مألات الوحدة الفلسطينية بعد العدوان الاسرائلي/ ابراهيم الشيخ

اثناء العدوان الاخير على غزة توحد الموقف الفلسطيني تجاه دولة الاحتلال، وتمثل ذلك من خلال توجه وفد موحد الى القاهرة يمثل جميع القوى الفلسطينية من اجل التفاوض على هدنة لوقف اطلاق النار، بعد ان تبنب السلطة الفلسطينية كل مطالب المقاومة، وهذه المطالب لا يختلف عليها الفلسطينيون لانها حقهم الطبيعي، وممكن القول ان القوى الفلسطينية بمواقفها الموحدة اثناء العدوان افشلت اهداف دولة الاحتلال التي كانت  تراهن على امكانية اتخاذ مواقف معادية لحماس من قبل السلطة الفلسطينية، وفصل موقف السلطة الفلسطينية في الضفة عن غزة والهدف الاهم كان افشال حكومة الوفاق الوطني، وحاولت اسرائيل من خلال قصفها لبعض الاماكن كالابراج والبيوت باحداث شرخ بين المقاومة وسكان قطاع غزة.
ولكن ما ان انتهى العدوان حتى بدأت المناكفات والتصريحات المختلفة من جميع القوى الفلسطينية المتناقضة والناقدة لبعضها البعض، ومن الملاحظ ان القوى االرئيسية التي احتفلت بالنصر هي حركة حماس وحركة الجهاد ولم يلحظ أي مشاركة ا من قبل السلطة او مشاركة أي من مسؤوليها في هذه الاحتفالات، وهذا ان دل على شيء انما يدل على ان هناك قوى تعتبر نفسها انتصرت، وهناك قوى اخر تفكر على عكس ذلك وتعتبر ما حصل مغامرة غير محسوبة كما يسميها البعض، ولكن يجب بأخذ بعين الاعتبار بأن حماس ليست هي من بدأ  هذه الحرب.
 حتى فصائل المقاومة اختلفت لمن تقدم الشكر وكل طرف قدم الشكر الى دولة اخرى، فحماس وعلى لسان خالد مشعل قدم الشكر  بشكل رئيسي الى قطر وتركيا وبعض الدول وسرايا القدس الجناح العسكر لحركة الجهاد قدمت شكرها بشكل رئيسي الى ايران وحزب الله ، وأما السلطة الفلسطينية فشكرت مصر بشكل رئيسي على الوساطة من اجل وقف اطلاق النار، ومن هنا يتضح ان القوى الفلسطينسية ما زالت مرتهنة للدول التي ترتاح اليها والداعمة لها، وهذا يدل على ان المواقف الفلسطينية التي توحدت اثناء العدوان الاسرائيلي من الممكن ان يصيبها الشرخ والانقسام مجدداً ان استمر هذا الارتهان لهذه الدول، ومن المعروف ان لكل من هذه الدول  اجندتها الخاصة بها. 
ان وضع المقاومة الفلسطينية بعد العدوان على غزة لا يختلف عن وضع حزب الله بعد الحرب التي شنتها اسرائيل  على لبنان فى عام 2006 حيث طالبت القوى اللبنانية الاخرى بوضع سلاح هذا الحزب بيد الدولة اللبنانية، وان قرار الحرب لا يمكن ان يقرره حزب الله لوحده، والان نرى نفس المواقف تطرح على الساحة الفلسطينية وفي ظل حكومة الوفاق الفلسطينية،  حيث بدأت تُسمع اصوات ومواقف حول سلاح المقاومة الفلسطينية الذي يجب ان يكون تحت امرة الشرعية الفلسطينية ممثلة بالسلطة الفلسطينية، وقد جاء كلام عباس كدليل على هذا التوجه من خلال تصريحاته الاخيرة، والذي قال فيها ان قرار الحرب والسلام لا يجب ان يكون في يد فصيل فلسطيني بعينه، وان السلطة وجميع القوى على الساحة الفلسطسنية مجتمعة يجب ان تقرر هذه المسألة. 
امام الفلسطينيين تحديات كبيرة على الصعيد الداخلي، ولن يكون من السهل لئم الجراح بعد سنوات الانقسام والشرخ الذي افرزه هذا الانقسام على الساحة الفلسطيبنية، وهنا يطرح سؤال، ما هي التوجهات التي ستعتمد عليه القيادة الفلسطينية بعد العدوان، وخاصة ان هناك برنامجين، برنامج الكفاح المسلح وبرنامج المفاوضات، ومن غير المعروف هل ستوافق حماس والفصائل المقاومة الاخرى استمرار السلطة الفلسطينية على نهح المفاوضات والتنسيق الامني مع العدو الصهيوني ، ام ستبقى على مواقفها المعارضة لهذه المفاوضات الغير مجدية حتى الان، ومن غير المستبعد ان تزداد حركة حماس ومعها حركات المقاومة الاخرى عنادا وتصلبا في مواقفها بعد هذه الحرب التي تعتبر انها انتصرت فيها، ولذلك هي غير مضطرة للتنازل عن مواقفها وعن مقاومتها.
الوضع الفلسطيني معقد جداً ولاسباب متعددة واولها الخلاف الداخلي حول اتفاقية اوسلو وتبعاتها، وهنا يظهر العامل  الاسرائيلي الذي يضغط باتجاه عدم تحقيق اي وحدة فلسطينية وما زالت اسرائيل تخير االرئيس محمود عباس الاختيار بين حماس وبينها، وتسعى اسرائيل الى ان تتسلم السلطة الفلسطينية المعابر وقطاع غزة، لان اسرائيل تعتقد ان السلطة قادرة على تحقيق الامن لها ان هي تسلمت قطاع غزة، وهذا الامر سيلاقي معارضة من قبل حركات المقاومة ان استمرت السلطة بالتنسيق الامني مع الاحتلال، لان هذه المسألة تمس بسلاح المقاومة وامنها. ولكن هل ستبقى السلطة الفلسطينية تنفذ اتفاقات اوسلو وخاصة الشق الامني، وخاصة ان السلطة تعمل على خطة للتوجه الى الامم المتحدة من اجل انهاء الاحتلال ومحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة.
بدون شك ان اسرائيل سترفض كل قرار يلزمها بالانسحاب من الاراضي المحتلة، وستضع المسائل الامنية على رأس اولوياتها غير عابئة بانهاء الصراع، ومن هنا يجب على القوى الفلسطينية وضع استراتيجية مستقبلية لمواجهة دولة الاحتلال من خلال وحدة حقيقية لمجابهة مشاريعها ومخططاتها التي تهدف الى شطب الحق الفلسطيني. 

سلالُ البحرِ تشكو الظمأ/ كريم عبدالله

مملكتي مفاتنُ خلجانكِ ../ تعمّدني وصائفُ الينابيع ../ وسماؤكِ تنثُّ عناقيدَ العنب
أحملُ صوتكَ الرقراقَ فوقَ صدري ـــ وشماً بشدوهِ أرشقُ غبارَ السنابل
تقتفي محاراتكِ رمالَ قافلتي ../ تحتاطُ منْ هوسِ الأمواج ../ تمدُّ جذورها جسوراً ../ وعلى نوافذِ الحلم ترتّقُ السواقي
كلّما ترفُّ النداءات ../ يصهلُ صوتكِ ../ يمتطي أوتاري ../ فرساً يعفّرُ عرفهُ بناصيتي
شهقاتٌ تشقّقُ أنينَ سماواتي ـــ وتحتَ ذبولِ خيامكِ تنامُ النجوم
تستيقظُ مرافيءَ كفيّكِ ../ أرصفتها تزخرفُ الأحلامَ ../ تحلّقُ فوقَ أسوارِ فاكهتي
أسماكُ شهواتكِ تلوّنُ التقاويمَ ../ تحطُّ على قفصِ الصدرِ ../ تعلّقُ بوصلةَ العودةِ
أخرجي خناجرَ حنجرتي ../ وقشّري جحيمَ قصائدي ../ فالمرشّاتُ تذرفُ دموعَ النخيل
حلّقي بأجنحتي ../ فالمدائنُ المهدومة ../ تركتْ وحشتها ../ حينَ أطحتِ بصمتِ الأنامل
تعالي وتعرّي عنْ سذاجتكِ ـــ فسلالُ البحرِ تشكو الظمأ
تعالي وأسكبي كنوزَ مناجمكِ ـــ ولُمّي حقائبَ ركاكةِ اللغة
فعندَ الصباحِ ../ ستزهرُ بينَ أقدامي ../ تلويحةُ اللقاء

نحن مع غزة.. ولكن، من معنا؟/ جواد بولس

كما كان متوقّعًا وطبيعيًّا، فلقد توصّل الإسرائيليون والفلسطينيون إلى اتفاق على وقف إطلاق النار لمدّة شهر، وأتاحوا بذلك لشريان الحياة أن يتدفّق في شوارع غزة بعد أن روّت شرايين آلاف القتلى والجرحى ترابها، وهي التي لم يكن وراءها إلّا البحر، وأمامها جنازير وفوّهات دبابات الغاصبين. 
كما كان متوقعًا وطبيعيًا، أعلن كل طرف مباشرةً عن انتصاره وسحقه لقوّات العدو الذي خرج من هذه المعركة كديك دخل إلى حلبة الصراع، فجرّ منها وهو أذل من دجاجة! 
وفقًا لجميع المفاهيم البسيطة والمباشرة نستطيع أن نقول ما أكّدناه من قبل؛ إسرائيل لم تنتصر في عدوانها المارق على غزة، لأن القوي، هكذا قلنا، إن لم يقضِ على عدوه الضعيف، فهو لم ينتصر، والضعيف، إن لم يستسلم ولم يهزم، فهو حتمًا المنتصر.
 هكذا في حسابات التاريخ والبسطاء. 
لم يكن العدوان الإسرائيلي على غزة حربًا بمعناها التقليدي ولا حتى حرب "غيريلا" إلّا عندما اجتاحت فرق جيش الاحتلال جزءًا من القطاع، ولوقت محدود من الزمن تخللته مواجهات كانت قريبة من حروب الغيريلا المعروفة في التاريخ. ولهذا، فإخضاع هذه المواجهات لمعايير النصر والهزيمة التقليديين وتعريفاتها المقبولة سيحمل قسطًا من المغالطة وسيجافي الحقيقة. 
مع هذا، يجوز للمراقبين ترصيد بعض المكاسب في حسابات الفرقاء، بيد أن، العبرة الأساسية ستبقى مرهونة بما ستفضي إليه التداعيات المتفاعلة على الجبهات السياسية الثلاث المتشابكة والمتصارعة في آن: ففلسطينيًا، سيكون ما جرى انتصارًا فقط إذا استؤنفت حالة التوافق الوطني، واستعادت حكومتها الوليدة حديثًا شرعيتها وقوتها على أرض الواقع، وباشرت ممارسة حكمها الفعلي في غزة كما في الضفة المحتلة، فإقامة هذه الحكومة كان الفعل الذي أخرج الدب الإسرائيلي من جبّه،  ليبدأ رحلة صيده دون أية هوادة أو مراعاة لعرف إنساني أو قيمة وقانون، والعملية العدوانية استهدفت أول ما استهدفت ثمار التوافق الفلسطيني الاستراتيجي وأجواء الوحدة التي بدأت تبرعم في تلك الأيام، وقد أمّلت تقويضها ونسفها.
أمّا عربيًا، فلقد تعرّت مرّةً أخرى معظم الأنظمة التي وقفت، في أحسن الأحوال، وقفة الشامت المتفرج، وفي أحيان أخرى كانت شريكة مع إسرائيل، إن لم يكن بالفعل ففي الأماني والدعاء للفلسطينيين بالهزيمة، وللشعب بالخنوع والتوسل والاستسلام. محاولات احتواء غزة الفلسطينية من قبل بعض الأنظمة العربية والمحاور ما زالت قائمة، وفي حالة نجاح تلك المحاولات سيتحوّل صمود غزة وبطولات أهلها إلى حطب أحرِق على مذابح مؤامرات خارجية ومصالح أجنبية. 
ودوليًا، فهنالك من يسعى كي تصير غزة رهينة لأحلاف تنشط جيوشها ومرتزقتها في منطقة الشرق الأوسط ويقاتلون من أجل فرض خارطة جديدة له، تقوّض الجغرافيا القائمة، وتؤسس لتاريخ جديد مبني على الدم الذي يسفك في بلاد العرب وأوطانهم.
وعليه فالأيام القادمة مصيرية وحاسمة، وكثير من ذلك سيتوقف على حكمة اختيار القيادات الغزّية وجهة تحالفاتها الدولية؛ فإما أن يُنضج صمود الغزيين ويكتمل ليغدو، وفق معايير التاريخ، انتصارًا يقرّب يوم الاستقلال الوطني الحقيقي وفجر الحرّية الفلسطينية الكاملة، أو أن يحيل سوء الاختيار، البلاد إلى جسد ذبيح قلبه يدمى في القدس وكبده في غزّة يتقطع.
الأيام حبالى لا نعرف ماذا تلد. كلّ الخيارات مفتوحة، وستكون العبرة في الصباح الأخضر الآتي حين سيفيق فيه الوطن متخمًا من نشوة نصر مرصّع بالزمرد والدم ورائحة الرصاص، ليستأنف الفلسطيني رحلته من جديد، إمّا على طريق الوحدة والوطن الواحد والاستقلال، أو إلى لجّة الوهم والغرق في بحر غزة.
لقد تأثّرت الجماهير العربية في إسرائيل من مجريات المواجهة الأخيرة، وازداد وضعها خطورةً وسوءًا، وبتنا بحاجة أكبر من أمس، لقيادة قادرة على وضع صيغة مواجهة حكيمة تضمن الخلاص مما تحيكه المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة. لن يختلف عربيان وطنيان على ضرورة تأييد مطالب الوفد الفلسطيني الموحّد في المفاوضات الجارية في مصر، ولكن أن تكتفي قيادات الجماهير العربية بإصدار بيان "تأكيد موقف وتجديد العهد" فهذا يدلّل على قصور هذه القيادة واستسهالها للاستظلال في خيمة اللغة الفضفاضة والمعوّمة، وخلو جعبتها مما تحتاجه ساحتنا الداخلية. 
لقد علّل النائب محمد بركة عدم توقيعه باسم حزبه، على ذلك البيان بما غاب عن نصّه وغيّب، فلا يعقل أن يكتفي القادة بنص إشهاري عام يؤكد البديهي دون أن يتضمّن نصوصًا خاصة بحالتنا ووضعنا نحن الجماهير العربية في إسرائيل، فمن الضروري أن يشار لحقوقنا المداس والمعتدى عليها- لا سيما في زمن العدوان وبسببه، وإلى تنامي الفاشية في مناخ العسكرة والقوة والبطش، والتأكيد على أن هذه الفاشية استهدفت واعتدت على مئات من اليهود الذين خرجوا للشوارع ضد سياسة حكومتهم العدوانية ونادوا بإنهاء الاحتلال ومن أجل الحقوق الفلسطينية الكاملة، والأهم كان وجوب تضمين الوثيقة مطالبة بضرورة استكمال الوحدة الوطنية الفلسطينية ضمن إطار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. 
ما غاب عن النص كان هامًا وسببًا لعدم قبول الوثيقة كما جاءت، ولكنني أضيف على ذلك تحفظًا يتعلق بما ورد من ديباجاتٍ في النص وفي روحه وما يعكسه كل ذلك من مواقف سياسية لا تترك للنائب بركة ومن على طريقه مكانًا للموافقة عليه وقبوله. وهذا موضوع  يحتاج إلى مقال آخر.
تأكيد مواقفنا إزاء غزة ومطالب أهلها يأتي من باب الطبيعي والبديهي وليس فعلًا خارقًا وفذّا. فنحن مع غزة، ولكن قبل ذلك وبعده إسرائيل تتقدم  بخطى حثيثة على طريق القمع وتضييق أنشوطاتها على رقابنا وحقوقنا وحياة أولادنا باتت في خطر حقيقي، لذلك تبقى حاجتنا إلى السلامة أهم من لغة المزايدة والإجماع المزيّف الذي يأخذنا بهرولة على طريق الندامة. فنحن مع غزة! ولكن، من معنا؟ 

فتوى بناء الكنائس والأمن القومي/ مهندس عزمي إبراهيم


عنـدي سـؤال لشيخنا الطّيــِّــب      إيـه معنــاهـا تطَلـــَّــع فتــــوَى؟
لا هي بتريــَّـــح ولا بتطّيــِّــــب      ولا لها معـــنى ولا لها دعــوَى!
"للأقبــاط أن تبــني كنـايـس      بما لا يضـر الأمـن القـومي"
***
إيــه معنــاها تطلـــَّــع فتــــوَى؟      عشـان القبــطي يبـني كنيسـتُـه
هـل من منصب سُلطـة أخدتـــه      أو تــــوب ديـــني أنــتَ لبســتُـه
شعـورك إيـه يا فضيـلة الشيــخ      مِـن غيـــر تريَقــــة أو تأليـــس
لـو قلنــا المُسـلم لبنـــاء جامــع      يلزمــُـــه فتـــــوَى من قسّيــس
***
والا فضيلتــك قلــــت الفتــــوَى      علشـان تثبــت إنــَّــكوا أقــــوَى
قوللي يا شيـخ أقــوى من ميـن      دا تمييــز مايجيـش مـن ديــــن
دا بصراحــة دليــــــل الفـوضى      ما تصَحِّـش مِن نـاس عاقليــن
***
إيــه معنــاها تطلـــَّــع فتــــوَى؟      علشـان تِحـمي الأمــن القـومي
هـو الأمــــــن مالـوش وزارات      والا الـدولـــــة بقَـــت بُهـــارات
لـو "الأمــــر" في إيــد الشيـخ      تبـقى الـدولـــــة بقـــت بطيــــخ
***
حَلِّفتــــك يا فضيـــلـة الشيـــــخ
حَلِّفتــــك بما يـرضي ضميـــرك
حَلِّفتــــك باللـــــــه، وبدينــــــك      الإرهـــاب كـان قـــــدام عينـــك
وانـت "خَيـْــرُ" العارفيــن بيـه      يا شيخ "طيـِّـب" مين قـام بيـه
ميـن هــــدد الأمــــــن القــومي
كنــت معــــانا.. شـايـف سـامـع      كانـوا طالعيـن من قلـب جوامـع
وكانـوا بيصلـُّوا صـلاة الجمعـة      وكل الدنيـــا شـايـــفة وسـامعـة
بعـد مـا سمعـوا خطـاب الجمعـة
بقوا ثـوار وولعـوا نـار
هاجـوا وماجـوا
وهتفـوا وخَطفـوا وسَرقـوا وحَرقـوا
وهَدَمـو وعَدَمـوا وسَحلـوا وقَتلـوا
ودي مش مَــرَّة
قول مِيـت مَــرَّة
قوللي بربـــك، قــول الحــــق
زي الشمـس "ثابــت" رســمي      ميـن "هـــدد" الأمـــن القــومي
اِنتـــو..!!!

اِنتـو "هَـدَرتـوا" الأمــن القـومي
اِنتـو "اقترفتـوا" جريمـة العصـر
اِنتـو "هَـدَرتـوا" كرامـة مصر
رَجَّعتــم عَصـر الفسطـاط!!
مش الأقبـاط!!
***
يا شيخ "طيـِّـِب"
كــل بــــلاد العــــــــالـم أجمـــع
فيـها كنايـــس.. فيـها جـوامـــع      فيـها معـابــــد.. فيـها مجـامـــع
فيـها رمــــوز كـــل الأديـــــــان      فيـها مِلـــَــــل أشـكـال والـــوان
من كــل مكــان
وما فيش ديــن يستقبـل فتــوَى، مِـن ديــن تاني
وما فيش ديــن يقــدر يستقـوَى، على ديـن تاني
وما فيش ديــن يمنـح أو يمنــع، عـن ديــن تاني
وما فيش ديــن لـه أيـَّـة سلطـة، فوق ديــن تاني
***
يا شيخ "طيـِّـِب"
عصـر الغَـــزو وَلـَّى وراح      وحكم الديـن خلاص انزاح
سيب النـاس تِهـدا وترتاح      يمكـن مصـر ينولـها فـلاح
وأولادها توفيـــق ونجــاح
رَح أقولها.. وبكل كياســة      ما تِعجِنش الديـن بسياسـة
أمــر "الأمــن" بالقوانيـن......والقوانين مش أمـر الديـن
فسيــب الحكــــم وإنجـــازه
وسيــب العيــــش لخبـــازه
*****
مهندس عزمي إبراهيـم

ردي على جورج هاشم/ يحيى السماوي

رحم الله أبا الأسود الدؤلي القائل : 
لا تنهَ عن خلق ٍ وتأتيَ مثلهُ
عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ

ورحم الله جبران خليل جبران القائل : "من حسنات الناس أنهم لا يستطيعون إخفاء سيئاتهم طويلا".

والسلام على المسيح القائل : " لاتدينوا لكي لا تدانوا " 

تذكرت ما تقدم أعلاه وأنا أقرأ سطور السيد جورج هاشم الحافل بالمغالطات.. فالسيد المذكور يعتبر توصيفه لبعض الأدباء الذين فازوا بجائزة جبران خليل جبران بالأقزام أنه اختلاف في الرأي، وقد تناسى  ـ أو تجاهل ـ أن اختلاف الرأي ليس مسخا لكرامة الآخرين والتطاول عليهم والإفتراء عليهم كافترائه على مسؤولي رابطة إحياء التراث ببيع ضمائرهم بما أسماه بـ "حفلات ومناسبات واستمتاع بالمأكولات اللبنانية اللذيذة"  ( اللغة لم تخدمه فكتب غير ما يريد قوله ـ لأن فيليب رادوك قطعا لم يقِم لمسؤولي الرابطة حفلات استمتاع بالمأكولات اللبنانية... لعله أراد العكس، وبالتالي فالمفروض بفيليب رادوك أن يكون هو الذي يُكافئ مُطعِميه)!
السيد جورج يُدينني لاستخدامي كلمات مثل: "عريان، عورة نرجسية، سحلية، قيح الحقد، نفث حقده، انه قزم، نفسه صغيرة، السروج، التيوس، زرائب الحقد، مستنقعات" وأنا أسأله : إذا كانت مثل هذه الكلمات مُعيبة فما رأيك بورود الأكثر منها في القرآن الكريم مثل: "سكارى، الشيطان، إبليس، الكافرين، بئس المصير، الرجيم، الزانية، الزاني، السارق، خادعون، أشرار، بعوضة، فاسدون، دُبُر، فـُرُوج، يذبحون، يعتدون، قردة خاسئين؟)

وفي الكتاب المقدس : (دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ / سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ / ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْنِ / نتلذذ بالحب لان الرجل ليس في البيت /هَا أَنَا أَحْشِدُ جَمِيعَ عُشَّاقِكِ الَّذِينَ تَلَذَّذْتِ بِهِمْ / إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْراً اللَّيْلَةَ أَيْضاً فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً / مَاذَا تُعْطِينِي لِكَيْ تُعَاشِرَنِي؟)

وفي نشيد الإنشاد نقرأ: (يقبلني بقبلات فمه لأن حُبك أطيب من الخمرة لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دُهن مهراق. لذلك أحبتك العذارى. اجذبني وراءَك....) 

هذه عيّنات من الكتب المقدسة، فما رأي "مولانا جورج هاشم"؟ هل يُفتي بأنّ قائلها داعشيّ ـ على غرار فتواه التي اكتشف فيها أنني داعشي وأمارس إرهابا فكريا لوجود كلمات بعينها وُجِدت مثيلاتها والأكثر منها في الكتب المقدسة؟

إنّ كلّ مفردة قبيحة قد تكون جميلة في سياق الجملة.. فمفردة "سفّاح"  مثلا ستكون جميلة في جملة: "الموت للسفاح" ... ومفردة "حب" الجميلة ستكون قبيحة في جملة مثل: " أكره حبّ إسرائيل لرؤية الدم العربي"... إقتطاع المفردة من سياق الجملة دليل خبث، كقولنا "لا تقربوا الصلاة" دون إكمال الجملة: وأنتم سكارى.

أيهما الداعشيّ: الذي يتطاول على الآخرين ويعتبرهم أقزاما ويفتري على رفاق أمسه؟ أم الذي يُدين هذا التصرّف اللا إنساني؟ 

يقول السيد جورج: "اسحبوا الجائزة من رادوك قبل فوات الاوان"... عجباً! كأنّ به مقرر لجنة الجائزة!

لندقق جملته: "دخل رادوك المجلس النيابي سنة 1973. وهو النائب الوحيد الباقي في المجلس منذ فترة العملاق غوف ويتلم" 

أسأله: الشعب الأسترالي شعبٌ عريق بديمقراطيته وواع... فهل كان سيُبقي رادوك عضوا في المجلس النيابي منذ عام 1973 وحتى الان ونحن نوشك أن نطوي عام 2014؟ ألا يعني بقاؤه أنّ له منجزا ما ـ على الأقل لخدمة شعبه؟ 

يقول السيد جورج: "بينما اصبح العراق اليوم المقر والمصدِّر لقوى الارهاب من بلاك واترز"... حسنا: ماعلاقة رادوك بما يجري في العراق؟ وما علاقة العراق ببلاك واترز؟ ومتى صدّر العراق قوىً إرهابية؟ حتى جُحا يعرف أن الدول الأخرى هي التي تصدّر الإرهابيين الى العراق، فلماذا هذا الإفتئات على العراق؟ 

يطالب بحجب الجائزة عني لأنني أدنتُ تطاوله على جمع ـ وليس على فرد كما يزعم... لنقرأ قوله حرفيا: "منحت الرابطة جائزة جبران لعمالقة كما منحتها لاقزام"... كلمة أقزام تدلّ على جمع وليس على مفرد... أما إذا كان السيد جورج لا يعرف الفرق بين الجمع والمفرد، ولا يميّز بين "أقزام" و "قزم" فذلك يعني أنه غير مؤهّل لفرض وصايته والإمتثال لفعل الأمر: إسحبوا!! أليست صيغة جملة الأمر: "اسحبوا الجائزة من رادوك قبل فوات الاوان "صيغة من صيغ الإرهاب الفكري؟ وماذا بعد فوات الأوان؟ صحيح أن السيد جورج لايقصد التهديد ـ لكن الصحيح أيضا أن صيغة الجملة تتضمن تهديدا  دون أن يدري (ربما بسبب فقره اللغوي ـ وهذا دليل آخر على عدم أهليته لفرض وصايته على لجنة الجائزة).

لعل السيد جورج لا يعرف أنّ جائزة نوبل للآداب ليست لها شروط  شروط معلنة.. إذ يمكن تقديم اقتراحات الترشيح من قبل أساتذة الآداب والبحث اللغوي وأعضاء الأكاديمية السويدية والهيئات المشابهة ورئيس رابطة الكُتاب الممثلة... إقتراحات وليست أوامر يصدرها قارئ ما أو عضو سابق في رابطة أدبية له موقف شخصي مع هذا العضو أو ذاك أو لأنه لم يحصل على جوائزها... الأمر نفسه بالنسبة لجائزة العويس العربية وغيرها الكثير.

تقول الحكمة إن السمكة التي تغلق فمها تنجو من الصنّارة .

وعودا على بدء : 
رحم الله أبا الأسود الدؤلي القائل : 
لا تنهَ عن خلق ٍ وتأتيَ مثلهُ
عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ

ورحم الله جبران خليل جبران القائل : " من حسنات الناس أنهم لا يستطيعون إخفاء سيئاتهم طويلا " .

والسلام على المسيح القائل : " لاتدينوا لكي لا تدانوا "

***
ملاحظة مهمة: لو لم أقرأ  ـ مصادفةـ خبر تكريمي المنشور في صحيفة المثقف بهذه الجائزة التي أكنّ لها عظيم التقدير، لما عرفتُ شرف فوزي بها مع الفائزين الأجلاء. 
***

في السّماء الناتو.. وعلى الأرض الإرهاب!/ صبحي غندور

تكرّرت في الأيام الأخيرة التصريحات الأميركية والبريطانية التي تستبعد وجوداً عسكرياً جديداً على أرض العراق، بينما تؤكّد هذه التصريحات على ضرورة القيام بأعمالٍ عسكريةٍ أخرى، غير التواجد على الأرض، لمواجهة نمو وانتشار جماعات الإرهاب في العراق وسوريا. فإضافةً لإرسال مساعدات أمنية وعسكرية و"خبراء ومستشارين" للحكومة المركزية في بغداد ول"حكومة كردستان" في أربيل، قامت الولايات المتحدة، وما تزال، بغاراتٍ جوية على مواقع لجماعة "داعش" في شمال العراق، وتحدّث رئيس الوزراء البريطاني عن ضرورة التحرّك أيضاً في "مجالات أخرى غير المساعدات الإنسانية"، ممّا يعني أنّ بريطانيا ستشارك أيضاً في العمليات الجوية الجارية في العراق.
الملفت جدّاً للانتباه هو هذا التوافق والإجماع الدولي الذي حصل في مجلس الأمن على تبنّي المشروع البريطاني الخاص بمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا، وتضمين هذا القرار نصّاً على البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي يعني أنّ القرار يمكن أن يُطبّق باستخدام القوّة العسكرية. لكن لم تكن في القرار صيغةٌ واضحة حول من له الحقّ باستخدام القوة العسكرية في مواجهة الجماعات الإرهابية، وكيف سيكون التعامل مع الحالة السورية المختلفة تماماً عن الوضع في العراق. فإذا كانت الحكومة المركزية في بغداد ترتبط بمعاهدات عسكرية مع واشنطن، فإنّ ذلك يختلف تماماً عن واقع حال العلاقة السيّئة بين واشنطن وحكومة دمشق، فعلى أيّ أساس سيكون التدخّل العسكري الجوي الأميركي في سوريا، وبناءً على طلب من؟! وهل تكفي قانونياً، حسب مرجعية "مجلس الأمن الدولي"، مناشدة أطراف بالمعارضة الخارجية السورية لحدوث هذا التدخّل من أجل إضفاء "الشرعية الدولية"؟!. ثمّ، ماذا سيكون موقف كلٍّ من روسيا والصين إذا حدثت غارات جوية عسكرية أميركية في سوريا دون موافقتهما؟ وهل ستسمح موسكو تحديداً بذلك بعد أكثر من ثلاث سنوات على رفض روسيا لهذا الأمر، وبعد انتقادها لما حصل في ليبيا من خديعة أمريكية وأوروبية، عقب موافقة موسكو على قرار "مجلس الأمن" بشأن المساعدات الإنسانية، خلال الانتفاضة الشعبية المسلّحة ضدّ نظام القذافي في العام 2011؟!.
أيضاً، ماذا عن موقف إيران و"حزب الله" في لبنان من احتمالات تدخّل عسكري أميركي مباشر في سوريا؟! وهل يمكن أن تفعل ذلك إدارة أوباما الآن دون تنسيقٍ مع طهران، وهي التي حرصت على استباق الغارات العسكرية الأميركية في العراق بتفاهمات مع إيران شملت شؤوناً أمنية وسياسية خاصة بالعراق، كان من بينها التوافق على خروج المالكي من الحكم وترشيح حيدر العبادي مكانه؟!. 
فما الذي ينتظر العراق وسوريا الآن (واستتباعاً لبنان وكل المشرق العربي) من تطوراتٍ واحتمالات، وهل ما يحصل هو مقدّمة لتسويات دولية وإقليمية، أو مجرّد تقاطع مؤقّت لمصالح هذه الدول التي تدير الأزمات وحلولها خلال هذه الفترة؟! ثمّ في حال وجود توافقٍ مؤقّت بين هذه الدول على مواجهة "داعش" وإفرازاتها، فما الذي سيحصل بعد النجاح في هزيمة هذه الجماعات الإرهابية وما سيكون بديلها على الأرض من حكومات ومعارضات وتسويات سياسية، بل أيضاً من حدود كيانات؟!. وهل ستتّعظ القوى الإقليمية والمحلّية التي راهنت على جماعات "النصرة" و"داعش" خلال السنوات الماضية من هذه التجربة المرّة في التحالف مع قوى شيطانية إرهابية لم ترحم أحداً في مناطقها من كلّ الطوائف والمذاهب والإثنيات.؟!
تساؤلاتٌ عديدة جارية الآن دون قدرةٍ على حسم الإجابة بشأنها، فمحصّلة السنوات الماضية من هذا القرن الجديد لا تشجّع كثيراً على التفاؤل بمستقبلٍ أفضل، طالما أنّ البلاد العربية هي ساحات لمعارك وصراعات، وليست مصدر قرارات أو قدرة على الاعتماد على الذات من أجل تصحيح الواقع وتغيير مساره لصالح العرب أنفسهم أولاً. فالمخاوف أن يتكرّر ما حدث في العراق (عام 2003)، وفي ليبيا (عام 2011)، من تدخّل عسكري أجنبي لإسقاط أنظمة، فإذا ببديلها على الأرض ميليشيات مسلّحة على أسس طائفية وقبلية وإثنية أطاحت بكل مقوّمات الدولة الواحدة، وأضعفت الولاء الوطني والقومي، وغيّبت أي ممارسة سليمة لمفهوم المواطنة، وسبّبت بتهجير مئات الألوف من المواطنين. فالخوف هو إذن من أن يكون إنهاء "داعش" ومثيلاتها هو مقدّمة لتكريس انقسامات حدثت في السنوات الماضية، فأنتجت واقعاً مريراً بين أبناء الوطن الواحد، وأقامت حواجز من الدم والكراهية للشريك الآخر في الوطن والمواطنة، بل أيضاً كرّست انقساماتٍ جغرافية تهدّد الآن وحدة الكيانات والأوطان.
فالحذر مطلوبٌ الآن من المستقبل، كما هو مطلوبٌ رفض الحاضر وتداعيات الماضي. إذ أنّ الوعد بمستقبلٍ أفضل يفترض وجود عناصر لم تزل مغيّبة حتّى الآن، وتحتاج إلى مراجعات كثيرة مع النفس لدى كل الأطراف العربية والإقليمية المعنيّة بالأزمات الراهنة. ولعلّ أولى هذه المراجعات هي وقف المراهنة على "شيطان الداخل"، المتمثل الآن بجماعات الإرهاب، من أجل تحقيق مصالح فئوية لهذا الطرف أو ذاك، كما هو مهمٌّ أيضاً الآن الاعتماد على الذات العربية لبناء مستقبلٍ عربيٍّ أفضل، بدلاً من تكرار انتظار الترياق من الأجنبي الإقليمي أو الدولي، وهو ما يحدث على مدار قرنٍ من الزمن، ولم ينتِج إلاّ المزيد من المآسي والأزمات في المنطقة العربية.   
لقد خرج النفوذ الأجنبي من باب المنطقة في منتصف القرن الماضي بفعل ثوراتٍ تحرّرية عربية، لكنّه عاد الآن إلى المنطقة من نافذة المعاهدات مع إسرائيل، ومن خلال نتائج الحروب العربية- العربية، وخطايا بعض الحكّام الذين استباحوا أوطاناً عربية أخرى أو حقوق مواطنين عندهم. لكن ذلك كلّه ما كان ممكناً أن يحدث بهذه الصورة الدموية التي نراها الآن في المجتمعات العربية لولا أيضاً وجود تخلّف فكري يسمح بالمتاجرة بالدين والطوائف، كما الانحطاط حاصل في مفاهيم وممارسات معاني الهُويّات الوطنية والقومية.
فما يحدث الآن في عموم أرض العرب، هو تعبيرٌ ليس عن مشاريع ومؤمرات خارجية فقط، أو عن خطايا حكومات وأنظمة فحسب، بل أيضاً هو مرآةٌ  تعكس الفهم الشعبي العربي الخاطئ للدين وللهويتين العربية والوطنية، ولمدى خلط بعض المعارضات بين مواجهة الحكومات وبين هدم الكيانات الوطنية، ولسقوط بعض المعارضين والمفكّرين والسياسيين في وحل وهُوّة التفكير الطائفي والمذهبي.
إنّ الأمَّة العربية مثقلةٌ الآن بالجراح، والدم ينزف من شعوبها بفعل صراعاتٍ أهلية، وليس نتيجة معارك مع عدوّها الإسرائيلي المشترَك الذي استفرد الآن بالشعب الفلسطيني، ويمارس عليه العدوان والقتل والدمار، ويواصل الاستيطان والتهويد للأراضي الفلسطينية وللقدس الشريف، بينما العرب منشغلون بأنفسهم وبصراعاتهم الداخلية وبمصالح فئوية لهذا الحاكم أو ذاك المعارض.. 
وعوضاً عن أن يسود العالم ما قاله السيد المسيح (عليه السلام) بأنّ "في السماء المحبّة وعلى الأرض السلام"، نرى عالم اليوم قد تحوّل إلى: "في السماء طائرات الناتو.. وعلى الأرض الإرهاب"!. أليس هذا ما حدث ويحدث الآن في أفغانستان واليمن ودولٍ إفريقية، إضافةً إلى العراق وما يمكن أن يحدث بعده في أمكنةٍ أخرى؟!. فلا "قنابل السماء"، ولا "إجرام الإرهاب على الأرض"، بوجهيه "الداعشي" و"الصهيوني"، هو الذي سيبني أوطاناً عربية موحّدة، أو مستقبلاً زاهراً لمن هو آتٍ من أجيال.
18-8-2014
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن  
 Sobhi@alhewar.com      

غزة في عيون الفلسطينيين/ د. مصطفى يوسف اللداوي

حلمنا صار غزة، ننام على أخبارها، ونصحو على أنبائها، فلا خبر قبلها، ولا نبأ بعدها، ولا حدث يسبقها، ولا شيء عنها يشغلنا، ولا ما يتقدم عليها، 
نتابع أحداثها، ونتقصى أخبارها، ونسأل عما يجري فيها، وما يقع عليها، ونحاول معرفة ما يخطط لها، وما يريدون لها، وكيف يخططون للنيل منها أو السيطرة عليها،
نقضي الساعات الطوال أمام المحطات الفضائية، نتنقل من محطةٍ إلى أخرى لنكون معها ومع أهلها، ولو خبراً وصورة، أو بياناً وتوضيحاً، أو تعقيباً وتصريحاً، 
نتابع المحللين والمعلقين، ونشاهد البرامج الحوارية، ونقرأ التعليقات الصحفية، ونقف عند مساهمات أهل غزة، ونقرأ مدوناتهم، ونحفظ مشاركاتهم، ونقدر للمدونين جهدهم، وللمساهمين دورهم، ونشكر المصورين على مغامراتهم، ونشيد بجهود الإعلاميين واجتهاداتهم، ونرى أنهم جزءٌ من المعركة، جنودٌ مقاتلون، ومقاومون استشهاديون، يقومون بالواجب، ويؤدون الدور المنوط بهم، رغم خطورته وصعوبته، 
أصبحنا نتابع مع المواطنين الغزيين حركتهم، ونعرف تنقلاتهم، ومكان إيوائهم، ونحدد معهم مكان سقوط الصواريخ، ونعاين آثارها، ونرصد نتائجها، ونحدد حجم الخسائر المترتبة عليها، 
باتت جغرافيا غزة الصغيرة معلومة لدينا، ومحفوظة عند صغارنا وكبارنا، فأطرافها رفح وبيت حانون، وتخومها جباليا وبيت لاهيا، والشجاعية والقرارة وعبسان، وقلبها الصبرة والزيتون والدرج والرمال، ووسطها النصيرات والبريج ودير البلح والمغازي، ويشقها شارع صلاح الدين والشرقي والطريق البحري، 
غزة أعادتنا إلى فلسطين وبلداتها، عندما أطلقت المقاومة صواريخها العربية لأول مرةٍ على العفولة والخضيرة شمالاً، وعلى تل الربيع ومطار اللد، وعسقلان والفالوجا، وأسدود والرملة، وبئر السبع وصحراء النقب، 
بتنا نشارك المفاوضين أوراقهم، ندرسها معهم، ونبدي رأينا فيها، ونحدد عيوبها ومساوئها، ونذكر مزاياها ومحاسنها، ونشيد ببعضها ونحذر منها أحياناً، نخاف من المنزلقات، ونخشى من المنعطفات، ونحذر من كل الاتفاقيات، وندرك أنها ملغومة، وأن العدو يكمن كالشيطان في كل تفاصيلها، 
صغارنا قبل الكبار، يعرفون الكثير عن غزة، يحبونها بل يعشقونها، ويتطلعون أن يكونوا جنداً فيها، مقاتلين على أرضها، ومدافعين عن شرفها، فباتوا يقلدون المقاومة، ويحملون البندقية، ويصممون الصواريخ، ويسمونها بأسمائها التي حفظوها، حتى غدت نماذجها زينة، وأنواعها مفخرةً وشرفاً،  
مفردات المقاومة طغت بين أهلنا، وسادت بين أطفالنا ورجالنا، حتى النساء بتن يدركنها ويعرفنها، ويحسن الحديث فيها وعنها، ويفضلنها عن أحاديث الزينة والمكياج، والموضة والأزياء،  
الصواريخ وأنواعها، وأشكالها وأسماؤها، ومصادرها ومصانعها، والمضادات وفاعليتها، ومختلف أنواع السلاح وآثارها، باتت كلها حديث العامة، وزينة المجالس، ومتعة السمر، وسلوى السهر، من علم بها فهو عالم، ومن جهلها فهو جاهل، ومن حفظ تفاصيلها فهو الخبير، 
أصبحنا نعرف كل حواري غزة وأزقتها، ونحفظ شوارعها وبلداتها، وعائلاتها وأسرها، فما من مكانٍ إلا وأصابه القصف ولحق به الدمار، وحل فيه من العدوان خرابٌ، يدل عليه ويشير إليه، 
وما من عائلةٍ إلا أصيبت وابتليت، ونالها من العدوان نصيبٌ، شهادةً أو إصابة، ونسفاً للبيوت أو دماراً لبعضها، ومنهم من أُبتلي في بيته وأولاده، وفي ماله وعياله، 
باتت كل برامجنا مرتبطة بغزة، ومعلقة بما يجري فيها، ومؤجلة حتى تضع الحرب أوزارها، وينتهي العدوان عليها، ويعود أهلها إلى بيوتهم وإن كانت مدمرة، ويخرج جرحاهم من المستشفيات وإن كانوا ما زالوا مرضى ويعانون، وجراحهم غائرة ويتألمون،  
كل المشاريع معطلة، وكل الأنشطة معلقة، فلا دراسة ولا عمل، ولا زواج ولا فرح، ولا سفر ولا انتقال، ولا شئ مما قد يشغل البال، ويهم النفس، ويبعدنا عن غزة وأهلها، 
لم يعد لكثيرٍ من متع الحياة معنى أو قيمة، فقد فقدت المتع طعمها، فلا لذة لطعامٍ أو شراب، ولا متعة في حياةٍ أو عمل، ولا احساس بالفرح أو السعادة، إلا أن تبرأ غزة وتشفى، وتستعيد أنفاسها وتحيا، وتدحر من أرضها وسمائها عدوها، وتتخلص منه وممن تبعه وعاونه، وممن سانده وأيده، 
أيا غزة الإباء والشمم، والكرامة والسؤدد والعزة وعالي الهمم، 
أيا رأساً مرفوعاً وقامةً منتصبة، وإرادةً عاليةً شامخة، 
أيا سواعد قويةً، ويداً فتيةً، وإرادةً عصيةً، ومقاومةً عليةً، 
يا حلم الأحرار، وقبلة الثوار، وملتقى الصادقين الأطهار، 
أيا بلد الأبطال، ومسقط رأس الشهداء الأبرار، 
يا نوراً يتلألأ، ونجماً في كبد السماء يسطع، 
إن الصبح موعدك وإيانا مع النصر، أليس الصبح بقريب، 

العدو بين الخيارات الصعبة والحلول المكلفة/ د. مصطفى يوسف اللداوي

ظن العدو الصهيوني أن عدوانه على قطاع غزة سيكون مشابهاً لاعتداءاته السابقة، وأن أيامه لن تتم الشهر بأي حالٍ، وإن تجاوزت الشهر فبأيامٍ قليلة كعدوانه على لبنان في العام 2006، الذي استمر ثلاثة وثلاثين يوماً، انتهت بعدها كافة العمليات العسكرية، بقرارٍ صدر عن مجلس الأمن الدولي، أخرج الكيان من الحرج الذي وقع فيه، وتكفل القرار نيابةً عنه بتنظيم علاقته مع لبنان، والتنسيق مع المقاومة، التي عجز عن طردها شمال الليطاني، وفشل في نزع سلاحها، وتصفية قيادتها، وتفكيك بنيتها العسكرية والتنظيمية، ما جعله يقبل بالأمم المتحدة، لتنوب عنه في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه بقوة السلاح، وكثافة النيران، والخراب والتدمير الأعمى الواسع، الذي لم يأتِ بنتيجةٍ لصالحه.

لكن قيادة العدو الإسرائيلي، السياسية والعسكرية قد أخطأت الحساب، ولم تحسن التقدير، ولم تأتِ النتائج وفق ظنها، فالمقاومة التي كانت تملك صواريخاً مداها لا يتجاوز الأربعين كيلومتراً، أصبح لديها صواريخ تكاد تصل إلى الحدود الشمالية لفلسطين، فضلاً عن المدن الداخلية بما فيها مدينة القدس، كما باتت مستودعات المقاومة متجددة، فلا ينقص مخزونها حتى يكتمل.

وقد ظن العدو الصهيوني أن الحصار وتدمير الأنفاق سيحدان من قدرة المقاومة على امتلاك السلاح، وأن عمليات التهريب ستتوقف، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع مخزونها من الذخيرة والصواريخ بسرعة، ولكنه ما كان يظن أن معامل الذخيرة، ومصانع السلاح تعمل في قطاع غزة ليل نهار، وأنها جزء من منظومة المقاومة، وهي منظومة متكاملة، تشمل التصنيع والتخزين والمنصات والنقل والتلقيم والإطلاق.

صدم العدو الصهيوني بكل أركانه أمام ثبات المقاومة وصمودها، وغنى مخازنها، وثراء مستودعاتها، وعنفوان شبابها، وقوة مقاوميها، وجرأة قادتها، وصمود شعبها، وقدرته الكبيرة على الصبر والتحمل والثبات، فما شكى ولا أَنَّ، ولا بكى ولا تذمر، ولا تبرم ولا تأوه، بل سبق المقاومة في مواقفها، وحضها على الثبات في الميدان، والصمود في المفاوضات، وعدم تقديم تنازلاتٍ للعدو أياً كانت، بحجة أن الشعب قد تعب، وأن ما أصابه أكبر من قدرته على الاحتمال، وأن ما ينتظره في حال مواصلة العدوان سيكون مزلزلاً ومرعباً، وسيكون أشد وأقسى مما يتوقعون.

أمام الورطة العسكرية، والمغامرة غير المحسوبة العقبات، والعجز الفاضح عن تحقيق نصرٍ واضحٍ على المقاومة الفلسطينية، باتت خيارات العدو الإسرائيلي للخروج من المأزق محدودة جداً ولكنها واضحة، وأصبح يعرفها السياسيون والعسكريون، والمراقبون والمواطنون على السواء، وهي جميعها بالنسبة إلى حكومة الكيان الصهيوني خياراتٌ سيئة، لا تتناسب مع الطموح، ولا تلبي الآمال التي كانوا يمنون أنفسهم بها، فالاختيار والمفاضلة بينها بالنسبة إلى العدو الصهيوني سيئة ومحرجة.

لكن أصبح لزاماً على الحكومة الإسرائيلية أن تقرر، فالوقت لم يعد في صالحها، والظروف باتت لا تخدمها، ومعسكر الحلفاء وإن كان صادقاً في حلفه الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، ولا يتخلى عنه، ولا يتركه في أزمته وحيداً، إلا أنه أخذ يتذمر ويشكو، وربما شرع بعضهم في ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، وإن بدا ضغطاً خفياً غير ظاهر، ناعماً غير خشن، دبلوماسياً غير فظ، إلا أنه يدل على غضب الحلفاء، ويبدي عدم رضاهم عن أداء وسياسة الحكومة الإسرائيلية.

كما بات من الواضح للعدو الإسرائيلي أنه من المستحيل نزع سلاح المقاومة، أو تفكيك بنيتها العسكرية، أو القضاء على قياداتها السياسية والعسكرية، وإن كان قد نجح في اغتيال بعضهم، إلا أنه يدرك أن قيادة المقاومة ما زالت بخير، وأن مؤسساتها متماسكة، وتنظيماتها قائمة وقوية، وقدراتها على التواصل والتنسيق والاجتماع ما زالت كبيرة، فضلاً عن قدرتها على الصمود والمواصلة، بل إنها تبدي رغبةً في المواجهة، وتتحين فرص الاشتباك، وتعتقد بأنها قادرة برياً على تحقيق بعض الكسب العسكري على الجيش الإسرائيلي.

على حكومة العدو الصهيوني أن تقرر في الأيام القليلة القادمة ماذا ستفعل، وكيف ستتصرف، إذ من المستحيل عليها وعلى المجتمع الدولي أن تستمر في المراوحة مكانها، دون أن تخطو خطوة إلى الأمام أو إلى الخلف، أو أن تركب حافلةً صديقة تقلها وتنقلها إلى نقطةٍ آمنة، أو أن تحقق أهدافها التي أعلنتها، وهذا أمرٌ بات في حكم المستحيل وغير الممكن.

على الحكومة الإسرائيلية وقيادة جيش العدوان، القبول بالشروط الإنسانية والوطنية للشعب الفلسطيني، ومواصلة المفاوضات عبر الوسيط المصري، وعلى أساس الورقة المصرية التي عدلها الوفد الفلسطيني المفاوض، على أن يلتزم ما يتم الاتفاق عليه، ويقر بأن العودة إلى الحال السابق غير ممكن، وأن إقرار سياسة التهدئة مقابل التهدئة غير مجدية، لأنها ستقود حتماً إلى حربٍ جديدة.

أو مواصلة العدوان، والدخول في حرب استنزاف طويلة، وتحمل نتائجها على شعبه واقتصاده وحياته العامة، بالإضافة إلى صورته السيئة لدى المجتمع الدولي، في ظل التدمير والخراب وقتل المدنيين واستهداف المؤسسات، واستخدام القوة المفرطة، والأسلحة المحرمة دولياً، علماً أن المقاومة ستمضي في حرب الاستنزاف، لأنها الحالة الطبيعية بين شعبٍ محتلةٍ أرضه، وبين عدوٍ غاصبٍ يحتل الأرض وينتهك المحرمات.

أو أن تقرر إعادة احتلال قطاع غزة، عبر اجتياح بري واسع، علماً أن العملية البرية ستكلفه الكثير، وسيتكبد فيها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والممتلكات والاقتصاد وكافة مرافق الحياة، وسيكون مضطراً للبقاء في قطاع غزة لعدة سنوات، يتحمل فيها كافة المسؤوليات تجاه الشعب الخاضع لسلطته.

أو أن توقف العمليات الحربية العدوانية من طرفٍ واحد، وتتعامل مع الأحداث بما يناسبها، وهي حالة تشبه حرب الاستنزاف، وقد تقود إليها، كما قد تؤدي في حال وقوع خسائر كبيرة إلى نشوب حربٍ جديدة، أو القيام بأعمالٍ انتقامية واسعة.

أو أن تقبل بإحالة قضية قطاع غزة إلى مجلس الأمن الدولي، لتتكفل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أوروبا الغربية، بتحقيق ما عجزت عن تحقيقه بالقوة، وهو الخيار الأنسب والأفضل لها، إذ ترغب في أن تشرك المجتمع الدولي كله في مراقبة قوى المقاومة، ومنع تسليحها، وتجفيف منابعها العسكرية، مقابل خدماتٍ إنسانية كبيرة تؤديها الأمم المتحدة برعايتها وتحت إشرافها لسكان قطاع غزة.

هي أيامٌ قليلة وتنجلي الصورة عن أحد الخيارات الخمسة، لكن الكيان الصهيوني والأمم المتحدة سيخطؤون كثيراً، إذا أهملوا المقاومة، وتجرأوا على سلاحها، وتجاوزوا حقوق الشعب المشروعة، وأبقوا على الحصار، أو أعادوا تنظيمه، سيخطؤون أكثر إذا تصرفوا وحدهم وكأنهم الغالب والمنتصر، وأن من حقهم الجلوس على طاولة المنتصرين، ليعيدوا التقسيم والتوزيع، وكأنهم في يالطا جديدة.

مذبحة "السارين" وأخواتها!/ محمد فاروق الإمام

لقد عودنا النظام الذي تسلق جدران السلطة في دمشق في ليل بهيم فجر الثامن من آذار 1963 على مسلسل من المذابح والمجازر بدم بارد، ولما كانت مذبحة السارين في الغوطة الشرقية تحل ذكراها يوم 21 آب والتي أتت على 500 من الأطفال و1600 من النساء والرجال، إضافة إلى مئات المصابين بحالات الاختناق بفعل غاز السارين الذي أطلقه سفاح دمشق على المواطنين الآمنين تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي ملأ الدنيا ضجيجاً وفرقعة وتنديداً وشجبا، وقبض هذا المجتمع الثمن لتهديده ووعيده بتسليم النظام للأمم المتحدة ما يمتلكه من أسلحة كيماوية محرمة بوساطة الدب الروسي شريك النظام في مذبحة السارين في الغوطة، لاعقاً العم سام تهديده بأن (الكيماوي خط أحمر) بموافقته على المقترح الروسي بتسليم هذا السلاح الفتاك إلى الأمم المتحدة التي أشرفت على نقله من سورية ومن ثم تدميره دون أي مساءلة لسفاح دمشق وعقابه على جريمته النكراء التي ارتكبها في الغوطة الشرقية.

كما قلنا فإن نظام دمشق الذي اغتال السلطة الشرعية ودنس بأقدام مغامريه القذرة سدة الحكم عام 1963 له سجل مريع وأسود تمثل في سلسلة من المذابح والمجازر التي ارتكبها بحق الشعب السوري قبل وبعد مذبحة السارين أمام صمت المجتمع الدولي وغياب العدالة الاجتماعية والتعتيم الإعلامي نذكّر بأهمها ليتعرف عليها جيلين ممن توالدوا في ظل هذا النظام وعاشوا على أسطورة كاذبة روجها النظام عبر وسائل التعليم المنحرف والإعلام الكاذب:

1-مذبحة 18 تموز 1963 حيث تم الإجهاز على أكثر من مئتي ضابط محترف من خيرة ضباط الجيش السوري بحجة التمرد ومحاولة الانقلاب على النظام.
2-مذبحة جامع السلطان في حماة عام 1964 راح ضحيتها العشرات من الطلاب. 
3--مذبحة الجامع الأموي في دمشق عام 1965 راح ضحيتها العشرات بحجة اعتصام التجار في المسجد ضد القرارات التأمينية الظالمة والأحكام الاقتصادية غير العادلة.
4--مذبحة جسر الشغور عام 1980 التي راح ضحيتها أكثر من 400 ضحية بحجة الاعتداء على فرع الحزب الحاكم في المدينة.
5--مذبحة سرمدا عام 1980 التي راح ضحيتها أكثر من 200 مواطن بحجة معارضتهم للدستور.

6-مذبحة المشارقة في حلب عام 1980 بأوامر من رفعت الأسد راح ضحيتها أكثر من 100 مواطن في صباح يوم عيد الفطر.
7-مذبحة سجن تدمر الشهيرة عام 1980 التي راح ضحيتها اكثر من 1000 سجين بحجة محاولة عصابة الإخوان اغتيال القائد حافظ الأسد بطل الصمود والتصدي في مواجهة الشعب.
8-عشرات المذابح المتفرقة في مجمل المدن والبلدات السورية في عامي 1981 راح ضحيتها المئات من المواطنين.

9-المذبحة البشعة في مدينة أبي الفداء (حماة) التي أطلق عليها (مأساة العصر) لفظاعتها يوم 2 شباط 1982 راح ضحيتها أكثر من 40 ألف مواطن وتدمير أكثر من 12 حي في المدينة بما فيها من دور عبادة وآثار حضارية ومؤسسات حكومية وبنية تحتية، وتهجير أكثر من 300 ألف من سكانها بحجة القضاء على عصابات الإخوان الإرهابية.
وبين هذه المجزرة وحتى قيام الثورة مجازر ومذابح ومقابر جماعية وسوق الآلاف إلى السجون والمعتقلات والنفي القسري خارج الوطن.
وبعد قيام الثورة الشعبية التي نادت بسقوط النظام ورحيل الأسد وحتى اليوم تدفقت أنهار من الدماء عبر مجازر يومية تقشعر لهولها الأبدان أتت على أكثر من ربع مليون شهيد واختفاء أكثر من هذا العدد وسوق أكثر من مليون مواطن إلى السجون والمعتقلات وتهجير نحو سبعة ملايين خارج حدود الوطن و12 مليون نازح يهيمون على وجوههم داخل الوطن بحثاً عن الأمن والأمان بعيداً عن براميل الموت المتفجرة التي يمطرنا بها نمرود الشام بشار الأسد منذ أكثر من ثلاث سنين.
لكم الله يا ضحايا هذا النظام وللمجتمع الدولي الصامت على جرائمه العار والشنار والخزي والعار.

نظام ولاية الفقيه و داعش و الجامع المشترك بينهما/ العلامة السيد محمد علي الحسيني

التصدي لموضوع تنظيم داعش الارهابي، والذي صار في الفترة الاخيرة ولاسيما بعد سقوط الموصل، حديث الساعة و الناس و محط ترکيز و إهتمام المجتمع الدولي و وسائل الاعلام، لايمکن أن يفي بالغرض المطلوب منه من دون التصدي للمنطلق و الاساس و الرکيزة التي مهدت الطريق و خلقت الاجواء المناسبة لظهوره و بروزه فيما بعد.
 تأسيس نظام ولاية الفقيه عقب الثورة الايرانية التي إستغلت اساسا من قبل رجال الدين المتشددين بزعامة الخميني، کان منعطفا حساسا و بالغ الاهمية في مسيرة التطرف الديني بالمنطقة و العالم و بداية مرحلة غير عادية في بعث و إحياء التطرف الديني و الافکار الطائفية الضيقة في لبوس و أردية براقة نجحت في التمويه على الکثيرين و خداعهم و إيهامهم بأن هذا النظام هو المنقذ و الامل المنتظر الذي سينتشل الشعوب العربية و الاسلامية من حالة الرکود و يقودهم نحو المجد و العلا.
 نظام ولاية الفقيه ومنذ بداياته الاولى، إعتمد على سياسة فرض الامور بالقوة و إکراه الشعب الايراني على المثول لخياراته و أفکاره المتطرفة و المتشددة، وبدأوا بالاعتقالات التعسفية لمخالفيهم و زجهم في السجون و حملات الاغتصاب للنساء و الاعدام الجماعية و التي نخص بالذکر منها، ماکان يقوم به الملا خلخالي الذي کان يتصرف وکأنه قرقاش إيران من حيث إستهتاره و إستهانته بأرواح المواطنين الايرانيين و إصداره أحکامه بحق كل من خالف وﻻية الفقيه البعيدة ليس عن روح القوانين و انما عن الاسلام نفسه، أما عقوبات الجلد و إحراق وجوه النساء و قطع الاصابع و الانف و الاذن و فقء الاعين و الرجم واعدام النساء الحوامل، فحدث من دون حرج، بالاضافة الى التفجيرات و الاغتيالات و الاعمال الارهابية المروعة التي کانوا ينسبونها کذبا لأعداء وهميين، کل ذلك خلق جوا إرهابيا مرعبا جعلت من الشعب الايراني کله أسيرا له. التظاهرات الغريبة في موسم الحج والتي کان النظام يقوم بها من خلال الحجاج الايرانيين، والتي لم تکن سوى بدعة من النظام الذي هو في الاساس بدعة ماأنزل الله به من سلطان، وکذلك تصدير الارهاب و التطرف الديني لدول المنطقة وقيامه بتأسيس أحزاب و جماعات و تنظيمات مرتبطة به و تعمل من أجل نشر أفکاره و قيمه خصوصا من حيث قيام هذه الاحزاب و التنظيمات بالسعي لجعل أنفسها دولة داخل الدولة التي تتواجد فيها وهو ماخلق حالة من عدم الاستقرار و التوازن السياسي و صار مصدر أزمة و مشاکل في تلك الدول، کما ان حدوث عمليات تحريض و تفجير و إغتيالات في دول المنطقة و العالم، أعطى إنطباعا کاملا بأن نظام ولاية الفقيه ليس إلا واجهة لنظام دموي مرعب يعيش على اساس إرعاب الناس و المس بالامن و الاستقرار، خصوصا بعد أن بدأ هذا النظام بالتعرض للطوائف و الاديان وقمع الأقليات أيضا كما جرى في الاهواز و سعى لفرض قيمه و معاييره عليهم، جعل هذا النظام وجها مکروها و ممقوتا و ليس بغريب و عجيب أن يکون نظام ولاية الفقيه بحسب الاستفتاءات الدقيقة التي أجريت، أکثر النظام السياسية کراهية في العالم کله، وان هذه الکراهية وليدة نهجه المشبوه و المبني على الاکراه و الفرض بالقوة. تنظيم داعش الارهابي، والممارسات الاجرامية غير المعهودة التي قام و يقوم بها، والتي يعلم من له أبسط المعلومات حول الدين الاسلامي الحنيف، بأن الاسلام برئ منه و من ممارساته المخالفة و المتعارضة مع مبادئ و قيم الاسلام، يشبه کثيرا نظام ولاية الفقيه حيث أن الطرفين يعتمدان على نهج إرعاب و تخويف الاخرين و جعلهم يعيشون حالة من القلق و التوجس و عدم الاستقرار، والذي يجب أن ننتبه إليه جيدا و نأخذه بنظر الاعتبار، هو ماتذکره اوساطا عديدة مختلفة بشأن وجود أکثر من علاقة سرية بين تنظيم داعش الارهابي و بين نظام ولاية الفقيه، خصوصا وان ظهوره على الساحة السورية عشية الثورة السورية، هو برأي کل المطلعين و المختصين بالشأن السوري، صناعة للنظامين الاستبداديين. 
الاعمال و الممارسات الشاذة و المنحرفة و الموغلة بالاجرام، والاجواء النفسية المرعبة التي يسعى تنظيم داعش لفرضه على المناطق التي يتواجد فيها، لايختلف عن الممارسات الاجرامية التي يقوم بها نظام ولاية الفقيه من خلال مٶسساته و أجهزته القمعية المبثوثة هنا و هناك وخصوصا فيلق القدس التي لاهدف لها سوى تقويض السلام و الامن و الاستقرار في المنط‌قة. 
إننا نؤكد ان تطرف واجرام نظام ولاية الفقيه ﻻيمثل الشيعة أبداً، وتطرف واجرام داعش ﻻيمثل السنة قطعاً، لذا على الدول الإسلامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص مواجهة التطرف المتمثل بنظام وﻻية الفقيه وداعش معا، كما اننا ندعو إلى احتضان و تفعيل وجود العلماء الوسطيين المعتدلين للقيام بواجباتهم في افشال مؤامرة نظام وﻻية الفقيه وداعش، ونحن كمجلس اسلامي عربي على استعداد كامل للقيام بكل الخطوات الإيجابية في هذا الصدد، ونحن جاهزون للتنسيق والمساهمة والمساعدة بكل ما من شأنه أن يحافظ على امن واستقرار وسلامة امتنا، ويفشل مخططات ومؤامرات نظام وﻻية الفقيه.

الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
www.arabicmajlis.org

وعد الوزير دين على الرئيس/ أشرف حلمى

هل سيثق شعب مصر عامة والمسيحيين خاصة فى سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى بعد ان وعد فى منتصف شهر أغسطس 2013 بان القوات المسلحة ستقوم  بترميم مسجد رابعة العدوية وإعادة بناء الكنائس المحترقة التى هدمها الإخوان والارهابين أثناء أحداث العنف التى لا صاحبت  ثورة يونيو على نفقة الجيش حيث وصلت بحسب التقديرات إلى أكثر 60 كنيسة ؟ هذا وقد تم  إنشاء صندوق خاص لتعمير الكنائس بناءاً على المبادرة التى اطلقتها مشخية الأزهر بالمشاركة مع الكنيسة القبطية بانشائه يموله رجال الأعمال كتبرعات لإعادة بناء دور العبادة , إضافة الى الاموال التى تبرع بها بعض من إمراء الخليج للغرض ذاته .
 فحتى الان وبعد عام لن يتم سوى إعادة بناء 10% من إجمالى عدد الكنائس المراد ترميمها  اى  حوالى 6 كنائس بواقع  كنيسة واحدة كل شهرين . رغم ان مسجد رابعة العدوية تم ترميمه فى أقل من اسبوع واحد .
فمن المنطق ان تكون القوات المسلحة  قد إنتهت من إعادة بناء وترميم هذه الكنائس على اساس ترميم كنيسة كل اسبوع .
فإذاً اين ذهبت الاموال التى جمعت من أجل إعادة البناء ؟ ام انها ذهبت هباء كالتى جمعها الشيخ محمد حسان من خلال"صندوق العزة" التى أطلقها  للاستغناء عن المعونة الأمريكية والتى تقدر ب 60 مليون جنيه .
للأسف الشديد سيظل المسيحيين يعانون تجاهلهم كما فعلت جميع الحكومات السابقة , لذا قد تعمدت كل من الحكومة المصرية المؤقتة والحالية والقوات المسلحة عدم إستكمال الكنائس حيث ظهر هذا واضحاً من خلال خطاب السيد عدلى منصور فى خطابه الأخير عندما تطرق الى الوثيقة العمرية البغيضة .
فالقوات المسلحة التى تصارع الزمن من أجل الانتهاء من مشروع حفر قناة السويس فى عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام بطول بطول 72 كيلو مترا هى التى تعمدت إعاقة إعادة ترميم وبناء الكنائس التى اسندت اليها فى عام إرضاءاً للمتاسلمين وعملاً للفتاوى الوهابية بشان الكنائس . 
فكيف لزعماء الكنائس الثلاثة ان يطلبوا من السيد الرئيس السيسى الذى لن يفى بوعده باعادتة بناء وترميم الكنائس التى هدمها المتطرفون حتى الان  باصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة ؟ !!!!!
فالرئيس السيسى مثله مثل جميع الرؤساء السابقين لم  يجرؤ على اصدار هذا القانون وخاصة بعد التصريح الطائفى والعنصرى لشيخ الازهر والذى يمثل الإسلام الوسطى بان بناء الكنائس مرتبط بحماية الأمن القومى للبلاد وكان الكنائس هى مصدر للتعاليم الإرهابية الوهابية فى حين صرح بان العمل في مشروع قناة السويس هو جهاد في سبيل الله . 

مؤخرة ميريام فارس .. مقدمة ابن خلدون!/ محمد رفعت الدومي

في البدء كانت الكلمة، شرف الإنسان هو الكلمة .. 

هكذا قال أحد المتحذلقين، أظنه " عبد الرحمن الشرقاوي "، و هو مزاح ثقيل، و كلام سخيف و فاشل و يجري في يقين الخطأ، و الصحيح أنه في البدء كان الانفجار العظيم لا الكلمة !

و في البدء ..

يجب أن أعترف بأن عنوان هذا المقال مسروقٌ من كهف ما من كهوف الذاكرة بتصرف، كأني ادخرته هناك لمثل هذا اليوم، ربما، يحالفني الحظ في العثور علي سبب وجيه لسرقته، و قد عثرت عليه أخيراً، مؤخراً، إنه مسلسل " اتهام" الذي قامت ببطولته الفنانة "ميريام فارس" ، تلك التي مؤخرتها واحدةٌ من أجمل مؤخرات النساء من المحيط إلي الخليج إلي حد يؤهلها أن تكون في هذا السياق و الممثلة الأمريكية أرمينية الجذور "كيم كارداشيان"، هناك، حيث يعيش المنهكون بالترف و الحرية، كفرستي رهان، لكن، يبدو أننا، كعادتنا في التعامل مع كل شئ، لا نتوقف أمام التسويق لمؤخراتنا كأننا أم باب شديد الأهمية، بل مصرون نحن علي أن نحدق النظر في الموضوع برمته كشئ تافه لا يستحق إضاعة وقت أمثالنا، الثمين جداً، تماماً، كالبحث العلمي ..

كُتّاب كثيرون أيضاً سبقوني إلي ارتكاب سرقة هذا العنوان التي لا يجوز فيها القطع بصيغ مختلفة، كلٌّ حسب المؤخرة التي حاصرت ذهنه قبل الشروع في الكتابة، مؤخرة "روبي"، مؤخرة " كيم كارداشيان "، مؤخرة " نانسي عجرم "، لكن المقدمة كانت علي الدوام واحدة، مقدمة "ابن خلدون"، و هي بالنسبة إلي أيٍّ من هذه المؤخرات شئ تافه، كلام، فقط، كلام، و كل تافه لا يأتي إلا بصيغة واحدة، كالوطن العربي، إنه، فقط، الوطن العربي ..

و لست هنا بصدد الحديث عن مسلسل " اتهام "، و لا بصدد الحديث عن الأضرار التي لحقت به بسبب ما انطوي عليه من ميوعة سردية و خط مرتبك و اقتداء صانعيه بأفكارهم المسبقة، لكن، برغم كل هذا، هو ليس الأسوأ بين أعمال "رمضان" ..

إنما، أنا هنا بصدد الحديث عن (اتهام) آخر وجهه بعض المؤرخين لـ " ابن خلدون "، و بماذا؟، بالخيانة العظمي!

قبل أن أخوض في هذا الحديث أود أن أخوض في حديث آخر قصير ..

من الجدير بالذكر أن العلاقة بين "ابن خلدون" و "ميريام فارس" تتجاوز بطبيعة الحال تلك المفارقة اللفظية بين " مقدمته " و " مؤخرتها " كما قد يتبادر إلي الأذهان غير المسلحة بمئات من الكتب علي الأقل، فهما، قبل كل شئ، يحملان نفس الجنسية، جنسية " لبنان "، من حيث الجغرافيا أولاً، و من حيث التاريخ قبل كل شئ !

فمن الثابت، أن " تونس " كانت أرضاً بكراً لم تطأها أقدامٌ قبل هبوط البحارة الفينيقيين في رحلتهم الشهيرة علي سواحلها، لذلك، هي تاريخياً أملاكٌ لبنانية، و جذور السكان الأصليين للبلدين واحدة، لكن الفوارق الرحبة بين ثقافة البلدين الآن، هي من صناعة موجات الهجرة المتكررة و مد الزمان وجزره لا غير ..

قد يقول قائل لا يعرف أن النسب ليس يعني فقط التواصل بين أبناء و آباء و أجداد عبر خط زمني ممتد، إنما هو ذاكرة الأرض ورائحة المكان قبل كل شئ، أقول، قد يقول قائل لا يعرف هذه الحقيقة : 

أن " ابن خلدون " ليس تونسياً خالصاً، بل ليس تونسياً علي الإطلاق ، هو نفسه في كتابه " كتاب العبر "، أو " تاريخ بن خلدون "، طارد جذور عائلته حتي " حضرموت " و ردَّ نسبه إلي الصحابيِّ " وائل بن حجر "، و هذا ادعاء، يدرك كل الذين استوعبوا أبعاد شخصية " ابن خلدون " كاملة، ألا أساس له من الصحة، أو علي الأقل، مشكوك في صحته، و حتي الآن لا أحد يدري ما وراء كواليس هوسه بمسألة النسب تحديداً، و هو هوس يكاد أن يمسكه بيديه كلُّ من قرأ تراث الرجل، لكن، من قال أن " ميريام فارس " لبنانية خالصة، هذه المؤخرة الجهمة بالقياس إلي رقة قوامها أرمينية الجذور علي الأرجح، تماماً، كمؤخرة " كيم كارداشيان "، تلك الكتلة الحرجة من العضلات و الأنسجة فوق ذاك الغصن الرقيق لا تتشكل أبداً من تلقائها، و لابد أن هناك معلومات محفورة في جينات مستوردة كانت السبب في كل هذا الجمال، و جمال مؤخرات نسائها يكاد أن يكون عرفاً دارجاً في " أرمينيا"، لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي! 

لكن، " ميريام فارس " مسيحية أرمينية، أو هكذا أظن، و إن كان يدهشني أن اسم أبيها " فارس " فقط لا " فارسيان "، فالألف و النون آخر كل اسم بعض تناذرات الأرمن الشهيرة، و لكن، مرة أخري، الراقصة الأرمينية " صافيناز " تقطع في هذا السياق قول كل خطيب، تماماً، كـ "جهيزة " ..

و الآن، إلي جوهر هذا الكلام..

في بداية القرن الخامس عشرالميلادي، عام " 1401 " تحديداً، حدث أن طرق الغازي المغولي الرهيب " تيمورلنك " أبواب مدينة " دمشق " .. 

كان قد استولي قبل ذلك بشهور علي مدينة " حلب " و سحق أهلها، و عصف بالكثير من الأرواح الهشة و الأحلام المؤجلة، و كتب نهاية مأساوية للعديد من قصص الحب و الوعود الصغيرة، و باشر تربية الذعر في القلوب من كل جانب! 

علي الساحل الآحر، 

السلطان المملوكي " فرج "، 

و أجدني، منذ مرحلة عمرية مبكرة و حتي كتابة هذا الكلام، لا أستطيع أن أستسيغ أن يكون سلطاناً و يكون اسمه " فرج " في نفس الوقت، لكنها الحظوظ، و لعله هو المصدر الجذري لاسمي " فرج " و " فرج الله " كثيري التداول في جنوب مصر حتي أعوام مضت، و لا أعرف أحداً في التراث ابتلي بهذا المرض قبله، و إن كان هناك  اسم " أبي الفرج "، سكن العديد من الشخصيات التراثية البارزة، مثل، " أبي الفرج الأصفهاني" و " أبي الفرج بن الجوزي " و " أبي الفرج الوأواء الدمشقي " .. 

تماماً، كاسم آخر لا أحبه، مع ذلك، فضلت في طفولتي التعايش السلمي مع كثيرين يحملونه، ألا و هو اسم " شعبان "، فثمة سلطان مملوكي آخر كان مريضاً باسم " السلطان شعبان "، علي كل حال، يبدو أنني أحسن حظاً لأني نجوت من التعايش السلمي مع " قنصوه " مثلاً، و ربما، كان المصريون أخبث مما أظن و حرموني من نيل هذا الشرف، و يكون اسم " خنُّوس " هو تحريف لاسم " قنصوه "، من يدري، فإن للمصريين أحوال .. 

و الشئ بالشئ يذكر.. 

سمعت أن امرأة من قريتي، في نهاية منتصف العام الماضي، أيام كان " السيسي" يختبئ خلف صمته، و قبل أن تتبخر كل الأوهام و يتعري الفراغ، أطلقت علي ابنها اسم " سيسي "، علي كل حال، سيرة هذه المرأة في كل بيوت القرية المغلقة علي الأسرار تزكم الأنوف، حتي الأطفال يعرفون هذا، و هي لمن لا يعرف من الغرباء، و شاهد فيلم " محامي خلع "، بالضبط، نسخة قريتنا طبق الأصل من " مرات عوض أبو شقفة "!

" فرج "، " السلطان فرج "، أو كأنه " السلطان فرج "،

علي الساحل الآخر، أحسَّ بالخطر علي الأمن القومي لأملاكه في " مصر " و " الشام "، و قرر أن يواجه ارهاب " تيمورلنك " المحتمل، و اصطحب معه إلي ميدان المعركة عدداً كبيراً من قضاة السلطان و فقهاء السلطان، و كان " ابن خلدون " من بينهم!

المهم ..

هناك، حين أحس " فرج " بصلابة عدوه، و بجسامة الورطة التي سعي إليها بقدميه، ادعي أن مؤامرة تحاك ضده في " مصر"، و انسحب بكل جيوشه تاركاً " دمشق " و أهلها و معظم من اصطحبهم معه من المدنيين تحت وطأة " تيمورلنك "!

هؤلاء، أرادوا تسليم المدينة، غير أن " نائب القلعة " أبي إلا الدخول في معركة أياً كانت الخسائر، و لأن المسافة بين وجهتي النظر كانت كبيرة، حدث خلاف كبير واتهامات متبادلة، و لعل " ابن خلدون "، بوصفه شاهد عيان، يجيد الكلام عما حدث أكثر مني، بل تكاد تشم من كلامه رائحة الأدرينالين تفوح من كل مكان في " دمشق "، يقول في كتابه " التعريف" :
" و بلغني الخبر من جوف الليل، فخشيت البادرة على نفسي، و بكرت سحراً إلى جماعة القضاة عند الباب، و طلبت الخروج أو التدلي من السور، فأبوا علي أولاً، ثم أصخوا لي، و دلوني من السور، فوجدت بطانة تيمور عند الباب، فحييتهم و حيوني، و قدموا لي مركوباً، أوصلني إليه، فلما وقفت بالباب، خرج الآذن فاستدعاني، و دخلت عليه بخيمة جلوسه، متكئاً على مرفقه، فلما دخلت عليه فاتحته بالسلام، و أوميت إيماءة الخضوع، فرفع رأسه و مد يده إلي فقبلتها، و أشار بالجلوس فجلست حيث انتهيت، ثم استدعى من بطانته الفقيه " عبدالجبار بن النعمان "، من فقهاء الحنفية بخوارزم، فأقعده يترجم بيننا "

لهذا السبب وحده، اتهم بعض المؤرخين الفاشلين " ابن خلدون " بالخيانة، و هؤلاء، هم هم، لم يرجموا بالخيانة سيرة " السلطان فرج " نفسه، ( صاحب الفرح ) !.. 

كما أن " القاضي برهان الدين بن مفلح الحنبلي " و معه شيخ الفقراء و آخرون، فعلوا مثلما فعل " ابن خلدون "، و طلبوا من " تيمورلنك " الأمان، و في ذلك يقول " ابن خلدون ": 

" فأحسن لقاءهم، و كتب لهم الرقاع بالأمان، و ردهم على أحسن الأحوال، و اتفقوا معه على فتح المدينة من الغد، و تصرف الناس في المعاملات "!

ثم بقي " ابن خلدون " في بلاط " تيمورلنك" حين انهارت أسوار " دمشق "، و خلصت لمالكها الجديد، و هو يصف ما حدث بعد ذلك قائلاً :

" ثم أطلق أيدي النهابة على بيوت المدينة، فاستوعبوا أناسيها وأمتعتها، و أضرموا النار فيما بقي من سقط الأقمشة، فاتصلت النار بحيطان الدور المدعمة بالخشب، فلم تزل تتوقد إلى أن اتصلت بالجامع الأعظم، و ارتفعت إلى سقفه، فسال رصاصه، و تهدمت سقفه و حوائطه، و كان أمراً بالغاً مبالغة في الشناعة والقبح "

بالإضافة إلي أن " ابن خلدون " تدلي من فوق أسوار " دمشق " في ( قفة )، مخافة الموت، و ذهب إلي معسكر " تيمورلنك "، هو أيضاً، رسم لـ " تيمورلنك "، عن طيب خاطر، خرائط مفصلة لبلاد المغرب، و كتب له كل شئ عن أحوال أهلها في حزمة كراسات، بلغت، " 12 " كراساً ! 

" ابن خلدون " نفسه هو الذي قال هذا الكلام بلهجة صريحة و حادة و فارغة من أي موجة من الإحساس بالذنب ضربت للحظة حواسه للعب دور الجاسوس !

و أنا، لا أريد هنا أن أنفي عن " ابن خلدون " تهمة النفاق، إنما أريد تأكيدها، فالرجل، بلا مراء، كان واحداً من المنافقين العظام، و من الانتهازيين الرواد، و هو، في كثير مما نزف قلمه، يورط نفسه عن عمد، بكل بساطة، في شرخ هذه التهمة، كأنه يصف نفسه بالكرم مثلاً، بل كأني به كان يضحك في حبور أثناء الكتابة، من ذلك، يقول:

" فوقع في نفسي لأجل الوجل الذي كنت فيه أن أفاوضه في شيء من ذلك ليستريح اليه، ويأنس به مني، ففاتحته و قلت : 

- أيدك الله، ليَ اليوم ثلاثون أو أربعون سنة أتمنى لقاءك، فقال لي الترجمان " عبد الجبار " : 

- و ما سبب ذلك ؟ 

فقلت : 

- أمران، الأول أنك سلطان العالم، و ملك الدنيا، و ما أعتقد أنه ظهر في الخليقة منذ آدم في العهد مثلك، و لست ممن يقول في الأمور بالجزاف!" ..

كما ترك لنا " ابن عربشاه " في كتابه " عجائب المقدور في نوائب تيمور " وشاية واضحة تؤكد أن النفاق كان يلمع في شخصية " ابن خلدون " كالخنجر.. 

لقد حدث خلال مائدة أقامها " تيمورلنك" لفقهاء " دمشق " الذين زاروه لإظهار الخضوع و الطاعة لوليِّ النعم الجديد، و هذا شأن الفقهاء في كل زمان و مكان، فهؤلاء، علي طول التاريخ و عرضه، كانوا في صف " اللي طابخ "، و من يملك " المضيرة "، و هؤلاء كانوا منشغلين بالتهام الدهن حين قال " ابن خلدون "، الأعلي من هؤلاء كعباً بطبيعة الحال، و لا يعنيه ما يعنيهم من أشياء الطفيليين، قال :

" شهدت مشارق الأرض، و مغاربها، و خالطت في كل بقعة أميرها ونائبها، و لكن لله المنة أن امتد بي زماني، و منَّ الله عليَّ بأن أحياني حتى رأيت من هو الملك على الحقيقة، و المسلك بشريعة السلطنة على الطريقة، فإن كان طعام الملوك يؤكل لدفع التلف، فطعام مولانا الأمير يؤكل لذلك، و لنيل الفخر والشرف "!

من ذا الذي لا يصف الرجل بعد كل هذا بالنفاق و يجوز لنا أن نتهمه بسلامة العقل ؟

مع ذلك، لابد من التفكير خارج التابوت أحياناً ..

مما لا شك فيه أن" ابن خلدون " هو المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع، لا كما يزعم الأوربيون، الفيلسوف الفرنسي " أوجست كونت "، وإن كان الأخير هو من صاغ هذا التعبير و وضعه في إطاره المتعارف عليه الآن .. 

و من أجل احترام المنطق، يجب أن نكون علي ثقة من أن أفكار الرجلين التي اتخذ كلاهما منها نواةً لهذا العلم أطول عمراً منهما بكثير، و هي أفكار تقف علي جذور ضاربة في القدم، و مستمدة من ثقافات إنسانية متباينة، و متقاطعة أحياناً ..

و هو علم في رأيي لم يزل في طور الطفولة، لذلك، لم يستطع حتي الآن أن يستوعب الأبعاد الكاملة للتحولات الاجتماعية العصبية للجماعات، و لا أن ينسجم مع الحداثة فضلاً عما بعد الحداثة، و لا أن يهدئ من وتيرة التفكك الاجتماعي المتسارعة، لكن علماء الاجتماع معذورون، فالتحولات الاجتماعية في العقود الأخيرة تتضاعف يومياً، كالورم، لأسباب كثيرة، في " مصر " مثلاً، بفضل بعض الأوغاد و لصوص الحريات، بطقس بسيط، أصبح في " مصر "، بعد عدة ساعات من مذبحة " رابعة العدوية "، مجنمع مواز للمجتمع المصريِّ، أقدم مجتمع في التاريخ المدون، بكل معني كلمة " موازي "، أقصد، مجتمع " رابعة العدوية "، و هو مجتمع متحرك يربح سكاناً جدد كل صباح، و يترهل، و سوف يحتل المقدمة بكل تاكيد، فلم يحدث عبر العصور أن أُهدرت دماءٌ وراءها موتورٌ يقظ، و مزدحم بالتصميم في نفس الوقت ..

أيا كان الأمر، أواصل :

مؤسس هذا العلم هو " ابن خلدون " طبعاً، لذلك، كان يجب أن يكون من دعاة الاستقرار كقيمة دونها كل قيمة، و هذا يقتضي بالضرورة أن يحدق النظر في كل ما يمت إلي كلمة " حرب " بعيون النقمة، و هي كراهية تتحد بالطبع بكراهيته لكلمة " ثورة "، كفعل أو كرد فعل، لكن شخصاً يفكر كما يفكر هو، لابد أن يستدير، حين تنجح الثورة في تبني قوانينها الخاصة من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار، بل يصبح ثائراً أكثر من " جيفارا "، و تتبدل نظرته لها علي الفور، و لقد حدث هذا بالفعل !

فعلي الرغم من أنه كان في كل ما كتب ضد الخروج علي الحاكم و إن كان ظالماً، من أجل الاستقرار و عجلة الإنتاج طبعاً، غير أنه أشاد بقوة بثورة القائد الأمازيغي " محمد بن تومرت " مؤسس دولة الموحدين بعد أن نجحت و أكملت كل دوائرها، للسبب نفسه، الاستقرار بصيغة أخري، و في ظلال أخري، ظلال المنتصر الذي بمقدوره أن يجلب الاستقرار .. 

كأنه كان يري أن دولة المرابطين بعدما تحطمت لم تعد صالحة للوقوف في صفها، و صارت عقبة في طريق الاستقرار، باختصار، هو يري أن الطاعة يجب أن تكون تعبيراً محميَّاً فقط للمنتصر، و الأقوي، و هو رأيٌ للنفاق في طياته نبضٌ أكيد، مع ذلك، ربما يغفر له كل ما اقترف من نفاق أنه كان رجلاً متصل الظاهر بالباطن، واظب علي حراسة أفكاره المعلنة حتي الموت، و دوَّنها حفراً في الورق، دون خجل ! 

ألا ليت الكثيرين من مثقفي هذا الزمان يتمتعون ببعض هذا الخُلُق، و يتوقفون عن أن يكونوا معارضين أو مؤيدين تحت الطلب، ليت..

أيضاً، ربما يغفر له كل ما اقترفه من نفاق، تلك النظر الدونية التي كان يخلعها علي كل ما هو عربيٍّ، كجنس قبل كل شئ، و لقد أثبتت الأيام أنه كان يتكلم من قلب الحقيقة، و أنه كان مسخاً، و سابقاً لأوانه، و هو هو، أول من صرح، مبكراً، مبكراً جداً، بأنه من الإحالة، بل المبالغة فيها، ذلك الرأي القائل بأن الخلافة يجب أن تكون حكراً علي المنتمين إلي " قريش "، كان هذا التصريح حجراً ألقاه في ماء التراث الآسن فثارت له فيما بعد سواحل بعيدة !

لكل ذلك، لم أنجرف أبداً في تيار الذين رجموا " ابن خلدون " بالخيانة، و للأسف، كان " طه حسين " من بين هؤلاء، لقد خاض فيه، لكن، برهافة شديدة، قال عنه : 

- " يتأثر أحياناً بعامل المصلحة الشخصية فيحيد عن طريقته " ..

أكثر من هذا، أري أن ما فعله مع " تيمورلنك " ينسجم تماماً مع شخصيته، وهو الأشبه بخرزته التي اختارها من العقد، و كل الطرق بعد هذا  الطريق إلي سريرة " ابن خلدون " تتخثر إما إلي الجهل أو التجني ..

 و الآن، لحظة من التفكير السليم، خارج التابوت، هي كل ما نحتاج لنجيب، من الداخل، علي هذه الأسئلة ..

ماذا كان علي " ابن خلدون " أن يفعل سوي ما فعل ؟ 

ما هو الفارق بين الولاء للسلطان " فرج " و بين الولاء لـ " تيمورلنك" و كلاهما محتل و مغتصب للأرض و مقدرات الناس بالقوة المسلحة ؟ 

هل كان علي " ابن خلدون " أن ينتظر الموت المجانيَّ في سبيل قيم موروثة لا تقيم للعدالة الاجتماعية وزناً في سبيل الولاء لـ "وليِّ أمر " هو نفسه لاذ بالفرار من أرض المعركة لمجرد إحساسه بالخطر ؟

كل هذه الأسئلة، مغ التفكير السليم، يجب أن تنكمش إلي براءة " ابن خلدون " من تهمة الخيانة، بل حتي من ظل هذه التهمة، و تنسحب بالضرورة إلي إدانة واضحة للنظام في عصره، و تؤشر إلي قيمة مهمة، و هي أن خيانة كل نظام يتربص بإنسانيتك، و يراقب أنفاسك، و يؤمن إلي مدي بعيد بأنك ولدت لتكون من طبقة العبيد الدنيا، و إلي مدي أبعد، بحقه الإلهيِّ في سرقة رجولتك و طفولة أطفالك أمام عينيك، أقول، خيانة هكذا نظام هي لون من ألوان المقاومة ..

بل، عارٌ عليك أن ينام هكذا نظام ملْ جفونه و هو يتوقع منك الطاعة، بل الصمت ..

إقلع غماك يا تور، و ارفض تلف /

إكسر تروس الساقية، و اشتم وتف ..

سلامٌ علي " صلاح جاهين "، و عذراً " ميريام فارس "، الوردة الطليعية ..

عبد الوهّاب يُغنّي شوقي (حكاياتٌ وأشعار وأنغام)/ د. عصام الحوراني

يُمكن أن نصف الغناء، بأنّه تنغيم الصوت بوساطة الترجيع، أي مع إدارة الصّوت في الحلق وجوانبه، وتلاعبه فيه بمشاركة اللِّسان والأسنان والشِّفاه والهواء وغيرها. والغناء قديم عند العرب، ولعلّ أقدم فنون الغناء عندهم كان الحِداء. كان الحجاز على اتصال وثيق بالحواضر المحيطة، ولا سيّما بمملكتَيْ الغساسنة والمناذرة، اللّتين كانتا ترتبطان ثقافيًّا وفنِّيًّا بدولتَي الرّوم والفرس. كانت الخمر والمرأة والغناء، من الملذّات المحبَّبة إلى قلب العربيّ البدويّ في الجاهليّة. وكان للقبائل أغانيها الخاصّة، كما كانت الموسيقى عنصرًا مهمًّا في حياتهم الاجتماعيّة والدّينيّة، وكانت تُعزَف على آلات موسيقيّة مستقدَمة مِن بلاد فارس أو مِن عند الرّوم. فكان المغنّون والمغنِّيات يُواكِبون الألحان الموسيقيّة، ويتغنّون بقصائد متنوِّعة لشعراء تلك الأيّام، ومع غناء هذه القصائد كان الشِّعر ينتقل بسهولة وبسرعة بين الناس على اختلاف قبائلهم في أرجاء الصّحراء الواسعة. كانت الاحتفالات تأخذ طابعًا مميَّزًا في الأسواق الشَّعبيّة مثال سوق عكاظ وسوق المربد وسواهما. وكانت تقام في الجاهليّة احتفالات الحجّ السنويّة إلى الكعبة، التي كان يُرافقها الغناء على اختلاف أنواعه، بحسب تنوّع القبائل.
وقد ازدهر الغناء في العصور الإسلاميّة، ودخل قصور الخلفاء والولاة والأمراء، وعرفت الحجاز عددًا كبيرًا مِن المغنّين والمغنِّيات، الّذين راحوا يتنقّلون في أنحاء الأمبراطوريّة العربيّة، ووصلوا إلى الأندلس وكان مِن أشهرهم زرياب.  
ننتقل بعد هذا الاستهلال إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي أحبّ الغناء منذ مطلع شبابه، وقدره إلى حدٍّ بعيد، وكان يستمع إليه بشغف بالغ. قال في حفل افتتاح نادي الموسيقى الشّرقي سنة 1929:
والفـنُّ رَيْحانُ الملوكِ، ورُبَّما خَلَدوا على  جَنباتِـهِ أَسْماءَ
لولا أيـاديـهِ علـى أبنائِنـا لم نُلْفَ أَمْجَـدَ أُمّـةٍ آبـاءَ
لولا ابتسامُ الفنِّ فيمـا حولَـهُ ظلّ الوجودُ جَهامةً وجفـاءَ
جرِّدْ مِنَ الفنِّ الحياةَ وما حوَتْ     تَجدِ الحياةَ مِن الجمالِ خلاءَ
كان الشّاعر يهتمّ بالمغنّين إلى حدٍّ بعيد، ويقدرهم ويُجلّ ما يُقدِّمونه مِن أغانِ وفنون موسيقيّة متنوِّعة. وقد نظم شوقي قصائد كثيرة في رثاء عدد مِن المغنّين في زمانه. نذكر مرثاته في "عبدُه الحمولي" الّذي رحل سنة 1902، فيقول فيه مِن قصيدة طويلة:
يُخرِجُ المالِكينَ مِن حِشْمَةِ المُلْـ كِ ويٌنسي الوَقورَ ذكرَ وقـارِه
ربَّ ليلٍ أغـارَ فيهِ القُـمارى وأثـارَ الحِسانَ مِـن أقْمـارِه
بِصَـبًا يُذَكِّرُ الرِّياضَ صَـباهُ وحِجـازٍ أَرَقّ مِـن أسحـارِه
وغِـناءٍ يُـدارُ لحْـنًا فَلـحْنًا كحديثِ  النّـديمِ  أو كَعُـقارِه
وأنيـنٍ لو أنّـهُ مِن مَشـوقٍ      عرَفَ السّامِعونَ  موضِعَ نارِه
زَفَراتٌ كأنّـها بَـثُّ  قيْـسٍ في معاني الهَوى  وفي أخبارِه
يسمع اللّيلُ مِنهُ في الفجرِ يا لَيْـ لُ فيُصغي مستمهِلاً في فرارِه 

وقال في رثاء المغنّي المشهور صالح عبد الحيّ المتوفّي سنة 1912:
طوى البساط وجفّتِ الأقداحُ وغدتْ عواطلَ  بعدكَ الأفراحُ
وانفضّ نادٍ بالشّآمِ وسـامرٌ في مصرَ أنتَ هَزارُهُ الصدّاحُ

توفِّيَ الشيخ سلامة حجازي عام 1917، وقد أُقيمَت له حفلة تذكاريّة سنة 1931، أنشد شوقي فيها قصيدة عصماء استهلّها:
يا ثرى النّيلِ في نواحيكَ طيرٌ كان دُنيا وكانَ فرحةَ جيلِ

أمّا سيِّد درويش، الموسيقار الكبير المجدِّد والمطوِّر للموسيقى العربيّة، فقد خصّه شوقي بقصيدة ألقاها في حفلة أُقيمت لذكراه سنة 1931، قال فيها:
بلبـلٌ إسكنـدريٌّ  أيْـكُــهُ ليسَ في الأرضِ ولكِنْ في السّماءْ
أيُّهـا الدَّرويشُ قُمْ بُثَّ الجوى واشـرَحِ الحبَّ  وناجِ  الشُّهـداءْ
اِضرِبِ العـودَ  تَـفُهْ أَوتارُهُ بالَّذي تهوى  وتنْطِقْ مـا تشـاءْ
حرِّكِ النّايَ  ونُحْ  في غابِـهِ وتنفَّـسْ في الثُّقـوبِ الصُّعـداءْ
إلى أن يختم القصيدة بذكر خليفته في حمل لواء التجديد في الموسيقى العربيّة، وهو ابنه الرّوحيّ محمّد عبد الوهّاب، فيقول:
إنّ في مُلـكِ فـؤادٍ  بلبُـلاً لـم يُتَـحْ  أَمثالُـهُ لِلخُلـفـاءْ
ناحِلٌ كالكُرةِ الصُّغرى سرى صوتُهُ في كُرةِ الأرضِ الفضاءْ
يستحي أن يهتِفَ الفـنُّ بِـهِ وجمـالُ  العَبقرِيّـاتِ الحيـاءْ

وكان شوقي، إلى جانب شغفه بالموسيقى الشرقيّة، من هواة الموسيقى الأوروبيّة الكلاسيكيّة، وقد تأثَّر بكبار الموسيقيّين العالميّين، ومال إلى هذا النوع مِن الموسيقى بشكل خاص منذ عهد السنوات التي أمضاها في فرنسا يوم كان طالبًا. نذكر من الّذين تأثّر فيهم شوقي الموسيقار الإيطاليّ المشهور فردي (1813 -1901)، وهو صاحب تآليف موسيقيّة مشهورة،  ولا سيّما الأوبِّرا، ومنها: "ريغوليتو"، و"لاترافيانا"، و"عايدة". وعندما توفِّي هذا الموسيقار رثاه شوقي بقصيدة جاء فيها:
يكاد إذا هو غنّى الورى بقافيـةٍ  ينطـقُ القافِيَـة
وكَمْ آيةٍ في الأغاني لهُ هِيَ الشَّمسُ ليسَ لها ثانيَة

شوقي وعبد الوهّاب، البدايات
وُلِد محمّد عبد الوهّاب، ابن المؤذِّن والمُقرِئ الشيخ محمّد أبو عيسى، في حي باب الشعريّة في القاهرة في نحو سنة 1902، أدخله والده كتّاب جامع سيدي شعراني، وفي نيّته أن يدرس القرآن ويحفظ الآيات، ويتقن التجويد، مِن أجل أن يخلفه في وظيفته في المستقبل. لكنّ الفتى الصّغير شُغِف بالغناء بدل القراءة والتجويد، وتعلّق بالاستماع إلى عدد من المغنّين في ذلك الزّمان وعلى رأسهم الشيخ سلامة حجازي، وعبد الحَي حِلمي، وصالح عبد الحَي، وكانوا يُحيون حفلات الموائد والأفراح في تلك المنطقة. كان يترك مدرسته خِفية ويتبع هؤلاء المغنّين، إلى أن استطاع أن ينال موافقة فوزي الجزايرلي صاحب فرقة مسرحيّة بمنطقة الحسين، فقبله أن يُغنّيَ أغاني الشيخ سلامة حجازي بين فصول المسرحيّة، لقاء خمسة قروش عن كلّ ليلة. صار يُغّنّي متخفِّيًا باسم "محمّد البغدادي" لِئلا يعرف والده بالأمر، الذي كان يُعارض بشدّة أن يُصبح ابنه مغنِّيًا. لكنّ الوالد علم بالأمر وأعاده بالقوّة إلى المدرسة. بيد أنّ الفتى، لم يستطِع البقاء خارج أجواء الغناء، فهرب من المدرسة والتحق بسيرك في دمنهور، يُغنّي فيه. لكنّه اختلف مع أصحاب السيرك، لرفضه القيام بأيّ عمل آخر غير الغناء، فطُرِد مِن وظيفته وعاد إلى بيته في حي باب الشعرانيّة خائبًا.
وبعد توسّط عدد من الأصدقاء لدى أسرته وافقوا أخيرًا، وسمحوا له، وهو الولد الصّغير، أن يُغنِّيَ للشيخ سلامة حجازي في فرقة مسرحيّة لعبد الرّحمن رشدي (المحامي) مقابل ثلاثة جنيْهات في الشّهر، وكانت هذه الفرقة تعرض مسرحيّتها على مسرح برنتانيا. في إحدى اللّيالي كان أمير الشعراء شوقي يحضر المسرحيّة، وقد هاله أن يرى ولدًا صغيرًا يُغنّي في مثل هذا الوقت من اللّيل، ذلك بنظره، يُسيء إلى صحّته الجسديّة والفنّيّة، فطلب حالاً مِن حاكم مدينة القاهرة "الحكمندار" الإنكليزي أن يُصدر أمرَه بمنع الولد محمّد عبد الوهّاب مِن الغناء. لم يستطِع الحاكم إصدار مثل هذا الأمر لأنّه لم يوجد ثمّة مِن قانون في القاهرة يمنع الأولاد مِن الغناء، ولكنه أخذ تعهّدًا مِن الفرقة بتوقيفه عن العمل.
التحق الفتى الناشئ عبد الوهّاب بعد ذلك بنادي الموسيقى الشّرقيّ، حيث تعلّم العزف على العود على يد الموسيقار محمّد القصبجي، كذلك درس فنّ الموشّحات الإندلسيّة. راح في تلك الفترة يُدرِّس الأناشيد للتلاميذ في مدرسة "الخازندار". تركها بعد فترة والتحق بفرقة "علي الكسّار" حيث عمل منشِدًا في الكورال. ترك أيضًا هذه الفرقة والتحق بفرقة الرّيحاني، وكان ذلك في عام 1921، فسافر مع هذه الفرقة إلى بلاد الشّام. هكذا، نراه دائم الحركة والتبديل، فهو يلتحق بفرقة فنِّيّة ليتركها بعد وقت بسيط ويلتحق بالأخرى. ترك فرقة الرّيحاني ليدرس الموسيقى من جديد ويُشارك في الوقت نفسه في الحفلات الغنائيّة التي كانت تُقام في القاهرة. في ذلك الوقت قابل سيِّد درويش الّذي استمع إلى صوته فأُعجِب به، وعرض عليه العمل معه في فرقته الغنائيّة لقاء مبلغ 15 جنيهًا في الشّهر. كذلك اشترك أيضًا في روايتَي سيّد درويش: "البروكّة" و"شهرزاد". لقد أعجب عبد الوهّاب بسيِّد درويش كثيرًا، وظلّ يُلازمه في حفلاته ولقاءاته مع الفنّانين حتّى رحيل سيّد درويش في 15 أيلول سنة 1923.
اُقيم في سنة 1924 حفل في كازينو "سان استيفانو" بالاسكندريّة أحياه المطرب النّاشئ محمّد عبد الوهّاب، وقد حضره شخصيّات سياسيّة وأدبيّة وكان بينهم أحمد شوقي، الّذي أُعجب، هذه المرّة، بعبد الوهّاب وطلب لقاءه بعد انتهاء الاحتفال. تمّ اللّقاء، وقد ذكّره عبد الوهّاب باللّيلة التي طلب شوقي فيها من الحكمندار بتوقيفه عن الغناء، فأجابه شوقي أنّ ذلك كان خوفًا على صحّة طفلٍ كان ما زال صغيرًا يومذاك. طلب منه شوقي أن يزوره في مكتبه في القاهرة، ومنذ ذلك اللّقاء بدأت حكاية عبد الوهّاب مع أمير الشّعراء. لقد أصبح عبد الوهّاب يُلازم هذا الشّاعر الكبير، وصار شوقي بمكانة الأب الرّوحيّ له.  أحضر له شوقي مدرِّسًا يعلِّمه اللّغة الفرنسيّة، وكانت لغة الطبقات الرّاقية في مصر يومذاك. كان شوقي يتدخّل تقريبًا في تفاصيل حياة عبد الوهّاب كلّها، فعلّمه كيفيّة التحدّث مع النّاس وطريقة الكلام والنطق، وأيضًا كان يُنبِّهه إلى طريقة الأكل والشرب وما إلى ذلك. قدّمه إلى كبار رجال السياسة والأدب، وعرّفه إليهم، من أمثال أحمد ماهر باشا وسعد زغلول ومحمود فهمي النقراشي. وكذلك عرّفه إلى طه حسين وعبّاس محمود العقّاد والمازني وغيرهم. كان يصطحبه معه في سفراته إلى فرنسا ولبنان وسوريا. لقد أفرد شوقي له في منزله "كرمة ابن هانئ" جناحًا خاصّا، يكون فيه قريبًا من شوقي، يقرأ في هذا الركن الهادئ الأشعار والأغاني ويُلحّنها. يذكر عبد الوهّاب في معرض حديثه عن مولد ألحانه، أنّ شوقي لم يكن يُبيح له أن يُذيعَ لحنًا قبل أن يُراجعه فيه مرارًا، من باب الرِّعاية. وكانت لشوقي قدرة فائقة على تمييز الأصوات والألحان وتذوّقها. لم ينسَ عبد الوهّاب تأثير شوقي في حياته وفي فنّه، وكان دائمّا، بعد رحيل شوقي، يذكر فضله الكبير عليه ويُردِّد ذلك في خلال أحاديثه. يذكر جورج ابراهيم الخوري في كتابه "حكايتي مع النجوم"، ص 84: أنّ عبد الوهّاب قال يومًا "علّمني شوقي حبّ الحياة... وعلّمني التعاطف مع الطبيعة والنّاس... وعلّمني الطموح والإشراق وعزّة النفس... إنّ شوقي لم يعرف الحقد أو التطيّر أو المرارة في علاقاته بالآخرين... كان عفيف اللِّسان، بعيدًا عن الهجاء"...
لحّن عبد الوهّاب كثيرًا من قصائد شوقي في حياة الشّاعر وبعد رحيله، ونظم شوقي الشّعر باللّهجة العاميّة المصريّة من أجل أن يُغنّيَها عبد الوهّاب، فكان يختار الأغاني ذات التفعيلات المتناغمة مع النوتّات الموسيقيّة العذبة، ومع المشاعر الحميمة والعواطف الجامحة والمعاني المعبِّرة واللافتة. كان شوقي يحترم عظمة الإبداع ويقدرها. يذكر عبد الوهّاب أنّه عندما نظم له أغنية "في اللّيل لمّا خلي"، وأراد عبد الوهّاب أن يضع لها لحنًا يُرضي به ذوق شوقي في الغناء القديم، ولا سيّما اللّون الّذي اشتهر به عبدُه الحمولي، وعبد الحي حِلمي وسواهما من كبار موسيقيّي الجيل الماضي، وقال عبد الوهّاب لشوقي أنّه سيضع لهذه الأغنية لحنًا قريبًا من الألحان القديمة التي تُعجبه، ويتفق مع الألحان التي يُحبّ سماعها. بيد أنّ شوقي تجهّم قليلاً، ثمّ سأله: ماذا يعني بقوله هذا؟  فأعاد عبد الوهّاب قوله: أعني اللّحن القديم مِن مثل الغناء الذي يُؤدّيه عبد الحي حلمي، وهنا قاطعه شوقي وقال: اِسمَعْ يا اِبني... الفنّان الأصيل لا يخلق شيئًا على ذوق غيره، إنّما يستلهم ذوقه وإحساسَه وحده. وأنصحكَ بالابتعاد عن هذه الطريقة لأنّي أعتبرها نِفاقًا وتملُّقًا لرغبات النّاس. اِجعلْ فنَّكَ ينبعُ مِن ذاتِ نفسك، لأنّ ذلك يجعلك تعتزّ بما تخلقه من الألحان. وأنا شخصيًّا أصبحتُ أعيش في بيئة غير البيئة التي تعيش أنتَ فيها، وربّما يكون ذوقي غير متَّفِق مع ذوقك، ولكن إذا حاولتَ أن تُسمعَني لحنًا تعتزّ به وتحبّه فسيكون أفضل لي، لأنّي في الحالة هذه أسمع فنًّا غير زائف أو مصطنع.  يقول عبد الوهّاب في مذكَّراته: كان ذلك الدّرس الأوّل الذي تعلّمته من شوقي، والدرس الثاني كان بخصوص العناية بالجوهر من دون المظهر، والمعنى من دون المادّة، واللُّباب مِن دون القشور.
بلغ ما لحّنه عبد الوهّاب وغنّاه لشوقي أكثر من ثلاثين قصيدة وأغنية، إثنتا عشرة أغنية منها تقريبًا باللّغة العامّيّة المصريّة وهي: اللي يِحِبِّ الجمال، دارِ البَشايِر، سيد القمر في سماه، شبكني قلبي، غايِر مِنِ اللي هَواك،  قلبي غدَر بي، الليلْ بِدْموعو جاني، ياما انتَ واحشني وروحي فيك"، يا ليلةِ الوصل،  بُلبُل حَيْران، في اللّيل لمّا خِلي، النّيلْ نَجاشي.
نتعرّف إلى كلمات عدد مِن مطالِع هذه الأغاني التي نظمها شوقي بالعاميّة ليُغنّيَها عبد الوهّاب، فنتعرّف بالتالي إلى أدب أمير الشعراء باللّغة الشعبيّة. يُذكر بأنّ أغنية "شبكني قلبي يا عينَيَّ" كانت الأولى بالعاميّة التي نظمها شوقي ليغنّيها عبد الوهّاب ويقول فيها:
توحشنـي وِانتَ وَيّـايـا    واشتاق لَكْ وِعِنيكْ في عِينيَ
واتدلّـلْ والحـقِّ معايـا    وأعاتْبَـكْ ما تْهونْشِ عَلَيّـا
ونذكر أيضًا أغنية: "ياما انتَ واحِشْني وْروحي فيك"، وقد نظمها شوقي منذ زمن بعيد ليغنّيَها عبدُه الحامولي، جاء عبد الوهّاب ولحّنها وغنّاها. يُقال بأنّ سعد زغلول كان يُحبّ هذه الأغنية كثيرًا، وكان يطلب من عبد الوهّاب أن يُغنّيها له، عندما كان الموسيقار يلتقي بالزّعيم الوطنيّ زغلول برفقة شوقي الذي كانت تربطه بسعد زغلول صداقة متينة.
برع عبد الوهّاب في "المونولوغ" إلى حدٍّ بعيد وله في هذا المقام أغنيات كثيرة، منها تلك التي نظمها له شوقي:
إلـلي يِحِـبِّ  الْجَمـالْ يِسْمَـحْ بِروحُه  وْمالُـه
قَلْبُـه إلى الْحُسْـنِ مالْ      مالِ الْعَـوازِل  وْمالُـه
نـام يـا حبيـبي نـام       سِهْرِتْ  عليكِ الْعِنايَـة
يا ريت تِشوفْ في الْمَنامْ    دمعـي وْتِنـظُرْ  ضنايا
الحبِّ طيـر في الْخمائلْ     شِفنا غرايِبْ جُنـونُـه
حاكِـمْ بِأمْـرُه وْشايِـلْ     على جْناحُـه  قانونُـه
تيجي تيصيـدُه يِصيدَكْ وْمِنْ سِلِـمْ مِنْ حِبالُـه
في هذه الأغنية نسمع عبد الوهّاب يُجدِّد ويتصاعد في نغم مختلف من مجموعة الكورال مع ترديده: "تيجي تيصيدُه يصيدَكْ"...
وله أيضًا في هذا الفنّ من شعر أمير الشّعراء "بلبل حيران"، التي يقول في مقدِّمتها:
بلبل حيـران على الغصـون شجـيْ معنى بالورد هـايم
في الدَّوحِ سهران من الشُّجون بكـى وغنّى والورد  نـايم
وله أيضًا في "المونولوغ" من شعر شوقي:
في اللّيـلْ  لمّـا خِلـي إلاّ  مِــنِ  البّــاكـي
والنُّوحْ على الدّوح حِلي للصّـارخ  الشّــاكـي
مـا تعـرِفِ  المبتـلي في الرّوض مِـن الحاكي
      ....................................................
الفجر شَـأْشَـأ  وفاضْ على سـوادِ  الخميلَــة
لمـعْ كلمـحِ  البيـاضْ منِ العيـونِ الكحيلَــة
واللّيلْ سَرَحْ في الرّياضْ أدهَـمْ بغُـرّة جميلَــة

"دار البشاير مجلسنا"
هي زفّة العريس علي شوقي ابن أحمد شوقي، لقد زفّه عبد الوهّاب إكرامًا لأمير الشعراء الذي نظم كلمات هذه الزّفّة. وجرى العُرس في منزل شوقي الجديد "كرمة ابن هانئ" سنة 1926، وقد لحّن عبد الوهّاب هذه الزفّة على "مقام بياتي". ومن كلماتها:
  دارِ البَشـايرْ مَجْلِسْنـا /  وْليلْ زفافَكْ مُؤنِسْـنا
إنْ شاالله تِفرَحْ يا عَريسْنا  /  وِانْ شاالله دايمًا نِفرَحْ بيك   
على السّعادة وعلى طيرْها  / وادخُلْ على الدُّنيا وْخيْرْها
فرْحَة ما تْشوفِ النّاسْ غيْرها /  وتْعيش لصَحْبَك ولأهْلكْ
يروي فايز نصّار في كتابه "مذكّرات محمّد عبد الوهّاب"، أنّ سعد زغلول كان على رأس المدعوّين في هذا العرس، وعندما قدِم أحد المصوِّرين ليلتقط صورة تجمع بين الزّعيم سعد زغلول وأحمد شوقي، قال الجُديلي سكرتير سعد زغلول: يجتمع في هذه الصّورة الخلودان! خلود الوطنيّة وخلود الشِّعر. فضحك سعد زغلول وقال، وهو يُشير إلى أمير الشُّعراء: "لا تقلْ هذا أبدًا... إنّ هذا الرّجل هو وحده الخلود في هذه الصّورة، فبعد خمسين سنة لن تجدوا أحدًا يذكر اسم سعد... ولكن ستجدون إلى الأبد مَن يذكر شوقي ويترنّم بشعره".

حكاية أغنية "اللّيل بدْموعُه جاني"
كان أحمد شوقي يصطحب معه دائمًا عبد الوهّاب في أثناء إقامته في لبنان في فصل الصيف. وفي صيف 1927، دُعيَ عبد الوهّاب لإحياء حفلة غنائيّة في فندق شاهين بعاليه، وصباح يوم الحفلة بالذّات كان عبد الوهّاب يقرأ جريدة المقطّم التي كانت تصل إلى المصطافين تباعًا، فإذا به يفجأ بخبر وفاة والده، فنزل عليه هذا الخبر الذي قرأه في الجريدة كالصّاعقة، ولفّه الحزن الشّديد. كان شوقي إلى جانبه يُواسيه محاولاً تخفيف حدّة هذه الصدمة على قلب الموسيقار الرّقيق وحسّه المرهف. ثمّ توافقا على ان تُلغى الحفلة. حاول الشّاعر أن يصرف الموسيقار الحزين عن الانفراد في أحزانه، فدعاه لزيارة الدكتور طه حسين الذي كان يصطاف أيضًا هذه السنة في فندق "جبيلي" في عاليه. وحال وصولهما رحّب بهما طه حسين، وبادر الموسيقار بقوله إنّه مزمع حضور حفلته تلك اللّيلة. أخبره شوقي بالخبر الأليم الّذي تلقّاه المطرب الموسيقار صبيحة هذا اليوم، وإنّه قرّر إلغاء الحفلة. فكّر طه حسين قليلاً، ثمّ توجّه إلى عبد الوهّاب قائلاً: "ومَن قال لكَ أنّ الغناء للأفراح وحدها دون الأحزان؟ غنِّ يا عبد الوهّاب وابكي، ودعِ النّاس يُغنّون معك ويبكون"...  واقتنع عبد الوهّاب أخيرًا، ولكنّه سارع إلى القول: ومِن أين سنأتي بالأغنية الحزينة تلك في هذه العجالة؟ فأجابه طه حسين: "البَرَكة في شوقي"! وهكذا نظم له شوقي أبياتًا ما لبث أن حفظها بسرعة ولحّنها، وغنّاها في الحفلة عينها وفي الموعد ذاته، وبَكى عبد الوهّاب وبكى النّاس معه. من كلمات هذه الأغنية نقرأ:
اللّيـلْ بِدْموعُـه جـاني    يا حمـامْ  نـوحْ وَيّايـا
نوحْ  وِاشْرَحْ  أشجـاني دا جُوّاكْ مِن جِنْسِ جُوّايا
الشُّوق هاجَكْ مِن روحَكْ وشكيتِ  الوَجْـدِ معايـا
اِبْكي بالدَّمـعِ  لنـوحَكْ وتْنوحْ  يا حمامْ  لبُكايـا
بُعْـدِ الأحبـابْ لوَّعْـنا وِالصَّبْـرِ دَواكْ وِدَوايـا
وْمَصير الأيّـام  تِجْمَعْنا    إنْ كانْ في الصَّبْـرِ بقايا

"يا شراعًا وراء دجلة يجري"
هو الشطر الأوّل من القصيدة التي نظمها شوقي في ملك العراق فيصل الأوّل. وحكايتها أنّ أمير الشعراء كان يتردّد على مدينة باريس التي أحبّها منذ عهد الشباب، أيّام كان يدرس في فرنسا، وكذلك أيّام كان يُرافق ولدَيه إلى هناك لتلقّي تعلُّمهما في جامعاتها. لقد التقى، وهو في السفينة إلى فرنسا، بالملك فيصل الأوّل ملك العراق عام 1928. وكان يلتقي به في باريس في أثناء إقامة الاثنين في هذه العاصمة المميَّزة بالثقافة والفنّ والذوق، فتوطّدت بين الملك والشاعر عرى الصداقة والمحبّة. دعاه الملك لزيارته في بغداد، وكان يُلحّ عليه من وقت إلى آخر بالسّفر إلى هناك، وشوقي يُؤجِّل السفر من شهر إلى آخر، ربّما كان ذلك بسبب خشيته المعهودة من ركوب الطّائرة، وإن أراد السّفر بالبرّ فالطريق البرّيّة من مصر إلى بغداد طويلة جدًّا بالنسبة إلى رجل جاوز الستّين من عمره. وأعاد الملك دعوته تلك، فما كان من أمير الشعراء إلاّ أن أوفد، نيابة عنه، مطربه عبد الوهّاب إلى بغداد وحمّله قصيدة نظمها تحيّةً للملك، وكان ذلك عام 1931. غادر عبد الوهّاب القاهرة متوجِّهًا نحو بغداد عن طريق البر. وما أن وصلها حتّى توجّه نحو البلاط الملكيّ، يحمل عوده. وغنّى عبد الوهّاب قصيدة شوقي في حضرة الملك فيصل:
يا شراعًـا وراءَ دِجلةَ يَجْري في دُموعي تَجَنَّبتْـكَ العَوادي
سِرْ على الماءِ كالمسيحِ رُوَيْدًا واجْرِ في اليَمِّ كالشُّعاعِ الهادي
وَأْتِ قاعًا كرَفْرَفِ الخُلدِ طيبًا أوْ كفِرْدَوْسِـهِ بَشاشـة وادي
ويُخاطب عبد الوهّاب بالذّاتِ في البيت التالي:
قِفْ تَمهَّلْ وخُذْ أمانًا  لقلبي مِنْ عُيونِ المَهى وراءَ السَّوادِ
ويُتابع الشّاعر:
والنُّواسِيُّ والنَّدامـى أمِنْهُمُ سامِـرٌ  يَملأ الدُّجى أو نـادِ
خَطَرَتْ فوقَهُ  المَهارَةُ تعدو في غُبـارِ الآبـاءِ  والأجدادِ
أُمّةٌ تُنشِئُ الحيـاةَ وتبنـي كبِـنـاءِ الأُبـوَّةِ الأمجــادِ
تحتَ تاجٍ مِنَ القرابَةِ والمُلْـ       كِ على فَرْقِ أَرْيَحِـيٍّ جـوادِ
ملِكَ الشطِّ والفُراتَيْنِ والبَطْـ       حاءِ أعْظِـمْ  بفيصـلٍ والبلادِ

غنّى عبد الوهّاب المواويل والأدوار و"المُونولوغ" والقصائد وغيرها
نظم شوقي الشعر بالعاميّة من أجل الغناء، مِن أجل أن يُقدِّم عبد الوهّاب للناس أغانٍ يُحبُّونها، وعلى رأسها المواويل والأدوار والأزجال، تلك القوالب والمقامات الموسيقيّة التي ترقى إلى ماضي بلاد الشّام منذ العصور العربيّة الأولى. فالمواويل ترقى، كما يقول أكثر الباحثين، إلى العصر العبّاسي الأوّل، إلى عصر هارون الرّشيد الذي بطش بالبرامكة الوزراء الفرس الكبار، وعلى رأسهم جعفر البرمكي، الذي أحبّه الناس لكرمه كثيرًا، حتّى الجواري في قصور الخلفاء والأمراء بكَينَ لأجله غمًّا وحزنًا. يُروى أنّ جارية تُدعى المواليا، ندبته إثر مقتله بحرقة وألم شديدين، وقالت:
يا دارُ أينَ ملـوكُ الأرضِ أينَ الفُـرْسْ
أيـنَ الّذيـن حَمـوها بالقَنـا والتُّـرْس
قالتْ: تُراهُمْ رَمَمْ تحتَ الأراضي الدّرْس
سُكـوت بعـدَ الفصاحةْ،  ألسنتْهُمْ خُرْس  

يُقال، أنّه نسبة لاسم هذه الجارية سمّوا هذا النوع من الغناء الموّال. أو كما يُقال بأنّ هارون الرّشيد منع أحدًا يبكي البرامكة، فكانت الجواري، وقد أحببنَ جعفر البرمكي كثيرًا لكرمه وعزّته، يندبنَه في السرّ بأقوال فيها تحسّر شديد ويُردِّدنَ في آخر البيت صرخة من القلب: يا مَوْلايَ، التي صارت يا مواليا. وغيرها من البحوث كثيرة في هذا الموضوع، فصفيّ الدّين الحلّيّ وعبد الكريم العلاّف في كتابه "الموّال البغدادي" ينسبان هذا النمط من الغناء إلى مدينة واسط في العراق. الجدير بالذكر أنّ إيقاعات الموّال تثبت أنّه من البحر البسيط، كما هو في الأبيات التي ذكرناها في كلامنا على بدايات الموّال.
والموّال أنواع: السداسيّ المصريّ، والسّبعاويّ العراقيّ الذي يُسمّونه عندنا البغدادي أو الشّرقاوي، وثمّة موّال آخر يُسمّونه "النغم الحجازيّ". وغيرها من أنواع المواويل في البلاد  العربيّة المختلفة، والتي قد تتعدّى الثمانية أبيات أو التسعة أو العشرة.
كان الموّال قبل عبد الوهّاب ممهِّدًا للوصلات الغنائيّة، وفيه يُظهر المطرب براعته في الارتجال بالغناء المرسَل من دون إيقاع، من مثل أغنية "يا ورد مين يشتِريك"، فعبد الوهّاب يسترسل في الموّال مع البيت: "أصْفرْ مِن السّقم / أم مِن فِرقِةِ الأحباب...  وفي "الحبيب المجهول" نسمع إيقاع الموّال مع عبد الوهّاب في مقطع: "مين إنتَ يللي بِتشاغِل أحلام شبابي"... وغيرها من الأغنيات الوهّابيّة التي بلغت نحو التسع، والتي أدخل فيها عبدالوهّاب الموّال. بيد أنّه كذلك فقد جعل الموّال مستقلاً في أغنيات كثيرة، لقد جعل الأغنية كلّها موّالاً، نذكر تلك التي نظمها له أمير الشعراء، وهي "سيد القمر" وتقول كلماتها:
سيدِ القمر في سماه... والبانِ في عـودِه
تحتِ اللّيالي عليلْ...قولْ لِلخيالْ عـودي
شافِ المقدّر وْشافْ...في الحبِّ موعودِه
إمْتى تُعودْ لي... وأقول للكاسْ للنّدمـان
عادِ الحبيب يا حبايِبْ... للطَّرَبْ  عودي

ومن أشهر المواويل الوهّابيّة أيضًا: "النبي حبيبك" التي نظمها له شوقي، ويقول فيها:
النَّبي حبيبَك ما تِحْـرِمْشِ الفؤاد مِنَّـك
وْتِشْفي  قلبي المتيَّـمْ  والـدّوا عِنْـدَك
يِِكفي عذابي  ويِِكفـي  إنّي أنا عَبْـدَك
ما أَنْشِ لِسَّه الأوان بالقُرْبِ يا روحـي
دا البُعدِ مهما يْطولْ ما ليشْ غيرْ عِندَك
وغنّى عبد الوهّاب شعر شوقي على قالب الدّور، وهو فنٌّ قديم عند العرب، وقد ذكره الأصفهاني في كتابه "الأغاني". عاد قالب الدور إلى الغناء العربيّ ابتداء من القرن التاسع عشر مع محمّد عبد الرّحيم المسلوب الذي عاش 135 سنة وتوفي سنة 1928. وقد لحّن المسلوب مئة دور. وكذلك فقد غنّى الدّور الشيخ سلامة حجازي وداود حسني وأبو العلا محمّد وسيّد درويش ومحمّد عبد الوهّاب وغيرهم. يتألّف الدّور من المذهب، والأغصان، والآهات التي يُردِّدها المغنّي من المقام الأساسيّ. لفظة الدَّور، ترقى إلى معنى مَن يدور، أي يعود إلى المقام الأوّل واللّحن الأساسيّ، بعد أن يكون قد تنقّل من مقام إلى آخر مشابه له، أو قريب منه. يدور ثمّ يعود مع الآهات التي يستعرض فيها المغنّي قدرته على التنقّل بين المقامات برشاقة جذّابة. وعبد الوهّاب وضع نحو ستة أدوار فقط، منها: "ياليلة الوصل استنّي"، التي نظمها له شوقي، ويقول فيها:
يا ليلةِ الوَصلِ استنّي / إفرَحْ ببَدري واتمتَّـع
الفجر ليه ياخْدوه منّي / الصُّبْحِ لأهلُه يِطلَـعْ
يا قلبي ليْلي وْليلَك كيدَ / دوقِ البشاير واتهنّى

عبد الوهّاب يُغنّي شوقي في الأفلام
أدخل عبد الوهّاب بعض أشعار شوقي في أفلامه. ففي الفيلم الأوّل "الوردة البيضاء"، الذي أخرجه محمّد كريم، وكان من بطولة عبد الوهّاب والفنّانة سميرة خلوصي، وقد عُرض الفيلم بتاريخ 4/3/ 1933. غنّى عبد الوهّاب فيه ثماني أغانٍ، منها أغنية "النّيل نجاشي، التي كان قد نظمها له شوقي، وهي جميلة جدًّا، وصفًا وصورًا وحكاية وحِوارًا، من أبياتها:
النّيـل نَجـاشـي  حيـلِيْـوَهْ أسْمَـرْ
عَجَبْ لِـلُونُــهْ  ذَهَـبْ وْ مَرمَـرْ
أُرْغولُهْ في إيـدُهْ  يِسَبِّـحْ لِسيــدُه
حيـاةْ  بِـلادْنـا      يا ربِّ  زيــدُه
            ........................
قالَتْ: غَرامي في فْلوكَهْ      وْساعَـهْ نَـزْهَه عَ الْمَيَّهْ
لَمَحْتِ عَ البُعـدِ حمامَه      رايْحَه على المَيَّهْ وْجايَّـه
وِقِفْتِ أنادي الْفـلايْكي      تَعالَ مِنْ فَضْلَـكْ  خُدْنـا
ردِّ الفــلايْكي      بصَوْتْ مَلايْـكي
قالْ: مرحبًا بكُمْ مرْحَبتَيْن    دي سِتِّنـا وِانْتَ سيـدنـا
        هيـلا هُوبِّ  هيـلا
              ......................
جاتِ الفلوكَـه والمَـلاّحْ وِانْـزِلْنـا  وِرْكِـبْـنا
حَمامَهْ بيضا بْفَرءدِ جِناح تِـوَدّيـنـا وِتْجِيـبْنـا
وْدارَتِ الأَلْحانْ  وِالرّاحْ     وِسْمِـعْـنا وِشْـرِبْنـا
                 هيـلا هُوبِّ هيـلا

كذلك، غنّى عبد الوهّاب لشوقي بالاشتراك مع أسمهان "أوبريت مجنون ليلى"، وذلك في فيلمه الرّابع "يوم سعيد" بطولة عبد الوهّاب، وسميحة سمح، وفاتن حمامة. عُرض هذا الفيلم بتاريخ 15 يناير/ كانون الثّاني سنة 1940. يذكر روبر الصّفدي في كتابه "تاريخ الموسيقى العربيّة" ص 137، ما نقله من مذكّرات المخرج محمّد كريم، أنّه في أثناء الاعداد لهذا الفيلم "أحضر عبد الوهّاب فرقة كبيرة من العازفين العرب والأجانب لتنفيذ أوبريت "مجنون ليلى"... وقد شاركت في البطولة النسائيّة أسمهان، التي كانت ترغب من كلّ قلبها في الظُّهور على الشّاشة في دور "ليلى"، ولكنّ وجهها، رغم ما تميَّز به من جمال وأنوثة وفتنة، كان لا يصلح لتمثيل وجه الإعرابيّة ليلى". ويردف الصفدي: "وبذلك تكون قد خسرت الشّاشة الكبيرة لقاء عملاقَيْن من عمالقة الأغنية العربيّة...واكتفت بعمل الدّوبلاج على أوبريت "مجنون ليلى" وأغنية "محلاها عيشة الفلاّح".

غنّى عبد الوهّاب القصائد وأبدع، غنّى بالدّرجة الأولى عددًا من قصائد والده بالرّوح ومعلِّمه شوقي، الذي كانت وصيّته له بأن يُغنّي أشعاره بعد مماته، قال له يومًا: "يا محمّد إذا كنتَ تحبُّني، غنِّ لي أشعاري بعد مماتي". وعمل عبد الوهّاب بحسب الوصيّة وغنّى له معظم قصائده الغزليّة، كما غنّت له أمّ كلثوم عددًا من قصائده الدّينيّة وأهمّها:"نهج البردة" ومطلعها:
ريمٌ على القاعِ بينَ البانِ والعلمِ أحلَّ سَفكَ دَمي في الأشهُرِ الحُرُمِ
وغنّت أيضًا من قصائد شوقي الدّينيّة، "سلوا قلبي":
سلوا قلبي غداة سلا وتابَ لعلّ على الجمال لهُ عِتابـا
أمّا عبد الوهّاب فقد لحّن وغنّى الكثيرَ من أشعار شوقي بالفصحى، نذكر: "أنا أنطونيو"، "رُدّت الرّوح"، "قلبٌ بوادي الحِمى"، "يا جارة الوادي"، "قلبي غدَر بي"، "يا ناعمًا رقدت جُفونُه"، "تلفّتت ظبية الوادي"، "سجى اللّيل"، "علّموهُ كيف يجفو"، "أوبِّريت مجنون ليلى"، "دمشق"، "السّودان"، "مُضناكَ جفاه مَرقدُه"، "جبل التوباد"، "مقاديرُ من جفنَيْكِ"، "أيّ سرٍّ فيك"، "خدعوها بقولهم حسناء"، "إلامَ الخلفُ"، "منكَ يا هاجري دائي"، "شكسبير أعلى الممالِك"، "ما لروحَيْنا عن الحبّ غنى".
تعلّق أمير الشّعراء بمطربه كثيرًا، ويُروى أنّ آخر كلمة أسرّ بها شوقي إلى خادمه النّوبيّ أحمد كوشه، قبيل رحيله بثوانٍ عند فجر الرّابع عشر من أوكتوبر/ تشرين الأوّل 1932: "سلِّم لي على محمّد..."
هذه صور وحكايات متنوِّعة، التقطّها من هنا وهناك، وغيرها الكثير والكثير التي ما زالت كامنة في بواطن المصادر والمراجع المختلفة. يستطيع الباحث أن ينهل منها أكثر، يُقدِّمه إلى القارئ قصّة نهضة الغناء العربيّ الحديث، بعد عهودٍ من الجفاف والرّكود واليباس في الفنّ كما في الشّعر والأدب بعامّة. لقد أحبّ شوقي الغناء العربيّ كما والغربيّ إلى حدٍّ بعيد، وأدرك أهمّيّته ومراميه وعلاقته الحميمة بالشّعر. حاول بكلّ جوارحه أن ينقل شعره إلى قلوب النّاس بوساطة اللّحن والأغنية، فأنعم الله عليه وعلى الأمّة العربيّة بموسيقارٍ مبدع ومطربٍ راقٍ قلّ نظيره، ليكون تلك الوساطة المقدّسة العالية بين الكلمة واللّحن والغناء، ليكون ترجمان الشّعر الصّافي العذب الرّفيع، والغزل العفيف الحلو، والمعاني الوجدانيّة الحميمة، والمشاعر المرهفة العميقة... فكانت تلك القصائد – بالفصحى وبالعاميّة – أغانٍ يترنّم بها الكبير والصّغير، الشيخ الوقور والفتى اليافع اللاهي، والحرّة المحصّنة كما والفتاة بنت الورود. يجد كلّهم فيها: العواطف النبيلة، ومرح الشباب، والمتعة الرّاقية، واللّذة، والتجلّي، والفيض الرّوحيّ، والانعتاق في عالم حبيب جميل وديع، تحفّه الأنغام الرّفيعة الرّقيقة، ذات الجمل الموسيقيّة العذبة الصّافية، والتي تنقلك إلى فضاء أرحب، يعلو ويعلو فوق الجمود والجدّ والعناء واليأس والانقباض والعبث وغيرها. لقد عمل شوقي في سبيل إحياء الأغنية العربيّة، وانتشالها من مستنقعات الكلام المرذول والمعاني الجوفاء العفنة، والمجون، والخلاعة والخساسة. حاول التقدّم بوساطة أشعاره  التي نظمها من أجل الأغنية العربيّة نحو مدارج الرّقيّ، في الأدب الرّفيع والفنّ العالي. ‘1‘
.............................
لقد استقيتُ موادّ كثيرة في بحثي المتواضع هذا من مصادر متنوِّعة أذكر أهمّها:
  - أحمد شوقي، الشوقيّات، الجزء الرّابع
جورج إبراهيم الخوري، حكايتي مع النجوم
روبير الصّفدي، تاريخ الموسيقى العربيّة، بيروت، دار الفكر العربي  
سعد سامي رمضان، محمّد عبد الوهّاب، بيروت، دار المقاصد
د. شوقي ضيف، شوقي شاعر العصر الحديث
عبّاس حسن، المتنبّي وشوقي
 فايز نصّار، مذكّرات محمّد عبد الوهّاب