ورطة جنرالات اسرائيل/ نبيل عودة

جبهة عربية ضد الفلسطينيين. هذا هو التفسير الوحيد لما ادلى به الأمير السعودي تركي الفيصل، قائد المخابرات السعودية السابق. اضافة لذلك الموقف المصري ، الذي يصب لصالح العدوان الاسرائيلي، الصمت العربي المدوي ، اذا صح التعبير ،   بذلك بدأت تتشكل في العالم العربي جبهة معادية للفلسطينيين ومؤيدة لما ترتكبه اسرائيل من مجازر ضدهم. قال الأمير تركي بلا خجل: ان حماس مسؤولة عن الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل في قطاع غزة . على الأقل كان المسؤولون العرب سابقا يستعملون اوراق التين للتغطية على عوراتهم السياسية، وما أكثرها... اليوم بعد ان تحول الربيع العربي الى نقيضه لم يعد القادة العرب بحاجة لتغطية عوراتهم الخلقية والسياسية. 

الآن تظهر الحقائق بوضوح ، النكبة الفلسطينية أيضا كانت حسب تفسيرات امراء وزعماء العرب نتاج مسؤولية الفلسطينيين، لذلك جاءت الجيوش العربية لتسلم فلسطين وتساهم في تشريد "المعتدين الفلسطينيين". حسب ما هو معروف، كانت هناك خطة صهيونية  من القرن التاسع عشر تعرف بحرف (N)  الضلع الأول هو الساحل الفلسطيني الضلع الأوسط يشير الى منطقة السهول الخصبة داخل فلسطين ، والضلع الثالث يشير الى المنطقة الجبلية الغنية بينابيع المياه. المستهجن ان قرار التقسيم كان تماما حسب حرف ( N) ، اي حسب المشروع الصهيوني. "الجيوش العربية" لم تدخل الى المناطق التي كانت ضمن حصة الدولة اليهودية ، اكتفوا باستعراضات عسكرية بلا فعل مقرر واشتهرت في فلسطين جملة قائد الجيش العراقي "ماكو اوامر"، حين كان يرد على مطالب المقاتلين الفلسطينيين بالدعم او المساعدة العسكرية وللتاريخ الجيش العراقي لم يدخل بأي معركة جدية، مجرد اطلاق عدة قذائف والانسحاب!! وهناك مذكرات بدأت تظهر لكتاب فلسطينيين من داخل اسرائيل، تكشف هذه الحقائق. 

 كان واضحا ان المشروع الصهيوني جاء ليضمن استمرار انظمة العمالة، ليوفر الحماية لدول اقامها الاستعمار، هنا لا بد من التأكيد على دور اتفاقية "سايكس- بيكو" ، وهي اتفاقية سرية وقعت في ايار 1916  بين بريطانيا و فرنسا  وروسيا القيصرية. في روسيا قامت الثورة البلشفية  وخرجت عمليا روسيا من اطار الاتفاق، تقاسمت الدولتان الاستعماريتان بريطانيا وفرنسا حسب "سايكس بيكو"، الاراضي العربية الواقعة بين ايران والبحر الأبيض المتوسط.  حصة فرنسا كانت منطقه سوريا، حصة بريطانيا شملت العراق الجنوبي وحيفا وعكا. بالنسبة للأراضي  بين المنطقتين اتفق  على ان تكون منطقة لدولة عربية مقبلة، بحيث يخضع القسم الشمالي منها لفرنسا والقسم الجنوبي لبريطانيا. واتفق ان تقام لفلسطين ادارة دولية، عمليا اقيمت القاعدة المادية لنشوء جسم جغرافي سياسي يضمن تقسيم العالم العربي ويحافظ على استقراره ( اقرأ استمرار تخلفه وخضوع أنظمته لإملاءات استعمارية)، لذا ليس بالصدفة ان قال احد قادة الحركة الصهيونية ان "الصهيونية هي هدية اوروبا للشعب اليهودي". والهدايا لا تقدم مجانا من المستعمرين!!

السعودية لم تتنصل رسميا من تصريحات أميرها تركي الفيصل. ما اراه ان المشروع الصهيوني أنجز مهمته كاملة، العالم العربي اصبح اسما بلا مضمون. ان فشل الربيع العربي ، كان لغياب قوى اجتماعية سياسية منظمة، نتيجة القمع الذي واجهته منظمات المجتمع المدني في العهود الساقطة، لكن يبدو ان الربيع يقودنا الى واقع أكثر سوءا... حتى تستعيد مجتمعاتنا المدنية قدراتها على اعادة ضج الدم الجديد بعروقها. 

هل حقا توجد رؤية استراتيجية عربية للمستقبل ؟ من تفيد مثل هذه الخطة اذا وجدت؟ مصر تبتعد منذ السادات عن أي فعل سياسي قومي، اي ان قلب العالم العربي (مصر) لم تعد تشغله اي قضية تتعلق باحتلال اراض عربية بعد ان "استعاد" حصته. السعودية بما تملكه من قدرات هي لضمان بقاء عرش أل سعود، من هنا طرح مشروع ان يتحول  الجيش المصري وقوى عسكرية عربية اخرى الى قوة عسكرية ضامنة لأمن الخليج العربي والسعودية على راسها. 

اي لا ربيع عربي ولا شتاء عربي، بل "محيط متجمد عربي" يضمن استمرار وجود العالم العربي خارج التاريخ الانساني. 
قد يبدو استرسالي بعيدا عما يجري في قطاع غزة اليوم. "تهمة" حماس الكبرى انها نجحت ببناء جيش منظم، انتبهوا لما يقوله الجنرال الاسرائيلي غازيت: "يجب التعاطي مع حماس كدولة تمكنّت من بناء جيش منظم بشكل ممتاز ولديها جيش يملك هيئة أركان حرب ممتازة وقيادة عسكريّة استعدّت للحرب بشكلٍ مُذهلٍ".
نحن في فترة تفرض علينا اعادة تنظيم تفكيرنا، الجيوش العربية الرسمية فشلت حتى اليوم في انجاز ما انجزته حماس من ادارة لحرب في مواجهة اضخم آلة عسكرية واقواها في الشرق الأوسط وعالميا أيضا، رغم الحصار المفروض عليها  ورغم قلة الوسائل القتالية المتطورة لديها.
 قبلها حزب الله فاجا العالم العربي بأسلوب مواجهة عسكرية لا سابق لها  في  الجيوش العربية . للأسف غرق اليوم في حرب أهلية مدمرة للدولة في سوريا.

اذن هل بقيت امال  ملموسة ،على المدى البعيد ، لمستقبل عربي مختلف ؟ 
 ما الذي يمنع ممثل العائلة المالكة السعودية من تحميل حماس مسؤولية الجرائم التي ترتكبها اسرائيل؟  هل من حساب للجماهير العربية التي أغرقتها انظمتها بالفقر المدقع والاستبداد السلطوي والديني؟

 من هنا يظهر القادة العرب بعوراتهم مكشوفة... مصر تستنكر استعمال اسرائيل المفرط للقوة (ما شاء الله).. واعلامها يتهم حماس بالمسؤولية عن سقوط الضحايا الفلسطينيين. السعودية تلحق ربعها على لسان تركي الفيصل.. اسرائيل تعلن بوضوح ان السيسي هو أفضل ضمانة لأمنها، وان ما يعنيه مصلحة مصر. هل مصلحة مصر ان تغيب عن الواقع العربي ؟ ان تسلم مفاتيح العالم العربي لاحدى القوى المتصارعة على منطقة النفوذ في العالم العربي: اسرائيل ، تركيا أوايران؟  

لكن المفاجأة ان حماس لم تهرب ... هذا أمر غير مفهوم بعد لا للعرب اولا ولا لإسرائيل ثانيا... ويبدو ان الأمريكان ايضا تفاجأوا ..لذلك تتلعثم سياساتهم في الشرق الأوسط.  اعطوا الضوء الأخضر لإسرائيل للدخول الى غزة.. لكنهم طالبوا بعد تورط اسرائيل بخسائر غير محسوبة ان يوقف القتال فورا. الضغط الأمريكي وصل لدرجة تبادل التهم بين اسرائيل وحليفتها الدولية الوحيدة  لدرجة ان كيري اتهم نتنياهو "بالعناد وعدم الفهم".. تطور القتال وتحوله الى مجازر ضد المدنيين، اربك اسرائيل واربك الغرب المؤيد لها .. لذا  هناك تراجع  امام الضغوط الأمريكية والغربية، ربما أيضا  خوفا من القطيعة مع الولايات المتحدة والغرب ، حتى وزير خارجية بريطانيا حذر اسرائيل من انها "تفقد دعم الغرب لها".. اليوم نتنياهو يتوجه الى الحليف الأمريكي طالبا تدخله للوصول الى اتفاق وقف اطلاق نار.
 ما الذي تغير في ساحة المواجهة وفرض هذا التغيير على موقف اسرائيل بالأساس ؟ 

لم نتوهم  بقوة تنظيم صغير لا يملك الا ادوات تكاد تكون بدائية امام التكنولوجيا العسكرية الاسرائيلية، بمواجهة اسلحة طيران وبحرية وبرية حسنة التدريب والجاهزية القتالية،  تملك اسرائيل القوة لمحو غزة عن الخارطة الجغرافية، السؤال ما الثمن الذي ستدفعه؟ من هنا المفاجأة الاستراتيجية التي اجترحتها حماس، من هنا سقطت حسابات جنرالات اسرائيل وقادتها السياسيين. الذي يستمع اليوم لتصريحاتهم لا يفهم ما هو هدفهم الأبعد.. الطائرات تقصف المنازل والجوامع والمستشفيات والمدارس... يتحدثون عن قصفهم لمئات الأهداف  العسكرية، هل صارت شبكات المجاري في غزة اهدافا عسكرية؟؟ هل صار اطفال غزة ونسائها وشيوخها ومختلف المواطنين المسالمين اهدافا عسكرية؟

ليس صعبا على اسرائيل احتلال غزة، السؤال أي انتصار سيكون .. التاريخ العسكري يعلمنا ان بعض الانتصارات اوصلت المنتصرين الى حضيض أبشع من الهزائم. 
المراقب لتطور الأحداث في حرب غزة يرى بوضوح ان جنرالات اسرائيل يواجهون أكبر فشل في تاريخهم العسكري.. لذا ينتقمون بدون تفكير من المدنيين الفلسطينيين .. وباتوا بحاجة ماسة لحبل انقاذ سياسي من حليفهم الأمريكي!!
آخر ما نشرته وسائل الاعلام الاسرائيلية يكشف عن بداية خلافات حادة وتوتر شديد بين القادة العسكريين للجيش والقادة السياسيين  وتبادل الاتهامات بينهم  حول القصور (الفشل) فى انجاز المهام العسكرية.
ظاهرة "حرب الجنرالات" والصدام بين الجهاز العسكري  والقادة السياسيين  ليست جديدة في اسرائيل، شهدناها بعد فشل الحملات العسكرية وأبرزها حرب اكتوبر 1973، الحرب اللبنانية الأولى 1982 والحرب ضد حزب الله 2006 في لبنان... ويبدو اننا امام مشهد جديد قريبا!!

nabiloudeh@gmail.com

حقائق تنشر لأول مرة في الإعلام العربي عن مشكلتي مع الفنانة يسرا/ فراس الور

أصلي الى الله من كل قلبي أن تصل هذه المقالة الى الفنانة يسرا، فهنالك حلقة مفقودة بالمشكلة التي حدثت بيني و بينها، فالفنانة يسرا لا تعلم لغاية هذه اللحظة ما الدافع  الحقيقي وراء اصراري على التكلم معها و مقابلتها، و رغم أنني طلبت من أكثر من جهة الإتصال بها لكي أكلمها و من ضمن هذه الجهات السفارة المصرية (مكتب الدكتور أشرف الكيلاني المستشار الإعلامي للسفير المصري) إلا أنها لم تلبي طلبي إطلاقا، مما دفعني لأكتب هذه الكلمات على أمل أن تقراها في يوم من الايام و تفهم أن الدافع وراء طلبي الحديث معي كان لأسباب مهنية و رؤيا تتعلق بها كنت قد رايتها في الحقبة التي حكمت الإخوان بها مصر في عام 2012 - 2013، وجب التوضيح هنا أنني شاب أتمتع بحياة روحية عميقة جدا فأنحدر من اسرة مسيحية مؤمنة و اصلي كثيرا و منذ حداثتي، و بواقع الأمر شاركت الفنانة يسرا في السابق بأفلام سينمائية تنتقد سياسة الإخوان في مصر و محاولتهم الحثيثة لبلوغ الحُكْم في مصر و على سبيل المثال لا الحصر بافلام مثل طيور الظلام و دم الغزال، و بعد فترة سنة تقريبا من محاولاتي الإتصال بها حيث كنت ابحث عن امكانية تحقيق طموح مهني في كتابة السيناريو و كنت بحاجة لنصيحة مهنية منها كونها من الرمور الفنية البارزة في مصر حدث أمر جعلني اقلق عليها كثيرا، لا أنكر أنني شعرت أن عواطفي كرجل كانت مربوطة معها قليلا كإمرأة و قد أخبرت والدتي عن هذه المشاعر تجاه هذه الفنانة لأنها مشاعر صادقة و محترمة، و لكنني ما أردت يوما ان افرض نفسي عليها كونها متزوجة فاحترمت هذا الأمر بكل مراسلاتي و نداءاتي لها، فكانت نيتي بالإتصال بها كل خير و بهدف انساني و مهني، كنا في تشرين الأول ربما او تشرين الثاني من عام 2012 و اذكر حينها جيدا أنني كنت واقف في مطبخ منزلنا أعد بعض الطعام، فأتت في بالي الفنانة يسرا و شعرت بالضيقة الشديدة من عدم قدرتي الإتصال بها، و حينها رايت رؤيا فظيعة تتعلق بها، و أذكر أن اللجنة التي كانت تُصيغْ الدستور تحت اشراف الإخوان كانت منعقدة حينها، فكانت هذه الفنانة بالكابوس في محكمة أمام قضاة و كانت المحكمة مليئة بالناس و كانت يسرا معترضة على حكم  في قضية مُعَيًنَة، و حينما اصدروا القضاة الحكم بالقضية كانت تضرب بقبضة يدها على المقاعد الخشبية امامها و تصرخ اعتراضاً على الحكم، و من ثم رأَيْتُ بالرؤيا حرس بثياب مدنية يسحبونها بِعَزْم الى غرفة تحتوي على مكتب خشبي، و كان في احدا جدرانها نافذة، و لكن الجدار المقابل للنافذة و الذي يحتوي على مدخل حديدي كان من قضبان الحديد بالكامل كالذي بالسجون، كانت الغرفة مهملة و كان على المكتب بعض من كتب لونها أحمر و أوراق مبعثرة، و كانت هذه الفنانة غير مكترثة بعقوبتها الحازمة التي تنتظرها...و كانت تقاوم الذين يسحبونها للغرفة و لكن عندما أدخلوها للغرفة و أوقفوها عند جدار من الجدران مقابل المكتب كانت غير مهتمة إطلاقا و كانت تعابير وجهها بها عدم اكتراث لما يفعلوه بها، فتم تقيدها كالمسكينة و هي ترتدي ثياب مدنية نسائية لونها كُحْلِيْ بمرابط حديدية معلقة في حائط، و ابتعد أحد الرجال و كان قصير القامة قليلا حنطي البشرة و على ذقنه لحية، و فجأة قالت بالرؤيا الجملة التالية بالحرف باللهجة المصرية لجلادها و هي غير مكترثة بأنها ستجلد...و كأنها تكابر على محنتها "لو سمحت شعري...ده مِتْكَلِفْ كثير"، فقام بتحريك شعرها الطويل من وراء ظهرها الى أمام جسدها، و بعدها فورا قام بجلدها بقوة بالكرباج الذي كان بيديه...و كأنها عقوبة حدود شرعية يتم تنفيذها بأسلوب اعتباطي فالسجينة حسب الشرع الإسلامي تجلد و هي مرتدية الحجاب الكامل اثناء جلوسها مقيدة بمكانها، و بعد أن ذاقت الجلدات الأولى لهذا العقاب رأيتها تتلوى كالأفعى يمنتاً و يساراً من الآلآم المبرحة و تصرخ بقوة، و رأيت تعابير الوَجَعْ على وجهها، و رأيتها بنفس الرؤيا تُسْحَبْ مرة ثانية لعقوبة الجَلْد...و كانها جلسة جلد ثانية بعد تنفيذ الجلسة الأولى و كانت خائفة من عقوبتها، بل كانت تترجى السجانين و تقبل يديهم أن لا يجلدوها...فكانت هذه الفنانة تتذوق المُرْ بهذه الرؤيا، 
رأيت هذه الرؤيا يوميا لمدة اسبوع...و كانت مُرَوِعْة جدا مما دفعني لأذهب و استفسار عن نِيَةْ الدولة المصرية تحت حكم الإخوان تفعيل الحدود ضمن قانون عقوبتها، فقابلت المستشار الإعلامي للسفير المصري حينها بالسفارة المصرية في بلدي، و اسمه الدكتور اشرف الكيلاني، لم اقل له شيئا عن هذه الرؤيا و لكن سألته عن نِيَةْ الدولة تطبيق الحدود فقال لي بعد لحظات من التردد أن الإسلام في مصر يتبع الوسطية مما يجعل هذا الشيئ مستحيل، بعد حديث وِدِيْ إتَسَمَ بالتحضر و النقاش الًلبِقْ حيث اعربت له عن اعجابي الشديد بالحركة الفنية بمصر عُدْتُ الى منزلي مفكراً بما عسى أن تكون هذه الرؤيا التي اراها أمامي، فجلست بعد مقابلة الدكتور أشرف ببضع ساعات على الحاسوب و قرأت بعض من الأخبار حينها ليفاجئني خبر لم أكن مطلع عليه من قَبْل، فكانت العديد من الصحف المصرية تتناقل أنه تم تغير بعض الكلمات بالدستور عام 2012  لتفعيل الحدود في المستقبل القريب؟! صُعِقْتُ من هذا الخبر و غَلَتْ دمائي و انفطر قلبي من الحزن على هذه الفنانة إذ أن أول العلامات التي تنذر بِتَحَقُقْ هذه الرؤيا كانت أمام عيناي...فبالرغم من تأكيدات السياسي الذي قابلته كان حزب الإخوان عازم على تتطبيق هذه الشرائع و بالرغم من عدم تشجيع الأزهر الشريف لها و بالرغم من معارضة المعارضة المصرية لهذه الخطوة، حاولت الإتصال بهذه الفنانة للإطمئنان عليها بواسطة وسطاء كثيرا مراعياً أن أخفي عنها هذه الأنباء و لكن دون جدوى مما دفعني لإرتكاب اللامعقول لكي أضمن سلامتها، فراسلت مسؤولة رفيعة المستوى بمنظمة هيومن رايتس واتش، أخفيت عن هذه المسؤولة أمر الرؤيا لأنها غريبة عني و كنت موضوعيا بالمعلومات التي أخبرتها عن الأوضاع بمصر و ما تتناقله وكالات الأنباء حيث أخبرتها كم مصر هي هوليود الشرق و كم أن القِيَمْ الثقافية و الفنية الموجودة بها هي منارة كبرى بالشرق و أخبرتها عن محاولات الإخوان لقتل هذه الأجواء الغنية الفنية و الدرامية و السينمائية، و أخبرتها عن سَبْ الإخوان لأكبر رموز أدبية بمصر بألفاظ نابية في الإعلام المصري و كم أن هذه الأجواء هي غير صحية، و قمت بإخبارها عن نِيَةْ الإخوان بتفعيل الحدود و التي توصي هذه المنظمة بعكسها بكل دول العالم و كم هذه الحدود قَدْ تُسْتَخْدَمْ ضد العديد من الفنانين بمصر و فعلت هذا بكل حسن نية مني، و أخبرتها عن مخاوفي من هذه الحدود ان تنفذ بالفنانة يسرا، و أخبرتها بعدم نجاح الإخوان بتحسين الإقتصاد المصري الى الدرجة المرجوة، و وضعت بهذا الكتاب المراجع الإعلامية المناسبة التي تدعم المعلومات به، 
أتاني على هذا الكتاب المستفيض الرسمي الذي مضيته بإسمي و تركت به رقم هاتفي و صندوق بريدي ردا واحدا مفاده أن الوضع بمصر مشوش المعالم و سنعطي شكواك لموظف باحث من شركتنا في مصر، مضت اسابيع لم يصلني اي رد فِعْل آخر من هذه المنظمة و رأيت كم أن الأوضاع بمصر كانت من سيئ الى اسوء فحزنت على انهيار هذا البلد العزيز عليْ حينها، فأرسلت رسالتين مهذبتين ذَكًرْت من خلالها هذه المديرة بمدى قلقي على الأوضاع بمصر فلم يأتيني اي رد فعل منها و كأن الموضوع يعني بلد بكوكب المريخ أو كوكب آخر غير الكرة الأرضية، أرسلت رسالة مهذبة و لكن كانت شديدة اللهجة لهذه المحامية و قلت بها أن توقعاتي من منظمة عالمية بحجم هيومن رأيتس واتش أن تدعم مصر كثيرا أكثر من أن تقبل بتسليمها الى نظام سياسي كان يدهورها بهذا الشكل، 
كنت بحقيقة الأمر أرى هذه الرؤيا أمامي كل يوم تقريبا الى فترة اذار من عام 2013 حينما حصلت المشكلة بيني و بين الفنان هشام سليم شقيق زوج الفنانة يسرا، و قد شرحت تفاصيل هذه المشكلة في مقالة على مقوع الغربة بعنوان "عن المشكلة التي حدثت بيني و بين الفنان هشام سليم و الفنانة يسرا" و شرحت للراي العام عن العرض المحترم الذي عرضته على يسرا و على زوجها و دعوتي لهم بزيارة الاردن و مع كل أسف تم فهم هذه الدعوة بصورة خاطئة، فبعد ان جُرِحْتُ من معاملة شقيق زوج يسرا و صمت يسرا تجاه الهجوم علي بالصحف تغيرت مشاعري نوحها، بل جُرِحْتَ كثيرا و جعلني هذا الجرح أبكي بمرارة...فربما أساءَتْ هذه الفنانة فهم مقصدي من الإتصال بها، فلم ارى هذه الرؤيا بعد هذا الجرح إطلاقا، و كأن الوسيط كان عواطفي نحوها فعندما جُرِحَتْ عواطفي لم ارى هذه الرؤيا إطلاقا، و لكن في واقع الأمر جعلني أحساس أشبه بالحدس المهني او بإلهام رباني ان أقوم بعمل أدبي كبير في ايار قبل حركة تمرد بشهر، فعِنْد هَذِهِ النُقْطَة بَعْد ان حَصَلَ الخِلافْ المُؤْسِفْ بيني و بين الفنان هشام سليم قَرًرْتُ ان أَكْتُبْ على حِسَابي على مَوْقِعْ مصراوي على صَفْحَة كتابات ثلاثة مَقَالات نَشَرْتُ أَوًلَهَا اسبوعين قَبْل حَرَكَةْ تَمَرُدْ في شَهْر مايو السالف من عام 2013، و بِهَا تَحْليلات سِيَاسِيَة عَنْ الأَخْطَاء الفاضِحَة لِحُكْم التيارات الديبينة في مِصْر حَيْثُ كانت هذه التيارات بِسَبَبْ قِلَةْ خِبْرَتِهَا السِيَاسِيَة تُحَطِمْ جُمْهورِيَة مِصْر العَرَبِيَة سياسيا و اقتصاديا مِنْ دون ان تكون واعِيَة لما تَرْتَكِبَهُ، و اسْم المقالات سِلْسِلَة الجَيْش و فراغات القوة السِيَاسِيَة و ايضا مُسْتَقْبَل مِصْر و الجَيْش المصري، و قُمْتُ بِنَشْرها على حسابي اثناء حَرَكَةْ تَمَرُد و كُنْتُ أُصَلي ان يكون لها وَقْع ايجابي على الرأي العام بمصر، و بالرُغْم مِنْ  ليس عندي يقين قطعي بشيئ إلا أنه على ارض الواقع و بَعْد قرار الجيش المصري بإنْهَاء خَدَمَاتْ الرئيس السابق لمصر تفاجئت بأن جُزْء مِنْ تَصْريحَات قِيَادات الجَيْش المِصْري للإعلام تُكَرِرْ بَعْض مِمَا جاء بِمَقَالاتي، شَعَرْتُ بالإرتياح لأن مِصْر لَمْ تَفْقِدْ اسلامها بل زال مِنْ طَريقِهَا فريق مِنْ التَيَارات الدينية لم يَكُنْ يَمْلِكْ الخِبْرَة الكَافِيَة لإدارة شؤون دولة كُبْرى مِثْل مِصْر، و انني اسْتَطَعْتُ ان أَكونْ مُؤَثِرْ كَبيرْ بالقَاهِرْة لِأَجْل حُبي لِمِصْر و استطعت بإلهام رباني أن أزيل من كاد أن يضطهد الفنانة يسرا، و قد شرحت ظروف اختفاء هذه المقالات بمقالة بعنوان "خواطر" على موقع الغربة، 
أمل أن تصل هذه المقالة التي اطرحها للراي العام للفنانة يسرا و ان تفهم أن مقصدي بالإتصال بها اثناء حكم الإخوان لمصر كان نبيلا جدا، فكنت أتمنى ان أسمع صوتها حينها عبر مكالمة هاتفية، و أتمنى ان تفهم أن اي مقالة كنت قد هاجمتها من خلالها في السابق كانت نتيجة هجوم شقيق زوجها علي بالصحف و نتيجة شعوري بالقهر لعدم مقدرتي الحديث اليها حيث شعرت أنني أتحمل مسؤولية هذه الرؤيا بمفردي و كانت مسؤوليتها كبيرة جدا.

ظنهم بهدم الكنائس لن تقرع الاجراس/ موسى مرعي

لقد ظنوا ان بهدمهم لبيوت الله التي من خلالها تقرع الاجراس لذكره , و كل قرعة جرس تعني توحيد الله لا اله الا هو هو الاعلى هو الخالق و نحن له عابدون , و كل رنة يذكر اسم من اسماء الله الحسنى . نحن المسلمون المحمديون المعتدلون المسلمين لله بالقرآن نقف الى جانب اخواننا المسيحيين المسلمين لله بالانجيل نحن مستعدين للدفاع عنهم و لو اضطررنا للذهاب الى الكيان العراقي و الشامي و في الامة السورية كلها . ان بهدمهم للكنائس هذا لا يعني انهم قد يقضون على الرسالة المسيحية , الرسالة المسيحية اليوم هي في الصدور التي لا يمكن ان ينتزعها من الصدور احد الا الذي بعث بها روحه بالحق منزل السيد المسيح عليه و على امه الطاهرة مريم الصلاة و السلام , و لو فجروا هؤلاء الاغبياء الارهابيين و دمروا كل الكنائس في الامة سوف نرفع الاجراس في مساجدنا و نرفع على المآذن الصليب جانب الهلال و لو دمروا و فجروا كل مقامات الانبياء و الاولياء سيبقى ذكرهم مخلدا في صدور و قلوب و ادمغة المؤمنين طالما القرآن الكريم و الانجيل موجودين و لو اقدموا على حرقهم فانهم يحرقون صفحات من اوراق لا يمكنهم انتزاعها من صدورنا و قلوبنا و ادمغتنا . نحن ندافع عن شعبنا و عن نبيهم و نبينا السيد المسيح لان لم يكن له آباء عرب ولا عبرانيين كما نسبوه الصهاينة العبرانيون انه عبري من ابن داود بل كان السيد المسيح و امه مريم سوريين يتكلمون اللغة السريانية الارامية . ليعلموا الاغبياء الد اعشيين انه عندما نشأت المسيحية في بلادنا نشأت في وسط الحضارة و بلغت اوج العلم و التمدن و كان لها اعظم فتوحات في التاريخ , نشأت في امة لم تكن في حاجة الى من يزودها بالعلم لانها كانت اسبق الامم الى العلم و من عندنا تعلمت الامم الباقية و اول من أخذ من عندنا العلم هم الرومان و الاغريق و ثم العرب الذين يعرفون آنذاك بالعربة نسبة لعربة الخيل العربة التى استعملت في الصحراء الجرداء لا فيها حضارة ولا حتى عمران شعب بدون تمدن تعلموا على الغزو و السلب و النهب هذا هو تاريخ من يريد ان يقضي على حضارتنا اليوم . نقول برسالتنا الى هولاء الارهابيون ان اعيادنا نحن المسلمين نهديها الى اخواننا المسيحيين المستهدفين في كل كيانات الامة السورية و ان اعيادهم هيى ايضا اعيادنا و نحن اليكم قادمون يا داعش العبرانية يا اعداء الرسالتين المسيحية و المحمدية و سوف نثأر للسيد المسيح السوري .
  مفوضية سدني المستقلة مجموعة الوحدة الحزبية , و اللقاء الوطني للوطنيين الاستراليين العرب
موسى مرعي

اللغة العربية من منظار الواقع السياسي-الاجتماعي/ نبيل عودة

لا اتعامل مع اللغة من منظار لغوي بل من منظار فكري وسياسي  من رؤيتي ان مسالة اللغة، او التجديد والتقليد في اللغة، وكل ما يتعلق بإنجاز تطوير اللغة العربية وجعلها لغة معاصرة ، يرتبط بشكل نسبي كبير ( ولا اريد ان اقول بشكل مطلق، رغم ان هذا أقرب للحقيقة) بالواقع السياسي والاجتماعي والتعليمي والعلمي السائد في المجتمعات العربية. 
بكلمات واضحة، اللغة لن تحظى باهتمام اجتماعي، ثقافي وعلمي واسع وحاسم، في ظل واقع لا تشارك فيه المجتمعات العربية بالنهضة الحضارية للمجتمعات البشرية، بل تكاد تبدو مجتمعات على هامش التاريخ!!

***
واجهت مرات عديدة عاصفة من التعليقات تتهمني بالاستهتار باللغة العربية وقواعدها ونحوها، وان العربية لغة في منتهى الكمال، لغة الجنة ولغة القرآن، قداستها من قداسته،  وهي اللغة التي انزلها الله لأفضل عباده. بالطبع لا علاقة بما يسمى قداسة وايمان غيبي يردده حتى الأميين حول قداسة اللغة وهم بالكاد يفقهون اللغة الفصحى البسيطة التي تستعمل في وسائل الاعلام. لا بد من طرح فكري جديد ينقذ اللغة من الجمود والتحجر ورؤية متنورة حول اهمية ملاءمة اللغة للمناخ الثقافي السائد، وعدم فهم هذه الدعوة كمشاركة في "المؤامرة الاستعمارية - الصهيونية" على العرب ، وهي الصيغة التي تستعمل أيضا في الساحة السياسية العربية، بجعل هذين التوأمين المكررين ببغاويا (الاستعمار والصهيونية) غطاء للفساد العربي، لماذا نحافظ على تخلفنا ؟ لأننا نقاوم "الاستعمار والصهيونية"(!!) كأن المقاومة تعني تجميد كل حركة التغيير الاجتماعي والسياسي. 

هذا الغطاء السياسي الدعائي التافه روجت له الأنظمة الفاسدة للحفاظ على تسلطها ونهبها للثروات العربية وقمع الفكر التحرري ، فكر التقدم الاجتماعي - الاقتصادي والعلمي للمجتمعات العربية، لذلك نجد تحالفا، علنيا وسريا، بين الاستبداد السياسي والاستبداد الديني ، لكلا المستبدين مصالح في وقف النمو والتطور والنهضة الاجتماعية – الاقتصادية والعلمية، وتخليد انظمة التسلط القبلية، العائلية والطائفية السائدة في العالم العربي.

 ان التغيرات اللغوية التي حدثت كانت عكس التيار السائد ومعظم ما دخل لغتنا العربية وأضحى التعامل به ثابتا، مدان سلفا بالخروج عن القواعد والنحو. رغم ان كثيره أصبح مما يسمى "المتعارف عليه" ، لكنه خروجا واضحا عن عقليات حراس اللغة.

كذلك لاحظت ان هناك مشكلة لدى الكثيرين، خاصة متوسطي الثقافة، في فهم المقروء النثري وخاصة القصصي، من منطلق الفهم البسيط للأدب القصصي، بانه جولة ترفيهية، بينما هذا الأدب يطرح الوعي الاجتماعي بأرقى صوره . 

القصة في الأدب العالمي وبجزء كبير وهام من الأدب العربي ، تشكل مادة فكرية أيضا يطرح عبرها الكاتب قضايا ملحة وبالغة الخطورة، دور الكاتب هنا لا يختلف عن دور المثقف الموضوعي المرتبط بواقع شعبه والناشط من أجل قضايا الانسان وقضايا الحرية والحقوق المختلفة. 

باحث لغوي نشر مقالا يقول فيه: " لا بديل عن اللغة العربية الفصيحة المعيارية " عارضا أهمية اللغة العربية لأبنائها العرب، وقيمة هذه اللغة وحيويتها. وطرق تطويرها وتقريبها للقارئ . المقال يتحدث من منطلق عاطفتنا كلنا التي ترى بلغتنا جماليتها المميزة في النصوص الأدبية وخاصة الشعر... لكنها تعاني من حالة تكلس تشكل خطورة على مستقبلها ومكانتها بين اللغات الحية في العالم، هذا يبرز بغياب لغة علوم وتكنولوجيا، اذا وجدت فهي داخل قطر معين وغير مستعملة في اقطار عربية اخرى، اي لا اصطلاحات متفق عليها. 

من الاشكاليات اللغوية التعويق في ملاءمة اللغة للمناخ الثقافي المعاصر، وما اوجدته مجامع اللغة غير مفهوم الا لمن صاغوه، لا يلائم الحياة العملية ولا ارى ان اصطلاحات مجامع اللغة مستعملة او قابلة للاستعمال،  هذا يبرز في القطيعة الآخذة بالاتساع بين واقعنا اللغوي والثقافي عامة  ومستوى الحالة الثقافية – الاجتماعية واللغوية  السائدة في المجتمعات غير العربية.

ان بعض المشاكل التي لم تطرح ، ربما ليس عجزا عن طرحها بقدر ما هو قصور في فهم واقع اللغة، في حالتنا واقع لغتنا العربية، تشكل عائقا في سبيل رقي لغتنا وتطويرها وملاءمتها لعصرنا. 

أعرف انه حقل شائك بسبب المسافة الثقافية التي تفصل بين ابناء هذه اللغة، بظل سيطرة الكثير من الغيبيات والأوهام حول المقدس اللغوي والفهم الخاطئ  لدى الكثيرين لكل دعوة الى ملاءمة اللغة للمناخ الثقافي السائد في عصرنا، باعتبار هذه الدعوة هي لنسف اللغة العربية، فورا تنطلق صرخات الاحتجاج والاستغاثة محولين النقاش الى صياغات ايمانية ونصوص غيبية ومقولات خاوية من المضمون ، لا تسوى أكثر من الحبر الذي صيغت فيه،  كأن العرب نصف الأميين ، او من لا يرهقون انفسهم بالقراءة، (وهم نتاج الأنظمة الفاسدة) يعرفون مفردات اللغة الكلاسيكية وما شاء الله لا يتحدثون الا بمفردات النصوص الدينية ولغة الجاحظ وبنحو سيبويه.
لا اكتب من منطلقات لغوية. فانا لست لغويا ولكني أعيش أزمة اللغة بنشاطي الاعلامي والثقافي والسياسي ومن اطلاعي الفلسفي العام على تاريخ اللغات .
 اللغة وسيلة وليست غاية ولا قداسة للغة . اللغة لا تعبد ولا يركع لها.  هذا ما شرحه بعض الباحثين اللغويين بشكل ممتاز دون ان يكون بمثل وضوحي الذي سيرى به البعض فظاظة كبيرة.. خلافا لما سجله باحث موقر أميل الى تجاهل اسمه، لأن الأهمية للمضمون وليس للشخص، لا أرى أن "اللغة هي من أهم العوامل التي تكون هوية الأمة" كما كتب . هذا الطرح غير علمي تماما ومناقض للواقع.. 

اللغة بلا شك لها دورها في تكوين الهوية القومية ولكنها ليست من أهم العوامل، لا ارى ان للغة دورا مؤثرا ووزنا مقررا. الواقع العربي القائم يثبت ما أذهب اليه . ان ما يوحد الشعوب العربية أكثر من اللغة، هو واقعها السياسي والاجتماعي، واقع الأنظمة الاستبدادية الفاسدة المعيقة للتقدم  وواقع الفقر والإملاق المرتبط جذريا بنوع الأنظمة .

يجب عدم التجاهل ان نسبة الأمية المرتفعة في العالم العربي ، وتقدر على الأقل ب 150 مليون أمي  ومصادر ترفعها الى 60% من المواطنين العرب (350 مليون نسمة)، والبعض يرفعها لأرقام فلكية... ونسبة كبيرة أخرى بالكاد تفك الحرف او تقدر على التعامل باللغة مع المؤسسات المختلفة .. الى جانب مستوى قراءة متدن ( نصف ساعة ، البعض يقول ستة دقائق هي مدة القراءة للمواطن العربي  سنويا ، للمقارنة: اليهودي في اسرائيل يقرأ 50 كتابا سنويا)، عدم فهم المقروء من أوساط عربية واسعة جدا لأسباب تعليمية تعتمد التلقين، هناك اسباب كثيرة أخرى كلها تجعل من لغتنا أداة لا تخدم قضية تكوين الهوية القومية او احداث نقلة ثقافية وتيار وعي قومي . لا ننسى أيضا ان العالم العربي مليء باللهجات المحلية التي لا يفهما العرب  ابناء المناطق الجغرافية الأخرى. هناك عشرات اللهجات الغريبة عن فهم مواطني الدول العربية، أحيانا في نفس الدولة ( حتى في فلسطين لغة الشمال الفلسطيني (الجليل) تختلف عن لغة الجنوب الفلسطيني، ابناء المثلث مثلا ، بعض المفردات لا نفهمها ولا نستوعب طريقة لفظها،  رغم ان المسافة بيننا نصف ساعة بالسيارة ، لا اتحدث عن الجنوب الأبعد، النقب مثلا) ، اي ان اللغة لا تشكل اداة تكامل قومي، بل في هذه الحالة تشكل أداة تباعد وتشرذم، خاصة بغياب روابط اجتماعية واقتصادية.

 المواطن العربي الجائع للخبز لا يحتاج الى لغة وهوية قومية وانا اتحدث عن أكثر من 50% – 60 % من المواطنين في العالم العربي. في مصر مثلا ، ما يقارب 80% من الشعب المصري يعيشون بدخل بين دولار الى 3 دولارات يوميا ، و 20% أكثر من 3 دولارات يوميا ، منهم 1.5% يعرفون بالقطط السمان يسيطرون على ما يقارب نصف الانتاج القومي المصري. يتبين من معلومات جديدة ان الجيش المصري يعتبر من اكبر المنتجين في مصر، يقدر انتاجه ب 25% من مجمل الانتاج ومعفي تماما من الضرائب. أي ان جنرالات هذا الجيش لهم مصالح اقتصادية ويتمتعون بوضع خاص من المميزات. هذا ينعكس سلبا على الربيع المصري. بعض المصادر تنبه الى ان المجندين المصريين يُسخرون في انتاج الجيش وليس في التدريبات العسكرية، وان هناك تراجعا في قدرات الجيش العسكرية، البعض يضيف اتهامات خطيرة: الجنود لا يعرفون استعمال الأسلحة الحديثة المتراكمة في المخازن  وبالتالي المتنفذون في الجيش أصبحوا جزءا من القطط السمان  ولكنه موضوع آخر. 

هل ستصلح اللغة هذا الواقع المأساوي لتجعل المصريين ينتمون لهوية قومية واحدة؟ هل يفكر المصري أو العربي الفقير باللغة والهوية ام برغيف الخبز (العيش – أي الحياة) والعمل ؟  هل يقلق الجنرالات تطوير اللغة وتعزيز الرابط القومي؟

الذي يؤثر على خلق هوية قومية متماسكة هو الاقتصاد، هذه نظرية طرحها أحد أهم فلاسفة ومفكري القرن التاسع عشر كارل ماركس وقد ثبتت صحتها . الدول الرأسمالية المتطورة تطورت فيها الهوية القومية والانتماء القومي واللغة القومية والقوة القومية أيضا لحماية مصالحها على قاعدة تطوير الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، النموذج الأقرب لنا هي دولة اسرائيل. البعض لا يحب هذه المقارنة، تشعره بالضيق، لكن أحببنا ذلك أم لم نحبه... من مجموعة مهاجرين مختلفي الثقافة والانتماء القومي، بنوا دولة واقتصادا يعتبر اليوم من الأقوى والأكثر تنوعا وثباتا في العالم (انتاج اسرائيل القومي الاجمالي السنوي هو اكثر من انتاج كل الدول العربية المحيطة بإسرائيل)،  تعتبر اسرائيل اليوم دولة ذات أكبر نسبة في العالم  لحملة الشهادات العليا بين المواطنين . علميا من أكثر دول العالم تقدما وتصديرا لمنتجات العلوم والتكنولوجيا، وهي ثالث او رابع مصدر اسلحة في العالم من حيث الكمية، العلم بات جزء جوهريا من الاقتصاد (80% من صادرات اسرائيل يعتمد على الهايتك) ، للمقارنة غير المرغوبة أضيف:  تنشر اسرائيل معدل 12 بحثا علميا لكل 10 الاف مواطن ( 36 بحثا لكل 30 الف مواطن )، العالم العربي ينشر بحثا علميا واحدا لكل  30 الف مواطن.  يترجم في اسرائيل الى العبرية 100 كتاب لكل مليون مواطن في السنة ، حين تصل الكمية في العالم العربي الى 3 كتب لكل مليون مواطن . هذا عدا ان كل كتاب يباع  منه في اسرائيل كميات كبيرة تصل أحيانا الى 70 او 90  الف نسخة وبعضها يتجاوز ال 120 الف نسخة او أكثر. ما عدا قلة نادرة من الكتب العربية وزعت 30 الف نسخة ، فكمية التسويق للكتاب العربي لا تتجاوز 3 – 5 الاف نسخة من الكتاب. تخصص اسرائيل  للأبحاث العلمية ما نسبته 4.7 % من منتوجها السنوي الاجمالي... ويقدر اكثر ب 15 مرة من كل مل يخصص للأبحاث العلمية في العالم العربي . بذلك تتفوق على العديد من الدول العظمى في عدد العلماء بالنسبة للمواطنين وفي كمية الأبحاث العلمية الهامة، لدرجة ان العلوم المتطورة في اسرائيل مطلوبة في دول عديدة ومنها دول كبرى، باتت تؤثر على مواقف الكثير من الدول من موضوع النزاع الفلسطيني اسرائيلي . بكلمات أخرى، هناك علاقة اندماجية بين السياسة والاقتصاد والرقي العلمي والتكنولوجي وواقع اللغة.

هذا ليس تحديا حضاريا فقط ، حتى احياء اللغة العبرية التي كانت ميتة قبل نصف قرن، أضحت اليوم  لغة علوم وتقنيات ومراكز أبحاث، مما يثبت ان الاقتصاد والعلوم يدفعون اللغة الى  التطور وملاءمتها للنشاط العلمي والتكنولوجي. العلماء في اسرائيل ومنهم علماء عرب بارزين، يكتبون ابحاثهم باللغة العبرية السهلة الاستعمال والسهلة جدا للترجمة منها واليها. هذا دليل صغير على ان التطور الاقتصادي والعلمي للعالم العربي سيحدث نقلة لغوية سيكون لها ابعد الأثر على الفكر العربي أيضا وعلى اللغة بالتأكيد. أضيف ان كل نقاشنا اليوم حول التجديد والتقليد في اللغة العربية هو محاولة لجس النبض والتفكير بالآتي ، في محاولة لاستباق الواقع، لجعل التحول اللغوي أكثر مرونة وقابلية للتجسد، لكن الأمر يحتاج الى نشر الوعي لأهمية اللغة في الانجاز الحضاري الحديث.. والأهم اصلاح جهاز التعليم العربي بناء على تجارب من سبقونا الى التقدم والتطور.

الانغلاق ستكون له اسقاطات سلبية قد تحول اللغة العربية الى لغة في طريق الاندثار ، تماما كما اندثرت لغة المسيح الآرامية، التي كانت في وقتها لغة مقدسة سائدة في شرقنا، لغة ابن الله حسب أهل كتاب "العهد الجديد" ومن المفروض انها لغة الأب الذي في السماء أيضا !!

أعرف ان كلماتي لن تستسيغها بعض الآذان، لا أطرحها لأني أقبلها، انما لإثارة التفكير الواقعي  بعيدا عن الغيبيات الايمانية المغلقة  وتسجيل رؤيتي ومخاوفي  من مصير اللغة العربية .

يقولون اني دائما عكس التيار، وأرد: فقط الأسماك الميتة تمشي مع التيار!!

اذن الموضوع يتعلق بالواقع الاقتصادي والعلمي والتعليمي ومستوى الجامعات وابحاثها والقضاء على الأمية ونشر التعليم بلغة عربية ميسرة متطورة، وجعلها لغة علوم وأبحاث وتقنيات، هذا ليس قرارا من فوق، بل تخطيطا للتطوير والنهضة الشاملة الاجتماعية والعلمية والتعليمية والاقتصادية، غيبته أنظمة الفساد والقمع، وآمل ان لا نواصل نومة أهل الكهف، حتى لا نستيقظ  على لغة فات اوان تسويقها لأصحابها أيضا.

لا شك ان اللغة العربية هي جزء من  الهوية القومية ، ولكن بوضعها البائس اليوم هي هم قومي.
هل ستصمد في عالم لا ينتظر الخاملين؟
هل سيساعد كونها "لغة مقدسة" في الحفاظ عليها من الاندثار؟ 

الا يعلم الواهمين بقداسة اللغة ان كل الأبحاث العربية العلمية الهامة يكتبها علماء العرب باللغات الأجنبية، أهمها لا ينشر في العالم العربي بسبب هجرة العقول العربية واندماج العلماء المهاجرين بالمجتمعات الحاضنة؟  

قديما قال ابن خلدون جملته العبقرية التي نعيش صحتها كل يوم:" لغة الأمة الغالبة غالبة ولغة الأمة المغلوبة مغلوبة". ما دمنا من الأمم المغلوبة امام التحديات في الشرق الأوسط ، تحت تحكم أنظمة فاسدة تهدم ولا تبني، تحديات في العلوم والاقتصاد والتحديث الحضاري.. فلن تكون لغتنا الا على شاكلة شعوبنا، لغة مغلوبة لشعوب مغلوبة.

حان الوقت لفهم جديد لدور اللغة وأهمية هذا الدور في نقل العالم العربي من واقع الفقر والأنظمة الفاسدة ، الى واقع التنوير والابداع الثقافي  بكل امتداده المادي والروحي!!
nabiloudeh@gmail.com

غزة .. الجرح النازف !/ شاكر فريد حسن

غزة تعني العزة والكرامة والقوة والعنفوان والجبروت ، وهذا ما تعكسه الأحداث وتجسده الحقائق والوقائع على الأرض ، في صمودها وتصديها ومقاومتها الباسلة للغزاة ، وفي ومواجهة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها حكام إسرائيل المتغطرسين والمدعومين من محراك الشر ، أمريكا ، رأس الأفعى . هذه الحرب الدموية البربرية الهمجية العدوانية ضد شعب اعزل ، التي سحقت الورد ، وطالت الشجر والحجر والبشر ، وغرست الموت الذي تفوح رائحته في كل حي وزقاق وشارع من أحياء وشوارع وأزقة غزة ، التي تحولت إلى كتلة من اللهب والدمار والخراب .
لقد دخلت هذه الحرب أسبوعها الثالث ، ورغم بشاعة وفظاعة المجازر الدموية في الشجاعية وبيت حانون وخزاعة وخان يونس وعبسان وغيرها من القرى والمخيمات والتجمعات والأحياء السكانية في القطاع ، وسقوط مئات الضحايا والشهداء وآلاف الجرحى والمصابين ، إلا أن غزة النازفة الأبية صامدة تحت نيران وأزيز المدافع والقصف الصاروخي ، تدفن شهداءها ، وتضمد جراحها ، وتنهض من جديد وتقاوم ، دفاعاً عن حرية والوطن والشعب والكرامة الوطنية المهدورة والغائبة ، وتكتب بدماء أبنائها ملحمة أسطورية من ملاحم النضال والثورة والمقاومة ، وتصنع تاريخاً جديداً لشعبنا ولأمتنا العربية .
أن ما يبعث على الألم والغضب والحيرة والتساؤل هو الصمت العالمي ، والصمت العربي الرسمي الذي يقابله صمت شعبي بعد ثلاثة سنوات من الربيع العربي ، إلا من مظاهرة هنا وهناك ، وتحرك في هذا البلد  أو ذاك . فالزعامات العربية وقيادات الجامعة العربية وأنظمة العهر والعار الذين عقدوا الاجتماعات المتواصلة وشكلوا اللجان وسلحوا الجماعات التكفيرية المتأسلمة والداعشية المتطرفة ودعموها بالمال لتدمير سورية وتفكيكها وتقسيمها ، فإنها تقف عاجزة اليوم عن الاجتماع واللقاء ونصرة غزة والوقوف مع شعبها ومساندته في التصدي ومقاومة العدوان الاحتلالي الغاشم ، بل هي شريكة فيه وجزء من المؤامرة الصهيونية الامبريالية الاستعمارية الرجعية ضد شعبنا وقضيته ، وضد قوى المقاومة الوطنية الفلسطينية بغرض الإجهاز عليها وسحقها ، وقهر الإرادة والعزيمة الغزاوية ، التي زادت عزة وكبرياء وشموخاً ، واغتيال ثقافة الرفض والمقاومة وأبجديات الثورة ، وتصفية القضية الفلسطينية ، وتكريس الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المغتصبة .
منذ اليوم الأول للعدوان راح جيش المحتلين يمطر شعب غزة بالموت عن طريق المدفعية والطائرات ، متبعاً سياسة الأرض المحروقة ، ووصلت عنجهيته إلى خرق جميع المواثيق الدولية والأعراف المتفق عليها دولياً في زمن الحروب ، من استهداف للمدنيين واقتراف المجازر بحقهم  واستخدام أسلحة محرمة دولياً ، وقاموا بقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس ودور العبادة وبيوت المدنيين العزل ، ولجأوا للحرب البرية بعد فشل عدوانهم الجوي ، ولكن لا القصف الجوي ، ولا الغزو البري حقق أهداف حكام إسرائيل بسحق وتصفية المقاومة الفلسطينية ، وكسر إرادة وعزيمة الشعب الغزي ، وأظهرت المعطيات والمشاهد من ارض المعركة أنه كلما اشتد القصف اشتد أوار ووتيرة المقاومة .
إن حكام إسرائيل ، ونتيجة غطرستهم وعنجهيتهم وكبريائهم واستبدادهم ، لم يتعلموا الدروس ، ولم يستخلصوا العبر من حملاتهم العسكرية وحروبهم السابقة ضد غزة ، ولم يدركوا حتى هذه اللحظة أنه لا يمكن سحق وتصفية المقاومة ومنع الصواريخ وتدمير الأنفاق بكاملها ، وان الحرب هي معركة خاسرة لن يستفيدوا منها سوى المزيد من نزيف الدم وقتل المدنيين وتكبد الخسائر في صفوف جيشهم وشل السياحة وانهيار الاقتصاد وزيادة الكراهية بين الشعبين . فالهدوء والأمن والرخاء والاستقرار لن يتحقق بالمدافع والدبابات والطائرات والبارود  ، وإنما يتحقق فقط بالحوار السياسي وتعزيز الثقة والتعايش السلمي وأغصان الزيتون والاعتراف بحق الشعب الآخر بالحياة والوجود والحرية والاستقلال ، وشعب يحتل شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً .
إن التعاطي المهادن الذي أبدته الأسرة والمجتمع الدولي تجاه هذه الحرب، والدعم السياسي الذي لاقته إسرائيل من أمريكا والدول الكبرى الأخرى لعدوانها الغاشم ، بناءً على حقها في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها ، يجب أن يتحول على ضغط عالمي وتحرك شعبي حقيقي واسع لإدانة المجازر ووقف العدوان حالاً ، وليس هدنة إنسانية ،  وحماية شعبنا الذي يواجه الموت والقصف والدمار ، وتقديم مجرمي الحرب الذين يقترفون المذابح اليومية البشعة بحق أبناء وأطفال شعبنا الفلسطيني ، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية .
فيا شعبي ، يا عود الند 
يا أغلى من روحي عندي 
لن نرضى عذاب الزنزانة 
وقيود الظلم وقضبانه 
ونقاس الجوع وحرمانه 
إلا لنفك وثاق القمر المصلوب 
ونعيد إليك الحق المسلوب 
ونطول الغد من ليل الأطماع 
                  (توفيق زياد) 

العباقرة : الأنانية تبسيطاً والفخر موضوعاً وهؤلاء شهوداً / كريم مرزة الأسدي

 ميخائيل نعيمة ، كعب بن زهير  ،الكميت  ، البحتري ، إيليا أبو ماضي  ، حافظ الشيرازي ، برناردشو ،  موتزارت  

التعقيب على ما فات من (الأنانية) : 
تعقيباً على الحلقة السابقة ، وأنانية عباقرة الشعر والفن، نلخص بتبسيط أنّهم أنانيون في عدم مبالاتهم بالآخرين - كأفراد - ، وإيثاريون نبلاء في تفانيهم على درب الإبداع الإنساني ، والحق أن العقاد والمازني والدكتور زكي مبارك  ومدرستهم نفوا الشاعرية عن شوقي تماماً حتى وفاته  ، لأنه غيري في شعره ، وعندهم - وأنا معهم ، ومن هنا فضلت الجواهري عليه كثيراً - أقول وعندهم الإنسان لا يستطيع مهما كانت عبقريته أن يعكس آلام الآخرين كما هي  ، وما يدور في وجدانهم ، هذا محال ، إلا تصنعاً وتكلفاً  ( النار ما تاذي إلا رجل واطيها ) ، والشاعر الذي يعكس همومه وخوالجه النفسية الذاتية ومعاناته يكون أصدق تعبيراً ، وأكثر جرأةً  من الغيري الموضوعي ، وهكذا فرض المتنبي العظيم  نفسه ، وذاع صيته ، وشغل الناس وملأ الدنيا ( يا أعدل الناس إلا في معاملتي ...، أيّ عظيم أتقي... وما الدهر إلا من رواة قصائدي .... عيدٌ بأيّة حالٍ عدت يا عيدُ) ، وأبو فراس و ( أراك عصي الدمع شيمتك الصبرٌ ) و (أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ..)... ، والجواهري في دجلة خيره وأخيه جعفر و أزح عن صدرك الزبدا ... ،  وذكرنا في الحلقة السابقة  ما ذهب إليه  الناقد الأنكليزي (ريتشاردز)  " إن الجودة في الآثار الأدبية ليس لها إلا قياس واحد هو القياس النفسي " ولكن أيضاً نكرر قول  دافيد ديتشر : إنّ " التعبير عن الذات في الفن لا قيمة له إلا إذا أضاء الفنان في التعبير عن نفسه بعض التجارب الإنسانية، أي يجسد تجربة ما مرتبطة بالتجربة العامة للناس وبالتالي ذات قيمه موضوعية " ، ويستطيع الشاعر العبقري شعورياً ولا شعورياً أن يوازن تماماً بين الحقائق الخارجية  والوجدان وهذا مما يطلق عليه بالمعادل الموضوعي .  ويرى إليوت يجب أن يذوب الذاتي بالموضوعي تماماً من حيث تجاربه وأحاسيسه وما يدور في خلجات نفسه ووجدانه هو ، لا انعكاساً لتجارب غيره ، يقول :"إن تقدم الفنان ما هو إلا دأ به على التضحية الذاتية أي دأبه على محو شخصيته"
الفخر وما أدراك ما الفخر ...!:
المهم الآن هذا هو الفخر أمامك ، وما الفخر إلاّ أحد مظاهر ( الأنانية) ، يظهر عند  بعض عامة الناس كعقدة النقص ، وإن الشعور بالنقص ، لا يتحول إلى عقدة ما لم يضف الإنسان إلى ( أناه)  إضافات زائفة ، فالأنا المضخمة تسعى إلى المفاهيم المتجمعة كالكبرياء والجاه والثروة ...إلخ لتقارن ذاتها بكلّ (أنا) أخرى وتكون مثلها ، الأمر الذي يشعرها بنقصها ( عقدة النقص) التي أشار إليها أدلر ، وعقدة العظمة التعويضية تضيف للفردية (وهي الأنا) إضافات كاذبة لكي تغطي الشعور بالنقص ، الأمر الذي يجعل الشعور بالنقص يتضخم ، وإن عقدة النقص  وعقدة العظمة أمراض نفسية ، أما الشخصية وهي متوازنة بشعورها ولا شعورها ، فأنها تضيف إلى ذاتها إضافات صحيحة ، وغير مجتمعة ، وغير زائفة ، ، وقوامها الوعي ، ، ومن هنا نرى العباقرة والشعراء والفنانين يفخرون بأعمالهم ، ويزهون بأنفسهم ، وبسطاء في سلوكهم ، ومتواضعين في حياتهم ، وينتبهون   لنبوغهم واتقاد ذهنهم إلى الخيط الرفيع بين الذل والتواضع ، وبدافع غريزي غير مصطنع.
وإذا كانت " النفوس مولعة بحب الثناء ، والناس متطلعون إلى الدنيا وأسبابها من جاه وثروة ، وليسوا في الأكثر براغبين في الفضائل ، ولا متنافسين في أهلها " ، كما يقول ابن خلدون في مقدمته ،  (33) ففخر العباقرة أو بالأحرى غرور الفنانين والشعراء صفة ملازمة لأغلبهم ،وهي انبثاق طبيعي لدى كلّ فنان مطبوع ، وقال شاعر الأمان غوته بإسلوبه اللاذع الساخر في إحدى رسائله " الإنسان أزهى الحيوانات كافة ، والشاعر أزهى بني الإنسان ."، وهذا ميشال أنجلو يزهو بفخر أمام تمثال موسى ، ويصرخ فيه : " تكلم أيها المخلوق"، وقد يفضي الفخر بالشاعر إلى اعتبار نفسه  نبياً، وما ينطق به مقدساً ، ، وإن كان قلّما يعني شيئاً بالنسبة للسامعين ، وهو الرأي الذي يتفق مع النظرة التي تعتبر الشاعر غير مسؤول نحو المجتمع على الإطلاق ، وإن واجبه الوحيد هو أن يسكب نتاج وحيه ، إن هذا الافتقار إلى المسؤولية نحو الجمهور إنما هو أحد أخطر نتائج الحركة الرومانسية ، وليس من السهل أن نكتشف إلى أي حدّ كانت نظرية ( الفن للفن) التي شاعت في نهاية القرن التاسع عشر وليدة عجز الفنان عن بلوغ المطلوب ، كما يقول دافيد ديتشر في ( الأدب والمجتمع) .(34)
فهذه  الهوة بين الشاعر والشاعر المطبوع يجب أن تردم بقوة العقل وحدوده ، فالفخر الأناني شذوذ لا يجري بين الناس جميعهم ، ولو هنالك بعض مريديه ، ولكن لا يسلم صاحبه من التشنيع ، ويفتح الأبواب للحقد والكراهية ، وإن كان من الصادقين المصدقين !!.
ميخائيل نعيمة:
تعالوا معي لنقرأ ماذا كتب جورج  كعدي عن ميخائيل نعيمة : " ميخائيل نعيمة نسيب لح لنا ، ولكنه أناني إلى آخر حدود الأنانية ، يعتقد أنه الكاتب الوحيد على هذه الأرض ، وأن على الناس أن يحملوا المباخر والمجامر تمجيداً له ، وتعظيماً لمقامه ، وهو لا يقرّ لأحد بالألمعية ، فطه حسين عنده كاتب سطحي ، وشوقي شاعر من حقّه أن تصفعه." (35) . صدق جورج كعدي بوصفه لميخائيل نعيمة كلّ الصدق ، ولكن اعترف جورج بنفسه على أنه يجهل نفسية الفنان المطبوع ، والشاعر الموهوب ، فالكلمة تصب في مصلحة ميخائيل لا ضده ، وإذا وقع نظر باحث في علم النفس ، وعارف بنفسية الشعراء الملهمين لعضّ على شفتيه ، وهزّ رأسه مبتسماً، وقال يا سبحان الله : وأليس هذا من طبع الشعراء ....!!
كعب بن زهير والكميت :
تعالوا معي هذه المرّة لنحتكم للتاريخ الأدبي،فهذا الأبشيهي يذكرفي( مستطرفه وفن مستظرفه)   : " كان كعب بن زهيرإذا أنشد شعراً ، قال لنفسه : أحسنت وجاوزت والله الإحسان ، فيُقال له : أتحلف على شعرك ؟!  فيقول نعم لأني أبصر به منكم .
وكان الكميت إذا قال قصيدة ، صنع له خطبة في الثناء عليها ، ويقول عند إنشادها أيّ علم بين
 جنبي ، وأيّلسان بين فكيّ ." (36)
    رجاء تأمل ملياً في قول كعب : " نعم لأني أبصر به منكم." وما نقلناه في الحلقة السابقة عن إليوت " ان نقد الكاتب لإنتاجه الخاص أعظم إنتاج في النقد" !!
البحتري :
ويذكر الأصفهاني  صاحب (الأغاني) : "  عن أبن جعفر جحظة ، قال حدثني أبو العنبس الصيمري ، كنت عند المتوكل وينشده :
عن أي ثغر تبتسم ***وبأي طرفٍ تحتكم ؟
قال وكان البحتري من أبغض الناس إنشاداً ، يتشادق ويتزاور في مشيه مرّة جانباً ، ومرّة القهقرى ، ويهزّ رأسه مرّة ، ومنكبيه أخرى ، ويشير بكمه ، ويقف عند كلّ بيت ، ويقول : أحسنت والله ، ما لا يحسن أحد أن يقول مثله متباهياً بشعره مفتخراً بنفسه" (37) ، ولا نريد تكملة الرواية على ما فيها من ظرافة مليحة ، ونكتة بديعة ، لأنها ليست من موضوعنا ، ولكن نكمل فخر البحتري  بقوله :
نطقتُ فاقحمتُ الأعادي ، ولم يكن *** ليقحمني جمهورهم حين أنطقُ
بكلّ معلاّة القــــــوافي كـــــأنها **** إذا أنشدتْ  في فيلق القوم يفلقُ
إيليا أبو ماضي :
سنرجع للعصر الحديث ، وعباقرة الشعر والفنون لا يقلل من سماتهم الموهوبة زمان أو مكان ،  فكما تكلمنا عن ميخائيل نعيمة سنجد الفخر نفسه عند إيليا أبي ماضي ، إنّ الباحث الأردني روكس بن زائد العزيزي قد خرج على الملأ عام 1954 م بقصة يقول فيها : إنّه أكتشف أن قصيدة الطين مسروقة المعاني سطا بها إيليا على قصيدة لشاعر بدوي مغمور يدعى علي  الرميثي - روينا القصة في حلقات السرقات الأدبية - ، فدافع إيليا عن قصيدته بعد أن هاجم العزيزي بألفاظ عنيفة قائلاً : "ينبغي لضفة الأردن الشرقية أن يخلقها الله غير بادية ، وفي غير مكانها حتى يصير من الممكن أن تخرج منها قصيدة خالدة على الدهر مثل قصيدة الطين التي ليس أخت ولا ضرّة في الشعر العربي كلّه قديمه وحديثه " .(38)
أمثلة مَنْ فخرَ مِن غير العرب موجزاً :
 حافظ الشيرازي   :    
  الدكتور عبد الله الخالدي في كتابه عن (حافظ الشيرازي ) الشاعر الفارسي الشهير يقول :  كان حافظ الشيرازي  كثير الاعتداد بشاعريته على طريقة المتنبي ، فيقول عن نفسه بشعره مفتخراً:
" نديديم خوشز أز شعر تو حافظ 
بقرآني كه أندر سينه داري "
أي أنني لم أجد من شعرك يا حافظ  ، وأقسم على ذلك بالقرآن الذي في صدرك ، ويعقب الدكتور عبد الله الخالدي بقوله : أشهد أن يمينه بات لا حنث فيها . ( 39)
  برناردشو :
 يذكر العقاد في كتابه عن برناردشو  ، قال له أحد محدثيه : إنني ليدهشني أن تبيح لنفسك تنقيح شكسبير ، وأنت لا تبيح لمخرج أفلامك أن يبدل ىكلمة واحدة من كلماتك ، فأجاب ( شو) ، : " هات لي امرءاً أعظم من (شو) ، وأنا أبيح له أن يبدل كلامي حتى لا أميزه إذا قرأته ..." (40)
  :موتزارت 
وإذا أختلفت وجهة الفن ، وعبقرية الفنان من الشعر والأدب إلى الموسيقى مثلاً ، فهذا ( موتزارت ) ( 1756 سالزبورغ - 1791 فينا) ، إذ لم يصدق أسقف مدينة سالزبورغ ما سمعه عن عبقريته حتى اختبره ، وإنّ السيمفونياترقم  38 ، 40 ، 42 ألفها بين حزيران وآب 1788، وحققت له قمة المجد ، وتفوق بها على جميع معاصريه بمن فيهم هايدن ، وعندما اجتمع مع هايدن في جلسة مع بعض الأصدقاءحين ساقهم التكلم عن البيانو ، فقال موتزارت : " إني أراهن أستاذي هايدن على أن أكتب لحناً يعجز عن عزفه طوال أيام حياته حتى بعد التمرين !! "
وعجز هايدن على كسب الرهان بعد أن كتب له موتزارت بعض النوتة الموسيقية ، علماً بأن هايدن كان من أكبر عباقرة العالم في فن الموسيقى . (41) 
وأخيراً ظاهرة الفخر الحقيقية  بالذات - وليست كعقدة نقص تضخيمية - تجدها تتجلى بوضوح لدى الشعراء والفنانين ، وفي الأدب العربي باب كامل للفخر منذ العصر الجاهلي حتى عصرنا الحديث ، وهذه قبسات مختصرة ، وأكتفينا بالإيجاز عن الإطالة والإطناب ، أما العلماء الذين اكتسبوا العلم عن طريق الدأب والدراسة المتواصلة غير مجبولين بالموهبة الفنية ، والإلهام الشعري ، يمتازون بالتواضع طبعاً أو تطبعاً ، ولكم مني التحيات الطيبات ، والختام سلام  !                

مصر التي نأمل أن تعود!/ صبحي غندور

بمقدار ما تألّم العرب من تهميش دور مصر العربي طيلة أربعة عقود، منذ توقيع المعاهدة مع إسرائيل، بقدر ما يشدّهم الآن الحنين إلى حقبةٍ ما زالت تذكرها أجيالٌ عربية كثيرة، وهي حقبة جمال عبد الناصر التي يصادف يوم 23 يوليو الذكرى 62 لقيام حركته الثورية، والتي غيّرت لعقدين من الزمن مصر والمنطقة العربية.
فلقد تميّزت حقبة ناصر بحالة معاكسة تماماً لما هي عليه الآن المنطقة العربية. وكانت التفاعلات السياسية والاجتماعية التي يُحدثها ناصر في مصر تترك آثاراً إيجابية كبيرة، ليس فقط داخل البلاد العربية، بل في عموم آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية. وكان ذلك يؤدّي إلى تعزيز دور مصر وقيمة تجربتها الثورية خارج حدودها. فقوّة ناصر كانت قي قدرته على تحريك الشارع العربي، وفي "رجع الصدى" لما يقوله ويفعله في كثيرٍ من بلدان العالم.
لقد أدرك جمال عبد الناصر دور مصر الريادي في التاريخ القديم والحديث، وبأنّ مصر لا يمكن أن تعيش منعزلة عن محيطها العربي وعمّا يحدث في جناحيْ الأمّة بالمشرق والمغرب، بينما مصر هي في موقع القلب، وبأنّ أمن مصر وتقدّمها يرتبطان بالتطوّرات التي تحدث حولها.
فلو ظهر جمال عبد الناصر في غير مصر لما استطاع أن يكون عظيماً بدوره، ولما كانت تجربته بالقيمة نفسها. فالعنصر الأهم في قيمة تجربة ناصر هو مكانها، أي مصر، وبما هي عليه مصر من موقع جغرافي يربط آسيا بإفريقيا، وشرق العرب بمغربهم، ولِما كان – وما يزال- لهذا الموقع من أهمّية استراتيجية لكلّ من أراد الهيمنة على عموم المنطقة.
فالاختلال بتوازن مصر وبدورها يعني اختلالاً في توازن الأمّة العربية كلّها، وهذا ما حصل فعلاً بعد وفاة ناصر عام 1970، وبعد معاهدة "كامب ديفيد" في العام 1979.
الأمّة العربية لا تتحدّث الآن عن حلم التوحّد والتكامل بين أقطارها، كما كان الأمر في فترة ناصر، بل هي تعيش الآن كابوس خطر تقسيم الأوطان على أسس إثنية وطائفية ومذهبية.
إنّ القدر لم يسمح لجمال عبد الناصر أن يعيش طويلاً وأن يحصد ثمرة إعادة بنائه للقوات المسلّحة المصرية وللمجتمع المصري عموماً عقب حرب العام 1967، إضافةً إلى سياسة التضامن العربي التي أرسى عبد الناصر في قمّة الخرطوم عام 1967 قواعدها، حيث دخلت المنطقة العربية كلّها آنذاك في مرحلة جديدة من التضامن العربي الجاد والفعّال لأجل تحرير الأراضي العربية المحتلة، ورفض تحقيق الشروط الإسرائيلية للسلام مع العرب.
إنّ لحظات التحوّل التاريخي في دور مصر بدأت حينما استثمر أنور السادات انتصار حرب 1973 ليقبل بما لم يقبله ناصر بعد هزيمة 1967، أي الصلح والاعتراف والمفاوضات مع إسرائيل، بشكلٍ منفرد ومستقل عن باقي الجبهات العربية وعن جوهر الصراع: القضية الفلسطينية، بل وبالتخلّي عن مسؤولية مصر عن قطاع غزّة. وارتضى السادات أن يكون الانسحاب من سيناء بشروط هو الثمن لتحويل مجرى الدور المصري في المنطقة العربية (والعالم الثالث) من موقع القيادة إلى حال "السلامة عن طريق الانعزال"، وهي الجملة التي كان عبد الناصر يردّد، في معظم خطبه بعد حرب 1967، رفضه لها.
هاهي الأمَّة العربية الآن تعاني من انعدام التضامن العربي ومن الانقسامات والصراعات، ومن هشاشة البناء الداخلي، ممّا سهّل ويسهّل الهيمنة الخارجية على بعض أوطانها، ودفع بالوضع العربي كلّه نحو مزيدٍ من التشرذم والتخلّف والسيطرة الأجنبية، وممّا همّش أيضاً الصراع العربي/الصهيوني والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
أليس عيباً الآن اعتبار أو رؤية ما فعلته وتفعله إسرائيل ضدّ الفلسطينيين في غزَّة وكأنّه "ردّة فعل"؟! أو التعامل مع العدوان والحصار على غزّة (كما كان العدوان على لبنان صيف العام 2006 ثمّ على غزّة في العامين 2008 و2012) وكأنّه صراع إسرائيل مع فصيل فلسطيني (أو لبناني)؟! 
فهل أصبح الصراع العربي/الصهيوني مختزَلاً إلى هذا المستوى الرديء من التوصيف بعدما جرى اختزاله أولاً بالقول إنّه الآن "صراع فلسطيني/إسرائيلي"، ممّا برّر نفض أيدي بعض العرب من مسؤولياتهم الوطنية والقومية والدينية؟!.
الأمَّة العربية تحصد الآن نتائج سياسات حكّامٍ فاسدين في ظل اشتعال دور الطائفيين والمذهبيين والمتطرّفين الإرهابيين العاملين على تقطيع أوصال كلّ بلد عربي لصالح مشاريع أجنبية وصهيونية. 
فالبلاد العربية تخشى اليوم على نفسها من نفسها أكثر ممّا يجب أن تخشاه من المحتلّين لبعض أرضها، أو من الساعين إلى السيطرة على ثرواتها ومقدّراتها.
ولقد أصبحت "الوطنية" في معظم البلاد العربية سلاحٌ يُستخدَم فقط ضدّ العرب الآخرين، وأضحى الحديث عن "العروبة" يتمّ اللجوء إليه فقط بالمواجهة مع دول إسلامية غير عربية!
أمَّا في داخل الأوطان العربية، فالأمراض الطائفية تزداد انتشاراً والناس ينقسمون على أسس دينية ومذهبية وإثنية، لا على معايير اجتماعية وسياسية وفكرية، كما هي عادةً الظاهرة الصحّية بالمجتمعات الحديثة.
فلا انفصال أبداً بين ما هو قائم من حروب أهلية، وما تعيشه الأمَّة العربية من انقسامات طائفية وإثنية، وتفكّك في وحدة الكيانات، وبين ما هو حاصل من تخلٍّ عن مسؤوليات قومية ووطنية تجاه الصراع العربي/الصهيوني، ومن تسهيل لمزيدٍ من التدخّل الأجنبي. 
إنَّ التجربة الناصرية أصبحت الآن ملكاً للتاريخ، لها ما لها وعليها ما عليها، لكن العروبة كهُويّة انتماء مشترك، كانت قبل عبد الناصر وستبقى بعده رغم كلّ ما يجري الآن من مظاهر التخلّي عنها، فالعروبة بمضامينها الحضارية قادرة على النهوض من جديد إذا ما توفّرت لها القيادات السليمة، وإذا ما ارتبطت الدعوة للعروبة بالبناء الدستوري السليم.
حبّذا لو يتمّ كسر القوالب المتحجّرة، ولو تُنزَع اللصقات الحزبية والأيديولوجية عن كثير من الغايات النبيلة والتجارب المخلصة، وأن يتمّ وضع قواسم فكرية مشتركة لما تحتاجه الأمّة الآن من عناصر لنهضة عربية جديدة، وأن يتمّ استخلاص الدروس والعبر من تجارب الماضي، بإيجابياتها وسلبياتها، وفيها – كما هو حال التجربة الناصرية- الكثير من الغايات النبيلة والسيرة النزيهة لتجربة اجتهدت وجاهدت كثيراً من أجل خدمة مصر والعرب كلّهم.
العرب يأملون الآن بعودة مصر التي عرفها العرب في منتصف القرن العشرين، والتي كانت تقود نفسها وجوارها العربي والإفريقي والآسيوي في معارك التحرّر الوطني من قوى الهيمنة الأجنبية، وفي المواجهة مع إسرائيل.
العرب يأملون الآن بعودة مصر التي كان أزهرها الشريف ينشر تعاليم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف في كلّ أنحاء العالم بعيداً عن التطرّف والتعصّب وجهل الفتاوى.
العرب يأملون الآن بعودة مصر التي كانت في مقدّمة دول المنطقة والرائدة لقضاياها القومية والوطنية، والحاضنة لصيغ ومؤسسات العمل العربي المشترك، والفاعلة الأولى في قرارات جامعة الدول العربية.
لقد حاول البعض "التنظير" لثورة 25 يناير 2011 بأنّها ثورةٌ أيضاً على ثورة 23 يوليو، وبأنّها كانت ثورة من أجل الديمقراطية ضدّ استبداد النظام السابق وفساده، وليست ثورةً أيضاً على سياسة التبعيّة والعلاقات مع إسرائيل، والتي قزّمت دور مصر الطليعي في عموم المنطقة، وأضعفت مصر نفسها بعد أن قيّدتها منذ نهاية عقد سبعينات القرن الماضي بأغلال المعاهدات.
وتتعدّد التحليلات بشأن ما يحدث الآن في مصر، ويختلف الكثير من المصريين والعرب حول توصيف طبيعة نظام الحكم الحالي فيها، لكن يصّح القول بأنّ مصر تعيش الآن حقبة "الجمهورية الرابعة"، والتي جاءت بعد "جمهورية ناصر" أولاً، ثم "جمهورية السادات- مبارك"، ثم "جمهورية حكم حركة الأخوان". وهاهي المنطقة الآن تعيش مرحلةً جديدة من الصراعات، ومن الاستقطابات الدولية/الإقليمية، في ظلّ غيابٍ متواصل لمشروعٍ عربيٍّ مشترَك، ولإرادةٍ عربية مشترَكة، وهو أمرٌ ينتظر وضوح التحوّل السياسي الذي يجري الآن في مصر.
21-7-2014
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن.
Sobhi@alhewar.com

الورقة المصرية استنساخ لاتفاق الهدنة/ د. مصطفى يوسف اللداوي

كأن التاريخ يعيد نفسه من جديد، على الأرض نفسها، وللأسباب ذاتها، وبين الفرقاء والأطراف أنفسهم، وبنفس الوسطاء الدوليين، وتحت مظلة الأمم المتحدة مرةً أخرى، وبرعاية ومباركة أمينها العام، لكنه يعيد نفسه بصورةٍ أقسى وأشد، وأكثر إيلاماً وأبلغ وجعاً، إذ فيه استخفافٌ بالفلسطينيين واستفرادٌ بهم، وتخلي عنهم، ومحاولة لخديعتهم والتغرير بهم، وجرهم إلى اتفاقٍ مذل، ومعاهدة مخزية، تضيع الحقوق، وتفرط في التضحيات، وتثبت وقائع جديدة، وكأن العرب لا يتعلمون من ماضيهم، ولا يقرأون تاريخهم، ولا يستفيدون من خيباتهم، ولا يعون الدروس التي مروا بها وآباؤهم، فيقعون في ذات الأخطاء، ويسقطون في نفس المزالق.
في العام 1948، وبعد أن احتلت العصابات الصهيونية مساحاتٍ كبيرة من أرض فلسطين التاريخية، وسيطرت عليها بقوة السلاح، وطردت مئات آلاف الفلسطينيين من أرضهم وبلداتهم، واستولت على مساكنهم وبيوتهم، وحلت فيها مكانهم، كانت الجهود الدولية كلها منصبة باتجاه وقف إطلاق النار فقط، وتأمين القوات العسكرية الصهيونية، التي كانت تحتاج إلى الهدنة لتثبيت نفسها، دون المطالبة بخروجها من البلدات التي احتلتها، وتخليها عما استولت عليه من أراضٍ بقوة السلاح.
كانت المفاوضات تجري بين العصابات الصهيونية والدول العربية بواسطة الأمم المتحدة، لكنها كانت برغبةٍ إسرائيلية، لحاجتها إلى التهدئة، وأهميتها بالنسبة لها في ذلك الوقت، لتثبيت وقفٍ فوري لإطلاق النار، على أن يتبعه مفاوضات مفتوحة بين الطرفين، للتفاهم على الأوضاع المستجدة، والتوصل إلى حلولٍ مشتركة. 
لم تكن هناك نقاط متفق عليها للحوار، ولم تفرض شروط مسبقة كعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل مايو/آيار من العام 1948، ولم تكن هناك آلية لعودة مئات آلاف اللاجئين إلى بيوتهم وقراهم، بل ركزت المفاوضات على الحفاظ على الأوضاع الراهنة المستجدة، والتي تعني اقتطاع 70% من أرض فلسطين التاريخية، وبقاءها تحت السيادة الإسرائيلية، إلى حين إجراء مفاوضات بين الفرقاء لتحديد الصورة المستقبلية والدائمة للأرض والسكان، وتركت هذه القضايا الأساسية للضمير الدولي والنوايا الإسرائيلية، التي كانت مبيتةً ومحسومةً لدى الطرفين معاً، بأنه لا عودة إلى الوراء، ولا تراجع عن المكتسبات.
وهكذا كانت الهدنة الأممية الأولى التي أنهت الحرب، وأوقفت إطلاق النار، وفرقت العرب إلى اتفاقياتٍ مستقلة، في رودس ورأس الناقورة، الخطوة الأولى نحو تأسيس الكيان الصهيوني، وتكريس واقع الاغتصاب، إذ أصبحت الهدنة الطويلة الأمد هي الأساس، واعتبرت أي محاولة لاستعادة الحقوق، والعودة إلى الأرض، وإعادة السكان، بمثابة خرق لاتفاق إطلاق النار، وتهديد للهدنة القائمة بين الفريقين، وبدلاً من أن تقوم الأمم المتحدة بضمان استعادة العرب لحقوقهم، قامت برعاية اتفاقيات ضمان منع الاعتداء العربي على دولة الكيان الصهيوني الجديدة، وما زال العرب إلى الآن يحتكمون إلى اتفاقيات الهدنة، التي أصبحت القاعدة القانونية والمرجعية الدولية لأي خلافٍ أو نزاعٍ بين الطرفين.
إنه الحال نفسه يتكرر، فالعدو الصهيوني يريد وقفاً لإطلاق النار، وإنهاءً لحالة الحرب القائمة، وفق هدنةٍ طويلة، ترعاها الأمم المتحدة، على أساس نزع سلاح المقاومة، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، ليأمن العدو الصهيوني هذه الجبهة، ويتفرغ للعمل الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، ويبدو أن الأنظمة العربية التي وافقت على الهدنة القديمة، وفرضتها على جيوشها بالقوة، هي نفسها اليوم التي تريد أن تفرض الهدنة الجديدة، بالشروط الإسرائيلية، والضمانات والكفالات الدولية التي كانت، والتي أشرفت على رعاية تأسيس الكيان وضمان استمراره آمناً مطمئناً. 
لا أدعي أن الفلسطينيين في قطاع غزة، أنهم ليسوا في حاجةٍ إلى تهدئة تعيدهم إلى الحياة، وتمكنهم من التقاط أنفاسهم، وأخذ قسطٍ من الراحة لنفوسهم وأجسادهم، التي أنهكتها الحرب، ومزقتها القذائف، وهدنةٍ تمكنهم من استعادة بناء ما دمره العدوان، بل هم في حاجةٍ ماسةٍ لها، ليستجموا عن عناء الحرب المتواصلة، وليتفرغوا لدفن شهدائهم، وتضميد جراحهم، وإزاحة الركام وإبعاد الردم الذي ملأ شوارعهم، بعد أن دمر بيوتهم ومساكنهم ومساجدهم، ليباشروا حياتهم المجهدة من جديد، ومواصلة عملهم المعدوم مرةً أخرى.
لكن الفلسطينيين الذين كوتهم الهدنة الأولى، ودمرت حلمهم القديم في دولتهم ووطنهم، لا يريدون أن تكون الهدنة الجديدة على حسابهم، ولا أن تكون التهدئة لصالح عدوهم، إذ لا يقبل عاقلٌ أن يتوقف عن مقاومة من قتل أهله، ودمر بيته، واعتقل إخوانه، في الوقت الذي يتهيأ فيه لمعركةٍ أخرى، يكرر فيها ذات الجرائم، ضد نفس السكان والمناطق.
فحتى تكون التهدئة منطقية ومقبولة، وتكون مخالفة لاتفاقية الهدنة لعام 48، ينبغي أن تطرح كل الملفات على الطاولة، وأن يتم الحوار حولها مرةً واحدة، وأن تتخذ القرارات المتعلقة بها مسبقاً، ليعرف الفلسطينيون مآل تضحياتهم، ونتيجة صمودهم، وإلا فإن العدو ماكرٌ خبيث، لا يؤمن جانبه، ولا يصدق كلامه، ولا ثقة في وعوده وتعهداته، والمجتمع الدولي كاذبٌ ومخادع، لا يعدل ولا ينصف، ولا يناصر الحق، ولا يقف مع المظلوم، بل عودتنا سيرته أن يكون دوماً مع العدو الظالم ضد الفلسطينيين وهم الضحية، وعلى الأنظمة العربية أن تعي ماضيها، وأن تتعلم من تاريخها، وأن تكون نصيرةً لأهلها، وعوناً لأمتها، لا أن تكون بيد العدو سيفاً يقتل، وسكيناً تقطع، وخنجراً يطعن.
الأربعاء 14:20 الموافق 23/7/2014 (اليوم السابع عشر للعدوان)
**
مجمع دار الشفاء وثلاجة الموتى في غزة
لعله من أكثر الأسماء تداولاً وذكراً في قطاع غزة، فلا يكاد يخلو يومٌ دون أن يأتي الناس على ذكره، أو يُدخلون إليه مريضاً أو يخرجون منه آخر، أو يقومون بزيارة مريضٍ فيه أو عيادة جريحٍ أو مصاب دخل إليه، أو يتصلون به ويستفسرون من إدارته، وتكاد بوابته الخارجية لا تخلو من سيارات الإسعاف الداخلة إليه أو الخارجة منه، تحمل المرضى والمصابين، والمسنين ومن هم في حالةٍ حرجة، في حركةٍ دائبةٍ لا تتوقف، ونشاطٍ لافتٍ لا يفتر.
أما باحاته الداخلية وأفنيته العامة، وحدائقه الصغيرة المتفرقة، وأماكن الجلوس المعدودة، ففيها مئات الناس ينتظرون بلهفةٍ، ويجلسون بقلق، أو يمشون ذهاباً وإياباً، يشعلون سيجارة، أو يضعون أيديهم معقودةً خلف ظهورهم، وآخرون يجلسون صامتين أو يبكون، يقرأون القرآن أو يدعون، يتحدثون بصمت، أو يتهامسون بخوف، وكلهم ينتظر خبراً أو يترقب نبأً، سلامةً أو وفاةً، شفاءً أو موتاً.
ما من فلسطيني في قطاع غزة إلا ويعرف مجمع دار الشفاء بغزة، ويعرف أقسامه وعنابره، وساحاته وباحاته، ومداخله ومخارجه، وأطباءه وممرضيه، وإدارييه والعاملين فيه، لا أقول إنهم يحبون هذا المكان ويعشقونه، وأنهم يقدرونه ويبجلونه، وأنهم يحنون إليه ويشتاقون إلى زيارته، بل إن أكثرهم له كارهون، ومنه ينفرون، وعنه يبتعدون، وبالله من أيامه ولياليه يستعيذون، ويسألون الله ألا يدخلوه يوماً مرضى أو زائرين، فهم لا يستبشرون بهذا المكان، ولا يشعرون فيه بالراحة والرضا والاطمئنان.
إنه مجمع دار الشفاء الجديد، وهو نفسه مستشفى الشفاء القديم الكائن في وسط غرب مدينة غزة، تغير الاسم وبقي المبنى، وتبدل الشكل وحافظ المستشفى على دوره ووظيفته، وأبقى على أطبائه والعاملين فيه، وما زال هو المستشفى الأكبر والأضخم في قطاع غزة، الذي يؤمه أغلب المرضى، ويدخل إليه أغلب المصابين، ولكن مساحته تضاعفت، وأقسامه تعددت، وتخصصاته كثرت، وزاد عدد العاملين فيه، وأصبحت أسرته أكثر، وبات يتسع لمرضى أكثر.
إلا أنه يبقى دوماً في حاجةٍ إلى المزيد، وينقصه الكثير، ويلزمه تطويرٌ دائم، وتوسعة مطردة، وميزانياتٌ أكبر، واهتمامٌ أوسع، ذلك أنه المستشفى الأكبر في قطاع غزة، بل إنه المستشفى الأم، والمرجع الأهم، الذي تلجأ إليه كل المستشفيات ومراكز الاستشفاء الأخرى، التي لا تستغني عنه، ولا تستطيع العمل دون التعامل معه، أو الاستفادة من قدراته وطاقاته.
تتجلى قدرات مستشفى دار الشفاء بقوةٍ في ظل الأحداث والحروب، وخلال المعارك والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، حيث يكون المستشفى حينها موئل المصابين، وسجل الجرحى والشهداء، وفيه تتم الإحصائيات، وتصدر التقارير، وتدون البيانات، وعلى بواباته تعقد المؤتمرات، ويتجمع الصحفيون، وفيها يكشفون عن حجم الجرائم، وعمق الاعتداءات، وحال الإصابات، وعدد الجرحى والشهداء.
ولعله الجهة الرسمية المتخصصة في بيان حجم الجرائم الإسرائيلية، وفضح الأسلحة المحرمة التي يستخدمونها، وكشف حقيقة الغازات الكيميائية والسامة التي يحاربون بها الفلسطينيين، وهو المستشفى الذي كشف عن جريمة استخدام الإسرائيليين لقذائف تحوي مادة الفوسفور السامة، التي أدت إلى حالات استشهادٍ عديدة، وتسببت في أمراضٍ مستعصية، ومظاهر مرضية قاسية، طالت الأطفال والنساء والشيوخ، في الوقت الذي يصعب فيه في المستشفى تشخيص هذه الحالات، أو تقديم العلاج المناسب لها، لعدم توفر الأدوية الخاصة بمثل هذه الأسلحة المحرمة دولياً.
مستشفى دار الشفاء بغزة، وإن كان مكاناً غير محبوبٍ لدى الناس، ولا يتمنون دخوله، لما فيه من حالاتٍ مأساويةٍ قاسية، تتفطر لها القلوب، وتدمي لهولها العيون، إلا أن المواطنين في غزة يتطلعون إلى تطوير هذا المستشفى ودعمه، وتقديم المساعدات له، فهو في نهاية الأمر يخفف عن المرضى، ويقدم العلاج للمصابين، وإن كان أحياناً يحتفظ في ثلاجاته بأجساد الموتى والشهداء.
لم ينجُ مستشفى الشفاء من عمليات القصف الإسرائيلية الوحشية، إذ طالت صواريخه أكثر من قسمٍ فيه، فعرضت حياة المرضى للخطر، ودمرت محتويات الأقسام، وخربت الأجهزة والأسرة والفراش، وقطعت عنه الكهرباء، وهو ما ينعكس كثيراً على حالة المرضى، خاصة الذين يخضعون للعناية المركزية، أو الأطفال الخدج حديثي الولادة، أو الذين يلزمهم غسيل كلى، كما يؤدي قطع الكهرباء عن أقسام المستشفى، إلى توقف العمليات الجراحية، لتعذر إجرائها بدون الأجهزة الطبية والإليكترونية المساعدة، الأمر الذي يزيد من حجم الأزمات والعقبات التي يواجهها المستشفى.
كثيرون هم الأطباء العرب والدوليون الذين زاروا مستشفى دار الشفاء، وتعرفوا عليه وعلى أقسامه، وعرفوا مشاكله وأدركوا تحدياته، وعلموا بحاجاته وضرورياته، وبعضهم قد تطوع فيه واشتغل، وأجرى عملياتٍ جراحية، وتابع حالاتٍ مرضية، خاصة أثناء الحروب وفي ظل الحصار، ما جعلهم يرفعون الصوت عالياً مطالبين برفع الحصار عن قطاع غزة، ووقف الحرب المعلنة عليه، داعين المجتمع الدولي لزيارة مستشفى الشفاء للشهادة على حجم الجريمة النكراء التي يرتكبها الإسرائيليون ضد سكان قطاع غزة.
مستشفى دار الشفاء وإن كان ممقوتاً لما يتركه من آثارٍ نفسيةٍ على الناس في القطاع، الذين يرون فيه بوابةً للموت، ومعبراً للانتقال إلى الحياة الآخرة، إلا أن هذا المستشفى يقوم بدورٍ عظيمٍ في مساعدة المواطنين والتخفيف عنهم، وإنقاذهم ونجدتهم، وإسعافهم ونقلهم، إذ لا يتأخرون عن النجدة، ولا يمتنعون عن المساعدة، بل تهب سياراتهم المعدودة، ذات الإمكانيات المحدودة، تلبي كل دعوة، وتستجيب لكل نداء، وتصل إلى أكثر المناطق صعوبة، وأشدها خطورة، ليسعفوا مصاباً، أو ينقلوا جريجاً، أو يجمعوا أشلاء شهيد.
كثيرٌ من المسعفين والممرضين وسائقي سيارات الإسعاف، قد أصابهم ما أصاب شعبهم، فطالتهم القذائف، ونالت منهم الصواريخ، فاستشهد العديد منهم أثناء محاولاتهم الإنقاذ، أو خلال عمليات الإسعاف، أو بينما هم في طريق ذهابهم أو عودتهم، إذ لا يفرق العدو بين مصابٍ ومسعفٍ، وبين شهيدٍ وطبيب.
يبقى مستشفى الشفاء سجلاً للشهداء ناصعاً، وصرحاً مقاوماً، وقلعةً صامدة، وثكنةً يجمع فيها مقاتلين ومناضلين شرفاء، أطباء وممرضين وعاملين، يضحون بحياتهم من أجل غيرهم، ويفرطون بأنفسهم ليحيا سواهم، يكرمون الشهداء، ويتفانون في خدمة وإسعاف المرضى والمصابين، رغم قلة الحيلة، والعجز الشديد، والقصف الذي يستهدفهم، والصاروخ الذي يلاحقهم، والعدو الخبيث الذي يمكر بهم، ويتربص بسيارتهم، ولا يهمه أن يقتلهم ومن معهم.
الأربعاء 03:30 الموافق 23/7/2014 ( اليوم السابع عشر للعدوان)
**


الزَمنُ الأخير../ د. خالد الأسمر

في الزمن الذي يلي الفاجعة،
تحرق كل الكتب المقدسة،
تدنس البرابره كل المدائن،
يخيم صمت رهيب 
على العقول والأفئدة.

في الزمن الذي يلي الخيبة،
تتلى آيات الفتنة والفراق،
وتخبو اصوات العقلاء،
تصحو الأشجان على
الأغصان المتكسرة.
تخمد لهفة المحبة،
تسطع شمس الكراهية
في ساحات الوغى.

في الزمن الذي يلي النكسة،
يغزل الغزاة غذاء المرارة،
يحيك المارقون ثوب الخذلان،
يُلقى المسالمون في بئر عميق،
يحل الغضب وتهاليل الظلام
على وجوه الأطفال والنساك.

في الزمن الذي يلي الزمن الأخير،
القلوب في الحناجر واجفة،
الدموع  في المقالي جفت،
الشمس شاردة والشقاق قام
يبشر بعودة حروب الردة.

في الزمن الذي لا تنفع فيه
الشفاعة، شاعت الخرافات،
وقلَ من يرد اليك الود،
قلَ من يرميك بوردة،
قلَ من يرد عليك السلام.

قدّيساتٌ... تحتَ المجهول/ كريم عبدالله

عطرُ الأزقّةِ بأذيالِ فاطمة ../ وعلى حافةِ الأسوار ../ تشهقُ عائشة ...
تجلسُ القرفصاء مريمانا ../ تلمُّ ندى الذكريات ../ والتصاوير ../ منقوشةٌ تحتَ رمادِ الخوف
تنثقبُ عباءةُ السماءِ ../ تتكوّمُ زرائب التتار ../ والمساميرُ تبحثُ عنْ نعشٍ
على حبلٍ مفجوعٍ ../ تظلُّ الرسائل باهتة ../ والعناوينَ حارات تلطّختْ ....
تغزلُ أحزانها فاطمة .../ ترتدي ثوبَ الحطام مريمانا .../ وخلفَ الرصاص تذبلُ عائشة
كبدُ الشمسِ مطعونٌ ../ فوقَ راحةٍ مقطوعةٍ ../ وحقائبُ الرحيلِ لا تبوح باسرارها
كيفَ تتشاورُ الأحقادَ ../ وتسلّمُ الأرواحَ ../ ومجونَ ألأفاعي .../ ترقصُ فوقَ الصليب ...؟ !
هلْ ماتَ في دفاترنا محمدٌ .../ وهل غابَ فينا المسيح ... ؟ !
لماذا سريرُ الوجعِ أبكمٌ ../ تتقاذفهُ أسنّة مواسم المخادعة ..؟ !
منْ يمشّطُ جدائلُ الأزهارَ ../ تحتَ شرفاتٍ مشقّقة ...
اذا كانت الوحشة ../ تزدردُ معابدَ الأحلام ../ والشهقات مثقلاتٌ بالفَقْدِ
وبينَ أفخاذِ الخيانةِ ../ منكفيءٌ على حزنهِ هذا الليل ...
وألأيام تقضمُ سريرَ قوسَ قزحٍ بلا ألوان .. ؟؟



خواطر واحلام (الوطن الحلم)/ سركيس كرم

لبنان..ذلك الوطن البعيد الساكن في حضورنا..في أشواقنا..في فرحنا ودموعنا.. لبنان..ذلك السحر المتمسك بكل جوارح انسانيتنا.. المسؤول عن رحيلنا..عن حيرتنا.. وفي الوقت عينه عن عودتنا الموعودة في كل لحظة وفي أي حالة.. 
نزعل منه..من فوضويته.. من عشوائيته..ثم تأخذنا عفويته الى "وطن" لا يشبه الأوطان..فننسى سريعاً لماذا زعلنا..ونبدأ من جديد..
نزوره لأيام.. فتترسخ فينا شقفة صخر من عمر الدهر..حبة تراب..نفحة من عبق البخور.. نتعلق فيه أكثر.. وليس بيدنا حيلة..
لبنان..غادرناه..ربما يأساً..ربما عوزاً.. ربما طموحاً..وتمر السنوات.. كبرنا..وما من ثروة في العالم تفوقت على بساطته..حنينه..طيبة ناسه...
غادرناه ..من قال..كيف لنا ان نغادر قلوبنا.. انه لبنان.. وكفى..
*****
من البديهي ان تتشابه الأفكار في ما يعرف بتوارد الأفكار.. لكن شتان بين التوارد و"الإستنساخ".. من حيث انه في "الإستنساخ" السلبي الجاف لا يستعين المرء بأفكاره ولا بأسلوبه الفكري واللغوي، اما في "الإستنساخ" الإيجابي الخلاق بما في ذلك عند "أستنساخ" الحدث التاريخي الذي لا بد من "إستنساخه" الى حد ما من مراجع سابقة كونه واقعة حدثت في الماضي لها وقتها وتفاصيلها وأبطالها، فيعمل الكاتب على جعل قلمه "يستنسخ" أفكاره وهنا تكمن جمالية الإبداع في رسم الصور المتنوعة الجذابة والمتألقة شعرًا وأدباً..
*****
لا تصدر الأحكام على الغير في حالة من الغضب او الغيرة او التعصب.. لأنها قد تنقلب عليك بقساوة عندما تعود وتبلغ حالة من الهدوء والوعي والتأمل وإدراك الحقائق...
*****
الحلم..فكرة ..سكرة..يقظة..
الحلم.. رحلة..صرخة ..رؤية..
أنه الأنا السارحة في عالم الخيال الذي تقبض عليه فجأة مادية اليقظة..
أنه الحرية الاسطورية التي تمزق الإطار الجامد لتعود وتقع أسيرة الفكرة ..رهينة المنطق..
ويبقى الحلم..تلك الأمنية المنبثقة من الأمل.. من الخوف.. من الطمأنينة..من تناقض الأفكار..
فلنحلم الى ان تحين لحظة الإنتقال الى حيث الحلم هو الواقع.. هو الأزل..
*****
اللي ما عندو شي يخسرو.. عندو شي يعطيه يا ترى..
*****
ما حدا في ياخد منك شي أنتي ما بدك تتنازل عنو..
*****
انت الوحيد القادر على حماية إرادتك..
*****
الإرادة.. حصننا المنيع.. وعلى أبوابها تسقط رغبات الشهوة..
*****
ما من أحد إلا ويحب نفسه ولو بدرجات متفاوتة، لكن من يعشق نفسه حتى حدود التأليه وينغرم بذاته حتى العبادة يفقد صلته بعالم الواقع الذي يحيا فيه "البسطاء"..
*****
كيف لنا ان نحمي أنفسنا خارج نعمة الرب وبركته..
*****
الموهبة يمنحها الرب.. فإما ان ينميّها المرء وينمو معها او انها تذهب سدى مع مرور الأيام..

رئيس الجمهورية ماروني بالتأكيد ولكن،،،/ وليد قاطرجي

 ما من مراقب إلا ويقر بشغف المسيحيين بموقع رئاسة الجمهورية مع ملاحظة عجزهم في ايصال اي شخصية مارونية الى قصر بعبدا مهما كان وزنها او حتى امكانية تسميتها.  فموضوع رئاسة الجمهورية كان دائما موضع خلاف مسيحي مسيحي - ومسيحي اسلامي قبل توقيع اتفاقية الطائف، وقد اصبح وصول الرئيس الى قصر بعبدا بعد الطائف مائة بالمائة بأيدي المسلمين حصريا، وحق مشروع تملكه كتلهم البرلمانية كما يعتقدون والتي تضم في صفوفها بعض الشخصيات المسيحية الموجودة في مناطق نفوذها، وغالبا ما يتبنى هؤلاء مواقف هذه الكتل.
هذه الحقيقة بالتأكيد مؤلمة وتزعج معظم المسيحيين خصوصا المرجعيات السياسية والدينية المؤيدة لهذه الجهة او تلك، ويظهر ذلك جليا من خلال عجزهما في تبرير هذا الاخفاق للمجتمع المسيحي الذي يعاني من المزيد من الاحباط والانكفاء عن المشاركة في قلب المعادلات الظالمة التي تصادر موقع رئاسة الجمهورية وتمنع وصول رئيس ماروني ذات حيثية شعبية وتمثيلية بحجم الرئيس العماد ميشال عون الذي يملك مشروعا وطنبا متكاملا يجمع اللبنانيون حوله بمختلف مكوناتهم تحت سقف السيادة والعدالة والنهوض بالمواطن اللبناني نحو المستقبل وبناء الدولة ومحاربة الفساد وتفعيل عمل المؤسسات والدفاع عن مكتسبات المرحلة الماضية على اختلافها.
والسذاجة هي ان بعض المسيحيين يعتقدون بان اتفاقية الطائف حققت لهم المناصفة مع المسلمين على الرغم من اختلال المعادلة العددية التي تصب في مصلحة شريك الوطن الآخر، وبانهم وضعوا حدا نهائيا لطموح المسلميين بالوصول الى رئاسة الجمهورية والتخلص من هذا الطرح المتكرر عند كل معضلة تنشأ بين مكونات الوطن بشقيه المسيحي والمسلم. وبذلك فان اهم منجزات هذه الاتفاقية كما يتداولون في مجالسهم هو القضاء على الشبح الذي طاردهم عقودا من الزمن (الا وهو امكانية وصول رئيس مسلم الى رئاسة الجمهورية)، وهذا ما يتجاهرون به بالسر والعلن يمينا ويسارا، على الرغم من قناعتهم بأنهم عاجزون عن ايصال احد الموارنة وفتح باب قصر بعبدا له ليكون رئيسا للجمهورية من دون الرضى الكامل للمسلمين عليه.
 وهنا مربط الفرص وعقدة تأمين النصاب في المجلس النيابي وفخ نيل ثلثي الاصوات التي تمتلكها الكتل المهيمنة المذكورة وإجراءها لما يسمى المشاورات النيابية الملزمة التي تتحكم بتسمية رئيس الحكومة وتلزم رئيس الجمهورية بتكليفه، وهنا تقع المهزلة الكبرى بحيث لا يمكنه الاعتراض او ابداء الرأي، وبعد التكليف لا يستطيع رئيس الجمهورية ايضا تحديد مهلة زمنية تلزم رئيس الحكومة المكلف باعلان التشكيلة الوازرية، ويلحظ هنا بأن مهلة تشكيل الحكومة مفتوحة وبمكن ان تدوم عدة اشهر كي تنجز ولا يوجد لها سقف زمني وقد تستغرق اكثر من سنة الى ان يقرر الرئيس المكلف اعلان الحكومة او الاعتذار . ويصح القول بان ما يجوز للمسلمين لا يصح لغيرهم بعد الطائف، وهذه المفارقة تجد من يدافع عنها من المسيحيين الاشاوس. كما كان الحال قبل الطائف حين اوجدت المارونية السياسية بعض المسلمين الذين تولوا الدفاع عن سياستها وهيمنتها على السلطة. 
ان المجتمع المسيحي يعاني بشدة من شغور موقع رئاسة الجمهورية ولم يعد يحتمل الظلم والخبث وهيمنة الأخرين عليه، ويرفض في ظل هذا الواقع ان يأتي لاحقا رئيسا على شاكلة من سبقه لملء ما يسمى الفراغ وتديره السفارات لا رأيا له ولا فعل ويقوم بتأدية عملا أداريا. 
وللأسف ربما تجد من ينفي هذا الواقع ولا يقر به ويتجاهله بسبب تشابك المصالح الشخصية مع الاخرين، وغالبا ما تكون على حساب المسيحيين الذين تقلص دورهم في لبنان والخارج بشكل ملحوظ  جراء الارتهان والتبعية.
ختاما فان المسيحيين سينتظرون عقودا وريما يخوضون حروبا كي يأتو برئيس بحجم العماد ميشال عون يعيد هيبة قصر بعبدا وما يمثله الى جميع اللبنانيين وخاصة المسيحيين. 

العدوان على غزة يكشف عمق الانقسام الفلسطيني/ نقولا ناصر

(إذا لم يكن العدوان حافزا كافيا للتوافق على استراتيجية فلسطينية وطنية تنهي أي مفاوضات لا تكون المقاومة أساسا لها فإنه لن يمضي وقت طويل قبل أن يقود إلى إجهاض المصالحة وانهيار حكومة الوفاق الوطني وهذا هدف معلن للعدوان والاحتلال ودولته)

لا يبدو الحديث مناسبا عن هشاشة المصالحة الفلسطينية في وقت يتطلب تعزيز وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة الحرب العدوانية الثالثة خلال ست سنوات التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، لكن الرئاسة الفلسطينية تبدو كمن انساق إلى حصار سياسي عربي ودولي يعزز العدوان على القطاع بالضغط على المقاومة الوطنية فيه للقبول بشروط الاحتلال لوقف إطلاق النار بما يعني ضمنا تحميل المسؤولية عن العدوان للمقاومة لتفوت الرئاسة بذلك فرصة ذهبية لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ المصالحة.

لقد وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذا العدوان بأنه "مبيّت" و"حرب إبادة شاملة" لكنه ما زال مترددا في التقدم بطلب انضمام "دولة فلسطين" إلى محمكة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية لمساءلة دولة الاحتلال عن جرائم الحرب التي ترتكبها خلال عدوانها المستمر على شعبه في القطاع المحاصر.

وما زال مترددا كذلك في تبني مطالب المقاومة لوقف إطلاق النار وهي في معظمها مطالب إنسانية لا سياسية تتلخص في رفع الحصار عن القطاع ووقف العدوان على الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في القطاع وفي الضفة الغربية على حد سواء.

وهي مطالب وصفها حتى أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، الذي لا يمكن أبدا اتهامه بمناصرة المقاومة أو حركة حماس، بأنها "مطالب كل الشعب الفلسطيني في كل مكان ويجب الوقوف معها ودعمها"، لكنه، مثل عباس، يريد التفاوض عليها "بعد" وقف إطلاق النار وهو ما ترفضه المقاومة وهي محقة في رفضها في ضوء تجربة التفاوض الفاشلة الممتدة منذ عام 1991 مع دولة الاحتلال. 

لقد كشف العدوان الإسرائيلي الجديد عمق الانقسام الفلسطيني بين استراتيجية التفاوض واستراتيجية المقاومة، وإذا لم يكن هذا العدوان حافزا كافيا للتوافق على استراتيجية فلسطينية وطنية تنهي أي مفاوضات لا تكون المقاومة أساسا لها فإنه لن يمضي وقت طويل قبل أن يقود التناقض بين الاستراتيجيتين إلى إجهاض المصالحة وانهيار حكومة الوفاق الوطني والعودة إلى الانقسام، وهذا هدف معلن للعدوان والاحتلال ودولته.

فمنذ أعلنت حكومة الوفاق في الثاني من حزيران/يونيو الماضي أعلنت حكومة الاحتلال الحرب عليها، وخيرت الرئيس عباس بين "السلام" معها وبين المصالحة مع المقاومة، وتعهدت بمنع حركة حماس من المشاركة في الانتخابات المقبلة المقررة بموجب اتفاق المصالحة، وطلب مندوبها في الأمم المتحدة بحل حكومة الوفاق، واجتاحت الضفة الغربية، وشنت حملة اعتقالات واسعة لكوادر حماس وغيرها من حركات المقاومة وأنصارها شملت سبعة وثلاثين عضوا في المجلس التشريعي، وأعادت اعتقال الأسرى المحررين.

وبينما تتجلى الوحدة الوطنية في أروع صورها في القطاع المحاصر على قاعدة المقاومة وفي مواجهة العدوان، معززة بوحدة شعبية تلتف حولها في القطاع والضفة الغربية وفلسطين 1948 وفي مخيمات اللجوء والمنافي والشتات، تبدو الرئاسة قد اختارت "السلام" مع الاحتلال.

فعلى سبيل المثال، يوجد إجماع فلسطيني على ضرورة وقف العدوان المتواصل على القطاع بشروط المقاومة التي تؤيدها معظم الفصائل والقوى الوطنية المنضوية في إطار منظمة التحرير، إلا الرئاسة التي تتقاطع مع شروط الاحتلال لوقف إطلاق النار.

والموقف الأمثل طبعا لوحدة الصف الفلسطيني في مواجهة العدوان الذي يعبر عن النبض الوطني لحركة فتح، التي يمثلها رسميا الرئيس عباس، قد عبر عنه القيادي في فتح الأسير مروان البرغوثي عندما ناشد الرئيس وقيادته التوجه إلى غزة للالتحام بشعبه ومقاومته هناك.

فوحدة الموقف في مواجهة العدوان التي كانت سوف تعززها استجابة الرئيس لنداء البرغوثي كانت بالتأكيد سترسخ أرضية صلبة لتقريب وجهات النظر المتباينة استراتيجيا، وستعلن عنوانا فلسطينيا موحدا يحول دون فرض حصار سياسي دولي يعزز العدوان، وكانت ستضع الجامعة العربية والدول الإسلامية مباشرة امام مسؤولياتها بدلا من توفير مهرب فلسطيني لها للتنصل من هذه المسؤوليات بالموافقة على المبادرة بصيغتها الأولى.

إن العودة إلى الوضع الذي كان قائما في القطاع قبل العدوان هي جوهر المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، التي وافقت عليها حكومة الاحتلال ورحب بها الرئيس عباس و"الرباعية" الدولية مجتمعة بلسان مندوبها توني بلير ومنفردة بألسنة الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة، والتي أصبحت مبادرة عربية بموافقة جامعة الدول العربية عليها، ليتحول دور الرئيس الفلسطيني عمليا من قائد لشعبه إلى وسيط لديه لقبول "تهدئة" بشروط الاحتلال.

فالرئاسة تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعودة إلى اتفاق "التهدئة مقابل التهدئة" الذي أبرم بوساطة مصر وضمانتها عام 2012 والعودة إلى اتفاق معبر رفح المبرم عام 2005 كمدخل على الأرجح لإعادة القطاع إلى سيطرتها وهذا هدف تدّعي دولة الاحتلال بدعم من راعيها الأميركي أنه أحد أهداف عدوانها المتواصل، وهو ادعاء خادع يجب ألا يكون مسوغا لأي تقاطع فلسطيني مع شروط دولة الاحتلال لوقف العدوان خصوصا للرئاسة الفلسطينية التي تكرر الشكوى من أنها "سلطة بلا سلطة" حيث من المفترض أن تكون لها سلطة في الضفة الغربية.

ومن الواضح أن "الشرعية" الفلسطينية التي منحتها موافقة الرئاسة على المبادرة المصرية قد سهلت تبني كل "شركائها" في "عملية السلام" لها، وهو ما يرقى إلى حصار سياسي للمقاومة في محاولة لحرمانها من أي استثمار سياسي لتضحيات حاضنتها الشعبية في القطاع والضفة أو استثمار انجازات المقاومة وبطولاتها وإبداعاتها في مواجهة العدوان الجديد.

ومن الواضح كذلك أن جامعة الدول العربية ما كانت لتوافق بسهولة على منح شرعيتها للبمادرة المصرية لو لم يصادق عليها الرئيس الفلسطيني الذي لم يعبأ لا هو ولا واضعي المبادرة ولا الموافقين عليها والمرحبين بها بأخذ رأي المقاومة فيها وهي المعنية الأولى بها، ولم يعبأ حتى بأخذ رأي شركائه في منظمة التحرير بشأنها كما أعلنت الجبهة الشعبية على سبيل المثال.

وقد أكد عباس في القاهرة أن المبادرة المصرية انطلقت بطلب منه. وتقول التقارير إن مبعوث الرباعية الدولية توني بلير هو من صاغها بعد التشاور مع دولة الاحتلال ومصر، وقصدت الأطراف الثلاثة دفع المقاومة إلى رفضها بعدم استشارتها، ليحصل رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على هدية مجانية أتاحت له أن يصرح قائلا: "سوف تمتلك إسرائيل كل الشرعية الدولية" للموافقين على المبادرة "لتوسيع نشاطها العسكري" في القطاع، وهو ما ترجمه في بدء عدوانه البري الخميس الماضي.

لقد أكد عباس بعد لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخميس الماضي تمسكه بالمبادرة المصرية، بعد رفض المقاومة الرسمي لها بصيغتها المعلنة، بالرغم من تمسكها بدور مصر كوسيط لأسباب جيوبوليتيكية واضحة، وبعد الشروط التي أعلنتها فصائل المقاومة للموافقة عليها معدلة بشروطها.

وفي هذا السياق جاء لقاء الرئيس عباس مع ممثلي حماس والجهاد في القاهرة.

ولا تفسير لكل ذلك سوى الإصرار على فرض "تهدئة" على المقاومة كأمر واقع، ليصبح الهدف المتوقع لزيارة الرئيس عباس لتركيا أمس الجمعة هو طلب مساعيها الحميدة للضغط على حركة حماس للموافقة عليها، وهو ما أكده وزير الخارجية الفرنسي رولان فابيوس في القاهرة في اليوم ذاته عندما أعلن أن الرئيس عباس طلب منه التوسط لهذا الغرض لدى قطر وتركيا.

إن خطاب الرئيس عباس بعد بدء العدوان كرر تمسكه بالمفاوضات بمرجعياتها السابقة، وفي رأسها "نبذ" العنف والمقاومة، فهذا هو مسوغ بقاء المؤسسات الفلسطينية التي يرأسها بموافقة دولة الاحتلال وراعيها الأميركي.

وفي مواجهة العدوان غلّب في خطابه "الإنساني" على الوطني عندما غمز من قناة المقاومة بالحديث عن "تجار الحروب"، فمهد بذلك للقبول بوقف "إنساني" للعدوان يوقف ما وصفه ب"جريمة الإبادة" من دون أن يضطر الاحتلال لدفع الثمن، وهذا هو ملخص المبادرة المصرية التي وافق عليها لإثبات صدقية التزامه ب "عملية السلام" ولو من جانب واحد ومن دون معاملته بالمثل.

في الحادي عشر من هذا الشهر أعلن رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي أنه "لا يمكن أن يكون هناك أي وضع، بموجب أي اتفاق، نتخلى فيه عن السيطرة الأمنية على الأرض الواقعة غربي نهر الأردن"، حتى لا تتحول الضفة الغربية إلى قاعدة للمقاومة تهدد "أمن" دولة الاحتلال في عقر دارها كما هو حال قطاع غزة اليوم، أي أنه لن يقبل بأي دولة فلسطينية ذات سيادة فيها، لكن الصواريخ الفلسطينية المنطلقة من القطاع لتطال معظم فلسطين المحتلة عام 1948 قد أسقطت هذه الحجة الآن.

ومع ذلك ما زال الوهم يساور عباس بإمكانية إقامة دولة فلسطينية هناك بموافقة دولة الاحتلال من خلال التفاوض معها وما زال الرئيس عباس يصر على رقص "التانغو" منفردا، ليفوت بذلك فرصة ذهبية للتسلح بالمقاومة والوحدة الوطنية كي ينهي احتلالا أسقطت المقاومة كل ذرائع دولة الاحتلال "الأمنية" لاستمراره.

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com