آخـــــر خبـــــر../ نبيل عودة

قصص من عالم السياسة

في خضم الإعداد لزيارة الرئيس "اوباما" التاريخية لاسرائيل والسلطة الفلسطينية حدث ما سبب  للإدارة الأمريكية  وللرئيس الأمريكي نفسه قلقا وهلعا شديدين.. وذلك لأن أخبار الولايات المتحدة وخطوات رئيسها وحتى السرية منها، معروفة لدى اليهود الأمريكيين، وتنشر في اسرائيل قبل ان تصل للجمهور الأمريكي، بل قبل ان يقرر الرئيس الأمريكي رأيه بها نهائيا.
المقلق أكثر ان بعض المعلومات شديدة الحساسية والسرية ، التي تتعلق بأمن الدولة الأمريكية، هي أيضا مكشوفة أمام إسرائيل والمواطنين اليهود، كيف جرى ذلك سابقا ويجري حتى اليوم بصمت غير مبرر من أجهزة الدولة؟ ليس هنالك جوابا على هذا السؤال من المسؤولين الكبار. هي سر على الدول الحليفة في الحلف الأطلسي مثلا وليس عن الصديقة المشاكسة في الشرق الأوسط ، السجين اليهودي بولارد  هو نموذج لقدرات اليهود الأمريكيين على اختراق "الصندوق الحديدي" لأكثر أسرار الدولة الأمريكية حساسية ويبدو ان سجن بولارد لم يوصل الرسالة للمعنيين، لذا لم يتغير الحال، مما يشكل اختراقاً أمنياً خطيراً قد يسبب إشكاليات كارثية في المستقبل، معرضا الإدارة الأمريكية للإبتزاز  الإسرائيلي، الذي تجهد الإدارة الأمريكية على تقليص سلبياته امام حلفائها.. والتظاهر بأن الأمر مجرد حب من طرف واحد استوطن في القلب وما في اليد حيلة.
 الحقيقة ان "اوباما" عندما وصل للرئاسة كان واهما بقدرته على التخلص من هذا الحب الطاغي الذي يظن البعض انه احد البنود الأساسية في الدستور الأمريكي، خاصة بكل ما يتعلق بصلاحيات الرئيس. هذا العشق كلف العاشق بطيب خاطر طبعا مئات المليارات من الدولارات  ويقول البعض انها 900 مليار تقريبا والله أعلم...قدمت  كهدايا للمحبوب. طبعا هي ليست باقات ورد لإغراء المعشوق جنسيا ، كما قد يتوهم قليلو العقل.
عند مجيء "اوباما" الى القاهرة ليعلن عن امريكا جديدة متحررة من البكاء على "أطلال خولة" ومنفتحة لإقتراحات عشق جديد، نال "اوباما" على جرأته تلك جائزة نوبل اذ توهم القيمون على الجائزة  ان الأسود سيحقق السلام الذي  لم يجروء على تحقيقه بيض البشرة السابقين.  ثم تاب "اوباما" عن فعلته هذه التي وصفها قادة الحزب الجمهوري المنافس ب "الخيانية المشينة"، وعاد الى ربه تائبا خاشعا قبل ان يفقد منصبه في الدورة الإنتخابية الثانية للرئاسة الأمريكية.
لكي يفهم ما يدور في دولته العظمى وكيفية انكشاف الأسرار الهامة للطرف الإسرائيلي، استدعى "اوباما" بشكل عاجل مدراء مكاتب المخابرات كلها وكل العاملين الكبار في مجال حفظ الأسرار الأمنية والسياسية وعلى راسهم مدير الـ"C.I.A"، وإغلقت الأبواب ووضع الحراس عليها منعاً لتسرب خبر الاجتماع.
أعلن الرئيس ان الاجتماع سريٌّ وولا يمكن نقل تفاصيله لوكالات الأنباء او للموظفين الأصغر في المؤسسات الأمنية المختلفة حتى نفحص بالتسلسل من أعلى الى أدنى من اين تتسرب أخبارنا وأسرارنا .
طرح "اوباما" الموضوع بلهجة غاضبة مبيناً الخطورة من تسرب الأنباء الحساسة لليهود الأمريكان وحيث يجري اعلام إسرائيل بها ، مما يجعل ادارة البيت الأبيض مهزلة في أعين شعوب الشرق المتخلفة ، هذا بحد ذاته غير ذات بال، غير ان الحلفاء الأوروبيين باتوا يتذمرون ويخفون اسرارهم عن صديقتهم العظيمة عبر الأطلسي.. ولحماقتهم يظنون ان اسرار البيت الأبيض مكشوفة فقط للمحبوب الذي يبلغ البيت البيض بكل التفاصيل التي لا تعجبه في الدول الأوروبية ، ليظلوا على وهمهم  حتى لا يربكوا البيت الأبيض بهموم جديدة!!
اضاف "اوباما" بلهجة غاضبة : ان أسرارنا هي سرٌّ حتى على الشعب الأمريكي ، بينما اليهود عندنا يعرفون كل التفاصيل، اسرائيل تعرف اسرارنا وتنشر صحافتها أخبارنا قبل ان يعلم بها الشعب الأمريكي، أي قبل ان نعلنها، مما يسبب لنا إرباكاً سياسياً وخللاً في وظائف أجهزة الأمن والسياسة الخارجية. هذه مسؤوليتكم ان تكشفوا كيف تتسرب أخبارنا وما هي الوسائل المطلوبة لتأمين اسرار دولتنا.
مدير السي.آي.إيه استخف بالمعلومة وقال ان هذا الوضع هو القاعدة المعروفة ولا أعتقد انه يمكن تبديله ، التجربة سيدي الرئيس علمتنا ان وضع وسائل جديدة هو صرف مادي وجهود كبيرة لن تصمد الا لساعات يعود بعدها كل شيء مكشوفا لهم من جديد، ان صديقتنا وحليفتنا الإستراتيجية اسرائيل أثبتت انها اهل لحفظ اسرارنا الأمنية، واذا استفادت منها فهذا لا يضرنا بل يخدمنا، يبقى سيدي الرئيس والزملاء الأعزاء مشكلة الأخبار وهذه من يهتم بها؟ العرب سيدي لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون، كما قال مؤسس دولة اسرائيل دافيد بن غوريون، أي لا يعرفون ما يدور حولهم وبالتأكيد  لا تريد انظمتهم ان تعرف، العارفون يصمتون لأننا نوفر لهم الحماية واستمرار جلوسهم على رأس الأنظمة، يجب أن لا ننسى ان اسرائيل دولة قوية وهي ضمانة لهم ايضا، لذا لا خوف من استمرار حبهم وخضوعهم للولايات المتحدة, من هنا لا ارى ضرورة لنواصل بحث هذا الموضوع الذي استهلك أبحاثا عديدة مضنية من الإدارات السابقة ايضا وكل ما اتخذناه من خطوات لتقليص تسرب اسرارنا وأخبارنا باء بالفشل.
فوجئ "اوباما" وقال: "هذا تهاون واستخفاف بعظمة الدولة الأمريكية  ويجب ان نعرف كيف تتسرب المعلومات".
فسر مدير الأمن الداخلي الأمر بان اليهود شعب "حشري" يستفسر أبنائه دائماً عما هو جديد في السياسة والعلوم والإختراعات، فوراً ينتشر الخبر بينهم وينقل الى اسرائيل، بينما الأمريكيون يهتمون بالـ"هامبورغر" والـ"هات دوغ" والـ"فاست فود" المختلف وألعاب الكرة المختلفة .
غضب "اوباما" لهذه الأجوبة العاجزة وانتقدهم بحدة قائلا:  هل انتم  جهاز مسؤول ؟ كيف تتحكمون باكثر الأجهزة حساسية وتعجزون عن تفسير مسألة تسرب أسرارنا؟
بعد فترة صمت سيطر على أعصابه واضاف: بأنه يبدو ان انتقال المعلومات السرية  لا يمكن كشفها الا اذا كنت يهودياً، هذا ما أفهمه من كلامكم. لأن اليهود يتبادلون المعلومات بينهم  فقط ولا ينقلونها لمن ليس يهوديا  وبذلك يتعذر علينا معرفة مصدر وصول المعلومات لهم.. هذا هو تبريركم؟!
ساد الصمت في القاعة . قال "اوباما" بعد ان سيطر على غضبه حسنا سأفحص الموضوع بطريقتي.
في نفس اليوم قرر "اوباما" بشكل سري مخفيا ذلك عن زوجته وابنتيه، ان يتنكر بملابس يهودي، حيث وضع لحية اصطناعية وشبك قبعة دينية سوداء بشعر رأسة (الكيباه بالعبرية) لبس الملابس السوداء التي يرتديها اليهود المتدينيون الأورتوذكس، ركب أول طائرة متوجهة الى نيويورك، ثم الى بروكلين اليهودية ومنها الى الحي الأكثر تزمتا باليهودية في نيويورك – حي "كراون هيتس".
التقى هناك بيهودي كبير في السن، سأله:  هل من أخبار جديدة يا أخي؟
رد عليه اليهودي بصوت خافت وحذر: ألم تسمع آخر خبر؟ السافل "اوباما" تنكر بزي يهودي ووصل الى حينا!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبيل عودة – nabiloudeh@gmail.com

الإبتسامة الحائرة/ ميمي احمد قدري

استيقظتُ كعادتي.....
.دائماً أنهض من نومي كما تعودت ..عندما يَتَبَينُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ,.. نهضتُ مُتثاقلاً من الفراش
 .. وسادةِ على مفرش يفصل بين جسدي وأرضية الغرفة لكي أنام .
لم أنسَ طفولتي ولا ابتسامتي بالرغم من شقائي المتواصل في العمل .....
كانت النشأة في البراري مع الذئاب والضباع .. من يمت فقدره .. ومن يحيا من الرجال يكون مختلفاً عن كل الرجال ..
خرجتُ من الغرفة التي تسعنا بالكاد أنا وأخي الصغير.. ركضتُ إلى أمي أمسك بتلابيب جلبابها وأضحك معها كعادتي وألقي عليها بعض الُنكات لرسم ضحكة على ثغرها قبل خروجي إلى العمل .
تقوم أمي باحتضاني وضمي بقوة وحنان و ترجوني وتلح عليّ أن أضع في فمي حتى ولو كسرة من الخبز .. لم تنس أن عمري لم يتعد  الحادية عشر  وأن عملي يفوق طاقة الكثيرين من الرجال ..
خرجتُ من المنزل بعد أن بدأت أشعة الشمس الذهبية تطل من كبد السماء .. التفتُّ إلى أمي ملوحاً بيدِ وبالأخرى أحمل زاد يومي .. كسرتين من الخبز وقطعتين من الجبن الحلوب وحبتين من الطماطم ...
اتجهت ُ إلى عملي متفائلاً بوعد صاحب العمل .. إعطائي جزءاً من أجري كمصروف ..فأُجرتي كلها تذهب ليد والدي بدون أن أعرف كم عددها ...
دائما أشعر بالسعادة والرضا لأن عملي يرفع عن عائلتي غائلة الجوع .. ويُسهم في رفع المعاناة عن أمي وأبي ..
وصلتُ الحقل - مكان عملي - وتحت شجرة التوت التي تعودت أن أركن إليها عندما يشتد قيظ الشمس ويُداهمني التعب وضعتُ صُرّة الطعام وبدأتُ يومي في العمل الشاق بابتسامتي المعهودة .. وقفت لبرهة أتحدى نفسي و أنظر إلى كَم العبوات التي يجب نقلها إلى سيارات النقل .. فأنا يومياً أقوم بنقل الحِنطة والأرز والذرة والشعير والقمح -المعبأة بجوالات كثيرة ويفوق حجمها حجمي - وأظل هكذا أحمل من هنا إلى هناك حتى أنتهي من نقل الكمية المطلوبة لهذا اليوم .. أو كما يُقرر صاحب العمل.
أنهيتُ فترة عملي الصباحية وذهبت فرِحاً لأحضان شجرة التوت .. جلستُ متربعاً ورفعت صُرّة الخبز والجبن وفتحتها بسرعة من شـدة جوعي .. أكلتُ بنهم ..  دائماً أشعر أن الطعام في جوفي يَُقطر عسلاً .. وبعد الأكل أشرب كمية من الماء وكأنني أرتوي من الجنة ..
بعد ثُلث ساعة من الزمن غرقتُ في نومِ عميق .. حلمت أنني تركتُ بلدي هرباً من بعض الأوضاع التي لن تهبني فرصة الحياة الكريمة.
شاهدتُ في حلمي أنني ألبس ملابس الجنود وأحمل السلاح ..وأنني  في بلادٍ غريبة أنهلُ من معارفها العلم وأتفوق على أقراني وأُتوج بأعلى الشهادات حاملاً عائلتي على أكتافي..
حلمتُ أيضا أنني أُساعد العالم كله.. أُحارب الفقر والجوع والتعصب والطائفية...
فزعتُ من نومي.. بدأت في إكمال عملي بنفس النشاط وهِمّة الصباح.. ركبتُ الدَراسةُ لأُكمل عملي ....
مر الوقتُ كعادته .. عدتُ أدراجي إلى منزلنا بعد غروب الشمس.. وكعادتها تقوم أمي بالاطمئنان عليَّ وتطلب مني الاستحمام وارتداء ملابس النوم .. تنشغل هي بغسل جلبابي الوحيد الذي كنت أرتديه.. ......
تتوهم أنني نائم  بينما أظل ألهو مع أخي إلى أن يُغالبنا النعاس................
ويكتملُ الحلم!!
مرت ست سنوات من عمري وأنا أقوم بواجبي على أكمل وجه.. درستُ .. تعلمتُ وتمنيتُ أن أُحقق حُلمي بإكمال تعليمي العالي ولكن المقدرة المادية والظروف السياسية في بلدي لم تُساعدني بسبب سنوات الحرب المُهلكة بين وطني وإحدى  البلدان  التي أرادت أن تتعدى على حريته......سارعتُ في الانضمام إلى صفوف الدفاع عن حرية وطني لأخر قطرة من دمي.. كنت أحرص على التواجد الدائم في الصفوف الأمامية
ذات يوم وصلتُ إلى المستشفى بسبب اصابتي الشديدة أثناء الاشتباكات مع العدو..... تمت اجراء جراحة عاجلة !!
  عندما أفقتُ من تآثير المخدر لم أشعر بجزئي الأسفل ولا  بذراعي ...أختنقت بداخل الآحداق الدمعة وحاصرتُ صرخة الوجع بآسوار صدري...................
 بقلم عزة فتحي سلو
 ميمي قدري

هموم مصري/ محمد محمد علي جنيدي

أنا مش عايز سلطه
ولا فكرت في منصب
كان نفسي في أمن ولادي
ومعاهم آكل واشرب
لا انا قادر افوتكو واهاجر
ولا عارف اسافر واهرب
ولا قادر أقضي حاجاتي
ولا باين بينكم مكسب
وسنين بتجر حياتي
لنهاية حلم بيصعب
هوه مليش حظ معاكم
غير أحصد همي وأتعب
يا خسارة أمنياتي
يا خسارة حلمي الأرحب
كدا بنكم هفضل صابر
للصبر حدود وبيهرب
لله الأمر يا مصري
هوه اللي إليه المهرب

الصراع سيبقى مستمراً ما دام شعار أرض بلا لشعب لشعب بلا أرض قائما/ راسم عبيدات

تحت هذا الشعار جاءت الغزوة الصهيونية الى فلسطين مدعومة من قبل القوى الإستعمارية الغربية،وفي المقدمة منها بريطانيا،التي لم يقتصر دورها على إعطاء وعد لليهود بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين،بل كانت تسهل لليهود الى الهجرة الى فلسطين والإستيلاء على الأراضي الفلسطينية،في وقت كانت فيه تطارد الفلسطينيين العرب،وتمارس بحقهم أقصى انواع العقوبات والإرهاب،بما فيها الإعدام عقاباً لهم على مقاومتهم ورفضهم للغزوة الصهيونية والإستيلاء على أرضهم،والحركة الصهيونية منذ بداية الغزوة لفلسطين،كانت تدرك جيداً بأن المحور الأساسي للصراع مع الفلسطينيين هو الأرض،مما يستوجب منها ممارسة كل  الأشكال والأساليب المشروعة وغير المشروعة منها،بما فيها عمليات البلطجة والزعرنة والعربدة،من اجل  إقتلاع الفلسطينيين وطردهم وتهجيرهم عن أرضهم،ونفي وجودهم،وفي بداية المشروع الصهيوني نفذت العصابات والمنظمات الصهيونية من البلماخ والهاجانا والأرغون وشتيرن وغيرها عمليات إجرامية وإرهابية بحق الفلسطينيين لترويعهم وتخويفهم،ومن ثم نفذت مذابح  جماعية بحق الشعب الفلسطيني،كانت أشهرها مذبحة دير ياسين،وكان الهدف واضحاً من ذلك احتلال فإقتلاح فإحلال،وعلى ذلك قام وبني وترعرع  وتطور وتوسع  وتمدد المشروع الصهيوني،وكان هذا النهج والخط الثابت والناظم الذي سارت  عليه كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بغض النظر  عن كونها يسار او يمين صهيوني فهذا ثابت وإستراتيجي في الفكر الصهيوني،من يحاول العبث به أو الإقتراب منه بتجميده أو الحد منه او محاولة  إخلاء أي مستوطنة كانت ولو على شكل "كرفان "خالي من السكان،فهو يعرف بان ذلك سيعرضه للسقوط في المجتمع الإسرائيلي والإنتحار سياسياً،ولذلك خطت قاعدة أساسية في المجتمع الإسرائيلي  عنوانها،أن بقاء المشروع الصهيوني واستمراره رهن بمواصلة نهب ارض فلسطين والسيطرة عليها، ،فالحكومة التي تصادر وتبني مستوطنات أكثر،هي التي تحقق وتحرز نجاحات وانتصارات أكثر في أوساط المجتمع الإسرائيلي،ومنذ الكنيست الأولى  كان واضحاً بأن الطريق إلى الحكومة والبرلمان  الصهيونيين يمران عبر بوابة عاملين رئيسيين هما،قتل أكبر عدد  ممكن من الفلسطينيين والعرب،والمزيد من الاستيطان والمصادرات وطرد وترحيل العرب واقتلاعهم،ونحن نشهد حالياً وفي ظل تجذر وتعمق التطرف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي بأن هناك تغول وتوحش في المشروع الإستيطاني،يصل حد ال"تسونامي" في القدس ويزداد ويرتفع بوتائر غير مسبوقة في الضفة الغربية،فالنظرة الإسرائيلية السائدة،بأن العرب هم بمثابة قنبلة ديمغرافية وخطر سرطاني على يهودية وعبرانية الدولة يجب اقتلاعه،وهم الآن يصرون ويشترطون على الفلسطينيين في أي تسوية او حتى مفاوضات قادمة الإعتراف بما يسمى يهودية الدولة،ولهذه الغاية والهدف وضع غلاة المتطرفين خططهم ومشاريعهم لطرد العرب وترحيلهم ليس في المثلث والجليل ولا في النقب والقدس،بل في كل جغرافية وحدود فلسطين التاريخية،والشعب الفلسطيني وقواه وأحزابه وتنظيماته وتشكيلاته المؤسساتية والنقابية أدركت تلك المخاطر على وجودها وأرضها وبقاءها،فمارست كل أشكال المقاومة من اجل الحماية والدفاع عن أرضها ووجودها،وكان يوم الأرض الخالد في الثلاثين من آذار 1976 علامة فارقة في تلك المعركة وذلك النضال،حيث هب شعبنا في الداخل الفلسطيني- مناطق 48 - من الجليل والمثلث وحتى النقب يدافع ويذود عن أرضه ويسطر أروع ملاحم البطولة والفداء والتضحيات،وسال الدم الفلسطيني غزيراً وسقط الشهداء والجرحى في معركة وهبة يوم الخالدة،ولكي تؤسس لمرحلة جديدة في سفر النضال الوطني الفلسطيني،سفر حماية أرضه ووجوده وبقاءه عليها،سفر عدم معاودة النكبة مرة ثانية والى الأبد.
وقنونة سلب والإستيلاء على  الأراضي الفلسطينية كانت وما زالت تمر عبر قانونين أساسيين،هما قانون أملاك الغائبين لعام 1953 وبموجبه حولت اسرائيل لحوزتها وملكيتها بشكل رسمي وقانوني جميع أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا الى الدول العربية المجاورة وقانون استملاك الأراضي لعام 1953 (قانون الحرام)،والمسألة ليست قصراً على هذين القانونين،بل هناك مسألة على درجة عالية من الخطورة،وهي محاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين،حيث شرعت ما يسمى بدائرة أراضي اسرائيل في عام/2007 بنشر مناقصات لبيع املاك اللاجئين في المدن،واستتبع ذلك في شهر آب/2009 سن البرلمان الاسرائيلي قانون الاصلاحات في دائرة أراضي اسرائيل،القانون يسمح بخصخصة أراضي بملكية الدولة تقدر ب (800000 ) دونم ( أراضي مبنية ومعدة للتطوير بناء على المخططات الهيكلية) وذلك يشمل أملاك لاجئين فلسطينيين،وهذا القانون يسري في المستوطنات الاسرائيلية في القدس الشرقية والجولان المحتل،وبيع الاملاك يشكل فعلياً مصادرة نهائية لحقوق الملكية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين على أملاكهم. وهي لم تكتفي بذلك بل شرعت العديد من شركات العقارات الإسرائيلية في بيع أراضي اللاجئين الفلسطينيين وطرحها بمناقصات في المزاد العلني لجميع سكان إسرائيل ومن ضمنهم فلسطينيو 48، وذلك بعد أن حصلت تلك الشركات على الأراضي بالمجان من المؤسسة الإسرائيلية بموجب قانون “خصخصة أراضي الدولة” الذي شرعه الكنيست عام 2009، فضلا عن التعديلات على ”قوانين الأراضي” التي أجازت نقل الأراضي من ملكية الدولة ووصاية ما يسمى ”حارس أملاك اللاجئين” إلى القطاع الخاص للمتاجرة بها. ويتضح من خلال الوثائق والمستندات ، أنه تم في السنوات الأخيرة وتحت جناح من السرية وبتفويض من المؤسسة الإسرائيلية، تسجيل مساحات واسعة من أراضي اللاجئين الفلسطينيين -دون الإشارة إلى أنها أراضي لاجئين- بدائرة الطابو على اسم وملكية العديد من شركات العقارات تحت بند “بيع الأرض بدون مقابل”، لتقوم هذه الشركات مؤخرا بطرح عشرات آلاف الدونمات المصنفة على أنها زراعية للبيع في المزاد العلني.
هم شعبنا واحد،واهداف شعبنا واحده،ومصيره واحد،وان اختلفت الأولويات بفعل الجغرافيا،وكذلك الإستهداف واحد،فبنفس القدر الذي تستهدف فيه حيفا ويافا واللد والرملة،تستهدف فيه النقب والقدس ونابلس والخليل ورام الله وجنين،وحتى الأحياء والزواريب والشوارع مستهدفة،بل كل شبر وسنتمتر من أرضنا المغتصبة يقع في دائرة الاستهداف، فاسرائيل تبني وجودها على استباحة ومصادرة أرض الغير ونفي وإقصاء وجوده،وهناك ناقوس خطر يجب أن يدق أمام كل أبناء شعبنا وأمام كل العرب والمسلمين،الاحتلال يحاول الاجهاز ضمن مخططه الاستيطاني بشكل نهائي على مدينة القدس،والإستيطان فيها بلغ حد الجنون ،ونحن مستمرين ومختلفين في جدل بيزنطي عقيم حول جنس الملائكة ذكر أم أنثى،فالاحتلال لا يترك لحظة واحدة تمر دون أن يواصل ويصعد من حربه الشاملة على المقدسيين،معركة تطال كل مناحي وشؤون حياتهم،حيث المستوطنات والمصادرات تتوالد وتتزايد بأرقام قياسية وجنونية،وتشارك في العملية كل اجهزة الدولة ومؤسساتها ومستوياتها الرسمية،وكذلك المستوطنين وجمعياتهم المتطرفة.
في ظل حكومة يمينية مغرقة في العنصرية والتطرف في اسرائيل ،وفي ظل تسييد وجنوح المجتمع الاسرائيلي نحو المزيد من العنصرية والكره والحقد على كل ما هو عربي وفلسطيني،فالمتوقع لهذه الهجمة الاستيطانية أن تتصاعد وتتكثف وخصوصاً أن الاستيطان في الضفة الغربية منذ ما يسمى بمؤتمر أنابولس وحتى اللحظة الراهنة زاد بنسبة لا تقل عن 300%،ويجري التخطيط لاقامة مئات الآف الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة الغربية،من أجل تغيير الواقع الديمغرافي فيها.
نعم في ذكرى يوم الأرض الخالد الذي تستباح فيه الأرض الفلسطينية،ويجري نهبها ومصادرتها والإستيلاء عليها من قبل الحكومة الاسرائيلية وقطعان مستوطنيها،فلا بد من وضع استراتيجيات وخطط وبرامج وآليات تنفيذية تمكن من الدفاع عن الأرض وحمايتها،واستخدام كل وسائل المقاومة المشروعة وأشكالها ومسمياتها بدءاً من رفض استئناف المفاوضات العبثية،وربط أي عودة إليها بالوقف الكامل والشامل للاستيطان في القدس والضفة الغربية،وكذلك تصعيد النضال الجماهيري والشعبي والمقاومة الشعبية السلمية،كما هو الحال في مقاومة جدار الفصل العنصري،حيث بلعين ونعلين والمعصرة وبيت أمر والنبي صالح وكفر قدوم وجيوس وأم سلمة والولجة وغيرها من قرى وبلدات وطننا ضربت وتضرب أروع الأمثلة في المقاومة الشعبية،والتي يجب أن تتطور وتتوسع لتشمل كل قرى ومدن فلسطين،فما عاد الشجب والاستنكار والبيان والمهرجان والاحتفال من الوسائل الفعالة في مقاومة وردع ووقف "غول "الاستيطان،هذا "الغول" الذي يبتلع كل شيء له علاقة بالوطن،لا استجداء بالمفاوضات يوقفه ولا استجداء على أبواب هيئة الأمم والبيت الأبيض وعواصم أوروبا الغربية أيضاً،وكذلك ليس بالخطب العصماء والشعارات الرنانة و"الهوبرات" الاعلامية والتصوير امام الكاميرات وفي الفضائيات،ولا باموال القمم العربية الورقية التي لا يصل منه شيئاً للمدينة واهلها سيتوف هذا "الغول" الإستيطاني،بل بالعمل والفعل على الأرض يتوقف فقط.


الفتاوى الدينية واغتصاب النساء/ ابراهيم الشيخ

من الملاحظ انه اثناء التظاهرات والاعتصامات، وايضا المعارك التي شهدتها دول الربيع العربي بين الانظمة الدكتاتورية والقوى التي قامت بهذه الثورات قد ازدادت حالات الاغتصاب والتحرش بالنساء، وهذا حصل وما زال يحصل في ليبيا وتونس ومصر، ويحدث الان في سوريا.
بدون شك انه في حالات الفوضى التي سادت في هذه البلدان فقدت السلطة سيطرتها على الامور، مما دفع بقوى اخرى غير منظمة بالسيطرة على اوضاع الناس والبلاد مما زاد من اعمال السرقة والقتل والانتقام والاغتصاب.
وكل يوم تطالعنا اخبار السحل والتعري والتحرش والاغتصاب والتي كان اخرها المرأة السورية التي احرقت نفسها مع بناتها الاربعة بعد اغتصابهن من قبل جماعات مسلحة اتت للجهاد في سوريا، ويسمون هذا الاغتصاب بجهاد النكاح، وهذا الامر يعتبر من البدع الجديدة التي نسمعها مؤخرا، ويتضح كل يوم اهداف هذه القوى في محاولة فرض الشرائع بالقوة على الناس، واصدار الفتاوى التي تتيح لهم فعل كل المحرمات باسم الدين.
وقبل ذلك بيومين تم اغتصاب ثلاثة نساء كن في طريقهن الى التضامن مع غزة وايصال بعض المساعدات، حصل ذلك على الحدود المصرية الليبية ومن قبل المسلحين الليبيين، وتطالعنا بعض الانباء عن عن ذهاب بعض التونسيات الى سوريا لاجل ما يسمى بجهاد المناكحة، ومن غير المعروف من افتى بهذا النوع من الجهاد، ولكن بعد فوضى الربيع العربي وفوضى الفتاوى، فكل شيء اصبح جائزا، وعلى المواطن العربي بألا يستغرب هذه الاشياء الغريبة والجديدة الطارئة على مجتمعاتنا.
ان ظاهرة الاغتصاب والتحرش اصبحت ظاهرة مستشرية في هذه المجتمعات، ولوحظت بعض التحركات النسائية ضد هذه التصرفات في الاردن ومصر وتونس، ويبدو ان الحكومات غير قادرة على وقف هذه الاعمال التي تذهب النساء ضحيتها، ولم يكن الوضع مختلف كثيرا في ظل الانظمة الدكتاتورية فكانت هذه الظاهرة غير منتشرة بهذا الشكل، بالرغم من ان هذه الانظمة ورجالاتها لم تكن بريئة من اعمال مماثلة، ولكن على اغلب الظن كان هناك صمت من قبل الضحايا اما خوفا من بطش رجالات الانظمة، واما خوفا من الفضيحة.
بالرغم من انتشار الافكار في وطننا العربي حول انحلال الدول الغربية بالنسبة لمسائل الجنس وغيرها، الا انه في مسائل الاغتصاب والتحرش الجنسي فان القانون صارم جدا تجاه هذه القضايا، ويعاقب اصحابها اشد العقوبات مثلها مثل جرائم القتل، ولكن الذي يحصل الان في البلاد العربية من حالات الاغتصاب تبقى دون محاسبة.
ان استباحة النساء واستغلالن بهذا الشكل الفاضح وتحت مسميات مختلفة، كالزواج من القاصرات او استغلال وضع اللاجئات السوريات وغيرهن بحجة اخراجهن من الاوضاع المأساوية التي وجدن بها، ما هي الا نوع من انواع الاستغلال وممارسة البغي باسم الدين.
ان الشعوب العربية التي تفاءلت خيراً بالربيع العربي من خلال التخلص من انظمة الفساد الاستبداد السياسي، الا ان هذه المجتمعات وبدون استثناء  تعاني الان من ظواهر جديدة من الاستبداد الديني الذي يقيد حرية الانسان بفتاوى التحليل والتحريم حسب مصلحة الحاكم ومصلحة رجالات الفتاوى الدينية.
ابراهيم الشيخ

لبنان أخضر و"اللبننجي" أغبر يونس الإبن و"خناقهْ مع ألله"/ شوقي مسلماني

الإعلاميّة غيدا يونس سألتْه، وهو الشاعر الذي صلّى في محراب لبنان منذ وعى حتى يوم رحيله إلى عالم الأبديّة وجعل لبنان كائناً بأرزته "قبل أن يكون الكون" عمّا ستسمع من شعرِه؟. قال لها ببساطة إنّه سيسمعها قصيدة بعنوان: "خناقه مع ألله"!. استغربت الإعلاميّة يونس هذه البداية وقالت له بمداعبة ومشاكسَة في آن: "كتار اللي رح يزعلوا منّك"!. قال لها: "اسمعيني بالأوّل". 
وأنشد: "يوميّه بركع وبصلّي \ ولمّا بصلّي صوتي بعلّي \ حتى طلّ عليّ ألله \ نار ونور تجلّى وقلّي \ جينا تفضّل شو مطاليبك؟ \  قلتلّو نحنا محاسيبك \ شايف شو كنّا وشو صرنا \  وشو كتير علينا تجاريبك؟ \  قلّي: سلامة فهمك يا ابني \ اللبناني كتير متعّبني \ بيغطس بالسبعة وذمّتها \ وبيقلّك الله مجرّبني". 
هكذا يفتتح قصيدته الشاعر الراحل يونس الإبن "خناقهْ مع ألله" التي وإن هي سابقة في الزمن فهي لا تزال معاصرة، ومن مصاديق هذه المعاصرَة هي إنّ لبنان الذي "الزمن يشيب وهو لا يشيب" هو اليوم في حال من بؤس على كلّ صعيد وعلى الصعيد الأمني في الطليعة وذلك بالتوازي مع شحن النفوس بأبشع المذهبيّة العنصريّة وبالتوازي مع اشتباك الدين بالسياسة التي ما دخلت ديناً إلاّ عجّلت بخراب مجتمعه وبيئته. 
ليتابع الشاعر يونس الإبن ناقلاً مقالة الله: "قصدي خلقت الدنيي كلاّ \ متل اللي قاعد عم يتسلّى \ لكن إنتو اللبننجيي \ خلقتو عشره تنعشر الله \ ولمّا وقعتوا ليّ ارجعتوا \ ارجعتوا ضيّعتوني وضعتوا \ قسّمتوني، أزّمتوني \ وزّعتوني وتوزّعتوا \ صرتوا كلمن بدّو ياني \ إمشي خلفو عالعمياني \ وكلمن ع زوقو يصلّي \ ويجرّب يعطيني متيلي \ يطلب منّي الموت لخيّو \ بآيه منقّايه بترتيلي \ ولو ماني ألله وما شا الله \ لبننتوني وجنّنتوني". 
ولم يقل الشاعر الراحل يونس الإبن مقالة الله إلاّ بعدما هو ذاته عاينها واقعيّاً: عايشها وخبرها وآلمته وأدمته، ولا يزال اللبناني يطلب لأخيه اللبناني الموت ويجعل من ذلك هدفه الأسمى أو واسطة العقد من أحلامه البائسة، فهو أبعد من أن يكون لبنانيّاً، هو بالواقع "لبننجي" بكلّ ما في هذه التسمية من استخفاف وسخرية واتّهام وإدانة، مثلما توحي بالتجارة السوداء والنخاسة المعاصرة. 
وإذ يقول الشاعر الذي غنّت له صباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وغيرهم نقلاً عن الله المستنكِر "لبننتوني وجنّنتوني" فإنّه يجعل من طريق متّهمي يونس الإبن ذاته بالتضخّم اللبناني وبالقوميّة اللبنانيّة وبالوثنيّة اللبنانيّة في حرج وصعوبة وضيق حيث من التضخّم والقوميّة والوثنيّة "اللبنانيّة" أن ينسب اللبناني لنفسه ما ليس فيه أو له ويعظّمه تعظيماً والحال إنّ الشاعر يستنكر هذه اللبننة المغلقة التي آخر مطافها الجنون. 
ويتابع الشاعر قارئاً: "قلتلّو هون بتسمحلي \ قلّي تفضّل، جود، اشرحلي \ وفهِّمني شو دخّل ألله \ بغطسة لبنان بهل وحلي \ هل لبنان خلقتو أخضر \ مكسي بالأندى وبالأنضر \ لمّا خلصتو من تهديمو \ ارجعتوا لنغمة ألله قدّر \ نسيتوا شو جنّيتوا؟ \ نسيتوا اللبناني شو صاير صيتو؟ \ طابت للسكران السكره \ ما فكّر إنّو في فكره \ لا امبارح خاطر ع بالو \ ولا همّوا شو جايي بكرا". 
وهكذا باعتقادي ما دام لبنان في هذا المأزق حيث الشاعر يردّد "شو دخّل ألله بغطسة لبنان بهل وحلي" و"لمّا خلصتوا من تهديمو" فيما الله خلق لبنان بالأصل "كلّه أخضر وأنضر وأعلى وأجمل ولوحات مرسومة بريشة الخلود" فإنّ شاعرنا يونس الإبن الذي صنع مساره الخاصّ في القصيدة العاميّة التي خرجت من القصيدة الزجليّة وطامحة بقوّة امتداداً من ميشال طراد الرائد ومروراً بكلّ الأسماء المعروفة: سعيد عقل، إيليّا أبو شديد، عاصي الرحباني، طلال حيدر، جوزف حرب، وغيرهم، طامحة لأن ترث عرش "العاميّة" فإنّ شاعرنا الصريح بجماليّة عالية وحساسيّة جماليّة، وبعد كلّ هذه الأحلام التي لم تجبه عاصفة، يستطيع القول إن لبنانه أخضر و"اللبننجي" أغبر وما ذلك إلاّ من باب صراخ مرارات هذه المرحلة التي على كلّ لبناني لبناني لا "لبننجي" أن يتحمّل مسؤوليّاته فالنار ستأتي على الجميع. 
ويتابع الشاعر في الحوار المتلفز الأخير، والذي لم يبثّه تلفاز حتى اليوم أي حتى بعد انقضاء أكثر من خمسة أشهر على رحيل الشاعر عن 86 عاماً، نقلاً عن الله : "هلّق قلّي شو مطلوبك؟ \ طبعاً مش نادم ع زنوبك \ أو جايي تستغفر عدلي \ تا تفرِّق نوري ع دروبك \ جايي تطلب إرمي خصمك \ والعزّه سجّلها بإسمك \ والقوّه الفيي اضربها بألفين \ ونزّلها بجسمك \  وخصمك جايي بطنِّه ورنِّه \ وطالب إمحيك متمنّي \ مين المنكن بيسمع منّي \ ومين المنكن سامع منّي \ يا لبناني البدّو يصلّي \ ويخلّي صوتو يوصلّي \ يفهم إنّو الله الخالق \ ما ميّز ملِّه عن ملِّه \ حلّي المرّة بكلمه حرّه \ وعلّي بإيمانك لبنانك". 
إذن، وإن تعثّرت الملل والنحل اللبنانيّة في العثور الدائم على ما يجمع فلا أقلّ من أن يذكِّرها الشاعر جميعاً، وهو الذي آثر الإبتعاد منذ سنوات عن الأضواء قهراً، إنّ الله ليس لملّه، هو ليس للمسلم ولا للمسيحي ولا للسنّي ولا للشيعي ولا للماروني ولا للأرثوذكسي ولا للدرزي ولا لأحد، فالجميع هم أبناء الله، بل لبنان عباءة الجميع الواحدة. 
ويختم الشاعر قصيدته "خناقهْ مع ألله" قائلاً: "ومن يوما يوميي بصلّي \ وصوتي لأعلى فوق بعلّي \ ومن يوما شو ما قالولي \ بتزكّر الله شو قلّي".
Shawki1@optusnet.com.au

تربية طفل مشروع تم إثرائه في مجلس المخزومي الثقافي/ د. رافد علاء الخزاعي

مجلس المخزومي الثقافي من المجالس الثقافية البغدادية الرائدة التي تطرح مواضيع تمس الرقي الإنساني والنهوض به  من خلال الحوار الهادف البناء للنخب الأكاديمية والمثقفة  من التواقين للمعرفة الفكرية من رواد مجلس المخزومي الذي هو امتداد لمجلس الأرقم أبي الأرقم المخزومي الذي كان بداية مرتكز الدعوة الإسلامية في مكة ويشرف عليه حفيد آلـ مخزوم البار الأستاذ الدكتور عادل المخزومي  وهو صالون  ثقافي أدبي شهري يعقد كل ثالث سبت من كل شهر في منطقة المنصور خلف مطعم العزام شارع 14 رمضان وكان محور هذا الشهر تربية الطفل وتحديات العولمة التي قدم الدكتور الاستشاري رافد الخزاعي وأدار الجلسة الشاعر والأديب السيد محمد الجابري وقد بين المحاضر ( كاتب هذه السطور ما هو مفهوم التربية والغاية منها وما هي التحديات بالتربية في الوقت الحاضر ان تربية الطفل هو مشروع ريادي خلق إنسان جديد يساهم في بناء المجتمع في المستقبل وتتحمل العائلة ( الأب والأم) الدور الأكبر ولكن المرجعيات الاجتماعية والدينية والأخلاقية والحكومية و العالمية دوراً أساسياً ومساهماً في تنشئة وتربية الطفل من خلال البرامج الحكومية والمجتمعية وقد تطرقت  البحث إلى مفهوم التربية بالمفهوم الأفلاطوني من خلال التقسيم  إلى  مراحل عمرية  تبدأ بتعليم القراءة والكتابة إلى حد عمر 10 سنوات وبعدها من 10 إلى 20 سنة تدريب على الموسيقى والفروسية والألعاب الرياضية والمرحلة الثالثة من 20 إلى 30 سنة وهي التدريب العسكري أو اختيار ذوي النباهة للأعمال الفلسفية والطبية والفكرية وأما التربية في المفهوم القرءان فقد أكدت على أحقية الطفل في الأمومة والرضاعة الطبيعية من خلال أرضاعة وفصاله عامين كاملين والتأكيد على تربية اليتيم وعدم المساس بحقوقه و مبدأ الشورى في اختيار الزوج أو الزوجة في تحديد بلوغ الحلم كمرحلة فاصلة بين الطفولة والرجولة    وفي قصة سيدنا  موسى عليه السلام ودور رضاعة ألام  وأهميتها للتنشية الصحيحة  وكذلك من الأحاديث النبوية  وسيرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى و الأطهار  وسلم  مع سبطيه الحسن والحسين في مواقف  كثيرة ينقلها لنا التاريخ  الإسلامي قد تطور المفهوم الإسلامي بالتربية ضمن جمعية أخوان الصفا من خلال إعداد الجيوش وفق تقويم تربوي يعتمد على المفهوم الإنساني والأخلاقي للمخارج التربوية  وسار على نفس المنوال كل من الفارابي والغزالي وبعض الإشارات من أبن سينا وفي العصر الحديث بعد ظهور النظرية الشرطية بافلوف والنظرية السلوكية لفرويد فقد أوجدت سبل تحليلية وواقعية لمفهوم التربية  .

إسرائيل/ أسعد البصري

السلطان عبد الحميد ؟؟ يقولون بأنه أول من قبض من تجار اليهود وقدم تسهيلات للصهاينة . رجاء من الذي حارب إسرائيل إذن ؟؟ . عبد الناصر ؟ يقول الإخوان المسلمون بأنه لم يحارب إسرائيل وجلب لنا هزيمة حزيران . حافظ أسد ؟ صدام حسين ؟ منظمة التحرير ؟ هؤلاء كلهم لم يحاربوا إسرائيل . حسن نصر الله ؟ قدم ولده شهيدا مع هذا يقولون حزب الله هدفه تحقيق أهداف إيران . إيران ؟؟ ثورة الخميني الإسلامية ١٩٧٩م حيث احتلال السفارة الأمريكية و أخذ الرهائن منها و تقديم مبنى السفارة الإسرائيلية هدية لمنظمة التحرير الفلسطينية . يقولون اليوم إيران أخطر من إسرائيل على العرب وتتعاون مع إسرائيل و أمريكا لابتلاع العرب . هل بشار الأسد يحارب إسرائيل ؟؟ . من الواضح بأنه أخطر من مليون إسرائيل على الشعب السوري . حسنا يا شباب ماذا نفعل ؟؟ . تطبيع ؟؟ استسلام ؟؟ نزوح ؟؟ هجرة ؟؟ . الطريف أن كل المجد والبطولة الذي حققه شيعة لبنان نسفته التنظيمات الشيعية العراقية بعمالتهم لأمريكا و فرق الموت والتعذيب واغتصاب النساء وسرقة المال العام والخطاب الطائفي في الإعلام الرسمي ( ذبح السنة خلف السدة وتهجيرهم من بغداد بطريقة أبشع من تهجير اليهود منها واقتناص الأهالي في ثلاجات المستشفيات والطب العدلي حتى صارت النساء فقط يذهبن لاستلام جثث السنة ) . حتى المرجع الأعلى علي السيستاني قام كل من بول بريمر و رامسفيلد بالقضاء على سمعته الروحية بما كتبوه في مذكراتهم عن تعاونه مع الإحتلال و قبول الرشوة . ثم مشاركة حزب الله في المذابح ضد انتفاضة الشعب السوري لحماية النظام السوري قضت على كل رصيد متبقي . حسنا فمن يقاوم إسرائيل ؟؟ . محمد مرسي ؟ حزب الإخوان المسلمين ؟؟ ها هم يحكمون مصر فماذا سيفعلون ؟؟ لا شيء . إذن لماذا كانوا يتهمون النظام المصري بالعمالة لإسرائيل ؟؟؟ . إسرائيل كما يبدو لا عدوّ لها . العرب والمسلمون أعداء بعضهم بعضا .

المنتدى الأدبي الشفاعمري يُكرّم الشاعر جورج جريس فرح!/ آمال عوّاد رضوان


أقام المنتدى الثقافيّ الشفاعمريّ أمسية أدبيّة في قاعة دار الثقافة والفنون بشفاعمرو بتاريخ 15-3-2013، احتفاء بتكريم الشاعر والأديب جورج جريس فرح لأدواره الثقافيّة البنّاءة المتعدّدة، وذلك بحضور واسع من المثقفين والأدباء والشعراء والأصدقاء والأقرباء.
تولّى عرافة حفل التكريم الإعلاميّ والأديب نايف خوري، وبعد أن رحّب بالحضور، سرد نبذة قصيرة عن سيرة الشاعر فرح، وعن منجزه الشعريّ والأدبيّ، ثمّ تحدّثت السيدة عزيزة دياب مديرة المنتدى الثقافيّ الشفاعمريّ عن نشاطات المنتدى، وأهمّيّة تكريم الشاعر فرح لاستحقاقه، كما قدّم السيد ناهض خازم رئيس بلديّة شفاعمرو كلمة تكريميّة بحقّ الشاعر فرح، وأشاد بدوره الحثيث في المساهمة بنهضة الحركة الثقافيّة والأدبيّة.
بعد ذلك قامت آمال عوّاد رضوان بمحاورة الشاعر فرح، وتسليط الضوء بومضات خاطفة على مخزون الشاعر فرح، بقبّعاته العديدة التي اعتمرها خلال مشواره الأدبيّ، تحدّث عن طفولته البائسة، عن أمّه الأرملة  العصاميّة التي كافحت من أجل تربية أبنائها، وعن نشأة ميوله الأدبية وبلورتها وتطوّرها خلال مراحل حياته، وعن قصائده المختلفة باللغة الفصحى واللهجة المحكيّة وعن مضامينها المختلفة، وعن قصائده المغنّاة، وتراجمه، ومواهبه الفنيّة الإبداعيّة في الرسم والتمثيل.
وقد تخلّل الحوار مداخلتان غنائيّتان من جوقة الكروان، لليافعة المتألقة ساندرا حاج بأغنية ست الحبايب، وشادي تلحمي غنّى عيون بلادي، من كلمات الشاعر جورج فرح، وتلحين الفنان نبيه عواد مايسترو جوقة الكروان!
وفي نهاية الأمسية قام السيّد ناهض خازم رئيس بلديّة شفاعمرو، وعزيزة دياب مديرة المركز الثقافي الشفاعمريّ بتقديم درع التكريم للمحتفى به الشاعر جورج جريس فرح، ومن ثمّ قدّم كلمة شكر للحضور ومُنظمي هذا الاحتفاء، وبعدها تمّ التقاط الصور التذكاريّة.
وفي كلمة العريف الإعلاميّ والأديب نايف خوري جاء: 
أيّها الحضور الكرام، رئيس بلديّة شفاعمرو المحبوب، الأدباء، من كتاب وشعراء، الفنانون من أطياف وألوان الإبداع كافة، المحتفى به العزيز أبو ربيع جورج جريس فرح، أسعدكم الله بكل خير ومحبة.
أنت، أنت أيّها المتعدّد وفي التعدّديّة فائدة، أيّها المتنوّع وفي التنوّع متعة، أنت أيّها الجالس على عدّة مقاعد، وفي ذلك الغنى والتقدير، أنت أيّها المتربّع على عروش الإبداع وفي ذلك نبع لا ينضب، ألست مِن المتصدِّرين لعالم الشعر؟ ألست من المُتبوِّئين لمجال الترجمة؟ ألست من المسهمين في حقل الرسم؟ ألست من العارفين في مضمار الأدب؟ وماذا أقول بعد، لأننا لو نظرنا وأحصينا المراتب والمراكز التي أشغلتها، لوجدنا فيك صفات الشموليّة ومزايا الإنسانيّة، ألم يقل فيك الشاعر وهيب وهبة إنّك فارس القصيدة؟ تجول في الميادين والسهوب، وكأنّك تقف بين حبّة الرمل وبين حنين الجسد، وأنّ الحروف المشيّدة من هياكل وقصور الخيال، عبرت عن طريقك إلينا. وأتت بكلّ هذا الألم الإنسانيّ المتوّج بغضب الأرض، وعصف الشجر، وقصف الرعد والصخر، وعنفوان الثورة والصبر والإيمان والمحبّة. لأنّك أنت الإنسان المفكّر والمتجوّل في ساحات المجد.
أتساءل بيني وبين نفسي، أيّها المكرَّم، لماذا يُكرّمونك في مثل هذا اليوم؟ ألأنّه عيد الشعر، أم عيد الأدب؟ ألأنّه عيد ميلادك مثلا، أم مناسبة فوزك بجائزة؟ أم ماذا؟ رأيت أنّك تستحقّ التكريم لا لمناسبة معيّنة، بل طيلة الوقت وعلى مدى الأيّام، وخاصّة في مطلع فصل الربيع، ولذا أعتبر تكريمك مناسبة ربيعيّة وأنت أبو الربيع، ولكن ليس كالربيع العربيّ الذي سرعان ما أضحى خريفا كئيبًا، فأنت مُشعّ، منير، ساطع لا يخبو لك نور.. فهنيئا لك بهذا التكريم، وهنا لا بدّ من توجيه الشكر للقائمين على تنظيم هذا الحفل التكريميّ، المنتدى الأدبيّ الشفاعمريّ، دار الثقافة والفنون، بلديّة ومدينة شفاعمرو كلّها التي يمثلها رئيس البلديّة السيد ناهض خازم، وأدعو أوّلا الأخت عزيزة دياب مديرة دار الثقافة لترحّب بالحضور
وفي كلمة عزيزة دياب جاء: مساء الخير للجميع مع حفظ الألقاب، حضرة رئيس بلديّة شفاعمرو السيد ناهض خازم، أعضاء المجلس البلدي المحترمين، المحتفى به الشاعر جورج فرح. يسعدني أن نفتتح اليوم انطلاق آذار الثقافة في دار الثقافة والفنون بهذه الأمسية التكريميّة للشاعر جورج فرح. تأتي هذه الأمسية ضمن مشروع آذار الثقافة القطريّ لمركز مساواة للسنة الثانية على التوالي. تؤكّد أمسية اليوم رؤية ومضمونا على سعينا في دار الثقافة والفنون، على دعم الحركة الإبداعيّة الشفاعمريّة والفلسطينيّة، والمحافظة على موروثنا وهُويّتنا الثقافيّة. الشاعر جورج فرح هو عضو فعّال في المنتدى الأدبيّ الشفاعمريّ، والذي يسعى إلى خلق إطار ثقافيّ اجتماعيّ يجمع بين الأدباء ومُحبّي الأدب والكتابة الإبداعيّة، بهدف تطوير ودعم الحراك الثقافيّ في المدينة. ومن هنا أوجّه دعوتي لكلّ من يرغب في الانضمام للقاءات المنتدى الأدبيّ أيّام الإثنين، مع بداية كلّ شهر هنا في هذه الدار، وبكلّ تواضع أعتبر أنّنا محظوظون في دار الثقافة لأن نكون جزءًا من مُنتِجي الثقافة، والمُساهِمين للتغيير في المشهد الثقافيّ المحلّيّ. تتميّز قصائد الشاعر جورج فرح بالحسّ الوطنيّ والغزليّ والإنسانيّ، فنصوصه مليئة بالصور والموسيقى، وتدعونا لنتفاءل معًا بمستقبل أفضل. بودّي أن أشكر كلّ مَن ساهم في إنجاح هذه الأمسية: بلديّة شفاعمرو، المنتدى الأدبيّ الشفاعمريّ، الأديبة آمال عوّاد رضوان، الموسيقيّ نبيه عوّاد، والصحافيّ نايف خوري. ولا أنسى زملائي من طاقم العمل في هذه الدار. لكم جميعًا جزيل الشكر والتقدير، وأتمنّى لكم أمسية ممتعة.

وفي كلمة رئيس البلدية السيد ناهض خازم جاء: يُشرّفني أن أقف على هذه المنصّة مرّة أخرى، لأشارك دار الثقافة والفنون في مشروعها المبارك "آذار الثقافة"، الذي تفتتحه اليوم بأمسية تكريميّة للشاعر والكاتب وواضع النصوص المتميّز جورج جريس فرح، على ما أنجزه في مسيرته الممتدّة لأكثر من نصف قرن.
إنّها مناسبة لأحيّي دار الثقافة والفنون، بمديرتها السيدة عزيزة دياب إدريس، وطاقم العاملين فيها على النشاط المتواصل على مدار العام، وعلى حرص الدار على ردّ الجميل للمبدعين أمثال الأديب الشاعر جورج فرح، وكوكبة مثقفي وأدباء وشعراء هذه المدينة الغالية. وتوطئة لمشاركتي في هذه الأمسية، كان لا بدّ من الاطّلاع من جديد على إنتاج شاعرنا وتقييمات نقاد الأدب له، وإن سبق لي أن قرأت بعضه في مختلف المطبوعات. اطلعت على إنتاج وفير وقيّم، وعلى كلام صادق لشاعر أنشد للأرض والوطن، للزيتونة والوجود، وكتب عن المحبّة والحبّ والسلام، وطرق الجَمال وجَمال المرأة تحديدًا، فأشاد النقاد الكبار بسلاسة القصيدة وانسيابيّتها، ورقة المعاني وعذوبتها، منوّهين إلى اللغة السهلة التي يتّبعها شاعرنا، اللغة المفهومة للقارئ بعيدًا عن التعقيدات والرمزيّة، كما أشاروا إلى الخفة والرشاقة في موسيقى العديد من قصائده، كما كتب الناقد المعروف منير توما في تقييمه مجموعة "همسات في العاصفة"، مضيفًا أنّه لمسنا هناك السهولة والمتانة في المفردات، وإنها قصائد تفوح بعبق الماضي وعذوبة المستقبل".
واكب المحتفى به في القصة القصيرة والمقالة والقصائد قضيّة وهموم شعبنا الفلسطينيّ، بل كانت الأحداث المأساويّة دافعًا لكتابة العديد من القصائد، عَكَسَ فيها صدق وجدانه وآلامه وآماله، وأعرب عن عظيم أسفه لِما آلت إليه الأوضاع وما زالت، مِن تَرَدٍّ وانعدام سلام، فكتب متشائمًا أو متشائلا على حدّ تعبير الأديب إميل حبيبي: عام مضى/ أو بعض عام/ والهمس في الأنحاء قام/ هل يا ترى ضاع السلام/ حتّى الأبد؟
ونحن يا أبا الربيع وعموم الأخوات والإخوة الحضور، نتمنّى أن يتحقّق السلام العادل، لتُنظَم قصيدة بهذه المناسبة ،ونرجو لشاعرنا جورج جريس فرح موفور الصحّة وكلّ النجاح، ومزيدًا من الإبداع والعطاء. 
وتابع العريف نايف خوري قائلا: شكرا لرئيس البلدية. أينهم؟ "كم من رفيقٍ عند ضحكي يختفي عند البكاءْ، كم من قريب عند أخذٍ غاب في وقت العطاء، كم من حبيب في الهنا، أين الأحبة في الشقاء؟ كم من صديق عابر هل من صديق للبقاء". هذا ما قاله هذا المكرم في مجموعته بدء الحصاد.
المبدع جورج جريس فرح يعتمر أكثر من قبعة كما وصفه الأديب محمد علي سعيد، أبو علي، فهو شاعر غنائيّ مرهف، رسام يرسم بالريشة والقلم، مترجم بليغ. وكان أبو ربيع قد ولد في حيفا عام 1939 وهو يقيم في شفاعمرو من منطلق بلاد العرب أوطاني. متزوج وأب لراوية، فاتن، ربيع، أفنان، ومراون، وجدّ لنصف دزينة وأكثر وما شاء الله.
تعلّم المحتفى به صديقنا أبو ربيع المرحلة الثانويّة في الكليّة الأرثوذكسيّة في حيفا، وتخرّج من المعهد الإسرائيليّ للتأمين، ودرس المحاسبة، ثم إدارة الأعمال، ودورات استكماليّة شتى.
متعدّد النشاط في جمعيّات وهيئات مختلفة مثل، عضو إدارة في رابطة الكتاب الفلسطينيّين سابقا. عضويّة في اتّحاد المترجمين، سابقا، عضو اتّحاد الكتاب العام، سابقا، عضو اتّحاد الكتاب الفلسطينيّين في حيفا، عضو جمعيّة أنصار الأدب للسلام، عضو هيئة تحرير مجلّة مواقف، عضو هيئة تحرير مجلّة الشرق. هذه المجلّة العزيزة رصدت له عدّة مقالات تحدّثت عن أبي ربيع، مثل الدكتور محمود عبّاسي، الدكتور حسين حمزة، الدكتور منير توما، الدكتور بطرس دلة، البروفيسور فاروق مواسي، والكتاب والشعراء سعاد قرمان، ناجي ظاهر وفهيم أبو ركن.
أصدر "بدء الحصاد"، شعر. "صوت يبحث عن صداه"، شعر. "همسات في العاصفة"، شعر. "زبد فوق الرمال"، شعر.
ألم يتدارك الأمر صديقنا الشاعر رشدي الماضي إذ قال عنك: "أيّها الصوت الشعريّ الدافق، لأنّك تمتطي صهوة الحرف، وتسافر نحو الآتي والمستقبل، تعمل مُزارعًا في حقول الكلمات، تُنقّي بيادر حنطتها، بحيث ستظلّ تجربتك متجذرة في تربة مشهدنا الثقافيّ، ومعطفًا يختبئ ويحتمي فيه كلّ المرتعشين من صقيع الحياة.
ولم تغفل الشاعرة آمال عوّاد رضوان عن الحديث عن مزاياك ومناقبك وصفاتك، في أحاديثها وكتاباتها فقالت: أنت شخصيّة عصاميّة ذات مبادئ رفيعة، فكيف لا تُبهرنا أقوالك المأثورة إذ قلت: إنّ الدمعة؛ هي عصارة المشاعر ومداد العاطفة، والحبّ؛ هو رحيق القلوب وحريقها، والمرأة؛ هي تاج متى رغبت، وقيد متى غضبت، والطفولة؛ فردوس البراءة. وإزاء هذه الحِكم تصبح أيها العزيز ذاك الشيخ البليغ.
لماذا نقتبس من آمال أقوالها؟ لنستمع إليها وإليه في هذا الحوار، ويرافقهما موسيقيًّا الفنان الموسيقيّ المبدع نبيه عواد، مدير المعهد الموسيقي الكرواني في عبلين، فأدعوها لتسلم زمام الأمور.
وابتدأت آمال عوّاد رضوان حوارها مع الشاعر جورج جورج جريس فرح بقولها: هذا الآتي من خلف طاحون الزمن الأسود، ومن بين أنقاض النكبة، طفلٌ يفتح عينيه ورئتيه ليتنفس الحياة، أترك له النعوت، لنلمسها بحروفٍ نقشتها الحياة على خريطة مشواره.. جورج الطفل جاء يتيمًا في رحمِ أمّه، وهو الطفل الذي لم يكن له اسم بعد، جاء ليحدّثنا عن طفولته، عن مسيرته الأدبيّة وبروز الجانب الأدبيّ، عن المرحلة الثانويّة، وعن نشر أوّل قصيدة كتبها بعنوان "ابتسم"، وعن رعاية موهبته الأدبيّة رغم الظروف القاسية، وليقرأ لنا بعض قصائده في الطفل، الغزل، المرأة والشعر الساتيري، والوطن والأرض والمقاومة.
تخلّل الحوار فاصلٌ غنائيّ، "ست الحبايب" بصوت ساندرا حاج، ليحدّثنا عن أمّه وما تُشكّل الأمّ في شعره، وليفاجئنا بحفيدته جونا ربيع فرح التي ألقت قصيدة للأم من قصائد جدّها جورج فرح، لنتابع الحوار بلمحات موجزة عن هواياته ومواهبه الأخرى كالرسم والتمثيل، ولمحةٍ عن كتاباته النثريّة في القصّة القصيرة جدًّا، وعن مشروعه في  الترجمة.
ثمّ كان فاصلٌ غنائيّ كروانيّ آخر بصوت شادي تلحمي، من كلمات جورج فرح، وتلحين الفنان نبيه عوّاد مدير المعهد الموسيقيّ الكروانيّ في عبلين، في أغنية "عيون بلادي"، كمفاجأة للشاعر فرح، ولينتقل الحوار للحديث عن قصائده الزجليّة وقصائده المُغنّاة.
وختم العريف نايف خوري اللقاء قائلًا:  شكرًا للشاعرة والكاتبة آمال عوّاد رضوان، ولأخيها الموسيقيّ الأستاذ نبيه عوّاد، والآن أدعو رئيس البلديّة مرّة أخرى إلى المنصّة لتقديم الدرع التكريمي، ومن ثمّ تمّ التقاط الصور التذكاريّة.
بواكير قصائده: ابتسِم..! أيلول 1955/ بإشراف الشاعر عصام عباسي: ابتسِم ثمَّ ابتسِم لا تغضَبِ/ واتركِ الهمَّ ولا تنتَحِبِ/ يا أخي كم في الدُّنا من مُحزِنٍ/ عارمٍ من صُبحِنا للمَغرِبِ/ هل تُرى نقضي أسًى من ويلِنا/ أم تُرى نرنو معًا للأرحَبِ؟/ فتبسَّم، رغم ليلٍ حالِكٍ
وتجلَّد في صراعِ النُّوَبِ/ واجهِ الدَّهرَ بثغرٍ باسِمٍ/ يتوارى الهمُّ خلفَ الحُجُبِ/ فالأسى يا صاحبي يدعو الأسى/ وابتسامُ الثغرِ زادُ الغالِبِ!
قصيدة غرور: أتقولُ لا؟/ ولمَن نَظَمتَ وقُلتَ أبياتِ الغَزَل؟/ ولمَن بَعَثتَ مع العصافيرِ القُبَلْ؟/ ما زالَ مِن عَهدِ الدراسةِ في كتابي ذِكرياتْ/ ودفاتري مَلآى بخطّكَ أغنياتْ/ والمقعدُ الشرقيُّ/ سَلهُ فإنَّهُ باقٍ هناكْ/ كم مَرَّةٍ حفَرَتْ عليهِ اسمي/ بأشياءٍ يداكْ؟/ وتقولُ لا../ ألتستَرِدَّ الدَّينَ منّي؟/ يا مُغَفَّل!/ ألأنني ما كنتُ أجرؤ أن أجيبَكَ حينَ تسأل؟/ قد كنتُ أخشى أن يعمَّ السرُّ/ إني كنتُ أخجلْ/ أن يمضَغَ الطلاّبُ إسمي/ أو تسمَعَ الأخبارَ أمّي/ فيتمُّ حَبسي/ داخلَ البيتِ المقيتْ/ وتعيشُ نفسي/ في دُجى السّجنِ المميتْ/ وتموتُ مِن شوقٍ إليكْ/ روحٌ غَدَتْ تخشى عليكْ/ وتقولُ لا؟
قصيدة كابِرْ:/ تمادى أيها المغرورُ/ وَيلي مِن غرورِكْ/ قُلْ كَم نذَرتَ وكَم حرَقتَ ليومِ وصلي/ مِن بخورِكْ؟/ وتردّني إذ جئتُ ظمآى أستقي؟/ أتردّني؟/ وتقول: لا، لن نلتقيْ!/ وغدًا إذا صَدّقتُ قولَكَ وارتَحَلْتْ/ وصحوتَ بعدي مِن غُروركَ واعتَدَلْتْ/ ورجعتَ تسألُ يا مُغَفَّلْ/ أتظنّني سأعودُ أقبل؟/ واللهِ لا...
قصيدة في الغزَل/ بِعُنفِ النبضِ: أتمتحِنينَ مَقدِرَتي؟/ وهلْ تبغينَ في التَّردادِ إِرْباكي؟/ سئمتُ اللَّومَ سيِّدَتي/ فعُودي عن خَطاياكِ/ وكُفّي عن مُعاتَبَتي/ فلمْ تعرفْ مآقي العَيْنِ طعْمَ الدَّمْعِ/ لولاكِ/ تعالَي نمخُرُ الأحلامَ/ نسبحُ بينَ أفلاكِ/ ونرتَشِفُ الهوَى عذبًا/ وننسى الماضيَ الباكي/ لأغفوَ فَوْقَ نهدَيْكِ/ وأغرقَ في ثناياكِ
وَهَبْتُكِ كلَّ إِحْسَاسي/ فلا أَشتاقُ إلاّكِ/ رَأَيْتُ القلبَ يَسْتَغني عَنِ الدُّنيا/ وإياكِ/ وكم أفْضَى وكلَّمَني/ بعُنْفِ النَّبْض حدَّثَني/ وَقالَ بأنَّ لا جَدوى/ لهُ/ في غَيْرِ دُنياكِ!/ صدى النَّبَضَاتِ أرَّقَني / تعالَى فوقَ أسْمَاكِ/ فضجَّ الكوكَبُ الزَّهْريُّ/ مِن شغَفٍ لرُؤياكِ/ ووارَتْ وَجْهَهَا النَّجَماتُ/ من خَجَلٍ ومن حَسَدٍ/ لِمَسْمَعِها بأنَّ اللهَ/ أبدَعَ حِيْنَ سَوَّاكِ!
قصيدة في حب الأرض/ أحبُّ عذابي فيكِ/ لأنَّكِ أمّي/ ومن قبل أمّي ومن بعدِ أمّي.../ لأنّكِ حُبّي/ وفي الحبِّ كلُّ سروري وغمّي/ أحبُّ عذابي فيكِ وهمّي!/ لأنَّكِ وحيُ قصيدي وشعري/ وخفقةُ قلبي/ وبسمةُ ثَغري../ لأنَّكِ سرُّ شقائي وقهري/ لأنّي بحملِكِ قد ناء ظهري/ فها قد حملتُكِ من بطنِ أمّي/ أحبُّ عذابيَ فيكِ وهمّي!/ لأنكِ كلُّ الأماني الطليقَةْ/ وحُلميَ أنتِ/ وأَنتِ الحقيقةْ/ وهوَّة قبري ولحدي السحيقَة/ لأنَّكِ في البالِ كلَّ دقيقَةْ/ وفيكِ اليقينُ يبدّدُ وهمي/ أحبُّ عذابي فيكِ وهمّي!/ أحبُّكِ قدري أنا مرَّتَينِ/ وأكثرَ أكثرَ مِن مرَّتَينِ/ لأنَّ سلامَكِ دِيني ودَيني/ لأنَّ ترابَكِ كُحلٌ لعَيني/ لأنَّكِ أمّي/ ومِن قبل أمّي/ ومِن بعدِ أمّي/ أحبُّ عذابيَ فيكِ وهمّي!
قصيدة خمري دمي: للعُيونِ السّودِ في بَلَدي/ حِكاياتٌ جميلةْ/ شدَّ الرِّحالَ لأجلِها النّاسُ/ مَسَافاتٍ طويلةْ/ للجِباهِ السُّمرِ في بَلَدي/ رواياتٌ أصيلَةْ/ تروي الجبالُ فُصُولَها/ والمَرْجُ يَضفُرُها جَديلَة/ للمُروجِ الخُضْرِ في بلدي/ نُجَيماتٌ دَليلةْ/ تحجُبُ الظُلُماتِ حتّى/ يهتَدي الغادي سَبيلَهْ/ ولذاك الصَّخْرِ لو تدرونَ أعماقٌ سَليلَةْ/ رَسَّخَ الزَّيتُونُ فيها/ لمدَى الدَّهرِ أصُولَهْ.../ وأنا... مجنونُ زَيتوني وكَرْمي/ وأنا...أهوَى مِنَ الكَرمِ خَميلهْ/ وأنا من خَيرِ كَرمي كُلُّ خَمْري/ وأنا خَمري دَمي آبى بَديلَه!
قصيدة في المرأة- هُــنَّ... أيطيبُ لي مِن بعدِهِـنَّ العيشُ لو أبعَدتَهـنَّ؟/ بل كيفَ تعتمِرُ القلوبُ بنَبضِها من غيرِهنَّ؟/ ولئنْ يكــنَّ السّمُّ في عَقَصاتهنَّ، وقرصِهِنَّ/ ولئنْ بلغنَ من الدَّهاءِ الأوْجَ، مَرْخِيَّ الأعِنَّةْ،/ لكنّما يَبقَيْــنَ هُنَّ السِّحــرَ، هنَّ الوَحيَ هُنَّ.../ قــد صَوَّر اللهُ الجَمَــالَ مُلخّصًـا بجَمَالهِنَّ!/ وأراهُ قــد جَعَلَ الحَنــانَ مُجسّدًا بقلوبهِـنَّ../ ويطيبُ لي أن أرتَوي مِن نبعِهِنَّ وصَفوِهِنَّ.../ ويلذُّ لي أن أكتَوي، إذ أكتَوي، في نارِهِنَّ/ فــي لحظهــنّ أسِنّةٌ، أوّاهُ من تلكَ الأسِنَّةْ!/ لكنَّهُنَّ، إذا غضِبنَ، جَعَلنَ عذبَ اللَّحنِ عَنَّةْ/ فاسترضِهِنَّ وراعِهِنَّ بفطنةٍ/ من كَيدِهِنَّ/ واحفَـظْ لهُــنَّ مقامَهِنَّ، ولا تحمّلهُــنَّ مِنَّةْ/ ودارِهِنَّ فإنهُنَّ، متى أرَدْنَ/ جَعَلنَ للأخشابِ رَنَّـة./ وبكِلْمَةٍ.. وبلَحْظةٍ / يجعَلنَ نارَ الأرْضِ جنَّةْ!
قصيدة الشرقية: همُ ابتلـوها وقالـوا/ بأنَّ فيـها البَليَّـةْ/ وكبَّلــوها وشَدُّوا قُيـُودَها القَهْريَّـةْ/ غنيـمـةً  صَيّـروهـا  وسُلعـةً وهَديّـَةْ/ يا وَيحَهُـم صوّروهـا مَنبــوذةً سَلبيّـةْ/ قالوا: لها نِصْفُ عَقْلٍ، فـهـَـل تكــونُ ذكــيَّةْ؟/ ليسَتْ كما وَصَفوها لِكـَونها شَرْقيَّـةْ/ لكنّـهمْ غيَّبـوها عن مـَوْكِبِ البَشَريَّةْ/ واليـَـوْمَ يُطلَبُ مِنهـا أن تَدْحَـرَ الغَربيَّةْ/ في العِلْمِ والفَهْمِ حتّى في جَوهرِ الحُريّةْ/ يا قومُ لا تظلموها، لا تجعلـوها ضَحِيَّةْ/ فإنَّ  فيهـا كُنــوزًا  وثــَـرْوةً  وَطَنـيَّــةْ/ واستنهِضُوها بحَـثٍّ وَحِكمَـةٍ وَرَوِيَّــةْ/ ومهّـِدوا الدَّربَ حتّى تَسيرَ فيــهِ أبيَّـةْ/ مَرْفوعَةَ الـرَّأسِ فـِكرًا وقــُدرةً أدَبـيّـَةْ/ تجنوا ثِمارًا، لعَمْري، لـَذيـذةً وشَهيّـةْ/ من يزرعِ الجَهْـلَ يَحْصِدْ بَيَـادرَ الأمِّيّـَةْ!
قصيدة في الطفل: هاتوا الصّغارَ أضمُّهُم: هاتوا أياديكُمْ/ إذا تَعِبَتْ وأضناها العَمَلْ/ هاتوا أقَبِّلْها/ وأغسِلْها بدمعٍ في المُقَلْ/ هاتوا كواهِلَكُمْ/ فقد حمَلَت مدى العُمرِ الثِّقَل/ والأرضُ منكُم لم تَزَلْ/ مِعطاءَةً منذُ الأزلْ/ هاتوا معاوِلَكُم/ أزيِّنْها/ بشاراتِ الظَّفَرْ/ هاتوا مواجِعَكُم/ أطيّبْها/ بزيتٍ من شجَرْ/ زيتونِنا الطفّاحِ من جوفِ الحجَر!/ هاتوا صِغارَكُمو/ أضمّهمو/ إلى الصدرِ العَطِرْ/ هاتوا/ لأطبعَ فوقَ جبهَتِهِم قمَرْ/ فهُمُ البدايةُ والنهايةُ/ والحكايةُ والخبَرْ/ وهمُ القضيَّةُ والهويَّةُ/ والمسيرةُ والأمَلْ!
قصيدة موطني الدنيا: مَوطني الدُّنيا/ وَحُبُّ الخَلقِ ديني/ وَسَلامُ الأرضِ إيماني/ يقيني/ ضَحْكَةُ الأطفالِ في عُرفيَ أشجى/ مِن رَنينِ العُودِ واللَّحْنِ الحَنونِ/ ونَعيقُ البُومِ  في الأجْواءِ حُرًّا/ لهو أحلى مِن غِنا الطيرِ السّجينِ/ وَوُرودُ الرَّوْضِ/ فَوْقَ الغُصُنِ/ أبهى مِن وُرودٍ داخلَ الزِّقّ الثمينِ!/ لا تقولوا: ذاكَ مَجنونٌ/ وتمضوا/ ليتَكم تَدرونَ بَعْضًا مِن جُنوني!/ فاعذروني في هَوى قلبي/ لأنّي أعْشَقُ الأحْجارَ في بَرٍّ أمينِ/ أعشقُ الأمْطارَ والأنْسامَ/ حتّى أعْشَقُ الوَمَضاتِ في صَفوِ العُيونِ/ فاترُكوني، في غَرامي مُستَهيمًا/ وكِلوني لسلامي وشُجوني/ فإذا شِئْتُم/ هَلمّوا/ رافِقوني/ بسَلامٍ خاطِبوني/ وسَلامًا بادِلوني/ واركَبوا بحريْ/ ونَوئي وسَفيني/ واحمِلوا حُبّي وهَمّي وشُجوني/ وتعالَوا نزرعُ البَحْرَ سَلامًا/ نفرشُ الأرضَ بزَهرِ الياسَمين.ِ
قصيدة في الشعر الساخر: لا تقولوا مائلة!
لا فرقَ إن شَدَّت وإن أرخَت/ فما مِن مُشكلَهْ/ ها نحنُ في أحلامنا نحلُّ كلَّ مُعضِلَهْ/ ونحنُ في أوهامِنا نجتازُ كلَّ مرحلَهْ / فلا تثيروا القلقَلَة/ ولا تزيدوا البلبلهْ/ ولا يقضُّ نومَكم تفكٌّر في مسألهْ/ وإن تَرَوا مُعوَجَّةً فلا تقولوا: مائلهْ!/ مرّوا بها مرَّ الكرامِ كما تمرُّ السابلهْ/ فالصمتُ أسلم ما يكون/ لكي تظلَّ القافلة/ تمشي على الدربِ بلا مُعترضٍ أو عرقلَهْ/ لا تتعِبوا أعصابَكم/ لا تجهِدوا أفكارَكُم/ فإن نطقتم فاحذروا من بنتِ فِكْرٍ قاتلة/ فكل ما تبغون سهلٌ نيلُهُ/ ما أسهلَهْ/ من فلقةِ الصابون حتى المغسلهْ/ من قارب الصيادِ حتى الناقلهْ/ من مركب الحنطورِ حتى الحافلَهْ/ من قشة الكبريت حتى القُنبلَهْ/ فلنحمد اللهَ الذي أزاحَ عنا الأحملَهْ/ وخصَّها بغيرنا/ من غير ما أن نسألَهْ/ فليعملوا، وليجهدوا/ ولينتجوا كلَّ الذي نحتاجُ أن نستعملَهْ/ أو نلبسَهْ/ أو نأكُلَهْ/ يجري بنا أو نحملَهْ/ وليحفظ اللهُ لنا أمخاخَنا المعطَّلَهْ/ مرتاحةً مُدلَّـلهْ/ ونحن في المحصّلة/ جميعنا يدركُها أعرافنا المهلهلهْ/ لكننا اعتدنا على قيودها المكبِّلَهْ/ حتى غدت في طبعنا/ والطبعُ لا طبيبَ لهْ!
قصيدة سِر منقلِبًا: المنطقُ يبدو مَوروبا/ والباطـلُ أصبحَ مَرغوبا/ والعَدْلُ  اختـلَّ  توازنهُ/ والحــَقُّ تَبَـدَّدَ مَسْلوبا/ ميزانُ النَّحْوِ بهِ خَلَـلٌ/ فالـرَّفْعُ أتانا   مَنصوبا/ قد كانَ لإنَّ شقيقاتٌ/ هاجَرْنَ شَمالاً وجَنوبـا/ فغدَتْ من ضَعفٍ عاجِزَةً/ أن تأخُذَ  في النَّحوِ نَصيبـا/ والممنوعاتُ مِنَ الصَّرف انصـرفت لا تخشى تأنيبا/ المشرِقُ تغشاهُ دَيـاجٍ/ تمتــدُّ قـُرونًا وَحُقوبا/ والمغرِبُ قد أمسى شرقًا يتـَـوَهَّجُ    نــورًا ولهيبـا/ والأرنَبُ    يَتَبَوّءُ  عـَرْشًا/ والأسَـدُ   تبَـَدّى  مَركـوبا/ والنَّعـجَةُ  تقتاتُ  لحومًا/ والذِّئبُ حَشائشَ وعُشُوبا/ تَطـِلُّ  عَلَينا  أَحـَكـامٌ/ تُسمِعُنا في الحُكمِ عَجيبا/ أن  تبقى أنتَ  بلا  وَطَنٍ / أو تحيـا في الـوَطَنِ غَريبا/ في  زَمَـنٍ  أصْبَحَ  مَعكوسًا/ مَفهـومُ  العَدْلِ  ومَقـلـوبا/ سِر مُنقَـلِبًا  حتى تَبـقـى/ فـي نَظَـرِ العـالَمِ  محبوبا
قصيدة في الاجتماعيات: هناكَ عِندَ المنعَطَفْ:هناكَ عِندَ المنعَطَفْ، في آخرِ الطَّريقْ،
قد كانَ لي صَديقْ/ أعزّهُ، أحبُّهُ مَحبَّةَ الشَّقيقْ/ منذُ الطُّفولةِ والصِّبا كانتْ لنا أيّامْ/ كانتْ لنا جَولاتنا/ كانتْ لنا سَهراتنا/ أخبارُنا، أسرارُنا/ كانت لنا الآمالُ والأحْلامُ والأوْهامْ/ تمشي على أقدامْ/ لكنّما انشغالنا/ في زَحْمَةِ السِّباقْ/ في عَصْرِنا هذا الذي يدعوكَ لِلّحَاقْ/ قد أبعَدَ المزارَ/ وأسْدَلَ السِّتارَ/ ولم نعُدْ لنلتقي برغمِ الاشتياقْ.../ أقولُ كُلَّ يومْ:/ لا بدَّ أن ألقى غدًا صديقيَ الحَميمْ/ لا بدَّ أن نَعودَ ما كُنّاهُ في القَديمْ/ والوَقتُ يمضي مُسرِعًا/ يومًا وراءَ يوَم/ يمضي كما الِّلصُّ فلا أكادُ أستفيقْ/ إلاّ وقد ودَّعْتُ عامًا قبلما أفيقْ!/ البابُ يُطرقُ في الصَّباحْ/ أقولُ: يا فتاّحْ!/ أجري فأفتحُ كي أرى/ جارًا لنا في البابْ/ يغشاهُ الاكتئابْ/ يقاومُ البُكاءْ/ يقولُ باقتضابْ: صَديقُكَ العَزيزُ عندَ المُنعَطَفْ/ لكُمْ طولُ البقاءْ!
قصيدة يا صديقي: قد لا يمكن لي أن أمنَعَ عثرةَ قَدَمَيكْ/ لكنْ، يمكنُ لي مد يدي كَي لا تهوي/ قد لا تجمعنا أحلامٌ أو آمالٌ/ لكني أسقي آمالَكَ كَي لا تَذوي/ قد لا يحلو لي طعمُ شرابٍ تشربُهُ/ لكني أرجو أن تنهَلَ ممّا يُروي/ قد لا يُعجِبُني رأيٌ منكَ ومُعتَقَدٌ/ أو قَولٌ ينبُعُ عن عَمدٍ أو عَن سَهوِ/ لكنّي أصغي، إكرامًا لصداقتِنا/ كي يبقى موصولاً أبدًا حَبلُ الصَّفوِ
قصيدة عيون بلادي: شو غنّوا لَعيون الزُّرْقْ/ ويامَ غنّوا لَعيون السُّودْ/ رَح غنّي لعيون بلادي/ إلما عِرْفتْ للجُود حْدودْ/ بْغَنّي للمرج الأخضَرْ/ وترابو الحلْوِ الأسمَرْ/ بْغَنّي لَغْلالِ البَيدَرْ/ وسواعِد تزرَع وزنودْ/ عيون بلادي مَنبَع خَيرْ/ مَنهَل حُبّْ ومَرتَع طَيرْ/ يسري حُبَّا بدمّي سير/ مِتْأًّصِّلْ عن سبْعِ جْدودْ
موال: بلادي بْيوم ما ربِّي جَبَلْها/ وأخصَبْ سَهِلْهَا وعَلَّى جَبَلها/ جبَلها بالوفا، ولمَّا جَبَلها/ ضِحِكْلا وقال: يا أحلى البلادْ!
مْنِ عْيونا ينسابِ النَّهْرْ/ يخلّي المَرج يفتّحْ زهْرْ/ ويِطلَعْ فَجْرْ ويدفَعْ مَهْرْ/ تا يقطُفْ مِنْها عنقودْ!
قصيدة حلوة الأوصاف: بتتذكّري يا حلوة الأوصافْ/ عَ حْفاف مجرى المي ملقانا/ نقعد بفيّة شجرة الصفصاف/ ونوشوش الميات نجوانا/ بتتذكّري، بعمر الورد كنّا/ وغير اللعب بالحبّ ما عِنّا/ لو كان فينا نرجّع الأيام/ ونذكّر الميات شو قُلنا/ بعدو النهر جاري وميّاتُه/ بتوشوش الصفصاف نغماتُه/ وبعدو القمر بيطل في هالليل/ والليل متباهي بنجماتُه/ وبعدِك بقلبي زغيَّرة وحلوة/ وبعدو خيالك والقمر في المَيّ/ وبعدك على شفاف الهوى غنوة/ بتدور في سهرات أهل الحيّ!
رسالة من شاعرٍ مسلوب الإرادة في الخدمة العسكرية في أرضٍ محتَلَّة: كانون الثاني 1987 (إبانَ الانتفاضة الأولى): حبيبتي/ من بقعةِ ما ههنا/ في أرضنا "المحرَّرَةْ"/ أخطُّها رسالةً/ إليكِ غَيرَ عاطِرَةْ/ حبيبتي/ لا تفزعي مِن لهجتي المغَيَّرَةْ/ فكلُّ ما يحيطُ بي مُستَنكَرٌ كما أرى!/ حجارةُ البيوتِ تبدو كالوجوهِ الساخِرَةْ/ أفواهُها مفغّرَةْ/ كأنّما تهمُّ أن تبتلِعَ المجنزَرَةْ!/ والريحُ حَولي هادرَةْ/ عاصفةٌ مزمجِرَةْ/ وأعيُنُ الأطفالِ كالمصائدِ المحضَّرَةْ!/ بالأمسِ يا حبيبتي/ خرجتُ في مهمّتي/- مهمّتي المقرَّرَة-/ وكانَ في معيَّتي/ لا أستطعُ قولَ ذا/ فالبَوحُ محظورٌ هنا/ والقَولُ يا ما أخطَرَهْ!/ حصيلةُ القَولِ إذَن/ موجزةً مقصَّرَةْ/ أن عادتِ القوَّاتُ مِن مَيدانِها/ مظفَّرَة!/ حبيبتي/ يومٌ مضى/ أودُّ ألاّ أذكُرَهْ/ قد عُدتُ يا حبيبتي أجرُّ ذَيلَ خَيبَتي/ مِن ذاتيَ المُقَهقَرَةْ/ هزيمتي في داخلي/ بعارِها مؤَزَّرَةْ/ وصورةُ الإنسانِ في قرارتي/ مصدوعةٌ مكسَّرَةْ...
حبيبتي/ بطولتي في الأحرُفِ المزهِّرَةْ/ بالحبِّ، بالإيمانِ/ بالإنسانِ في ما طَوَّرَهْ،/ في كِلمَةٍ أقولها/ مضيئةً معبِّرَةْ/ عن صورَةِ اللهِ التي أهداكِ مِنها مِسطَرَةْ،/ وقهرُ شعبٍ أعزَلٍ بطولةٌ مزوَّرَةْ!/ حبيبتي/ قولي لهُم/ لإخوَتي، لقادَتي/ قولي لهُم: يا سادَتي/ لا تقتلوا الإنسانَ في الإنسانِ كَي لا نخسرَه! وإن أنا في خِدمَتي/ تشوَّهَت هويّتي/ فلتأخذي بريشتي/ ولتكتبيها قصَّتي/ ولتكملي قصيدتي/ فأنتِ بعدي شاعرَةْ/ وألفَ ألفَ معذرَةْ!
من قصائده القصصيَّة الرمزية: من مشتل السلام: مِن مَشتَلِ السَّلامْ/ زرَعتُ في بُستاننا في سالفِ الأيَّـامْ/ شُجَيرةً صَغيرةْ/ شجَيرةَ الأحْلامْ/ رَعَيْتُـها، روَّيتُـها/ حَفِظتُهـا/ مِن كُلِّ شرٍّ مُحدِقِ/ مِن يَومِ حَرٍّ مُحرِقِ/ ومِن شِتاءٍ مُغرِقِ/ شُجَيرَتي قد أينَعَتْ فأورَقَتْ وأوشَكَتْ/ أن تَبدأَ الإزهارَ/ لتُعطِيَ الأثمارَ...
وذاتَ يَومْ/ حَطَّتْ على شُجَيرَتي جَرادَةٌ عَنيدَةْ/ تَنهَشُ في أوراقِها مَسرورةً سَعيدَةْ/ حاوَلتُ أن أردَعَها بجُملَةٍ مفيدَةْ/ حاوَلتُ أن أطرُدَها لجِهَةٍ بعيدَةْ/ لكنَّها تَمَرَّدَتْ/ تَوَعَّدَتْ وهدَّدَتْ/ واستنفَرَتْ مِن جِنسِها جماعَةً مَزيدَةْ/ وأعلَنَتْ بأنَّها السُّلطانةُ الفَريدَةْ/ والنَّهْشُ مِن شُجيرَتي/ في عُرفِها، عَقيدَةْ/ ولم أجِدْ في إخوَتي مَن يُدرِكُ المكيدَةْ/ فكلُّهم مُقيَّدٌ ولازمٌ حُدودَهْ/ وكلُّهُم مسيَّرٌ وكاظمٌ رُدودَهْ/ وكلُّهُم/ لو أدركوا/ حقولُهُم مَرصودَةْ...!/ وأصبَحَتْ شُجيرتي/ مِن مَشتلِ السَّلامْ/ مَحزونةً كئيبَةْ/ وَلم تزَلْ غريبَةْ/ تنتظرُ العجيبَةْ/ في مَوكِبِ الأيَّامْ..
قصيدة من قصائدي الوطنية:غضِبَ التُّرابُ:
قذفـوا إلـى لُجَـجِ البــحار برايــتي/ فمضَتْ شراعًا غالَبَ الإعصارا/ هَـدَروا دمائـي في مساربِ عَـودتي/ فغــدَت دمــائي للرفــاقِ منــارا/ وضعوا السلاسل والقيود بساعدي/ فأخــذتُ منهــا اللحنَ والأوتارا/ سرقوا مدادي حين خافــوا كِلْمَتي/ فَطفِقْــتُ أكتبُ بالـدَّمِ  الأشعارا/ وبدَت كــأروعِ ما تكــونُ قصائدي/ فاغتاظَ جلاّدي  وشـدَّ حصـارا/ قلعــوا الكــرومَ وأحــرقوا بيّــارتي/ غضِبَ  الترابُ  فأنبتَ  الصبّارا/ نزعــوا سلاحي خشيـةً من ثورتي/ فقذفتُ في وجهِ  الطغاةِ   حجارا/ نسفــوا المنازلَ والبيــوت بقـريـتي/ فتخـذتُ  حقّــي  منــزلاً  وديارا/ وبقيــتُ مُعتصــمًا بحـقّــي مؤمــنًا/ أَنّــي سَأُبْعَـثُ  مـاردًا  جبّــارا
قصيدة يا مجرى المي: كلمات: جورج فرح وألحان: بشارة عواد: يا مجرى المي/ فاكر بعدك أيامه/ يا مجرى المي/ يا زهور الفي، ذبلوا عيونك أو ناموا/ يا زهور الفَي/ يا أهل الحي خلوا القلب بأحلامه/ وشوي شوي يا ويلي وشوي شوي/ وشوي شوي عاللي مجروح بقلبه/ واللي في الضَّي ماشي ومش شايف دَربه/ أوف ويا بَي مغناته بقصة حبه  أوف وياباي
موال: يا مجرى المي سلِّم لي عليهم/ قتلني الشوق يا أهل الله إليهم/ ظلمني القلب/ ما بعمره نسيهم/ تراهم بدلوا غيري حباب!
قلبي يا خي/ من يوم فراقه ناطرْ/ قولوا  يا خْطَيْ/ كلمة جبر الخواطرْ/ يلويني لي/ والله بتعذيبي شاطرْ/ يلويني لَيّ/ ضيَّعت صْبَايْ/ يا أهلي لا تلوموني/ لا تزيدوا عْلَي/ وين دْروبُه دِلُّوني/ ما بعدُه شَيْ/ ياهْل الله  يِملّا عيوني/ ما بعدُه شًي/ إيه والله ما بعدُه شَي
قصيدة العود: كلمات: جورج فرح وألحان: بشارة عواد
دوزن أوتارك يا عودي/ ويا ناي بألحانك جودي/ غني لي وعيدي يا ليالي/ يا ليالي اللي راح تعودي/ دوزن أوتارك سمعني/ صوتك وأنينك يشجيني/ لو كان الجرح بيوجعني/ رنة أوتارك تشفيني/ ما بين الكاس وأنغامك/ دنياي وصفوة أيامي/ ما بين سكوتك وكلامك/ لهفي وأشواقي وأحلامي/ دوزن يا عود/ غرد يا عود/ بدِّد أحزاني وأوهامي/ إلعب يا عود/ إطرب يا عود/ أنغامك بلسم آلامي
قصيدة يا حلوة يا اللي فبالي: كلمات: جورج فرح وألحان: شفيق زهر
يا حلوة يا اللي فبالي/ شو حبك عندي غالي/ لو كانت ايدي بتطول/ لبنيلك قصر العالي/ يا حلوة مين قدك مينْ/ قدامك ضاعوا الحلوين/ لو غبتي من عيوني سنينْ/ ما راح غيرك يحلالي/ يا حلوة حبك غلاب/ دوَّبني وعمره ما داب/ لو هالليل الأسود شاب/ ما بغيّر عنك حالي/ قالوا الحب دروب دروب/ وأنا اللي بحبك مغلوب/ غرقان وما بدّي توب/ نيّالي يا نيّالي
قصيدة فيِّي على الأحباب- كلمات: جورج فرح وألحان: ميشيل ديرملكنيان
فيِّي على الأحبابْ/ يا شجرة العنابْ/ لو يعرف اللي غابْ/ قلبي عليه شو دابْ/ بتتذكري أيام كنا بفيّتك نرتاح/ يُسرق النغماتْ منَّا البلبل الصدَّاح/ شو همسَتِ النسماتْ عنا بعِطرها الفوّاح/ يا ملتقى الأحباب... يا شجرة العناب/ دارت الأيام فينا والهوى شو دار/ وبعدك بطيات قلبي للهوى مشوار/ شو كتبنا وشو محينا بالهوا  أسرار/ والدَّهر قلاب... يا شجرة العناب
القمر لو غاب/ لازم نقشعُه بُكرَه/ والأمل في القلب، لا بد نلتقي مرَّة/ واللي حفظلك عَهدِكِ وعايش على الذِّكرى/ راجعلك ولو غاب...  يا، يا شجرة العناب!
قصيدة يا جارتي السمراء: كلمات: جورج فرح وألحان: ميشيل ديرملكنيان
يا جارتي السمراءْ/ يا نفحةَ العطرِ/ رموشك السوداء/ تنهل بالسحرِ/ تقول لي العينان:/ أهواك يا جاري/ في موجة الألحان/ دوَّنتُ أشعاري/ يا جارتي إنّي/ أخشى على قلبي/ يا لَوعَتي منّي/ ومن ضنى حبّي/ الحب أعياني/ من ذاكَ يشفيني؟/ فغمَستُ ألحاني/ في برد تشرينِ/ قد مزّقت قلبي/ دوامة الإعصار/ فصرختُ: يا حبي/ رحماك يا جبار!/ يا جارتي السمراء/ القلبَ  أهديكِ/ في حرقة الأشواق/ روحي تناديكِ !
قصيدة حلمك علينا: كلمات: جورج فرح و ألحان: ميشيل ديرملكنيان
حِلْمَك علينا يا هوى/ حِلمَك علينا/ لا بد ما نلاقي الدوا، ونرحم عينينا/ راحوا الحبايب طوّلوا/ وما ودّعونا/ هم اللي باعوا يا هوى/ واحنا اشترينا/ صبرك علينا يا هوى/ وحياة عيونك/ مهما الفؤاد داب وانكوى مش راح نخونك/ إن طال عليك ليل النوى ودبّل جفونك/ نِسْهَر بدالك يا هوى/ واشهَدْ علينا/ حلمك علينا يا اللي في حلمك معاني/ ينساني عمري إن كنت أنساك في زماني/ ما أقدرش أروح للناس أبوح وأكشف هواني/ من خوفي منهم يا هوى يحكوا علينا

الشعراء العرب بين الإنسان والطبيعة 1/ كريم مرزة الاسدي

الحلقة الأولى  
الإنسان الشاعر  له وجهان إنسانيان , الوجه الأول ذاتي , يبث فيه مشاعره وأحاسيسه , وعوالج ما يخزنه في الوعي واللاوعي من آلام وأمال , وأفراح وأتراح بكل صدق وأمانة , ويسكبها بعفوية تامة , لا يبالي إنْ طشت أو رشت ! , فلا يمكنه أن يقول إلا  ما تختلجه نفسه , لذلك نرى العقاد والمازني قد أخرجا أحمد شوقي من جمهوريتهما الشاعرة , لأنه يحمل الوجه الثاني للإنسان , وهو  الموضوعي النزعة , وليس بذاتي النغمة , بل عدّ العقاد في إحدى مقابلاته الإذاعية الصافي أفضل شاعر ولدته الأمة , ولا أعرف هل الأمر نكاية بشوقي أم  مناصرة للصافي ؟ والصافي صافي السريرة , صريح العبارة , صادق اللهجة , يشعر على سجيته , بلا تصنع , ولا تملق , وهو أعرف بنفسه , وأكثر تفهماً لها , إقرأ ما يقول  :
سموتُ بشعري فوق جيلي ولم يزلْ *** يشكُّ بشعري معشر البلهاءِ
فإن لم أكن في أمّة الشـــعر واحداً ***  آكنْ أمّة أعلى من الشعراء
وفي الوقت الي كان فيه الدكتور طه حسين من أنصار الموضوعيين , فيقف إلى جنب أحمد شوقي ,وأبي العلاء المعري , ويصف الأخير بأنه " شاعر في فلسفته , وفيلسوف في شعره ,قد جمّل الفلسفة بما أسبغ عليها من الفن , , ومنح الشعر وقاراً ورزانة , بما أشاع فيه من الفلسفة ...", ويثني على إثرته الجماعة دون الأهتمام بالنزعة الأنانية الضيقة , ويستشهد بقوله في البيت الآتي ,ويمتدحه :
فلا هطلتْ عليَّ ولا بأرضي *** سحائب ليس تنتظم البلادا
 وهو من  قصيدته الشهيرة ( الشرف الرفيع) :
أرى العنقاء َتكبرً أن تصادا  *** فعاندْ منْ تطيق له عنادا
وما نهنت عن طلبٍ  ولكنْ  ***  هي الأيامُ لا تعطي  قيادا
إذا ما النارُلم تُطعمْ ضراماً ***   فأوشكَ أنْ تمرَّ بها رمادا
في حين نرى الدكتور الناقد الكبير( زكي مبارك ) , وهو مساند لوجهة نظر العقاد والمازني , يرمي أبا العلاء بالنفاق , ويستغل عبقريته لإيهام عامة الناس , والتلاعب في مشاعرهم , بل جعله مصاباَ بعلتين في (لزومياته ) : البديعيات و الإعراب , يذهب بعيداً في ذمّه  قائلاً " لو كنت استبيح لحم المعري , كما استباح لحوم الناس لقلت إن ثورته على المجتمع كانت ضرباً من الأنتقام الأثيم " !!ثم يستدرك الدكتور , أن أبا العلاء أصبح في ذمّة التاريخ , ولا يتأذى من نقده له , ولكنه يرفع من شأن  الأمير أبي  فراس الحمداني  لجرأته وصراحته , وصدق قوله , لأنانية  النفس البشرية , وحبّها لذاتها , وعشقها للحياة غريزياً ,  , فالشاعر الشاعر من يعبر عما يختلج في نفسه صدقاً , والشعر من الشعور مستشهداً بقوله :
معلـِّلتي  بالوصل والموت ُدونهُ *** إذا متُّ عطشاناً فلا نزل القطرُ
والبيت من قصيدته الرائع , وهي من درر ديوانه :
أراك عصيَّّ الدمع ِ شيمتكَ الصبرُ  ***أما للهوى نهيٌ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتــــــاق ٌ وعندي لوعة  *** ولكنَ  مثلي لا يُذاعُ  له   سرٌُّّّّّّ
إذاالليلُ أضواني بسطتُ يدَالهوى ***   وأذللتُ دمعاً من خلائقه الكِبرُ
 ٌ طبعاً الدكتور طه لا يرضى بهذا  التحليل المفرط في الأنانية , فالبقاء للنوع لا للفرد , أنا سردت الأمور كما علقت في ذهني , ما عدا الأقوال المحصورة بين الأقواس , وإنني ولو... لا أذهب مع كل ما كتبه الدكتوران , إ فالمعري لم يكن فيلسوفاً بالمعنى المعاصر للفلسفة , إذ لم يتخذ  خطاً واضح المعالم لفلسفته , وإنما له أراء فلسفية , وبهذا لا نستطيع أن نطابقه مع الفيلسوف الألماني ( شوبنهور ) , بالرغم من تشابه  بعض الآراء بينهما  , ولا أساير د. المبارك فيما ذهب إليه بعيدا حتى لو كان المعري أراد أن يتماهى بنفسه , ويبين مقدرته ,وآتساع عبقريته , فهذا حق ٌّ مشروع له وللدكتور مبارك نفسه , ولغيرهما , وأنا أستطيع أن أتهم  ( المبارك ) بأنه يريد أن يأكل لحم ( المعري ) لإبراز نبوغه وألمعيته النقدية   , نعم العبقرية أنانية , كالشجرة الشامخة التي تستحوذ على ماء وأملاح التربة  , ولولا ما ذهب إليه المعري لما بقى خالدا إلى يومنا !! وأنا أميل إلى رأي العقاد والمازني ومبارك من حيث تأثير الشعر على النفوس , وصدق الأحاسيس والمشاعر, ومن حيث  كونه فنـاً أصيلاً يغرف من بحر , ولا ينحت بالصخر , ولكن له وظيفة اجتماعية تتعدى المشاعر الذاتية الخاصة , فمثلا قصيدة شوقي ( نكبة دمشق ) الرائعة التي ألقاها في حديقة الأزبكية (1926) , إذيقول :
سلامٌ من صبا بردى أرق ُ***  ودمعٌ لا يكفكفُ يا   دمشق ُ
وبي مما رمتكِ بهِ الليالي *** جراحاتٌ لها في القلب عمقُ
كما ترى - يا صاحبي - الشعر مجرد مجاملات اجتماعية , تخفف الآلام والشجون عن الدمشقيين  , أنا في شكٍ كبير في هذا (الدمع الذي لا يكفك ) من شوقي ربيب الأمراء , ثم انظر ( وبي مما رمتك ...وجراحات القلب ) , هذا مجرد كلام ليس له مصداقية ( النار ما تاذي إلأ رجل واطيها !)   ,ربما تندهش !! لا بأس أنا أسير في تحليلي ,  فاعتباراً من هذين الوجهين ينطلق الشعراء بفنونهم الشعرية الإنسانية ,الفخر والمديح والهجاء والنسيب , والوصف لما يتركه الإنسان من أثار وأطلال وطعام , ومباهج الأعياد , ومآتم الأحزان والسخربة والوجدان ...ألخ, لأن الإنسان بغريزته شغوف بالأنسان الآخر ,وآثاره, آلا ترى الإنسان يتزاحم على الأثار والمتاحف ,ويترحل لمشاعدة ما صنع الإنسنان الآخر , متأملاً معالم مدنه , متذوقاً مطابخ مطاعمه !!
تأمل كيف يربط الشاعر الجاهلي بين الإنسان وأثاره , ولو كانت أطلالاً دارسة :
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل ِ*** بسقطِ اللوى بينََََََ الدخول ِ فحومل ِ
وإنّ شفـــائي عبرة ٌ مهراقـــــة  ***  فهلْ عندَ رسمٍ دارس ٍ منْ معول
  ليس الحجارات الخاوية , ولا الأبواب البالية , هي  الهدف والغاية , وإنما الإنسان ,, وما زيارة المقابر إلا ذكرى القريب للقريب , والحبيب للحبيب , وتأمل تاريخ أشخاص , مرّوا بعمر طويل في لحظات للفطن الأريب !! وقد سبق لي في مقال أن أشرت إلى :
وما حبُّّ الديار ِ شغفن قلبي *** ولكن حبَّ من سكن الديارا
ولكن ساعرج معك - إن رضيت -على أروع قصيدة عربية لوصف ما تركه الإنسان للأجيال , وربما القصيدة ,وهي أيضاً لإنسان عبقري , توازي الأثر نفسه لروعتها ,وأعني سينية البحتري في وصف إيوان كسرى , فبعد مقتل المتوكل سنة (247هـ ) مع وزيره الفتح بن خاقان , وفلت الشاعر من الموت , إذ كان معهما في القصر ( الجعفري ) بسامراء , بعد أن طعن في ظهره , ذهب إلى بغداد منكسرا حزيناً ,  ومرّّ على المدائن حيث إيوان كسرى  - وهذا من حسن حظ  تاريخ الأدب العربي - سأنقل إليك بعض وصف الإيوان ,وهو من صنع الإنسان :
لو تراهُ علمت أنّ الليالي ****  جعلت فيه مأتما بعدَ عُرس ِ
وإذا ما رأيتُ صورة َ إنطاكيـّّـــــة ارتعت َ بين روم ً وفرسِ ِ
وعراكُ الرجال ِ بينَ يديهِ  في خفوتٍ منهم وإغماض جرس ِ
تصفُ العينُ أنـهمْ جدُ أحياء  ***    لهمْ بينهمْ إشارة خرس ِ
يغتلي فيهمُ ارتيابـــي حتـى  ***     تتقــراهمُ يداي  بلمس ِ
القصيدة غاية الجودة , ذات جرس موسيقي هائل الروعة , ولكن إفتخاره بنفسه في سابق الأبيات , لا أرى له فيه حقـاً , لقد انتهز كلّ الفرص , وتقلب مراراً لأجل ملذاته , نعم انتكس أيّّة إنتكاسة بعد موت المتوكل , ولكنه لم يتماسك كما يدّعي , فسرعان ما هرع للمنتصر , وهجا متوكله ....ما علينا , فهو يصف الصورة التي على الجدار , ويتأمل في البيت الأول  كيف انقلبت أفراح الأعراس إلى مآتم الأحزان , ولا يخفى الطباق , ثم يعرج على المعارك بين الفرس والروم التي حدثت في إنطاكية , ويصفها وصفاً دقيقاً , ثم يخبرنا تقريريا في الأبيات التالية بوصف رائع جميل عن قوة القائد وسطوته , كأنما شهد المعركة حقيقة , قيلجأ إلى المجاز المرسل ( تصف العين) لعلاقته الجزئية ,  ولولا الإنسان ما اهتم الإنسان , هذه هي مشيئة البشر وسنته , ولن تجد لسنة الله تبديلا !           

فلسطين بين بلفور وأوباما/ د. مصطفى يوسف اللداوي

كأن المستعمرين يتواصون فيما بينهم، ويتابعون جهود بعضهم، ويوصون مَنْ بعدهم، ويؤسس أسلافهم ويرث خلفهم، ولا يتخلون عن دورهم، ولا يتراجعون عن وعودهم، ويخلصون في أعمالهم، ويقسمون على اتمامها وعدم نقصانها، ويتعهدون برعايتها والاهتمام بها، وتزويدها بكل أسباب القوة والمنعة، ومنحها كل عوامل البقاء والاستمرار، وحمايتها من كل معاول الهدم والخراب، لتبقى قوية قادرة على الصمود والثبات، وتحدي الصعاب والعقبات، وكأن في تنفيذ وصاياهم بقاء أوطانهم، وفي وفائهم استمرار قوتهم، وتواصل إمبراطورياتهم، وضمان مستقبلهم، وفي تخليهم تفكك حكمهم، وضياع ملكهم، وذهاب ريحهم.
قبل قرنٍ من الزمان كانت بريطانيا تسود الكون، وتتصدر العالم، وتحوز على مناطق نفوذٍ واسعة، وتتحكم في دولٍ كثيرة، وتخوض غمار حروبٍ عديدة، وتواجه بأساطيلها دولاً وتسقط حكوماتٍ، وتحتل أراضٍ وتقسم بلاداً، وقد كانت قديماً وما زالت تعادي العرب، وتكره المسلمين، وتتآمر عليهم، وتتحالف ضدهم، وتعمل لتأخيرهم، وتجتهد لتخلفهم، وتسعى لتبعيتهم، وتقاتل لتمكين أعدائهم، وتزودهم بكل ما يجعلهم أقوى وأشد بأساً ومراساً، فمنحت في ظل قوتها، وأثناء سيطرتها وانتدابها، وفي ظل ضعف العرب وفقدانهم لاستقلالهم، وتمزق دولة الخلافة وتشتت ملكها، لليهود وطناً قومياً في فلسطين، وأعطتهم وعداً برعاية كيانهم، وضمان خلقه وبقائه، وتحدت بوعدها الشهير العرب والمسلمين، وزرعت في قلبهم خنجراً مسموماً قاتلاً ما زلنا نعاني منه، ونشكو من ويلاته وشروره وآثامه.
مات بلفور وذهب، وانتهت امبراطورية انجلترا وتفككت، لكنها قبل أن تغيب عن مستعمراتها الشمس، سلمت الراية للولايات المتحدة الأمريكية، وحملتها مسؤولية رعاية إسرائيل، وحفظ أمنها، وسلامة كيانها، وعهدت إليها بهذه الأمانة، فصانتها وحافظت عليها، ولكنها كانت أخلص من سابقتها وأوفى، وأكثر حرصاً وأكرم عطاءً، وكانت أقوى وأعظم، وأكثر بطشاً وأبلغ ظلماً، وأقدر على حمل الأمانة من سلفها، فرعتها سنيناً، وحفظت أمنها دهراً، ومنحتها السلاح بوفرة، والأموال بكثرة، وفتحت أمامها أبواب جامعاتها ومعاهدها، وبيوتها ومؤسساتها، وزودتها بالأبحاث والدراسات، والتقارير وأدق المعادلات، ومولتها وأكرمتها حتى غدت قوةً كبيرة، وترسانةً عسكرية ضخمة، تمتلك جيشاً وعتاداً، وسلاحاً فتاكاً، وقنابل نووية، ومختبراتٍ ومفاعل نووية متقدمة، قادرة على التسليح والتخصيب، والتهديد والتدمير.
لا فرق بين بلفور وأوباما، فكلاهما في السوء واحد، وفي الشر سواء، فالأول شرعَّ وأسس، والثاني مول ومكَّن، وزود وتعهد، وضمن التفوق، وشدد على التميز، ودعا للاعتراف، وحض على القبول والتعايش، وضغط من أجل فرض رؤى السلام التي تخدم الكيان، ونصح رئيس وزرائها بأن يسعى لسلامٍ مع الشعب ينهي القتل، ويستأصل العداء، ويضمن بقاء دولة الكيان، فلا سلام مع ديكتاتوريات، ولا معاهداتٍ مع حكوماتٍ جبرية، وأخرى تحكم بالعنف والقهر، وتعهد لربيبة بلاده أن تبذل جهدها، وأن تمارس دورها، وأن تستخدم ضغطها، لتشرع للكيان بقاؤه، وتضمن استمراره، وتفكك الأخطار من حوله، وتزيل الألغام من تحته، وتطفئ النار إن اشتعلت من حوله.
الوعد الأول تعهد بالخلق والتأسيس، ولكن وعد أوباما الذي أمل به العربُ وكثيرٌ من المسلمين أشد وأخطر، فهو يدعو إلى دولةٍ يهودية، يعترف بها العرب والمسلمون، ليخرج من "أرض إسرائيل" كل من هو سواهم، فلا يسكن فيها عربٌ ولا مسلمون، ولا يعيش فيها موحدون ولا مسيحيون، وإنما تبقى لليهود خالصة، ولهم وحدهم نقية، ونصح الفلسطينيين من أرضهم ومن فوق منابرهم محذراً، أن يعجلوا بالاعتراف، وأن يقبلوا بالواقع، فإسرائيل دولةٌ يهودية، وللفلسطينيين وعدٌ مهترئ، وكلامٌ تذروه الرياح، بأن تكون لهم دولة وكياناً، يعيش فيها بعض شعبهم، وفيها يبنون مؤسساتهم، ولكنه لم يحدد أين أرضهم، ومكان بلادهم، وتركها لكرم اليهود ودهاء الإسرائيليين، وخبث قادتهم، ومكر ساستهم.
وعد أوباما للإسرائيليين كان فعلياً وعملياً، ولم يكن مجرد توصية وأملاً، فقد شغل مضاداتهم، وزود قبتهم الفولاذية ببطارياتٍ جديدة، وشغل منصاتهم المضادة بباتريوتٍ فحصها بنفسه، وعاين قدراتها في وجوده، واطمأن إلى أنها قادرة على الصد والمنع، والحماية والوقاية، ووعد قادة الكيان الذي بدا قديماً أنه يخاصمهم ولا يودهم، وأنه يكرههم ولا يحبهم، بأن يقف إلى جانبهم ويساندهم، ويمدهم بالمزيد من السلاح والكثير من المال، ليضمن تجاوزهم لأي أزمة، ونجاتهم من أي محنة، وخلاصهم من تداعيات أي ثورة، وظهر نتنياهو إلى جانبه، وسارةٌ تتيه معه، أنه يحصد ثمار سياسته، ويقبض ثمن تشدده، ويضمن استمرار منصبه، وقوة تحالفه، فقد اطمأن إلى متانة الحلف، وركن إلى صدق الحليف وإخلاصه، فلا خوف من اهتزاز، ولا قلق من انقلاب، ولا تغيير لأصول وقواعد اللعبة، فإسرائيل ستبقى الأقوى والأكثر تميزاً وتفوقاً، بضمانة الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسود باراك أوباما، فإن كان وعد بلفور مشروطاً ومحدوداً، أما وعد أوباما مطلقٌ لا حدود له، ومفتوحٌ لا نهاية له، إذ ربط وجود بلاده بوجود إسرائيل، وأكد لجيلها الشاب أنها ستبقى ما بقيت الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها لن تكون وحدها في مواجهة الأخطار التي تحدق بها.
فهل تضيع فلسطين بين الوعدين، الإنجليزي القديم والأمريكي الجديد، ويخسر الفلسطينيون مع أوباما كما خسر الشريف حسين مع مكما هوم، ونبقى ضائعين حائرين، ننتقل من وعدٍ إلى أمل، ونحتار بين كاذبٍ ومراوغ، ونعيش وهم الدولة وسراب العودة، ونخسر يوماً بعد آخر، أم نركن إلى قوتنا، ونراهن على ارادتنا، ونعمل لتحقيق وعد ربنا، ولا نهاب حلفهم، ولا نخشى قوتهم، ولا نتردد عن مواجهتهم، ولا نهزم أمام باطلهم، ولا نستسلم لزيفهم، ولا نصدق كذبهم، ولا نخضع لظلمهم، ولا نعترف بكيانهم، فنحن بإرادتنا أقوى، وبقيننا أقدر وأصلب، وبعزيمتنا أصدق، فالله معنا، وشعوبنا اليوم تملك قرارها، وتعرف مسارها، وتتمتع بإرادتها، وتؤمن بحتمية المعركة مع عدوها، وتدرك يقيناً أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.

أوباما يدفع عباس إلى الانتحار السياسي/ نقولا ناصر

(لا يوجد أي تفسير لإصرار الرئيس أوباما على دفع نظيره عباس إلى السير في طريق مسدود سوى ما يرقى إلى خطة أميركية مكشوفة لدفع الرئاسة الفلسطينية إلى الانتحار السياسي بين خيارين أحلاهما مر)

بانتظار أن يظهر إلى العلن ما قيل وراء الكواليس المغلقة بين الرئيسين الفلسطيني محمود عباس والأميركي باراك أوباما في رام الله يوم الخميس الماضي، يظل على عباس وحده أن يفسر كيف كانت محادثاتهما "جيدة ومفيدة" على حد وصفه، في ضوء تصريحات ضيفه المعلنة بعدها بأن "الطريق الوحيد" الذي يدفع أوباما عباس إلى السير فيه هو طريق "المفاوضات المباشرة" الثنائية مع حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي من دون أي تدخل أميركي يتجاوز "المساعدة" في ذلك كما أعلن أوباما في مؤتمرهما الصحفي المشترك.

ولأن كليهما يعرف بأن هذا الطريق مسدود منذ زمن أمام طموحات الحد الأدنى الفلسطينية، فإنه لا يوجد أي تفسير لإصرار الرئيس أوباما على دفع نظيره عباس إلى السير في طريق مسدود سوى ما يرقى إلى خطة أميركية مكشوفة بالكاد لا يمكن وصفها بالتآمر العلني لدفع الرئاسة الفلسطينية إلى الانتحار السياسي بين خيارين أحلاهما مر: إما الاستمرار في الوضع الراهن أو الاستسلام لاستئناف المفاوضات الثنائية المباشرة بالشروط الإسرائيلية – الأميركية المعروفة.

وحتى يحدث ذلك لا بد من وضع صاحب القرار الفلسطيني في حالة يأس كامل، وقد بعث أوباما برسالة تيئيس أميركية واضحة بقوله إن "إسرائيل هي الدولة الأقوى في المنطقة ولديها دعم أقوى دولة في العالم"، أي الولايات المتحدة، لذلك "على الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية"، وقد "حان الوقت كي تطبع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل"، وهو لم يبد متعجلا لإحلال سلام "رسمي" إذ "من أجل تحقيق سلام دائم، فإن العلاقات الشعبية أهم من العلاقات الحكومية".

وهذه باختصار دعوة أميركية صريحة إلى الاستسلام الفلسطيني والعربي، خصوصا وأنها لم تقترن بأي دعوة في المقابل لدولة الاحتلال كي تعترف بدولة فلسطين، وتوقف استعمارها الاستيطاني في الضفة الغربية، ولا بتذكير مماثل بأن "الوقت قد حان" لإنهاء الاحتلال المستمر الذي وقع عام 1967 على الأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان وإنهاء آثار هذا الاحتلال الذي لا يزال ينتقص من السيادة المصرية في شبه جزيرة سيناء.

ولتأكيد "رسالة التيئيس" التي بعث بها بخل أوباما على الرئاسة الفلسطينية حتى بمنحها الأمل في مخرج منظور من مأزقها الراهن، وهو مأزق يعود الفضل الأول والأخير فيه إلى الولايات المتحدة التي يرأسها، فلا يوجد "طريق قصير نحو الحل الدائم" كما قال، وكأنما يكاد يقول إن على الرئاسة الفلسطينية أن تقبل بالحل المؤقت طويل المدى الذي تدعو له دولة الاحتلال، وهو يشكك في كون "السلام" الذي ترعى بلاده عمليته العقيمة منذ حوالي عقدين من الزمن مضمونا بقوله: "أنا لا أقول إن السلام مضمون، لكنني أقول إنه ممكن".

فإنهاء الاحتلال ليس هو القضية بالنسبة لأوباما كما يستدل من تصريحاته خلال زيارته، فالاحتلال وآثاره مثل "استمرار الاستيطان واحتجاز الأسرى وعدم الوصول الى القدس للصلاة"، كما نسب لعباس قوله له، هي في رأيه مجرد "معيقات" وهو "يتفهمها"، بل القضية هي "ضرورة عدم الاستسلام لحالة الإحباط" الناجمة عنها التي "يتفهمها" بدورها، والقضية في رأيه هي "ضرورة تجاوز كافة المعيقات التي تعترض سبيل العودة للمفاوضات" الثنائية المباشرة، والقضية كذلك هي "السلام الذي يضمن الأمن" لدولة الاحتلال و"لجميع الإسرائيلين" كما قال أوباما في خطابه لطلاب جامعات دولة الاحتلال في القدس المحتلة مساء الخميس الماضي.

والقضية المباشرة في المدى المنظور كما قال هي "البحث عن السبل التي من خلالها نصل إلى بناء الثقة" لاستئناف المفاوضات، ومن "المعيقات" لذلك التي ذكرها "حركة حماس ... ورفضها التخلي عن العنف"، وليس الاستعمار الاستيطاني التهويدي المتسارع في الضفة الغربية حيث حماس مطاردة، وحيث يوجد فقط الرئيس عباس الذي لا يكل عن تكرار مناهضته للعنف ورفضه لمقاومة الاحتلال ب"الكفاح المسلح" وهو المسؤول وليس حماس فقط عن رفض الضغوط الأميركية لاستئناف المفاوضات قبل "تجميد" الاستيطان الذي تراجع أوباما عن مواقف إدارات أميركية سابقة كانت تعلنه "غير شرعي" ليعده الآن "ليس بناء أو مناسبا أو يساهم في تقدم قضية السلام" كما قال إنه أبلغ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال زيارته الحالية.

لا بل إنه أعلن مسوغات لدولة الاحتلال لعدم وقف مشروعها الاستيطاني، فالعمل السياسي فيها "معقد" يجعل من الصعب اتخاذ قرار حكومي بهذا الشأن، معتبرا أن "هذه القضية لن تحل بين ليلة وضحاها" فيها، وتجاهل قول عباس له إن وقف الاستيطان "ليس مطلبا فلسطينيا فقط، بل هو مطلب دولي" وتذكيره له بوجود أكثر من (13) قرارا من مجلس أمن الأمم المتحدة ضد الاستيطان لا تزال تنتظر "تجميد" استخدام حق النقض "الفيتو" الأميركي ضد تنفيذها، لذلك لم يكن مستغربا أن يتجاهل أوباما إعلان وزير مالية الاحتلال يائير لبيد، الوجه الجديد في حكومة نتنياهو الجديدة، عن خطة بناء (16) ألف وحدة استيطانية جديدة مع تسهيلات مالية لشرائها عشية زيارته.

وفي دعوته عباس لاستئناف المفاوضات مع هذه الحكومة بدا أوباما إسرائيليا أكثر من الإسرائيليين، ففي تصريح صحفي أصدرته منظمة "غوش شالوم" في (18) الشهر الجاري قالت: "اليوم قامت في إسرائيل حكومة يمينية متطرفة يشغل المستوطنون وحلفاؤهم فيها كل المناصب الرئيسية" ما يجعلها بحكم تكوينها "عاجزة عن إجراء أي مفاوضات".

لقد كانت خلاصة التوقعات من زيارة الرئيس الأميركي للرئاسة الفلسطينية يوم الخميس الماضي صفرا لتؤكد ما توقعه مستشار الرئيس الفلسطيني القيادي في حركة فتح د. صبري صيدم الذي حذر عشية الزيارة في مقال منشور له من أن زيارة أوباما "لن تكون إلا تدشينا لمرحلة جديدة لمواجهة عنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبداية لعملية اغتيال حل الدولتين وربما الإعلان رسميا عن وفاة ذلك الحل في عهده" (القدس العربي في 20/3/2013).

ويبدو أن وصف حركة حماس لزيارة الرئيس الأميركي وبرنامجها وما قاله خلالها يظل أقرب إلى الدقة من وصف عباس لمحادثاته مع أوباما فيها بأنها كانت "جيدة ومفيدة"، فأوباما في رام الله كان "يتملص من الإجابات الحاسمة ولم يلتزم للفلسطينيين بأية استحقاقات قطعها على نفسه سابقا" كما قال الناطق الرسمي باسم الحركة د. صلاح البردويل، وذلك لن يقود إلى "أي اختراق يغير المعادلة السياسية على الأرض" كما جاء في بيان مكتوب لرئيس وزراء الحكومة التي تقودها الحركة في قطاع غزة إسماعيل هنية.

أما وصف هنية في بيانه ل"السياسة الأميركية" الجديدة – القديمة بأنها "تكريس الاحتلال وتشريع الاستيطان والاستسلام تحت شعار السلام"، وتعقيب الحركة في تصريح صحفي يوم الأربعاء الماضي على "الزيارة المحتملة" لأوباما إلى "المسجد الأقصى المبارك بحماية الاحتلال الصهيوني" بالتحذير من "خطورتها وخرقها للمواثيق الدولية بإضفاء الشرعية" على الاحتلال، فإنه وصف يمثل قاسما مشتركا يتجاوز أي انقسام فلسطيني ويرى في الولايات المتحدة شريكا فعليا في الاحتلال عن قناعة تتعزز يوميا ومع كل زيارة جديدة لأي مسؤول أميركي وبعدها في وجود سوء نية أميركية يظهر للشعب الفلسطيني مبيتا لتسليم فلسطين كاملة للحركة الصهيونية على طبق أميركي.

* كاتب عربي من فلسطين

الفعل ورد الفعل السيـاسـي/ صبحه بغورة

إذا كان الاتفاق قد جرى على أن " كل فعل يقع يحدث  بالضرورة رد فعل له في الاتجاه المعاكس " فان الملاحظ في هذا القول أنه يبدو مبتسرا كونه لا ينظر إلى رد الفعل إلا من الجانب السلبي للفعل نفسه بما يعني أنه سيتضمن معاني النفي أو الرفض .. وتأكيد ذلك نجده في عبارة " في الاتجاه المعاكس " بالإضافة إلى أنه  يقصر الأمر في حدوث رد فعل واحد فقط  في حين أن الكثير من الأفعال المادية منها وغير المادية تحدث عدة ردود فعل وبعضها لن يكون في الاتجاه المعاكس بل سيكون في اتجاه الفعل ، كما أن المتأمل للمقولة ذاتها سيتبادر إلى ذهنه أن رد الفعل الناشئ سيكون مساويا في شدته مع الفعل وهذا في الحقيقة قلما نلمسه في الواقع حيث يمكن أن يحدث فعل ما رد فعل أقوى من الفعل نفسه  وأن عدة أفعال  أخرى لا تحدث رد فعل لها تماما فهي كمن يغرس أصبعه في الرمال أو في عجين إذ تؤكد سهولة النفاذ في مثل هذه الحالات على عدم حدوث رد فعل أصلا وهو ما يمكن تسميته في علوم الفيزياء "بقوة المقاومة " التي ستساوي في المثال السابق صفرا .
في المجال السياسي ، سواء على المستوى القطري حيث تتعدد الأطراف السياسية  في البلد الواحد وذلك على حسب درجة تطور النظام السياسي من سلطة وحكومة وبرلمان أو مجلس الشورى وأحزاب سياسية وقوى نقابية واتحادات مهنية و تنظيمات وطنية ..  أو على المستوى الإقليمي والعالمي حيث تصطدم إرادات الدول بشبكة واسعة من العلاقات الدولية تأسست وفق تقاسم المكاسب أو نشأت على اعتبارات تبادل المصالح أو تكونت على قاعدة التفاهم حول مناطق النفوذ ، ستكون هنا مختلف المبادرات أو المشاريع السياسية التي يتم اقتراحها أو التقدم بها  على المستوى الوطني أو في المحافل الدولية عرضة لردود أفعال متباينة وستتراوح  شدتها على حسب درجة قرب أو بعد أصحابها من مصدر المبادرة وكذلك على قدر ما تتمتع به  هذه المبادرة أو تلك من عوامل توافقها أو أسباب تعارضها مع مصالح الآخرين .
إذن يمكن أن نميز من بين ردود الفعل المنتظرة تجاه حدث سياسي ما تلك التي تعبر عن مشاعر" الارتياح " وهو أقل مرتبة يمكن تسجيلها حيث يكون قد تبين لأصحاب هذا الموقف وجود الاستعداد الجدي والنية الطيبة لدى أحد أطراف أو لدى كل أطراف الحدث لبذل مسعى حميد لطي صفحة أزمة ناشبة  كإظهار ميل إلى ضرورة الأخذ بالحل السلمي أو كالإعلان عن التأكيد على تمسكهم  بفضائل الحوار والتشاور مثلا من أجل حل الخلافات  ويمكن أن يحدث ذلك دون أن يكون لأصحاب رد الفعل هذا أي خصومة مع أي طرف كان  أو أن يتمثل رد الفعل في شكل بيان يعكس "الترحيب " بما يمكن أن يعد من قبيل الخطوات العملية التي تتسم بقابليتها للتحقيق في إطار خطة واضحة المعالم لمنع نشوب أزمة سياسية أو لاحتواء قضية قبل استفحالها منعا لامتداد تداعياتها وتجنبا لانعكاساتها المحتملة ، كما يمكن أن يكون رد الفعل أكثر ايجابية من ذلك عندما يتم الإعلان عن  "التأييد " وهي عبارة عن مساندة سياسية لموقف أو إجراء سياسي يتعلق بقضية ما ويظهر ذلك من خلال البيانات المشتركة أو في مرحلة التصويت على قرار بشأن ذات القضية في المحافل الإقليمية أو الدولية .. وفي مرحلة لاحقة من التأييد سنجد رد فعل أكثر تطورا وهو  "المساندة و الدعم " ويتسم بأنه موقف عملي  أكثر ومحابي تماما لموقف أصحاب فعل سابق عليه كطرف في القضية ويسير هنا رد الفعل في اتجاه الفعل كونه موقف ينطوي على معنى الجهر صراحة بوجود استعداد لتقديم الوسائل المادية التي تمكن من تحقيق مطالبه ، وهكذا تتكون لدينا حزمة من المواقف التي تمثل ردود أفعال ممكنة تجاه حدث ما ولكن في اتجاه ايجابي مع اتجاه الحدث .
ومن جهة أخرى يمكن أيضا تسجيل عدة ردود فعل غير محابية و غير صديقة تجاه الحدث الواحد وهي تتراوح ما بين "التحفظ " الذي يعني عدم رفض أصول مبادرة كما يعني عدم قبولها أيضا دون أن تتم مراجعة تفاصيل بعض بنودها سواء من الناحية الموضوعية أو الشكلية ومثل هذا الموقف يعكس وجود مصلحة مباشرة أو غير مباشرة لأصحابه في بقاء الحال على حاله وغالبا لا يتم الإفصاح عنها ولكن يمكن تحديدها بسهولة من خلال طبيعة ما جرى التحفظ عليه ، لذلك فأصحاب المواقف التحفظية يميل الاعتقاد بشأنهم أنهم يريدون إثبات موقف فقط ولا يملكون في الحقيقة قدرة التأثير في مجريات الأحداث ، ونجد كذلك "الاعتراض" وهو موقف سياسي يمثل عقبة أمام تمرير مبادرة أو لائحة أو مشروع سياسي  ويكون حائلا في بداية طريق التفكير لوضعه موضع التنفيذ وقد يخفي وراءه  حرصا على عدم تضرر مصلحة معينة بسببه أو إن شئنا أن نضعه في مكانة أعلى سموا فانه يجوز الاعتراض على قرار يكرس هيمنة استعمارية أو يهدد السلم والأمن مثلا ، ويلاحظ أن الاعتراض يكون في مرحلة الدراسة والنقاش ، وعندما نتحدث عن المرحلة العملية فسنواجه موقفا يتميز بأنه أكثر فصلا ووضوحا وهو  "الرفض " وهو يتجاوز في مضمونه ومعناه المداولات في حدود قاعات الجلسات حيث سيتعلق بعدم التجاوب النهائي مع أي التزامات ستترتب لتنفيذ قرار سياسي ما حتى لو تمت المصادقة عليه ، كما لا يمكن انتظار أن يستشعر أصحاب هذا الموقف أي واجب من أجل المشاركة في النهوض بمسؤوليات محددة مرتبطة بما سبق لها الإعلان عن الاعتراض عليه سواء كانت ذات طابع سياسي أو اقتصادي.. أو عسكري ومثل ذلك الإعلان عن رفض السماح باستخدام الأراضي الوطنية لشن اعتداءات مسلحة أو السماح بفتح مجالها الجوي لمرور أسراب الطائرات للإغارة على دولة أخرى مجاورة أو تقديم أي معونات لوجيستيكية لقوات دولة أخرى ..وقد يتطور رد الفعل السياسي إلى حد "التنديد" الذي ينصرف بداهة إلى إعلان موقف عدائي صريح من طرف أو أطراف اتخذت موقف سياسي معين تصل انعكاساته إلى حد التهديد بمخاطر جمة على حالة السلم و الأمن أو المساس بالاستقرار في منطقة معينة ، ومثل هذا الموقف يلامس حدود الاستنكار أيضا ومعه يمكن توقع ردود فعل عملية ذات طابع  مناهض ومن أمثلته عدم التردد في الموافقة على قرارات بفرض عقوبات دولية قد تأخذ أشكالا عقابية أو ردعية وبعضها كما يحدثنا التاريخ السياسي المعاصر كان ذات طابع انتقامي .
يحدث في إطار المناورات السياسية أن تطلق السلطة أو إحدى الأطراف السياسية ما أصبح يطلق عليه " بالونات اختبار " ويتمثل أمرها في تسريب أخبار غير مكتملة وبطريقة غير رسمية وعبر وسائل غير حكومية عن مشروع أو مبادرة سياسية تتضمن شعرة من حقيقة تبرر تسريبها في وسط معلومات مضللة والهدف منها معرفة رد الفعل السياسي تجاه ما تتضمنه هذه الأخبار وقياس الرأي العام السياسي والحزبي والإعلامي والشعبي وأيضا الدولي منها ، والحقيقة أنها حيلة تستبق بها السلطات معرفة رد الفعل تجاه الحدث الحقيقي لو تم إعلانه  بأبعاده و جوانبه الكاملة وذلك بإطلاق ما يمكن أن يثير الاهتمام حوله، وفي مثل هذه الحالة يبرز رد الفعل قبل حدوث الفعل الأساسي ، والحقيقية أن مثل هذه الأمور ليست بخافية على الطبقة السياسية الخبيرة بشؤون الحكم والتي سرعان ما ستدرك بحكم التجربة العملية الطويلة أبعاد الحيلة لذلك فإنها بعد عملية تقييم سريعة ستعمد إلى إحدى الطريقتين إما أن تعلن ترحيبها بما تناهى إلى علمها وتدفع نحو الترويج له وفي هذا تشجيع للسلطة للمضي قدما ودون إبطاء للشروع في ما أرادته ، وإما أن تناهضه بشكل عنيف يحمل ما يحمل من تجاوزات سيبررها غياب الطابع الرسمي للخبر مما يدخله بتصورها في إطار الإشاعة التي ترفع عن أصحاب المواقف المناهضة وعن معارضيها الحرج أمام السلطات ، وتأخذ المناهضة طابع يوحي على الاعتقاد بتعمد إظهار شيء من الصرامة في الرفض التي تقطع الطريق أمام مروجي هذه الأخبار لعدم العودة إليها مستقبلا ، وفي مقابل هذا قد يحدث رد فعل استباقي على الفعل أو خلاله وقبل أن تستكمل مراحله وتتضح معالمه ويدخل هذا في خانة التشويش على العمل الحكومي مثلا كالتدخل في الشأن العام عن الطريق الترويج لمرئيات تتضمن تقييما مسبقا لوضع لم يكتمل أو بتقديم اقتراحات إضافية بعد فوات الأوان بهدف الإيحاء بوجود تقصير أو بعرض بدائل للتدليل على عدم تمتع أصحاب العمل بالرؤية الواسعة و الشاملة و بالتالي البعث على الاعتقاد بأن الأمور لا تسير على ما يرام ، ومع أنه لا يمكن أن ننكر على هؤلاء تمتعهم بالقدرة على القراءة الدقيقة لوضع الحياة العامة و السياسية بصفة خاصة إلا أن عدم المشاركة بالرأي الصائب تقييما و اقتراحا في الوقت المناسب هو ما يجعل الذهن ينصرف إلى أن الأمر لا يرقى لمرتبة النصح أو يليق تحت شعار  "وأمرهم شورى بينهم .."
إن نضوج الفكر السياسي الذي أدى إلى تطور نظم الحكم قد أوجد مناخا سياسيا مغايرا في علاقة السلطة بقوى المجتمع أساسها الإقرار باحترام الحقوق الفردية و الجماعية السياسية منها والمدنية ومن ذلك احترام حقوق الانسان والاعتراف له بحرية الرأي والتعبير في أجواء ديمقراطية ، ونجد تأكيد ذلك في البرلمان المشكل من نواب منتخبون هم نتاج التعددية الحزبية ، ولذلك فمن المفروض أن يعبر البرلمان عن إرادة مختلف طوائف الشعب ومدافعا عن توجهاته و حاملا لتطلعاته ، هذا الوضع يؤسس لمعنى كبير وهو أن السلطة قد منحت حق الاعتراض للنواب بالبرلمان وسيبدو الأمر كما أسلفنا كردود أفعال تجاه قوانين أو مشاريع سياسية تريد السلطة مصادقة النواب عليها ، والثابت في التاريخ السياسي لمختلف الدول حديثة النشأة بالنظام الديمقراطي أن الأمور لا تمر بشفافية و يسر وعلى أساس من الاحترام المتبادل بين السلطة التنفيذية و التشريعية إذ يخضع العمل البرلماني لمختلف المناورات والضغوط لدفعه للمصادقة على ما تريد السلطة وقد يجري التجاوز إلى الترهيب بينما الوضع الطبيعي كان يقتضي بأن  مجرد منح حق الاعتراض يقابله واجب الاستماع ، ومن هنا نلاحظ أن منح حرية الرأي و التعبير هو بمثابة فتح الباب واسعا لإبداء رد الفعل الذي قد يؤخذ به في الدول ذات أنظمة الحكم المتطورة بينما قد يذهب إدراج الرياح في بعض الدول دون ذلك وبالتالي يصبح رد الفعل هنا بمثابة " اللاحدث " بسبب لامبالاة السلطة التي يبلغ أوج رفضها للاهتمام بردود الفعل عندما يكون الحاكم أسير نفسه أي أنه  من الشخصيات التي تتسم بمحورية الذات حتى وان كان يسعى بهدف انجاز عمل جماعي فهو يقوم به وفق رؤيته وقلما نجد من بين شخصيات تتسم بمحورية الذات من يجيد التفرقة بين الشعور بالمسؤولية وتقدير عبء الممارسة لذلك فلا غرابة إن سمعناه يوما أنه وحدة محل إجماع الطبقة السياسية وأنه وحده مركز ومحور دوران الأحداث .
يحدث كثيرا أن يكون للفاصل الزمني بين حدوث فعل و بين رد الفعل عليه تأثيره على العلاقة بين طرفيها  بمعنى أن قصر المدة الزمنية بينهما أو طولها يمكن قراءته سياسيا على أمرين، فالفورية في رد الفعل يمكن اعتبارها من قبيل الدراية المسبقة به التي خضعت لتقييم عميق ودراسة جادة و شاملة لأبعاد المسألة أو القضية الصادر في شأنها الفعل وبالتالي كان الجواب جاهزا سواء بالتأييد الذي لا يستبعد معه وجود اتصالات مسبقة من باب تنسيق المواقف ، أو بالرفض الذي قد يخفي مصلحة ستتضرر أو نفع سيعود على الآخر .. كما أن بعض ردود الفعل قد تتمهل في الإعلان عن طبيعتها  وذلك عندما تفضل بعض الأطراف السياسية التريث في أبداء طبيعة موقفها صراحة لحرج تستشعره تجاه أحد الأطراف أو لحساسية الموضوع ذاته وغالبا ما يفقد التريث الأكثر من اللازم في اتخاذ المواقف السياسية الصريحة والشجاعة الكثير من المكانة السياسية للطرف المتريث ويضعف من وزنه الدولي حيث سينظر إليه على أن تردده يستهلك قدرته ليكون طرفا فاعلا وأساسيا في العلاقات السياسية الدولية وبالتالي يفقد شيئا فشيئا من اعتباره .
توجد المئات من القرارات السياسية  التي تتخذ يوميا سواء التي تعنى بالشأن الداخلي للأمم أو تلك التي تتعلق بالعلاقات الدولية  في شكلها الثنائي أو المتعدد الأطراف وكذا في المحافل العالمية والتنظيمات الدولية و الإقليمية ومع التطور التكنولوجي الهائل في وسائل الاتصال والتواصل الفوري بين شعوب الأرض لم يعد هناك مجالا للتعلل بعدم كفاية الدراية أو لتأخر ورود المعلومات ، كما لم يعد مقبولا التخفي وراء ستار طلب مهلة للدراسة حول قضايا معينة خاصة إذا كانت محل انشغال عالمي واسع ، وبالتالي تسقط المبررات أمام عدم إتباع الفعل السياسي برد الفعل " المناسب " سواء من الصديق أو الخصم ، إذ تعد المتابعة المستمرة للأحداث العالمية وسرعة رد الفعل تجاه مستجداتها أو تطوراتها هو المحدد الذي يفصل بين الدول الفاعلة التي تملك قدرات القيادة والمبادرة وسرعة تحريك الأحداث وتوجيهها ، و بين الدول التي تقف محدودية إمكانياتها البشرية والمادية حائلا أمام الارتقاء بها إلى مكانة دولية رفيعة.
غالبا ما تأخذ الأفعال السياسية على المستوى الدولي شكل بيانات ، لوائح ، توجيهات أو نداءات .. موجهة بين طرفي علاقة أو أكثر، وهي  إما أن تكون معلنة كتابيا  في صيغة أوامر أو قرارات من أعلى هرم السلطة في بلد ما أو من أعلى مجلس في المنظمات العالمية، ويتم الرد عليها إيجابا أو سلبا، بالموافقة أو المعارضة عن طريق نفس الأشكال وبالصيغ المذكورة ، وقد تكون وسيلة التبليغ مباشرة بالطرق الدبلوماسية المعروفة أي عن طريق السفارات في صورة خطابات بين المسؤولين النظراء في كل دولة ، أو في صورة مذكرات وتعميمات أي تلك الكاتبات الموجهة لجميع الأطراف ، فيما يمكن أن تكون أيضا غير مباشرة عن طريق التصريحات الصحفية لوسائل الإعلام المختلفة التي ترمي في الغالب إلى توضيح أولي للمواقف ، أو أن تكون معلنة شفهيا عن طريق توجيه خطاب جماهيري للإعلان عن قرار ما يهم الأمة كاملة وللتدليل على أن القرار نابع من إرادة الشعب يتم حشد جمع غفير من المواطنين المتحمسين خصيصا لذلك .
إن الفعل مهما كانت طبيعته إذا لم يترك أثرا فلم يحرك ساكنا أو حتى لم يسكن متحركا سيكون عديم الجدوى ولا طائل منه لأنه لم يحدث تأثيره في مجريات الأمور سواء بالتعديل أو بالتغيير الكلي أو الجزئي ففقد دوره كمؤثر، أي أنه لم يحدث رد الفعل الذي يكسب العلاقات الحركية المطلوبة والحيوية المنشودة والتواصل المأمول ، وفي المقابل لن يكون بإمكاننا ترقب رد فعل ما تجاه لا شيء ، فلا دافع يجعلنا ننتظر نتيجة ما دون أن تتوفر أسباب وقوع الفعل ، على أن ثمة ما تكتسيه بعض الأفعال من أهمية بالغة و مع ذلك يحجم البعض من إبداء أي رد تجاهها وهذا في الحقيقة تغييب عمدي أو قصري لدور كان يمكن أن يمنح الصامتين عن التعبير مكانة لائقة فليس دائما في صمت الحكيم بلاغة ، و لذلك فالفعل و رد الفعل مهما كان مجالهما سياسيا ، اقتصاديا ، اجتماعيا و ثقافيا هما الحدثان المعبران عن حقيقة الاتصال وعن طبيعة التواصل بين الأفراد و الأمم ، وهما المرآة العاكسة لمدى ما بلغته الفعالية في النشاط الإنساني عامة ، وبقدر فورية حدوث رد الفعل الواعي يمكن الحكم على الحضور الذهني وعلى سرعة البديهة وهو نشاط عقلي ـ عصبي ـ نفسي على قدر كبير من الأهمية تحرص مختلف منظومات التربية في أوساط الأسرة أولا و بالمدارس على تنميته عند النشء منذ الصغر ببرامج تربوية تعكس مدى ما توليه أنظمة الحكم من عناية فائقة لضمان بناء أجيال من المسؤولين الفاعلين في محيطهم العملي والمتجاوبين في نفس الوقت مع التطورات والمتكيفين مع المتغيرات بكل مرونة و ليونة في صور من ردود الفعل الناضجة والواعية والمسؤولة .