تونس .. ابعدي عني هذه الكأس/ محمد رفعت الدومي

في وطن يحدق سكانه النظر في القراءة بعيون مستهترة، أو علي أوفر التقديرات حظاً، يعتبرون القراءة ترفاً، هل يجوز لي أن أستعير أصابع شاعر مثل "قيصر باييخو" في إطار الحديث عن قضية يكترث لها حتي بسطاء القوم وهو من أوفر الشعراء حظاً في التجسس علي الأصوات التي كانت تنبض في أعماقه وترجمتها علي الورق غموضاً، نعم، ترجمتها غموضاً بكل معني الكلمة؟

ربما، إلي هذا السبب وحده، تنخفض العلة التاريخية لعظمة "باييخو"، وإلي هذا السبب وحده، وبنفس القدر، أحصي الرجلَ كلُّ من لمس عالمه العميق في طليعة الشعراء الأكثر  التباساً وعسراً علي الإطلاق..

فإن مما هو في حكم المؤكد ألا شاعراً خاطب المتلقي بتلك الخصوصية شاهقة الارتفاع جداً كما فعل شاعر "ألبيرو" الفادح هذا، بلغت هذه الخصوصية حداً ليس من السهل أبداً أن يستطيع المتخصصون حتي تصميم جسور تربط بين متاهات عالمه الشعري دون السقوط في حفر التأويلات المتعسفة للنص الشعري، وهذا أمر غريب يندر حدوثه..

لا يجوز هذا أعتقد، غير أنني سأفعل، أقصد، سوف أستعير أصابع هذا الشاعر العسير، بل أستعير شعره في ذروة النقطة، حين رق وصفا واستحال رموزاً مغلقة أمام الأذهان، مع ذلك، هي مرشحة لاستقطاب المتعة، تطرب لها الصدور تماماً كما تطرب الصدور لأغنية بلغة أجنبية لا نفهم معاني كلماتها لكنها توقظ أشجاناً نائمة في مناطق بكر ٍمن أعماقنا لم نكن قبل سماع تلك الأغنية ننتبه إلي وجودها أصلاً!

في أجمل دوواوينه وأشدها التصاقاً بالألم الإنساني، وأعظم ديوان مكتوب باللغة الإسبانية في زمانه وفي ما قبل زمانه، ولعله آخر دواوينه، ديوانه (اسبانيا.. ابعدي عني هذه الكأس)، يقول:

يا أطفال العالم، إذا ما سقطت "اسبانيا"، - أعني، هو خاطرٌ فحسب-، إذا ما سقطت "اسبانيا"، نازلةً من السماء، أوثقوا ساعدها، في لجامٍ، بلوحتين أرضيتين!، أيها الأطفال، أي عمر هو عمر الرؤوس الفارغة!، كم باكراً في وضح النهار ما كنت أقوله لكم!، كم قريبة في صدوركم الضوضاء العتيقة!، كم قديمة سنواتكم الاثنتين في مفكراتكم!

من الواضح جداً أنه كان أثناء الكتابة يلتقط أصواتاً من داخله ويسجلها كما هي في لحظتها الحارة المجردة، واضح أيضاً أنه كان يكتب تحت وطأة إحساس بالقلق يمزق روحه، سوف يستدير هذا الكلام في أذهاننا عندما نعلم أن توقيت كتابة هذه القصيدة هو توقيت اندلاع الحرب الأهلية في "أسبانيا"، وطنه الأم، حدث هذا في (17-يوليو - 1936)، وشغلت بال كل الناطقين بالإسبانية في جنبات العالم حتي (1-أبريل - 1939)..

كان مجموعة من العسكر بقيادة الجنرال "مولا" في الشمال، والجنرال "فرانكو" في "المغرب" والجنرال "كييبو دي يانو" في "أندلسيا" وجنرالات آخرين قد انقلبوا علي الشرعية في "مدريد"، وكان هذا كافياً لاندلاع تلك الحرب الضروس بين الجمهوريين والقوميين، ودون تفكير، انحاز "قيصر باييخو"، ككل المثقفين الجوهريين في "اسبانيا" والدول الناطقة بالإسبانية في ذلك الوقت ضد العسكر، وهذا انحياز في سياقه الطبيعيِّ بطبيعة الحال، فمتي وأين، ولا متي ولا أين، ولدت حرية من رحم دولة يحكمها عسكر؟..

يقول أيضاً:

يا أطفال العالم، أمنا "اسبانيا" وبطنها على كتفيها، معلمتنا بعصيِّها، هي الأم والمعلمة، الصليب والخشب، لأنها منحتكم الرفعة، الدوار و التقسيم و الإضافة، يا أطفال، هي مع نفسها، آباء منصفون!

إذا ما سقطت "اسبانيا"، -أقصد، هو محض خاطر- إذا ما سقطت "اسبانيا"، نازلة من الأرض، يا أطفال، كيف لكم أن تكفوا عن النمو!، كيف للسنة أن تعاقب الشهر!، كيف لن يكون أبداً أكثر من عشرة أسنان لكم!، كيف للإدغام أن يبقى في سكتة، الميدالية في دموع!، كيف سيستمر الحمَل مقيداً من ساقه إلى محبرة كبيرة!، كيف ستهبطون درجات الأبجدية نحو الحرف الذي ولد فيه الألم!

طلاسم، هذا واضح، لكن الحقيقة أن تلك الحرب كان لديها أثر كبير علي نضج تجربة هذا الشاعر الكبير، ذلك الأثر يلمع كالخنجر في كل ما نزف من شعر بعد اندلاعها، لقد توقف في الحقيقة، تعقيباً علي تلك المأساة، عن أن يكون ذلك الشاعر الذي كانه قبلها، كان قد التحم تماماً بالمطلق، وذاب فيه، فشفت روحه واحتدت بصيرته حتي أنه، وهذا ثابت، تنبأ بموته في "باريس"، بل تنبأ أن موته سيكون يوم "خميس" ممطر، وله في هذه النبوءة شعر، الغريب، أن هذا هو ما قد حدث فعلاً، وبحذافيره!!

ويستأنف طلاسمه:

يا أيها الأطفال، يا أبناء المحاربين، في هذه الأثناء، اخفضوا أصواتكم، لأن "اسبانيا" في هذه اللحظة توزعُ طاقتها على مملكة الحيوان، الزهور الصغيرة، المذنبات و الرجال..

اخفضوا أصواتكم، لأنها في عظمة شدَّتِها، لا تعرف ما هي فاعلة، و في يدها الجمجمة تتحدث وتتحدث و تتحدث، الجمجمة، بالضفيرة، الجمجمة، على قيد الحياة!

هذا كلام يصعب استيعابه علي نحو دقيق، أعرف هذا وأتعايش معه، لكن، لماذا قلتُ ما قلتُ، أو قلتُ ما قال "باييخو" علي وجه الدقة؟ 

الإجابة "تونس"، نعم، قلته من أجل "تونس" طبعاً، ذلك أن نذراً سوداء توحي بأن البلد الذي كان الحجر الذي بني عليه الربيع العربيُّ كل فرضياته عقب "ثورة الياسمين" هناك، الآن فقط، هناك نذر سوداء توحي بأنه مقبل علي أمر عظيم!

قد يقول قائل:

- أهل "تونس" أدري بشعابها..

هذا صحيح، لكن عذري الوحيد هو أنني حين أحاول أن أتجسس علي مخاوفي من الخطر المتربص بـ "تونس" إذا استقرت الأوضاع في الإطار الذي تفضحه الأخبار التي ترد من هناك حول ترجيح فوز مرشح حزب "نداء تونس" المحسوب علي نظام "زين العابدين بن علي" برئاسة هذا البلد، عقب فوزالحزب بأغلبية مقاعد  "برلمان" هذا البلد، أقول:

إذا استقرت الأوضاع، القلقة حتي الآن، في هذا الإطار، فلابد أن يختل إيقاع التوازن الضروري بين القوي السياسية عقب الثورات علي وجه الخصوص، لابد أيضاً أن خطراً داهماً سوف يولد بين الأجنحة السياسية المتصارعة قد يعصف بالثورة من الأمام ومن الخلف ومن الجانب الآخر، بل قد يتطور الصراع في بلد داخل دائرة الفقر وملتهب الحدود مثل "تونس"، بالإضافة إلي أنه يقع تحت طائلة الكثير من المؤامرات الإقليمية في الوقت نفسه، وهذا هو الأهم، قد يتطور الصراع إلي حرب أهلية، وهذا فقط هو كل ما يعنيني.. 

ذلك أنه سوف يولد من سقوط "تونس"، لا قدر الله، في الحفرة التي سقط فيها من قبل كل بلدان الربيع العربي، دليل لا يقبل القسمة علي اثنين علي فشل فرضيات الثورات العربية كلها، ثم، أنا أيضاً، كالتونسيين، لدي دراية بشعاب "تونس"..

أدرك أن أداء الرئيس التونسيَّ " المنصف المرزوقي" كان هزيلاً وضحلاً، دفع الكثيرين من التونسيين، الشباب خاصة، إلي الإحباط، وتخثرت بفضله الكثير من الأحلام البيضاء التي كانت تراودهم عقب الثورة..

أدرك أيضاً أن "جماعة الإخوان المسلمين" في نسختها التونسية، علي الرغم من كون المنتمين إليها أشد دهاءاً وأرقي فكراً وأكثر انفتاحاً من أعضاء " جماعة الإخوان المسلمين" في "مصر"، أبداً لم يستوعبوا الحالة التونسية علي نحو صحيح، ولم يدركوا أبداً أن دغدغة مشاعر القطيع بالخطاب الديني فقط، بعد أن جرت مياه كثيرة في نهر الإنسانية، توقفت عن أن تكون كافية للعبة سياسية ناجحة..

أدرك كذلك، وهذا هو الأهم، أن المتربصين بالتجربة التونسية، للأسباب التي لمستها من قبل، كثرٌ، بل كثرٌ جداً، وهوية هؤلاء، هوية القبيلة والخيمة والوتد وحنين النوق، معروفة، معروفة جداً.. 

وهؤلاء ما زالوا هناك، ومن المؤسف أن أصابعهم الملطخة بالزيت بمقدورها الوصول إلي رئة تونس والعبث بأنفاسها حتي الاختناق، لهم أساليبهم أيضاً، ولهم امتداداتهم من مرضي القلوب من التونسيين، و"الموساد" لهم أيضاً، ليت التونسيين يضعون هذه الحقيقة في بالهم كجمرة في البال!

في النهاية..

ثمة سؤالٌ يتراقص علي مقدمة لساني منذ ساعات لم يجف بعد، أود، لو كان هذا بإمكاني، أن أوجهه إلي كل تونسيٍّ علي حدة:

- ما دام الأمر هكذا، أما كان من الأولي أن تدَّخروا المال الذي بذرتموه في الإنفاق علي الاستحقاقين الإنتخابيين لبناء مكتبات ومستشفيات ومدارس بعد أن تحسموا منه فقط ثمن عدة مقاعد في طائرة تقل "زين العابدين بن علي" وأفراد أسرته من "السعودية" إلي دولة ما قبل "17 - ديسمبر- 2010"؟!

رحم الله "محمد البو عزيزي"، ذلك الرجل الذي استوعب أكثر من أي شخص آخر، وعن غير عمد، نظرية الأواني المستطرقة!

علي أية حال، هناك دائماً شئ رقيق للغاية ودقيق للغاية يولد من خلال الدهشة، فلقد أكدت الحالة التونسية أن اللعبة السياسية في هذه البقعة الرديئة من العالم تعتمد علي أدوات ثابتة لا تتغير، ووفق نسب ثابتة أيضاً:

1- إعلام مضلل = 75 %

2- مال سياسي = 24 %

3- سياسة  = 1 %

علي أية حال، يجب علي جميع الأطراف في "تونس" أن تذعن لما تقول الصناديق، فلا معني للحديث عن الديمقراطية إلا باحترام لهجة الصناديق، كما أن بديل عدم الإذعان هو الهاوية بكل تجلياتها وصورها، لذلك أقول:

تونس.. ابعدي عني هذه الكأس..

مسَافةُ هزيمة/ شوقي مسلماني


1 (سياج)  
أرضُ شوك وحسك 
حيث كلّ جناح 
لكي يرحل 
فقط. 
**

2 (العطش)  
إنّها طقوسي الخاصّة 
المدفونة كلّها تحت التراب 
الآن أعرف لماذا هذه الشجرة يابسة 
تلك المساحة تفتح أفواهها عطشاً. 
**

3 (مسافةُهزيمة)  
يفوزُ بالكأس 
مَنْ يسبق بالعزم والصبرِ والإبتكار. 
** 

النجوم شموس 
مثل شمسنا هذه  
ربّما أصغر وربّما أكبر 
وليس أي شيء آخَر 
لا هي شجرة كرز 
ولا هي شجرة مشمش  
ولا هي شجرة زِينة أو عيد ميلاد. 
** 

هناك اختلاف 
لكنّ الجوهر واحد  
وفوضى 
مثلما اختبارات أثبتتْ  
وأنفاسٌ 
ومَنْ عليها يكتم. 
** 

لماذا هذه المسافات؟  
إنّها أمداء.. ويجب أن تُدرِك   
وفي كثيرٍ منها احتمالات 
وجبال تولد وتموت بإرادة 
ينشبُ بعضُها على بعض 
منذ القِدم 
وأمطار مرّات هي كثيراً شحيحة  
ومرّات لا عقال لها  
والإدراكُ المتأخِّر أكثر في الهاوية. 
**

وصدفة 
قلّما تهتدي. 
**

4 (عابران)  
"إلى اسماعيل فقيه" 
لم تكن ريح 
لكنّكَ كنتَ هناك 
لم تكن سماءٌ عالية 
ولم تكن حديقة 

وفي تلك الناحية 
كان الصخبُ أعلى من سكون مقبرة 

الرحيل كان دائماً 

وكان الخريف عابران 
يمضيان عاجلاً كلاًّ باتّجاه. 
**

5 (عابر سريعاً)  
للّيل  
موطئ قدم. 
Shawki1@optusnet.com.au 

مالذي يجب ان يعمله العرب مع إيران/ محمد الياسين

دائماً ما يترك العدو الإيراني عندنا إنطباعاً بالرغبة والاندفاع لإعادة تسويق مواقف قادته الارهابين . ينبغي علينا بعد ان اخذنا اعواما طويلة بتشخيص الحالة العربية – الايرانية وتسويق قوة العدو اضعافا مضاعفة ان نبدأ حقا في البحث عن حلول للتعامل مع تلك الحالة ، وإعادة تقييمها بالكامل ، وان كنا ننظر إلى اسرائيل على انها احتلال ،بالاحرى علينا ان ننظر مئات المرات الى ما يحدث في العراق وسوريا واليمن واحتلال الايرانيين للاحواز والجزر العربية الاماراتية الثلاث ومواقفهم تجاه لبنان والبحرين والرياض وعمان القاهرة وباقي البلدان العربية ،ثم مقارنتها مع ما تحتله اسرائيل ومواقفها ايضا ، صدقا اننا لن نجد مجالا للمقارنة ،وذلك لانك  ستجد ما يستفز الشعور الانساني والعربي  اضعاف المرات عند الايرانيين . عموما نحن هنا اليوم لطرح ما يجب علينا ان نبدأ بالتفكير به.
ان كانت اسرائيل احتلالا ،فلا بد ان ننظر الى ايران على ان لديها مشروعا استعماريا فاق خطر اسرائيل عشرات الاضعاف ، لذا ينبغي ان نعيد تعريف الحالة الايرانية مع العرب على انها استعمارا جديدا لمناطق العرب.
أعلن قادة إيرانيين مرارا وتكرارا انهم يتحكمون بالعراق وسوريا وان مقاتليهم وقادتهم الميدانيين يديرون العمليات العسكرية هناك ، كما ان الحالة العربية عموما لا تمتلك أي قدرة على مواجهة إيران ، طالما نحن في موقع الدفاع عن النفس لسنا في موقع الهجوم!.
ماذا علينا ان نفعل أذن؟! ؛ لا شك ان للعرب فرصا حقيقية لنقل ساحة المعركة الى داخل إيران وتقويض النفوذ الايراني عبر إشغاله باحداثه الداخلية ، وذلك لا يتم إلا عبر دعم القضية العربية الاحوازية  ، المنسية من الضمير والوجود العربي ، الممحية من العقلية العربية الحاكمة الصانعة للقرار ، ودعم القضية الكردية القومية العادلة .
دعم الشعب العربي الاحوازي والقضية القومية الكردية في النضال ضد النظام الايراني سيشكل حالة جديدة لن تربك الايرانيين فحسب ، بل ستجعلهم يعودون الى الخطوط الخلفية بعد بروز هذا العامل الجديد في خارطة الصراع .
 النظام الايراني اليوم يقاتل بكل قواه محاولا تعبئة الشارع الشيعي من كل العالم من الجنسيات غير الايرانية بحجة الدفاع عن الشيعة والمقدسات في العراق وسوريا ، ذلك ليس حقيقة ما يدور في عقلية صانع القرار الايراني للمحافظة على مستعمراته ونفوذه وعملائه بالمنطقة ، انما هو تخطيط استراتيجيي بعيد النظر للمحافظة على قواه الداخلية من الاستزاف المحتمل بحال زجت قواه  بتلك الحروب المعقدة ، بالتالي تبقى قواه الايرانية الداخلية على اهبة الاستعداد لقمع أي ثورة أو انتفاضة داخلية ، لأنها حتما ان حدثت  ستطيح به إذا ما وضع اعتماده الرئيسي على قواته الايرانية  في ادارة الحروب والصراعات خارج ايران ، لذا فأن النظام الايراني وجه خطابه العام فيما يتعلق بالحرب في العراق وسوريا الى شيعة العالم لنجدة المقدسات!! ، لكنه في الوقت نفسه نراه يصر على إدارة الحروب  بقيادات إيرانية ، وهذا يعني ان حاجته الاساسية هي للمقاتلين من غير الجنسيات الايرانية  فقط للقتال نيابة عنه بزجهم في محرقة طويلة الامد ، بالتالي يعينه ذلك على الاستمرار بقوى متوازنة نوعا ما بالمنطقة . لذا نرى ان اعداد المقاتلين من الجنسية الايرانية محدودة جدا مقارنة بالجنسيات الاخرى مما يدل على ان هناك تخوفات ايرانية حقيقية من حدوث ثورة او انتفاضة جديدة داخل إيران ، رغم ان اعداد المقاتلين للجيش والحرس الثوري والباسيج والميليشيات التابعة لهما في ايران تعد بالملايين . اذن فالنتخيل معا كيف هو حجم الخوف من أي حدث داخلي قد يعكر الأجواء الايرانية؟!!! لاشك أنه كبير جداً.
تأكيداً على ذلك نرى ان الاعلام الايراني وخطابات قادة النظام دائما تصب باتجاه تأليب الشيعة العرب على الانظمة الحاكمة في الخليج العربي ، محاولة منهم لفتح جبهات اخرى في المنطقة تبعد خطر الاضطرابات الداخلية عن ايران من جهة ، وتأزيم وضع المنطقة بحرق الشيعة فيها بحروب ليست حروبهم وانما فيها مصالح عظيمة للنظام الايراني من جهة ثانية . كذلك محاولة كسب الايرانيين لثقة العرب من خلال التسويق الكاذب بدعم القضية الفلسطينية قائم على قدم وساق !.
لذا فأننا نرى ان دعم القضية القومية الاحوازية والقضية القومية الكردية وقضايا الاقليات الدينية والقومية الاخرى في ايران لنيل حقوقها وتقرير المصير وكذلك دعم أطراف المعارضة الايرانية الداعية الى تغيير النظام ، سينقل المعركة الى عقر دار الشيطان الايراني ، كل ذلك يصب في خدمة مصلحة عربية واحدة ، وهو الخيار الأسلم والوحيد لتحييد النظام الايراني وتحجيم احتلاله للمنطقة العربية تمهيداً للتخلص التام من خطره الداهم واستعماره القائم.

لقد فاض الكيل وطفح/ أنطـــونـــي ولســـن

إليك يا رب نصرخ
إليك يا يسوع نلجأ
فقد فاض الكيل وطفح
أبناؤك يُذبحون 
أبناؤك يُقتلون
أبناؤك تهان نسائهم
أبناؤك تخطف بناتهم 
من قوم يهللون بأسمك
من قوم يكبرون بأسمك
الله أكبر .. الله أكبر
ينسفون كنائسك
ويحرقون كتبك
ويستهزئون بصليبك
وأنت القدوس
الذي به نحتمي
ومن أجله يهون دمي
فدية لأسمك
وشرفا لحبك
فأنت المثال نحتذ ي
قدمت دمك لنفتدي
إرسل روحك القدوس
ليعزي النفوس
نفوس أبرياء
ساحت أمامهم دماء
دماء أب مسكين
وأم حُبلى
ذبحت بسكين
إليك يارب نصرخ
بك يا يسوع نحتمي
فقد فاض الكيل وطفح
إرحمنا .. إرحمنا يا ألله
كرياليصون .. كرياليصون
إرحمنا وإسمعنا
كرياليصون .. كرياليصون
إرحــــــمـــــــنــــــا يـــا ألله
إرحـــــمـــــنــــــا يـــا ألله
وإســـــمـــــعـــــنـــــا...
أمين.

بين سَلفٍ وسَلفٍ.. نحن فراعِنة، لا عَرَب/ مهندس عزمي إبراهيم

دام الاستعمار العربي لمصر من عام 641م حتى سنة 877م حين استقل بها أحمد بن طولون استقلالا تاماً عن الخليفة العباسية. 236 سنة فقط هي كل مدة علاقة مصر بالحكم الاستعماري العربي مباشرة.
ليست هناك أمة على سطح الأرض، كبيرة أو صغيرة، مَجيدة أو لا مَجد لها، قوية أو حتى مستضعفة، تستسلم لمستعمِرها بعد زواحه عنها بقرون. وتلتصق به وتمجده وتفخر بانتمائها وبتبعيتها له بعد أن اغتصبها بحد السيف وسفك دماء مواطنيها. وسلب خيراتها ونهب أموالها ومواردها وأذل رجالها وهتك أعراض نسائها. خاصة أن المستعمِر أقل منها حضارة وتاريخاً وعرقاً ومجداً وثقافة وإنتاجاً وإبداعاً. وأنه جاء إليها حافياً جائعاً جاهلاً متوحشاً... إلا إذا كانت أمة فقدت وَعيها، ووصل بأفرادها الغباء والعَته والخنوع العقلي والنفسي.
ولمن يريد أن يغضب من وصفي لتلك الحالة بالعَته، أقدم له بعضاً من معنى كلمة "العَته" فهو "انحطاط غير طبيعيّ للملكات العقليَّة والتَّوازن العاطفيّ نتيجة مرض أو خلل في الدماغ " وهذا ما تعانيه بضعة ملايين من المصريين يقولون أننا عرباً!! ملايين فقدوا الإحساس بالولاء لوطنهم والانتماء لأصولهم، أي فقدوا الفخر الوطني والقومية الذاتية، أهدروا فخرهم المستحق لوطن من أعظم أوطان العالم شعباً وآثاراً وأعرقها إسماً وحضارة، وتمسكوا بأهداب صحراوية مهلهلة لا حضارة لها إطلاقاً. ومن يقول "الديــن" أقول الدين إيمان وعلاقة بالله وليس حضارة.
العرب استعمروا مصر كما استعمرها الهكسوس والأشوريين والفرس والاغريق والرومان والأتراك والفرنس والانجليز. اغتنموا جميعاً من مصر ما اغتنموه وسلبوا ما سلبوه. ورغم بغضائنا للإستعمار في مُجمَله وبأي صورة يأتي ومن أي جنس يكون، فالغربيون منهم، وأقصد الدولتين المتحضرتين، الفرنس والإنجليز، بينما اغتنموا واستفادوا.. فقد أفادوا.
وكان العرب أكثر المستعمرين استغلالا لمصر وإذلالاً للمصريين. يذكر لنا التاريخ أن قوافل الإبل المحملة بخيرات مصر المرسلة لشبه الجزيرة العربية كان أولها يصل الحجاز وآخرها ما زال بمصر. حتى إغتنى بيت المال من مصر أكثر من أي بلد استعمره العرب. وحيث أثرى الخلفاء في شبه الجزيرة ودمشق وبغداد وحاشياتهم ومحظياتهم وجواريهم في قصور وثراء ومجون وخمر وغلمان وغواني. في حين أجهدوا مصر نهباً وقصموا ظهور المصريين فقراً وجوعاً وإذلالاً.
دام الاستعمار العربي لمصر 236 سنة فقط. في تلك الفترة أهدروا دماء الأبرياء من أبناء مصر، حتى من أسلم منهم!! وأهدروا كرامة رجالها بصلفٍ وغلظة وظلم واستعباد واستبداد. فلم ينصبوا مصرياً واحداً، ولا حتى ممن أسلموا، والياً على مصر طوال هذه السنين. وباستقلال أحمد بن طولون بمصر أنهي عصر حكم العرب الاستعماري الخارجي واحتفظ بخيرات مصر داخلها ولأبنائها.
الغزاة نوع من عصابات لصوص وبلطجية مهما كانت جنسياتهم وأديانهم. فهم مغتصبو أوطان غيرهم مهما برروا غزوهم!! فمتى نقدر نحن، كمصريين، كرامة مصر ونحتفل في قلوبنا وعقولنا بجلاء الغزاة عن وطننا مهما كانت أديانهم ولغاتهم وجنسياتهم بلا استثناء. ومتى ندرك أن مصر جغرافياً دولة أفريقية أما العرب فأسيويين. وأن المصريين أصلاً وعرقاً "حاميون" والعرب واليهود "ساميون" نسبة إلى حام وسام أبناء نوح. فلا قرابة جغرافية أو سلالية أو عرقية بين مصر وشبه الجزيرة، ولا بين المصريون الفراعنة والعرب!!
ومتى ندرك أن الدين ليس رباط وطني ولا قومي ولا جغرافي ولا سياسي. وأن الأديان جميـعاً تنتشر بين شعوب دول العــالم على سعته. هل ارتباطنا بالعرب في الدين يفقدنا هويتنا المصرية الفرعونية، ويجعلنا عرباً؟؟ مخطئ بل جاهل أو مغرض من يظن ذلك. فنسبة 32% من شعوب العالم تعتنق المسيحية، ولم يصيروا، أو يدّعوا، أنهم فلسطينيون أو كنعانيون. ونسبة 48% من هؤلاء يتبعون الكنيسة الكاثوليكية ولم يصيروا، أو يدَّعوا، أنهم فاتيكانيون إيطاليون. وكذلك اللغــات، فعشرات الدول تتحدث رسمياً باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الأسبانية، ولا يدّعوا أو يفتخروا بأنهم إنجليز أو فرنس أو أسبان، أو ينتمون إلى انجلترا إو فرنسا أو أسبانيا.
فلا الدين ولا اللغة رباط قومي. إما جاهل أو مخدَّر أو مغرض من يظن ذلك. فمن الفقرة السابقة، نجد أن فخر الشعوب، الحرة المنطلقة والمتطلعة للتقدم، بقومياتهم الخاصة بهم وبأوطانهم حيثما ولدوا أو يقطنون، تعلو وتغلب فوق الاشتراك في الدين أو في اللغة أو في كليهما.
وهنا أسأل.. هل لو مواطن صيني أو أرجنتيني أو فيتنامي أو إسرائيلي، اعتنق الدين الإسلامي يصير عربياً؟؟ بالطبع لا!! فبين مواطني معظم بلاد العالم من اعتنق الإسلام، هل ندعوهم عرباً في أوطانهم لمجرد أنهم صاروا مسلمين؟؟ بل هنا في مصر، ملايين المصريين المسلمين يفخرون بمصريتهم ولا يدَّعون أنهم عرب، بل لا يقبلوا أن يُدعوا عرباً!!
وهل لو مواطن صيني أو أرجنتيني أو فيتنامي أو إسرائيلي، تحدث أو أتقن اللغة العربية يصير عربياً؟؟ بالطبع لا!! فهناك مسشرقين أجانب درسوا العربية بعمق وتكلموها بطلاقة، ولم ينقلبوا عرباً. وهناك كثيرون من الجاليات الإيطالية واليونانية والإنجليزية والفرنسية والأرمنية والتركية والشامية والسودانية عاش أفرادها بمصر وتعلموا اللغة العربية وتعاملوا مع المصريين بها، ولم ينقلبوا عرباً. ولو نظرنا حولنا هنا يمصر نجد ملايين من المسلمين والمسيحيين بمصر يتحدثون العربية ولكنهم ليسوا عرباً ويفتخرون بأنهم ليسوا عرباً.
العالم أجمع، عظماء دولِهِ وأبسطها، ما عدا العرب وأذناب العرب، يقر أن مصر الفرعونية أمة عظيمة عريقة، ولدت مع بدء الزمان، وسطرت التاريخ بالذهب، لا بالسيف ولا بالدماء ولا بغزو الجوار. سجلت إنجازاتها ومبادئها الإنسانية في صفحات من جبالها وعلى شطوط نهرها وفي قلوب أبنائها. وبنت حضارة رائعة، ما زالت معالمها ومنشئاتها راسية شامخة لم يسبر علماء وخبراء العالم الكثير من أغوارها وأسرارها بعد!! حضارة رائعة، أرست قواعدها على الإيمان والإنسانية والعلم والفكر والفن والموسيقى والعمل والإنتاج والإبداع، في وقت كان العالم بأجمعه، والعرب ضمنه، يحبو في ؤظلام الوجود المعرفي والإنساني.
نحن مصريون فراعنة. ومخطيء من يقول أننا عرب. ومخطئ من يقول أن مصر إسلامية. فمصر وطن، مساحة من الأرض بحدود جغرافية، شخص معنوي لا يعقل ولا يأكل ولا يقرأ ولا يصلي ولا يصوم ولا يسجد ولا يفقه الفرق بين الإيمان والإلحاد. وطن لجميع من يعيش فيه، من يحمل ديناً ومن بلا دين!! مصر دولة حرة لا تلقَّب بدين، ولا يحتكرها دين. فكل دولة احتكرها الدين أو حكمها الدين هبطت إلى قاع المستنقع الحضاري والثقافي والأمني والإنساني والأخلاقي، بل والديـــني. وهذه حقيقة يدركها المسلمون قبل غيرهم!!
كانت مصر في عظمتها عروس العالم ونجمته وزهرته إلى آلاف السنين، وكانت وما زالت سيدة الشرق جميعه بلا استثناء. عرباً وغير عربٍ. بئس من يهدر قوميتنا ويمحو هويتنا، فنحن "الأمة المصرية" أعظم أمة بالشرق، وأكرم من أي أمة بالشرق، وأصولنا فرعونية بحتة وهويتنا مصريون فقط، ولا حرف زيادة على ذلك. نحن مصريون بغالبية مسلمة ومصر ليست عربية ولا مسلمة بأي منطق. والقول بغير ذلك محض زيفٍ وتزوير مغرض .
أما آن الأوان أن يحتفظوا بإسلامهم ما شاؤوا، ولكن يفوقوا من تأثير تخديرهم لأنفسهم، عقولاً وضمائراً، بأفيون العروبة الوهمية، وأن يخرجوا من الخيمة (او الخيبة) العربية المهلهلة. هل ننسى ما يكنه العرب لمصر من شر وحقد مهما أبدو غير ذلك من نفاق وتقية؟؟ ففي الوقت الذي يقدس العالم حضارة مصر ويدرسها في أعلى مدارسه وجامعاته ويقدمها في أعظم محافله ومتاحفه، يأتي الوهابيون السلفيون زبانية السعودية العربية، ينادون بتحطيم وازالة أبو الهول والأهرامات وتماثيل ومعابد الفراعنة، تلك الكنوز التي هي مصر ذاتها ومعالم حضارتها ومن دعائم اقتصادها وحوافز الفخر لأبنائها لاستعادة مجدها. ولكنهم، جراد الصحراء، يريدون مصر "جارية ملك أيمانهم"، إمارة من إمارات خلافة وهمية، ونجداً قفراً من نجاد صحراء شبه الجزيرة، بلا حياة ولا مجد ولا علم ولا فن ولا حضارة ولا استقرار.
بين من يعشق كل ذرة من تراب مصر، وبين من نادوا بهدم آثار مصر الروائع، وقالوا ببجاحة وصفاقة أن مصر "حفنة من تراب عفن" و "طظ في مصر واللي في مصر".. نحن مصريون لا عرب.
نعـــم، بين سلف حضاري مجيد أنشأ وشيَّد مصر، وسلف صحراوي متخلف يهدم تراثها ومنشئاتها ويدمر عقول شبابها ويحتقر المرأة التي كان منها ملكات حاكمات عظيمات لها.. نحن مصريون فراعنة.. لا بدو عـرب!!
ومن يغضب من كلامي لا يستحق أن يُدعى مصريّ، وليس أهل لأن يحمل شرف الجنسية المصريةا!!
مهندس عزمي إبراهيـم

حدوثة رعب مصرية... الجزء الثامن/ فراس الور

كانت تسير ببطئ شديد على الطريق المخصص للمشاة تنظر بتمعن للقوارب من حولها، تارة الى اليمين و تارة الى اليسار باحثة عن الاسم الذي ابلغها اياه المجهول اثناء المكالمة الهاتفية بالامس و التي قلبت موازين زيارتها الى باريس رأسا على عقب، فعندما كانت برفقة صديقتها في جولة بين الاسواق بمعروضاتها الأخًاذة لشراء ثوب العرس رن هاتفها الخلوي، لم يظهر رقم على الشاشة فتجاهلت المكالمة في بادئ الأمر، ولكن بعد بضعة ثوان وصلت رسالة مكتوبة على الهاتف تقول "عندي خبر قد يهمك يا نادية بشأن زوجك مرقس، أجيبي الهاتف حينما اتصل،" تكرر الاتصال بعد خمسة دقائق، فجاوبت لتجد أحدهم يقول لها  "صحيح انك مسكينة و نواياك صافية و لكن ثقتك كزوجة ما حافظ عليها مرقس، انت في فرنسا مسرورة باحتفالات صديقتك و هو مسرور برفقتها يا غبية على متن يخته الخاص امبراطور المياه في حورية مرسى علم في مصر، انصحك بقطع زيارتك الان لتأتي الى بورتو مارينا و تتأكدي من كلامي،" حينها صرخت "من الذي يتكلم؟!" قطع الاتصال بسرعة، اصيبت بصدمة شديدة فكان صوته واثقا حين اعطاها المعلومات و حثها على قطع زيارتها للتأكد بنفسها، فما كان بها إلا الأعتذار عن العُرْس و الرجوع الى القاهرة بطيارتها الخاصة الى الميناء الجوي لمرسى علم،   
تراقصت اليخوت و اسمائها من خلف الدموع التي سالت من عينيها لبرهة من الزمن و هي تقراء متأملة في سرها ان لا تصادف الاسم على اي منها، هل يعقل لمرقس حبيبها و زوجها ان يخونها؟ مرقس الذي كان يُحَسِسُهَا بالآمان دائما و هي برفقته و الذي كان يعشقها و يُشْبِعْ عالمها حبا و عطفا...هل يعقل ان يخونها؟ و اذا كان كلام الرجل المجهول صحيح من هي هذه الامرأة التي سلبت زوجها منها؟ و هل كانت جميلة مثلها؟ هل وهبت لمرقس حبها و عطفها و وقفت الى جانبه بعلاقاتها مثلما فعلت هي؟ كيف كان سيسمح له قلبه؟ غلت الدماء في عروقها و احست بدوار عنيف في راسها، او ربما كان السبب حركة اليخوت المتراقصة وهي تطفو بسلام في الميناء السياحي؟ 
كان صوت كعب نعلها النسائي يدقدق على الارضية الصلبة محدثا صدى صوت رفيع بين اليخوت الفاخرة الراسية في ميناء حورية مرسى علم فالتفتت انظار المارة و انظار سكان اليخوت اليها، كانت أغلبية الناس التي صادفتها ترتدي الالبسة الخفيفة التي تناسب طقس الشاطئ الدافئ بعكسها هي، فكانت ترتدي قميص و تنورة حرير و نعل كعب عالي لونهم أزرق من درجة لون السماء الزرقاء و كان الحلي الذهبي الذي يزين صدرها و يديها يلمع عندما تسطع اشعة الشمس بين سحب السماء، فبين الفينة و ألأخرى كان بعض المارة ينظرون اليها باعجاب مبتسمين، و البعض الآخر يهزون رأسهم بلياقة مرسلين سلاماتهم لها بالرغم من انها المرة الاولى التي كانت تأتي اليها الى مرسى علم، 
أخيرا لمع الاسم تحت السماء مسبباً لها الصعقة التي كانت مُتَهَيِبَة منها، أحست بآلآم الف خنجر تنغرس في قلبها و في كرامتها و عيونها مسلطة على الطلاء الاحمر على جانب اليخت الانيق، فصرخت افكارها "امبراطور المياه! أه يا امبراطور الخيانة سنرى من الكلبة التي أخذتك مني!" كان طول اليخت مائة و خمسة اقدام مطلياً باللون الابيض و متعدد الطوابق، صعدة درجه الدائري الموجود في خلفه و عبرت مدخله الى باب الصالة، كان الباب مفتوحا فوقفت لبرهة من الوقت تلهث من اناقت فرشه، أخبرتها رائحة الوسكي المنتشرة في الاجواء ان من كان هنا لم يغادر المكان منذ فترة طويلة، فكان في زاويه من الزوايا بار صغير للمشروب عليه زجاجة وسكي و كوبين، و كان على حافة احدهما احمر شفاه، كانت الارضية مفروشة بسجاد بني سميك و كان طقم الصالة القريب من الباب بني فاتح، اما طاولة الطعام فكانت محاطة بستة كراسي في آخر الصالة مطلية باللون البني الغامق، المطبخ كان مزود بثلاجة متوسطة الحجم و مايكرويف وخزائن بنية من خشب البلوط الانيق، و كانت الستائر العسلية التي تغطي الشبابيك بانسجام كامل مع الفرش الفاخر، 
تمشت في اروقته باعجاب تام من اناقته الى ان وصلت الى غرفة نوم خمرية رائعة فيها سرير حجم كوين مفروش بغطاء ابيض و مجهزة بدولاب مزدوج لشخصين، كانت الغرفة تضم ايضا حمام رئيسي متوفر فيه خدمات الراحة بالكامل، وجدت على الطبقة الزجاجية تحت المرآة في الحمام عطور رجالية و زجاجة عطر نسائية اسمها "عطر الحب،" فتحت دواليب غرفة المنامة لتجد ثياب نسائية و ثياب زوجها فيهما، فكرت و هي متألمة "لن استطيع مسامحتك يا مرقس على افعالك، روائح الخيانة تملأ اروقة يختك بالكامل!!!" سالت الدموع المريرة من عينيها و بكت و هي تسير الى الصالة من جديد، جلست على مقعد و امسكت حقيبتها و تفقدت المسدس المزود بالذخيرة في داخله، "و ما الضرر من الانتقام؟ لولا حبي له لما كان رجل الاعمال الذي هو اليوم و رغم هذا يسهل له خيانتي!!! بكل سهولة ينسى؟"
عادت بذكرياتها الى عيد ميلادها الذي صدف في الاول من حزيران فكانت في هذا اليوم قد ابتدأت بعامها الواحد و الثلاثين، كانا جالسين في الصباح في حديقة قصرهما في جاردن سيتي بين شذى الياسمين و الورود العطرة يتناولا الافطار و دار حديث حلو بَقِيَا صداه عالقاً في ذهنها الى اليوم :
نظر اليها بولع في حينها و كأنه ينظر اليها لأول مرة و قال بغزل "احبك، اعشقك كثيرا، متيم انا بك، مغرم انا بحسنك الجذاب، كلما نظرت اليكِ اثرى جمالك مفردات الغزل عندي، بل هذب جمالك و حبك قلبي و كياني، تعلمت على يداك ما هو الحب و كيف ابحر بقلمي في بحور الكتاب المتيمين، لا اكتب الشعر لان حبك و جمالك اوسع من بحوره و اوزانه، فكيف تستوعبك اشعار يا فردوس اغلق ابوابه على قلبي و أذاقني كل مشتهى في عالم الحب، احبك، اقدس الارض التي تلمسيها بقدميك الجميلة، اغار من ثوبك الذي ترتديه لانه يطوق جسدك اكثر من يداي، احسد عطرك لانه يلازم عنقك اكثر من قبلاتي عليها، يا شجرة نضرة في ريعان صباها تملأها الثمار و الاوراق عندما آتى الخريف وسقطت اوراقك تلألأ جمال ثمارك امام ناظراي، اتبقي عارية بين يداي في كل ليلة؟ يا بياض ثلوج كوانين النقية يا بشرتك، شعرت بالنعيم حين لمست يداي خصرك، منسوج الحرير الناعم يا محاسنه، شفاهك تسقيني خمرة معتقة من كرمة الجنة تلهبني و تأخذني الى نشوات لا تنتهي بعالم غرامك،  جمالك ينهض فوران بركان في جسدي لاغازلك و غنجك يروي قلمي بماء الورد حين اصفك، قبلاتك ألسنة لهب على جسدي و توقظ ثورة الخيل في رجولتي لأضمك، لاتذوق الشهد و أقبل شفاهك، لأرتوي من ثدياك شراب العشق الوردي، يا غزل آدم و حواء اين انت من الدقائق التي اخذتنا الى نشوات الحب السرمدية حين حركتني محاسنها و رويت عطشها كامرأة فروتني الحنان وانا بين يديها، زوج و زوجة نلهث في دفئ حبنا الذي أخذنا الى جنان الغزل العذبة، أعشقك كثيرا، متيما انا بكي و بعريك، لا تتركيني يا مائي الذي يروي الحياة في ذاتي، يا غرامي العذب، احبك أقسم بالفردوس الامع بعينيك انني احبك،"
احمرة وجنتيها من كلامه فضحك و سألها "ماذا بك؟ اهذه اول مرة تسمعين الغزل مني، اتعلمين انك حلوة و مثيرة جدا يا نادية، النظر اليك يؤلم جدا و ينهض حواسي الرجولية الى درجة الجنون،"
ضحكت قائلة "اعدك اننا سنمضي الليل كله غزل في غزل،" 
اجاب و في عيونه بحور من الحنان و الحب "احبك،،،احبك يا نادية،،،انت ايقونة من الجمال مرسعة بالف ماسة ثمينة و هكذا تلمعين امام ناظراي،"
فنظرت اليه و قلبها نابض بحبه و غزله "الا تعلم ان نبض قلبك يُسَيِرْ دمائي و يبث الحياة في جسدي،"
اخرج من جيبه هدية صغيرة مغلفة بورق هدايا، فاخذتها بإمتنان قائلة "يا حبيبي شكرا كثيرا،" فتحت العلبة و لهث لسانها من ضدة اعجابها، كان اسم العطر "عطر الحب" فقالت "اسمه جذاب جدا!"
"انه منعش و هذه اول علبة من خط الانتاج أخذتها لك؟"
فجأة استفاقت من ذكرياتها، اقتربت من المركب اصوات ضحكات رجل و امراءة، امتلأت الاجواء بصوت طقطقة النعول و هما يصعدان درج المركب و ارتفعت اصوات ضحكاتهم و كلماتهم من خلف مدخل صالة اليخت فكانا في قمة سعادتهم، ثم تلاها حديث حميم،
"اتعلمين يا حبيبتي بحياتي ما استمتعت بغذاء كالذي تناولناه اليوم،"
"وانا ايضا يا حبيبي، لا استمتع برفقة احد الا رفقتك،" تَبِعَ الكلام صوت قبلة خاطقة ثم "اريد ان اشبع منك و من حبك، اريد لهذا الاسبوع الذي سنقضيه معا ان يتكرر،"
"وانا معك انسى الوقت كله و تصبحين انت الاهم يا حلوة، اذا ليس عندك مانع اريدك على الفراش فورا،" ضحكت المراءة و تحرك مقبض الباب و هي تقول"ليس على معدة مليئة يا مرقس،،،"
كانت يدا مرقس موضوعتان على جوانب خصرها و الابتسامات تشع من وجهيهما حين فتح الباب، فاجابت نادية بعيون تملأها الدموع و تعابير غاضبة "زوجي لا يتأثر بمعدة فارغة ام مليئة حين يريد ممارسة الغرام يا حلوة،"
ساد صمت مسموم اجواء اليخت فوقف مرقس و رغدة من الصدمة كتماثيل الشمع من دون كلام، تمشت نادية لبضع ثواني في صالة اليخت تنتظر ردة فعل منهم و لكن ليسود الصمت بسلطان قوي، ارتسمت علامات الفجع على وجه مرقس و كأنه ينظر الى الموت امام عينيه، فاكملت نادية بنبرة مستهزئة "او ربما بما انني هنا يمكن لي اعطائك بعض الدروس عن كيفية امتاعه فانا زوجته و عندي الخبرة الكافية؟"
نظرت اليهما باستحقار شديد ثم اكملت متسائلة "لماذا انتما وقفين عند الباب؟ هل يُعْزَمْ احد في يخته؟ تفضلا فزجاجة الوسكي التي على البار ما زالت ممتلئه؟" اقتربة من رغدة التي كان التوتر مخيم على وجهها و نظرة بتمعن الى التجاعيد على اطراف عينيها و فمها ثم قالت "ام تفضلين الشرب بعد الفراش يا كلبة السكك الضالة،"
كسر مرقس صمته حين اقتربت من رغدة و وقف بينهما ثم قال مترجيا "نادية اهدائي، استطيع شرح كل شيئ،"
"ما اسمك؟ الن تعرفني على العمة التي برفقتك يا خائن يا خسيس،" لم يستطع مرقس النظر الى نادية فدخل الى اليخت قائلا بتوتر "نادية ارجوكي دعينا نتكلم!!! هنالك تفسير لكل شيئ!!! اقصد!!!"
استجمعت رغدة بعض من الشجاعة و قالت "يفضل ان اذهب،" استدارت لتخرج من الباب لتجد نادية تشدها الى الوراء قائلة "ولما العجلة يا عمة؟ا عندك موعد مع زبون آخر؟" رفعت نادية يدها و صفعت رغدة على وجهها صفعة دوت صوتها في زوايا المركب، اهتز رأس رغدة و صرخة متألمة، فاقترب مرقس بتوتر صارخا "نادية أرجوك لا داعي لهذا! دعيها تذهب و يمكننا ان نتكلم!"
"و هل ستدافع عنها يا خائن" رفعت نادية يدها و صفعته بقوة فنظر اليها بصدمة شديدة، قالت بمرارة "اعطيتك حبا و عطفا ما كنت تحلم ان تأخذهما من أية امراءة في العالم و دعمت مشاريعك و طموحاتك السياسية!!! اعطيتك بسخاء و لم اطلب مقابل ابدا سوى الاخلاص لنا و لعلاقتنى و بعد كل هذا تخونني!!!" سحبت نادية المسدس من حقيبتها و صرخت آمرة "لا انصح احد بالعبث معي و انا في هذه الحالة، هيا سر وراء نادية و توجها امامي بهدوء الى السلم المؤدي الى غرفة القيادة،"
بكت رغدة من الذعر و ترجت نادية و هي تخرج من الباب "لا تقتليني ارجوك!!! سأفعل ما تريدين ولكن اتركيني بسلام!!!" سار ورائها مرقس مترجيا "يا ناديا لا ضرورة لما تفعليه!!! لا تتسرعي و ترتكبي حماقة قد تندمي عليها!!!"، فصرخت بهم نادية "اذا لم تسكتوا عن النباح قد أفعلها فعلا!!! وأي ندم أقوى من الندم الذي أحس به حاليا!!! هيا اصمتوا وامشوا!!!"
صعدا امام نادية على السلالم الى الطابق العلوي، فسارا في رحاب الطابق الفخم المكشوف الذي كان يضم ستة كراسي للاستلقاء تحت الشمس و طاولة طعام انيقة محاطة بستة كراسي خشبية، ثم تلتها غرفة القيادة، فتح مرقس الباب و دخلا اليها، كانت الغرفة مرتبة و واسعة مزودة بثلاث مقاعد امام لوحة القيادة الكترونية، أمرت نادية بنبرة جافة "حرك المركب!"
شغل مرقس المحركات و ماكنات سحب المرسآة ثم انطلق المركب الى عرض البحر، كرر مرقس بنبرة صوت مرتبكة محاولة التهدئة "نادية انت بغير وعيك!!! هيا اعطيني المسدس!!!" و لكنها صوبة المسدس في وجهه مهددة "صدقني الكلاب الضالة لها احترام اكثر منك عندي!!!"
بكت رغدة و انهارت امام نادية و قبلت قدميها ثم ركعت و هي تنظر اليها متوسلة "ألطفي بي؟! ارجوك سامحيني وان عفوت عني لن ترينني ثانية!!! زوجك يتصل بي لالهو فقط معه!!! صدقيني!!!"
"وثيابك التي بجاور ثياب زوجي في الخزانة!!!"
"نادية تأتي فقط لاسبوع او اثنين ثم ترحل،،،"
"مرقس اصمت فكلما اسمع تبريراتك اكرهك اكثر!!! وانت يا كلبة اليالي ستنالين جزائك عن قريب!!!هيا انهضي!!!"
مرت دقيقتان من الزمن لتنظر نادية بعدهما الي الخلف، كان اليبس و ميناء اليخوت قد تلاشا تماما حتى من ثنايا الافق البعيد، و لم تكن اية يخوت على مقربة منهم في عرض البحر، أمرت "اطفأ المحرك و ارمي المرسآة!!!" فعل كما أمرت و نظر اليها قائلا بتروي "نادية ماذا الذي تريدين الوصول اليه؟"
قالت آمرة "الحقا بي الى الخارج!"
خرجوا من غرفة القيادة و لحقاها الى الخارج لتتوقف نادية تحت اشعة الشمس بين كراسي الحمام الشمسي، فكرر مناداته لها "يا نادية جاوبيني!!!"
"اخلاعا ثيابكما!!!"
صرخ بولس بهلع "ماذا تقولي؟!!! هذا كثير!!!"
صرخت رغدة معترضة "ارجوك سأعطيكي ما تريدين فقط عودي بنا الى اليابسة!!! خذي زوجك فهو لا يلزمني!!!"
صوبة نادية المسدس على راس مرقس و قالت مهددة و سهام الغضب تشع من عينيها "هنالك ثمانية طلقات في هذا المسدس و اعدك برأس ابي الطاهر ان واحدة منها ستستقر برأسك و الاخرى برأسها ان لم تنفذان طلبي!!! ما الغريب  بخلع ثيابكما امام بعض ليس بالامر العسير عليكم فانتم استغنيتم عن عنصر الحياء منذ زمن!!! اريدكما بملابس الداخلية فقط!!!"
اسرعا بخلع ملابسهما و هما يبكيان حتى وقفا بملابسهم الداخلية ينظران بترقب و خوف الى نادية، نظرت اليهما بابتسامة المنتصر و قالت "هيا في عرض البحر!!!"
نظرا اليها غير مصدقان لبرهة من الزمن فصوبت المسدس نحوهما و ابتدأت بالعد "واحد، اثنين،"
"هنالك اسماك قرش هنا يا نادية!!!" 
صرخت ناديه "قرش!!! الرحمة يا امي!!!"ركعت ثانية عند قدمي نادية و قبلتهما بحرارة مترجية "ارحميني!!! سأكون ممتنتا لك اذا سامحتيني!!! ارجوك!!! سأخدمك طوال العمر!!!" و لكن صوبت المسدس بسرعة على مرقس و اطلقت طلقة أحس مرقس  بهواها و هي تمر من على يسار رأسه فصرخ مثل الطفل المذعور "القرش ارحم!!!تحت أمرك!!!" قفز عن اليخت لتلحقه رغدة مسرعة،
دوت اصوات قفزاتهم في الماء و تلاطمت الامواج على جنب القارب، تمشت نادية مثل غزال الغابات بفرح و غبطة و هي تنظر اليهما و هما يطفوان على وجه التيارات القوية، قالت و اهازيج النصر تصدح في صوتها "اسماك قرش؟ سلموا لي على الحيتان؟"
استدارات و توجهت الى غرفة المحرك لترعد اصوات الاستغاثة في الاجواء ورائها، "النجدة!!!لا تتركينا!!! ارجعي سنموت!!!" و لكن ما رق قلبها لهم، لم تستطع ان تنسى لحظات الألم التي جرحت قلبها لدى رؤيت ثياب امراءة غريبة معلقة بجانب ثياب زوجها، و لدى رؤيت امراءة غريبة بين يديه و القبلة التي قبلته اياها خلف الباب، أضاءت المحركات و انطلق اليخت في طريق عودته الى اليبس تاركا ورائه مرقس و رغدة و ندآت الاستغاثة الحارة منهم، "اللئيم لا يداويه الا المعاملة اللئيمة،"

-/-/- - -:- -  القاهرة - الزمالك
نظر عبدالحليم بابتسامة شفافة من داخل مدخل العمارة الى موجة الامطار العارمة التي تجددت منذ برهة من الزمن على الشوارع و السيارات من حوله، كانت القطرات المنهمرة من عند المراحم السماوية غزيرة فهم مسرعا الى سيارته الواقفة على مقروبة من مدخل العمارة السكنية التي يقطن بها، رجف جسده من برودة المطر الذي انهمر على رأسه و رقبته، فتح باب السيارة بسرعة و ركب بها فانتشرت اصوات طقطقات المطر على هيكلها و زجاجها في الداخل، كان يجب ان يعود الى شقته و يأخذ مظلة و لكن الارق الذي احس به منعه من الصعود الى مسكنه من جديد، بل كان شديد البئس عليه لدرجة انه منعه من النوم و الراحة حتى بعد يومه الحافل في العمل، 
فقال في نفسه وهو يدير المقود "التنزه لبعض الوقت لربما يكون الدواء للداء"، سارت السيارة في الشارع الذي تبين انه بسكون بغير عادة، فخلت الارصفة من المارة تماما و حتى حركة السيارات، "ما القصة يا ترى؟" فمحل الازهار "نهارك ورد و فل" الذي كان على مقربة من بيته كان مغلقا و السوبرماركت الذي بجانبه كان موصد الابواب، كان هذا السوبرماركت يفتح ابوابه كل يوم من الساعة السابعة صباحا و لغاية الساعة الواحدة ليلا فكان له زبونه الوفي، و لكن صاحبه محب للمال كثيرا فكان يماطل باغلاق ابوابه باكرا فقط لكي لا يخسر البيع و المربح، "لربما كان يعاني من وعكة صحية قوية او توفاه الله فلا يمنع الحج عبدالتواب عن المكاسب الا الشديد القوي،" 
كاد ان يضحك و لكن حتى الضحك كان يهرب من مزاجه السيئ و الارهاق فسرعان ما رجعت ذكرياته الى سليم الذي قتل في الباطنية بين يديه، ياه لمنظر الدماء المقرفة و هي تنتع من راسه حينما اصابتها الطلقة، و جسده الذي سقط على الارض من دون حياة في ثواني، هذه كانت جريمة على حدا فُتِحَ بها التحقيق في قسم النيابة، فقد صدر القرار أخيرا من وزيرة الداخلية بتولي ارفع شخصيات على الاطلاق في النيابة و امن الدولة التحقيق في قضية سرقت سيارة بولس باشا و قضية شحنات المخدرات التي كانت ترزح تحتها بعض احياء القاهرة، فذهابه الى الباطنية لملاحقة سليم البحيري كان بتوجيهات رتب عليا لا تُنَاقَشْ او تُرْفَضَ اوامرها، و لكن كان هنالك خيط يجب ان يتحقق منه قبل ان يخبر المسؤلين باي شئ، فربما كان مفتاح جديد لأدلة جديدة تساعد جهاز الامن بمعرفة كل المتورطين باستراد المخدرات، فكانت كلمة هايروغليفكس ما تزال مطبوعة بذهنه بقوة،
سأل ذاته "اين اجدك يا هايرو؟" و عربيته تقلع على جسر 6 اكتوبر متجهة الى منطقة منيل الروضة، هل انت مقهى ام محل بيع تحف ام محل ملابس؟ او ربما تكون معهد لتعليم لغة اجنبية؟ مهما تكون فانت محل صغير في مدينة من اكبر مدن الدول العربية و فعليا كنقطة في البحر كما يقال،" يجب ان اجد لك سبيلا و اتحقق من امرك يا هايرو،
القاهرة بتعداد سكانها الضخم تعدت منذ بضع سنين السبعة مليون نسمة و ضواحيها الستة و الثلاين مليون نسمة، قاهرة قرن العشرين و الواحد و العشرين بركان بشر و عطاء، مدينة مزدهرة بها البنيان و الفنون و العلوم و الصناعة الجبارة، انها دنيا داخل الدنيا و شوارعها تعج بالمشاة ليلا نهارا من دون توقف، فالليل ليس مناسبة للنوم و إلتزام البيوت، بل اذا سماء الليل لها خِلاًنُهَا من النجوم و القمر المنير فكيف لا تكون للاحياء التي ضجت بالبشر لستة آلاف سنة خلانها في لياليها، فنهر الإنسيٍن يملأ الارصفة  و ضفاف النيل المُسَيًجَة و الشوارع لا تهدأ من حركة السيارات بتاتا، و الأروقة في الاحياء تضج بالضحكات و اصوات البشر المؤنسة، و لكن سارت سيارة عبدالحليم بمفردها فقطع الجسر متجها الى ميدان التحرير و خلان المساء المعهودين متوارين عن الانظار، فصرخة افكاره فجأة "اين ذهبتم يا مصريين!!!" 
فتح راديو سيارته...و لكن توقف امام المتحف المصري العام بشارع وسيم حسن فجأة و الصدمة تتملكه، أعلن الصوت الحاد بنبرة جدية عن سلسلة الحوادث التي اصابت القصر العيني و إرادة الجيش بإغلاق المنطقة المحيطة عسكريا بمستشفى القصر، اكمل المذيع حديثه ثم اعاد الأنباء مرة ثانية و انهى النشرة، تلت النشرة ساعات حظر التجول التي كانت تشمل عدد واسع من المناطق المحيطة بالقصر العيني، اغلق عبدالحليم المذياع بخوف تام، هل كان هذا كابوس؟ قطعاً هذا كان كابوس فقد اعلن المذيع ان حوادث خارقة للطبيعة شيطانية و مؤسفة دمرت المتحف المصري العام و مستشفى قصر العيني و هذه الحوادث قد يكون لها تبعات مؤذية للبشر فلذلك و ليتسنى للجيش السيطرة على الوضع بالسرعة الممكنة اعلنت قيادة اركان الجيش عن حظر تجول بعدد من المناطق ابتداءا من هذا المساء الى الغد في السابعة صباحا،
هل هذا له علاقة بحادثة سيارة ابنة بولس باشا؟ فابتدأت الامور تتوضح امام ناظريه، و تذكر الشرطي الذي امسكوا به و هو يهذي عن الجنية، و فجأة برق اسم هايروغليفكس امامه على البناية المقابلة للمتحف، لم يصدق عيناه و كأنً إرادة الله اوقفته امام ما يمكن ان يكون الهدف المنشود، سينما "هايروغليفكس"، و لِمَا لا فكل شيئ ممكن خصوصا مع آخر تطورات هذه الساعة الملعونة، السواد المعتم اثناء العرض و ما يمكن ان يتخلله من تبادل لأكياس البودرة البيضاء، نزل من سيارته و اتجه الى صندوق السيارة الخلفي فلم يأتي الى هذا الحد ليبارح مكانه من دون دورة تفتيش، ففتح الغطاء و اخذ السترة الواقية من الرصاص و احزمة الرصاص منها، لف الاحزمة على خسره و اخذ بندقية الشوت غًن و عبأها بالرصاص، و تفقد المسدس الاوتوماتيكي الذي كان على جنبه، نظر الى الحي من حوله فلم يسمع من حوله سوى صفير الهواء النشط في الحي الذي كان يعلو مع قطرات المطر من وقت لآخر و محركات بعض الدوريات العسكرية القريبة، و حتى ان استوقفوه فكان شرطي في مهمة رسمية، سيدعوه و شأنه، و لكن الهدوء سبب له قشعريرة و ارتباك، فأحس انه ليس بالقاهرة بل بمدينة اشباح مخيفة، 
اتجه ببطئ و هو ينظر الى دار العرض الساكنة بشارع ميرت باشا، كان البناء التجاري الضخم يتالف من خمسة عشر طابق و السينما تحتل اول ثلاثة طوابق منها، و كان المبنى يضم صالة بولنغ و بلياردو ايضا، كان يريد الدخول ليبحث عن ما يقطع الشك باليقين من ان هذا المكان يستخدم لتجارة الممنوع، و لكن في قرارة نفسه كان يريد ان يدخل ايضا ليبحث عن اي رابط بين الجنرال الذي سمع عنه من اصدقائه في مكاتب التحقيق و الحوادث الغريبة التي كانت تحدث في آخر فترة الشؤم هذه، فجميعهم ظَهَرَ شرهم فجأة في فترات وقتيه قريبة، ربما يكون هنالك رابط بينهم؟ لكن كان يعلم ايضا ان الرابط بينهم هو الشر، فتجارة الممنوع الحقيرة تدمر البشر و كذا الجنرال و بالرغم من ان الجنية امرها مريب الا انها تسببت بصدمة عنيفة للشرطي الشاب، ستر الله هذه البلاد التي استقرت فجأة تحت احتلال معتم لا يرحم، 
استقبله باب رئيسي مزدوج كبير مغلق و كان الظلام يخيم على البهو في الداخل، فجأة اجتاحه شعور مخيف و هو ينظر الى الداخل،  بل كان اشبه بحدس قوي ان كارثة كبيرة ستحدث، و لكن لم يدفعه هذا الحدس بالابتعاد عن المكان بل دفعه الى الاقدام على الدخول، امسك البوابة الكبيرة و هزها بضع مرات ليفتح احد الابواب الى الداخل، كان الصمت يخيم على المكان و البرودة تملئ الاجواء، دخل و اخرج القنديل الصغير من جيبه و اشعله، 
كان البهو كبير دائري الشكل بمسطح يقدر بحوالي مئتي متر مربع، و كان فارغ تماما من المحتويات ما عدا مكتب صغير على يمين المدخل، و كان عليه من فوق مسدس رصاص 9 ملم و علبة رصاص مناسبة له، حيازة المسدسات من قبل حراس العمارات غير قانوني فما قصة هذا السلاح و في دار سينما؟ خيم عليه الشعور الخانق مرة ثانية و اصبح متأكد بأنه قد يصادف ما لا يحمد عقباه، آخذ السلاح الاوتوماتيكي و تفقد مخزنه ليجده مليئ بالذخيرة، وضعه بجيب سترته مع علبة الذخيرة متسائلا عن مصير صاحبه و تفقد بقية ارجاء البهو بحذر و حواسه يقظة تماما، كان فارغا تماما من الاثاث و المحتويات و مع حركته داخل البهو وصل الى منفذان متعاكسان، و وجد لافتة اعلانية معلقة على الحائط بها سهمان واحد يشر الى اليمين و تحته كلمة الى مكاتب الادارة و الآخر يشير الى اليسار مكتوب تحته الى صالة السينما، 
فجأة سمع صوت خطى اقدام على مسافة منه، أطفئ القنديل الذي كان بيده و التصق بالحائط  الذي كان بجانبه، كانت خطى اقدام واثقة تمشي ببطئ و بانتظام، كانت قادمة من جهة ممر الادارة على اليمين فاستمرت بالسير لدقيقة من الزمن، و فجأة سمع صوت هاتف خلوي، فأجاب صوت شاب تحت أمرك عبدالرؤوف باشا...لا تقلق فالبضاعة بخير...سافر و انت مرتاح فسأشرف على توزيع كل شيئ ثم الحق بك الى الاردن...مرقس؟...لا هذا الانسان بخبر كان...(صوت ضحكات)...اما كنت في قمة متعتي و انا ارى علاقته بزوجته تنهار و الآتي اعظم يا جنرال...
لهث عبدالحليم على سيرت الجنرال بطريقة لفتت انتباه الرجل فقال...لحظة واحدة لينتشر صوت حفيف قماش بالاجواء ثم ضوء قنديل، ركع عبدالحليم على الارض و تحرك من مكانه بعكس اتجاه ضوء القنديل، أخذ الرجل بضع خطوات في ارجاء مختلفة من الممر ثم عاد الى المكالمة الهاتفية و تابع حديثه، الابله رمزي قلت له ان يدفع فواتير الانارة و لكنه لم يفعل فقطعوا الكهرباء عن السينما و لم نعمل طوال اليوم...هل أتي اليك الآن...الساعة؟ لا اعلم ماذا بساعتي فهي معطلة، نظر عبدالحليم الى ساعته فكانت متوقفة عند الثالثة ظهرا، انتشر صوت طقطقت نعل الرجل في الممر و هو يقول مسافة الطريق سأكون عندكم ثم اختفى وهو يغلق باب وراءه، 
اضاء عبدالحليم هاتفه الخلوي و نظر الى خانة التواريخ و الوقت فكانا فارغين، فلهث متعجبا من الحادث "ماذا يحدث في مصر!!!" فكانت اشارت الخلوي قوية، ضرب على خطيبته فاجابت هاتفها و لكنه اغلق الخط فما كان يستطيع التكلم و هذا الرجل موجود، وضع الهاتف على النظام الصامت و ارسل لها رسالة طمئنها بها عنه، و فجأة فتح الرجل و خرج من الغرفة الذي كان بها و اتجه نحو البهو، فَسُرً عبد الحليم لأنه كان يريد ان يأخذ راحته و هو يفتش المكان، و لكن توقف عند المدخل فأنارة اضاءة الشارع وجهه قليلا فكان طويل اسمر البشرة ذو شعر اسود و ملامح حادة، بحث قليلا فوق المكتب الذي كان عند المدخل ليقف قليلا و يضحك بصوت عالي، "ثم قال ألن تعرفني بنفسك؟"
ارتبك عبدالحليم قليلا ثم قرر ان لا بد من المواجهة فقد انكشف امره، و قبل ان يفتح فاه صرخ الرجل صرخة مدوية تقشعر لها الابدان، انتشر صوت تكسر عظام في البهو، امسك الرجل يده التي كانت فوق المكتب و هو يتلوى من الألم و صرخ "يدي تكسرت!!!"
تقدم من خلف المكتب من الزاوية المعتمة للبهو من طحن يد الرجل، كان وقع اقدامه قويا و ثقيلا و كان يترك في البهو صدى صوت مسموع، تجمدت الدماء في عروق عبدالحليم حين اضاءت انارة الشارع الوحش و هو يزمجر في وجه الرجل، سار على قدمين كالبشر و لكنه كان اطول و اضخم منهم و جسده يملئه الفرو، امسك الرجل الذي كان يصرخ من الرعب و الألم و لكمه لكمة قوية قذفته جهة المدخل الزجاجي العريض ليتكسر الزجاج، صرخ الرجل لبعض الوقت و دمائه تنزف ثم تابع الكائن المسير جهة عبدالحليم، سلط الضوء عبدالحليم على الوجه الكريه للوحش فصرخ من بشاعه وجهه فكان ممزق، كان نصف وجهه آدمي و النصف الآخر مشوه و لحم وجهه ظاهر، صوب الشوت غن عليه و اطلق عيارا و هو يصرخ من الخوف فاهتز جسد الوحش حين اصابه العيار و انفتحت في صدره فجوة، صقط على الارض لبضع ثواني و انتشرت من حوله بركة دماء زرقاء،
اسرع عبدالحليم الى الرجل الذي قذفه الكائن خارج الابواب، كان ممددا على وجه و الدماء تنزف من وجهه و جسده، كان يلتقط انفاسه الآخيرة حينما قال له "تماسك سأتصل بالاسعاف!"
اجاب الرجل بصوت ضعيف "سأموت، لن يصلو بالوقت المناسب"
امسك عبدالحليم الخلوي ليرفع الرجل يده و يمنعه قائلا و هو يهذي من الصدمة"حتى لو دخلت مستشفى لن يتركوني بسلام،"
سأله عبدالحليم "لماذا سيسافر الجنرال الى الاردن؟"
"الكن، الفرعوني، سيقابل، هالة عبدالمنعم"
دوت صفارات الشرطة العسكرية في الاجواء فركض بارتباك الى جهة السينما منيرا طريقه بالقنديل الذي كان معه،  صعد درج دائري و دخل صالة شبيهة بالبهو الارضي، أضاء القنديل من حوله لياخذ لمحة خاطفة عن المكان، كانت هنالك كراسي انتظار مُدَمًرَة حيث حديدها ملتوي، و كانت مكومة في ارجاء مختلفة من البهو فوق بعضها، فنظر ببطئ و استغراب من هذه الاكوام المبعثرة في البهو، و بالرغم من الذعر الذي كان يسيظر عليه الا انه كان يجب ان يستمر بالبحث عن مخرج آخر من هذه العمارة فللسينما مؤكد مخرج للطوارئ او درج هروب يمكن ان يتوارى من خلاله عن انظار الجيش، 
كان الطابق الثاني يتألف من قسمين، الاول عبارة عن بهو يحتل ثلث مساحة الطابق الكبير و الثاني صالة سينما كبيرة باتساع خمسمائة كرسي، و كان داخل البهو مدخلان يؤديان للسينما فاستوقفه لدقيقة لوحة اعلانات على يمين احداها إعلان فلم "Resident Evil” ، الفلم الشهير الذي تجتاح به مدينة كاملة كائنات متوحشة منبثقة من تجارب على عينات بشرية تجريها شركة ادوية و تفترس هذه الكائنات البشر في المدينة، يا لسخرية القدر من عالم البشر فليأتوا مخرجوا هذا الفلم و ينظروا ماذا حل بمصر و اهلها الطيبين، مصر التي كان اهلها يغالوا بسلام مدنهم تحولت هي و أهلها الى فريسة لكائنات مجهولة الهوية لم يُعْرَفْ مصدرها بعد، كائنات بشعة لا يعلم احد كيف تمشي و تتحرك و هي ميتة، ما الذي يحدث هنا بالضبط؟
كان الظلام الدامس يخيم على صالة السينما ما عدا اصوات طقطقت كراسي متقطع و كأن شيئ كبير و ثقيلا يزحف بينها و يقلعها من مكانها، ارتاع عبدالحليم من هذه الاصوات و خصوصا وانها تأتي من الظلمة الداكنة، اطفئ قنديله على باب السينما و اصغى لاصوات خلع الكراسي من مكانها، فتذكر وجه الكائن الذي قتله قبل قليل و وجهه الممزق الذر رآه، يا ترى من كان يصارع بالضبط؟ ضخ الرصاص داخل الشوت غن و قال في ذاته بمحاولة لشحن عزيمته "هنا وقت الرجال الحقيقين حينما لا يهربون من المعارك الحقيقية، شرطة القاهرة تربي رجال و ليس حريم،"
أشعل القنديل من جديد و دخل الصالة الرئيسية بحذر شديد و اتجه الى حيث الجهة التي كانت تأتي الاصوات منها، كانت بعيدة في الجهة اليمنة من الصالة لذا لم يستطع ضوء القنديل المتواضع بلوغها، اقترب من مصدرها بحذر شديد مسلطا الضوء على الكراسي من حوله و على الطريق أمامه، صف بعد صف كان الصوت يقترب منه اكثر الى ان قطع نصف مسافة السينما، توقف و اضاء المنطقة من حوله فلم يرى شيئا، استغرب لبرهة من الزمن و لكن فجأة توقف و الافكار تعصف بذهنه، كان يجب ان ينتبه أكثر الى طبيعة الاصوات، سلط الضوء على المنطقة امامه و الرعب يعصف بجسده، وجدهم واقفين امام بعض و السيوف بيدهم فقد كان الصوت الذي سمعها بالحقيقة صوت التحام سيوفهم،  
كانت اشباه بشرية تتقاتل امامه في منظر ما كان يحلم ان يراه و لا حتى باشرس قصص الرعب، فقد كان طولها نحو مترين و الفرو الكثيف يملئ جسدها و كانت ذات قوام بشري، اما رأسها فكان اشبه براس الثيران و لها على الجوانب قرون ثيران، و كان الشرار يتطاير من المعدن كلما التحمت سيوفها مع بعض فكانت تتعارك بكره و شراسة كبيرة، و لكن لماذا كانت تتقاتل بهذه الطريقة؟؟؟!!!
و فجأة انتشر دخان كثيف من حولها و توقفت عن العراك، سجدت على الارض و انقشع الدخان بعد برهة من الزمان ليبرز من ثناياه كائن شبيه بهم، تقدم ببطئ نحوهم و لكن بخطى زلزلت الارض من وزنها و قال موبخا "الا تشبعوا من العراك؟"
قال احدهم "نحن نريد ان نعرف هل ستوزع الملك علينا بالتساوي؟"
"اصبرا و سيأخذ كل واحد منكم قارة ليحكمها،"
فقال الآخر "أنا اريد اوروبا واعطي اخي البلدان العربية"
صرخ بوجههم "كفا فأمكم تضايقت من تصرفكم و انا اكثر منها، سيحين الوقت سريعا لكي أثأر لأخي نارطور و لكن بعدما انجز على حياة روح الملكة سيخمت،"
وضع يديه على خواصره و قال بمرارة "حراب جندها ألمتني و لكن قوتي كبيرة في هذه الارض، الكره الذي يملئ قلب البشر و قلة ايمانهم بديانتهم السماوية يقويني كثيرا، و لكن هل تصدقا؟ قد عادت الكلبة سيخمت الى هذا العالم لتتحدى مشاريعي من جديد وانتم تتعاركا بكل اهمال و لا تحسان بالمسؤلية؟؟؟!!!" 
نظرا ابنيه بخوف اليه ثم على الارض ريثما اكمل حديثه "و لكنها لن تقوى علينا، فقد حان عهدنا على الارض، بعد بضع ايام سأُنهض جيش أخي من جديد فقد أوحينا الى معاوننا البشري ليسافر و يفك السحر عن جيش أخي فحينها سيتحدوا مع جيشنا و سنصبح قوة لا ترحم،" اشتم الاجواء من حوله ثم قال "اشم رائحة بني آدم من حولي، الم تتنبها الى الامر؟!"
قدمي عبدالحليم كانتا كالجليد من الخوف و الرعب، فمنظر معاون الشيطان و اولاده صعقته كثيرا، ابتدأ يتراكم الخوف في داخله لدرجات لا ترحم و ابتدأ فكيه يرتجفان من التوتر و الرعب، و بحركة لا ارادية وقف و سلط الشوت غن على الكائن و حاول اطلاق النار و لكن وجد أن السلاح لا يعمل، فرأه احد اولاد الكائن و رمى السيف باتجاهه و لكنه ابتعد عن دربه بحركة سريعة، فانغرز بكرسي من الكراسي بجانبه، التقطه عبدالحليم و  رماه على الابن الكائن الذي هاجمه بقوة فأصاب صدره، صرخ الكائن حينما رأى ابنه يرتمي على الارض و دمائه تفيض من جسده و ركض هو و ابنه الثاني عليه، صرخ عبدالحليم في وجهها "لن تحتلوا العالم و نحن موجودين!!!"
اطلق الكائن صرخة متوحشة زلزلت صالة السينما فركض عبدالحليم الى الخارج ليجد الجيش بوجهه، فالتقطه الجند و هو بحالة رعب و ارباك و هو يؤشر بيده الى داخل الصالة، دخل الجند الى الصالة ليجدوا الهواء الطلق و السينما في وضعها الطبيعي، 

لماذا يخاطب أوباما "المواطنين العاديين" في القدس/ نقولا ناصر

(أعلن نتنياهو انهم "في معركة كبيرة على القدس"، وأعلن وزيره للأمن الداخلي اللجوء إلى قوانين الطوارئ ضد المقدسيين العرب، ودعا رئيس الائتلاف الحكومي أحزاب المعارضة للانضمام إلى حكومة وحدة لحالات الطوارئ، بما يرقى إلى إعلان حرب على القدس وعربها)

في إدانته لعملية دير ياسين يوم الثلاثاء الماضي، التي أودت بحياة أربعة من كبار الحاخامات اليهود الصهاينة مزدوجي الجنسية، كان لافتا للنظر أن يناشد الرئيس الأميركي باراك أوباما "المواطنين العاديين" في القدس من أجل "التعاون لخفض التوترات" في المدينة، ولا بد ان أجهزة مخابراته وكتبة بياناته ومستشاروه في السياسة الخارجية كانوا يعرفون تماما بأن انتفاضة القدس الحالية ضد الاحتلال الإسرائيلي شعبية وعفوية ولا تأتمر بأوامر القيادة الفلسطينية الشريكة لبلاده في ما يسمى "عملية السلام".

ولا بد أن الدوائر المختصة في إدارته تعرف بأن السلطة الفلسطينية لا سلطة لها في القدس لا على الأرض ولا على السكان، واطلعت على تقارير نظيراتها في دولة الاحتلال الإسرائيلي بأن منفذي العملية ليس لهم "سوابق أمنية"، وبأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس "لا يرسل إرهابيين ولا يشجع مباشرة أعمال الإرهاب" كما قال رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد العملية، وبأن ما يحدث في القدس الآن هو "رد فعل مستقل وفردي وغير متوقع من الشباب الذين يدافعون عن حقوقهم ومعتقداتهم" ومقدساتهم وأملاكهم كما قال مؤسس ورئيس الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية "باسيا" مهدي عبد الهادي، ومن هنا كانت مخاطبة أوباما ل"المواطنين العاديين" في القدس.

سقط في عملية دير ياسين أربعة من كبار الحاخامات اليهود الصهاينة الذين يخططون وينظرون ويحرضون على تهويد القدس لتبعث هذه العملية بمجموعة رسائل سياسية أهمها أن المدينة المقدسة التي تعلنها دولة الاحتلال من جانب واحد عاصمة أبدية موحدة وغير مقسمة لها لن تكون كذلك أبدا، وثانيها أن القيادات "السياسية" والدينية الفلسطينية "الواقعية" في واد وعرب بيت المقدس في واد آخر.

وكون ثلاثة من الحاخامات القتلى أميركيين - ولهذا السبب بادر مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي "اف بي آي" إلى التحقيق في العملية كما ذكرت شبكة "سي ان ان" يوم الأربعاء الماضي - وواحد بريطانيا يذكر بأن المشروع الصهيوني لإقامة دولة يهودية في فلسطين ما كان ليتحقق ويستمر لولا الدعم الأميركي والبريطاني المستمر لهذا المشروع.

في الرابع عشر من الشهر الجاري كتب شمويل روزنر في "جويش جورنال" أنه "من السابق لأوانه المسارعة إلى الاستنتاج" بأن ما يحدث في القدس منذ أشهر هو انتفاضة فلسطينية ثالثة، لكن رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو يتصرف وكأن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت فعلا من القدس.

فبعد العملية أعلن نتنياهو انهم "في معركة كبيرة على القدس"، وأعلن وزيره للأمن الداخلي اسحق اهرونوفيتش اللجوء إلى قوانين الطوارئ ضد المقدسيين العرب، ودعا رئيس الائتلاف الحكومي زئيف ألكين أحزاب المعارضة غير العربية للانضمام إلى حكومة وحدة لحالات الطوارئ، بما يرقى إلى إعلان حرب على العرب في القدس.

وهذه حرب يعلنونها تحديدا على شرقي القدس المحتل عام 1967 بعد أن طفح الكيل بعرب المدينة وهم ينامون ويصحون على صوت الجرافات التي تهدم بيوتهم لتبنى فوق أنقاضها مستعمرات استيطانية جديدة لم تبق لهم إلا أقل من (13%) من أرض المدينة وبدأت تغلق الطوق حول الحرم القدسي الشريف بالتغول الاستيطاني المتسارع في بلدة سلوان، الجوار العربي المباشر الوحيد المتبقي للحرم ومسجده الأقصى المهدد بالانهيار نتيجة الأنفاق والمرافق السياحية التي حفروها تحته ومخططاتهم للتقسيم المكاني والزماني فوقه.

وهم يسوّقون هذه الحرب على شرقي المدينة كحرب من أجل ضمان "توحيدها" بالتهويد، ولأن نتنياهو ورئيس بلدية الاحتلال نير باركات كانا طوال السنوات الماضية "يبيعاننا أكاذيب عن عاصمة إسرائيل الموحدة والمزدهرة" كما كتب نوام شازيف في موقع "النداء المحلي" العبري يوم الثلاثاء الماضي.

لكن "بعد مرور 47 عاما على قرار توحيد القدس فإنها غير موحدة، وللأسف فإنها لن تكون موحدة أيضا بعد 47 عاما آخر" كما كتبت أريئيلا رينغل هوفمان في "يديعوت أحرونوت" يوم الخميس الماضي، مقترحة "تقسيم القدس عاجلا وليس آجلا". 

فالمدينة المقدسة لم تبد في أي وقت منقسمة ومقسمة أكثر مما هي عليه اليوم، خصوصا بعد عملية دير ياسين التي بعثت رسالة جلية ساطعة كشمس الظهيرة في عز الصيف بأن العرب المرابطين في بيت المقدس لن يسمحوا أبدا بتهويد المدينة لتوحيدها تحت سيادة الاحتلال.

وعلى الأرجح لن يكون مصير تهديد نتنياهو ب"القبضة الحديدية" و"الرد بقسوة" على انتفاضة المقدسيين العرب أفضل من تهديدات نظيره الأسبق اسحق رابين، صاحب سياسة "تكسير العظام"، ضد الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر ثمانينيات القرن العشرين المنصرم.

إن نار المقاومة المقدسية التي أشعلها حرق "بوعزيزي القدس" الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير بأيدي المستوطنين العنصريين الذين تلقوا تعاليمهم الدينية والسياسية من أولئك الحاخامات في كنيس "هار نوف" وأمثاله تبدو اليوم قد استعر أوارها بحيث يكاد يستحيل على كل تلك القيادات أن تنجح في إطفائها حرصا على استمرار "عملية سلام" كان الرفض الشعبي لها السبب الرئيسي في اشتعالها. 

يقول خبير الخرائط المقدسي خليل التفكجي، الذي لم تنجح عشرون عاما من المفاوضات العبثية في إعادته إلى مكان عمله في "بيت الشرق" المغلق في القدس، إن كنيس "هار نوف" مبني في حي يهودي يحمل ذات الاسم أقيم على أرض تابعة لقرية دير ياسين غربي المدينة، التي ترتبط المذبحة الفلسطينية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية فيها في التاسع من نيسان / أبريل عام 1948 ب"النكبة" العربية والإسلامية في فلسطين.

لقد كانت عملية دير ياسين ثارا متأخرا لذبح ما يزيد على (110) من عربها في عام النكبة، وانتقاما لم يتأخر كثيرا لحرق الطفل أبو خضير حتى الموت بعد تعذيبه على أيدي المستوطن حاييم بن ديفيد الذي يداوم أبوه يوسيف على الصلاة في هذه الكنيس والذي تقول وسائل إعلام دولة الاحتلال إن عملية دير ياسين كانت تستهدف النيل منه.

ونظرا لوقوعها في "القدس الغربية" كانت العملية كذلك تذكيرا للقيادات المفاوضة الفلسطينية بأن اعترافها المسبق من جانب واحد بغربي المدينة عاصمة لدولة الاحتلال من دون اعتراف مقابل بمطالبتها بشرقيها عاصمة للدولة الفلسطينية المأمولة إنما هو اعتراف يرفضه ضمير وطني ووجدان شعبي ما زالا يعدان كل القدس وفلسطين محتلة.

غير أن القيادات "السياسية" والدينية الفلسطينية "الواقعية" لا تبدو معنية بكل ذلك وتبدو بوصلتها بعيدة تماما عن نبض شعبها.

فالرئيس عباس يدين العملية ويجدد دعوته إلى "التهدئة" ويعد كنيس هار نوف مكانا للعبادة لا يجوز الاعتداء عليه بالرغم من علمه اليقين بأن الحركة الصهيونية "العلمانية" ما زالت تتخذ من الديانة اليهودية أداة تحريضية في خدمة مشروعها الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، وما زالت تتخذ من الكنس اليهودية مقرات للتعبئة والتحريض في خدمة هذا المشروع، وعلمه اليقين أيضا بأن كل الإرهابيين اليهود قد تخرجوا منها، وبأن كل أعمالهم الإرهابية يتم التنظير لها فيها، وبأن كل مخططات تهويد الحرم القدسي ترسم فيها.

وكان عباس قد وصف الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) بانها كانت واحدة "من أسوأ الأخطاء" الفلسطينية وتعهد بمنع تكرارها، لكنه تعهد يصعب تنفيذه لأن "الانتفاضة لا تبدأ بقرار وتنتهي بقرار" كما سبق أن قال عثمان أبو غربية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح التي يرأسها عباس.

واستنكر العملية كذلك في "بيان مشترك" رؤساء الكتل العربية في كنيست دولة الاحتلال: رئيس القائمة العربية الموحدة للتغيير إبراهيم صرصور، ورئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة محمد بركة، ورئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي جمال زحالقة.

ولم تتأخر قيادات دينية، "واقعية" أيضا، في تجاوز الإدانة والاستنكار إلى الدعوة إلى التهدئة بالمشاركة شخصيا في تقديم العزاء في الحاخامات القتلى في مكان العملية.

واجتمع في هذه المناسبة الشيخ محمد كيوان الذي انتخب للمرة الثانية في آب / أغسطس الماضي رئيسا لنقابة الأئمة والمؤذنين في دولة الاحتلال ومعه الشيخ سمير عاصي إمام جامع الجزار بعكا، وبطريرك القدس للكاثوليك فؤاد الطوال العربي الأردني، وبطريرك القدس للأورثوذكس ثيوفيليس الثالث اليوناني، وأول أسقف عربي للكنيسة الانجليكانية سهيل دواني العربي الفلسطيني، من دون أن يتنازل واحد من كبار حاخامات دولة الاحتلال ليكون في استقبالهم، على ذمة الصحيفة العبرية باللغة الانكليزية "ذى تايمز أوف اسرائيل"، ومن دون أي سابقة لهم للتعزية معا في شهداء إرهاب دولة الاحتلال وإرهاب مستوطنيها من عرب فلسطين وقادة تحررهم الوطني.

منذ احتلال شرقي المدينة قبل سبعة وأربعين عاما تعمل سلطات الاحتلال لتحقيق هدف مزدوج لزيادة عدد المستوطنين اليهود في المدينة وخفض عدد مواطنيها العرب الذين تعاملهم كمقيمين فيها يمكن طردهم منها في أي وقت كونهم ليسوا "مواطنين" في دولة الاحتلال ولا في فلسطين ولا يحملون جوازات سفر لا فلسطينية ولا إسرائيلية، ربما بانتظار بيعهم إلى دولة ما كما باعت الكويت مؤخرا "البدون" جنسية فيها إلى جزر القمر.

إن القيادات الفلسطينية "الواقعية" التي تتعامل مع احتلال القدس كأمر واقع لا يمكن مقاومته لن تحل لا مشكلة القدس ولا مشكلة أهلها بعقد آمالها على الأمم المتحدة، فمثل هذا الرهان لا يقل في عدم واقعيته عن الاقتراح القديم للفيلسوف الفرنسي اليساري روجيه دوبريه الذي سبق له أن طالب الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصويت على نقل مقر المنظمة الأممية إلى القدس، "مهد حضارات العالم" كما وصفها.

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

حرب السكاكين ومعارك الدهس/ د. مصطفى يوسف اللداوي

يخطئ الاحتلال الإسرائيلي عندما يظن أن الشعب الفلسطيني قد أُعدم وسائل المقاومة والنضال، وأنه بات عاجزاً عن اجتراح وسائل جديدة وطرقاً مختلفة ليواجه صلف الاحتلال، ويتحدى اجراءاته، ويتصدى لسياساته، وينتصر على التحديات التي يضعها، والصعاب التي يفرضها.
أو أنه يأس نتيجة الاحتياطات الأمنية الإسرائيلية، والاجراءات العقابية، ومحاولات التحصين والعزل التي يطبقها العدو في مناطقه، والتي جعلت من كيانه غيتواً أمنياً معزولاً، محصناً بالجدران والبوابات والأسلاك الشائكة، والبوابات الاليكترونية وكاميرات المراقبة وأجهزة التنصت والتسجيل والتصوير، وعمليات التفتيش والتدقيق التي يمارسها على المواطنين الفلسطينيين، والتي تبدو في أكثرها مذلة ومهينة، وقاسية وصعبة، أمام عشرات الحواجز الأمنية التي ينصبها بين المدن والبلدات الفلسطينية، وعلى مداخل وبوابات مدنه ومستوطناته، حيث يوقف أمامها الفلسطينيين في طوابير كبيرة، ينتظرون الساعات الطويلة، قبل أن يسمح لبعضهم بالدخول، ويمنع كثيراً غيرهم من المرور، ولو كانوا مرضى أو نساءً، أو رجالاً وأطفالاً، بحجة الاحتياطات الأمنية، والاجراءات الاحترازية.
يعتقد الكيان الصهيوني أنه باجراءاته هذه سيمنع الفلسطينيين من القيام بأي عملياتٍ مقاومة ضده، لاستعادة الحقوق، أو رداً على الانتهاكات والخروقات، أو انتقاماً من أعمال القتل والمصادرة، وصداً لسياسات الإغلاق والمصادرة، والاجتياح والاعتداء. 
وأنه بذلك سيكون حراً في تنفيذ سياساته، وسيمضي قدماً في قمع الفلسطينيين والاعتداء عليهم، وأنه سيكون واثقاً من أحداً لن يقوَ على صده أو منعه، وأنه اتخذ من الاجراءات الاحتياطية، والخطوات الاحترازية ما من شأنه احباط أي محاولة فلسطينية للمقاومة أو الهجوم، وأن استعداداته باتت قادرة على اجهاض أي عمليةٍ قبل وقوعها، إذ أن أجهزته الأمنية حاضرة وساهرة، ويقظة ومنتبهة، وتعمل ليلاً ونهاراً، تستقصي وتجمع المعلومات، وتتجسس وتراقب وتتابع، وتتنبأ وتتوقع، مما سيجعل من الصعب على أي فلسطيني اختراق التحصينات، أو تجاوز العقبات.
فقد نجحت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في جمع السلاح من أيدي الفلسطينيين، وجردتهم من أي سلاحٍ غير شرعي استناداً إلى اتفاقية أوسلو، التي تجيز لأجهزة السلطة الرسمية فقط حمل واقتناء الأسلحة المسموحة والمبينة الأنواع، والمعروفة القدرات والمميزات، فلم يعد في أيدي الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية أسلحة نارية، تمكنهم من المقاومة أو القيام بأعمالٍ عسكرية تهدد الكيان وتضر أمنه، وتلحق به خسائر في الأرواح والممتلكات.
كما أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مناطقها على السكان الفلسطينيين، ومنعت دخولهم إليها، وعقدت تنقلهم، وأصبح جميع حملة الهوية الخضراء، وهم سكان الضفة الغربية، ممنوعين من الدخول إلى مناطق الكيان الصهيوني، فالحواجز المنتشرة تمنعهم، والاجراءات الأمنية تحد من أعدادهم، والتجهيزات والمعدات الموجودة بحوزة الأجهزة الأمنية تستطيع أن تكشف نسبياً عن كثيرٍ من الأسلحة والممنوعات، والتصاريح المسموحة لبعضهم قليلة، ومن الصعب الحصول عليها، وقد يخضع بعضهم للمساومة والابتزاز، خاصة ذوو الحاجات وأصحاب الضرورة الملحة.
كما قامت المخابرات الإسرائيلية باعتقال المئات من المطلوبين والنشطاء والمشتبه بهم، من مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية، ممن تظن أن لهم ميولاً للمقاومة، وعندهم رغباتٌ واضحة في تنفيذ عملياتٍ عسكرية، وأنهم يخططون ويستعدون، ويتدربون ويتأهلون، ويتصلون ويتواصلون، وتصلهم مساعداتٌ وأموالٌ، ولديهم مراجع وعندهم مهمات، وساعدها في ذلك قيام أجهزة أمن السلطة باعتقال آخرين ومحاكمتهم بتهمٍ مختلفة، الأمر الذي أدى إلى نضوب في العناصر المقاومة، وانحسار في قدراتها الميدانية على الأرض، وتراجع في أدائها العام.
كما نفذ العدو الإسرائيلي بحق المقاومين وذويهم اجراءاتٍ عقابية وانتقامية قاسيةً جداً، فهدم بيوتهم، ورحل أسرهم، وحكم على المنفذين بأحكامٍ بالسجن قاسية، وغرّم أسر الأطفال وراشقي الحجارة غراماتٍ مالية عاليةً جداً، وتتبع المحرضين والحاضنين، والداعمين والممولين، وضيق عليهم، فأغلق مؤسساتهم، وصادر أموالهم، ومنعهم من مزاولة أعمالهم، وفرض على السلطة الفلسطينية أن تنوب عنه في ملاحقة ومراقبة المطلوبين والمشتبه بهم.
ظن الإسرائيليون أن إجراءاتهم قد نجحت، وأن سياستهم المعتمدة آتت ثمارها المرجوة، وأن المقاومة قد يأست فعلاً، وأن رجالها قد أحبطوا، نتيجة الاجراءات الأمنية القاسية المتبعة، أو بسبب الاخفاقات المتكررة، والفشل الذي منيت به مجموعاتهم العسكرية، ما جعل قادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية يعتقدون أن الضفة الغربية أصبحت منطقة آمنة، خالية من السلاح، ولا وجود فيها لمجموعاتٍ مقاومة، ورفعوا تقاريرهم إلى قيادتهم السياسية ليطمئنوهم أن سكان الضفة الغربية تحت السيطرة، وأن عناصر الخطر وفتائل التفجير قد نزعت كلها.
إلا أن الفلسطينيين الذين قاوموا بالحجر والمدية والسكين، وبالمعول والفأس وقضبان الحديد، ثم زنروا أجسادهم بالمتفجرات، وفجروا أنفسهم وسط الصهاينة، واستطاعوا أن يعملوا كمائن، وأن يزرعوا العبوات، وأن يلقوا القنابل، ثم نجحوا في الاشتباك مع الجنود الإسرائيليين، وأوقعوا في صفوفهم خسائر عديدة، وتمكنوا من أسر جنودٍ ومستوطنين، ونجحوا في اخفائهم والابتعاد بهم، وعجز الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية عن الإمساك بهم، أو تحريرهم من أيدي خاطفيهم.
اليوم يجترح الفلسطينيون وسائل للمقاومة جديدة، وسبلاً للغضب والثورة مختلفة، أرعبت الإسرائيليين وأخافتهم، وأربكتهم وأقلقتهم، فانفضوا من الشوارع، وابتعدوا عن الأرصفة والممرات، وتوقفوا عن التجمع والتجمهر، وامتنعوا عن الجلوس في المقاهي والاستراحات العامة، المطلة على الشوارع والطرقات السريعة، ولم يعودوا يستخدمون " الأوتو ستوب"، فلا يركبون سيارةً عابرة، ولا يقبلون بمساعدةٍ تعرض عليهم، لتقلهم إلى أماكن عملهم، أو منها إلى بيوتهم. 
أصبح كل فلسطيني في عيون الإسرائيليين مشروع مقاوم، واحتمال استشهادي، فقد يحمل سكيناً أو مدية، أو يخفي مسدساً أو قنبلة، أو يبدي استعداداً للانقضاض بنفسه، والعراك بجسده، والاشتباك بيديه، ثأراً وانتقاماً مما يرتكبه الإسرائيليون بحقهم.
وأصبحت كل سيارةٍ أو حافلة تسير بسرعةٍ، مقبلةً أو مدبرة، وكل جرافةٍ أو دراجة، وأي آليةٍ متحركة أخرى، يقودها فلسطيني، عربي الوجه والسحنة، وكأنها تهم بدهسهم، وتنوي قتلهم وسحق أجسادهم. 
الفلسطينيون لن يعدموا وسيلةً للمقاومة، ولن يشكوا عجزاً عن المواجهة، ولن يتوقفوا عن التفكير والإبداع، بل سيقاتلون بكل ما يملكون، وبما يقع تحت أيديهم ويتوفر لهم، ولن يدخروا عن المعركة شوكةً ولا ابرة، ولا سكيناً ولا مدية، ولا سيارةً ولا عربة، ولا دعاءً ولا كلمة، ولا حرفاً ولا طلقة، ولا صاروخاً ولا قنبلة.

بداية نهاية اسطورة البوليساريو/ انغير بوبكر

تعتبر حركة البوليساريو من  مخلفات الحرب الباردة وشكلت ورقة في ايادي اقليمية ودولية للضغط على المغرب والمنطقة المغاربية عموما  لمنع اي تقارب جدي وفعال  بين الدول المغاربية وعطلت الاندماج المغاربي ونشرت حركة البوليساريو الشقاق بين المغاربة والجزائريين وبين المغاربة والليبيين ، اذ ان  اي تقارب اقتصادي وسياسي بين الدول المغاربية سيشكل قطبا اقليميا فاعلا في القضايا الدولية ,فالمغرب وتونس كبلدين فلاحيين رائدين يمكنهما تغطية الاحتياجات الفلاحية والغذائية للدول الخمسة بسهولة فائقة ،كما ان تواجد الغاز الجزائري والبترول الليبي ومعادن موريتانيا يمكن ان يكفي الدول الخمس في احتاجاتها الطاقية ، فمن يعطل الاتحاد المغاربي اذا ومن له مصلحة بقاء الدول الخمسة مشتتة تسعى كل واحدة منها على حدة استجداء المساعدات وتخصيص ثرواتها الهائلة من اجل شراء اسلحة اوروبية وامريكية قديمة ومغشوشة  بدعوى التصدي لمناورات الخصوم اي الجيران ، فقد حطمت المغرب والجزائر ارقاما قياسية في التسلح على الصعيد الافريقي ، وكان هذا على حساب قوت وكرامة الشعبين وكان المستفيد الاكبر من هذا الجو المكهرب هو شركات التسلح العالمية التي عانت كسادا ماليا كبيرا منذ سنة 2008 وتسعى اليوم جاهدة الى توتير وتثوير الاجواء الدولية والاقليمية ،من اجل بيع مخزونها من الاسلحة الغير صالحة اغلبها للاستعمال  ، ولكن لماذا انطلت الحيلة والخدعة على نخب وسياسيو الشعبين المغربي والجزائري ؟
اي تقارب مغربي  جزائري واي اتحاد مغاربي لابد ان يكون هدفه انهاء  اسطورة البوليساريو اولا  لان البوليساريو كحركة ارهابية وجدت لتعكير اجواء المصالحة المغربية الجزائرية  من طرف منظري  وخدام الحرب الباردة فلنتذكر جميعا ظروف نشاة البوليساريو ومن انشأها ولأية غايات ؟ البوليساريو انشئت في اطار الصراع السياسي والايديولوجي تحديدا بين نظامي الحسن الثاني وهواري بومدين الاول كان  تابعا للمنظومة الراسمالية الدولية  بزعامة فرنسا والولايات المتحدة  والثاني كان تابعا للاتحاد السوفياتي والصين بدرجة اقل ولكن بعد نهاية الحرب الباردة لم يقم المجتمع الدولي بما فيه الكفاية لمحو اثار الحرب الباردة المدمرة على الشعبين المغربي والجزائري فبقيت  قضية استكمال الوحدة الترابية المغربية من ضحايا الصراع الايديولوجي والسياسي الدولي بين المعسكرين  وخلقت البوليساريو لتقوم بمهمة تعطيل المسلسل التنموي للمغرب وورقة ضغط على النظامين لتحقيق مصالح الدول الكبرى . لكن اليس الوقت اليوم مناسبا لتجاوز هذا الابتزاز الذي تشكله جبهة البوليساريو للنظامين  وللشعبين؟ 
ثانيا في احدث تقرير لمنظمة هيومان واتش رايتس حول مخيمات تندوف وممارسات القيادة الابدية للبوليساريو،  سلطت المنظمة الضوء على وجود انتهاكات صارخة لحقوق الانسان في المخيمات  وعلى انعدام شروط الحياة الكريمة للاطفال والنساء والمسنين  ووقفت على انتهاكات حرية التعبير والتجمهر والرأي المعارض وعلى وجود اختطافات واعتقالات واغتصابات جماعية للنساء وممارسات غير مقبولة شرعا وقانونا ، وكل هذه الممارسات تحدث فوق اراضي الجزائر –البلد المستضيف- وبعلم مسبق بتفاصيلها مما يدل دلالة قاطعة على ان الاسطوانة الكاذبة التي يكررها  ساسة الجزائر بانهم لايتدخلون في قرار جبهة البوليساريو وليسوا طرفا في الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو عار عن الصحة ، الحقيقة هي ان الجزائر طرف رئيسي في نزاع الصحراء وتحتضن على اراضيها جبهة مارقة وارهابية وهي وفق القانون الدولي تتحمل مسؤولية ما يجري على اراضيها من انتهاكات صارخة لحقوق الانسان ، فلماذا يصر ساسة الجزائر على اشعال نار الفتنة بين الشعب الجزئري والشعب المغربي ؟ لماذا لا يفكر ساسة البلدين في استثمار الاموال المهدورة في السلاح والصراع الاستخبارتي  في تمويل التنمية والتعليم والصحة والتشغيل ؟ 
هل تملك جبهة البوليساريو مقومات انشاء دولة مستقلة في الصحراء وقيادتها الهرمة لا تستطيع حتى قيادة المخيمات؟ ، فهي قيادة متسلطة فاسدة لا تسمح للآراء الأخرى المناوئة لها بالظهور وتعاقبها بالسجون والقتل والترهيب ، فمعتقلات الجبهة مليئة اليوم بمعتقلي خط الشهيد  وهو تيار معادي لقيادة الجبهة وينتقد فساد قيادييها وتلاعبهم باموال المساعدات الدولية الممنوحة من طرف المنظمات الدولية ، كما ان ربيع مخيمات تندوف جوبه بالقمع والقتل ولعل ما حدث لشباب التغيير في المخيمات دليل قاطع على ان جبهة البوليساريو تخطط لانشاء دولة قهرية مستبدة لاتحترم حقوق الانسان  اما  ما حدث للاسرى المغاربة المحتجزين لدى  الجبهة لعقود من الزمن  وحكاياتهم الاسطورية عن ما عانوه وقاسوه من تعذيب وتنكيل من طرف مجرمي البوليزاريو فهو وصمة عار على جبين الانسانية  لكن عجز المجتمع الحقوقي الدولي عن جلب المجرمين الى ردهات المحاكم الدولية ومعاقبتهم على الجرائم البشعة التي ارتكبوها،  وانا في الحقيقة لا اعلم  واستغرب لماذا لم يقم المغرب برفع دعوى دولية  في  محكمة الجنايات الدولية ضد قيادات البوليساريو جراء الانتهاكات والجرائم التي اقترفوها ضد الاسرى المغاربة ضدا على اتفاقيات جنيف وضدا على الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان  ؟  فهل يسعى المجتمع الدولي عبر صمته على جرائم البوليزاريو تبرير قيام دولة ارهابية فاشلة في خصر الاتحاد المغاربي ؟؟
ان الملك محمد السادس في خطابه ليوم 6 نونبر 2014  بمناسبة عيد المسيرة الخضراء كان محقا عندما فرق بين الشعب الجزائري  الشقيق والنظام الجزائري المتآمر ضد الوحدة المغاربية وضد حقوق المغرب في الاستقرار والامن  لذلك فنحن كمغاربة عبرنا دائما عن احترامنا وتقديرنا للشعب الجزائري وقواه المدنية الحية و املنا كبير في ان نصنع  اتحادا مغاربيا يحترم التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك بيننا كشعوب  تواقة الى التنمية واللحاق بركب المجتمعات المتقدمة،  هذه الاماني والطموحات النبيلة لا يمكن ان تكون الا باحترامنا المشترك لحقوق غيرنا وان نقوي اواصر التعاون والاخوة بيننا على جميع الاصعدة ،وليس بنشر خطاب الحقد والكراهية كما تفعل للاسف الشديد بعض المنابر الاعلامية والقنوات التلفزية الجزائرية التي تخصصت في سب وشتم المغاربة  الى حدود غير مستساغة منها ان المغرب مثلا طلب تأجيل تنظيم فعاليات كاس افريقيا للامم في نسختها الثلاثين لسنة 2015 بدعوى خوف المغرب من فوز المنتخب الجزائري بكاس افريقيا متناسية ان في المغرب ملك وحكومة وشعب يهتمون بصحة المواطنين ومأتمون على مستقبلهم،  لذلك اعتبر شخصيا ان قراربلدي في عدم تنظيم الكان موقف تاريخي ووجيه ومسؤول لان صحة المواطن فوق كل اعتبار، اما وقد قررت غينيا الاستوائية تنظيم كان 2015 فنحن ننتظر ان تؤول الكاس للجزائر ولا ضير ولا حنق في ذلك، لكن لا يجب ان ننسى بان كرة القدم مثلها مثل الحياة لا تعترف بالمعادلات الرياضية المجردة رغم اهميتها بل للميدان لغته الاولى والاخيرة . ولكن الاحرى بالاعلام الجزائري ان يتحرى الصدق ويخاطب شعب الجزائر بالعقل ويروم نشر الوعي الحقيقي وليس الزائف ، فالمغرب ليس عدوا للجزائر بل عدو المغرب والجزائر معا هو الفقر والامية والمرض والتخلف والاستبداد، فمتى استطعنا ان نهزم هؤلاء فقد نستطيع حينئذ ان نفوز بكاس الدول الملتحقة بركب التطور والديموقراطية وهي اعظم هدية  يمكن ان نورثها للاجيال المقبلة.
انغير بوبكر
المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان
ounghirboubaker@yahoo.fr

فواصلُ لا تُطفئها الظلال/ عبدالله علي الأقزم


عرجتْ إلى لغةِ الحسين قصائدي

فتجزأتْ   منهُ    بألوانِ   المحنْ

و  تجمَّعتْ   بيديهِ   نهراً   صافياً

هيهاتَ  بعد الجمعِ  تبقى في العفنْ

و تفتَّحتْ  وطناً   على    خطواتِهِ

و دروبُهُ الخضراءُ تبحثُ عن وطنْ

مَنْ  لمْ  يكنْ  عشقُ  الحسينِ  بدارهِ

فهو الذي  في الدّارِ  ليس  لهُ  سكنْ

هذا  هو  العشقُ  الذي   لم   ينفتحْ

إلا  بأحسن  ما   يكونُ  من  الحسنْ

مِنْ  فكرِهذا الحُسْنِ  تنهضُ  كربلا

و نهوضُها  لصدى الحقيقةِ  قد  ذعنْ

و   طوافُها  في  كلِّ   زاويةٍ   بنى

و  نداؤها   أحيا  المعارفَ  و السُّننْ

رُسُلُ  الهدايةِ  إن   قرأتَ   جميعَهمْ

بدمِ  الحسينِ  جميعُهم   دفعوا  الثمنْ

و  بنحرِهِ   قلبُوا   الوجودَ  ملاحماً

لم ينطفئْ  فيها  السِّباقُ  معَ  الزَّمنْ

و بصدرهِ  المطحونِ  أحيوا  عالماً

لم    يشتبكْ    إلا   بتحطيمِ    الوثنْ

و بنزفِهِ   الأبديِّ    في    أعماقِهمْ

سطعوا   قناديلاً    بأكبرِ    ممتحنْ

باعوا إلى  عطرِ السماءِ  وجودَهمْ

و البيعُ  من أفعالِ هذا  العشقِ  جنْ

و  بهِ   لهُ   كلُّ   الجواهرِ   أقبلتْ

و المبحرون  لكشفِها   صلواتُ  فنْ

ما قيمةُ  الكلماتِ  إنْ  هيَ  لم  تكنْ

في  العشقِ  تستسقي  لعالمِها  المننْ

بقيَ    الحسينُ    فواصلاً     أبديَّةً

سطعتْ و لم  تُطفئْ جوارحَها المحنْ

المصطفى   و المرتضى  صفحاتُهُ

و جميعُهُ الزهراءُ صالَ  بهِ  الحسنْ

و ضميرُهُ    الوثَّابُ    في   لفتاتِهِ

بسوى  التفرُّدِ في الشجاعةِ  ما ركنْ

إنْ  لم  يكن  روحاً   لكلِّ   كرامةٍ

ماذا   سيبقى   للكرامةِ   مِن    بدن

ماذا  سيبقى   للجواب  إذا  ارتوى

ذلاً   و   أمسى  مِنْ   نفاياتِ  العفنْ

هيهاتَ  يبقى  العزُّ   في   مستنقعٍ

و هو الذي بهوى  الحسينِ قدِ  افتتنْ

مِنْ   كلِّ   رائعةٍ    تفتَّحَ    شامخاً

و صداهُ  مِنْ فتحِ الكرامِ  قدِ انشحن

ما   ذلكَ  الرمزُ  الجميلُ   سيقتني

صوراً   تُسافرُ   للمذلَّةِ   و  الوَهَنْ

يا  سيِّدَ  الأحرارِ   طابتْ   أحرفٌ

خدمتكَ  في  شتَّى المفارزِ  و المهن

طابتْ  و  بينَ   مقالِها    و  فعالِها

صدحتْ  بحبِّكَ روحُ  أعقلِ  مُستَجنْ

هيهاتَ  يظمأُ  مَنْ  بنهرِكَ  يرتوي

كلُّ الوجودِ  و في وجودِكَ  قدْ  كَمَنْ

بينَ   النبوَّةِ    و  الإمامةِ    فاصلٌ

فوصلتَهُ    بظلالِ    أجملِ   مؤتمنْ

السرُّ  في  نصفيكَ   يُشرقُ   هادراً

و يلوذ  بالصَّمتِ  الكبيرِ  بكَ  العَلَنْ

ما  فارقتكَ  يدُ  السماءِ و أنتَ  في

لُججِ المصائبِ ما  بقلبِكَ  مِنْ  ضغنْ

كمْ   ذا   وهبتَ   العالمينَ  رسالةً

و دواؤها  بسوى الحقيقةِ ما احتضنْ

كلُّ  الجهاتِ  إلى الحسينِ   تهدَّمتْ

لو صرنَ يوماً   ضمنَ أمواجِ  الفتنْ

ما شاخَ  مَنْ  شبَّتْ  جميعُ   صفاتِهِ

و  بها  مسيرُ  العارفينَ   قدِ   اتزنْ

أتريدُ    تغسيلَ    الجوارحِ    كلِّها

فابكِ  الحسينَ  فما  لغسلِكَ مِنْ درنْ

واغزِلْ   حياتَكَ    للشهيدِ    فغزلُها

لجميعِ   أوجاعِ   الشهيدِ  هوَ  الكفنْ

ما عالَمُ  الإسلامِ   يسطعُ    صاعداً

إلا  إذا   بيدِ   الحسينِ   قدِ    اقترنْ

كيفَ المسيرُ  لكربلا  إنْ  لمْ  يكنْ

مفتاحُ  معرفةِ  الطفوفِ  هوَ الشجنْ

كيفَ الوصولُ إلى السما إنْ لمْ يكنْ

فيها الوصولُ  إلى الجَمَالِ هوَ الثمنْ

هذا  يقينُ   السائرينَ   إلى  الهدى

ما  هدَّهُ  شكٌّ    و  ما  أحياهُ    ظن

لا   يرتقي   هذا    الرُّقيُّ    بعالَمٍ

إلا  إذا   في   مسمعِ  الأخلاقِ  رنْ

ما   ذلكَ   التنقيطُ     في   أسمائِنا

إلا    ليتخذَ    الجَمَالَ    لهُ    وطنْ

ماذا  سيبقى    للحياةِ   إنِ   اختفتْ

لغةُ الحسينِ و عشعشتْ  فيها  المحنْ

تتوقَّفُ   الأوقاتُ   عنْ    دورانِهِا

إنْ لمْ  يكنْ فيها  الحسينُ  هوَ الزمنْ