ماذا وراء أقنعة "عمود السحاب" و "ركن الدفاع"؟/ حمّودان عبدالواحد

كاتب عربي يقطن في فرنسا

   استرعى انتباهي أثناء تتبعي لتغطية الإعلام العربي والأنجلوساكسوني والفرنسي للحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة أن الصحافة العربية استعملت عبارة "عمود السحاب" ، كما هي تقريبا عبارة "عمود العنان" التي اختارها قادةُ الجيش العبري لوصف حملتهم العسكرية ، في حين أخذت مكانَها جملةُ "ركن الدفاع" Pilier de défense / Pillar of Defence  في لغة وسائل الإعلام الفرنسية والأنجلوساكسونية.
       هل من فرق بين التسميتيْن عِلما بأنّ العملية العسكرية الموصوفة هي واحدة ؟  أم هما وجهان لشيء واحد ؟ ماذا وراء استعمال " ركن الدفاع " لوصف الآتي أو ما يبرّره ؟ ثم ، ما الذي حاول ساسةُ إسرائيل طبخَه من خلال " عمود العنان أو السحاب " كشعار دقيق اختاروه بذكاء كبير - حسب الحبر السابق للجيش الإسرائيلي ، أفيهاي رونتسكي Avihaï Rontsky - ليكون سمة لحملتهم الجديدة ، القاتلة والمدمّرة ، على سكان قطاع غزة المحاصرين في أكبر سجن على وجه الأرض ؟
      يفسّر موقع جريدة " لوكوريي أنطرناسيونال " في نسخة يوم 19 -11- 2012 تبنّي الصحافة الأنجلوساكسونية والفرنسية عنوانَ " ركن الدفاع " عوض " عمود السحاب " لوصف الاستنفار العام الاسرائيلي والعملية العسكرية ضد قطاع غزة بتفضيل تسمية " محايدة " تبتعد بنفسها عن الأسباب الإيديولوجية التي جمعت القيادةُ الإسرائيلية 75 ألف جندي حولها.
      لكن اللافت، أنّ عبارة " ركن الدفاع " التي وقع اختيارُها مكوّنة من إضافة تلعب فيها مفردةُ " الدفاع " وظيفة دلالية مركزية فيما يخص تحديد نوع " الركن " المعني بالأمر. وعليه ، ألا يحق لنا أن نشك في نزاهة هذه الصيغة المختارة وحيادها المزعوم ؟ في الواقع ، لا يعكس اللجوءُ إلى كلمة " الدفاع " لنعت حشد عسكري عظيم وحملة هجومية شرسة - ضد ضعفاء محاصرين من أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين آخرين - تُستعمَل فيها أحدثُ الأسلحة والطائرات الاستطلاعية والنفاثة وأنظمة رادارات متطورة جدا ، وتُستَثْمَر فيها المعلوماتُ الأمنية والعسكرية المتبادلة بين إسرائيل وأمريكا .. ، موقفا حياديا بقدر ما يثير في مخيلة القارىء " هجوما " كان هو السبب في القيام برد فعل اسمه " الدفاع ". بعبارة أخرى ، لم تقم وسائلُ الإعلام الفرنسية والأنجلوساكسونية إلا بإعادة وجهة نظر الإسرائيليين ونشرها على نطاق واسع في أوروبا وأمريكا - وما وراءهما في المناطق المستعمِلة للإنكليزية - لتضليل الرأي العام. ولا يمكن لنا أن نقبل بادعاء الصحافيين الغربيين المفضِّلين عبارة " ركن الدفاع " أنهم لم يكونوا على علم أو لم ينتبهوا إلى كون كلمة " الدفاع " تحمل في طياتها تبريرَ ارتكاب الجرائم مما يجعل استعمالها يكون مقصودا لهذا الغرض. لنترك ، في هذا الصدد ، الصحافي صمويل فورِيْ  Samuel Forey  يعرض علينا وجهة نظر الإسرائيليين حتى نتأكّد بما فيه الكفاية من صحة هذه الفكرة : "  دخلتُ في اتصال مع خلية التواصل في FDI أي مع قوات الدفاع الإسرائيلية. هنا أيضا للكلمات أهمية لأن كلمة Tsahal لم تعد موضة ولم تعد وسائل الإعلام تستعملها بل عوضتها ب FDI أو بأحسن منها في الانجليزية  IDF حيث إن المتكلم بها يبدو أكثر معرفة ومهنية. والسبب في تفضيل هذه العبارة أن فيها لفظة ' دفاع ' مما يعني كما كرر لي ضابط في الاتصالات في حديث بيني وبينه أنّ ' إسرائيل لا تهاجم ، إنها تدافع عن نفسها فقط ، إنها تردّ على العدوان الإرهابي' ".
       عبارة " ركن الدفاع " تترجم إذن انحيازا صارخا يرمي إلى اعتبار العملية العسكرية دفاعا عن النفس ضد قوة تتحرّش بالجيش الاسرائيلي وتهاجمه. ولا يقتصر الأمر في فكرة " الدفاع " على عنصر التصدي للهجوم ، بل يتعدّاه إلى شيء آخر يختفي في نوايا من اختاروا العبارة المذكورة ويمكن تقديمه في عنصر تبرير القتل ب " إلقاء المسؤولية على الفلسطينيين ". يقول ضابط الاتصالات لصمويل فورِيْ بهذا الصدد : " نعم يوجد قتلى مدنيون ، وهو شيء مؤسف ، لكن يجب علينا أن نردّ على هجوم الإرهابيين ". وهو صدى لكلام كانت رئيسة الوزراء الإسرائيلية كولدا مايير قد وجّهته للرئيس المصري أنور السادات في صياغة يطغى عليها المكرُ وتدل بوضوح على دهاء الساسة الإسرائيليين : " يمكننا أن نسمح للفلسطينيين إذا ما قتلوا أطفالَنا ، لكننا لن نغفر لهم أن يُجْبرِوننا على قتل أطفالهم  ". ولا يخفى على أحد أن هذه الأقوال " المتأسفة " في الظاهر ترمي إلى تقديم صورة منمّقة ومزيّنة عن إسرائيل لدى الجماهير الغربية ، صورة تُظهِر الزعماءَ السياسيّين والقادة العسكريين في حُلة متحضرة ، يملكون قلبا ينبض بالرحمة ، ويتكلمون لغة " إنسانية ". ممّا يعني أن إسرائيل لا علاقة لها ، لا من بعيد ولا من قريب ، بالشر . إنّه يمثّل ظاهرة تولد وتتطوّر خارج نطاقها ومسئوليتها ، وجدير بالفلسطينيين أن يوبخوا أنفسَهم على معاناتهم ومآسيهم لأنهم هم السبب في خلق كل الشرور داخل غابتهم الهمجية.
      ويعرف المسئولون الإسرائيليون قبل غيرهم أنّ القوة التي يدّعون أنها تهدّد أمنَ إسرائيل وتنغّص على مواطنيها عيشَهم ما هي إلا ضحية الاحتلال ، إلا فريسته التي لم يتراجع يوما ما عن محاصرتها وخنقها ومطاردتها والفتك بها دون شفقة أو رحمة ، ودون احترام للقوانين الدولية !
      كان بالأحرى على مستعملي عنوان " ركن الدفاع " لوصف العملية العسكرية أن ينعتوها ب " ركن الأمن " أو " ركن المراقبة " أو " ركن محاربة المقاومة " لو كانوا فعلا مسكونين بهاجس الحياد والموضوعية. نسأل الصحافيين الفرنسيين والأنجلوساكسونيين إذن : ماذا فعلتم بالحقيقة ؟ هل تخشون انتقادات أصدقاء الاحتلال وكلّ الجهات المدافعة عن سياسة إسرائيل الاستعمارية ؟ هل تخافون من أن تسحب مجموعاتُ الضغط المصنِّعة للأسلحة تمويلَها وسندَها المادي والسياسي لكثير من قنواتكم ومواقعكم ومنصات الإعلام في الغرب ؟ أين هي ، والحالة هذه ، أخلاقيات المهنة التي بدأتم ممارستها بقسم اليمين الفارض على كلّ من يؤدّيه أن لا يقول إلا الحقيقة ؟
      من جانب آخر ، إذا كانت العلاقة وثيقة الصلة بين اللغة والفكر ، فهل يعني تبنّيكم جملة " ركن الدفاع " أنكم رضيتم بقلب الحقائق ، وقانون الاسباب وردود الأفعال ، فأصبحتم تبرّرون ، أنتم أيضاً ، في منطق كولونيالي ، ظلمَ الاحتلال وقمعَه وجرائمَه باتهام الضحية بأنها تهدّد أمنَه – والحق أنها ترفض أن تخضع لإرادته وتعيش في عبودية -  لهذا لابدّ له من الدفاع عن نفسه ؟ كيف يمكن للسجان أن يتكلم عن " الدفاع " عن نفسه أمام مسجونين يفترض أنهم مقيدون ؟ إنّ لَهذا أمر غريب يدعو بحق إلى كثير من الدهشة والتساؤلات !
      لكن هذا الاستغراب سرعان ما يتراجع ويزول حين نكتشف أنّ عبارة " ركن الدفاع " تعيد إلى ذهن المراقبين اقتراحا كان الأمريكيون - بعد أن بدأت حرب الإبادة في البوسنة والهرسك في 1992 ، وبالضبط مباشرة مع بداية الرئاسة الأولى لبيل كلينتون الأولى في 1993 - قد تقدموا به إلى  الأوروبيين في تسيير شؤون القارة الأوروبية تحت تسمية  " ركن الدفاع الأوروبي " .. وكان هذا الاقتراح قد نبع من اعتراف أمريكا آنذاك بأن الخلافات في أوروبا قد يمكن لها أن تكون مدبّرة ومسيّرة أحسن مما مضى إذا كانت الحلول تخضع للمشورة والنظر المشترك في إطار ما يمكن تسميته ب " الركن الأوروبي للدفاع " داخل حلف الناتو .. وكانت أوروبا تتجّه آنذاك نحو تغييرات استراتيجية كبيرة نتجت عن إعادة تنظيم عميق للمشهد السياسي في هذه القارة. وكان حلف الناتو يرى هو الآخر أن أهدافه تغيرت كثيرا إذ لم يَعُد الأمر يتعلق بحماية مناطق من أوروبا ضد أجزاء أخرى منها ، بل أصبح يتعلق بمساعدة كل المناطق على التعايش والتواجد فيما بينها ، بالإضافة إلى ضرورة التحالف لمواجهة الأزمات الكبرى الجديدة التي تحدث قريبا من أبواب أوروبا ، وخاصة في أسيا الوسطى والشرق المتوسط ، وأحيانا في مناطق آخرى صعبة كإفريقيا حيث لا توجد إلى حد الآن قوة أمنية وعسكرية لها ما يلزم من النفوذ وتسمح باستباق الأزمات أو احتواءها وشلها.
       وفي يونيه 1996 ، وُضِعت قواعد " ركن الدفاع الأوروبي "  بتبني برنامج وتقييم ميزانية وتحرير الأهداف المشتركة أثناء اجتماع حلف الناتو. وقد سمح هذا البرنامج وهذا التعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبي لهذا الأخير أن يتوفّر على بنيات مستقرة على المستوى السياسي والمالي والعسكري .. ولا يجب أن ننسى أنّ التعاون بين الاتحاد الأوروبي والناتو قد تمّ في إطار اتفاقيات ما يُسمّى " برلين زائد " لينتهي في دسمبر 2002 إلى إمضاء اتفاق شراكة استراتيجية ستأخذ فيما بعد اسم " سياسة أوروبا الأمنية والدفاعية "  .
      ألا يمكن ، في هذا السياق ، إدراج صمت القوى الغربية ، الأوروبية والأمريكية ، التي منحت الاحتلالَ الإسرائيلي غطاء دوليا لتوسيع نطاق جرائمه .. ، في خانة ما تمليه " اتفاقية لشبونة الأوروبية " التي هي جزء لا يتجزأ من سياسة أوروبا الخارجية وأمنها المشترك ( PESC )  ؟ 
       لفهم أبعاد هذا السؤال لا بدّ من التذكير هنا بشيء أساسي فيما يخص موقف أوروبا والناتو من حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) في غزة وفلسطين كلها. بما أنّ السياسيين الأمريكيين وجزءا هاما من الأوروبيين وضعوا هذه الحركة في لائحة الحركات الإرهابية ، وبما أنّ اتفاقية لشبونة الأوروبية وضعت في حسبانها " بند التضامن " اذي ينصّ على تضافر جهود أعضاء الاتحاد وتوحّد ردود أفعالهم إذا ما تعرّضت دولة من أعضاء الاتحاد إلى " هجوم إرهابي " ، وبما أنّ توسيع التعاون والتضامن في مجال الدفاع والأمن وإدارة الأزمات يمكن له أن يضمّ الناتو وأمريكا أيضاً ، وبما أنّ الاحتلال الإسرائيلي يبرّر دائما عدوانَه المتتابع على قطاع غزة والفلسطينيين المقاومين بذريعة تعرضه ل " هجوم إرهابي " .. فمن المحتمل أن تكون تسمية العملية العسكرية الجديدة ضدّ غزة ب " ركن الدفاع " في الإعلام الغربي قد تحمل في طياتها - والاتصالات كما تنقل وكالات الأخبار العالمية من جهة أمريكا وإنكلترا وكندا بإسرائيل لتدعمها لم تنقطع – خططَ وأهداف " ركن الدفاع الاوروبي " الذي يمكن رؤيته ك " ركن دفاع أطلسي أمريكي " . الشيء الذي – إن تأكد - يدفع إلى طرح سؤال بالغ الخطورة : هل " ركن الدفاع " الإسرائيلي هو الوجه الآخر ل ' ركن الدفاع الغربي " الذي يتقدم في حربه ضدّ فلسطين ( بقدسها وضفتها وغزتها ) كقضية الشعوب العربية الأولى تحت قناع " الحرب على الإرهاب " ؟
+++++++
        الأخطر في " ركن الدفاع " - كقناع للإرادة الأمريكية والقوى الأوروبية الكبرى والكندية في إرغام الفلسطينيين عن التخلي عن المقاومة من أجل استرجاع أراضيهم المحتلة والاستمتاع بحقوقهم الانسانية الأولية بحرية وكرامة – أنه الوجه الآخر لعبارة " عمود السحاب " الإسرائيلية المأخوذة من العهد القديم في الكتاب المقدس. وهذا يعني أنّ الحرب على غزة وتفسير القوى الغربية الكبرى لموقف إسرائيل بأنه " دفاعي "  ومفهوم ، بل ومبرّر كما ذهبت إلى ذلك الإدارة الأمريكية ، تندرج في إطار مرجع ثقافي ديني لإسرائيل ، وربّما أيضاً لِلقوى الغربية المساندة لها. والدلائل على ذلك كثيرة ، لكننا نكتفي ببعض الاستشهادات من العهد القديم التي تدعو إلى الدهشة بسبب تطابقها الحرفي مع الإرادة السياسية والعسكرية لزعماء الدولة العبرية في أرض فلسطين في القرن الواحد والعشرين. لنتأمل ما يلي : " كان يافي ( الإله ) يرافقهم ( العبريين ) في سيرهم ، نهارا في عمود من السحاب لكي يريهم الطريق ، وليلا في عمود من النار لكي يضيئهم ، كلّ هذا لكي يستطيعوا المشي بالنهار والليل. ولم يكن عمود السحاب لينسحب في النهار أمام الشعب ، ولا عامود النار في الليل " . ( العهد القديم ، الخروج 13 ، 21-22 ). ولنتابع أيضاً هذا المثال : " لا ترتعدوا ، لا تخشوهم . هذا ما أجبتكم به. إنّ إلهكم الذي يمشي أمامكم سيحارب من أجلكم كما فعل من قبل أمام أعينكم في مصر وفي الصحراء. كما رأيتم بأعينكم ، لقد حملكم كما يحمل رجل طفله طيلة الرحلة التي قادتكم إلى هذا المكان. لكنكم في تلك اللحظة لم تضعوا ثقتكم في إلهكم ، بيد أنه كان يسبقكم على الطريق لكي يجد لكم أرضا تقيمون فيها ، كان في الليل حاضرا في عمود النار الذي يضيء الطريق الواجب اتباعه ، وفي النهار في عمود الدخان " ( العهد القديم ، دوطِرونوم 1 ، 29-30 ).
       ألا نعثر في هذا النص التوراتي على عبارة Colonne de nuée     " عمود الدخان " التي تُرْجِمت في الفرنسية ب Pilier de défense  وفي الانجليزية ب Pillar of Defence   " ركن الدفاع " ؟  ألا يمكن لأي قارىء أن يقف بسهولة على النوايا الكامنة في استثمارها سياسيا من طرف أفراد الائتلاف الحاكم اليميني في إسرائيل بزعامة نتنياهو ؟
      ما هو غريب في استغلال هذا الائتلاف الإسرائيلي اليميني الحاكم لنصوص التوراة أنهم وسموا عدوانَهم على غزة بكلمات تمثّل تدخّلَ قوة عليا سماوية ستلعب دورا حاسما لصالح العبريّين في الصراع بينهم وبين المصريين. ويكفي للتحقق من ذلك أن نتابع ما جاء مثلا في فصل الخروج 14 ، 19-31 حيث نقرأ : " اتخذ عمود الدخان مكانا وسطا بين المصريين والإسرائيليين ، وكان مظلما من جانب لكنه كان يضيء الليل من جانب آخر (..) وعند نهاية الليل ، نظر الربّ من وسط عمود النار والدخان نحو جيش المصريين فحلت فيه الفوضى (..) في هذا اليوم ، حرّر الربّ الإسرائيليين من سلطة المصريين وأراهم جثثهم مطروحة على ساحل البحر ، فتأكدوا بأعينهم كيف أن الرب تدخل بقدرته لحمايتهم ضد مصر. لهذا اعترفوا بسلطته ووضعوا فيه وفي خادمه موسى كلّ ثقتهم ".
      غير مستبعد في ضوء هذه العناصر من فصل الخروج 14  أن يكون نتنياهو يعتبر نفسَه موسى جديدًا يقود قومَه – إسرائيليي اليوم -  كما فعل موسى عليه السلام مع عبريي الأمس نحو الهدف الذي أمرهم به ربّهم بالسير نحوه. وهذا يعني كذلك أنّ الرئيس " الإسلامي " محمد مرسي يلعب دور فرعون مصر القديمة ، وأنّ الشعب المصري الذي أوصل في غالبيته هذا " الإخواني " إلى الحكم يمثّل جنودَه المضطهِدين للعبريين .. وليس من باب المجازفة أن تكون كلمات " عمود السحاب " المصحوبة بالنار تارة والدخان تارة أخرى تحمل في خفاياها رسالة تحذير وتهديد لمصر مما يجعل هذه الأخيرة تكون مستهدفة من حشد الجنود واستعراض العضلات في الحملة العسكرية الرهيبة الموجهة ظاهريا لتمزيق أوصال وشرايين غزة المقاوِمة ..
       ويمكن القول دون مبالغة إن إسرائيل تعطي لنفسها الحق ، باسم هذا المنطق الثيولوجي الماضوي ، المؤطر والمبرّر لرؤية زعمائها السياسيين المعاصرين والحاليين ، بالتدخل عبر طرق عديدة ومختلفة - منها المعروف والمباشر ومنها ما لا يعرفه إلا المقربون والعاملون في الكواليس – في الحياة السياسية المصرية للتأثير فيها وتوجيهها نحو كل ما من شأنه أن يثير الفوضى والفتن والانقسامات بين الأحزاب والطوائف أو الجماعات الدينية وأفراد الشعب المصري. ولعل فيما تشهده اليوم مصر من مواجهات بين المعارضة بكل فئاتها وبين الرئاسة وأتباعها من الإخوان والإسلاميين دليل واضح على صحة ما نذهب إليه.
       تعرف إسرائيل أن الشعب المصري عموما ، والإخوان المسلمين خصوصا يقفون جميعا إلى جانب قطاع غزة وحركة حماس في مقاومتها للاحتلال ، ولم تفاجئها المساعدات المصرية ولا المساندةُ الحكومية والشعبية العلنية للفلسطينيين في مواجهة عدوان " عمود السحاب ". رأت إسرائيل بأمّ عينيها وتأكّدت ، بما لا يدع مجالا لآمالها المعلقة على تغيير مصر من موقفها في المستقبل بصدد مشروع دولة الاحتلال ،  أنّ المصريين عموما لم يكتفوا بالمطالبة بوقف العدوان الاسرائيلي والسماح لهم بالوصول إلى قطاع غزة للتعبير عن تضامنهم مع سكانه ومع قيادته ، بل رفعوا أصواتهم مطالبين بالرد بشدة على حملة " عمود السحاب " وأطلقوا شعارات مثل 'سلحونا، سلحونا والى غزة أرسلونا ". تيقنت إسرائيل كذلك من أنّ المصريين بكل شرائحهم الاجتماعية وشخصياتهم ونشطائهم مهما كان انتماؤهم السياسي والديني يعتبرون الحرب على قطاع غزة بمثابة إعلان حرب على مصر..
      تعرف إسرائيل كل هذا ، لكنها متيقنة أيضاً من ثلاث حقائق أخرى. تكمن الأولى في كون مصر تمثل النموذج المقتدى به في البلدان العربية ، وأنّ أغلبية شعوب المنطقة العربية ، سواء في المشرق أو المغرب العربي ، تنظر إليها وكأنها القلب السياسي والثقافي النابض للعالم العربي . وهذه النقطة بالضبط تجعل منها دولة ذات أهمية استراتيجية كبيرة ، لها تأثير نفسي مباشر وقوي في صفوف الشعوب العربية والإسلامية. لهذا لا بدّ من أخذ هذا الجانب القيادي لمصر بعين الاعتبار والتعامل معه بواقعية ، وفي نفس الوقت بحذر واحتياط كبيريْن.
     وتكمن الحقيقة الثانية في العلاقة المصيرية بين الثورة المصرية كقضية وطنية ، وتحرير فلسطين كقضية عربية وإسلامية مصيرية. وهذا يعني أن الثورة الحالية في مصر ، كمثيلاتها في تونس وليبيا وغيرهما في الوطن العربي ، لن تكتمل إلا باسترجاع الفلسطينيين لأراضيهم المحتلة وعلى رأسها القدس الشريف والمسجد الأقصى.
    أما الحقيقة الثالثة فلها علاقة بالحالة الداخلية لمصر التي تمر بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية من جراء المواجهة التي تشهدها البلاد بين الرئاسة والحكومة الحالية ، وبين المعارضة بكل أطيافها العلمانية والليبرالية والديمقراطية. وتراهن إسرائيل ، للحيلولة دون تحقيق الحقيقة الأولى والثانية ، على تكريس سلبية هذه الحقيقة الثالثة والعمل – بكل ما أوتيت من وسائل معنوية ومادية ، سياسية وعسكرية ومالية وثقافية ، مباشرة وغير مباشرة - على إشعال النار أكثر فأكثر في البيت المصري حتى لا ينعم بالاستقرار السياسي والأمن الداخلي الضرورييْن لنجاح الإصلاحات وإرساء قواعد مؤسسات الدولة المدنية والديمقراطية الجديدة.
     لابد إذن ، في ضوء هذه الحقائق ، من التساؤل حول المصلحة التي قد تجنيها إسرائيل من موافقتها على وقف إطلاق النار مع حماس بوساطة محمّد مرسي . هل تقبل بخسارة ما حتى لو كانت رمزية ؟ هل تقبل بإرجاع الآلاف من الجنود بمعداتهم الحربية ، الخفيفة والثقيلة ، بعد أن حشدتهم - في استنفار وطني جماعي واستثمار إيديولوجي ديني - على مشارف قطاع غزة دون مقابل ؟
      عمدت إسرائيل ، من ضمن ما خططت له ومن أجل الحصول على بعض هذا " المقابل " ، إلى جرّ الرئيس المصري نحو السقوط في خطأ داخلي ، فتصوّرته كبالونٍ قابل للانتفاخ بالهواء وبدأت تنفخ فيه ( صدرتْ مثلا أمداحٌ من طرف شخصيات إسرائيلية كبيرة كالرئيس شمعون بيريس الذي عبّر عن مفاجأته من التعامل الإيجابي للرئيس محمد مرسي ومحاولاته للتوصل إلى التهدئة بخلاف حماس التي لا تريد وتضع العراقيل في طريقه ) وتبعتها أمريكا وجلّ وسائل الإعلام الغربي والعربي الرسمي في عملية النفخ معتبرة الرجل ذا رؤية سياسية كبيرة ويتعامل مع الملفات الساخنة بحكمة وواقعية ، وأنه عبّر من خلال موقفه المتزن على أنه شخصية مقبولة . فكانت النتيجة أن انتفخ البالون أكثر من اللازم ففاجأ مرسي الجميع – ما عدا إسرائيل وأمريكا - بعد يوم من توقيع الهدنة بقرار يعتبر " كل القوانين والمراسيم التي اعلن عليها منذ 30 حزيران 2012 سارية المفعول الى حين اقرار الدستور وإجراء الانتخابات للبرلمان. وأشعل هذا الاعلان النار وأثار عليه الدوائر الليبيرالية، التي فسرت خطوته كعملية اختطاف اخرى غايتها السماح للاخوان بالسيطرة سواء على لجنة صياغة الدستور أم على البرلمان المصري. كما أنّ جهاز القضاء المصري الذي يعتبر أكبر الاجهزة تقديرا بين الجمهور ، رأى في هذا الاعلان تهديدا حقيقيا على استقلاليته ". (أنظر القدس العربي 06-12-2012 )
+++++++
     إن النصوص التوراتية التي استشهدنا بها هنا وأخرى تشبهها في المضمون قد خضعت للدراسة والتأمل من قبل أحبار الجيش الإسرائيلي ، وهي المقصودة أو المخبَّئة أو المحفِّزة لاستعمال عبارة " عمود السحاب " كعنوان لعملية الاستنفار الجماعي الذي دعت له حكومة نتنياهو ... ألا تقدم هذه النصوص محنة الأجداد الأولى في شكل حكاية قائمة في أساسها على السرد أي آلية مُحَفّزة للخيال ومثيرة للفضول والأشواق وداعية إلى الحنين والتفكّر في الماضي للاستعانة به على الحاضر والاستفادة من تعاليمه وتجاربه ؟ 
      لا ريب أنّ كلّ هذا لم يكن غائباً عن ذهن القادة الإسرائيليين الذين يعرفون أنّ الكلمات في السياسة تُستعمَل كوسيلة باعتبارها عناصر تلعب دورا فعالا في آلة الإقناع التي نطلب بموجبها من المواطنين أن يعطوننا السلطة أو يتركوننا فيها. ولكي تكون لكلمات الخطاب السياسي المفعول المتوَخّى منها في خلق دوامة من الانفعالات وردود الأفعال المتجاوبة مع ما يدعو هذا الخطاب إليه ، ينبغي لها أن تبني نوعاً من التداعي الدلالي المناسب الذي تثيره في ذهن المتلقي انطلاقا من الواقع الراهن أو الأزمة المعالَجة أو الحدث الداعي للتحرك. ولملء هذه المهمّة على أحسن وجه ، يلجأ الزعماء السياسيون في خطاباتهم إلى كلمات مشحونة بمعاني وثيقة الصلة بالتاريخ والقيم الدينية، وتدعو إلى تجنيد عقائد مترسّخة – نفسيا وفكريا وخياليا– في سبيل مساندة الغاية أو الغايات التي استُعمِلت من أجلها. وقد بنى زعماء الحركات الاوروبية الذين استوطنوا أراضي الهنود الحمر وغيرهم من سكان أمريكا الأصليين ، اعتمادا على أفكار ذات مرجعية إنجيلية ، نفس التداعي الدلالي لدى المتحمسين من أنصار مشروعهم الاستعماري.
       واضح أنّ تسييس هذه النصوص - الذي ينحو ظاهريا إلى تفسير مبسط في أقصى صوره التلفيقية - يمكن إرجاعه إلى رغبة الساسة العبريين الحاليين إلى التوحيد بين تجربتين ، تجربة العبريين المعاصرين المسَلّمين أمورهم إلى نظام سياسي وعسكري استعماري ، وتجربة العبريين القدامى في الصحراء ، بعد أن غادروا مصر فارّين مع نبي الله موسى من جور فرعون.
      إنّ تكسير عنق التجربة القديمة لِتُمَثّل رغما عنها العمقَ التاريخي والتبريرَ الديني لتجربةٍ استعمارية لا تتردد في ارتكاب جرائم إنسانية لا علاقة للديانة اليهودية بها ، لَشيءٌ يخيف ليس الفلسطينيين وحدهم والعرب ، بل أيضا كل الغربيين المدافعين عن حقوق الإنسان والمحبّين للعدل – ومنهم يهود - الرافضين للاحتلال واستغلال الدين واللعب على وتره الإيديولوجي الحساس والخطير لأنهم يعرفون أكثر من غيرهم أنّ عدم تسوية القضية الفلسطينية بالطرق القانونية الدولية المعروفة من أجل إرجاع الحقوق إلى الفلسطينيين معناه استمرار الحرب والمواجهات واستحالة تصور مستقبل آمن في منطقة الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم.
      يبدو واضحا أنّ نتنياهو ، في اتحاده بتجربة العبريين في الصحراء في زمن النبي موسى عليه السلام ، يريد أن يجعل من آلة جيشه المتعطشة لدماء الغزويين والفلسطينيين ، وما وراءها إلى دماء المصريين الذين صوتوا لصالح رئيس إخواني ، الوجهَ المعاصر ل" عمود السحاب " الذي يمثل التجلي الإلهي في العهد القديم .. وانطلاقا من هذا يكون المحارب الحقيقي للفلسطينيين في غزة المحاصَرة ليس هو المحتل العسكري والسياسي الإسرائيلي المجرم الهمجي المتغطرس ، وإنّما الله نفسه في اتخاذه شكل أو فكرة غمام كوسيلة يتجلى من خلالها لقيادة مسيرة حكومة الائتلاف الإسرائيلي اليميني العنصري. ووقفة متأملة في الفقرة 19-20 من فصل الخروج 14 في العهد القديم تُظهِرُ للقارىء أنّه ، بالإضافة إلى تقديم نقطة توجه لعملية السير فإنّ عمود السحاب والنار يخلق رابطا بين السماء والأرض يرمز إلى رغبة الإله في النزول لمساعدة الإسرائيليين في تجربتهم .
       هذه هي الخلفية التأويلية لإيديولوجية قوة الاحتلال الإسرائيلية التي تعوّدت – إذ سبقت عمليةَ " عمود السحاب" حملةُ " الرصاص المصبوب " الهمجية وعملياتٌ أخرى عديدة من نفس المستوى الوحشي – على قتل وجرح المئات من  الأطفال والنساء في أرض فلسطين ، وتدمير البيوت والبنيات التحتية وكل شيء فيها ، وتهجير الآلاف من أُسَرها وتشريدهم ، وحرق أخضرها ويابسها على السواء  !
       ولا يخفى على أحد أنّ تبنّي هذه القراءة السياسية لتجربة العبريين التاريخية في صحراء سيناء يقلِب الوظيفةَ الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية لمفهوم الله في الدين ويحوّلها إلى مهمّة احتلالية وعسكرية قائمة في جوهرها على القتل والعنف والتدمير. بلغة أخرى ، إنّ ساسة وعسكريي إسرائيل في علاقتهم بالله لا " يخدمونه " ، بل " يستخدمونه " من أجل تلبية رغبات " عجلهم الإمبريالي " أي مشروع وطن أسطوري يستمدّ قوّته وروحَه من رفض السامري المادي لتعاليم إله موسى وهارون - عليهما السلام - الروحية .
      الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي هو نزاع سياسي لا ديني ، نزاع بدأ – وهو مرشح إلى الاستمرار -باحتلال الأرض وطرد السكان ومصادرة المنازل ، وعرف عدة ممارسات تعسفية وارتكاب مظالم متتابعة في حق أصحاب الأرض من جرائم قتل فردية وجماعية وتعذيب وقطع الطرق وفرض المراقبة الدائمة ..  ثم وصل ، منذ أكثر من ست سنوات ، إلى فرض عقوبة جماعية على سكان غزة بعد أن صوتت الأكثرية الساحقة منهم لصالح حركة حماس فخيّم الحصار على القطاع وشرع في خنقه برا وجوا وبحرا ، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. ورغم كلّ هذا رفضت القوى الغربية الكبرى (المسئولة عن وجود دولة الاحتلال الإسرائيلية في المنطقة العربية ) دائما مطالبَ الشعب الفلسطيني في ممارسة حريته واسترجاع كرامته وحقوقه المهضومة من خلال تطبيق القوانين الدولية. ماذا يجب إذن على الفلسطينيين أن يفعلوه حتى يجدوا آذانا صاغية من زعماء العالم الغربي ، عالم الحرية والمساواة والديمقراطية ، وحقوق الإنسان ؟
        لو كان نيتشه حيا بيننا ورأى الحالة المتخلفة المظلمة التي عليها العالم اليوم ، وبالخصوص الوضع شبه " التراجيدي " الذي يعاني منه سكان غزة على يد المحتل الإسرائيلي المحاصِر المتغطرس بموالاة الأمريكان لسياسته القائمة على العنف والقتل ، لأعاد ما كان قاله أثناء " مقابلة مع الملوك "  في كتابه الشهير " هكذا كان يتكلم زرادشت " : " ليس هناك ، فيما يخص تحديد أقدار الناس ، من كارثة ونكبة إنسانية أصعب من تلك التي يظهر فيها " أقوياء العالم " في صورة " آخر البشر " . آنذاك  تتحوّل كلّ الأشياء إلى زور وبهتان مرعب تقاس الأمور من خلاله. لكن لمّا يهبط هؤلاء الأقوياء إلى أسفل المستويات ، إلى مستوى الحيوانات ، حينئذ يقف الشعب وينهض بالقيم ويقول في النهاية بصوت جماعي : " هاأنذا ، أنظروا إنني أنا وحدي الفضيلة " !
      لكن هل تنطبق نهضةُ هذا الصوت الجماعي للشعب - الممثل للفضيلة وقيم العدالة والصدق والحرية - في وجه زعمائه الخسّيسين ( آخر البشر ) على المجتمع الإسرائيلي ؟ 

الحب والسعادة/ أنطوني ولسن

أولاً : الحب

الحب هو البساط السحري الذي يطير بك الى الجبال ويهبط الى الوديان ، ولا ترى سوى الجمال ، ولا تشعر إلا بالحنان . وهو أي الحب ، أكسير الحياة الذي يعطيها الدفعة القوية لتواجه صعابها ونكباتها .
الحب هو الدواء لكل داء ينخر في نفس الأنسان ويجعله يحقد ويحسد ويكره ويقتل ويدمّر ويغار ويحتار . إذا كنت تحب انساناً تجد قلبك خالياً من الحقد والحسد والكُره وكل الآفات الأنسانية الفتّاكة . من يحب يشعر أنه قريب جداً من الله . لأن الله محبة ، وقريب جداً من الأنسان . لأن الأنسان أحبُ المخلوقات وأقربها إليه .. إلى الله .
الحب الحقيقي هو الحب المعطي . يعطي بلا معايرة. وإذا أعطى الأنسان المحتاج إلى العطاء من قلبه دون أنيعايره ، يردّ اليه قلب المحتاج حباً قوياً مملوءاً بالوفاء والأخلاص والتضحية .
عندما أحب الله هذا المخلوق الضعيف الذي خلقه وهو الأنسان ، ضحى بنفسه أخذاً شكل انسان ، معلقاً فوق صليب العار ، سافكاً دمه الزكي ، مخلصاً اياه من موت محقق هو أجرة الخطية .
" هكذا أحبَ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد " .
الحب إذن هو أسمى الصفات التي يمكن للأنسان أن يتحلّى بها ، فيقوم بأعظم المعجزات التي لا يستطيع القيام بها بأعماله أو إيمانه . هكذا تقول الآيات في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح13 والتي نقرأ منها الأيات التالية :
صرت " ان كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد
نحاساً يطنّ أو صنجاً يرنّ . وان كانت لي نبوة وأعلم جميع الأسرار وكل علم وان كان لي كل الأيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس محبة فلست شيئاً . وان أطعمت كل أموالي وان سلمت جسدي حتى احترق ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئاً . المحبة تتأنّى وترفق .. المحبة لا تحسد ، ولا تظن السوء ..." .
وفي أخر الأصحاح نقرأ :
" أما الآن فيثبت الأيمان والرجاء والمحبة . هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة " .

ثانياً : السعادة

عندما يبحث الناس عن السعادة . يظن بعضهم انها في المال ، ويظن آخرون أنها في البنين ، وتظن مجموعة من البشر أنها .. السعادة ، في السلطة والجاه . بل قد يظن المرضى فكرياً من البشر أنها في التعنّت والصلف واستعباد الناس واذلالهم ، فيجدون في هذا العمل سعادة لنفوسهم السقيمة المريضة .
ويظل الأنسان يبحث عن السعادة .. ولا يجدها ..يا تُرى ما السبب في إختفاء السعادة وبُعدها عن الناس ؟. وهذا مجرد اجتهاد مني ، أن الأنسان يبحث عن السعادة بين الأشياء الزائلة الفانية المادية . ولا يبحث عنها بين الأشياء الخالدة الأزلية الروحية . والسعادة ليست فيما حولنا . بل هي كما أعتقد أيضاً أنها موجودة بداخلنا . أي أنها قريبة جداً من كل واحد فينا . كيف يكون هذا والأنسان يلهث ويجري ويموت دون الحصول على السعادة التي بداخله ؟ لسبب بسيط ، أنه لم يفكر أبداً فيما يمتلك هو وليس ما يمتلك غيره . لو فكر الأنسان فيما أنعم الله عليه به لشعر بالسعادة .. ولكنه يقلل من شأن عطايا الله له ، ويجد في العطايا التي يعطيها الله للآخرين سعادته . ويتعذب الأنسان الذي لا يستطيع الحصول على ما للغير ، ولا يستطيع الأستمتاع بما بين يديه . وقد صدق قدماؤنا عندما قالوا " القناعة كنز لا يفنى " .
ونرى في حادثة الغني الذي ذهب للرب يسوع وسأله كما جاء في انجيل مرقس الأصحاح العاشر 17 ـ 22 . نقرأ الآتي :
" وفيما هو خارج الى الطريق ركض واحد وجثا له وسأله أيها المعلم الصالح ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية. فقال يسوع ،لماذا تدعوني صالحاً ، ليس أحدُ صالحاً الا واحد وهو الله . أنت تعرف الوصايا ، لاتزنِ ، لا تقتل ، لا تشهد بالزور ، لا تسلب ، أكرم اباك وأمك .فاجاب وقال يا معلم هذه كلها حفظتها منذ حداثتي . فنظر إليه يسوع وقال له ، يعوزك شيء واحد ، إذهب بِعّ كل ما لَكَ واعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعالَ اتبعني حاملاً الصليب .فاغتمّ على القول ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة " .
ياليتنا ونحن نخطو أولى خطواتنا لعام 2013 أن نعرف المعنى الحقيقي للحب المعطي ، وأن لا نبحث عن السعادة في أشياء زائلة لأن السعادة في قناعتنا بما لدينا ، وتقدمنا بالحمد والشكر لله الذي وهبنا السعادة في قلوبنا ، في داخلنا.
2013 عام جديد سعيد
وعيد ميلاد مجيد

ـ2013عام استئناف المفاوضات الفلسطينية/ نقولا ناصر

(يوجد في الأمد القريب موعدان لاستئناف محادثات تستهدف التوصل إلى اتفاق على استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية)

عشية"عيد الميلاد"، في الرابع والعشرين من الشهر، أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من بيت لحم المحتلة والمحاصرة عن "تمنياته" بأن يكون "2013 عام السلام"، معتبرا أن اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقبة غير عضو فيها "يتطلب منا أن نعود إلى المفاوضات" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأن كلام "الكثيرين" ممن "قالوا انه لا حاجة للعودة إلى المفاوضات" هو "كلام غير صحيح" (وفا).
وبالرغم من أن ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها عباس، نفى في ذات اليوم أن تتعدى فرص استئناف المفاوضات كونها "مجرد أمنيات ووجهات نظر عند بعض الدول الأوروبية" قائلا إنه "لا يمكن الدخول في عملية مفاوضات" لأن خطط الاستيطان اليهودي الأخيرة وخاصة في القدس "تعطل أي حل يمكن بحثه" بالتفاوض، فإن كل الدلائل تشير إلى أن عباس لا يغرد خارج سرب "شركائه" في ما يسمى "عملية السلام" التي ماتت لكنها لم تدفن بعد، ولا ينوي في أي مدى منظور حرق جسوره لا معها ولا معهم.
وحسب تقارير الأخبار، يوجد في الأمد القريب موعدان لاستئناف محادثات تستهدف التوصل إلى اتفاق على استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. وقد أبلغ مسؤولون تحدثوا باسم عباس الأسوشيتدبرس نهاية الأسبوع الماضي بانهم سوف يضغطون لتجديد المحادثات بعد الانتخابات في دولة الاحتلال في الثاني والعشرين من كانون الثاني  / يناير المقبل.
وأبلغ العاهل الأردني عبد الله الثاني "الحياة" اللندنية أثناء زيارته الأخيرة للمملكة المتحدة أن الأردن سوف يستضيف لقاءات فلسطينية – إسرائيلية في شهر شباط / فبراير المقبل.
وتحدث تقرير حصري لموقع "ديبكا" الاستخباري الاسرائيلي في الرابع والعشرين من هذا الشهر عن "تفاهم" بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على إجراء محادثات كهذه برعاية "أميركية – اسلامية" في شهر آذار / مارس المقبل.
ولا يمكن طبعا عزل مثل هذه التقارير عن الزيارتين اللتين قام بهما الملك عبد الله الثاني مؤخرا لرام الله ولندن.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، وحسب وكالة "معا"، تحدث نمر حماد، مستشار عباس، عن "مبادرة" بريطانية – فرنسية تقترح العودة إلى المفاوضات، وتسعى إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة للبدء في محادثات تستهدف استئنافها، وفق مرجعيات ملموسة محددة، موضحا أن المبادرة لا تتضمن أي "سقف زمني".
وفي الثاني والعشرين من هذا الشهر، قال الاتحادان الأوروبي والروسي في بيان مشترك من بروكسل إنه "يجب" على الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي "الانخراط في مفاوضات مباشرة وجوهرية من دون شروط مسبقة"، معربين عن "قناعتهما الجازمة" بأن "الآن هو الوقت لاتخاذ خطوات شجاعة وملموسة" من أجل "تحقيق "حل دائم" للصراع "ينهي كل المطالب".
وانضم بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر في صلاته بمناسبة عيد الميلاد إلى الحث على بدء السير "بحزم في الطريق إلى التفاوض"، منسجما مع تأكيد عباس خلال زيارته الأخيرة له "استعدادنا الكامل لاستئناف المفاوضات" على ذمة كبير مفاوضي عباس د. صائب عريقات.
لقد كان البيان الختامي الصادر عن اجتماع قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في البحرين يوم الثلاثاء الماضي لافتا للنظر في خلوه من أي إشارة إلى استئناف المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، ونظرا للدور القيادي الذي يلعبه المجلس في صناعة قرار جامعة الدول العربية هذه الأيام، فإنه يقود في الظاهر إلى الاستنتاج الخاطئ بأن الجهود الجارية على قدم وساق لإجراء محادثات فلسطينية – إسرائيلية تفضي إلى استئناف المفاوضات الثنائية المباشرة لا تحظى بدعم المجلس والجامعة.
لكن هذا الانطباع الخاطئ سرعان ما يتبدد بما يتردد، أولا، عن تأليف لجنة "رباعية" عربية – إسلامية تشارك الرباعية الدولية المعروفة في رعاية المحادثات الهادفة إلى استئناف المفاوضات، وثانيا باستمرار التأخر في تنفيذ قرار قمة بغداد العربية ثم قرار وزراء خارجية لجنة متابعة مبادرة السلام العربية بتوفير "شبكة أمان" مالية عربية لمفاوض منظمة التحرير الفلسطينية، وهو تأخر لا يمكن تفسيره إلا بكونه اداة ضغط أميركية بواجهة عربية تستهدف حث هذا المفاوض على الاستجابة لجهود استئناف المفاوضات كثمن عليه دفعه للخروج من أزمته المالية.
لقد كان إنشاء "رباعية اقليمية" تتكون من مصر والسعودية والأردن وتركيا للاشراف على مفاوضات فلسطينية إسرائيلية اقتراحا قدمته مؤخرا رئيسة حزب ميرتس زهافا جال – أون، وكان من المتوقع ألا يحظى هذا الاقتراح باي اهتمام جاد بسبب الدور الهامشي الذي يلعبه حزبها في صنع قرار دولة الاحتلال. لكن الاقتراح تكرر للجنة رباعية مماثلة تحل قطر فيها محل السعودية ضمن "رعاية أميركية – إسلامية" مشتركة لاستئناف المفاوضات كبند في خطة "تفاهم" من أربعة بنود ذكر موقع "ديبكا" في تقريره المشار إليه اعلاه أن أوباما ونتنياهو قد توصلا إليه هذا الخريف.
وإذا صدق هذا التقرير فإن الاقتراح بالتأكيد يكتسب أهمية أكبر كمؤشر إلى جهود مشتركة بين الرجلين لتوريط الدول المقترحة لهذه الرباعية "الاقليمية" في إحياء عملية أثبتت عقمها طوال العشرين عاما المنصرمة، وإذا قدر لهذا الاقتراح أن يرى النور فإنه لن يضيف جديدا إلى الدور الأردني غير أنه سيدخل قطر أو السعودية بدور مباشر في هذه العملية في سابقة أولى من نوعها، وكذلك تركيا التي سبق لها أن قامت بمحاولة فاشلة مماثلة لكن على المسار السوري والتي قال التقرير إنها استأنفت تعاونها مؤخرا في إطار حلف الناتو مع دولة الاحتلال مما يسهل قبولها بدور تركي كهذا، بينما ستكون موافقة مصر 25 يناير على القيام بدور كهذا تأكيدا على عدم حدوث أي تغيير في دورها بعد الثورة وهو ما تسعى حثيثا إليه دولة الاحتلال وراعيها الأميركي.
ويذكر هذا الاقتراح بتوجه لدولة الاحتلال حرص دائما على صنع "سلام" مع الدول العربية، أولا، يحاصر عرب فلسطين ليرغمهم على ابرام سلام معها من موقف ضعف يكون العرب فيه عامل ضغط عليهم لا ظهيرا لهم.
 في مقال له نشر يوم الأربعاء الماضي، قال يائير شامير -  ابن رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق الارهابي اسحق شامير ونائب رئيس حزب "اسرائيل بيتنا" الذي يرأسه المستوطن أفيغدور ليبرمان والذي سيخوض انتخابات الشهر المقبل في قائمة واحدة مع حزب نتنياهو – إن" علينا أولا أن نحاول إنهاء الصراع مع الجامعة العربية" لأنه "يجب علينا أن ندرك بان مشكلتنا ليست مع الفلسطينيين، لكنها مع العالم العربي بكامله" ولأنه "لا يمكن تحقيق أي اتفاق للسلام مع الفلسطينيين وحدهم".
* كاتب عربي من فلسطين 
* nassernicola@ymail.com

عيد وتهاني!/ عـادل عطيـة

من الاسماء المضطهدة في بلادنا، اسم الله عليهما: "عيد" و"تهاني"..
لذلك فلا عيد سعيد، يسعد بسعيدة!
ولا تهاني تتزين بالتبريكات، إلا بتبريكات أصحاب الفتوى!
فما أكثر الفتاوي، التي لاتصدر إلا عن نفوس تعارك نسيم الريح، ولهاث القلب، وأنين الإنسان، تقتحم مجالسنا بإستهتار، وتطئ قاعدة المحبة والرحمة التي يتم عيشها بيننا، وتُجبر الابرياء، على عدم تهنئة النصارى في أعيادهم، ومناسباتهم: الدينية، والشخصية!
فمن المحرمات على "عيد" أن يرتبط اسمه بالحب، وبالميلاد، وبالقيامة!
ومن المحرمات على"تهاني"، أن تنبس ببنت شفه، وأن تُعبّر عن مشاعرها الطيبة!
العجيب، أن من يريد من المتربصين، أن ينال بركة طاعة هذه الفتوى، يجهده البحث عن النصارى، ولا يجدهم!
ذلك لأن أصحاب هذه الفتوى، أعطوهم العنوان البريدي الخطأ؛ بسبب عماهم الثلاثي المركّب:
عمى العقل؛ فيعجزون عن البحث في التاريخ!
وعمى الحب؛ فيبغضون كل شئ، إلا أنفسهم!
وعمى الحياة؛ فيسعون إلى الموت: موت الضمير، وموت الآخر!
فنحن المسيحيون، اسمنا كذلك؛ لأننا نؤمن بالسيد المسيح.
وليس نصارى؛ لأننا لسنا من الناصرة، أو نؤمن بها.
أما النصارى، فقد أطلقت على طائفة من الناس: أبتدعوا فكراً ومعتقداً مغايراً عن العقيدة المسيحية، وقد تلاشوا، وأصبحوا في ذمة الماضي البعيد.
،...،...،...
ان هؤلاء الذين يظنون بأن تهنئة شخص، يمكن أن يقضي على عقيدة أصبحت جزءاً من العالم، وأن فتواهم ستكون ملء السمع والطاعة، سيتفاجئون: بأن أفكارهم هذه، كالبخار، لن ترى الغد!...

السلوكيات العدوانيه بين الأبناء من صنع الأباء/ إيــــــمى الاشـــقر

تحليــــــل و دراســــــــــة
الهدف من البحث : ان تاريخ البشر حافل بالسلوكيات العدوانيه  سواء كانت تجاه الاخرين او الاخ تجاه اخيه و لعل قصة قابيل و هابيل هى اول قصه فى تاريخ الجنس البشرى ترمز الى العدوانيه بين الاخوه الاشقاء , ان البيئه و التنشأه الاجتماعيه للفرد تعتبر بمثابة البذره التى اما تنبت محبه و ود بين الاشقاء او تنبت كراهيه معززه بسلوكيات عدوانيه باشكالها المتعددة قائمه على اساس دوافع عاطفيه نابعه من عقل الفرد الباطن ربما تكون غير واضحة المعالم بالنسبه للمحيطين الا انها واضحه قائمه على اساس قوى داخل عقل الفرد الذى يتسم بالسلوك العدوانى و هى بمثابة رد فعل تجاه فعل راى انه جارح لمشاعره او شخصه , و لذلك فان للسلوكيات العدوانيه دوافع متعددة كونتها البيئه المحيطه بالفرد من الدرجه الاولى و كانت العدوانيه هى رد الفعل التعبيرى الناتج عن الفعل الذى تعرض له الفرد .
اشكال السلوكيات العدوانيه :
• العدوان الجسدى : و هو محاولة الاعتداء على الاخر بالضرب و الاهانه الجسديه
• العدوان الكلامى : و يكون من خلال الشتائم , السب , القذف و الاهانه اللفظيه
• العدون الرمزى : من خلال التلميح باشارات تعبيريه , ايماءات الوجه , نظرات العين بطريقه توحى بالتقليل من قيمة الاخر و تسبب له الاحساس بالضيق و الحرج . 
• العدوان الفكرى : محاولة اعطاء الاخر ايحاء نفسى باشياء تثير غضبه او تعطيه ايحاء بعيوب فى شخصه او تقلل من قيمته او من مستوى فدراته العقليه و الشخصيه .
اسباب السلوكيات العدوانيه بين الابناء :
• الاهمال و التقصير فى حق احد الابناء و الاهتمام بالاخر
• تفضيل احد الابناء من قبل الام او الاب و الاهتمام المبالغ به
• المقارنه و المفاضله المستمره بين الابناء فى مختلف المواقف
• عدم المساواه بين الابناء فى الحقوق و حتى فى ابسط الاشياء
• الافراط فى الشده مع احد الابناء و على العكس الافراط فى التدليل مع الاخر
• اللامبالاه فى التعامل مع الابناء و ردود الفعل السلبيه
• عدم مراعاة التصرفات المسببه للضيق لاحد الابناء و مراعاتها مع الاخر
• الخوف من صاحب الشخصيه العنيفه و عدم تقدير صاحب الشخصيه الهادئه المهذبه
• المدح الدائم فى احد الابناء و الذم الدائم فى الاخر
• السلبيه عند تعدى احد الابناء على الاخر و عدم اتخاذ موقف ايجابى لرد اعتبار الابن المعتدى عليه
• الحب الزائد من الام او الاب لاحد الابناء بدرجه تشعر الاخر بالضيق
• ثقة الام او الاب فى احد الابناء و اطلاعه على الاسرار و عدم الثقه فى الاخر و استبعاده
• اشباع احتياجات احد الابناء سواء كانت عاطفيه او ماديه و حرمان الاخر
• الخلط ما بين الحب و الحنان و الافراط فى التدليل
• الاستجابه لرغبات احد الابناء و تجاهل رغبات الاخر
• ردود الفعل العدوانيه من الوالدين على فعل صادر من احد الابناء و التسامح الاخر
• الجهل و ضيق الافق و سوء تقدير الامور و انعدام الثقافه الترباويه لدى الوالدين مما ينتج عنه التعامل الخطأ مع نفسية الطفل و خلق سلوك عدوانى بداخله سواء كان تجاه نفسه او تجاه الاخرين و خاصه احد اخوته .

امثله للمشاعر العدوانيه  بين الابناء :
• الكره  و الحقد
• الانانيه و الرغبه فى الاستخواذ
• الرغبه فى التدمير
• فلسفة التقليل و التحقير
• محاولة التقليد و المزايده المبالغ فيها
• محاولة احباط الطموحات و الايحاء بالفشل
• فلسفة الايحاء السلبى بهدف تحطيم الثقه بالنفس
• محاولة الرفع من قيمة الذات و التقليل من قيمة الاخر
• الرغبه فى الاستحواذ على الوالدين  عاطفيا , ماديا و فكريا و الانفراد بهما
• الاحساس بالنقص من ناحية الاخر النابع من عقد و رواسب كونتها التنشأه الاجتماعيه
• ردود الافعال المبالغ فيها المصحوبه بعصبيه شديده
• محاولة الفرد اخفاء مشاعره بداخله اعتقادا انها ستثير شماتة الاخرين
• عدم مراعاة مشاعر الاخرين و خاصه الحزن و سوء التقدير لظروفهم
• الاحساس بالذات فقط و تضخيم حجم الاحساس مهما كان بسيط
• التقليل و التحقير و التجاهل لمشاعر الاخرين المحزنه مهما كانت درجة قسوتها .
عينات البحث :
الحاله الاولى : ذكر , العمر 29 عام , عصبى , اهوج , متسرع , صاحب ردود افعال مبالغ فيها , القدرات العقليه عاليه جدا و درجة ذكاء عالى الا انه لم يلتحق بالكلية التى كان يرغب فيها و هى نفس الكليه التى التحق بها الاخ الاكبرلان التوتر و القلق و عدم الاتزان الانفعالى فى اوقات الامتحان تسبب فى ضياع الكثير من الوقت و تشتت التركيز , كان مدلل من الاب فى فترة الطفوله , يكرهه شقيقه الاكبر منه بعامين  , يشعر بالغيره و النقص منه بدرجة شديدة , يتعمد التحدث معه باسلوب غير لائق امام الاخرين , لا يتردد فى وضعه فى مواقف محرجه , دائما يحاول ابراز مميزاته و اخفاء مميزات شقيقه و إلصاق العيوب به , و ذلك لان الام فى فترة الطفوله كانت تحب شقيقه الاكبر اكثر منه و دائما تبرز مميزاته و ترفع من شأنه و تضعهم معا فى مقارنه لصالح الاخ الاكبر و كانت دائما تردد جمله واحده الا و هى اخيك هو الذى يعرف كل شىء لكن انت لا تعرف شىء , و كذلك الاخ الاكبر يكرهه كره شديد لان الاب فى فترة الطفوله كان يتعامل معه بقسوه زائده و ردود افعال مبالغ فيها و كان التدليل و التسامح  مع شقيقه الاصغر .
الحاله الثانيه : انثى , عمرها 21 عام , تكره شقيقتها الاكبر منها بخمس سنوات , تنقل احديثها عن الاخرين اليهم من منطلق اثارة الوقيعه بينهما و محاولة بعث روح الكراهيه فى قلوب الاخرين تجاه شقيقتها , فى قترة الطفوله كانت شقيقتها الاكبر المقربه للام اكثر  بالاضافه الى انها تتمتع بقدر عالى من الانانيه و الرغبه فى الاستحواذ على الام و كانت تضربها و تهينها امام الاخرين و لم يكن للام رد فعل ايجابى تجاه تلك التصرفات الغير لائقه من الاخت الكبيره تجاه شقيقتها الصغيره مما تسبب فى خلق شعور عدوانى بداخلها تجاه شقيقتها الاكبر منها تمثل فى هذة التصرفات و محاولة تبغيض الاخرين فيها .
الحاله الثالثه : انثى , عمرها 25 عام , دفعت شقيقتها الاصغر منها بعشر سنوات الى الالتحاق بدراسه لا تليق بمستوى قدراتها العقليه  و مستوى طموحاتها , حاولت اعطائها ايحاء نفسى انها صاحبة قدرات عقليه ضعيفه و ان محاولتها فى الوصول الى كليه من كليات القمه ستبوء بالفشل , خوفا من ان تصل الى درجة علميه عاليه , حزنت حزن شديد عندما التحقت بكليه من كليات القمه كما كانت تتمنى , حاولت لفت نظرها الى اشخاص لا تليق بها من اجل الزواج و محاولة اعطائها ايحاء نفسى ان تلك الاشخاص مهتمون بها و لديهم الرغبه فى الارتباط بها و ذلك لتشتيت تركيزها بعيدا عن الاهتمام بالدراسه و لتضمن لها الزواج بشخص فى نفس مستوى الشخص التى تزوجتة و الذى كان اقل من مستوى طموحاتها بكثير , و ذلك لان كل من الاب و الام يهتموا اهتمام شديد بالمتفوق علميا و دراسيا و اعطاؤه مكانه و درجه متميزه بين اشقاؤه و لانها كانت تتسم بالبلاده و سوء التحصيل الدراسى و ليس لها اى اهميه من وجهة نظر الوالدين حاولت تحطيم طموحات شقيقتها الاصغر منها خوفا ان تحتل مكانه مرموقه بين افراد الاسره و فى نظر الوالدين و حتى تضمن انها ستكون فى نفس الموضع و نفس الدرجه .
الحاله الرابعه : انثى عمرها 25 عام , تكره شقيقتها الاكبر منها باربع سنوات , دائما تتجاهل عن عمد مشاعرها و تقلل و تحقر من قيمة المشاكل النفسيه التى تتعرض لها مهما كانت قسوتها و صعوبتها و على العكس ترفع من قيمة ما تشعر به مهما كان بسيط او شىء لا يذكر بجانب مشاكل شقيقتها, تشعر بالغيره الشديده عند تعاطف الام معها و مع مشكلاتها , تتصرف معها بعصبيه و ردود افعال مبالغ فيها , تتعمد احراجها و وضعها فى مواقف مخجله امام الاخرين , وذلك لانها فى فترة الطفوله كانت مدللة من الام بطريقه مبالغ فيها كان الاهتمام كله ينصب فى احتياجاتها و تلبية رغباتها و لقت منها تفضيل بشكل مكثف على حساب شقيقتها الاكبر منها مما زرع بداخلها حب تملك الام و الانانيه و حب الذات , الا ان الام دائما تضعهم معا فى وضع مقارنه بين التصرفات و الطباع و تنتهى لصالح الاخت الكبيره لانها افضل منها فى الشخصيه و الاسلوب و صاحبة عقليه راجحه مما خلق بداخل تلك الحاله احساس بالنقص من ناحية الاخت الكبيره نتج عنه سلوك عدوانى تجاهها .
الحاله الخامسه : ذكر يبلغ من العمر 36 عام و شقيقه الاصغر منه 29 عام , الاكبر يتعامل مع الشقيق الاصغر مستخدما السلوكيات العدوانيه الجسديه مما جعل الاخ الاصغر يكره شقيقه الاكبر منه كره شديد و ذلك لانه عندما كان طفل كانت والدته تدللة بشكل مبالغ فيه لانه كان مريض بالاضافه الى رد الفعل السلبى عند صدور الاخطاء منه ما جعله يتمادى فى الخطأ و اصبح السلوك العدوانى الجسدى هو سلوكه المتبع و خاصه مع شقيقه الاصغر مما جعله يكرهه و يشعر بالضيق من ناحيته , اما الاخ الاصغر نتيجة التدليل المبالغ فيه اصبح فاشل دراسيا  و اخلاقيا مما اثار نفور شقيقه الاكبر منه و اصبح شخص غير موغوب فيه من وجهة نظره بين افراد الاسره , اى ان التدليل المبالغ فيه و السلبيه  فى التربيه نتج عنها ابناء فاشلين اصحاب سلوكيات عدوانيه كلا منها يبغض الاخر لتعرضه منه لسلوك عدوانى مختلف عن الاخر .
الحاله السادسه : ذكر , يتمتع بقدر عالى من الانانيه و الرغبه فى الاستخواذ , لا يرى سوى نفسه و اشباع احتياجاته فقط  حتى لو كانت على حساب الاخرين , لديه رغبه عاليه فى التملك  , و ذلك لانه عندما كان طفل صغير فى السادسه من عمرة تعرض لاصابه افقدته البصر فى احد عينيه و كان السبب فى الاصابه هو شقيقه الاصغر منه بعام , فكانت الام لتعوضه عما حدث له كانت تفضله فى كل شىء و خاصه الطعام والشراب وتلبية كل احتياجاته و كان يتعدى بالضرب على شقيقه الاصغر و يستولى على اشياءه الخاصه به و تناول طعامه و كانت الام اهم شىء عندها ان يشعر بالرضا و الراحه حتى لو كان على حساب غضب الاخ الاصغر مما تولد عنده شعور بالكره ناحية شقيقه و الاحساس بالضعف و قلة الحيله تجاه ما يصدر منه من سلوكيات عدوانيه مصاحبه بردود فعل سلبيه ولامبالاه من الام .

الوصايا :
• عدم تفضيل احد الابناء على الاخر
• عدم المقارنه بين الابناء و ابراز مميزات احدهما و عيوب الاخر
• تجنب الانتقاد الدائم و المستمر لاحد الابناء و مدح الاخر
• تجنب السلوك العدوانى و ردود الافعال المبالغ فيها مع احد الابناء دون الاخر
• تجنب العقاب البدنى و المعنوى مع احد الابناء و التسامح مع الاخر
• الاهتمام بتلبية احتياجات احد الابناء و حرمان الاخر
• عدم الاهتمام باحد الابناء و بكل ما يخصه و تجاهل الاخر
• مراعاة عدم ترك احد الابناء يتعدى على خصوصيات و ممتلكات الاخر
• الايجابيه و ردود الفعل السليمه عند حدوث تشاجر بين الابناء
• الموضوعيه فى تقيم المشاجرات بين الابناء و عدم التحايز الاعمى لاحدهم
• عدم الاهتمام المبالغ فيه بالراحه النفسيه لاحد الابناء و اللامبالاه مع الاخر
• تجنب تلبية رغبات الابن العدوانى و تجاهل الابن الهادىء المطيع
• معاقبة الابن العدوانى على سوء تصرفاته و مكافأة الابن المطيع
• عدم نبذ الابن العدوانى بل محاولة تقيمه و اصلاحه و تهذيبه بالنصيحه و الارشاد
• تجنب اشباع احد الابناء عاطفيا و اعطاؤه ايحاء انه هو دائما الاحق بالحب و الحنان دون الاخر
• اذا طبق الوالدين مبدأ العدل و المساواه بين الابناء فى كل صغيره و كبيره لن يكون هناك متسع لخلق سلوكيات عدوانيه داخل احد الابناء تجاه نفسه او تجاه احد اشقاؤه او تجاه الاخرين و لقد امرنا الله سبحانه و تعالى بالعدل بين الابناء و المساواه بينهما , قال الله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  " . كما قال رسول الله ( ص ) " عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص)ِ:
((اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمُ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ قالها ثلاث ".))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ومالك]
تحليــــــل و دراســــــــــة
إيــــــمى الاشـــقر

بشهادة القضاة.. الشرطة لا تحمى الشعب/ مجدي نجيب وهبة

** أخر قلاع الدولة المصرية هو "القضاء" .. إذا سقط فتسقط الدولة بكاملها .. وعندما يتم الإعتداء على القضاة ، ويكون هناك محاولة لإغتيال رئيس نادى القضاة ، المستشار الجليل "أحمد الزند" .. فهذا يعنى الإعتداء على الشعب والدولة والقانون !!...
** فى برنامج العاشرة مساء .. تقديم وائل الإبراشى .. صرح أحد المستشارين الذين تواجدوا فى محيط الأحداث بجوار المستشار "أحمد الزند" .. إنه كان هناك محاولة لإغتيال المستشار "أحمد الزند" .. وكان هناك بعض الضباط وقوات من الأمن المركزى ، وعندما إستنجد بهم المستشار للتحرك لحماية "الزند" ، والقبض على الجناة .. لم يهتم الضابط وإدعى عدم مسئوليته عن الأحداث ؟؟!! .. وتناسى ضابط الشرطة أن القضاة هم نبض الشعب المصرى ، وحامى هذا الوطن ، والمدافع عن إستقلاليته !! ..
** إذن .. فنحن أمام ثوابت لا تقبل المراوغة ، أو القسمة على  إثنين .. وهى "النظام الحاكم" .. الذى أصبح الأن متوحشا ، ولا يمثل الشعب ، بل ويحرض على إسقاط الدولة المصرية ، وغير أمين على أمن وإستقرار الوطن ، لإصراره الدائم على طمس الهوية المصرية ، وإسقاط كل مؤسسات الدولة ، حتى لو كلفهم إطلاق ميليشياتهم ، وجماعتهم الإرهابية المسلحة ، لإغتيال كل السياسيين وتصفية المعارضين وإرهاب الشعب !!...
** هذه السابقة الخطيرة التى لم تشهدها مصر منذ عهد المماليك .. تستوجب أن نضع النقاط فوق الحروف دون تجميل أو تزويق .. ونتساءل ، من هو رئيس الدولة المصرية ؟؟ .. هو محمد مرسى العياط وهو رئيس حزب الحرية والعدالة سابقا ، التى هى أصلا جماعة الإخوان المتأسلمين المحظورة دوليا بالقانون .. وقد إستقال من منصبه بعد فرضه على الشعب المصرى كرئيس للدولة من قبل المشير "طنطاوى" ، والفريق "عنان" ، والإدارة الأمريكية ..
** لماذا سعت أمريكا لمساندة جماعة الإخوان المسلمين ، والمرشح "محمد مرسى العياط" للوصول للحكم ، ودعمتهم بأكثر من مليار دولار !! .. لأن الإدارة الأمريكية ترى أنه لن تسقط مصر إلا عندما يديرها هذه الخلية الإرهابية المحظورة .. حينئذ ستسقط جميع مؤسسات الدولة "جيش – شرطة قضاء" .. بل وإسقاط منطقة الشرق الأوسط بالكامل ، ولأن التيار الإسلامى هو أكثر التيارات التى تؤمن بفكرة تقسيم الوطن ، وإسقاطه .. فقد تقابل الهدفان وتحقق بفضل المجلس العسكرى المتواطئ والمتخاذل فى تحقيق هذا الهدف عكس ما أقسم به المشير "طنطاوى" بأنه مسئول عن عدم تسليم مصر للإخوان ، وصرح فى أكثر من مرة أن مصر لن تسقط ، وأن الجيش فى حماية الشعب ، والشعب فى حماية الجيش .. وأن مصر لن تركع .. ورغم ذلك سقطت مصر .. وركعت مصر .. ويبدو أنها لم تكن سوى شعارات تخديرية خادعة .. فعل عكسها تماما المشير طنطاوى والفريق عنان .. وقاموا بتسليم مصر للمرشح الساقط "محمد مرسى العياط" ، بعد تزوير نتيجة الإنتخابات الرئاسية والتى ظهرت لصالح الفريق "أحمد شفيق" رغم فجاجة التزوير !!! ... وهذا ليس إفتراء منا بل إنها حقيقة ساطعة كالشمس سوف يذكرها لهم التاريخ ويحمل لهم العار لما فعلوه بمصر وبأبنائها .. وهذا يصل بنا دون أى جهد إلى المخطط الذى بدأته أمريكا بإسقاط الأنظمة وتدمير مؤسسات الدولة ، والإدعاء بالتحول الديمقراطى ، وما أطلقت عليه أمريكا "الربيع العربى" !!!...
** إذن .. فالمخطط هو إسقاط الدولة المصرية دون النظر إلى أى إعتبارات قانونية أو أمنية أو أخلاقية .. ويبدو أن د. "محمد مرسى العياط" حصل على الضوء الأخضر بالتحرك فى كل الإتجاهات ، قبل أن يفيق الشعب المصرى .. ويقرأ الحقيقة والخديعة الكبرى .. التى أوقعتنا فيها إنتفاضة 25 يناير .. والتى بدأها محمد مرسى بكيفية أداء القسم ، بعد حل مجلس الشعب .. قالوا له "إذهب إلى المحكمة الدستورية العليا .. وإحلف اليمين" .. فكان رده ، ولماذا لا تأتى إلىّ المحكمة الدستورية العليا ، وهو ما رفضته المحكمة الدستورية العليا ..
** قال "أحلف القسم أمام الشعب فى التحرير" ..  قالوا "هذا لا يجوز" .. قال "أحلف القسم فى خطاب أمام ممثلى الشعب فى جامعة القاهرة" .. قالوا له "هذا لا يكفى" .. وإضطر على مضض أن يحلف القسم أمام المحكمة الدستورية العليا بأن يحترم القانون والدستور وأن يراعى مصالح هذا الشعب ... ثم ذهب إلى التحرير وهو فارد صدره ، وأعاد القسم مرة أخرى وطالب بعودة كل اللجان والمؤسسات المنحلة ، وكان يقصد هنا "مجلس الشعب" .. ثم أكد هذا الوعد عندما ذهب إلى جامعة القاهرة التى إمتلأت قاعتها بالإخوان ، وأعضاء حزب الحرية والعدالة وأبناء عشيرته ..
** وكان أول قرار أصدره .. هو عودة البرلمان المنحل .. وهو ما أثار سخط الشعب ، وسخط المحكمة ، وسخط القضاة .. ولم يتراجع محمد مرسى العياط ، إلا بعد صدور حكم جديد من المحكمة الدستورية ببطلان قرار عودة مجلس الشعب مرة أخرى ..
** ويومها أراد أن يكذب على الشعب .. فقال كلاما خائبا .. أن قرار عودة البرلمان المنحل ، هو ليس قرار ضد القضاء ، والحكم الصادر ، وإنما هو قرار ضد المجلس العسكرى الذى قام بحل البرلمان ، وتعمد مرسى العياط أن يصدر بيانا إستعباط .. وعاد وكرر مقولته أنه يحترم كل أحكام المحكمة الدستورية العليا ، وإنه كان يقصد قرار المجلس العسكرى ، وهم يعلم جيدا أن المجلس العسكرى الذى سلمه السلطة لم يفعل سوى تنفيذ حكم المحكمة بحل البرلمان ..
** ولم تمضى بضعة أيام إلا وقام "محمد مرسى العياط" بإقالة المجلس العسكرى .. ولم يعرفوا بإقالتهم إلا بعد أن دعاهم للقاعة بالقصر الجمهورى ، وظل المشير والفريق فى غرفة أكثر من 3 ساعات فى إنتظاره .. بينما كان الفريق "عبد الفتاح السيسى" فى غرفة أخرى ، يتلو القسم .. وتم ترقيته إلى رتبة أعلى وعين وزيرا للدفاع ..
** هكذا تدار الأمور فى مصر .. ولم يمضى بضعة أسابيع إلا وقام د. "محمد مرسى العياط" بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل ، الصادر من المجلس العسكرى ، وأعلن دستورا أخر .. أعطى لنفسه كافة الصلاحيات بإقالة النائب العام ، وبتحصين عمل الجمعية التأسيسية للدستور ، والمطعون عليها بعدم الدستورية .. وحصن مجلس الشورى المطعون عليه بعدم الدستورية منذ حل برلمان مجلس الشعب .. ثم أصدر قرار بتحصين كل قراراته وعدم الطعن عليها أمام أى جهة أو محكمة منذ توليه السلطة فى البلاد ..
** ومنذ هذا التاريخ .. وأصبح اللعب على المكشوف .. فرئيس الدولة الذى فقد شرعيته ، أصبح لا يأبه بالقانون والدستور ، ولا يأبه بأصوات المعارضة .. ولا بالإستقالات الجماعية لكل مستشاريه الوهميين ، ولا بأصوات المنسحبين من الجمعية التأسيسية للدستور .. بل سخر من كل هؤلاء وبدأت الإتهامات تكيل لكل المنسحبين وأخرهم الإتهامات التى وجهت إلى الكنيسة ..
** إذن .. فخطة تمرير الدستور الإرهابى الذى يكبل الوطن يتعرض للهجوم والخطر .. بل وهناك مادة هامة جدا فى الدستور .. هذه المادة تعطى صلاحيات لإستمرار منصب الرئيس ، والذى كان يتحتم أن يقدم إستقالته فور إقرار الدستور الجديد .. وطرحه للإستفتاء والموافقة عليه .. وربما كان هذا هو أهم بند يخص الجماعة لتمكينهم من الحكم ..
** إذن .. هناك عقبة كانت تؤرق نوم "محمد مرسى العياط" وجماعته .. لم تكن أكثر مما يتوقعونه من صدور حكم من المحكمة الدستورية ..
أولا .. إلغاء الإعلان الدستورى المكمل ..
ثانيا .. حل مجلس الشورى وكأنه لم يكن ..
ثالثا .. حل الجمعية التأسيسية للدستور لعدم قانونيتها ..
** وكان الحل .. هو إحداث حالة هرج ومرج أمام المحكمة الدستورية العليا ، ومنع قضاتها من أداء عملهم ، ومحاولة طبخ الدستور قبل 2 ديسمبر 2012 .. ثم طرحه للإستفتاء مع الإستمرار بمنع قضاة المحكمة الدستورية العليا من أداء عملها .. ثم تزوير الإستفتاء وهى اللعبة التى يجيد ممارستها الإخوان منذ عشرات السنين فى كل البرلمانات السابقة ، بإستخدام شعار "الإسلام هو الحل" ، وشعار أخر وهو "الزيت والسكر خير من يمثلكم" .. وهذا ما تحقق للجماعة ورئيسهم .. بل أن هناك هتافات من جماعة الإخوان المسلمين .. ظلت تطالب بتطهير القضاء وتطهير جهاز الشرطة .. وهو نوع من الإرهاب الفكرى والمعنوى الذى يمارسه الرئيس ومكتب الإرشاد .. بل بدأوا ممارسته ضد الجيش عند وصف "محمد بديع" القادة العسكريين بالفساد ..
** ولم يكن الإعتداء على المستشار "أحمد الزند" إلا إستمرارا لمسلسل التصفيات الجسدية لمذبحة جديدة يعدها النظام للقضاة .. ولم يكن عودة النائب العام لمنصبه إلا بأوامر مباشرة من الرئيس المصرى لإستكمال سيناريو مذبحة القضاء .. والتخلص من الخصوم وقص ألسنتهم .. ولم تكن الجماعات الفلسطينية التى تم ضبط أحد عناصرها وهو يحمل فلاشة عليها أسماء بعض المستهدفين إلا جزء من تنظيم متواجد فى مصر منذ 25 يناير .. يمارس كل أنواع البلطجة والإجرام والقتل بعد أن تم ضبط العديد منهم فى أحداث 28 يناير 2011 .. وأشرنا إليهم كثيرا .. بل وصل أن هناك بعض عناصر من منظمة حماس ، وهى نفس العناصر التى إقتحمت السجون والأقسام ومازالت موجودة حتى الأن ، والتى إعتدى بعضهم أخيرا على المستشار أحمد الزند .. ولكن لسبب ما تم طمس هذه الجرائم وإختفت هذه الملفات وتبخرت ، ولم يعلم عنها الرأى العام شيئا ... فهل ستظل أخر جرائمهم التى نفذها أحد عناصر الفلسطينيين وهو أحد الطلبة بكلية الطب البيطرى ، ستكون مصيرها مثل مصير من قتل ثوار 25 يناير ، أو مثل مصير من قتل ضحايا شارع مجلس الوزراء .. أو مثل مصير الملفات التى أغلقت فى الجريمة البشعة التى تم فيها الإعتداء على ألتراس الأهلى بملعب بورسعيد .. وقد ذكرنا وقتها أن هذه الجريمة دبرت من قبل مجموعة من الميليشيات وليس من قبل ألتراس المصرى ..
** إنه نفس السيناريو يدور الأن لسحل وقتل وترويع القضاة تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية التى وقفت صامتة .. وهى نفس جهاز الشرطة الذى رفض تحرير أى محاضر بالتجاوزات فى الإستفتاء الأخير على الدستور وقالوا بصريح العبارة "لدينا أوامر سيادية بعدم تحرير أى محاضر" ..
** إنها المرحلة الأخيرة لإسقاط مصر .. هو القضاء على المحكمة الدستورية العليا ، وإغتيال رموز القضاة الشامخين الواقفين ضد هذا المخطط الإرهابى وعلى رأسهم المستشار الجليل "أحمد الزند" ..
** إنه سيناريو الفوضى الهدامة الذى وعدتنا كونداليزا رايس بتحقيقه على أرض مصر .. وجعلت من محمد مرسى أداة لتنفيذ هذا المخطط وهو إسقاط دولة مصر .. بعد أخونة الجيش والشرطة وإسقاط القضاء ..
** فهل يصمت هذا الشعب لإستكمال هذا السيناريو .. أم أن له رأى أخر ؟!!!
مجدى نجيب وهبة
صوت الأقباط المصريين

نظرة على مدلولات زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر/ سامح عوده

فاجأ الرئيس الفرنسي " فرنسوا هولند" الأوساط السياسية في فرنسا بنيته زيارة الجزائر  في زيارة تعتبرها الأوساط الدبلوماسية زيارة بالتاريخية ، لتضيف هذه الزيارة جدلاً في الأوساط الشعبية والرسمية في البلدين، وينقسم الرأي العام  بين مؤيد ومعارض أو متحفظ، على الزيارة التي وان وصفت بالتاريخية.. فهل ستطوي 132 عاماً من الاستيطان؟
فهذه السنوات الطويلة  خلفت أكثر من مليون شهيد ودمرت مقومات البلد،الا انها ومع ذلك حققت انجازاً بطرد الاستعمار الفرنسي لتنال الجزائر استقلالها بعد مسيرة نضال ، سطرها التاريخ بين سطوره لما قدمته الحركة الوطنية الجزائرية من تضحيات، لتصبح مثلاً تدلل على بأس الجزائريين وبسالتهم .
أما وقد انتهت الزيارة والتي أتت بعد 50 عاماً من تحرر الجزائر ، لم تكن زيارة " هولند "  إلى الجزائر هي الأولى فقد سبقها زيارةً للرئيس " جاك شيراك" في الأعوام 2003 و 2004 ، حيث استقبل بحفاوة في الجزائر، وتلتها زيارة للرئيس " نيكولا ساركوزي " العام 2007 م التي أثارت إعجاب الجزائريين إلا أن زيارته لجمعيات الحركيين – " وهم الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا خلال حرب الجزائر لنيل استقلالها " -  خيبت الآمال .
وتأتي زيارة الرئيس الفرنسي الجديد " فرنسوا هولند " لتفتح عهداً جديداً بين البلدين، بالرغم من أن الزيارة كان من المفروض أن تحتوي على  " تعبير عن الندم الاعتذار " عن احتلال فرنسا للجزائر، أما وقد تمت الزيارة فان لها دلالات تاريخية بالتأكيد على التعاون بين البلدين في مجالات عدة أهمها المجال الاقتصادي والتعاون الثقافي والإعلامي، ويمكن للجزائريين البناء على هذه الزيارة واستثمارها دبلوماسياً وتوظيفها في إطار منهجي يكون مقدمة للاعتذار المطلوب..!! .
لكل من البلدين - فرنسا والجزائر-  حساباته  في استمرار التعاون بين البلدين، خاصة وأن التغيرات  التي يشهدها المحيط أصبحت أمراً واقعاً مما يتطلب مرونة في التعامل مع المتغيرات الجديدة.
الجزائريون وعلى المستوى الرسمي رحبوا بالزيارة وأظهروا نوعاً من التفاؤل خاصة وأن الرئيس الفرنسي رافقه  وفد كبير رفيع المستوى، أما على المستوى الشعبي فلا يمكن التنبؤ بمدى الرضا عن تلك الزيارة، ربما ما يمكن الاعتماد عليه هو استطلاع رأي نفذ في الجزائر وأفاد بأن 57% من الجزائريين يؤيدون علاقات نموذجية مع فرنسا، ولكن وبالرغم من كل ما يمكن أن يقال فان  للجزائر مصلحة في التعاون والتبادل التجاري مع فرنسا، بل تطوير ذلك التعاون ليكون مجدياً فيعود بالفائدة الاقتصادية والنفعية على اقتصادها،  ويجب وتطوير هذا التعاون بدبلوماسية لنيل الاعتذار احتلال الفرنسي للجزائر .
الجزائر التي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة تحتاج لتطوير الناتج القومي وتدعيمه في بلد يعاني من تفشي البطالة وشح الموارد، خاصة وأن معظم الشباب في دول المغرب العربي ما يتوجهون لفرنسا للعمل فيها أو الهجرة إليها، كما أن الجزائر تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر بما يحدث في دول الجوار دول الربيع العربي..!! ولهذا فان تعاون مشترك بين البلدين يمكن أن يعود بالفائدة في تحسين آفاق التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بينهما، نتيجة للمتغيرات المحيطة بالبلدين، وتطوير ذلك التعاون الموجود أصلاً بينهما .
أما الرئيس الفرنسي الذي يسعى بدبلوماسيته الى تطوير آفاق التعاون ليعيد للجمهورية الفرنسية دورها الطليعي، ومع ذلك فهو يحظى بشعبية واسعة في بلده يسعى إلى فتح آفاق جديدة لبلده في الشرق الأوسط ، ولهذا ففرنسا لن تستطيع أن تدخل بسياسة جديدة إلى الشرق الأوسط دون أن تطور من علاقتها مع الجزائر- الدولة التي احتلتها ما يزيد عن قرن من الزمان -  ولطمأنة الجزائر أكثر وإظهار حسن النوايا فقد سعى الرئيس الفرنسي وبذكاء للتصويت لدولة فلسطين الدولة 194 في الأمم المتحدة، لإدراكه مدى أهمية الملف الفلسطيني بالنسبة للجزائر وللشرق.
فرنسا الدولة الصناعية صاحبة الموارد الاقتصادية الوفيرة العضو في الاتحاد الأوروبي تشهد تباطؤاً اقتصادياً وان كان غير واضح المعالم، والفرنسيون ينظرون إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها الهادفة للتقويض من قوة  الاتحاد الأوروبي حتى لا يكون منافساً للدولة العظمى   " أمريكيا " اقتصادياً وسياسياً، وهذا ما يمكن استنتاجه من الأسباب الخفية وراء سقوط الرئيس السابق " نيكولاي ساركوزي " في سباق الرئاسة، وتقدم الرئيس هولاند عليه في الانتخابات الأخيرة  .    
في المحصلة كلا الطرفين معنيان بتعاون بين الجانبين، وتطوير ذلك التعاون بما يمهد لفتح عهداً جديداً في نمطية العلاقة لا ينعكس فقط على التبادل التجاري الموجود بين الجانبين أصلاً..!! وفي المحصلة تعاون بين الجانبين سيؤدي الى  الحد من التفرد الأمريكي في المنطقة وتقويض نفوذ الولايات المتحدة حتى لو كان بنسب ضئيلة  .              

تورونتو المومس العمياء والإيمان/ اسعد البصري

إلى صديقي العزيز واصف شنون
تورونتو معناها القطارات تحت الأرض ، الجشع و وعزلة الإنسان . الوجوه الصفراء من التعب و قسوة الحجر ، المحاجر السود من الحزن والقمار والمخدرات والكحول . أرجوك تمهل . هؤلاء الذين يذهبون إلى الصلاة يستحضرون أرواحهم المفقودة في مدينة كبيرة رأسمالية قاسية ، يحاولون ولو بشكل يائس النجاة من التلوث . يحاولون تقريب المسافة بينهم و بين بعضهم ، محاولة للإحتماء والإختباء والإشراق . اليهود نفس الشيء في تورونتو خصوصا شارعهم العريق باثرست ستريت ، وكذلك البيض يلتحقون بمدارس بوذية أو الكنيسة والباقون ربما أمراض نفسية وأطباء لا يوجد خلاص جماعي هنا .
إثنان من كل ثلاثة في أمريكا و كندا يؤمنان بالله وعندهم علاقة بالدين . و واحد فقط من كل ثلاثة في أوربا يؤمن بالله هل تعرف لماذا ؟؟ . لأن الرأسمالية متوحشة جداً هنا في شمال أمريكا تحارب حتى الشعر والأدب والموسيقى . انظر البرامج الثقافية الجميلة في ال BBC مقارنة بال CNN . هل رأيت شاعرا أو رساما يتكلم في ال CNN ؟ . لهذا يلجأ الشعب إلى الإيمان .
واصف شنون
لقد كنت في جامعة رايرسون مركز و قاع مدينة تورونتو والشباب المسلم الذي يصلي في الجامعة متفوق و درجاته عالية في الهندسة والبزنس والطب والعلوم . لا أنسى صديقتي المغربية الرائعة زينب التي عرفتني على كتابات سيد قطب و شرحتها لي قبل عشر سنوات . زينب عالمة في الكومبيوتر الآن بروفيسورة كبيرة . الدين يحقق توازناً مفقوداً و ربما ضرورياً في الغربة والعزلة ؟؟.
وإذا على الإلحاد والعبث لا أعتقد بأن أحدا منكم ذهب إلى التخوم التي ذهبت إليها يوما . لكن نحن كبرنا وصرنا نتأمل و نكتشف بأننا لم نفهم ماركس و لينين أصلا . هناك مادة باللغة الإنگليزية وضعها سعدي يوسف على صفحته البارحة تقول بأن لينين ليس ضد الحركات القومية للشعوب الضعيفة المتخلفة بل يعتقد بأن ذلك يعجل بالتاريخ و شكلا من أشكال الكفاح ، هو فقط ضد الحركات القومية في العالم المتقدم لأنها هنا فقط تصبح فاشية و نازية . هذه فكرة جديدة أيضاً أليس كذلك ؟؟ . أحاول أن أفهم أيضاً ومعظم كلامي خطأ و جهل فأنا لست تروتسكي ولا سارتر . مجرد متعلم على سبيل نجاة .
جاء شاب طيب من أفريقيا اسمه إيمانويل لدراسة هندسة الكيمياء في جامعة رايرسون . سكن معي لسنتين . لم يكن أبوه الطبيب الأفريقي يستطيع إرسال المال الكافي للدراسة والطعام والسكن . كان على الفتى إيمانويل أن يدرس و يعمل و يصوم أحياناً لمساعدة نفسه و والده . الدراسة صعبة في كندا و قد تأخذ من الطالب ١٢ساعة في اليوم أحيانا . إيمانويل مسيحي كاثوليكي مؤمن بالسيد المسيح . يقتطع من وقت النوم العزيز ليصلي في الكنيسة المجاورة وحين كنت أمر بظروف صعبة كان إيمانويل يمسكني من كلتا يدي و يغلق عينيه ثم يصلي لي ويسأل السيد المسيح أن يساعدني أيضاً .
أخلاق إيمانويل أخلاق ملاك وقد ساعده السيد المسيح ، حصل على عمل داخل مكتبة الجامعة كما ساعدته الكنيسة في تعليمه و قد نجح و تخرج و تفوق وأرسل في طلب أخته لتدرس في كندا و تحمل نفقاتها لأنه بدأ العمل و حصل على الجنسية الكندية . لم أستطع إكمال تعليمي كإيمانويل و كأصدقائي المسلمين ، كنت وحيدا و غريبا لم أكن مؤمنا . لم يكن الله معي .
ولأن قلبي كان فارغا سقط أصحاب السوء في دربي ، و ملأت النساء قلبي و شغفنه بسهولة . في بلاد كلها إغراء و غواية و شيطان كنت بحاجة إلى ربي ليسير معي و يفتح لي الأبواب . كدتُ أموت بسبب ضحك الشيطان عليّ عاما بعد عام وقد تفتح المشيب في جسدي و ثقلت خطاي حتى تيبست مفاصل روحي من العزلة . صرختُ كما صرخ ذو النون في الظلمات بعد أن ذهبت مغاضباً .
لأعرف أن نداء السماء حق ، و أن بكاء الإنسان ، والله حق . وأمسكني من يدي وقال من هنا يا أسعد ، هذه هي الطريق . لن يكون لي مجد المؤمنين ك إيمانويل و صديقتي البروفيسورة زينب ، لكن سيكون لي مجد النادمين الذين دفعوا ثمن ذلك الندم بالدم .
هكذا حين يشرح الله صدري أكتب ، ماركس و لينين كالسيد المسيح يقول كازانتزاكي لأنهما مخلصان للضعفاء و عذاب البشر و قريبان من الله . لأنه سبحانه لا يمنح كل هذا التوفيق للظالمين .
الآن يمكنك قراءة (المومس العمياء ) يا أسعد
الآن فقط يمكنك أن تجلس وتحدث الناس
عن بدر شاكر السياب شاعر العراق الخالد
(( الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه
والعابرون، إلى القرارة... مثل أغنية حزينه.
وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق،
كعيون ""ميدوزا""، تحجر كل قلب الضغينه،
وكأنها نذر تبشر أهل ""بابل"" بالحريق
من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف
من أي وجر للذئاب؟
من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟
""قابيل"" أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف
وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء
ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء
عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة،
والليل زاد لها عماها.))

من الدكتاتورية العلمانية الى الدكتاتورية الدينية/ ابراهيم الشيخ

 ان  الحراك الشعبي الذي شهدته وتشهده منطقتنا العربية ما هو الا نتيجة من التراكمات والضغط من من قبل حكام عشقوا السلطة، وممارسة شتى انواع القهر على المواطن الذي حُرم من أي حق من حقوق المواطَنة الاساسية كالتعبير عن الرأي، وتقييم حكم الزعماء والحكومات المتعاقبة.
لا شك ان التجربة الديمقراطية في الوطن العربي ما زالت حديثة العهد بعد عشرات السنين من حكم الاستبداد وعدم ممارسة اي ديمقراطية، وهذه الديمقراطية التي تُمارس الأن في بعض البلدان العربية من الممكن ان نشبهها بالطفل الصغير الذي لم يمشِ على قدميه بعد وما زال يحبو، ويحاول الوقوف، ولا بد من العثرات ولا بد من اعطاء هذه الديمقراطية الفرصة من اجل تثبيت دعائمها لبناء مجتمعات ديمقراطية، تتوافر فيها درجات من الوعي السياسي لدى الاحزاب والمواطنين على حد سواء.
 التغيير الذي حصل بعد ما يسمى الربيع العربي يشكل الدعامة لبناء الديمقراطية في المستقبل، وما حصل في تونس ومصر من وصول الاحزاب الاسلامية الى السلطة، ما كان الا نتيجة لما كان يتوق اليه البعض للوصول الى السلطة.
ولكن وصول هذه القوى الى السلطة، قد انساها بأن اختيارها من قبل الشعوب بالوسائل الديمقراطية كان من اجل السير بالمجتمعات الى الامام وتحقيق التطور، ومحاربة فساد الانظمة السابقة وممارستها القمعية بحق الشعوب، ولذلك ان تجربة الحكم لن تكون سهلة وستواجهها عقبات كثيرة بسبب عدم وعي القوى لدورها الذي يجب ان تؤديه بكل مسؤولية وعدم استنساخ التجربة الماضية من حكم الديكتاتوريات.
 فالشعوب على الارجح لا تحبذ استبدال الدكتاتورية العلمانية بدكتاتورية دينية تحاول فرض نفسها، وكأنها البديل الافضل والوحيد لهذه الدكتاتوريات، من خلال نشر افكار وسن قوانين على الشعب تتفق مع ايدولوجيات احزاب معينة وصلت الى السلطة.
هذا الوضع يخلق معارضة من القوى الاخرى التي لم تستطع الوصول الى السلطة، وهذا ما يحصل في مصر وتونس، اذ تعبر هذه القوى عن عدم رضاها عن تصرفات السلطة الحاكمة، وما هذه التحركات سوى جرس انذار بأن الشعوب لن ترضى بتبديل الدكتاتوريات السابقة بدكتاتوريات جديدة وتحت مسميات مختلفة.
هنا لا يجري اتهام اي من الدول المذكورة بالدكتاتورية، ولكن هناك بعض القوى في هذه الدول تحاول استنساخ تجربة الدكتاتوريات السابقة، وفرض ارائها بالقوة وممارسة القمع الفكري والسياسي،وهذا كله مناف لمبادئ الديمقراطية والحرية، وكل ذلك باسم الدين متناسين بان الدين لله والوطن للجميع.
فمصر وتونس كانتا دولتان علمانيتان ولم يكن الدين يلعب دورا مهما لزعماء هاتين الدولتين، وكانت القوى الدينية تشكل المعارضة لهذه الانظمة وتعرضت للقمع ولم تأخذ فرصتها في الحكم سوى الأن، ولكن الذي ميز هذين البلدين هو وجود سلطة دكتاتورية، والوضع في ليبيا واليمن لا يختلف عنهما بشيء.
ان الوضع في سوريا لا يعد استثناءاً، وستعيش سوريا في حال سقوط النظام نفس تجربة مصر وتونس من حيث صعود الاسلاميين في هذا البلد الذي حاول النظام فيه تبني العلمانية،  وبالتأكيد ان القوى الاسلامية ستحاول الوصول الى السلطة بكل الوسائل، وهذا يعتمد على مدى تقبل الشعب السوري لهذه القوى وافكارها أو محاربتها.
ان ارهاصات وبوادر الديمقراطية التي تحاول بعض الدول تحقيقها بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربي، هي بالطبع افضل من غياب الديمقراطية في بعض الدول التي تظن نفسها محصنة ومستثناة من عملية التغيير التي تجري في الوطن العربي.
ما زال امام الشعوب العربية الكثير من التضحية للتخلص من عقلية الاستبداد التي لا تزال موجودة في رؤؤس البعض، ولا بد من الانتظار سنوات طويلة من ممارسة الديمقراطية الحقيقية، ليكون بالإمكان نسيان مرحلة الدكتاتورية واستبدالها بالحرية.
ان الوطن العربي يقف امام تحديات مهمة، فإما  أنتنجح تجربة الديمقراطية، وتكون الدول التي حدث فيها التغيير مثالا يحتذى به، مما يشجع الدول الاخرى على احداث التغيير البناء والهادئ دون اراقة الدماء والاقتتال الداخلي، وهذا يتوقف على مدى وعي زعماء الانظمة، وعدم الاستهتار بالشعوب واللعب بمصيرها، وإما سيكون مصير هذه الدول الفوضى والخراب.

كاتب وصحفي فلسطيني

أبعاد أردنية لاجتياح مخيم اليرموك/ نقولا ناصر

بمعزل عن العوامل الداخلية في الأزمة السورية، يظل عزل سورية عن إيران، أو العكس، وكذلك فك الارتباط بين الحاضنة السورية للمقاومة والمعارضة الفلسطينية بخاصة، هدفان رئيسيان يغذيان استمرار الأزمة ويطيلان أمدها، بدفع خارجي من دولة الاحتلال الاسرائيلي وراعيها الأمريكي، يتصدره حلفاء اقليميون في حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة،مثل تركيا، و"شركاء" عرب في هذا الحلف، على أمل أن يؤهل تحقيق الهدفين سورية للانضمام إلى ما يسمى "عملية السلام" في "الشرق الأوسط "التي تحتكر واشنطن رعايتها بالشروط الأمريكية الاسرائيلية، في مشهد يقف الأردن فيه على الحد الفاصل الدقيق بين الانحياز وبين الحياد في هذا الصراع، بينما يضيق يوميا هامش المناورة الأردنية بين خيارين أحلاهما مر.

لقد وضع اجتياح مخيم اليرموك جنوبي العاصمة السورية مؤخرا هذا الموقف الأردني الحرج تحت الأضواء، إذ لو فشلت المحاولات الجارية لاحتواء مضاعفات الاجتياح سيجد الأردن نفسه في امتحان صعب يخير فيه بين الانسجام مع تقليده الطويل في استضافة موجات متلاحقة من اللاجئين العرب لأسباب إنسانية وسياسية على حد سواء وبين التنكر لهذا التقليد لأول مرة برفض استقبال أي نزوح للاجئين الفلسطينيين من مخيم اليرموك، ثم من غيره من المخيمات الفلسطينية في سورية كنتيجة متوقعة، لأسباب معلنة غنية عن البيان.

وكون هذا الخيار الحرج يمثل عامل ضغط واضح على الموقف الأردني، فإن من اتخذوا قرار اجتياح المخيم، أينما كانوا داخل سورية أم خارجها، باسم "تحريره"، وهم يعرفون مسبقا رد الفعل العسكري السوري المتوقع عليه، ويدركون كذلك النتائج الفلسطينية الخطيرة التي سوف تترتب على "تحريره"، لا يمكن إعفاؤهم من المساهمة، بوعي أو من دون وعي، في الضغط على الأردن.

ولأنهم كانوا يدركون أيضا بأن اجتياحهم للمخيم لن يغير استراتيجيا في ميزان القوى على الأرض لأنه سيكون مجرد حلقة في سلسلة مستمرة منذ عامين تقريبا من عمليات الكر والفر التكتيكية لما يصفه كلا الطرفين ب"تحرير" مناطق من سيطرة الطرف الآخر ثم "الانسحاب التكتيكي" منها، فإنه لا يمكن إلا الاستنتاج بأن اجتياحهم للمخيم إنما استهدف إرغام الفلسطينيين بالقوة المسلحة على التخلي عن حيادهم في الصراع بقدر ما استهدف في المحصلة إحراج الأردن للضغط عليه باتجاه الانحياز أيضا، ليضربوا عصفورين بحجر واحد كما يقول المثل.

لكن دور "جبهة النصرة" في اجتياح المخيم يثير تساؤلات أهم عن البعد الأردني في الأزمة السورية، في ضوء التقارير الإعلامية عن وجود دعم وإمدادات لهذه الجبهة من الأردن.

فإذا صدقت هذه التقارير فإنها تثير شبهة غض طرف أردني عن مساهمة أردنية غير رسمية وغير مباشرة في دور الجبهة السوري أولا.

وتطلق ضوءا أحمر للأمن الوطني الأردني ينذر بارتدادها أردنيا بعد أن تهدأ العاصفة السورية في ضوء ارتداد "الجهاديين" ضد بلدانهم الأم في التجربتين الأفغانية والعراقية ثانيا.

ثم تثير ثالثا شبهة كون المملكة، في المصطلحات الأمريكية، "دولة داعمة للارهاب" الذي كانت ضحيته في ضوء القرار الذي اتخذه حليفها الأمريكي مؤخرا بتصنيف جبهة النصرة منظمة إرهابية.

ومما لا شك فيه أن تصريحات الشيخ عبد شحادة الملقب ب"أبي محمد الطحاوي" عن "المفخخات" في مخيم البقعة أثناء تأبين اسماعيل عرار الذي قضى مؤخرا في عملية استهدفت وزير الداخلية السوري بدمشق، وإعلانه قبل ذلك، باسم التيار السلفي الجهادي الداعم لجبهة النصرة، عن (250) أردنيا يقاتلون في سورية ويتولون "مسؤوليات كبيرة" في القتال، وتصريحات القيادي في التيار محمد الشلبي "أبو سياف" عن تعيين أردني خلفا لأردني آخر أميرا للجبهة في سورية، وسقوط "الشهداء" الأردنيين المعلن عنهم من الرجلين أو من الإعلام السوري، إنما هي مؤشرات تعزز تلك الشبهة.

وهذه الاحتمالات الثلاثة تكتسب خطورة أكبر في ضوء حقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية كانت من أوائل القوى المعارضة التي أعلنت معارضتها للقرار الأمريكي، الذي عده نائب مراقبها العام فاروق طيفور "قرارا خاطئا تماما ومتسرعا"، وفي ضوء التقارير التي تتحدث عن كون طيفور نفسه هو مؤسس جبهة النصرة في تركيا وقائدها الفعلي من مكتبه في اسطنبول، معتمدا على خبرته ضمن "الطليعة المقاتلة" للاخوان في معركة حماة عام 1981، وفي ضوء تضامن إخوان الأردن مع إخوانهم السوريين.

لقد نفى الطحاوي"تدخل" تيار السلفية الجهادية في الأردن في قرار تعيين أمير أردني جديد لجبهة النصرة، وفسر هذا النفي د. محمد أبو رمان الخبير في شؤون الجماعات الجهادية بقوله إن "ذلك يأتي تكتيكا، حتى لا يتم لفت نظر الأجهزة الأمنية اليهم والتضييق عليهم" في الأردن. لكن السؤال يظل قائما عن السبب في استمرار منح رموز هذا التيار حرية الدعاية لجبهة النصرة ول"مجاهديه" معها، ما يثير التساؤل عما سيكون الموقف الأردني من حرية مماثلة تمنح لرموز فعل مماثل لتيار يدعم ارتكاب أفعال مماثلة داخل الأردن من سورية، ويثير التساؤل عما سيكون عليه الجواب الأردني على أسئلة مشابهة من الأمريكيين الذين صنفوا الجبهة "إرهابية".

صحيح أن سجل الأمن الوطني الأردني ضد الارهاب لا تشوبه شائبة، ودور الأردن في محاربة الارهاب لا يعوزه دليل، والمعركة التي خاضها الأردن ضد جماعة الزرقاوي وإرهابها في الأردن لا تزال حية في الذاكرة، ناهيك عن دلائل حديثة متكررة مثل اعتراض واعتقال مجموعات مسلحة تنتمي للسلفية الجهادية أثناء محاولاتها التسلل من الأردن إلى سورية، وإحالة بعضهم إلى محكمة أمن الدولة.

لكن الاستمرار في منح رموز هذا التيار مساحة حرية للدعاية لأعمال لم تعد إلا قلة تجادل بأنها ليست إرهابية يظل موضع تساؤل عما إذا كانت الديموقراطيات الغربية الأعرق من أي ديموقراطية في الأردن سوف تسمح بهامش حرية كهذا وهي التي تلاحق حتى الهمس ب"التحريض على العنف" في وسائل الاعلام والمناهج الدراسية، لا بل حتى في الكتب المقدسة، العربية.

* كاتب عربي من فلسطين

الكيان الصهيوني والنفق المظلم/ د. مصطفى يوسف اللداوي

تكثرُ كل عام في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر، وهو الشهر الأخير في السنة، التنبؤاتُ والتوقعاتُ وقراءاتُ المستقبل، وينشطُ في هذا الموسم العرافون والمشعوذون والمهتمون بالفلك والأبراج وحركة ومسار النجوم، فتسمو نجومهم المعتمة، وتزداد شعبيتهم الرخيصة في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ويصبحون ضيوفاً مرحباً بهم على كل الشاشات في كل ليلة، وأخيراً عبر شبكات الاتصال المختلفة، حيث يحسنون استغلال موسمهم في جني أكبر قدرٍ ممكن من المال، وهم يتنبؤون بالحروب والثورات والكوارث، ويتوقعون مرض زعيمٍ وموت آخر، وينشغل الناس بتنبؤاتهم ويصدقونها خاصة تلك التي تتعلق بسقوط الأنظمة ومرض وموت ومقتل القادة والرؤوساء، لأنها أحلام الكثيرين وأمانيهم، وهي دعاء الله عليهم، فهم كابوس منامهم ومعاناة حياتهم، ومصدر أحزانهم وآلامهم.
أما الكيان الصهيوني فلا أحد من العرافين والفلكيين يتنبأ له بالزوال والسقوط، أو بالهزيمة والاندحار، أو بكارثةٍ تدمره، أو حدثٍ يزلزله، أو بتغييرٍ كوني يشطب وجوده وينهي كيانه، رغم أن هذا هو حلمنا وغاية أمانينا، وهو دوماً على ألسنتنا التي تتوجه إلى الله بالدعاء على كيانهم بالهزيمة والإنكسار، وأن ينتقم منهم ويرينا فيهم يوماً أسوداً، ولكن أحداً من العرافين لا يتجرأ أن يتنبأ بمآل الإسرائيليين ومستقبل أيامهم، وكأن الأبراج لا تخبرهم عنهم شيئاً، أو لا تقوى على البوح بأسرارهم، ولا كشف حقيقة مصائرهم، تضامناً معهم، أو خوفاً على نفسها منهم، لئلا تنحرف عن المسار فتضطرب، أو تضل الطريق فتهوي، أو يطالها شهابٌ فتحترق.
ولكن الإسرائيليين أنفسهم يقرأون مستقبلهم، ويتنبأون بمصيرهم، ويستشعرون مآلهم، ويتحدثون عن عيوبهم ونقائصهم، ويكشفون عن عجزهم وخوفهم، ويبدون قلقاً على مصيرهم ومستقبل وجودهم، ونحن إذ نكذب مشعوذينا وإن صدقوا، فإننا نصدق الإسرائيليين وإن كذبوا، عندما يقولون عن أنفسهم أنهم حيارى وقد ضلوا الطريق، وأنهم يسيرون إلى حيث لا يدرون، وأن المستقبل أمامهم غامض، والمصير مجهول، والأعداء كثر، والتحديات جسام، والنفق الذي دخله كيانهم مظلمٌ وطويل، ومعتمٌ ومخيف، ولا يعرف له نهاية أو خاتمة، وهم لا يعتمدون في تشخيص حالهم على حركة النجوم والأبراج، ولا على تنبؤات متحذلقٍ جاهل، يستغل العقول، ويستخف بالناس، ويوهمهم بما لم يعطه الله أو يخصه بعلمه دونهم.
رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي السابق يوفال ديسكن، الذي أشرف على قيادة الجهاز لسنواتٍ طويلة، وصبغ الكثير من أنشطته ومهامه بصبغته الشخصية، وعرف عنه أنه أحد أقوى الشخصيات الأمنية في تاريخ الكيان الصهيوني، يعلن خوفه من المستقبل، وهزيمته وكيانه أمام المستجدات العربية، والمتغيرات الدولية، وأن الذي ينتظر كيانه أكبر بكثير من استعدادات حكومته وقدرة شعبه على الصمود والثبات، ما دفعه إلى دعوة شعبه إلى التنبه والحذر، بأن القادم غريبٌ وخطر، وهو مفاجئ وخارج إطار الحساب والتوقع، ولا يوجد في كيانه رجلٌ زعيمٌ قادر على قيادة الشعب وتحمل المسؤولية، والمضي بالدولة والشعب إلى بر الأمان، إذ أن الحسابات الشخصية أكبر، والمكاسب الحزبية أهم، والمنافع والمكتسبات الآنية أكثر إغراءً وإغواءً، والزعماء المتنافسون فاسدون انتهازيون كاذبون ومضللون، تهمهم مصالحهم الشخصية أكثر من مصالح شعبهم.
يوفال ديسكن لا يختلف كثيراً عن غيره، ممن يرون أن الانتخابات الإسرائيلية القادمة قد تكون الأخيرة التي يشهدها الكيان الصهيوني، فقد لا يكون بعدها قادراً على خوض انتخاباتٍ عادية، وفق قواعد الهيمنة والقوة والتفوق الاستعلاء، الذي كان يخلق طمأنينةً واستقراراً، وإنما سيكون لزاماً عليه أن يخلق قيادة موحدة، وجبهةً وطنية عريضة لمواجهات التحديات التي ستعصف بالكيان واقعاً ومستقبلاً، حالاً ومصيراً، وهو لا يعتمد في تنبؤاته على خياله الأمني الواسع، أو قدراته التصويرية المخادعة، وإنما يقرأ أن نسبةً قد تصل إلى ثلث سكان الكيان الصهيوني يفكرون في الهجرة، وترك أرض "إسرائيل"، والتخلي عن حلم "أرض الميعاد والأجداد"، ونسيان الهيكل وعدم المقامرة بالمصير من أجل صفحاتٍ من التاريخ كانت عابرة، وهي إشارةٌ لديه خطيرة، ولا يستطيع أن يكذبها أو ينكرها، إذ تثبتها سجلاتٌ وقوائم، وتحتفظ بها أجهزة وحواسيب، ما يجعل من ناقوس الخطر الذي يدقه حقيقةً لا خيالاً.
يوسع ديسكن إطار مخاوفه على مستقبل كيانه ومصير شعبه، فلا يحصر الخطر في أمةٍ عربيةٍ ناهضة، تملك إرادتها وتعرف وجهتها، أو في رحيل قياداتٍ عربية كانت تحمي الكيان الصهيوني وتحول دون الاعتداء عليه أو تعريضه للخطر، أو تكتلٍ دوليٍ جديد، تشكل فيه دول أوروبا القلب والمحرك، يعارض سياسات الحكومات الإسرائيلية، ويهدد بعزلها وفرض العقوبات عليها، بل وفرض حلولٍ قسرية عليها، وقد سبق أرئيل شارون ديسكن في مخاوفه عندما قال" أخشى أن تنظر أوروبا إلى "إسرائيل" على أنها تشيكوسلوفاكيا فتفككها"، وتتخذ بنفسها قراراتٍ نيابةً عنها، الأمر الذي يجعل المخاوف جدية، داخلية وخارجية، تطال الحلفاء والأصدقاء والأعداء معاً، خاصةً في ظل سياساتِ وزراءٍ يحسنون فض الحلفاء، وإهانة الأصدقاء، وتخويف دول الجوار، وتهديد المستقبل الوحيد المضمون للكيان، بقتل فرص السلام والاتفاق مع السلطة الفلسطينية، التي قد لا يكون غيرها قادراً أو مستعداً لبناء السلام.
لا يتوقف ديسكن عند هذه المخاوف، بل يعمق الخوف لدى سكان كيانه مشيراً إلى أن اقتصادهم في خطر، وأن أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية تزداد وتتضخم، وأن الحكومات الإسرائيلية التي انشغلت في الاستيطان والأمن، أغرقت المواطن الإسرائيلي في أزماتٍ من الفقر والديون، وكشفت عنه الدعم والطبابة والضمان، وجعلت مستقبله في خطر، فلا شيخوخة مضمونة ولا أمان اجتماعي، ما يجعل المواطن يفكر في البديل، وفي السعي للنجاة من خطرٍ محدقٍ قد بدت ملامحه في كل مكان، محذراً بشدة من الفجوة الاجتماعية الكبيرة التي ستنشأ.
إن المستطلع لمستقبل الكيان الصهيوني هم أكثر رجاله تبصراً، وأقدرهم على تقدير الأمور، وحساب موازين القوى، ممن يملكون تفاصيل المعلومات ودقيقها، وممن يعرفون قوتهم والسلاح الذي يملكون، من كبار ضباط جيشهم، ومسؤولي أجهزته الأمنية الكبار، ممن يعرفون الأثر النفسي لتصريحاتهم، والبعد المعنوي الذي ينعكس على شعبهم وجيشهم نتيجة اعترافاتهم، فهم يعرفون أكثر من غيرهم، ويستشعرون الخطر الداهم قبل وقوعه، ويتبجحون أنهم يعرفون عدوهم، ويدركون مراكز قوته ومواطن ضعفه، فلنصدق نبوءاتهم، ولنمض بهم إلى حيث مصارعهم، ولنعمل على خلق واقعٍ جديد، نكون نحن فيه الأقوى، وهم فيه الأضعف والأكثر خوفاً.

فلسطين ونهاية العالم الحر/ ابراهيم الشيخ

تستعر الهجمة الصهيونية على الارض الفلسطينية بمزيد من العطاءات من اجل بناء المستعمرات وسرقة الاراضي ومصادرتها، وكأنما الذي بُني غير كاف، وما الامعان بتنفيذ  هذه المخططات الاستيطانية سوى رسالة الى الفلسطينيين والعرب والعالم الذي يدعي الدفاع عن الحرية، بأن اسرائيل غير ابهة بالوصول الى حل الدولتين.
ان التصريحات الاسرائيلية المتواصلة حول حق البناء في القدس التي يعتبرونها عاصمة الدول الصهيونية، ويبررون ذلك بأن دولة الاحتلال تبني كأي دولة على اراضيها، انما هو تعبير عما تفكر به دولة الاحتلال وقياداتها بعدم الانسحاب مستقبلاً من القدس، مما لا يجعل مجالاً للشك بأن اسرائيل تعني ما تقول، وهي تحقق كل ما تفكر به على الارض.
بعض المحللين يبرر الهجمة الاستيطانية على انه نوع من انواع الدعاية الانتخابية من اجل كسب اصوات المستوطنين في الانتخابات المقبلة التي ستجري بعد شهر، الا ان الحقيقة هي  غير ذلك، لأن الاستيطان مستمر طوال الوقت، وهذه السياسة متبعة من قبل الحكومات الاحتلالية المتعاقبة، وجميع هذه الحكومات كانت متطرفة وعدائية، لا وبل تتنافس هذه الحكومات وقادتها على من هو الاكثر تطرفا، ومن يستطيع قضم اكبر مساحات من الارض الفلسطينية، وبعدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
اما عن السبب الذي يشجع هذه الدولة المغتصبة على مواصلة احتلال الارض والبناء المستمر وعدم الاعتراف بالشعب الفلسطيني كصاجب هذا الحق هو دعم الدول الاوروبية لهذه الدولة، وعدم ممارسة الضغوط العملية لاجبارها ومنعها من البناء والانسحاب من الاراضي الفلسطينية، وانما تكتفي هذه الدول بالادانات اللفظية،  ومن اهم اسباب صلف هذه الدولة وتعنتها هو الدعم اللامحدود التي تقدمه الولايات المتحدة والتي تتشدق ليل نهار بحقوق الانسان، وتدعم دولة الاحتلال في اروقة الامم المتحدة، ولا تسمح بإدانتها على جرائمها من استيطان وقتل.
 ان استرجاع الحقوق الفلسطينية لا يتم عن طريق التمنيات كما يأمل بعض القيادات الفلسطينية والقادة العرب الذين اهملوا القضية الفلسطينية، والتي يبدو بأنها اصبحت عبئاً ثقيلا على كاهلهم، الفلسطينيون بدورهم اقتنعوا بأن الانظمة العربية لن تحارب من اجل استرداد فلسطين، وحتى الدعم بالسلاح ممنوع لأن هذا الدعم يغضب دولة الاحتلال، ولا احد يريد مجابهتها،  وحتى الدعم المادي الذي وعدت به الدول العربية كشبكة امان للسلطة الفلسطينية لم ينفذ، وذلك بسبب الضغوط الامريكية.
كل هذه العوامل والظروف أدت الى انسداد افق الحل السياسي للقضية الفلسطينية، والمقصود من كل ما يجري هو اركاع الشعب الفلسطيني والموافقة على ما تريده دولة الاحتلال من فرض وقائع على الارض وعدم ابقاء شيئاً من الممكن التفاوض عليه سوى اراض مقطعة الاوصال جغرافيا، وبالتالي عدم اقامة دولة فلسطينية تتمتع بصفات دولة مستقلة ذات سيادة تعتمد على نفسها.
ان هذا الوضع لا يُبقي امام الفلسطينيين خيارات كثيرة لما يجب فعله، إما الخنوع للضغوط الدولية والاسرائيلية والموافقة على كل ما تطرحه دولة الاحتلال، وإما اخذ زمام الامور، واطلاق انتفاضة ثالثة وبدء الكفاح المسلح من اجل الضغط على دولة الاحتلال بالانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة، فلا يجوز طمأنة المحتل على انه لن تكون هناك مقاومة مسلحة، وهذا المنطق يشجع دولة الاحتلال على التمادي في الاعتداءات والتعنت، واستباحة الارض وتشريد الانسان الفلسطيني دون رادع  أو محاكمة.
العالم الذي يدعي الحرية والمدافع عن حقوق الانسان قد فقد مصداقيته منذ زمن في فلسطين، لان هذا العالم يقف عاجزاً امام دولة محتلة تنتهك حقوق شعب بأكمله منذ 64 سنة، دون ان تتجرأ اي دولة على اجبار هذا العدو على وقف ممارساته على الأرض، حتى الدول التي تدعي دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني كلاميا كروسيا والصين ودول اخرى كثيرة غير قادرة على اتخاذ أي اجراءات لمساعدة الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه.
ان نهاية العالم الحر قد بدأت في فلسطين، لأن هذا العالم يسمع ويرى كل ما يجري من قتل ودمار وسرقة الاراضي، ويشهد معاناة شعب دون ان يحرك ساكنا، ولا نسمع من قِبله سوى الكلام والادانات التي لا تقدم ولا تؤخر شيئاً على الارض بالنسبه لقضية الشعب الفلسطيني الذي يناضل ويتوق الى الحرية والعيش في وطن حر ومستقل.
كاتب وصحفي فلسطيني