الشعبُ التونسيُّ أرادَ الحياةَ/ سعيد ب. علم الدين


الشعبُ التونسيُّ أرادَ الحياةَ .. فاســـتجابَ لإرادتــهِ  القـــدر
وانجلى كابوسُ ليـلٍ  طويلٍ .. عن صدرِ تونُسَ البهيَّ النَّظر
وأنشقَ فـجرُ صُبحٍ  جميلٍ .. أخرجَ البلادَ من ظلامٍ مستتر
بهمةِ شــعبٍ عـريـقٍ أصيـلٍ .. هبَّ لنيــلِ حـريتِهِ مـن الغـجر
لم يأبَهْ لتهديد إرهابٍ قَذِرْ .. وبقبضتِهِ القـويةِ القيدَ كَسَــر
فانزوت جحافِلُهم مرتعبةً .. مــن ديــمقراطيةٍ نـــورُها بَــــهَـر
                          .......
شعبٌ عانقَ ثقافةَ الحياةِ .. مُقدِّما للعربِ الدروسَ والعِبر
غنت له الطيرُ على الشجر.. فربيعُ ثـورتِهِ في الدنيا انْتَشر
                         ......            
وفـــرح  بـــورقيبـه في قــبره .. فَغرْسُهُ في تونـسَ أينعَ  ثَــمرَ
وثارَ البوعزيزي لكرامتِهِ .. فَـأيقظَ  بـِجَسـدهِ  أمةً تَـحْتَضِر
وطلَّت روحُ شكري بلعيد .. تُـحـَيِّ شـــبابَ تونــسَ الْمُنتصِر
                         ......    
شعبٌ أحبَ صعودَ الجبالِ .. فَبالغُ القِممِ لا يخشى الخطر !
شعب ثارَ على حُكْمِ الغجرْ .. وسيحقِّقَ المستقبلَ الْمنتظر
نال الحريةَ وربيعُها العَطِرْ ..  كي لا يعيشَ معهم في الحُفَر
                        ......
نقولها وبالمفيد المختصر .. شـعب على التخلف انتصـر

صرخة فاطمة ناعوت المؤلمة الواعية بوجه المثقفين: يا معشر الثيران

أيها المثقفون، في مصرَ 
وفي أرجاء الدنيا،
أنتم معشرُ الثيران،
انتظروا مصيرَكم كما مصيرِ الثور الأسود 
الذي ترك شقيقيه الأبيضَ والأحمرَ للأسد الأعمى.
قد أُكِلنا جميعًا يومَ أُكِل “طه حسين” 
و"فرج فوده" 
و"نجيب محفوظ" 
و"نصر حامد أبو زيد" 
وغيرهم.
أنتظرُ محاكمتي يوم ٢٨ يناير مرفوعة الرأسِ،
لأنني لم أتخلّ عن مثقفٍ مأزوم في قضية حِسْبه،
لم أذُدْ عنه بقلمي وبلساني. هامتي مرفوعة
لأنني لم أترك مِشعلَ التنوير يسقط من قبضتي لحظةً من أجل مغنم رخيص،
أو مزايدة تافهة،
أو تهافتٍ مُزرٍ على مكسب.
أُقدَّمُ للمحاكمة فرحةً لأنني نذرتُ قلمي لنُصرة الحق
والذود عن مسلوبي الحقوق المُستضعفين في الأرض،
ولم أستغلّ قلمي ولا زوايا الصحف التي فتحت لي عتباتِها
من أجل الارتزاق أو للكتابة عن أمرٍ شخصي.
أذهبُ راضيةً مرضيةً وأنا أقول لجبران خليل جبران،
يا أبتِ الطيب نمْ قريرَ العين في سمائك،
أنا الجبرانيةُ الجميلة ابنتُك لم أخذلك يومًا ولن أفعل،
انتصرتُ للراقي من الآداب والفنون والعلوم ولم أبتذل قلمي
ولا لُغتي
ولا روحي في الرخيص.
أذهبُ إلى المحاكمة عزيزةً،
أنفي للسماء لأن لي دينًا في عنق كلّ من تخلّى عني
وعن قضية التنوير
واختبأ تحت مِقعده مرتعدًا
راجفَ القلب
من حملة السيوف ناحري الأعناق.
أتركُ ساحة المثقفين دائنةً لا مُدانةً.
أذهبُ إلى محاكمتي الشهر القادم فخورةً أن أرفع الأقلام
وألمعَ العقول في مصر
وفي أرجاء المعمورة،
دافعت عن قضيتي،
لا بل عن قضية التنوير.
أذهبُ جسورًا مطمئنةً
لأن أساتذتي من قبلي لم يهابوا
وذهبوا إلى مصائرهم جسورين غيرَ هيّابين،
وأنا تلميذةٌ صغيرة في أواخر مقاعد درسِهم.
طوبى للأسد الجائع الذي ينتظركم عند المِفرق، 
فجّهزوا لحومكم 
وشحومكم 
وعِظامكم، 
حتى يشبع الأسدُ. 

درس من آسيا لحركات المعارضة العربية/ د. عبدالله المدني

ما زالت آسيا تعطي الدرس تلو الدرس للآخرين من دول وشعوب وتنظيمات. وآخر هذه الدروس كان في بداية ديسمبر الجاري، وهو درس يصلح لحركات المعارضة العربية من تلك التي تعمل بمنطق "عنزة ولو طارت" أي التي لا تعمل وفق المنطق والعقل، ولا تأخذ في الإعتبار حين إتخاذ القرار العوامل والظروف الداخلية والخارجية، بل ترى نفسها معصومة من الخطأ فلا تعترف بذنب ولا تراجع أجندتها ولا تضخ دماء جديدة في قيادتها، ولا تعالج شبكية عينها المعطوبة.
أما مصدر الدرس الآسيوي الجديد هذه المرة فهو هونغ كونغ التي شهدت الكثير من حركات الاحتجاجات الشعبية ضد سلطتها التنفيذية الخاضعة لأوامر وسياسات زعماء بكين، منذ أنْ أعادتها بريطانيا إلى الصين في يوليو 1997 ، لكن التي لم تشهد احتجاجا شعبيا منظما وعصيانا مدنيا وإضرابا عن العمل والطعام بقيادة حركة معارضة معروفة القيادة إلا في الآونة الأخيرة، وتحديدا في سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر من العام الجاري. 
فابتداء من سبتمبر المنصرم خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين المنادين باعتماد نظام انتخابي يتيح لهم انْ يختاروا بحرية تامة رئيس حكومتهم المحلية في الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2017 ، وباستقالة رئيس الحكومة المحلية الحالي "ليونغ تشون ينغ" المنعوت بـ"دمية بكين" (وافقت بكين على مبدأ الاقتراع العام لانتخاب الرئيس المقبل للحكومة المحلية في الجزيرة، الا انها تصر على التحكم بمسار الانتخابات من خلال لجنة حكومية مهمتها النظر في أهلية المرشحين) إلى شوارع المستعمرة البريطانية السابقة وقاموا باغلاق المباني الحكومية والطرق الرئيسية بالمتاريس في خمس مناطق رئيسية تشكل عصب المال والاعمال والتجارة والسياحة. 
هذه التطورات، التي قابلتها السلطة بالعنف المفرط والغازات المسيلة للدموع ومسحوق الفلفل والاعتقالات، أطلقت عليها أسماء مختلفة مثل "ثورة إحتلوا وسط هونغ كونغ"، حيث وسط الجزيرة يمثل شريان الحياة الاقتصادية ومركز المال والاعمال، و"ثورة المظلات" كناية عن حمل المتظاهرين للشمسيات إتقاء للمطر وهراوات الشرطة، و"ثورة غضب الطلاب" على اعتبار أن محركها الرئيسي كان طلبة الجامعات والمعاهد. 
وعلى الرغم من إدعاء البعض أن احتجاجات هونغ كونغ كانت عفوية وأنها ازدادت ضراوة بعد استخدام الشرطة للعنف فإن تطورات الأمور سرعان ما كشفت خلاف ذلك، حينما برز عدد من الشخصيات المحلية كقادة مؤسسين للحركة الإحتجاجية ومحرضين عليها. وهؤلاء هم: بيني تاي(استاذ القانون المساعد بجامعة هونغ كونغ وصاحب فكرة احتلال وسط الجزيرة بالحشود الجماهيرية المعروفة باسمها الانجليزي "أوكيوباي سنترال"، وهو في الخمسين من العمر، ويوصف بأنه الأكثر إعتدالا ضمن رفاقه، وســُجل عنه قوله أنه ليس ضد الحزب الشيوعي الحاكم في بكين وإنما يسعى فقط إلى الحفاظ على خصوصية جزيرته لجهة الحريات واسلوب الحكم الديمقراطي). و"تشان كين مان"(استاذ علم الاجتماع في الجامعة الصينية  في هونغ كونغ، وهو من مؤسسي حركة أوكيوباي سنترال)، و"تشو يو مينغ"(رجل دين مسيحي، ومن مؤسسي حركة أوكيوباي سنترال أيضا، وعــُرف عنه دفاعه عن سجناء الرأي في البر السياسي) إضافة إلى"جوشو وونغ"(طالب جامعي في سنته الأولى، ويبلغ من العمر 17 عاما، ويعد من أشهر الرموز الشبابية المعارضة لبكين). و"أليكس تشاو"(رئيس إتحاد طلاب هونغ كونغ، وهو في الرابعة والعشرين من العمر، وتم اعتقاله وسجنه عدة مرات، ويعرف عنه معارضته لحاكم الجزيرة الحالي "ليونغ شونغ يينغ" وتدخلات بكين في شئون الهونغكونغيين لكن بأسلوب أكثر هدوءا من زميله وونغ).
هؤلاء ــ بعدما شعروا أن الجماهيرية الهونغكونغية الداعمة لهم قد تضررت كثيرا وتسرب إليها الملل بفعل ازدحام الشوارع واضطراب النقل العام واغلاق المدارس والمحال التجارية، وأحسوا أن الأمور قد تخرج عن أيديهم فتسقط في أيدي جماعات أكثر راديكالية، ناهيك عن شعورهم بالخوف من إحتمال إقدام الجيش الأحمر الصيني على إرتكاب مجزرة ضد مواطنيهم شبيهة بمجزرة ساحة تيان إن مين في بكين في يونيو من عام 1989 ، وتيقنهم من أن بكين ليست في وارد تقديم أي تنازلات خوفا من أن تمتد الصحوة الديمقراطية إلى البر الصيني ــ قرروا في الثاني من ديسمبر الجاري أنْ يسلموا أنفسهم للشرطة، ويدعوا أنصارهم من المتظاهرين والمعتصمين إلى التفرق حفاظا على دمائهم واجسادهم المتكسرة "كيلا تزداد مساحة الأحزان والخسائر"، قائلين أنهم يفعلون ذلك التزاما بدولة القانون وبمبدأ السلام والمحبة، مضيفين أن "الاستسلام ليس عملا جبانا وليس تعبيرا عن الفشل وإنما عمل يهدف إلى منح النفس فترة من التأمل والمراجعة بغية إرساء جذور عميقة في المجتمع وتغيير شكل الحراك باتجاه حركة عصيان مدني أكثر تنظيما والإتفاق على ميثاق عمل اجتماعي وتربوي جديد"..
وبطبيعة الحال فإن مثل هذه الوقفات مع النفس في أعقاب الفشل في تحقيق الاهداف غير وارد، بل هو نادر، عند بعض القوى السياسية العربية التي تطلق على نفسها إسم "قوى المعارضة". ولا نبالغ لو قلنا أن هذه القوى الأخيرة مستعدة للدخول في مماحكات ومواجهات مع سلطات بلدانها، دون إي حسابات لموازين القوة ودون أدنى مراعاة لمصالح شعوبها اليومية التي قد تتعطل بسبب نزواتها وأحلامها السلطوية.
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: ديسمبر 2014 
البريد الالكتروني: Elmadani@batelco.com.bh

تشكيل التفاعيل العروضية، وما يطرأ عليها زحافاً وعللاً 2/ كريم مرزة الأسدي

الفصل الثاني

تكلمنا في الحلقة السابقة , وقلنا إن السبب والوتد بشقيهما تعتبر وحدات الوزن العروضي الخليلي الكمي . والكم هو صوت لغوي أقله حرفان آخره ساكن عند الأخفش (1) , والأخفش نفسه استطاع أن يحدد مقياس مشكـّلات الوحدة الكمية للوزن الإيقاعي بقوله " فأقل الأصوات في تأليفها الحركة , وأطول منها الحرف الساكن , لأن الحركة لا تكون إلاّ في حرف , ولا تكون حرفاً , والمتحرك أطول من الساكن لأنه حرف وحركة " (2) , ولكنه اعتبر حروف المد كالحروف الساكنة في قيمتها , ولم يتطرق إلى النبرة والتردد , وهذه مصطلاحات معاصرة كما سنأتي عليها فيما بعد  وتركنا بعضها للهامش (3)  .
على كل حال من الفصل الأول عرفنا الوحدات الوزنية الكمية هي السبب الخفيف (/ه) ، والسبب الثقيل (//) ، والوتد المجموع (//ه) ، والوتد المفروق (/ه/) . 
إذا اجتمعت بعض هذه الوحدات الكمية  تشكل الفواصل , فاقتران السببين , الثقيل أولا ثم يليه الخفيف يسمى الفاصلة الصغرى مثل (متفا ///ه ) .
   أما اقتران السبب الثقيل بداية مع الوتد المجموع , فيشكلان الفاصلة الكبرى (فعلتن////ه) (4) " .
 ولا يتوالى في الشعر أكثر من أربعة أحرف متحركات . ولا يجتمع فيه ساكنان إلا في قواف مخصوصة " (5) , فإذن أصبح لدينا  الآن : 
سبب خفيف (لمْ) + سبب ثقيل (أرَ) + وتد مجموع (على) + وتد مفروق (ظهْر ِ) + فاصلة صغرى (جَبَلِنْ) + فاصلة كبرى (سِمكتنْ) , فجمعت هذه الوحدات بالجملة الآتية  - الكتابة عروضية - : لَمْ أرَ عَلَى ظَهْر ِجِبَلِنْ سَمَكَتـَنْ (6) .
 و الحقيقة أهمل الفراهيدي وحدة صوتية لإلتقاء ساكنيين فيها (/ه ه) , ولكن ثبتها حازم القرطاجني ووسمها بـ ( السبب المتوالي ) (7) .
  المهم بما أنه  من الممكن تشكيل آلاف الوحدات  الوزنية  المحتمله كأسباب وأوتاد وفواصل من الحروف العربية  ,لجأ عبقريـنا الفراهيدي الى حروف عشرة جمعت في جملة (لمعت سيوفنا ) , لتركيب وحدات وزنية قياسية نظامية , مشتقة من الفعل ( فعل ) , سماها ( التفاعيل العشرة )  :
 اثنان  خماسيان وهما : فعولنْ (//ه/ه) - فاعلن (/ه//ه)  .
 وست سباعية وهي :  مفاعيلنْ ( //ه/ه/ه) - مفاعلتنْ (//ه///ه) - فاعلاتنْ (/ه//ه/ه) - مسْتفْعلنْ (/ه/ه//ه) - متفاعلنْ (///ه//ه) - مفْعولاتُ (/ه/ه//ه)  (8) .
  إضافة للتفعيلتين المشتبهتين : فاع لاتنْ (/ه/ /ه/ه) - مسْتفْع لنْ (/ه /ه/ /ه) .
 وكما ترى مدققاً أن الاشتباه يقع في عدم إعتراف المحدثين بالوتد المفروق كالزمخشري والخطيب التبريزي والقرطاجني , وابن رشيق في (عمدته) عدّ استحسان العشرة أجزاء حكما , والثمانية لفظاَ , وحتى باللفظ  نستطيع أن نكملها الى العشرة , إذا قبلنا بمفهوم ( الوقفة اللطيفة ) آخر الوتد المفروق للتمييز , وهناك من يوسمها بـ ( السكتة والنبرة)(9) .  
ومن هذه التفعيلات الوزنية القياسية , شكل الخليل خمس دوائر عروضية , وكل دائرة تتضمن عدداً من الأبحر المتشابه في التفعيلات والموسيقى , ولكن تختلف عن أبحر الدوائر الأخرى في إيقاعاتها ونغماتها , وركز الخليل على خمسة عشر بحرأ , وترك الباب مفتوحاً, فأضاف تلميذه الأخفش الأوسط ( سعيد بن مسعدة ) متداركها كما أسلفنا , ولكن سار ابن جني  ( أبو الفتح عثمان  ت 392هـ) على نهج خليله الفراهيدي في أعداد تفعيلاته وأبحره (10) , أما الجوهري ( ت393هـ ) فجعل الأبحر بمتداركها أثني عشر بحرا (11) . 
وربما يطرأ على هذه الأبحر وتفعيلاتها تغيرات , فقد تتقلص التفعيلات المشكلة لبحر ما من ثمان ٍإلى ست فيقال للبحر مجزوء , وإذا تقلصت الى النصف ( أربع تفعيلات ) , فيصبح البحر مشطوراً , وإذا أنهك البحر , ولم تبق منه الا تفعيلتان , فالبحر يغدو منهوكاَ , والمنهوك لا يحدث إلا في البحر السداسي التفاعيل  وهذه التغيرات بالنسبة للدائرة تسمى تغيرات خارجية , وأرتبطت هذه التغيرات في العصريين الأموي والعباسي بمتطلبات الحياة اللاهية من غناء ورقص , وما استجدّ من فنون أندلسية مغربية  كالموشحات والزجل والمسمطات , وبقت  حتى إطلالة القرن العشرين ولجوء رواد شعر التفعيلة , ومن سار في فلكهم من قبل ومن بعد , إليها لضرورة متطلبات النفس القصير , والزمن المثير .
أما التغيرات التي تلحق بالتفعيلات نفسها -  التغيرات الداخلية بالنسبة للدائرة - فهي الزحافات والعلل , والزحافات الجارية مجرى العلل , والمتابع العادي لهذا العلم الجميل  يعرف أن الزحافات تأتي على ثواني  الأسباب  , فلا تدخل على أوائله لأنها متحركة وجوباَ , ولا على الأوتاد التي تعتبر أركان أساسية  لا يجوز الاخلال بكياناتها (12)  , والسبب واهٍ  , وزحافه لضعف فيه , ومن الممكن تطوعيه بسهولة , وإما أن تسكن متحركه في الثقيل  , فتجعله خفيفا (// ==> /ه) , أوتحذف الحرف المتحرك  أساسا (// ==> /) ,أو تحذف الحرف الساكن من السبب الخفيف (/ه ==> /) ,أما تحريك الساكن فلا يجوز  ,  وإذا دخل زحاف واحد على أي من التفعيلات  ,فالزحاف مفرد , ولكل تفعيلة زحافها المختص بها , و بأي سبب منها يقع , وإذا حدث , فيلحق إما بالحرف الثاني أو الرابع أو الخامس أوالسابع من التفعيلة حكماَ  , و لكل اسمه الخاص , وهو على ثمانية أشكال   , وقد يلحق زحافان  بالتفعيلة عينها وفي الوقت نفسه , وهذا هو الزحاف المركب , وهو على أربعة أشكال  , والزحافات ترد في الحشو وآحياناً في العروض والضرب , وإذا حدثت في بيت ما من القصيدة , لا تلزم أبياتها الاخرى . 
أما العلل فهي - قاعدياَ - تغيرات لا تصيب الأسباب أوالأوتاد الا بالعروض والضرب ( نادرا ما تصيب التفعيلة الأولى ) , وتؤدي الى الزيادة أو النقص , فهي تزيد حرفاَ ساكناَ أو سبباَ خفيفاَ , أو تحذف الساكن وتسكن ما قبله , أو تحذف السبب الخفيف ,أو الوتد المجموع  وإذا جاءت في بيت واحد , لزمت جميع أبيات القصيدة أن تأتي بمثلها , وشعر التفعيلة متحرر من هذا الشرط  .
وإذا لزمت الزحافات كل أبيات القصيدة , سميت الزحافات الجارية مجرى العلل , مثل القبض الذي يصيب عروض الطويل , والخبن الذي يأتي على عروض البسيط , والتزم المولدون بخبن عروض وضرب البسيط المجزوء المقطوع , وهو التزام ما لا يلزم , واطلقوا عليه مخلع البسيط. .، سنأتي مفصلاً على الزحافات والعلل وما يجري مجراهما ومتعلقاتها في الفصل الرابع .   
 و عموما قد عدّ (الصاحب ) للشعر العربي أربعاً وثلاثين عروضاً , وثلاثة وستين ضرباً (13),  وبيت الشعر العمودي له مصراعان , الشطر الأول يسمى (صدرا) , والشطر الثاني ( عجزا) , وآخر جزء من الصدر هي ( العروض ) , وآخر جزء من العجز هو ( الضرب), وما عداهما ( الحشو ) , والبيت الوحيد ( يتيم ) , والبيتان (نتفة ) , ومن الثلاثة أبيات  حتى الستة (قطعة ) , وما فوق ذلك فهي (قصيدة ) , والبيت الكامل الأجزاء هو ( تام) ,  وإذا أصيب بزحاف أو علة سمي ( وافياَ) , والذي تعتري عروضه زيادة أو نقصان للإلحاق بضربه فهو ( مصرع ) , وكل بيت ساوت عروضه ضربه (مقفى ) ,وإذا خالفته في الروي ( مصمت )  و ( المدور) ما اشترك شطراه بكلمة واحدة , وقد يلجأ الشاعر أحيانا إلى ضرورات مقبولة جمعت في بيتين من الشعر , نسبا للزمخشري (14) :
ضرورة الشعرعشرٌعُدَّ جملتها ***وصلٌ  وقطعٌ وتخفيفٌ وتشديدُ
مدٌّ  وقصرٌ وإسكانٌ  وتحركةٌ ****  ومنعُ صرفٍ بصرفٍ ثـم تعديدُ
 وما هذه إلا تذكرة للعالمين , ومعلومات  للدارسين, ربما سنحتاجها من بعد مع المحتاجين .
 و على العموم , لما كان الفراهيدي بعبقريته الفذة , وكذلك من جاء بعده , قد بنوا عروضهم ووحداتهم الوزنية بأسبابها وأوتادها وفواصلها على أساس المتحرك والساكن , وتتبعوا كيفية تتابع هذه الوحدات بشكل منظم ومنسق من أجل تشكيل أنغام محددة , تمثلها بحور الشعر بجوازاتها ومجزوءاتها , ولك أنْ تعلم  أنّ الأذن العربية لا تستسيغ أنْ يكون عدد الحروف الساكنة أكثر من ثلث حروف المجموع  (15), فالنسبة المثالية  بين الحروف المتحركة والساكنة (1:2), فالتوازن والتناسب  والتناوب خصائص مطلوبة في الشعر , ولكن ما حصره القدماء من تفاعيل وتكوينات , تُعدُّ قليلة في مداها لما تقبله الأذن العربية طرباً , والذوق الفني نغماً , وليس لفسيولوجيا السمع , ولا للتوارث الجيني , ثمة دخل لقبول بعضها , ورفض الأخرى , ما دام لها النصيب نفسه من الإيقاعات  الكمية   ,هذا ما يقوله  العقل ومنطقه ,ويقرّه العلم ومنهجه , وإنما يمكن القول , قد رسخ الموروث البيئي , والتدرب السمعي ,والتعود النغمي , والميل النفسي , هذه التكوينات الشعرية  في الوعي واللاوعي , ربما منذ تكوين البويضة الملقحة !
المهم سعى القدماء   للولوج الى المضمور والمغمور وغير المشهورفي عالم التكوينات والتفعيلات المشروعة بغية التجديد , ولكل جديد لذة , فسارع القرطاجني الى إدخال وزنه (الدخيل ), بعد ظهور التفعيلة المستجدة ( مستفعلاتن /ه/ه//ه/ه), وظهر معها وزن جديد شطره ( مستفعلن فاعلن فاعلن ) (16) , ومن قبل وضع ابو العتاهية بحراَ , شطره (فاعلن متفعلن فاعلن متفعلن) , ثم طفحت الموشحات بصيغ  وتكوينات جديدة , وما زالت الأبواب مفتوحة لإبداعات سديدة.
وحاول (الزمخشري) أن يبين قواعد التزواج بين تفاعيل الشطر الواحد , ثم نبه (زكي عبد الملك ) الى دور التكرار في بناء التكوينات الوزنية, فإمّا أن يكون التكرار خالصاً كما في (المتقارب والمتدارك ), أو مفصولا كما في (الخفيف ) , أو مذيلاً , ونعني به تفعيلتين متشابهتين وذيلهما تفعيلة مخالفة , كما في السريع ( مستفعلن مستفعلن مفعولات ) , والقرطاجني عنده أفضل التركيبات الوزنية , ما جاءت عقبى اقتران  التفعيلات المتماثلة  وهذه معروفة ,  أو المتضارعة أي المتشابهة جزئياً في الحركات والسكنات , مثل ( فعولن مفاعيلن //ه/ه - //ه/ه /ه ) في الطويل , أو ( مسـتفعلن فاعلن /ه /ه//ه - /ه//ه)  في البسيط , ولكن لا يجوز من الناحية الجمالية تقديم وتأخير  مواقع التفعيلتين في المثالين السالفين , وذلك بسبب انفصال الأجزاء المتشابهة  كما يرى ( حازمنا )! , وهنالك أمثلة أخرى , وعنده أيضاً أن التفعيلتين (مفاعلتن )و (متفاعلن)متضادتان , لا يمكن منهما أن تتركب أوزان مناسبة , مع العلم أن التضارع موجود - حسب شرحه - في كل مرفوض من قبله (17) , ونحن نرى أن الأذن ستقبل مطربة بالتدريج , كل ما رفض بالتعريج , ما دام للإيقاع الكمي تخريج !، وسنتوسع بازحافات والعلل في الفصل  الرابع  ، وللضرائر الشعرية القسم الثالث ، وهو الأخير من الكتاب !!  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)يقول الأخفش (ت 25 هـ ) في (كتاب العروض ) --الهيئة المصرية للكتاب -1986-ص 143  "وإنما ذكرنا هذا  لاجراء الشعر وتأليفه ,لأنه لا يكون جزء أقل من حرفين , الآخر منها ساكن.."
(2)الأخفش : المصدر نفسه , وراجع: سيد البحراوي : العروض وإيقاع الشعر العربي - الهيئة المصرية للكتاب - 1993 - ص 18 .
(3)يمكن اطلاق ( الإيقاع الكيفي ) على إيقاع نبرات شعر بعض اللغات الأجنبية - كالأنكليزية والفرنسية -  التي تحتل النبرة فيها صائتاً موسيقياً مميزاً , وأتحفظ على النثر عموما .  أما الموسيقا الداخلية  (أو الموسيقا النثرية)  , فتعني جناس المفردات وطباقها , ومحسناتهااللفظية ,وصورها التخيلية , وجرس كلماتها , ولا يمكن أن يطلق عليها بالإيقاع الداخلي ,لأنها غير منتظمة في الحركة والزمن.
(4)"ومنهم من سُمي الأولى فاصلة ,والثانية فاضلة بالضاد المعجمة " الزمخشري : القسطاس ص 4.
(5) الخطيب التبريزي : الكافي في علم العروض والقوافي   ت الحساني حسن    مكتبة الخانجي- القاهرة - ط 3- 1994  ص 18 . كل حرف مشدد في التقطيع يعد حرفين , الأول منهما ساكن والثاني متحرك. والحرف المنون يحتسب ايضا بحرفين, أولهما متحرك والثاني ساكن . 
(6)راجع الزمخشري :المصدر نفسه, السيد أحمد الهاشمي :ميزان الذهب - دار الكتب العلمية 1990 ص 6. وانظر التبريزي ص 18 الهامش .
(7 )راجع ..حازم القرطاجني :منهاج البلغاء وسراج الأدباء .ت محمد الحبيب بن خوجة - دار الكتب الشرقية -تونس -1966 - ص236).
(8) والجوهري  والقرطاجني لم يعترفا بالتفعيلة الأخيرة (مفعولاتُ) , لأنهما يعتبرانها غير أصلية , أو بسبب وتدها المفروق في آخرها.
(9) البحراوي :ص 27 .وراجع   أحمد محمد عبد العزيز كشك :الزحافات والعلل في عروض الشعر العربي دراسة وتقويم .رسالة دكتوراه بدار العلوم - القاهرة- 1998- ص 255 
(10) ابن جني : كتاب العروض . ت :أحمد فوزي الهيب ط2 الكويت 1989 ص  18- 19 . 
(11) ابن عبد ربه الأندلسي : العقد الفريد ت : أحمد أمين ..مطبعة لجنة التأليف - القاهرة 1365هـ ص 135-136 راجع أيضا حول  مفعولاتُ 
(12) الزحافات قد تصيب الوتد المجموع ,إذاكان آخر جزء من التفعيلة كما في البسيط والرجز , أوخزله كالكامل , أو خبنه كالرمل والخبب والخفيف . راجع البحراوي ص 67.
(13 )الصاحب بن عباد :الإقناع في العروض وتخريج القوافي  ص 4 - تحقيق محمد حسين آل ياسين - منشورات  المكتبة العلمية - بغداد - 1960م 
(14) راجع,محمد سعيد أمير وبلال جنيدي :المعجم الشامل في علوم اللغة العربية ومصطلحاتها ص 574 , في  (كتاب العروض ) :لأبن جني ص22 , يذكر و (تحريكٌ) ,ولكن ارى الوزن لا يستقيم .    
(15) البحراوي : ص 24 ,
(16)القرطاجني :المصدر السابق, ص  238 -241 .
(17)  د علي يونس  : مصدر سابق - ص 95 - 98 , راجع  القرطاجني : ص 247 وما بعدها .

دليل دامغ: قصص قصيرة جدا/ ماهر طلبه

دليل دامغ 
تحداها أن تثبت له أنها ليلى مثلما اثبت لها أنه قيس، فأرسلت له صورتها عارية وهى فى حضن ابن ورد.

فى تحقيق رسمى 
سأله وكيل النيابة – محاولا أن يفهم كيف انتهت علاقتهما هكذا- : ما دليل خيانتها ؟
قال له: انظر فى مرآتها سوف تجد أن صورة الخيانة ملتصقة بها لا تغادرها قط.

محمول جديد 
لأن الآخر يهوى صورها العارية، عملت – دائما – على تحديث كاميراتها.

عنتيل 
كان كهلا.. لكنها تجاوبت معه باللفتة، ثم بالنظرة، ثم باللفظ، ثم بالصورة، ففتح لها ملفا فى ارشيف حياته تحت اسم إعادة شباب.

تاريخ متكرر
لأنها أحبت (أو هكذا اعتقدت) حبا أكبر من سعة المدينة، كرهت هذه الأسوار التى تحاصرها، فسلمت المدينة لأول غازى حاول هدم أسوارها ليذبحها بحبها.

محاولة لاعادة مشهد سينمائى 
أرادت أن تتمثل الحالة فوضعت فى رقبتها السلسلة ونزعت ملابسها كلها ونامت أمامه، ودعته لان يرسم لها صورتها الخالدة قبل أن تغرقها المياه المندفعة من بين فخذيه.

تصريف ثالث للفعل 
قالوا.. أنى أحبك معناها اننا عاشقان.. وأنى أحبك تعنى أننا زوجان سعيدان.. لكنى اكتشفت حين وجدتك عارية فى سرير الآخر.. أنك قاتلتى.

ثقب أسود
فى قلبى ثقب أسود، خلقته أفعالك.. كلما اقتربت ذكراكِ من عقلى، اجتذبت – تجاهك – الكره المعلق فى كل الكون إليه.
ماهر طلبه
http://mahertolba62.blogspot.com/

فِتَن الأرض.. عشيّة عامٍ جديد/ صبحي غندور

ها هو العالم يعاني اليوم من تصاعد ظاهرة التطرّف والجماعات العنفية، ومن أولويّة الأمن في المجتمعات، بينما تُهمّش مسألة "العدالة الاجتماعية" والحاجة للعدل بين النّاس، بغضّ النظر عن لونهم وعرقهم ودينهم. فلم تعد قضية حقّ كلّ إنسان في لقمة العيش والعمل والسكن والضمانات الصحّية والاجتماعية هي الشغل الشاغل للحياة السياسية في دول العالم، بل أصبحت المعارك الانتخابية تتمحور حول قضايا الأمن والإرهاب ومشاكل المهاجرين، وهم هنا "الآخر" ثقافياً ودينياً!!.
أيضاً، تنشغل بعض الدول بصراعات حول قضايا "الدين والقومية والديمقراطية والعدالة"، في ظلّ مشكلة انعدام المفاهيم الصحيحة لهذه القضايا الكبرى، المعنيُّ بها كلّ البشر. فالرسالات السماوية كلّها حضّت على العدل بين الناس، وعلى كرامة الإنسان وعلى رفض الظلم والطغيان والجشع والفساد واستعباد البشر، وعلى إقرار حقّ السائل والمحروم، بينما نجد الآن بعض "رجال الدين والسياسة" يحضّون أتباعهم على التعصّب والتزمّت وعلى تقسيم المجتمعات بين "نحن" و"هم"، لكن ليس على معايير سياسية واجتماعية، فالغني الفاسد الجشع من الطائفة نفسها هو خيرٌ من الفقير المظلوم من الطائفة الأخرى!!.
إنّ الرسالات السماوية وضعت الكثير من الضوابط للسلوك الإنساني على الأرض، تجاه الآخر والطبيعة عموماً، لكن البشر الذين أكرمهم الله أيضاً بمشيئة الاختيار بين الخير والشر، بين الصالح والطالح، لا يحسنون دوماً الاختيار، فتتغلّب لديهم الغرائز على القيَم، والمصالح على المبادئ، والأطماع على الأخلاق. فتكون النظرة إلى "الآخر" قائمة على تحقيره أو تسخيره، وليس على المشترَك معه من مفاهيم وقيم دينية أو إنسانية. وكم من حروبٍ وصراعاتٍ دموية حصلت وتحصل لمجرّد وجود الإنسان "الآخر" في موقع طائفي أو مذهبي أو عرقي أو مناطقي مختلف، دون حتّى أي معرفة مباشرة بهذا الإنسان "الآخر"!!
وينطبق الآن على حال الأوطان العربية والإسلامية وصف مرض "ازدواجية الشخصية". ففي معظم هذه البلدان تزداد على المستوى الفردي ظاهرة "التديّن" واهتمام الناس بالعبادات الدينية، لكن مع ابتعادٍ كبير لهذه المجتمعات عن مبادئ الدين وقيَمه وفروضه الاجتماعية.
إنّ المسلمين عموماً، والعرب خصوصاً، بحكم دور ثقافتهم ولغتهم واحتضان أرضهم للمقدّسات الدينية، مدعوون إلى مراجعة هذا الانفصام الحاصل في شخصية مجتمعاتهم، وإلى التساؤل عن مدى تطبيق الغايات النبيلة فيما هو منصوصٌ عليه من قيم وواجبات دينية.
فأين الالتزام بقول الله تعالى: (ولقد كرَّمنا بني آدم) بغضِّ النّظر عن أصولهم وأعراقهم وألوانهم وطوائفهم؟ أين العدالة والمساواة والشورى وكرامة الإنسان في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية؟ وأين الوحدة في هذه المجتمعات، وأينَها بين بعضها البعض؟ أين التكافل الاجتماعي ومكافحة العوز والفقر؟ وأين دور الاجتهاد والعلم والعلماء في مواجهة العنف باسم الدين والجهل به والعودة إلى ممارسات زمن الجاهلية؟ أين رفض التعصّب والتمييز العرقي والإثني والطائفي؟ أين المسلمون من جوهر إسلامهم، وأين العرب من كونهم "خيرَ أمّةٍ أُخرِجت للناس" بعدما حملت رسالةً تدعو إلى الإيمان بالله الواحد وبكتبه ورسله، لا تفرّق بينهم، وتؤكّد على وحدة الإنسانية وعلى قيم العدل والمساواة بين البشر؟!
وفي مثل هذه الأيام التي تشهد احتفالات عيد ميلاد السيّد المسيح، عليه السلام، يتكرّر استخدام قوله: "المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام". وهو قولٌ يجمع بين ما هو حتمي لا خيار إنسانياً فيه (المجد لله) وبين ما هو واجب مستحقّ على البشر تنفيذه، أي تحقيق السلام على الأرض. هو قولٌ يُلزم المؤمن بالله ومجده أن يعمل من أجل الخير والسلام على الأرض، تماماً كما هو الأمر في العقيدة الإسلامية لجهة التلازم بين الإيمان والعمل الصالح.
لكن هناك أيضاً ما هو سلبيٌّ مشترَك الآن بين "الشرق الإسلامي" و"الغرب المسيحي"، وهو حجم المسافة الشاسعة بين ازدياد عدد الممارسين للشعائر الدينية، وبين قلّة عدد من يطّبقون ما تدعو اليه الرسالات السماوية من قيم وأعمال صالحة ومن واجب نشر روح المحبة وتحقيق السلام بين البشر.
ولعلّ المأساة تظهر الآن جليّةً من خلال حروب وفتن وأعمال قتل وإجرام حدثت أو قد تحدث تحت "شعارات دينية" في أكثر من مكان شرقاً وغرباً. بل إنّ كل مُشعِلٍ الآن لحربٍ أو لفِتنة على الأرض يختبئ وراء مقولات تستند إلى ادّعاءات الوصل بالأديان، والأديان منها براء. الكلُّ يتحدّث عن "الإيمان بالله تعالى" بينما على "الأرض الحرب" من الذين يبحثون عن مجدهم الزائف فيها. 
كم هو سهلٌ التحقّق من ممارسة البعض للعبادات أو عدمها، بينما من الصعب حصر ما يقوم به الإنسان من "عمل صالح" أو مدى التزامه فعلاً بالقيم الدينية.
ومع بدء كلّ عام جديد، يتجدّد عند الأفراد والشعوب الأمل بتغييرٍ في حياتهم وظروفهم نحو الأفضل، دون إدراك أنّ "الزمن" وحده لا يُغّير الحال، وبأنّ سياسة "حسيبك للزمن" ربّما تنجح عاطفياً، لكنّها لا تُغيّر عملياً من الواقع شيئا. قد يحدث ربّما العكس، حيث يؤدّي تراكم السلبيات مع مرور الزمن إلى مضاعفة المشاكل والأزمات. 
إنّ نهاية عام، وحلول عام جديد، هي مسألة رقمية رمزية لا تغيّر شيئاً من واقع حال الإنسان أو الطبيعة في أيّ مكان أو زمان. لكن المعنى المهم في هذا التحوّل الزمني الرقمي هو المراجعة المطلوبة لدى الأفراد والجماعات والأوطان لأوضاعهم ولأعمالهم بغاية التقييم والتقويم لها. فهي مناسبة لما يسمّى ب"وقفة مع النفس" من أجل محاسبتها، وهي التي أسماها القرآن الكريم ب"النّفس اللوامة".
هنا أهمية حثٌ الإرادة الإنسانية على التدخّل لتعديل مسارات تفرضها عادةً سلبيات الأوضاع الخاصّة والظروف العامّة المحيطة. ولا يهمّ هنا إذا كانت هذه المحطَّة الرقمية الزمنية هي في روزنامة سنة ميلادية أو هجرية، أو هي مناسبة لأعياد وطنية، فالمهم هو إجراء المراجعة والتقييم والتقويم، ومن ثمّ استخدام الإرادة الإنسانية لتحقيق التغيير المنشود.
فالنّاس هم المسؤولون أولاً وأخيراً عن حصاد كل عام، وستكون كل سنة هي استمرارٌ لما قبلها ما لم تتدخّل الإرادة الإنسانية لوقف التداعيات ولبناء مستقبلٍ أفضل.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن.
 Sobhi@alhewar.com

سلاح السخرية/ شوقي مسلماني

1 (قال)  
ـ بعد العمل يأتي الأمل ثمّ الفكر. 
ـ كلّما انخفض منسوب الوعي الطبقي ارتفع طنين الذباب الأزرق. 
ـ نفخوهم، وهم أقبلوا على الإنتفاخ، حتى انفجروا وتفرّقوا أيدي عرب. 
ـ لا أستبدلُ بربع عقلي كلّ ثرواتهم وخرافاتهم. 
ـ لا وحي يهبط، الوحي يصعد. 
**

2 (الآب وآبوب)  
- كيف الحال أيّها الآب؟.  
- سيّئة!.  
- سلامتك! هل تشكو من شيء؟ آمل أن يكون الأمر عارضاً!.    
- أنا يا آبوب بصحّة جيّدة، لكنّ المكان صار لا يُطاق.  
- صحيح.     
(وأردف آبوب، وهو ينحني فوق مكتبه، ويتظاهر إنّه يمسح غباراً):    
- فالظروف غير ملائمة، والتعقيدات متكاثرة، والأوضاع دقيقة.   
- ومَن هو المسؤول؟.   
- أنت أعلم!. 
- أنا؟.  
- آبابا لا يتركنا لحالِنا.  
- لو تشرح لي مِنْ فضلِك.   
- أنا منذ استلمتُ زمام هذا المقام كنت أريد أن أرفع وأن أوسّع إلاّ إنّ آبابا لا يُسهّل عليّ ذلك وقد جعل آبوبو معي في القمرة عوض أن يجعله معلّقاً في السجن مِنْ ساقيه!.      
- أنتَ مسؤول أيضاً؟ فالجميع يقولون إنّ الحقّ هو على آبابا كأنّ آبابا مشجب!.  
- أقسمُ بأبيك الذي في السماء إنّي أخيراً حاولتُ استعادة زمام الأمور لكنّ آبابا سارع إلى إعاقتي.   
- ولماذا يُعيقُك آبابا؟.   
- لأنّ آبابا يُريد أن تعضَّ كلابُه الناسَ الطيّبين.   
- فقط آبابا لديه كلاب يريدها أن تعضّ الناسَ الطيّبين؟.   
- ماذا تقصد أيّها الآب؟.   
- ألا تعرف ماذا أقصد؟. 
- البغال تحمل ما لا تطيقه الخيل.   
- وعلى هذا النحو يُلتزَم المكانُ؟ يُقتل الحصان لأنّه يحمل أقلّ؟ إنّك يا آبوب تجعل المكان مقفِراً ليس فيه سوى آبابا وكلابه المفترِسة.   
- عندنا أحمال!.  
- عليك يا آبوب أن تلتزم حدودك.  
- يد آبابا طويلة ويجب أن نصبر. 
(قال له الآب وهو يهمّ بالخروج)     
- اعملْ يا آبوب ما يوافقك، لكنّي أنبّهك: خذْ حذرك. 
**

3 ( سلاح السخرية)
 "الوسيلة الأكثر نجاعة لمحاربة داعش" وفق شادي علاء الدين، "تكمن في السخرية، في نوع خاصّ من السخرية الذي يلاحق كلّ فعل من أفعال هذا التنظيم، ويلصق به قراءة ساخرة تسلخ عن جسده ذلك الهول الذي يريد التحكّم بنا من خلاله، علينا تحويل الهول إلى حالة كاريكاتورية فاقدة للسلطة"، ويورد نموذجاً عن فيلم "إسم الوردة" المأخوذ عن رواية لأمبرتو إيكو تحمل الاسم نفسه: "كان الكتاب الذي يتحدّث عن السخرية والضحك ممنوعاً، ووصل الأمر إلى حدّ تسميمه فصار الموت مصير كلّ من يطّلع عليه، الكاهن الذي قام بهذا الفعل برّر الأمر بأنّ الإيمان بنظره قائم على الفزع وأنّ السخرية تضرب الإيمان كونها تضرب الفزع المؤسّس له، هذا ما يحاول داعش صبّه على حياتنا كي يحوّلنا إلى كائنات فزع" وتالياً تبدو السخرية بالنسبة للكاتب علاء الدين هي "السلاح الأمضى في مواجهته لأنّها إضافة إلى كونها تقضي على هالة الفزع التي يبثّها فإنها تحمل في روحها وجوهرها طاقة فرح وعقلنة لا يستطيع هذا التنظيم ـ المتجهّم ـ العيش في ظلالها".
**

4 (علي حرب) 
الهويّة تغتني بقدر ما تتنوّع. 
**

5 (فضل عبد الحي)  
"في مصر: كتابُ النبي لجبران ممنوع، وفيلم غاندي فشل". 
**

6 (من فيلم إيطالي)  
لا تحاول أن تكون رجلاً، بل كن ذاتك، ولا تصغ لأحد عنده نصيحة. 
"ترجمتي عن الترجمة الإنكليزيّة".  
**

7 (تارا موس)  
مع اللاوعي ستتفاجأ أنّك تعرف أكثر ممّا كنت تعتقد. 
(ترجمتي من حوار تلفزيوني مع الروائيّة الأستراليّة الناجحة تارا موس). 
Shawki1@optusnet.com.au 

هسَّ ومات؟/ أحمد ختاوي

أقصوصة

اللحاف يرتوي من هسيس  اللحاف في يوم مقدراه هسيس الهس . والبقشيش يرتوي من ذات السقاية .
درويش حتى  الممات  ,,,,, أشعث والله  لم أكذب
غرز  هسه  في  هس المحكوم عليهم بالاعدام والمؤبد  ,ودلف
الى الدهليز ،  لم يكن طويلا  ولا من أهل الريع ، كان  هسيسا ، والله  لم أكذب ,
ضبطوا في حوزته  كمية معتبرة  من " الكيف  المعالج "  سرقوا هسه ، الى يوم يبعثون
 وبمخفرالشرطة  كان هسيسا بامتياز
سأله المحقق في ذهول : يا أخي أكثرت من  لفظة " هسيس "  هل تعرف معناها ؟
رد في ذهول : كما الفلفل المهسوس
فك قيده , قال : هسْ هسْ ، هسْ ،
انتشى المهسوس هذا ، رد : هذه الكلمة نهس بها البعير ،والصحيح  أن  نقول : أهسس يا صاحبي .
ونهشُّ بها تهمنا الباطلة كما ورق الشجر لشياهنا 
ضحك الشرطي ملءفيه :  أنت المهسوس كما الدقيق ، كما الذي في سقايتك ،في صاعك وقد عبرت نقطة حدود الجمركة ونقطة التفتيش .
رد المتهم .: في هذه الحالة  يا صاحبي  قد  لا نخرج  من باب واحد ،  فتصيبنا  العين , وتضبطنا الكاميرات .
فك  قيده . كانت  اللحظة  هشيما كما الرخام
كما  الإعارة  والإعادة الى غياهب السجون 
.كما الخساسة ،  وهناك بالدهليز  هس  ومات ؟؟؟. والله  لم أكذب ؟؟؟.

حيدر كريم شاعر عريق.. يحمل عراقة العراق على منكبيه/ الأب يوسف جزراوي


هو شاعر شعبي مُميز، من بلد المربد الشعري. قُل عنه ما تشاء، سواء إختلفتَ أو اتفقتَ مع  اطروحاته وآرائه ومواقفه، فلا يسعك إلا أن تحترم موهبته الشعرية، وغيرته العراقية التي عُهد بها.
هو الشاعر الزاهد الذي زرع الكثير وحصد الهشيم، ولكنه ظلَّ دائمًا ولا يزال متماسكًا مترفعًا عن شهوة الأضواء وعطايا الساسة، وظلَّ ولاؤه لتراب الوطن عميقًا متجذرًا بأرض العراق.  أدركته مُنتميًا إلى أكثر اللغات إحساسًا بحرية الكلمة، والتزامًا بحق إبداء الرأي مهما كانت الظروف.إنّه الشاعر العراقي الذائع الصيت حيدر كريم العامري صاحب الشخصية الثورية  الصريحة الواضحة التي لا تقبل النفاق السياسي ولا تهوى المجاملة الزائفة على حساب وطنه المنكوب.
حدث ذات صباح من عام 2011 كنتُ اسير في مدينة سيدني بصحبة الكابتن القدير  سعدي توما ، فاستوقفنا رجل والقى علينا التحية وراح يبادلنا  اطراف الحديث دون أن أعلم من هو!، تطلعت به فوجدت أمامي وجهًا مألوفًا بعد أن وقع على مسامعي اسمًا معهودًا، أمعنت النظر إليه وأدركت من يكون، وشاءت الصدف فيما بعد أن نعمل معًا في مؤسسة آفاق للثقافة والفنون والتي تركتها لكثرة إنشغالاتي الكنسية ثم تركها الرجل من بعدي، لكنه استمر مُتمسكًا بحبال الودّ مع القائمين عليها.  
ربطتني بهذا الرجل الذي يتمتع بشاعرية لا يشق لها غبار علاقات وثيقة ومواقف مهنية، فلقد تعاملت مع حيدر كريم الشاعر العراقي المهموم بالشأن العراقي  بحكم العمل في مؤسستي آفاق وسواقي للثقافة والفنون، وأدهشتني فيه كفاءته العالية وخبرته المؤسساتية وإلمامه الشامل بذلك المجال وبتفاصيل المشهد الثقافي.
ولقد زاملني الرجل في لقاءات وامسيات ادبية عديدة وجلسات في الصالون الثقافي العربي. وقد لا اذيع سرًا  بأنَّ علاقة الرجل مع المنبر كعلاقة الوليد بأمه، فلم يغمض المشهد الثقافي العراقي عينيه عنه، إذ كان حضوره دائمًا ولا يزال مؤثرًا وفعالاً. له احاديث تجعله لطيف المعشر، انيس الجلسة. في العمل المؤسساتي وجدته يشارك في الرأي ويبدي الملاحظات في لغةٍ واضحة وشعبية لا تخلو من الإنفعال المصحوب بالصوت المرتفع والصراحة الجارحة التي لا تخلو من وخزات الكلام أحيانًا، لكنها تنمّ عن نوايا سليمة، ووضوح في الرؤية  ونزاهة التفكير لأجل الخير العام. ولا أجد حرجًا إن قلت: إنني غالبًا ما ابدي صراحتي للرجل بأنه شفاف الكلمة من على ناصية المنبر، لكنه على خلاف ذلك أحيانًا في المناقشات ومسالك الحياة. والحق يُقال غالبًا ما أجد في الرجل مرونة وتقبّلاً.
وهو صاحب التوليفة  الجميلة بين فكره الشيوعي وتشيعه للأمام علي ومحبته للسيّد المسيح وإنتمائه للإنسانية، فلقد أجرى الرجل مصالحة نفسية بين كلّ هذه المعتقدات منذ صباه. لقد عرفت  حيدر كريم عن قربٍ لسنوات مضت، وازددت كلّ يوم احترامًا له وتقديرًا لقامته الشعرية وقيمته في الحياة الثقافية واهتمامه بالهمّ الوطني الذي يغذي ذلك  الشاعر البغدادي الهوى،  الجنوبي الولادة  الذي غدا جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الشعر العراقي الشعبي الحديث،  بعد أن عشق الشعر رسالة سامية وأجاد تخصصه وخدم بلده كما يخدم جاليته الآن من أرض الأغتراب عبرَ كلمته الشعرية ودوره الثقافي.
ولا بُدَّ من أنْ أُسجلَ هنا بأنَّ الحوار معه ميزة، والاستماع إليه متعة، فهو متحدّث دقيق يتحدث بموضوعية. واذكر  له دقته فيما كان يقول وهو يبوح بانطباعاته عمّن ربطته  بهم صلة ثقافية أو إنسانية، حتّى إنه اتصل بي ذات صباح ليصحح  لي وصفًا خاصًا كان قد وصف به  منجزات أحد الأشخاص حين استعرض ذكرياته معه ليلاً، فصحح لي بعض المعلومات بدقةٍ وأمانة.
التقينا على حبّ الوطن في  منفى المهجر الأختياري وعلى اجنحة السرعة اندمجنا في المشهد الثقافي كثنائي ، وصار اسم حيدر كريم العامري مقرونًا باسم الأب يوسف جزراوي والعكس بالعكس، فما احلى أن نلتقي معًا في معبد الكلمة المُقدسة نُنشد طقوس الإنسانية ونرنم  معًا ترانيم المحبة والرجاء. واتذكر أنَّ الرجلَ قال يومًا في جلسةٍ ما  بحضوري:" قال السيّد المسيح عن نفسه كلّما اجتمع اثنان انا الثالث بينهما. وأنا أقول- وهنا الكلام للعامري: كلما اجتمع صديقان أو  شاعران، اديبان... فالثالث هو يوسف جزراوي".
ولا يكاد  يمرّ يومًا  ألاّ ونهاتف بعضنا البعض، ولا يمضي أسبوع  إلا ونلتقي في عمل مؤسساتي أو امسية ثقافية، والرجل يسعى إلى بيتي أو الكنيسة في تواضع جمّ وأدب شديد، ويمضي في ضيافتي ساعة أو بضع ساعات، في حديث طيب يرطب النفس، أو يبوح بمّا يعكر صفوه، فأبدد  الغيوم واحيي الشعور بالثقة بنفس ذلك الإنسان  الذي مرَّ  بلحظاتٍ قاسية وأوقاتٍ  عصيبة لا يعرفها إلاّ من مرَّ بها. وقد حكي لي الرجل كثيرًا  بكبرياءٍ مجروح ونفس ابية طبيعة العواصف التي واجهها بسبب عمله السابق في تلفزيون الشاب العراقي أو لأجل بعض مواقفه واشعاره ذات المسحة السياسية، لكنه  واجه العواصف العاتية والرياح الكاسحة في شجاعة وثبات وخلق رفيع، لأن الكبير يظل كبيرًا في كلّ الظروف.
أقول ذلك لكي أستطرد، متذكرًا ما كان قد حكاه لي الرجل بنبرة من الحكمة بحضور نخبة من مثقفي الجالية العراقية والعربية في سيدني في إحدى الصالونات الثقافية، عن موقفٍ كاد يقوده إلى عداد المواتى؛ ففي اواخر التسعينيات من القرن المنصرم حظي الرجل باجازة من السلطان فقصد محافظته الجنوبية لزيارة بيت جده، وهو في الطريق اصيبت سيارته بعطلٍ ميكانيكي. ترك السيارة على قارعة الطريق، واستقل الباص  مواصلاً الرحلة إلى بيت جده في محافظة الناصرية، فاوشى به بعض الجلاوسة بأنَّه اتجه إلى ايران لغرض البوح بمعلوماتٍ عن دائرة عمله.  وحين أنتهت اجازة الرجل، عاد إلى دائرته ببغداد، وإذ يرى نفسه معتقلاً  في الحال ومحاطًا بعددٍ من حاشية السلطان، يتربص به السلطان نجل الرئيس العراقي الأسبق حاملاً بيده مسدسًا واضعًا إياه على رأسه، وحدثه بلغة السباب قائلاً: ماذا كنت فاعل في ايران يـ...؟ فاجأب الرجل: "لقد فحصوا دمي ووجدوا نسبة الخيانة به صفرًا". حينها افرج عنه وكتب له عمر جديد!
إنّه الشاعر العراقي الغني عن التعريف، الذي ابصر النور في ذي قار 1968، فأَلَفَ العراقيون اسمه وهم يُرددون كلمات اغانيه التي كتبها إلى أبرز المطربين العراقيين والعرب، وهو حاصل على شهادة الماجستير في الإعلام من جامعة بغداد عام 1996. اندرج اسمه في تلفزيون العراق عام 1988،  ونال التكريم من قبل الرئيس العراقي الأسبق عدة مرّات، وصنف من  ضمن فئة (أ) من الشعراء العراقيين أثناء عمله في تلفزيون الشباب العراقي مذ أصبح واحدًا من فريق العمل فيه منذ شهر ايلول من عام 1993 إلى غاية عام  2002 ؛ حيث غادر العراق إلى عمان.
اذكر للقارئ تلك الأحداث لكي أرصد حالات لبعض المبدعين العراقيين المنعوتين من قبل بعض الناس بـ(فلول النظام السابق) وكيف لا يكون المرء فلولاً في ظلّ نظامٍ حكم (35) عامًا؟! وحين أتأمّل الفارق بين حالتين للإنسان الواحد، حيث أجده تارة في فردوس  السلطان وفي ناره تارة أُخرى، منعمًا عليه مرّة ومغضوب عليه مرّات عديدة!. والحال، لم تخلُ حياة ذلك الشاعر من  الشد والجذب، فقد أثارت البعض من آرائه وقصائده المعارك الحادة وألبت عليه المعارضين، غير أنه لم يكن يمتشق القلم للرد على  نقاده إلا إذا كان من ينازلهم أندادًا له. فإن لم يكونوا كذلك لزم الصمت. وكان في معظم الحالات يمتلك من الشجاعة ما يجعله يدافع عن بلده وقصائده وتاريخه  الشعري في أحرج الظروف. وأذكر للرجل أنه روى  لي ولغيري بكلّ تجرد وحيادية عن قصّص يعرفها معاصروها، اذكرها هنا لعلَّ الذكرى تنفع:
ذات ليلة من ليالي شهر نيسان من عام 2006 الشامية، سخر أحد الخليجيين من العراق والعراقيين اثناء حفل كبير، فاثارت تلك السخرية  حفيظة ذلك الشاعر العراقي الغيور، وطلب ورقة كتب فيها مذاهب قصيدته على عجل وأعتلى المنصة، وبنوعٍ ٍ من الكياسة ِ والدهاء شرعَ بالحديث قائلاً: أُهدي هذه القصيدة إلى اشقائي في البلد الخليحي (....)، وعلى اجنحة السرعة تطايرت عليه  الورود والعملات النقدية من الجالسين على المقاعد الأمامية وكانوا من بلدان الخليج الذين سرعان ما تهللت اساريرهم ، دون أن يعلموا ماذا يختبئ وراء تلك المُقدّمة، وحين صدى صوته للعراق الكبير، راح الحضور يهتف باسم العراق مُحيين الشاعر العراقي الأصيل ما خلا الجالسين في المقدّمة؛ فهاجت  الدنيا وماجت في تلك الأمسية، وكانت تلك القصيدة كفيلة لاعتقاله في فرع فلسطين في الشام بعد بضع ساعات من القائها، ولكنه خرج خلال ساعات من التوقيف، إذ القى القصيدة على مسامع المُحققين معه بعد أن شرح لهم الأسباب التي دفعته إليها، فنالت اعجابهم، واطلقوا سبيله في الحال، وتكفلوا بعدم التعرض له، سيّما بعد ان علموا انه قد كرّم من قبل القيادة القطرية السورية عن قصيدته ( الله يحفظك يا سوريا).
واستقرابًا من تلك الحادثة، واجه ذلك الشاعر موقفًا مشابهًا في أمسية شعرية كبيرة في  العاصمة الأردنية- عمان- بتاريخ 22/6/2004  يوم وصلت الغيرة ذروتها، فاطلق العنان لكلمته  حين اعتلى ناصية المنبر لانتقاد الحكام العرب ومواقفهم  الخجولة من الدمار الذي حلَّ بالعراق الجريج الذي طالما تنعموا بخيراته، وكان مطلع القصيدة  يقول:( يا عراق بجيت الوحدك ومحد بجة وياك) التي غناها  له حسام الرسام ومن ثم الفنان المبدع اسماعيل فاضل. وبسبب تلك القصيدة تم اعتقاله لمدة 13 يومًا في مقر المخابرات الاردنية في وادي السير، ثم اطلق سراحه حاملاً بيده كتاب ترحيله من الاراضي الاردنية ، ولعلَّ تلك الحادثة سرعت من هجرته إلى استراليا. وأنا شخصيًا اتعاطف  كثيرًا مع سجين الرأي ايًا كان، لأن السجن الذي يقبع فيه سجين الرأي هو أبشع انواع السجون، لكنه  في الوقت ذاته يعد وسامًا من ارفع الأوسمة.
كتبَ أبن كريم الشعر الشعبي والمسرحي؛ إذ كتبَ اشعار مسرحية اوروك التي فازت بمهرجان اسامة المشيني عام 2004 في عمان.  وفي مهرجان عمان للشعر والغناء عام 2004 فازت إحدى قصائده وأدرج أسمه ضمن الشعراء المكرمين؛  ولما اعتلى خشبة المسرح لكي ينال التكريم، طلب من وزير الثقافة العراقي وقتذاك مفيد الجزائري أن يستلم الشهادة التقديرية من شاعر العراق الأكبر مظفر النواب الذي كان حاضرًا في تلك الليلة، فكان له ما اراد. وهو في صدد الإنتهاء من ديوانه ( أهات الغربة) الذي يسعى إلى نشره في عام 2015.
اشتركت اعماله في مهرجان عمان  للمغتربين العراقيين الذي نظمته فضائية السومرية العراقية بتاريخ 5/3/2005؛ حيث فازت إحدى قصائده بالمرتبة الاولى، وقد غناها يومها الفنان  المتالق اسماعيل فاضل على خشبة مسرح الحسين الملكي. نال أيضًا درع الإبداع وشهادة تقديرية من مؤسسة سواقي للثقافة والفنون بتاريخ 11/4/2014 في سيدني.
وفي عام 2012 كتب اشعار مسلسل (النوم واقفًا)  للمخرج المبدع عباس الحربي وقد تم عرضها في قناة البغدادية.
كما نال درع الإبداع في امسية تأبين  العملاق وديع الصافي فتسلمه من يد قنصل جمهورية لبنان في سيدني السيّد جورج البيطار غانم المحترم. وحاز  أيضًا شهادة تقديرية من السفارة اللبنانية في كانبرا مع الشعراء اللبنانين ( الكبير شربل بعيني- د. جميل الدويهي، فؤاد نعمان الخوري- د. مروان كساب واخرين) كان ذلك  مساء يوم الخميس 18/12/2014 في امسية تأبين الفنانة الكبيرة صباح والشاعر العملاق سعيد عقل، التي نظمتها جمعية إنماء الشعر العربي في استراليا بجهود المحامية والأديبة بهية ابو حمد، بحضور قنصل جمهوية لبنان المحترم ونخبة من الكُتّاب والشعراء والأدباء والفنانين العرب.
ويعرف العارفون  أنَّ ليل  ذلك الشاعر الصديق طويل ، ينتعش بعد الحادية عشرة مساءً ويتواصل إلى ساعات متأخرة ليلاً حتّى انبلاج الفجر، يطلق العنان لشاعريته لتطلق الشعر، ومن عادته أن يكتب مخطوطاته الابداعية  الشعرية أو القصائد على جهاز التلفون (الموبايل) وينشرها في صفحته في الـ Facebook أو يدونها في مدونة خاصّة به. والرجل قليل النوم يدخن الاركيلة بافراط، ويتناول وجبة واحدة في اليوم، لكنه رغم هذا يعاني من السمنة!.
ولا أنكر أنَّ الرجل يمتلك طيبة عراقية واضحة، وإنسانية مُعبرة،  وذاكرة خصبة.  كما أنه يتمتع  بقدرٍ كبير من العفوية وحسن النية، ونقاوة القلب، ورهافة الحس، لكنه كثير الإنفعال، لا سيّما على " الإعوجاج"، فيصبح كالعاصفة الهوجاء بل تسونامي يعصف ذلك الإعوجاج، بيدَ إنه لا يلبث أن يعود إلى جادة الصواب ويهدأ سريعًا، ولا يجد في الإعتذار إنتقاصًا من قيمته، والرجل منفتح على نصائح المقربين منه ويحسن الإصغاء للنصائح والتعاطي معها.
ولقد لفت نظري كثيرًا أنَّ هذا الشاعر الكبير كان يحمل  ولا يزال هموم بلده في تفانٍ وإخلاصٍ واضحين، وقد جسدَ ذلك الهمّ في بعض قصائده  والأعمال الوطنية  التي كتبها عن العراق، خاصّة عن احوال اشقائه المسيحيين يوم تعرضت كنيسة سيّدة النجاة لابشع جريمة عرفها التاريخ، فسطرت انامله كلمات جسدت حبّه للعراق وللمسيحيين قدمها مجانًا  للفنان المبدع مالك البابلي، واعاد الكرّة مرّة أُخرى يوم تعرض المسيحيون إلى القتل والتهجير من قبل عصابات داعش الوحشية، فجمعني مع ذلك الشاعر المرموق والفنان المحبوب مالك البابلي والموسيقي القدير عماد رحيم عملاً وطنيًا ( حرك باب الكنيسة) وقد تم تصوير العمل في أكثر من موقع، وكان لكاتدرائية الربان هرمزد  الاشورية في سيدني نصيب، وقد حظي ذلك العمل الوطني بنسبة مشاهدة عالية في القنوات الفضائية التي عرض فيها. وأظن وليس كلّ الظن إثمًا بأنَّ الشاعر حيدر كريم رغم صوره الشعرية  المتنوعة والمُعبرة، لكنني اضعه في خانة  شاعر القضية العراقية ما بعد 2003 إنْ صح القول، رغم أنَّ التسمية قد لا يتحمس لها الأستاذ حيدر وهو شاعر المحبة والحزن والأمل وشاعر الوطن، لأنه يظن أنَّ اختزال قيمته الشعرية وقامته الثقافية في إطار الأحداث التي تكالبت على العراق وألمت بشعبه الأصيل، قد يسحب منه قدرًا من قيمته الإبداعية  وارتفاع قامته الشعرية وتنوعها.
وأذكر للرجل أنه قد شرفني يوم عرّف لي امسية إطلاق كتابي ( أحاديث قلم) معية الإعلامية البارزة نادين شعّار والأخت المبدعة سناء كيوركيس،  وكتب قصيدة عامودية قصيرة زينت صفحات الكتاب واطرب بها مسامع الحاضرين في تلك الأمسية التي شهدت عرسًا ثقافيًا بشهادة الكثيرين، وأذكر للرجل أيضًا موقفًا نبيلاً يوم طلب من أحد المترجمين القديرين  ترجمة كتابي " أفكار وتأمُّلات من التُراب"، ولم يكتفِ بذلك القدر ، بل اصطحبني بنفسه إلى من تبنى ترجمة الكتاب.
ألف تحية إلى رفيق غربتي في سيدني الأستاذ حيدر كريم، الذي أكن له قدرًا كبيرًا من المحبة والإحترام والتقدير رغم إننا نقف في الغالب على هضاب حياتية مختلفة، ولكن الإختلاف مع أبن كريم لم يكن يومًا خلافًا، بل غنى وإستكمالاً.   إنّه  ذلك الشاعر الذي دفع ثمن الكلمة سهرًا، ونشر اشعاره من دم قلبه إنّ صح التعبير، في هدف نشر قضية العراق المنكوب في ارجاء المعمورة، محافظًا على تراث بلدٍ علم الناس الحرف، وهذا لم يرق لبعض ساسة العراق الجديد؛  فمشكلة بعض الحكام في العراق وربّما في مُعظم  البلدان العربية تكمن بأنَّ بريق السلطة يعُمي الأبصار ويستولي على الأفئدة ويجعل القرارات أحيانًا شديدة القسوة، إلى حد يصل بالشاعر والمثقف أو الأديب  من منصة المنبر إلى خانة الرفض من القمة إلى القاع.. إنها السياسة لعنها الله في كلّ زمان ومكان!
إنه ذلك  الشاعر العراقي القدير الذي له من اسم والده الشهيد نصيب، فهو نموذج للعراقي  المحب لبلده والإنسان المبدع الذي جمع بين البساطة والتواضع والكرم العراقي في وقتٍ واحد.  وهو " أبو الغيرة" كما يُكنى من قبل أبناء الجالية في سيدني،  فقد بكى  العراق بقلبٍ مفعم بالحزن والالم  من على ناصية المنبر تارة، وتارة أُخرى تغزل ببلده الكبير وبشعبه العريق؛ فالشعر عنده  موهبة وقضية ورسالة وليس وسيلة لتمجيد الذات والتميّز، لهذا لا زالت اشعاره تعيش بظهرانينا، وكيف لا؟ وهو شاعر وطني  حمل على منكبيه عراقة العراق ، مؤمنًا بأنَّ للشعر معنى ورسالة، جعلته يتربع على عرش معبد الشعر المُقدس.

نتنياهو الرئيس والوزير/ د. مصطفى يوسف اللداوي

رغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية قد دفع بنفسه نحو اجراء انتخاباتٍ تشريعية مبكرةٍ، عندما وافق على حل الكنيست الإسرائيلي، بعد أن أقال ثلاثة وزراء من حكومته دفعةً واحدة، وتبعهم بالتضامن أربعةٌ آخرون، ليصبح عدد الوزراء المستقيلين والمقالين سبعة، في خطوةٍ قد تبدو للبعض أنها مغامرة سياسية، ومقامرة على المستقبل، إلا أنه يعتقد أنه سيكون الأوفر حظاً، والأكثر تمثيلاً، وسيخسر غيره، وسيفقد مناؤوه مناصبهم، وسيتراجع نفوذهم وحجم تمثيلهم في الكنيست القادمة.
لكن نتنياهو الذي يراهن على المستقبل، والذي يعتقد أنه سيكون لصالحه بلا منازع، قد استطاع بخطوته المفاجئة، وبالضربات الصاعقة والمباشرة، وبالمغامرة المحسوبة، التي فاجأ بها خصومه ومناوئيه، الذين لم يتوقعوا منه ذلك، أن يقصي خصومه عن الملفات الهامة، وأن يبعدهم عن القرارات المصيرية، وأن يتولاها بنفسه لمدةٍ قد تزيد عن أربعة أشهر، يكون خلالها صاحب القرار، والمتنفذ الأول، والمتصرف الوحيد، ولن يكون مضطراً لمشاورة أحد، أو مراعاة آخر، ولن يكون ملزماً على احترام ملف وزير، أو تقدير مهامه، وعدم الاعتداء على صلاحياته، كما لن يكون خائفاً من جلسات حجب الثقة عن حكومته المحلولة حكماً، والمنتهية الصلاحيات دستوراً.
فقد تخلص نتنياهو من لبيد الطموح نحو التغيير، والمتحكم في بنود الصرف ونسبة النفقات، والذي هدد استقرار الحكومة وهز مكانة رئيسها، والذي يسعى إلى زيادة رصيده الشخصي والحزبي لدى المجتمع الإسرائيلي، فبإقصائه الجرئ لن يخضع نتنياهو لمقترحاته الإصلاحية، التي تؤثر على ميزانية الكيان، وترهق خزينته، وتنعكس سلباً على المشاريع الاستراتيجية للدولة العبرية، خاصةً فيما يتعلق بالجيش والأمن والاستيطان، الأمر الذي سيجعل نتنياهو حراً في الأشهر القليلة القادمة، في تمويل المشاريع الاستيطانية، والتعجيل في صرف فواتير العمليات العسكرية للجيش، وتغطية نفقات الحرب الأخيرة على غزة، كي لا تتأثر أنشطة الجيش العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما سيكون قادراً على دعم أنشطة وبرامج الأحزاب الدينية، التي يتوقع أن تكون إلى جانبه في الانتخابات التشريعية القادمة.
وسيكون نتنياهو أخيراً محرراً من قيود لبيد فيما يتعلق بمشروع ميزانية العام 2015، ولن يكون مضطراً للالتزام بأفكاره ومقترحاته، خاصةً فيما يتعلق بقيمة الضريبة المضافة، وبمشاريع الأزواج الشابة، واعفائهم من أي ضرائب إضافية قد تفرض على أول شقةٍ يمتلكونها.
كما سيتولى نتنياهو ومستشاروه ملف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وسينزعه من بين يدي تسيفني ليفني التي تبدو من وجهة نظره أنها متساهلة ولينة، وأنها تقدم تنازلاتٍ كبيرة للفلسطينيين على حساب المصالح العليا للشعب اليهودي، الأمر الذي يعني تجميد المفاوضات، ووقف مسار المحادثات مؤقتاً، وسيتخلص بإقصائها نسبياً من الضغوط الأمريكية، التي باتت تشكل عليه عبئاً، وتطارده لتقديم المزيد من التنازلات السياسية والأمنية، وسيكون عذره في عدم مواصلة المفاوضات مقبولاً ومبرراً، وبقراره سيكون أقرب إلى الأحزاب اليمينية الدينية الصغيرة، الخائفة من سياسة تسيفني التفاوضية.
وقد تتمكن وزارة العدل الصهيونية في ظل إدارته المباشرة خلال الأشهر القادمة من تسهيل إجراءات تهويد الدولة، وتمرير عددٍ من القوانين التنفيذية التي قد تسهل تشريع قوانين تؤكد على يهودية الكيان، فيما يبدو أن مسودة القوانين باتت جاهزة، وأن المشرفين على تنفيذها متلهفين لتمريرها، وقد كانوا يجدون من رئيستهم السابقة بعض العقبات، التي كانت تحول دون استعجالهم في فرضها، فضلاً عن رغبة نتنياهو في فرض قوانين وأحكام قضائية رادعة بحق مثيري الشغب من سكان مدينة القدس.
وسيكون نتنياهو لفترةٍ وزيراً للداخلية بدلاً عن الوزير المستقيل جدعون ساعر، وهي الوزارة التي ستمكنه من تسريع الإجراءات المتخذة في مدينة القدس، وحول المسجد الأقصى، خاصة تلك المتعلقة بخمد الأحداث والسيطرة عليها، وتطويق عمليات المقاومة المتصاعدة في المدينة، وتنفيذ سلسلة الاجراءات التي أقرتها الأجهزة الأمنية المعنية لضمان فرض الأمن في مدينة القدس، وتطبيق القانون الرادع على المخالفين من سكانها.
وقد بدا نتنياهو حريصاً على ملفات وزارة الأمن الداخلي، حيث عجل في عقد لقاءات مع العديد من المسؤولين والضباط في الوزارة وجهاز الشرطة، واستمع إليهم، ولكنه أصدر إليهم تعليماتٍ قد تبدو جديدة، إلا أنها قديمةٌ ومعمولٌ بها سابقاً، ما يعني أن جدعون ساعر لم يكن إزاء الفلسطينيين وسكان مدينة القدس متساهلاً أو ليناً، بل كان متشدداً وعنيفاً، وممثلاً ومنفذاً للسياسة اليمينية المتطرفة. 
كما سيتولى نتنياهو إدارة وزارة الرفاة والخدمات الاجتماعية، بدلاً عن الوزير المستقيل مئير كوهين، وهي الوزارة المرتبطة كثيراً بوزارة المالية، نظراً لأن الكثير من أنشطتها ومهامها تقوم على إقرار وتمويل وزارة المالية، التي تعطل ما شاءت، وتقر ما ينسجم مع سياستها، ويتوافق مع برامجها، وهي تؤثر كثيراً على مشاريع الضمان الاجتماعي، وبرامج الرفاهية والخدمات الاجتماعية المتعلقة بالمواليد والأولاد.
وسيكون أيضاً وزيراً للصحة مكان الوزيرة المستقيلة ياعيل جرمان، وهي التي تقبض على شهادات التأمين، وفواتير الطبابة والعلاج في المستشفيات الإسرائيلية، وتشرف على تطوير القطاع الصحي العام، كما سيشغل نتنياهو منصب وزير التربية والتعليم بدلاً عن الوزير المستقيل شاي بيرون، ووزير العلوم بدلاً عن يعقوب بيري، بالإضافة إلى وزارة البيئة بديلاً عن عامير بيرتس.
 ربما ستكون الفترة القادمة بالنسبة لنتنياهو هي الفترة الذهبية في حياته، إذ سيسهل عليه تنفيذ برامجه العالقة، وتمرير خططه المستقبلية، دون خوفٍ من المعارضة، أو تأخيرٍ من الرافضين والمعوقين، وقد تعهد أمام مقربين له، أنه لن يتسبب في عرقلة النشاط الاقتصادي، ولن تؤدي قراراته إلى تجميد عمل الدولة والحكومة، ولكنه سيعمد إلى كسب المزيد من المؤيدين والمناصرين، وسينفذ المشاريع التي ستصب في الصناديق الانتخابية أصواتاً له، فهل ينجح نتنياهو الرئيس المتعدد الوزارات والملفات في العودة قوياً دون منافسةٍ إلى رئاسة الحكومة للمرة الخامسة في سابقةٍ لافتةٍ في تاريخ الدولة العبرية.

الثابت والمتحول في سوريا الثورة/ سعيد ب. علم الدين

إن المأساة الرهيبة التي تتعرض لها سوريا: 
شعبا وأرضا، تراثا وحضارة، إرثا إنسانيا غنيا ونسيجا اجتماعيا عريقا، منذ أربع سنوات ثقيلة دامية سحقت تحت براميلها المتفجرة دون رحمة البشر والحجر، هي ضرورة تاريخية حتمية طبيعة، كان لا بد منها، ومن وقوعها لتَّخَلُّصَ من براثن عائلة مجرمة حاقدة طائفية عنصرية، هجينة منبطحة أمام العدو، همجية ظالمة مستبدة مستكبرة على شعبها ومنذ أكثر من أربعين سنة عجافا أذاقتهم فيها شر الأمرين.
واذا لم يسحق السوريون هذه الدكتاتورية المرعبة الآن، رغم التضحيات العظام، فإنها ستسحقهم دون رحمة ورأفة وستتابع مص دمائهم لأربعمة عام على أيدي سلالة حقيرة من آل الأسد اللئام. 
ألم تسمعوا بالمثل المشهور: كلب ومسك عظمة! 
فكيف اذا كان كلبا مسعورا جعاريا كعصابة مغتصب النساء وذابح الأبرياء وقاتل الأطفال؟
وخامنئي الأعور الدجال يبارك بغبطة هذه الأفعال!
كيف لا، وهي دكتاتورية شموليةٌ مشبعة بالحقد التاريخي والعنصرية: 
طائفية الجذور، سادية العقل، قاسية القلب، قابعةٌ على صدر هذا الشعب الصابر الحضاري النبيل ككابوس ثقيل تحول مع السنوات الى نفق مظلم دامس بليل حالك مخابراتي عفنٍ طويل.
ولهذا كان لا بد لهذا الشعب من الانتفاض على واقعه الأليم والثورة للخروج من النفق المظلم، وتحقيق المستحيل باستعادة حريته وكرامته وعنفوانه وعزته وحقوقه المسلوبة على أيدي عصابة حاكمة سارقة ماكرة مخادعة طاغية باغية.
ومع بزوغ الربيع العربي أشرقت شمس الحرية واخترقت أشعتها ظلام النفق السوري فأضاءت مشاعله أيدي براعم الثورة، أطفال درعا. 
هل كان ممكنا تفادي ما حدث؟ 
نعم لو كان بشار انسانا سويا، ووطنيا سوريا، وحاكما حكيما محبا لشعبه وليس وريثا لئيما حاقدا في قلبه، ويفكر ولو للحظة بمصلحة سوريا ومستقبل أبنائها، وليس بمصلحته الخاصة ومستقبل ابنه الوريث!
ولكن بما انه ليس سويا ولا وطنيا ولا حكيما، ولئيما حاقدا مستكبرا وبالنسبة إليه ولبطانته الفاسدة: سوريا غابةٌ وهم أسيادها وأسودها الكاسرة الى الأبد. وتأكيدا على ذلك شعارهم المرفوع منذ بداية الثورة، " الاسد أو نحرق البلد". 
فماذا ممكن ان ينتظر الشعب السوري العريق الحضاري من عصابة أبو حفاظ البشاري؟ 
ولهذا كان على شعب الغابة في قانون العصابة ان يظل مطيعا خانعا مسحوقا يعيش من فتاتها، وإلا تعرض للافتراس بشرا وحجرا كما يحدث الآن.
ففي سوريا الملتهبة بثورة يخوض غمارها شعب جبار منذ أربع سنوات باللحم الحي وبمعارك اسطورية وانتصارات بطولية ضد قوى الشر والهمجية البشارية الإيرانية الروسية الحالشية الداعشية، الكل في هذا الصراع السوري الاقليمي الدولي الدامي متحول ويعمل حسب مصالحه الآنية، إلا الجيش السوري الحر فهو الرقم الصعب والثابت في المعادلة، وسيزداد ثباتا مع الأيام رغم كل المؤامرات والاختراقات ومحاولات الطعن والتصفية التي لا ينفك يتعرض لها منذ تأسيسه على يد البطل المقدام الشهيد الحي العقيد رياض الاسعد.
والجيش الحر الديمقراطي والمعتدل في توجهه لمستقبل سوريا الجديدة هو وحده الذي يرعب بشار الاسد ويحسب له هذا السفاح الف الف حساب. كيف لا وداعش والنصرة هما صنيعتا مطابخ مخابراته الشيطانية والتآمرية الإيرانية لسَّيطرة على الدول العربية. مخابرات آل أسد لها باع مهني احترافي اجرامي طويل في تأليف وتركيب وتجنيد وتدريب وتسليح وتوجيه واختراق وغسل أدمغة الجماعات الإرهابية الإسلامية السنية الغبية. 
هذه الجماعات السنية الإجرامية أضرت بوحشيتها وظلمها وحقدها وغبائها المنقطع النظير بكل ثورات الربيع العربي وبالاعتدال السني الى ابعد الحدود، محاولة سرقة الثورة الشبابية من أيدي أصحابها الشرعيين اي الشباب العربي المنتفض لكرامته ومستقبله، لمصلحة ارهاب ملالي ايران في المنطقة والتغطية على جرائم حرسها الرجعي من حزب حسن ايران الى بشار الى المالكي الى الحوثيين وبقية الحثالة العربية من المتآيرنين. 
هذا وقدمت داعش والنصرة خدمات لبشار ما كان ليحلم بها، وتسببا بعدم دعم أمريكا ودول الغرب الدعم الكافي للثورة بالسلاح الفتاك، لكي لا يقع بأيديهما الملطختين بدماء الأبرياء في كل مكان.
خاصة بعد أن انقلب هذا السلاح عليهم في ليبيا محاولا تدمير كل طموحات وآمال وتضحيات الشعب الليبي بقيام دولة ديمقراطية تعددية حضارية عصرية.
والآن الجيش الليبي يخوض معارك ضارية ضد الجماعات الإسلامية الإخوانية المتطرفة الغبية.
فأمريكا والغرب لم ينسوا بعد الدرس القاسي الذي تلقوه في ليبيا، فهم ساعدوا ثورتها الربيعية لتنتصر على القذافي، فتحولت بعد انتصارها الى مؤامرة خفية وثورة خريفية بأيدي جماعات الارهاب الاسلامية وفي مقدمتهم "القاعدة" الغبية، حيث أرتكبوا جريمة حرق السفير الأمريكي  
المناصر الأكبر للشعب الليبي في ثورته.
فالجيش الحر بقواه الفاعلة على الارض السورية رغم قلة الإمكانات وشح الموارد هو من يمثل حقيقة جوهر ونضال وكفاح الشعب السوري من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية والدولة المدنية التي افتقدها ومنذ انقلابات عسكرييه الشمولية المشؤومة ضد الدولة الديمقراطية الفتية عام 49 إثر نكبة فلسطين وكانت البداية لكل الانقلابات العسكرية الغاشمة في العالم العربي على قوى الشرعية والديمقراطية من مصر الى العراق والى معظم الدول العربية التي لم ترتح شعوبها من استحمار عسكرها العربي  اللقيط بعد تحررها من الاستعمار الغربي المقيت.
ومن هنا فالكل متحول والجيش السوري الحر هو الثابت ومن ورائه القوى السياسية السورية والعربية والدولية التي تدعمه.
فعلى مدى أربع سنوات بشار وبطانته وشبيحته وعصابته وعلوييه هم الخاسر الأكبر. البارحة تم على يد الشبيحة تدمير قصر المجرم رستم غزالي، هذا يدل على شعورهم بالهزيمة وعدم قدرتهم على حماية القصر لكي لا يقع بأيدي الثوار. وهناك تذمر واضح في الطائفة العلوية التي خسرت وتخسر يوميا خيرة شبابها وقودا لحرب خاسرة.
وهناك تذمر مكبوت في الطائفة الشيعية اللبنانية من خسارة المئات من شبابها خدمة للمجرم بشار وقمعا للثورة الشعبية.
أما ايران فهي في تراجع اقتصادي وتقهقر عسكري واضح في سوريا، لعجزها رغم انخراطها في الحرب الى جانب بشار مع كل غلمانها واذنابها وارهابييها من حزب حسن ايران الى ميليشيات شيعستان العراق وأفغانستان، على حسم الحرب لمصلحتها، ولم ولن تستطع الانتصار على الشعب السوري الثائر لكرامته وغزوهم لأراضيه.
وروسيا بعد ان انخرطت بكل حماقة ورعونة الى جانب بشار هي اليوم تهرول خلف المعارضة لحل الصراع، حفاظا على ماء الوجه.
حتى مقاتلي داعش والنصرة من السوريين سيأتي اليوم الذي يعودون به الى وطنيتهم ورشدهم ويلتحقون بالجيش الحر، لأن داعش والنصرة منظمتان همجيتان مهزومتان حضاريا قبل هزيمتهما الحتمية عسكريا، ولا مستقبل لهما لا في سوريا ولا في العراق ولا حتى على سطح المريخ حتى ولو صعدا إليه على ظهر البراق.


حصاد الحرمان/ محمد محمد علي جنيدي

قالوا لي ستحملينها شهورا معدودة، ولكنها مكثت في بطني سنوات عمري كله.
حاولوا طمأنتي، فقالوا: لا تخافي فإن رحلة الحمل ستمر عليكِ مرور السحاب، ولكن هذا لم يحدث فكم كانت الرحلة شاقة وقاسية، أكدوا لي أن ولادتها ستكون ولادة طبيعية، فتمزقت فيها أحشائي!، ومن عجب أنني كلما كنت كلما أرى لها حلما يطمئنني عليها، ولكنها كأوهام السراب، فلم تأت الحياة مبتسمة وسعيدة كما ظننت، وها هي قد تبخرت فيها أحلامي لأنها مازالت تفتك بها صرخة الحياة!. ترى ماذا أسميها وهي ترتعد!، أأُسميها الخائفة!، أم الحائرة!، أم الأفضل أن أسميها كلماتي الحزينة!، أم يكون الإسم على طالع المسمى فأسميها حصاد الحرمان!، نعم هي ( حصاد الحرمان ).
أتساءل مع نفسي في أمرها - وأفكر - أأفعل بها كما فعلت أم موسى!، ولكنني أتردد!!، لأنني ببساطة لا أضمن أن يُلقيها اليم بالشاطئ، وهنا تصرخ نفسي في وجهي قائلة: أيها الأحمق .. من هذا الذي سوف يسمح لها بالإقامة إن هي مالت إلى الشاطئ، وهي لا تملك جوازا أو تأشيرة بالمرور!!، فأبتلع الفكرة تلو الفكرة مهموما حزينا، ولكنني في النهاية أجدني لا أصمت ولا أقبل معها يأسا، ولأنها وحيدتي وحلم عمري كله ها أنا أفكر في أمرها من جديد. 
آه من حظك يا كلماتي الحزينة، فلكم جئتِ إلى الدنيا بائسة يا حصاد حرماني، اللهم لا تحملنا مالا طاقة لنا به، واعف عنا، يارب أرشدني صوابي، اللهم اجعل لي في أمر وليدتي بينة أسير عليها.
الآن .. الآن، أخيرا وجدتها كما قالها أرشميدس، لا تفزعي ولا تخافي يا كلماتي الحزينة، سأُلقي بكِ ولكن ليس في اليم - هذه المرة - وإنما سألقي بك وأستودعك الله في الفضاء في آفاق السماء. وربنا الذي سواكِ وخلقكِ أولى أن يفعل بك ما يشاء. أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه كلماتي الحزينة، عسى ربنا أن يبعث لك النور الحالم في أركان هذا الكون المعتم، وأخيرا وداعا!، وإلى ملتقى من عند الله يا حصاد حرماني.
 - مصر

إستعراض لقصَّة "عَسَليَّة مُنقذة الخليَّة" للأطفال للكاتبة غادة إبراهيم عيساوي/ حاتم جوعيه

 مقدمة : قصَّة "عسليَّة منقذة الخليَّة "- للأطفال - من تأليفِ الكاتبةِ والاديبةِ المربيَّة  " غادة  إبراهيم عيساوي" وهي  شقيقة ُ الشاعر والأديب  المعرف الأستاذ سهيل عيساوي ... تقعُ هذه القصَّة ُ في 26 صفحة من الحجم  الكبير     ..ولم  يُذكرأسمُ المطبعةِ التي طبعَت الكتابَ  بَيْدَ  أنَّ حقوق  الطبع محفوظة ٌ للمؤَلفة .. وتحلِّي الكتابَ رسوماتٌ عديدة  ومعبِّرة  في  الصفحاتِ  الداخليِّةِ  ورسمتان على الغلافِ من الوجهين للفنانة التشكيليَّة  " فيتا  تنئيل"   .
  وسأتناولُ القصَّة َ من خلال الإستعراض وبعد ذلك  بالدراسةِ  والتحليل .
مدخل : -  تتحدَّثُ  القصَّة ُ عن  خليَّةِ  نحل  وحوار وجدل  يدورُ  بين أفرادِ  وكوادر هذه الخليَّة  ( بين  الملكة والعاملات والذكور )  .   تبتدىءُ  القصَّة ُ وَتُستهلُّ  بالطابع  السَّردي  قبل أن  يدخلَ الحوار  بين  شخصيَّاتِها  وتقول: إنَّ أحدُ  التجار وَمُرَبِّي النحل  يضعُ  خليَّة َ نحل على طرفِ أحدِ الأنهار في موضع بعيدٍ عن الأنظار والناس والضجيج والغوغاء  فتفرحُ  (ملكة ُالنحل) بهذا الإختيار الصائبِ  وتبدأ  بإعطاءِ التعليمات الجديدةِ  لكوادر خليَّّةِ النحل ( العاملات والذكور) فيمتثلُ الجميعُ لأوامروتعليماتِ الملكةِ وتبدأ الشغالاتُ ( العاملات ) بالعمل  المثابر  والدؤوبِ   دون  كلل  أو ملل   فيطرنَ   فوق الأزهار ويمتصصنَ الرَّحيقَ  لصنع  العسل ..وكان  بين النحلاتِ العاملاتِ  نحلة ٌ  ذكيَّة ٌ  جدًّا  ونشيطة ٌ إسمها  عسليَّة  وهي  أنشطُ النحلاتِ في الخليَّةِ .  
     وفي  أحدِ  الأيام  قامت  الملكة ُ بجولةٍ   في الخليَّة  لتتأكدَ  وتطمئنَّ  بأنَّ النحلَ يعملُ  بانتظام  ودون توان  وكسل ... فرأت بعضَ العاملات  يحرسنَ الخليَّة  والبعضَ  يصنعنَ الشمعَ  والعسلَ بجديَََّةٍ  في عيون سداسيَّةٍ ( الشكل الهندسي لفجواتِ قرص الشمع الذي يوضعُ  فيهِ العسل  . والبعضُ  يطعمنَ صغارَ النحل بكلِّ طيبةٍ وحنيّةٍ، ومنهنَّ يقمنَ  بتهوئةِ الخليَّة . ففرحت الملكة ُ لذلك ..وقالت  للشغالاتِ :( أنتنَّ أنشط الكائنات )... وفي هذه الأثناءِ رجعت بقيَّة ُ الشغالاتِ  العاملاتِ  متعبات بعد  عمل مضني  وَحلَّ غضبُ النحلاتُ العاملات من الذكور بسبِ كسلهم وخمولهم وعدم عملهم ، فقالت  لهم النحلة عسليَّة : أنتم لا  تصلحون للحراسةِ  أو لبناءِ  الخليَّةِ  ولا  لأيِّ عمل آخر  له أهميَّة ...إنَّ  ألسنتكم  قصيرة   فلا  تستطيعونَ  إمتصاصَ  رحيق الأزهار،  وتأكلون في نفس  الوقت  طعام الصغار من النحل .. فأنتم  عبءٌ  ثقيلٌ على  باقي أفرادِ  الخليَّة . فغضبَ وانزعجَ الذكورُ  لهذا الموقفِ السَّلبيِّ  منهم  من قبل العاملات  وقالوا : إنَّ حاسَّة َ الشَّمِّ  لدينا  قويَّة ، وعيوننا كبيرة  وواسعة وأجنحتنا  قويَّة ونستطيعُ اللحاقَ بالملكةِ في  يوم التزاوج  وتقولون لنا : إننا  بلا فائدةٍ  ولا أهميَّة ! ؟ .. وكان جوابُ الشغالاتُ  لهم : ( بل نحنُ العاملات الكادحات أنشط الكائنات  فنستطيعُ  من الآن  طردكم  من الخليَّة .  فقاطعت الملكة كلامهنَّ  قائلة : لماذا كلّ هذه المشاجرات  والخلافات بينكم ..أنا أبقى أمًّا  لجميع  افرادِ  الخليَّة  ونحنُ  حشراتٌ  إجتماعيَّة ، نعيشُ  سويَّة ً  بمحبَّةٍ وتعاون دون خصام وخلاف أو  تهاون.. فهيَّا  وليذهب كلُّ واحدٍ إلى عملهِ..  
 وحدثَ بعد ذلك أنهُ  في يوم عاصفٍ هبَّت رياحٌ  قويَّة كادت ان تقتلعَ الخليَّة ، وقد ذبلت الأزهارُ وتلفت الثمارُ ولم تجد العاملاتُ أزهارا  ولا  ثمارا  في البريَّةِ  لتمتصَّ منها الرحيقَ لجني العسل . فصاحت الملكة في الجميع : وما العملُ  يا أيتها العاملات....هيَّا  بسرعةٍ  ومطلوبٌ  منكنَّ  البحث  في  جميع الأماكن والجهاتِ عن الرحيق  وحبوب اللقاح صباحا ومساء .
   وتمتثلُ العاملاتُ  لأوامر الملكةِ  ويطرنَ  مسرعاتٍ  للبحثِ عن الأزهار لامتصاص الرَّحيق ولصنع العسل ...فيسلكن جميعَ الاتجاهات  ولكن رجعن آخرَ النهار بخفيِّ  حنين  دون  جدوى،  فتغضبُ  الملكة  لهذا  الأمر  كثيرا وتصيحُ : ( يا إلهي  مرَّ  أكثر من  أسبوع ، سوف  يموتُ  صغار النحل من الجوع ! . وتطلبُ  من العاملاتِ الشغالاتِ أن يُعاودنَ الكرَّة َ للعمل والبحثِ  عن الأزهار دون  تأخير أو  كسل .  
       فتخرجُ  النحلاتُ  العاملاتُ  من الخليَّةِ  ومعهنَّ عسليَّة ( النحلة الذكيَّة والنشيطة والمميَّزة عن باقي أفراد الخليَّة) والتي صمَّمَتْ وقرََّرتْ في قرارةِ نفسِها ألا ترجعَ للخليَّةِ  إلا بعد أن تجدَ ما يحلو لها من رحيق الأزهار البرّيَّةِ ..  وطارت النحلاتُ  العاملات  لمسافاتٍ غير  بعيدة  ولم  يجدن أيَّ  شيىء من الرَّحيق..فيرجعن للخليَّةِ بوجوهٍ شاحبةٍ جزينةٍ وبمعنويَّاتٍ محطمةٍ..ولكن عسليَّة طارت وابتعدت كثيرا إلى مسافاتٍ قصوى وبحثت وبحثت دون كلل  أو  ملل  حتى  بدأت  تشم  رائحة ً ذكيَّة  جدًّا واقتربت  كثرا  فرأت  أشجارا كثيرةً  وأزهارا  وورودا ، فقالت : كم  اشتقتُ  لهذهِ  الرائحةِ .. إنها  رائحة أجمل الأزهار..وبدأت عسليَّة ُ بفرح وحبور وبهجةٍ تمتصُّ الرحيق وتلتصقُ بجسدِها  حبيبات  اللقاح  بكلِّ  ارتياح  وطمانينة ...وبعد ذلك  تعودُ  وترجعُ مسرعة  ويرتفعَ طنينها  لتخبرَ أفرادَ الخليَّةِ  بالخبر السار . وعندما  اقتربت من الخليَّةِ بدأت ترقصُ رقصة اهتزازيَّة  فتلحق بها الشغالاتُ وطرن حولها  في فرح  وسرور . ويدخل  جوُّ المرح  والسعادة  والسرور  وتشرقُ  الحياة  ويتجدّدُ  النشاط  ُ والأملُ في مملكةِ  النحل ... وقد  فرحت وانشرحت الملكة    والعاملاتُ وجميعُ  أفرادِ الخليَّة .
  وتنتهي القصَّة ُ نهاية سعيدة  ومتفائلة .     

تحليلُ القصَّة : هذه  القصَّة ُ للأطفال  نسجتهَا  وصاغتها  الكاتبة ُ ( غادة  عيساوي ) بلغةٍ  وأسلوبٍ  السجع  المُنمَّق  وبجمل  مقتضبةٍ  ومعبِّرةٍ  وبلغةٍ عربيَّة فصحى مفهومة  وسلسةٍ وجميلةٍ  معاصرة بعيدة عن أسلوب  الجمود واللغو والفذلكة  ورصِّ الكلام  والتكلف الثقيل  والمُمِلّ الذي كان  متبعا  في عصرالإنحطاط ( التركي والمملوكي ) وقبل ذلك أيضا في العصر( الأموي والعباسي ). وربما أختارت الكاتبة ُ هذا النمظ واللون وهذا الأسلوب المنمق والمسجع وبطابع  حديث  وموديرني لإضافةِ  جماليَّةٍ  ورونق وإيقاع عذبٍ مموسق  للقصةٍ  بأكملها  ولترغيب   ولجذب  ولتحبب  الطفل  الصغير  في قراءتها  أو  للإستماع إليها  بشغفٍ وحبٍّ ولهفةٍ وانسجام ..وربَّما تكونُ هذه القصَّة ُهي الوحيدة َ للأطفال  باللغةِ العربيَّة  كتبت على طريقةِ السجع محليًّا  وحتى خاج البلاد . وهنالك الكثيرُ من قصص الأطفال التي نسجت وصيغت على طريقةِ  الشعر(  كتبت بالشعر الكلاسيكي التقليدي أو  شعر التفعيلة ) .  وأكبر  مثال على  روَّادِ  هذا  اللون  الذين  كتبوا  شعرا  كلاسيكيا  قصصيًّا للأطفل،مثل : أمير الشعراء أحمد  شوقي والشاعر والأديب السوري الكبير المرحوم سليمان العيسى .   
   وهذه  القصَّة ُ بالإضافةِ  إلى  جماليَّتِها ومبهجها الشكليَّة  وأسلوبها الأدبي  المُنمَّق القريب إلى  الشعر ( أسلوب السجع ) وبجملها القصيرةِ  والمقتضبةِ  فهي مكثفة وعميقة في معانيها وفحواها..تحملُ في طيَّاتِها  وتموُّجاتِها الكثيرَ من الأهدافِ  والأبعاد ، ومنها :  
1 – البُعد  التعليمي  والبيولوجي  .
2-  الأبعاد  الإنسانيَّة  والإجتماعيَّة .
3 – البُعد  الجمالي والفنِّي والأدبي .
4 –  البُعد الأخلاقي والمسربل بالمبادىء والذي  يهدفُ ويحثُّ على النشاط  الدؤوب  والمواضبة  على العمل ... إلخ .  

1 - بالنسبةِ  للبعد العلمي  والبيولوجي  تتحدَّثُ  الكاتبة ُ بالتفصيل عن النحل  وأنَّ  مكانهُ  ومسرحَ  حياتِهِ  بين  أحضان  الطبيعة  وقرب  الأنهار  والمياهِ العذبةِ  والأشجار  والأزهار  ذات  الرائحة  الزكيَّة  وبعيدًا عن  الضوضاء   والناس لكي ينجحَ ويستمرَّ في البقاءِ وينتج العسلَ ، والنحل  بطبيعتِهِ  يهربُ  من  الضجيج  والزحام  وأصواتِ  السياراتِ  والماكنات  وروائح  البانزين  والسولر  وغيرها  الكريهة  عند  النحل...  وتتحدَّثُ  الكاتبة ُ  بالتفصيل عن  مملكلةِ  وخليَّةِ  النحل  وأقسامها  وشرائحها وكوادرها المكونة من :                            1 -  الملكة    2 – العاملات الشغالات . 3 – الذكور . 4  - صغار النحل  . 
وتذكرُالكاتبة وظيفة كلِّ فئة في هذه الخليَّة ودورها والمشاكل التي قد تواجهُ هذه الخليَّة، مثل: قلة أوعدم وجود الأزهار والثمار لامتصاص الرَّحيق منها  لصنع  أقراص الشمع  والعسل  لغذاءِ  وطعام  جميع  أفراد  الخليَّةِ  والملكة أيضا . ووظيفة ُالعاملاتِ أيضا  بالإضافةِ إلى جني الرَّحيق  واللقاح وصنع العسل  الدفاع  عن أفرادِ الخليَّة ِ من أيِّ  خطر  خارجي، وقسمُ  منهنَّ  يقمن  بوظيفة التهوئةِ  أيام الصيف...وفي الحراسة وغيرها  .
  ووظيفة الملكة :هي أمٌّ  لجميع أفرادِ الخليَّة وهي التي تنجبُ النحلَ  جميعَهُ  كلَّ عام، والذي منهُ يتفرَّغُ جميعُ أنواع  وكوارد النحل:( العاملات  والذكور والملكات  والصغار  فالكل  من  نسلها ) .  ووظيفة ُ الذكور اللحاق  بالملكةِ  وتلقيح الملكة لاستمرارالنسل ولبقاء النحل وعدم  انقراضهِ واستمرار صنع العسل .. إلخ ...وهذه معلوماتٌ  قيِّمة وهامَّة ٌ للطفل الصغير الذي  قد  يجهلُ هذه الأشياء ..فهذه القصَّة ُ تعطيه كلَّ المعلوماتِ عن  النحل  وحياتهِ  وبيئتهِ وطباعهِ وسلوكهِ وعاداتهِ ..وكيف يجني العسلَ وكيف يصنعُ أقراصَ الشمع بشكل هندسيٍّ على شكل ثقوبٍ  سداسيَّة  يضعُ  فيها العسلَ لأجل غذائِهِ  في فصل الشتاء . 
2 – البعدُ التعليمي والتثقيفي والأخلاقي  : 
     تريدُ الكاتبة ُ أن  توضِّحَ  للجميع  بأنَّ  النحل َ يعتبرُ  حشراتٍ  إجتماعيَّة  ومتحضرِّة ( على لسان الملكة التي هي أمٌّ الجميع  في الخليَّة ) وأنَّ  الجميعَ  عبارة ٌ عن  جسم واحدٍ  يعملُ  في  انسجام  وبشكل هيرموني  متوازن  ولا  يستطيعُ  أيُّ  عضو الإستغناءَ  والتخلِّي عن الآخر، ولكلِّ شريحةٍ  وفئةٍ  في الخليَّةِ  دورُهَا ووظيفتها وأهميَّتها - كما  ذكرَ أعلاه .. وأيُّ شريحةٍ وفئةٍ من افرادِ الخليَّةِ  تفتقد أو  تتفرَّق  فيكون مصيرُ الخليَّةِ  والمملكةِ جميعها الهلاك  والإنقراض .  وهذا الأمرُ  قد  ينعكسُ على الإنسان ... فالإنسانُ هو مخلوقٌ إجتماعي ( كما عَرَّفهُ  العلماءُ والفلاسفة  منذ  آلاف السنين )  ولا  يستطيعُ  الإنسانُ  العاقلُ  أن  يحيا  ويعيشَ  لوحدِهِ  من   دون  الإختلاط  والإنخراط مع الآخرين إلاَّّ  إذا  كان  يُعاني  من إعاقاتٍ  وتشوُّهاتٍ  جسديَّة  أو  تخلّف عقلي .... وبالتعاون المشترك   وبالأهدافِ  المشتركةِ   والموحَّدة   والبناءةِ  والمُثلى  يتمُّ  النجاح  والتقدُّم  والرُّقيُّ  وتحقيق الأهداف والأحلام  المنشوده  والعمران والتألُّق  والإبداع ... كما هو الأمر مع خليَّة النحل .     فالمجتمعاتُ  والتجمُّعَاتُ  الإنسانيَّة  إذا  كان  يسودُهَا  جوُّ  المحبَّةِ  والودادِ  والتفاهم، وكان بين الجميع التعاونُ  والإنسجامُ  الهيرموني  فستحقق النجاحَ  في كلِّ الميادين  والمجالاتِ ...وأما  إذا اشتغلَ  كلُّ  شخص  بشكل إنفرادي  وأنانيٍّ وبعشوائيَّةٍ  مريضةٍ  فيصعبُ جدًّا على  كلِّ  شخص  الحصولَ على  النجاح  المطلوب.. وسيصابُ  المجتمعُ   وكلُّ   مجتمع  مهما  كان  مستواهُ الحضاري  تسودُهُ  الانانيَّة   وروحُ   الإنفراديَّةِ  والتشنج   الفكري   الأناني المريض  بالتقهقر والتصدُّع  في نسيجهِ  وبنائهِ الإجتماعي  وسيتراجع  في رقيِّهِ  وتقدُّمِهِ .  
4 - القصَّة ُ تعلمُ الإنسانَ المواضبة َ والكدَّ والجُهدَ وعدم الكسل  والإحباط ، وعليهِ ألا  ييأسَ  ويفقدَ  الأملَ  وأن  يعيدَ  الكرَّة  باسمرار  فالإنسانُ  بسعيهِ الدؤُوب  والمتواصل  سيحققُ  الغاياتِ  المنشودة  والمثلى التي  يتوقُ  إليها ( روح التحدِّي بشرف ونزاهة ) .  تتحدَّثُ  القصَّة ُعن حبِّ الحياةِ  والجمال والإبداع والكفاح لأجل الحياةِ الشريفة  الهادئة  المترعة  والمشعَّة  بالأجواءِ العذبة  والساحرة والخلابة.. وترمزُ  وتشيرُ القصَّة ُ إلى صراع البقاءِ بشكل شريفٍ وإنسانيٍّ وحضاري  متناغم  ومنسجم  مع  قوانين الطبيعة  والمشيئة الإلهيَّة  وليس بالعنفِ والقوَّةِ  والصراع والخلاف والقتل . فالكاتبة ُ تريدُ أن  تقولَ  لكلِّ طفل ولكلِّ  شخص : إعمل  واتعب  وكدْ   بشرفٍ   وجهدٍ  تجد .   
5 - البعدُ الأدبي والجمال والفني : هذه القصَّة ُ كما ذكرَ أعلاه  لغتها جميلة ٌ  وعذبة ٌ وسلسة ٌ وَمُمَوسقة ٌ وبأسلوبِ  السجع  وتحليها  التوظيفاتُ  البلاغيَّة  والمستحسنات البديعيَّة والتي  جاءت  خفيفة َ الظلِّ  وبشكل  مهضوم  وليس بشكل ثقيل ومُمِلٍّ . والقصَّة ُعميقة في معانيها وتتجلى فيها الأبعادُ الإنسانيَّة والفلسفيَّة،وكلماتها وألفاظها حلوة ٌوجميلة ٌومعانيها رائعة وصادقة ٌ وتثقيفيَّة وتعليميَّة . 
6 - الجانبُ  الترفيهي  والمُسَلِّي : القصَّة ُ تجذبُ الطفلَ  والقارىءَ ليسمعَهَا أو يقرأهَا بشغفٍ  وحبٍّ  وتمتع  .
7 - الجانب الفانتازي - الخيالي :  وهذا  جانبٌ  وركنٌ  هامٌّ ،  وخاصة  في  مجال  قصص  الأطفال  ليضيف َ للقصَّةِ  جماليَّة ً وروعة ً ورونقا  وسحرا  ونكهة وبهجة ً لذيذة ً للجميع ( القارىء  والمستمع ) . ( والأدب  بشكل عام بمفاهيمه وأبعادِهِ  حسب رأي معظم الأدباءِ  والنقاد - الأجانب والعرب: هو الكلامُ الجيدُ  الذي يُحدِثُ في نفس القارىءِ  لذة ً فنيَّة ً سواء  كان  هذا الكلامُ  شعرا  أو  نثرا ) .
وأخيرا وليسَ آخرا : - هذه القصَّة ُجميلة ٌ وناجحة ٌ بكلِّ المقاييس  والمفاهيم النقديَّةِ الأدبيَّةِ والفنيَّةِ..وتستحقُّ أن تُدَرَّسَ  للأطفال في كلِّ مكان وأن تُترجمَ  للغاتٍ أجنبيَّة  عديدة  لقيمتِهَا  وأهدافِها الهامَّة ولمفاهيمها  وأبعادِها الإنسانيَّةِ  والعلميَّةِ  والتعليميَّةِ والأخلاقيَّة  الرائعة .  
                                    (  بقلم : حاتم  جوعيه  -  المغار - الجليل )

شجرة الميلاد "الكريسماس"/ لطيف شاكر

شجرة الكريسماس أحد أهم ملامح الاحتفال برأس السنة وهو تقليد قديم ، فنجد الكثير يشترون هذه الشجرة بالرغم من أسعارها الغالية ويضعوا عليها الزينة والأنوار البديعة احتفالا ببهجة عيد الميلاد المجيد

و قد اختلفت القصص التي تحكي عن أصل تلك الشجرة وتتعدد الروايات التي تحاول نسب الشجرة إلي بلدة يري أهلها أنهم أول من اكتشفوا الشجرة‏ .
ويعود استخدام الشجرة حسب بعض المراجع إلى القرن العاشر في انجلترا، وهي مرتبطة بطقوس خاصّة بالخصوبة، حسب ما وصفها أحد الرحّالة ، و هذا التقليد ما لبث أن انتشر بأشكالٍ مختلفة في أوروبا خاصّة في القرن الخامس عشر في منطقة الألزاس في فرنسا، حين اعتبرت الشجرة تذكيراً ب"شجرة الحياة" الوارد ذكرها في سفر التكوين، ورمزاً للحياة والنور ( ومن هنا عادة وضع الإنارة عليها )

كما تشير إحدى الموسوعات العلمية، إلى أن الفكرة ربما قد بدأت في القرون الوسطى بألمانيا، الغنية بالغابات الصنوبرية الدائمة الخضرة، حيث كانت العادة لدى بعض القبائل الوثنية التي تعبد الإله ( ثور ) إله الغابات والرعد أن تزين الأشجار، ثم تقوم إحدى القبائل المشاركة بالاحتفال بتقديم ضحية بشرية من أبنائها . وفي عام 727 م أوفد إليهم البابا بونيفاسيوس ( مبشرا، فشاهدهم وهم يقيمون احتفالهم تحت إحدى الأشجار، وقد ربطوا ابن أحد الأمراء وهموا بذبحه كضحية لإلههم ( ثور ) فهاجمهم وأنقذ ابن الأمير من أيديهم، ثم قام بقطع تلك الشجرة و نقلها إلى أحد المنازل و من ثم قام بتزيينها، لتصبح فيما بعد عادة ورمزاً لاحتفالهم بعيد ميلاد المسيح، وانتقلت هذه العادة بعد ذلك من ألمانيا إلى فرنسا وإنجلترا ثم أمريكا، ثم أخيرا لبقية المناطق، حيث تفنن الناس في استخدام الزينة بأشكالها المتعددة والمعروفة . وقد تمّ تزيين أول الأشجار بالتفاح الأحمر والورود وأشرطة من القماش، لكن أول شجرةٍ ضخمةٍ كانت تلك التي أقيمت في القصر الملكي في إنكلترا سنة 1840، وكان ذلك في عهد الملكة فيكتوريا، ومن بعدها انتشر بشكلٍ سريع استخدام الشجرة كجزءٍ أساسيّ من زينة عيد الميلاد
وعقب اختراع توماس أديسون للكهرباء أضيئت أول شجرة علي يد إدوارد جونسون عام‏.1882
وقال البعض أن الصلة واضحة تمامًا؛ فما شجرة الميلاد بمصابيحها المتلألئة (أو قديما بشمعاتها المتوهجة) الا العليقة التي رآها موسى النبي في البرية وهي مشتعلة نارًا ولا تحترق..  والعليقة (خروج 3) كانت ترمز للعذراء مريم التي حملت في بطنها الأقنوم الثاني بناسوته المتحد بلاهوته الناري ولم تحترق. لذلك فالعُلِّيقة حملت سر التجسد الإلهي.
أما الرواية الفرعونية لشجرة الميلاد فترجع إلي الملكة إيزيس التي كانت تبحث عن زوجها أوزوريس ووجدته علي شواطئ لبنان فقامت عشترت ملكة لبنان بإهدائها تابوت أوزوريس وقد أحاطت به شجرة وظهرت هذه الشجرة في أعياد الرومان ثم في أعياد المسيح‏ .
والرواية الفرعونية تمثل في الاساطير الفرعونية القديمة صراع البشرية بين الخير والشر, وكان طرفي النزاع فيها هما "ست" الذي كان رمزا لاخطاء البشرية وشرورها فعبروا به عن الشر والخيانة والحسد, أما الطرف الثاني هو" اوزوريس" الذي كان علما علي الحياة المتجددة, وتقول الاساطير انه كان ملكا صالحا مرسل من الاله رع لاقامة العدل وحمل تعاليم السماء الي الارض.
وتحكى الاسطورة كيف غدر" ست "بأخيه  "اوزوريس "الذي كان يبغض فيه الجمال والحكمة والخير. فمكر به ودبر مكيدة للقضاء عليه فاتفق مع اعوانه من آلهة السوء والشر ان يقيموا له حفلا تمجيدا لاعماله الخالدة وتكريما لذاته وذلك بنية الغدر به ..
فأعدوا تابوتا جميلا كسوته من الذهب وزعم ست بانه يقدم هذا التابوت النفيس هدية منه لاي من الحاضرين الذي يأتي علي مقاسه ويناسبه, وهكذا جرب كل الحاضرين حظه في التابوت دون جدوي , حتي جاء دور" اوزوريس" وما ان رقد حتي اغلق "ست" واعوانه عليه الغطاء ثم حملوا التابوت والقوه في النيل , فحمله التيار حتي وصل الي الشاطئ الفينيفي بمدينة بيبلوس بجوار شجرة ضخمة وارفة الظلال حوت التابوت في احضانها بامان .
وكان في بيبلوس هذه ملكة جميلة هي الالهة عشتروت التي خرجت ذات يوم تتريض فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة فوقفت مشدودة من الدهشة وأمرت بنقلها الي حديقة قصرها .
اما "ايزيس" الحزينة والتي استبد بها الفراق فذهبت تبحث عن زوجها الحبيب اوزوريس وهي باكية بدموعها المدرارة من عينيها علي شاطئ النيل فسقطت دموعها وامتزج بالنيل فحدث الفيضان , وكان الفراعنة ينسبون الفيضان الي دموع ايزيس
وبينما كانت ايزيس تجلس بين سيقان البردي في مستنقعات الدلتا وقد انهكها التعب انصتت الي صوت رياح الشمال وهي تهمس في اذنيها بان الاله اوزريس ينتظرها علي شاطئ بيبلوس ,الذي حملت عنه رسالته اليها ومضت" ايزيس "الي بيبلوس ودخلت علي الملكة عشتروت التي اأكرمت وفادتها واتخذتها نديمة لها ,وكانت ايزيس كلما اقبل المساء تحول نفسها بقوتها السحرية الي نسر مقدس فتحلق في السماء وتحوم حول الشجرة تناجي روح زوجها . ثم حدثت المعجزة وحملت "ايزيس" من روح "اوزوريس". فحملت الطفل حورس في احشائها ورجعت الي ارض مصر حيث اخفته بين سيقان البردي في احراش الدلتا الي ان كبر وحارب الشر واعوانه وخلص الانسانية من شرور "ست" .
وبعد ولادة حورس عادت ايزيس الي بيبلوس وارادت عشتروت الملكة مكافأتها فطلبت منها ايزيس ان تهديها جذع الشجرة الذي يضم تابوت زوجها فاهدته لها, وامرت حراسها ان يحملوا جذع الشجرة الي سفينة اعدتها لها, لتحملها هي وشجرتها المقدسة وتبحر بها الي ارض مصر.
ولما وصلت ارض مصر اخرجت الجثة من تابوتها ونفخت فيها من انفاسها فردت اليها الحياة , فباركها اوزوريس هي وابنها حورس ثم صعد الي السماء, ليعتلي العرش ويصير ملكا للعالم الاخر ورئيسها لمحكمة الاخرة وقيما علي الجنة والنار .
وكان عيد الميلاد .. أو عيد أوزوريس وتمثيل الاله وقيامته من أعز ما يحتفل به المصريون ومن أهم أعيادهم الدينية نسبة الي حورس من روح الاله . 
وكان يحتفل بهذا العيد في أول شهر كيهك( كا هي كا ) أي" روح علي روح "الذي سمي بهذا الاسم نسبة الي ميلاد حورس من روح الاله , وهو رابع أشهر التقويم المصري حين تنحسر مياه الفيضان فتعود الخضرة الي الارض التي ترمز الي بعث الحياة وقد اصطلح المصريون القدماء علي تهنئة بعضهم البعض بقولهم "سنة خضراء" وهي من الاصطلاحات العامية التي عبرت القرون ومازالت تعيش علي شفاهنا .
ومن اسطورة الثالوث المقدس او اسطورة الميلاد نري ان اوزريس قد عاش ومات وردت اليه الحياة ثانية فأصبح شجرة خضراء لذا كان المصريون القدماء يرمزون للحياة المتجددة بشجرة خضراء.
وكان اهم تقاليد عيد الميلاد عندهم الاحتفال بشجرة الحياة التي يختارونها من الاشجار الدائمة الخضرة ,التي تحتفظ بخضرتها طوال العام وقد سرت هذه العادة من الشرق الي الغرب فخرجت من مصر ومنها الي بابل ثم عبرت البحر المتوسط لتظهر في اعياد الرومان ,ثم تعود لتظهرر مرة اخري في اعياد ميلاد السيد المسيح وشجرة الكريسماس الخضراء ,والتي يختارونها من الاشجار التي تحتفظ بخضرتها طوال العام كالسرو والصنوبر.
وقد فرض عيد ميلادالسيد المسيح نفسه علي العالم كله ليشترك الجميع ببهجة المولود العظيم في مزود حقير حاملا معه شجرة الحياة او شجرة الكريسماس الي انحاء الكون بكل طوائفه واجناسه واشكاله حاملا السلام والخيرالمتمثل في الشجرة الخضراء.
وعادة نستخدم كثير من الزينات باشكالهاالجميلة والوانها الجذابة وانوارها الرائعة كل عام, الا ان كل من هذه الزينات والالوان لها معني خاص وتشير الي حقيقة الاصل الحقيقي والمرموز اليه واليك الرمز والمعني : 
فالنجمة التي نضعها فوق الشجرة تمثل النجمة التي ظهرت للمجوس مرشدة اياهم الي مزود مولود بيت لحم 
اما الاجراس التي نعلقها في الشجرة ونزين بها البيوت تستخدم كرمز للعثور على الخروف الضال. 
اما الشموع فتعبر عن السيد المسيح نور العالم وايضا تعلمنا ان نكون شموع مضاءة وسط عالم حالك بالظلام.  اماعجاز بابا نويل فيمثل عصا الراعي. والجزء المعقوف او الملتوي من العصا يستخدم لجلب الخروف الضال, "ان لم تكن راعي كن عجاز الراعي ".
اما الالوان وغالبا نستخدم الاحمروالاخضروالابيض فالاحمر اشارة الي الفداء والتضحية حتي الدم اما اللون الاخضر للشجرة الصنوبر دائمة الخضرة طول ايام السنة، تعطينا الامل في شباب الروح المتجدد دائما ولانذبل بفقدان الرجاء والأمل . والابيض يمثل صفاء القلب ونقاوته. اما شكل الشجرة الابري واتجاهها نحو الاعالي فترمز الى الصلوات المتجهة نحو السماء وكأنهاتردد مع صوت الملائكة: ولنرنم جميعا "المجد لله في الاعالي وعلي الارض السلام وبالناس المسرة "