ‬الاخير‮ ‬من‮ ‬العام‮ ٢٧٩١ ‬وأمر‮ ‬بانسحاب‮ ‬القوات‮ ‬الاسترالية‮ ‬فوراً‮ ‬من‮ ‬فيتنام‮ ‬مما‮ ‬أدى‮ ‬الى‮ ‬فتور‮ ‬في‮ ‬العلاقات‮ ‬دفع‮ ‬ويتلم‮ ‬ثمنه‮ ‬غالياً‮ ‬بعد‮ ‬ثلاثة‮ ‬اعوام‮.‬
بدأت‮ ‬العلاقات‮ ‬الاسترالية‮ - ‬الاميركية‮ ‬تميل‮ ‬نحو‮ ‬التحالف‮ ‬العسكري‮ ‬منذ‮ ‬انتهاء‮ ‬الحرب‮ ‬العالمية‮ ‬الثانية‮ ‬حين‮ ‬اصبحت‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة‮ ‬القوة‮ ‬العسكرية‮ ‬الاوحد‮ ‬في‮ ‬العالم‮ ‬الغربي‮. ‬وتملكت‮ ‬عقدة‮ ‬الخوف‮ ‬نسبة‮ ‬كبيرة‮ ‬من‮ ‬الاستراليين‮ ‬من‮ ‬اجتياحات‮ ‬دول‮ ‬الجوار‮ ‬الآسيوي‮ ‬بعد‮ ‬ان‮ ‬حاولت‮  ‬القوات‮ ‬اليابانية‮ ‬احتلال‮ ‬أراض‮ ‬استرالية‮ ‬خلال‮ ‬الحرب‮ ‬العالمية‮ ‬الثانية‮... ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬دفع‮ ‬الحكومات‮ ‬الاسترالية‮  ‬المتعاقبة‮ ‬على‮ ‬عقد‮ ‬صفقات‮ ‬التحالف‮ ‬العسكري‮ ‬مع‮ ‬واشنطن‮.‬
في‮ ‬أواخر‮ ‬ستينات‮ ‬القرن‮ ‬الماضي‮ ‬وخلال‮ ‬الحرب‮ ‬الفيتنامية،‮ ‬بلغ‮ ‬عدد‮ ‬القواعد‮ ‬العسكرية‮ ‬الاميركية‮ ‬على‮ ‬الاراضي‮ ‬الاسترالية‮ ‬ست‮ ‬قواعد‮. ‬واعتبر‮ ‬بعض‮ ‬المحللين‮ ‬العسكريين‮ ‬ان‮ ‬مجمّع‮ ‬السفارة ‮ ‬الاميركية‮ ‬في‮ ‬كانبيرا‮ ‬هو‮ ‬قاعدة‮ ‬سابعة‮ ‬لانه‮ ‬يضم‮ ‬أجهزة‮ ‬اتصالات‮ ‬وإرسال‮ ‬متطورة‮ ‬جداً‮. ‬وأغرب‮ ‬ما‮ ‬شهدته‮ ‬تلك‮ ‬الحقبة‮ ‬كان‮ ‬الاعلان‮ ‬عن‮ ‬حظر‮ ‬ومنع‮ ‬اي‮ ‬مواطن‮ ‬استرالي‮ ‬من‮ ‬دخول‮ ‬بعض‮ ‬القواعد‮ ‬الاميركية‮ ‬حتى‮ ‬ولو‮ ‬كان‮ ‬رئيس‮ ‬الوزراء‮ ‬او‮ ‬الحاكم‮ ‬العام‮.‬
كانت‮ ‬اكثرية‮ ‬اجنحة‮ ‬حزب‮ ‬العمال‮ ‬الاسترالي‮ ‬ضد‮ ‬اعطاء‮ ‬القواعد‮ ‬الاميركية‮ ‬حق‮ ‬منع‮ ‬الاستراليين‮ ‬من‮ ‬دخول‮ ‬هذه‮ ‬القواعد‮ ‬المتواجدة‮ ‬على‮ ‬ارض‮ ‬استرالية‮. ‬ولذلك‮ ‬توجه‮ ‬الزعيم‮ ‬العمالي‮ ‬غوف‮ ‬ويتلم‮ ‬بعد‮ ‬فوزه‮ ‬برئاسة‮ ‬الحكومة‮ ‬بأقل‮ ‬من‮ ٨٤ ‬ساعة‮ ‬وبتاريخ‮ ٠١/٢١/٢٧٩١ ‬برفقة‮ ‬نائبه‮ ‬برنارد‮ ‬الى‮ ‬أبرز‮ ‬قاعدة‮ ‬عسكرية‮ ‬أميركية‮ ‬وطلب‮ ‬القيام‮ ‬بجولة‮ ‬تفقد‮ ‬داخل‮ ‬القاعدة‮ ‬وكان‮ ‬له‮ ‬ما‮ ‬أراد‮.  ‬وقد‮ ‬دفع‮ ‬ويتلم‮ ‬الثمن‮ ‬غالياً،‮ ‬وعادت‮ ‬استراليا‮ ‬بعد‮ ‬سقوطه‮ ‬في‮ ‬نهاية‮ ٥٧٩١ ‬الى‮ ‬سابق‮ ‬عهدها‮ ‬من‮ ‬الولاء‮ ‬لاميركا‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬تعرض‮ ‬على‮ ‬استراليا‮ ‬شراء‮ ‬اساطيل‮ ‬طائرات‮ ‬حربية‮ ‬بمليارات‮ ‬الدولارات‮ ‬كل‮ ‬عدة‮ ‬سنوات‮  ‬لتشغيل‮ ‬آلتها‮ ‬الحربية‮ ‬ولم‮ ‬تستعمل‮ ‬استراليا‮ ‬هذه‮ ‬الطائرات‮ ‬مطلقاً‮. ‬
وعندما‮ ‬عاد‮ ‬حزب‮ ‬العمال‮ ‬الى‮ ‬السلطة‮ ‬عام‮ ٣٨٩١ ‬بقيادة‮ ‬بوب‮ ‬هوك‮ ‬وبسيطرة‮ ‬تامة‮ ‬لجناح‮ ‬اليمين،‮ ‬اعتمدت‮ ‬الحكومة‮ ‬العمالية‮ ‬سياسة‮ ‬اكثر‮ ‬تبعية‮ ‬للولايات‮ ‬المتحدة‮.‬
ونشير‮ ‬هنا‮ ‬الى‮ ‬حادثة‮ ‬جرت‮ ‬في‮ ‬مطلع‮ ‬التسعينات‮ ‬عندما‮ ‬كان‮ ‬بول‮ ‬كيتنغ‮ ‬العمالي‮ ‬رئيساً‮ ‬للوزراء‮ ‬حيث‮ ‬توترت‮ ‬العلاقات‮ ‬بين‮ ‬تركيا‮ ‬واليونان‮ ‬الى‮ ‬حد‮ ‬كاد‮ ‬ان‮ ‬يشهد‮ ‬حرباً‮ ‬شاملة‮. ‬وجاء‮ ‬في‮ ‬التقارير‮ ‬ان‮ ‬القواعد‮ ‬الاميركية‮ ‬على‮ ‬الاراضي‮ ‬الاسترالية‮ ‬تراقب‮ ‬اجواء‮ ‬شرق‮ ‬البحر‮ ‬المتوسط‮ ‬وتزوّد‮ ‬تركيا‮ ‬بمعلومات‮  ‬عن‮ ‬التحركات‮ ‬اليونانية‮. ‬وقد‮ ‬قام‮ ‬وفد‮  ‬كبير‮ ‬يمثل‮ ‬الجالية‮ ‬اليونانية‮ ‬بزيارة‮ ‬كانبيرا‮ ‬ولقاء‮ ‬رئيس‮ ‬الوزراء‮ ‬الذي‮ ‬قال‮ ‬انه‮ ‬سيبلغ‮ ‬الجانب‮ ‬الاميركي‮ ‬رغبة‮ ‬استراليا‮ ‬بعدم‮ ‬تزويد‮ ‬تركيا‮ ‬بمعلومات‮ ‬عن‮ ‬تحركات‮ ‬القوات‮ ‬اليونانية،‮ ‬ونفى‮ ‬فيما‮ ‬بعد‮ ‬ان‮ ‬يكون‮ ‬حصل‮ ‬ذلك‮.‬
لقد‮ ‬أثارت‮ ‬القاعدة‮ ‬الجديدة‮ ‬في‮ ‬داروين‮ ‬جدلاً‮ ‬واسعاً‮ ‬حيث‮ ‬ستكون‮ ‬مركزاً‮ ‬رئيسياً‮ ‬لقوات‮ ‬المارينز‮ ‬مما‮ ‬قد‮ ‬يثير‮ ‬مخاوف‮ ‬بعض‮ ‬الدول‮ ‬الآسيوية‮ ‬وخاصة‮ ‬الصين‮ ‬الشريك‮ ‬التجاري‮ ‬الاكبر‮ ‬لاستراليا‮.‬
وقد‮ ‬انتقد‮  ‬رئيس‮ ‬وزراء‮ ‬استراليا‮ ‬الاسبق‮ ‬مالكوم‮ ‬فريزر‮ ‬إقامة‮ ‬القاعدة‮ ‬الجديدة‮ ‬التي‮ ‬سيتمركز‮ ‬فيها‮ ٠٠٥٢ ‬من‮ ‬قوات‮ ‬المارينز‮. ‬وقال‮ ‬فريزر‮ ‬ان‮ ‬القاعدة‮ ‬الجديدة‮ ‬ستزعج‮ ‬الجيران‮ ‬الآسيويين‮ ‬وخاصة‮ ‬الصين،‮ ‬وان‮ ‬استراليا‮ ‬خلال‮ ‬الاعوام‮ ‬العشرين‮ ‬الماضية‮ ‬نفذت‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬تطلبه‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة،‮ ‬والدول‮ ‬الكبرى‮ ‬لا‮ ‬تستفيد‮ ‬منها‮ ‬الدول‮ ‬الصغرى‮ ‬لان‮ ‬لهذه‮ ‬الدول‮ ‬مصالحها‮ ‬ومخططاتها‮.‬
وقال‮ ‬فريزر‮ ‬انه‮ ‬لا‮ ‬يعارض‮ ‬التقارب‮ ‬والتحالف‮ ‬مع‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة،‮ ‬ولكنه‮ ‬يريد‮ ‬استراليا‮ ‬كاملة‮ ‬السيادة‮ ‬والاستقلاال‮. ‬وقد‮ ‬أحدث‮ ‬موقف‮ ‬فريزر‮ ‬ضجة‮ ‬واسعة‮ ‬لانه‮ ‬ينتمي‮ ‬لحزب‮ ‬الاحرار‮ ‬المعروف‮ ‬بقربه‮ ‬الدائم‮ ‬من‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة‮.‬
إضافة‮ ‬الى‮ ‬كل‮ ‬هذا،‮ ‬فقد‮ ‬كانت‮ ‬استراليا‮ ‬متورطة‮ ‬في‮ ‬جميع‮ ‬الحروب‮  ‬والمغامرات‮ ‬الاميركية‮ ‬من‮ ‬كوريا‮ ‬الى‮ ‬فيتنام‮ ‬الى‮ ‬افغانستان‮ ‬والعراق،‮ ‬وقدمت‮ ‬مئات‮ ‬الضحايا‮ ‬وألوف‮ ‬المصابين‮ ‬وهدرت‮ ‬ثروات‮ ‬ضخمة‮ ‬لتكون‮ ‬دائماً‮ ‬شبه‮ ‬مستعمرة‮ ‬أميركية‮ ‬تحظى‮ ‬بعداوات‮ ‬تشوّه‮ ‬التاريخ‮ ‬الاسترالي‮ ‬وتظهر‮ ‬استراليا‮ ‬كدولة‮ ‬مشاركة‮ ‬في‮ ‬الحروب‮ ‬العدوانية‮ ‬ضد‮ ‬قوى‮ ‬معارضة‮ ‬للتوجه‮ ‬الاميركي‮.‬

أزمة أميركية أكثر منها سورية/ نقولا ناصر


(النتائج العكسية لأسرلة السياسة الخارجية الأميركية وعسكرتها تبدو في أوضح صورها اليوم في صراع الإرادات الدولي والإقليمي المحتدم حاليا للفوز بالجائزة الإقليمية الكبرى لهذه السياسة في سورية)


في الثامن والعشرين من الشهر الماضي كتب ثوماس فريدمان مقالا في النيويورك تايمز، قال فيه إن "الوقت قد حان لإعادة النظر في سياسة الشرق الأوسط" الأميركية، التي وصفها الصحفي البريطاني المتخصص في المنطقة، ديفيد هيرست، في مقال له نشرته "ذى جابان تايمز" بأنها "مؤسرلة" وذلك بعد بضعة أشهر من الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003، وهو العام الذي بدأ الكثير من المحللين بعده يدينون ما وصفوه ب"عسكرة" السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وقد وصلت "أسرلة" و"عسكرة" السياسة الخارجية الأميركية إلى ذروة خطها البياني الصاعد خلال ما يصر الإعلام الأميركي على تسميته ب"ثورات الربيع العربي"، عندما نجحت في تطويع جامعة الدول العربية كي تتبنى الأولويات الإسرائيلية والعسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بعد أن استوعبت عشرة من دولها الأعضاء ك"شركاء" في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، حد أن تحولت هذه الجامعة إلى واجهة عربية للاستراتيجية الأميركية الإقليمية، كما اتضح في حرب حلف الناتو على ليبيا، وكما يتضح دورها اليوم في الأزمة السورية، بعد أن كانت الجامعة العربية مجرد شريك عملي في الظل أثناء الغزو فالاحتلال الأميركي للعراق.

لكن النتائج العكسية لأسرلة السياسة الخارجية الأميركية وعسكرتها تبدو في أوضح صورها اليوم في صراع الإرادات الدولي والإقليمي المحتدم حاليا للفوز بالجائزة الإقليمية الكبرى لهذه السياسة في سورية، حيث يتضح أن الخط البياني الصاعد لهذه السياسة قد وصل مداه، وبدأ في الانحدار.

وبينما تنسب الأزمة القديمة المتجددة إلى سورية فإنها في الواقع أزمة في السياسة الخارجية الأميركية ناجمة عن أسرلتها وعسكرتها، يدفع العرب ثمنها من دمائهم، اليوم في سورية، وأمس في ليبيا والعراق، وقبلهما في فلسطين.

ولم يعد سرا أن الفصل بين سورية وبين إيران، من أجل استيعاب سورية ضمن استراتيجية "السلام" العربي – الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة، هو هدف معلن لدولة الاحتلال الإسرائيلي، نجح رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، في تحويل تحقيقه إلى شرط مسبق لاستئناف ما يسمى "عملية السلام"، وفرضه كأولوية للولايات المتحدة في المنطقة تتقدم على كل ما عداها، في أحدث عنوان ل"أسرلة" السياسة الخارجية الأميركية، مما أجبر الرئيس الأميركي باراك أوباما على التراجع عن أولوية التوصل إلى تسوية سياسية فلسطينية – إسرائيلية كما أعلن في مستهل ولايته وسط دعاية صاخبة، لينجح أوباما بدوره في "حث شركائنا العرب والأوروبيين على زيادة الضغط على النظام" في سورية من أجل تبني الأولوية الإسرائيلية للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، كما قال جيفري د. فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية في شهادة له أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في الكونجرس بعد حوالي ستة أشهر من تفجير الأزمة السورية.

وفي شهادته تلك (9/11/2011)، صدق فيلتمان في أمر واحد فقط عندما اعترف بأن "شيئا واحدا تعلمته من أحداث العالم العربي في السنة الماضية وهو التواضع بشأن قدرتي على التنبؤ" بالتطورات في المنطقة. ومن الواضح الآن أن سورية قد أسقطت كل تنبؤاته وتوقعاته فيها وحولها، وكل المؤشرات تدل على أن النتائج العكسية للسياسات الأميركية التي نصح بها إدارته بشأن سورية باعتباره مهندس "شؤون الشرق الأدنى" لوزارة خارجيتها مثلت فشلا ذريعا له ولبلاده يستوجب إحالته إلى التقاعد واستبداله بآخر يملك الجرأة على تقديم المشورة لحكومته بضرورة تجريد السياسة الخارجية الأميركية تجاه سورية بخاصة والعرب بعامة من أسرلتها وعسكرتها.

وكان فيلتمان مخادعا ومضللا للشعب الأميركي وممثليه في الكونجرس في كل شيء آخر ورد في شهادته. فقداعتبر التقارير السورية عن العصابات التي تمارس الإرهاب والتخريب مجرد "دعاية من (الرئيس السوري بشار) الأسد عن العصابات المسلحة"، بالرغم من أنها موثقة ومسندة بشهادة "مراقبي" الجامعة العربية ودول كبرى تتمتع بحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي مثل روسيا والصين، وأوهم مستمعيه بأن "المحتجين يخرجون إلى الشوارع .. في كل أرجاء سورية في كل يوم"، وأن تلك الاحتجاجات "امتدت إلى كل مدينة وكل بلدة رئيسية"، وأن "ائتلافا يضم العلمانيين والمسيحيين والاسلاميين والدروز والعلويين والأكراد وجماعات أخرى من داخل سورية وخارجها قد اجتمعت لتؤلف جبهة متحدة ضد نظام الأسد"، وأن "المجلس الوطني السوري" يمثل "ائتلافا متحدا" للمعارضة، وأن "هذه" المعارضة "رفضت ابتلاع طعم الرد على عنف" النظام الحاكم، وأن "الدبابات والمدفعية تستمر في إطلاق النار داخل المناطق السكنية"، وأن "الضغط" الشعبي "بدأ ينهك الجيش" العربي السوري، ليخلص إلى القول: "نحن لا نسعى إلى المزيد من عسكرة الصراع ... لأننا (أي إدارة أوباما) لا نزال نعتقد بأن المقاومة العنيفة نتائجها عكسية".

ولأن فيلتمان وإدارته يدركون بأن السوريين لن ينخدعوا بما في شهادته من مغالطات وتضليل لأنهم يعيشون على الأرض التي كان يتحدث عنها، فإن المستهدف الواضح بخداعه كان الشعب الأميركي نفسه الذي استهدفه الخداع والتضليل الإعلامي المماثل من إدارته الحاكمة بلسان فيلتمان نفسه من أجل تسويغ غزو العراق قبل ذلك.

في سنة 1957 كانت هناك أيضا "أزمة سورية" يتذكرها جيدا جيل الكهول والشيوخ في الوقت الحاضر، والأزمة السورية الراهنة تكاد تكون نسخة طبق الأصل منها في أسبابها وأطرافها الأساسيين، وعلى الأرجح، كما تشير كل الدلائل، أن تكون نتائج هذه الأزمة المتجددة في القرن الحادي والعشرين هي ذات النتائج التي انتهت بانتصار سورية وبالنتائج الأميركية العكسية التي تمخض عنها تفجير واشنطن للأزمة السورية في القرن العشرين الماضي.

فالهزيمة الأميركية في الأزمة السورية الأولى هي التي أسست للدور السوري الاقليمي الحالي الذي تحاول الولايات المتحدة اليوم أن تنجح في القضاء عليه بعد أن فشلت في وأده في مهده قبل خمسة وخمسين سنة، كما ستؤسس الهزيمة الأميركية المتوقعة في الأزمة الراهنة لتعزيز هذا الدور في المرحلة المقبلة.

وقد نشر أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة ترينيتي الأميركية، ديفيد دبليو. ليش، كتابا عن أزمة 1957 بعنوان "سورية والولايات المتحدة: حرب أيزنهاور الباردة في الشرق الأوسط"، وهي أزمة سابقة على الثورة اللاحقة لها في إيران وسبقت أيضا وصول حزب البعث والأسد إلى الحكم في سورية اللذين تتخذ منهما واشنطن ذريعة لافتعال الأزمة السورية الراهنة. ونشر وليام كوانت، عضو مجلس الأمن القومي الأميركي في عهدي ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر، مراجعة لكتاب ليش عن أزمة 1957، الناجمة عن محاولة ضم سورية إلى حلف بغداد ضد السوفيات وثورة جمال عبد الناصر العربية في مصر، تماما كما تجري اليوم محاولة ضمها إلى جبهة أميركية – إسرائيلية – عربية ضد إيران، واتفق كوانت في مراجعته مع المؤرخ في "النتائج العكسية" للسياسة الأميركية تجاه سورية آنذاك، فقال:

"من الواضح الآن أن الولايات المتحدة قد انجرت للدخول في مخطط لإثارة عدم الاستقرار في سورية، بالاشتراك مع بريطانيا والعراق وتركيا (يستبدل العراق في الأزمة السابقة بقطر والسعودية في الأزمة الحالية) ... وكانت النتيجة عكسية إذ دفعت السوريين إلى أحضان السوفيات ودفعتهم لاحقا إلى الوحدة مع مصر (يستبدل السوفيات ومصر في الأزمة السابقة بإيران وروسيا والعراق على التوالي في الأزمة الحالية) ... و[كتاب ليش] يساعد في شرح لماذا تساور السوريين منذ مدة طويلة الشكوك في السياسة الأميركية تجاه بلدهم".

ومن الواضح أن الاستراتيجية الأميركية لم تتغير بين الأزمتين السوريتين، وأن الفترة الفاصلة بينهما كانت في الواقع امتدادا لأزمة متطاولة في العلاقات الأميركية – السورية، بدليل قانون مساءلة سورية الأميركي، والحرب الأميركية – الإسرائيلية التي لم تتوقف معاركها لإخراج القوات العربية السورية من لبنان وتصفية النفوذ السوري فيه من أجل تحويله إلى منطقة عازلة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وبين الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال في حالة حرب معها، وبدليل التشجيع الأميركي لدولة الاحتلال على عدم الانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة بالرغم من جنوح سورية إلى السلام ومفاوضاته. ومن الواضح كذلك أن هذه الأزمة سوف تستمر، حتى يمن الله على الشعب الأميركي بقيادة تاريخية جريئة تحرر سياسات بلادها في الشرق الأوسط من الأسرلة والعسكرة وتفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية الأميركية قوامها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ويحكمها القانون والشرعية الدوليين.

إن النتائج الدموية الملموسة لما يزيد على عام من التحريض الأميركي، المباشر وعبر قنوات عربية، للمعارضة السورية على رفض الحوار والاحتكام إلى العنف والاستقواء بالأجنبي قد اسقطت كل الادعاءات الأميركية بالحرص على وقف العنف ونزف الدماء وحماية أرواح المدنيين في سورية، فهذه الادعاءات لم تعد مسوغا كافيا ومقنعا لاستمرار المعارضة في المكابرة في التهرب من مواجهة النتائج العكسية لتبني القرارات المصنوعة في واشنطن ل"تغيير النظام" و"تنحي الرئيس"، التي كان تبني المعارضة لها وبالا على عرب سورية وأمنهم الوطني وأمانهم اليومي وحياتهم الاقتصادية بينما يهدد استفحال الأزمة بعواقب وخيمة على الأمن والاستقرار الإقليمي. ناهيك عن تقويض الحد الأدنى من التضامن العربي إلى أمد غير منظور، فمسؤولية المعارضة عن استمرار الأزمة لا تقل عن مسؤولية الولايات المتحدة وغيرها ممن يواصلون صب الزيت على نارها، ودماء الشعب السوري في رقابهم جميعا.

* كاتب عربي من فلسطين 

الأمس واليوم: المجلس العسكرى يسلم مـصر للفوضى/ مجدي نجيب وهبة


** بتاريخ 27/1/2012 .. كتبنا مقال بعنوان "هل المجلس العسكرى يسلم مصر للفوضى" ،.. وبعد مرور 90 يوم على كتابة المقال .. تحقق كل ما كتبناه ، بل زادت الأمور سوءا .. واليوم أرسلنا رسالة للمجلس العسكرى ، هامة وعاجلة ، نحمله المسئولية كاملة التى ستؤدى إلى سقوط مصر ، وليس سقوط نظام ...
** أما الكارثة الكبرى .. فهى العناوين التى تتصدر صحف القاهرة بجميع إنتماءاتها .. صحف مملوكة للدولة .. وصحف مأجورة .. وصحف خاصة .. وصحف حزبية .. سأكتفى بعنوان إحدى الصحف القومية ، التى من المفترض أن تلتزم الدقة فى سرد الحقائق ، حتى لا يحترق الوطن .. ولكنها فى الواقع أصبحت تطبل وتزمر ، مثل الغوانى فى الموالد ، مثلها مثل أى جريدة صفراء ، أو حمراء ، أو سوداء ..
** بجريدة أخبار اليوم .. عنوان بالصفحة الرئيسية .. "من الأسكندرية للسويس للتحرير .. الشعب يريد تقرير المصير" .. ومن هذه العينة المضللة ، تنشر الصحف نفس العناوين الكاذبة ، والمفبركة .. فهل 10 ألاف مرتزقة ، يتجمعون حول بعض المنصات ، هم الشعب ..
** أيها الإعلام الفاسد .. الشعب 85 مليون مواطن ، يرفضون الخروج مع فوضى الإخوان ، والحركات التخريبية .. ولم يختلف الإعلام المقروء عن فضائيات حرق الوطن !! ..
** والأن .. نحن أمام سيناريوهين لا ثالث لهما  .. إما التدخل الحاسم لوقف هذه الفوضى ، التى يترأسها جماعة "الإخوان المسلمين" ، وبعض الحركات التخريبية .. وإما الإستمرار فى هذه الفوضى ، وسقوط مصر إلى الأبد .. فلا يمكن أن نتصور مصر دولة فى ظل ما يحدث الأن ..
  • أما عن مقالنا .. فأرجو قراءته بإهتمام .. لأنه لا يوجد فرق بين الأمس .. واليوم :
***************************************
** كتبنا كثيرا .. وحذرنا كثيرا .. ولكن لا أحد يريد أن يقرأ ، ولا أحد يريد أن يفهم .. هذا الشعب المتعوس ، أصابته البلادة والغباء .. ولم أعد أجد كلمات تعبر عن ما يجيش فى صدرى من براكين الغضب إلا هذه العبارات ..
** الصورة الأن للجميع .. لقد تمكن الإخوان بجميع مؤيديهم من جماعات ، إلى منظمات ، إلى حركات تخريبية .. أن يسيطروا على كل مجريات الأمور ، فى مصر .. وسط حالة فى منتهى الغرابة ممن أطلقوا على أنفسهم "المجلس العسكرى" ..
** المجلس العسكرى يعلم طبيعة الشعب المصرى ، وللأسف رفض سماع صوت الأغلبية الصامتة ، وفضل أن يستمع للإخوان والفوضويين والمخربين ..
** المجلس العسكرى يعلم طبيعة وحساسية المرحلة التى تعيش فيها مصر ، ويقر المجلس أن هناك مخططات خارجية وداخلية ، ومع ذلك لا يفعل أى شئ ، وكأنه ينتظر شئ ما يدبر ضد هذا الوطن ..
** المجلس العسكرى يعلم أن جماعة الإخوان المسلمين ، فى صراع منذ عام 1928 ، للوصول إلى "سدة الحكم" .. وهم جماعة دموية .. لا يؤمنون بالديمقراطية .. ولا بالدولة المدنية .. ولا بالحرية .. ولا بالدستور .. ولا بالأخر المختلف معهم عقائديا وفكريا وسياسيا .. وهناك نماذج عديدة مثلما حدث فى السودان ، حيث أنشئت المحاكم الإسلامية ، ومثلما حدث فى الصومال ، وما يحدث فى أفغانستان والعراق ، وما يحدث فى ليبيا الأن ، وما تعد له اليمن من مستقبل لنفس السيناريو ، وما تعد له سوريا لنفس السيناريو والأحداث .. هم فصيل لا يتعدى تعدادهم مليون فرد ، بفصائلهم ومؤيديهم وأتباعهم والمروجين لهم .. ومع ذلك فالمجلس العسكرى رغم علمه أنهم قد يقودون البلاد إلى الهاية ، فنجد فى منتهى الغرابة أنه يتم تسليمهم مجلس الشعب بل وتسليمهم السلطة التشريعية والتنفيذية .. فماذا تبقى إذن ؟!!! ..
** المجلس العسكرى يعلم أنه تم الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين ، والمتطرفين والإرهابيين ، الذين حفلت ملفاتهم بجرائم تشيب لها العقول ، ومع ذلك فالمجلس العسكرى يفرج عنهم ليتصدروا الإعلام ، ويترأسوا المنصات للتحريض على الفوضى ..
** المجلس العسكرى يعلم أنه تم تزييف التاريخ ، فلا يمكن أن تتم إنتخابات برلمانية ، ثم يتم بناء الدستور المصرى .. كان يجب أن يتم إرساء مبادئ الدستور أولا ، التى يشارك فيها نخبة عالية من المثقفين والسياسيين والعسكريين والقضاة ، ليحقق كل رغبات هذا الشعب .. ومع ذلك رضخ المجلس العسكرى لمطالب وتهديدات الإخوان بالإنتخابات أولا ، ثم الدستور لاحقا .. وعندما وجد المجلس العسكرى أنه لا يستطيع أن يقول كلمته ، قال البعض "نحتكم للصندوق" ، فكان الإقتراع هو مهزلة بكل المقاييس ، والتى كشفت عن جهل هذا الشعب بنسبة 90% ، وعن سيناريو مدبر لتوجيه هذا الجهل لصالح الإخوان ، فقد أفتوا بأن من قال "نعم" بعلامة اللون الأخضر فقد دخل الجنة ، ومن قال "لا" باللون الإسود (الكئيب) ، فقد ذهب جهنم .. وتم الترويج لذلك أمام اللجان الإنتخابية ، بل أن القضاة الذين شاركوا فى المراقبة ، كانت تلميحاتهم للمواطن أن يعلّم على الدائرة الخضراء ، لكى تنجيه من عذاب جهنم .. هذا بجانب إستغلال الإخوان لشحن المواطن المسلم ضد الدعوة التى إنطلقت من الكنيسة ، تدعو المواطنين إلى خوض عملية الإستفتاء ، وأوحوا للمواطنين المسلمين أن الكنيسة تدعو إلى قمع الإسلام ، وإلغاء المادة الثانية من الدستور ، وتصليب المجتمع .. فأصبحت عملية الإستفتاء بين فصيلين .. فصيل دينى مسيحى مع مجموعة من الليبراليين (الكفار) ، وفصيل إسلامى تقودهم الجماعات الإسلامية بكل عناصرها ، بما فيها بعض شيوخ الجوامع ودعاة منابر الزوايا ، لشحنهم بزعم أن المرحلة القادمة هى مرحلة جهاد فى سبيل الله ، وفى سبيل إعلاء كلمة "الإسلام" ... ومع جهل شعب وصل إلى 90% يحركهم جماعة الإخوان كعرائس المارونيت ، كانت النتيجة 14 مليون قالوا "نعم" للبرلمان قبل الدستور ، و4 مليون صوتوا للدستور قبل البرلمان .. هذا بجانب شكاوى عديدة من المواطنين ضد اللجان التى وزعت فيها إستمارات باطلة ، ولجان لم تفتح أبوابها ، ومع ذلك كانت النتيجة كما خطط لها الإخوان ، وفازوا ، وقال أحد الشيوخ الأفاضل أن هذا الإستفتاء هو أشبه بغزوة "أحد" ، وأطلق عليها "غزوة الصناديق" ...
** عندما إعترض العديد من المثقفين ، وإحتجوا ، قال المجلس العسكرى "سوف نضع وثيقة فوق دستورية تلزم الجميع" ، ولكن الإخوان ثاروا وهاجوا ، وقالوا "سننزل الشارع" ، وهددوا المجلس العسكرى ، ورضخ لهم أيضا المجلس العسكرى وسحب كل إقتراحاته .. بل أنهم طالبوا "السلمى" بتقديم إستقالته فورا ، وإلا سيهدر دمه .. ووافق المجلس العسكرى على كل مطالب الإخوان ، ولم نعد نسمع عن "السلمى" ، أو "وثيقة السلمى" ..
** فى الإنتخابات البرلمانية الأخيرة .. أعلن المجلس العسكرى أنه سيتم إجراء هذه الإنتخابات فى جو من الديمقراطية وحرية التعبير ، وستكون الكلمة للناخب .. وأطلق مجموعة تحذيرات ، حتى لا يستبعد أى مرشح من دائرته ، ومع ذلك خرجت الإنتخابات أسوأ إنتخابات برلمانية تشهدها مصر منذ بداية الحياة البرلمانية .. إنتخابات فاحت فى رائحتها العفونة والتزوير والتضليل ، وإستخدام الدين لترويع الناخب ، بل إستخدموا كل وسائل الإعلام الممكنة المرئية والمسموعة والمقروءة ، لتوظيفها فى الترويج لجماعة الإخوان ، وتوجيه الناخب .. ومع ذلك نجد السيد المستشار رئيس اللجنة العليا للإنتخابات يعلن أن الإنتخابات البرلمانية هى عرس ديمقراطى لم تشهده مصر من قبل ، وأعلن بكل فجاجة ، أن هذه النتيجة جاءت معبرة عن أراء الشعب .. وبالطبع خرجت النتيجة بنجاح ساحق لـ "الإخوان والسلفيين وحزب الأصالة" ، ثم يأتى فى المؤخرة "الوفد والكتلة المصرية والأقباط بنسبة 1/2% .. فمن كان المسئول عن هذه الفوضى؟!!! ..
** قال البعض أننا لم نرى أى أعمال بلطجة أمام اللجان ، وهذا يحسب للمجلس العسكرى .. وفى الحقيقة التى لا تسمع الأن وسط هذا الصخب الإعلامى الحقير والسفيه والمضلل ، أن كل أعمال البلطجة فى برلمان 2005 ، كانت مدبرة من قبل ميليشيات جماعة الإخوان المسلمين ، من ترويع للجان والقضاة وللناخبين ، لمحاولة السطو على المجلس ، فقد كان الحزب الوطنى يقف لهم بالمرصاد ، ولكن الأن فقد خلت الساحة تماما من أى حزب إلا جماعة الإخوان المسلمين ، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الهشة الكرتونية ، التى تحاول أن تبحث لها عن مقعد داخل البرلمان .. وكانت النتيجة المتوقعة هى كما سبق أن أشرنا .. الفوز الساحق للإخوان ، بنفس الأسلوب المراوغ ، وهو الطعن فى الأخر ، وتشويه صورته ، وإلقاء التهم عليه ، والتهمة الشهيرة هى "إزدراء الأديان" .. فى الوقت الذى تلاقى هذه الإتهامات صدر رحب من بعض المحاكم ، التى ربما تكون تجربة لإرساء المحاكم الإسلامية .. ومع كل ذلك وقف المجلس العسكرى صامتا ، وكأن مصر لا تعنيهم .. ودعونا نتساءل .. إذا كان كل ذلك ، فأى وطن يدافع عنه المجلس العسكرى الذى يرأس قادته الجيش المصرى .. هل مصر هى جماعة الإخوان الدمويين .. هل الإخوان تبرأوا من جرائمهم السابقة فى حق المجتمع والمواطن المصرى ؟!! ..
** الإعلام المصرى بكل أطيافه وأشكاله .. من المسئول عنه .. الإعلام المصرى بكل قنواته التى تقود الرأى العام للفوضى والتخريب والتحريض على هدم هذا الوطن .. ومع ذلك أيضا نجد المجلس العسكرى الذى من المفترض أنه يدير شئون البلاد ، لا يعترض ، ولا يراقب ، ولا يحذر من أن الإعلام المصرى صار أكثر تحريضا ضد مصر ، من قناة الجزيرة أو العربية أو بى بى سى .. لقد تفوق إعلامنا المحرض على كل هذه القنوات .. تفوق هذا الإعلام فى الشحن والتحريض .. وأصبح لا عمل لهذا الإعلام الحارق للوطن ، إلا دعوة كل أطياف الإخوان ليفرضهم على الشعب المصرى كله ، لتصل رسالة أن هؤلاء هم المجموعة الحاكمة والمسيرة للوطن فى المرحلة القادمة .. ومع ذلك يقف المجلس العسكرى صامتا ، بل يبدو أنه مؤيدا لهذه السياسة العاهرة التى ينتهجها كل الإعلاميين من أساليب تحريضية ، وأساليب قذرة ، لنقل رأى واحد فقطدون الإلتفاف لرأى الشعب كله ، بل الإكتفاء بنقل الرأى الذى يهدم مصر .. لنجد أمامنا وجوه لا تتغير من الإخوان والشيوخ والقضاة الذين إستبعدوا من نادى القضاة منذ سنين عديدة .. عادوا هؤلاء ليجدوا أن جميع قنوات الإعلام صارت منابر لهم ، ليهددوا الجميع ، ويفرضوا سطوتهم حتى على القضاء المصرى الشامخ ..
** وإنفلت بذلك الزمام .. ولم نعد نسمع عن المجلس العسكرى إلا من خلال بيانات فيسبوكية .. لا تصل إلى هذا الشعب المغيب والصامت والجاهل ...
** فى أول جلسة برلمانية لهذا المجلس الذى لا يمثل إلا الجهلاء ، والمغيبين ، وجماعات الإسلام السياسى .. إنطلقت الحناجر كلها تتحدث عن الثأر للقتلى والمصابين .. وإقترح البعض منهم تعليق مشانق فى الميادين لمحاكمة كل رموز النظام السابق ، وعلى رأسهم الرئيس السابق "حسنى مبارك" .. كما إنطلقت حناجر لبعض رموز الإخوان والذين قضوا أعوام طويلة خلف أسوار السجون ليلهب مشاعر البرلمان الطالبانى ، ويطالب بالقصاص فورا ، ورفض المحاكمات المدنية ، بل يجب محاكمتهم ثوريا ، وسط تهليل السادة أعضاء البرلمان الأفغانى .. ولم يعد المواطن يعلم هل هذا هو البرلمان الشعبى الذى يجب أن يتحصن بالدستور والقانون ، قبل أى شئ ، أم هو برلمان مجموعة من الفتوات يصرون على تحقيق مبادئ الفوضى .. حتى القسم رفض بعضهم الإلتزام به ، فمنهم من أراد أن يغازل بعض المعتصمين فى التحرير ، وهم من يطلقون عليهم "ثوار" ، فقام بالقسم لهم أن يراعى مصالحهم ، والبعض الأخر وهم الغالبية العظمى ، رفضوا القسم إلا بعد أن يربطوه بعبارة "فيما لا يخالف شرع الله" ..
** المجلس العسكرى يرفض سماع أى أصوات أخرى تطالب بالحفاظ على سلامة الوطن ، أو محاكمة الذين قبض عليهم ، ومعهم أسلحة أثناء أحداث 28 يناير ، أو من ضبطوا على أسطح العقارات فى مساء 28 يناير ، وهم يلقون زجاجات المولوتوف ، أو من ضبطوا فى عمارة "البغل" ، ومعهم أسلحة قناصة ومدافع رشاشة ، تصل مداها إلى التحرير ، وباب اللوق أثناء الإعتصامات الأولى من بداية 25 يناير .. كما يرفض المجلس العسكرى ، الكشف عن المخططات الخارجية والأجندات الأمريكية التى تنفذها واشنطن ودول غربية بالإستعانة بمجالس حقوق الإنسان ، ولجان الحريات .. والتى لم تعد هذه المسائل تحتاج إلى تحليلات إجتهادية ، بل صار الكلام على الملأ .. فقد صرحت أمريكا فى أكثر من مناسبة أنها أمدت بعض مجالس حقوق الإنسان ، وبعض الحركات الثورية بملايين الدولارات ، والتى وصلت مليار دولار ونصف مليار دولار ، تم توزيعها على جهات ، تعمل على هدم مصر .. ومع ذلك يقف المجلس العسكرى دون أى إجراء قانونى ، بل أن كل من يجرأ من الشرفاء على كشف هذه المخططات تقوم جهات سياسية ودينية بإخراسه ، وتهديده ، وتقديمه للمحاكمة ، بتهمة إزدراء ثورة 25 يناير المجيدة .. ومع ذلك وقف المجلس العسكرى صامتا دون الكشف عن هذا الملف الحيوى الخطير ...
** عندما حذرنا من عناصر إرهابية من حماس تواجدوا فى التحرير ، بل قبض على بعض هذه العناصر أثناء إشتعال الإحداث ، ومعهم أسلحة وأموال ، لم نسمع شئ عن هذا الملف ، فقد إختفى وتبخر ، وكأن حال لسانهم يقول لن يجرؤ أحد على محاسبتنا أو محاكمتنا ، فنحن ننفذ تعليمات مولانا "أوباما" ، والجهادية الكبرى "كلينتون" .. وكله بثمنه ؟!!! ..
** الأن نحن فى أخر سيناريو ، وهو المطالبة برحيل المجلس العسكرى ، فقد حقق مطالب الإخوان كاملة ، إلا مطلب واحد وهو "الرحيل من الشارع المصرى" ، والمطالبة بعودتهم لثكناتهم ، كما أفصحت عنه أحد الناشطات السياسيات التى أتت بها الفوضى والدمار الذى لحق بمصر ، عندما قالت فى الفضائيات أنها "لا تريد أن ترى أى عسكرى جيش أو شرطة فى الشارع" ..
** فهل تحول هذا الجيش العظيم إلى شئ مخزى ، بل أن هناك نفس الدعوات والنغمات التى أطلقت على "مبارك" ، وهى "الشعب يريد إسقاط المشير" .. "الشعب يريد إعدام المشير" ، فهل صار المشير سعيدا بهذا الشعارات البراقة أو إنه لا يملك السلطة لوضع حد لهذه الفوضى ..
مجدى نجيب وهبة
صوت الأقباط المصريين