المقاومة بين تهويل القوة وقوة الحق/ د. مصطفى يوسف اللداوي

المقاومة العربية والفلسطينية ليست قوة عظمى، تملك جيوشاً جرارة وأسلحة فتاكة، وقدراتٍ خيالية وامكانياتٍ جبارة، وهي لا تملك طائراتٍ ولا مطاراتٍ، ولا صواريخ بعيدة المدى ولا قنابل مدمرة، ولا يوجد بحوزتها أسلحة دمار شامل ولا أخرى محرمة دولياً، وهي غير قادرة على مواجهة دول ومحاربة جيوش، ومجابهة أحلافٍ وقوى، إذ أنها ليست جيشاً ولا تملك فرقاً وألوية، ولا يوجد عندها فيالق ولا قطاعاتٍ حربية، ولا يحمل رجالها رتباً عسكرية، ولا يعلقون على صدورهم أوسمةً ونياشين حرب، وشهادات معاركٍ وقتال، فهي ليست قوة أسطورية فوق الخيال، ولا هي قدرة خرافية يعجز عن وصفها العقل واللسان.
وهي لا تملك مؤسسات دولة، ولا أجهزة استخباراتٍ عالمية، ولا تنسق مع الدول، ولا تتبادل المعلومات مع الأنظمة، ولا تجري مناوراتٍ عسكرية مشتركة ولا أخرى بالتنسيق مع غيرها، ولا تملك أكاديمياتٍ عسكرية ولا معسكرات تدريبٍ علنية، وهي ليست حرة في حركتها، ولا قادرة على تحريك قواتها، أو كشف ما لديها وبيان أسماء عناصرها وقادتها، وهي ليست قوة دولية قادرة على تغيير موازين القوى، وإعادة رسم الخرائط، وتغيير الحدود، وفرض السياسات، وصناعة الأحلاف، وخلق الوقائع التي تريد، وهي قوة لا ترهب، وقدرة لا تخيف، وسلاحٌ لا يخرب، ورجالٌ لا يفسدون.
لذا ينبغي على المؤمنين بالمقاومة والداعمين لها، والذين يأملون بها ويثقون فيها، ويتطلعون إليها أو يعملون في صفوفها، ألا يحملوها فوق طاقتها، وألا ينتظروا منها عمل المستحيل، والانتصار الحاسم، والانجاز الدائم، وألا يصابوا بخيبة أمل إذا عجزت أو ضعفت، أو تراجعت وانكفأت، أو استجمت واستراحت، طالما أنها على الطريق نفسه، تمضي على الدرب، وتحمل الأهداف، وتتطلع إلى الغايات، فلم تبدل ولم تغير، ولم تنحرف ولم تضل، ولم تتنازل ولم تعترف، ولم تصالح ولم تهادن.
فالمقاومة التي تواجه دولاً وجيوشاً، واستعماريين ومستوطنين، تتعرض إلى حالات مدٍ وجزرٍ، وقوةٍ وضعف، وتتقدم وتتراجع، فهي ليست في صعودٍ مستمر، ولا هي في هبوطٍ دائمٍ، بل تعتريها حالات، وتمر في ظروفٍ ومراحل، تملي عليها نتائج ومعطيات، فلا ينبغي أن نحملها فوق طاقتها لئلا نحبط، ولا أن نعتقد بغرورٍ أنها دوماً قادرة، وذلك لئلا نصدم أو نصاب بخيبة أمل إن عجزت عن تحقيق أهدافها، أو هزمت أمام ضربات العدو الماكرة والخبيثة، والدائمة والمتلاحقة، والمنظمة والمركزة.
يجب علينا أن نحذر عدونا والمتآمرين علينا، الذين يحاولون تصوير المقاومة بأنها قوة عظمى أشبه بالجيوش والدول، وأنها قادرة على تشكيل خطرٍ حقيقي، والحاق خسائر كبيرة به، وأن إمكانياتها ضخمة ومهولة، وأنها تهدد وجودها وتعرض مستقبلها وحياة مواطنيها ومصالحها للخطر. 
إنهم بذلك لا يمدحون المقاومة ولا يشيدون بها، ولا يبدون خوفهم منها ولا قلقهم من مواجهتها، ولا يرعبون أنفسهم وشعبهم منها، بل هم يحرضون المجتمع الدولي عليها، ويهيئونه لتقبل أي ضربةٍ عسكرية قد يوجهونها إليها، على اعتبار أنها ضرباتٌ استباقية وقائية مشروعةٌ لمنع الخطر، واحباط المخططات المعادية، وأنها ضرورة ملحةٌ، وخيارٌ لا بد منه، تلجأ إليه كل الدول والحكومات لمواجهة الأخطار التي تحدق بها.
كما أن العدو الذي يهول قوة المقاومة، ويصورها بأنها قادرة ومتمكنة، وتملك إمكانياتٍ كبيرة، يريد من خلال فشلها أو عجزها، أو تراجعها التكتيكي وانكفائها المرحلي، أو تأخر انتقامها وضعف ردها، أن يحبط الشعب، وأن يضعف ولاءه له وإيمانه بها، وأن يفضهم من حولها، فلا يؤيدونها ولا يدعمونها، ولا يؤازرونها ولا يساعدونها، ولا يثقون فيها ولا يأملون بها، ليدفعهم بذلك للبحث عن خياراتٍ بديلةٍ وحلولٍ أخرى، لا تقوم على القوة، ولا تعتمد المقاومة.
لكن المقاومة التي تفتقر إلى كل ذلك من الأسلحة المادية وأدوات التغيير القاهرة، ومظاهر الظلم السافرة، ومفردات القهر الفاسدة، إلا أنها تبقى الأمل الحقيقي، والوسيلة الأقوى والأجدى، فهي ليست ضعيفة وخرعة، ولا مسكينة ومستكينة، ولا خائفة وخائرة، ولا جبانة وهاربة، بل هي قوية بالإيمان الذي تحمل، وبالعقيدة التي تقاتل بها، وبالحق الذي تدافع عنه، وبالقضايا التي تناضل من أجلها، وتضحي في سبيلها، ولعلها بهذا السلاح الذي لا يقهر ولا يهزم، ولا يضعف ولا يتراجع، ولا يجبن ولا يتردد، تخيف العدو أكثر مما تخيفه الجيوش، وتربكه أكثر من الدول، وتلحق به خسائر في معاركها الصغيرة أكثر من تلك التي تلحق به جراء الحروب والمعارك الرسمية الكبرى.
المقاومة العربية على أشكالها وتعدد أسمائها قويةٌ بالمثل والمبادئ، وبالقيم والأخلاق، وبالشيم والمزايا، وبالمناقب والسجايا، وبالرجال الذين يحملون أرواحهم على أكفهم ويضحون، ويتقدمون ولا يبالون، ويسبقون ويتنافسون، وبالنساء الماجدات اللاتي يربين أولادهن على التضحية والفداء، والمقاومة والقتال، فلا تذرف لهن عين، ولا يلطمن لحزنهن خد، ولا يشققن لعظم الخطب جيب، بل يدفعن أولادهن إلى كل مجد، ويشجعنهم لكلٍ مكرمةٍ ومفخرة، وبالأخوات الصابرات المؤمنات، المعطيات الشريكات، الدافعات المشجعات، المكفكفات المعزيات، اللاتي يتطلعن إلى النصر، وينظرن بفارغ الصبر إلى الثأر والانتقام.
المقاومة قويةٌ بالشعب الصابر المعطاء، العظيم المفضال، الخفي المتواري، البسيط المتواضع، الساكن في أسماله، والمرابط فوق ترابه، والمسكون بكل آلامه وآماله، الذي لا يضج ولا يشكو، ولا يئن ولا يصرخ، ولا يخنع ولا يركع، القابض على الجرح، والساكت على الألم، المكابر الجلد، الشجاع الهصور، المكابد المعاني، الذي يحمي المقاومة بلحمه الحي، ويدافع عنها بصغاره وأطفاله، ويسكنها بيته، ويخفيها تحت دثاره، ويربط على بطنه من الجوع، ويصبر على الحصار والقيد، ويجاهر رغم الدم المهراق، والجرح الغائر، والمصاب العظيم، بحقه الأصيل، ومجده التليد، وكرامته العزيزة، وهو بهذا العنصر الأقوى، والعدة الأبقى، والسلاح الأمضى، وورقة الرهان الأقوى، وبارقة الأمل الأسنى.
المقاومة العربية قويةٌ بقرارها الحر الصادق، وبإرادتها المخلصة الغيورة، وبقيادتها العاملة في الميدان، المعفرة بغبار الأرض، والمصبوغة بترابها العبق، التي تعرف متى تضرب وأين، وكيف تواجه ومن تقاتل، فقرارها حرٌ غير مرهون، وسياستها مستقلة غير تابعة، وإرادتها طليقة غير مقيدة، وقتالها لحقٍ غير مشروط، ولغايةٍ غير مشبوهة، ولأهدافٍ كلها نبيلة، تعرف أنها تقاتل عدواً فتقوى، وتقاوم مغتصباً فتسمو، وتجابه محتلاً فتصفو، وتبذل أرواحها في المعركة ولكنها تربو، وتقاتل بحقٍ وإلى الجنة تصبو. 

ومض أم شرار؟/ جواد بولس

وصف كثيرون تشكيل القائمة العربية المشتركة باللحظة التاريخية، وبنى عليها البعض آمالًا أكبر من أحلام مراهق.
لم أكن من مشجّعي هذا الخيار لأسباب أتيت على ذكرها في مقالات سابقة، وكنت أفضل أن تتنافس قائمتان كبيرتان على أصوات العرب واليهود الديمقراطيين، بعد ضمان تنسيق وطيد بين القائمتين يتعدى الاتفاق التقني حول فائض الأصوات الذي قد يثمر بزيادة الأعضاء المنتخبين عضوًا آخر.
ربما أحس أعضاء لجنة الوفاق أن السياسيين أكثر مخلوقات الأرض تحايلًا على عوامل الانقراض التي تعتري مستقبلاتهم، وهم مهرة  في فن البقاء وفنانون في لعبة الكراسي ومسارح الظل، ولذلك، رغم كل الانتكاسات التي برزت خلال محاولات تشكيل القائمة المشتركة، نجحت اللجنة، أخيرًا، بالتوفيق بين الفرقاء، خاصة أنه، مع صدور قرار حل الكنيست الإسرائيلية وتحديد موعد للانتخابات العامة ورفع نسبة الحسم، أشاع من أشاع أن المعادلة الوحيدة الممكنة، لإنقاذ الوجود السياسي العربي في البلاد، كما فرضها الواقع، وروّج لها البعض، وخاف من تجاهلها آخرون، هي أن يدخل كل العرب تحت خيمة واحدة، وإلّا سيقضي عليهم هجير الفرقة.
يؤمّل دعاة القائمة الواحدة أن التوافق بين قادتها سيؤدي، حتمًا، إلى رفع نسبة المصوتين العرب، وبالتالي زيادة عدد النواب المنتخبين عن عددهم اليوم. لن يكون ذلك مستحيلًا، ولكن، كي يصير ذلك ممكنًا، على القادة جسر كثير من الهوّات التي خلّفتها حروب القبائل، وندوب سيوف فوارسها ما زالت محفورة على جبين جماهيرنا وخدود الوطن. فما نفثه هؤلاء القادة في العقدين الأخيرين من سموم في حقول بلادنا وما زرعوه من قتاد وتشكيك، ما زال يعيق حماسة كثيرين للالتحاق بهذه المسيرة، التي بدت فيها الجياد وكأنها تتسابق على الصدارة وإنقاذ من على ظهورها، يمسكون بالرسن.    
قد تكون تلك أصعب المهام وأكثرها إلحاحًا، خاصةً، بعدما ضبط قرار نتنياهو المذكور، معظم الأحزاب والحركات العربية وهي في حالات صراعات داخلية، وأقسى منها تلك التي كانت تدور بين الأحزاب وبعضها؛ إلى ذلك، فإنني أرى أن مهمة إقناع كثيرين من الناخبين "المبدئيين"، ليست أقل أهميّة، من المسألة الأولى، فالبعض يبدي تململًا واضحًا وميولًا لعدم المشاركة في الانتخابات أو بالتصويت بورقة بيضاء. إن إهمال موقف هؤلاء قد يفاجئ من ينتظر أمواج الناخبين تتهادى على شواطئ صناديق الاقتراع، فعلى قادة الجبهة، مثلًا، أن يعملوا بجهد كي يقنعوا جبهويين لن يستسيغوا التصويت لابن الحركة الإسلامية، حتى لو كان الثمن عدم قبولهم بتبعات وحدة "بلاستيكية"، وكذلك سيكون على قادة الحركة الإسلامية ان يقنعوا مؤمنين لن يصوتوا إلى حزب شيوعي، تمثله امرأة ويهودي، فإرضاء الرب عندهم، أولى من تفريح عبده، وإن كان ذلك غير كاف، فيجب أن لا يخفى، موقف تجمعيين تربوا، في العقد الأخير، على أن أحمد الطيبي، يشكل خطًا أحمر،لا يُقترب ولا يؤمن له جانب.
أمّا عقدة النجّارين فستبقى، من دون شك، تلك الآلاف من الناخبين الذين يقاطعون الانتخابات، إمّا امتثالًا لموقف قادة الحركة الاسلامية الشمالية، أو قبولًا  لدعوات حركة أبناء البلد التقليدية التاريخية، أو أولئك المستاؤون من تصرفات قيادات الجماهير العربية لسنين خلت، وآخرون فقدوا ثقتهم بالدولة ومؤسساتها "فأناخوا إبلهم" واستراحوا.
لن تتحرّك هذه الآلاف ولن تعدل عن مقاطعتها للانتخابات، فقط لأن الأحزاب الأربعة استشعرت خطرًا على استمرار وجودها في الكنيست، ممّا "اضطر" قادتها وبعدهم أعضاؤها، إلى"التعربش" على الأسوار والاستجارة بدالية دانية قطوفها! فالمنطق معاكس، ويجب أن يقود من آمن، كل لأسبابه، بوجوب عدم وجود العرب في الكنيست، أن يتمسك اليوم أكثر بموقفه، وأن يعمل أكثر لإحباط مهمة من يريد زيادة عدد نوّابه في الكنيست الإسرائيلي؛ وعليه نسأل هنا، ماذا فعلت هذه الأحزاب في السنوات الماضية كي تفنّد مزاعم من ادعى أن المقاطعة نضال وطريق، وصرّح أن تحريم التصويت واجب وموقف وطني وديني سليم؟ هل في مقدور هذه الأحزاب، ولم يبق ليوم الانتخابات إلّا بضعة أسابيع، أن تنجح بما فشلت فيه طيلة عقدين؟
في مقالة سابقة حذرت من إمكانية نشوء أحزاب مغايرة لأنماط الأحزاب الناشطة بين العرب في البلاد، وستكون، بالطبع، أدوات تمثل قوى سياسية واجتماعية نمت وتنمو في مجتمعاتنا. 
من إرهاصات تلك الظاهرة، قد تكون انتسابات بعض الأكاديميين والشخصيات الشعبية المقبولة في أوساط عربية عريضة، إلى الأحزاب الصهيونية، وتزاحم هؤلاء على تمثيل تلك الأحزاب في الكنيست القادمة. ربما  كانت الأبرز، في هذه المعركة، شخصية الإعلامي زهير بهلول، الذي انضّم من موقعه السابق، كإذاعي عربي معروف، وكصديق حميم لمعظم القادة الوطنيين والإسلاميين، مباشرة إلى قائمة حزب "المعسكر الصهيوني" وهو كائن يجمع "مجد" الصهيونية من قرونها.     
خطوة السيّد بهلول تستحق أكثر من همسة، ولكن ما لفت انتباهي هو صمت جميع القياديين عن هذه الخطوة، ربما بدأ بعضهم يؤمن أن عدوًا عاقلًا خير من حليف جاهل، خاصة بعد أن بادر السيد بهلول وعقد لحزبه اجتماعًا واسعًا حض فيه الحضور واستنهضهم من أجل إنجاح حزب "المعسكر الصهيوني" وبارك بنفس الوقت، القائمة المشتركة وتمنى لها النجاح! 
لم تبدأ القضية مع خطوة زهير بهلول ولن تنتهي بها، بل هذه حالة أخرى من حالات السراب العربي المنتشر، وإغفال القادة ما استجد بين الجماهير من تطوّرات وقضايا، بعضها أسميته "ديليما" (المعضلة)، وهي تستصرخ معالجة وتبكي على المواقف؛ فهل ستقدر القائمة المشتركة على تسمية الأشياء بأسمائها؟ وهل هي قادرة على الإجماع حول تشخيص أمراضنا كي تجمع على نوع الدواء وكيف قد يكون الخلاص؟  
أتمنى ذلك وأخشى، فلقد صدر عن القائمة المشتركة واسمها "ومض"، حتى الآن، بيانان؛ فسّر الأول بالنيابة عن دوف حنين الجبهوي،ما تعني له حرية التعبير، وتضمّن الثاني، ما أجمعت عليه الأحزاب من شعارات ومواقف.
أنصح من لم يقرأ البيانين أن يفعل، ليتحقق، هل حقًا ولدت قائمة عربية يهودية موحدة قادرة على حماية مستقبلنا؟ أم هي ومضة عربية عابرة  و"إيلاف"عصري بين قبائلها؟ وسيتبع...   

السعودية ما بعد الملك عبد الله/ راسم عبيدات

 رحل الملك السعودي عبدالله،وجرت التعيينات والمناقلات بسرعة قياسية،وطبعاً المناصب والمراكز القيادية،يبدو انه جرى التوافق عليها بين قيادات العائلة الحاكمة مسبقاً،فنحن في نظام توريثي،وهذا يعني بأن سياسة الخلف ستكون إستمراراً لسياسة السلف،وإن حدثت تغييرات فهي لن تمس مفاصل السياسة الخارجية السعودية،وحتى التغييرات أو البصمات الجديدة للحاكم الجديد في الإطار الداخلي،تبقى محدودة ومحكومة بفكر وهابي يسير عليه قادة المملكة،فمن غير المستبعد أن يجري تغيير على سبيل المثال فيما يتعلق بحقوق المرأة بالإنتخاب والتصويت والترشيح،او حتى الحق المرأة بقيادة السيارة مثلاً.

السياسة الخارجية والمواقف السعودية من الملفات الدسمة والكبيرة،والتي لها صلة بموقع المملكة وامنها وإستقرارها ومصالحها ودورها ونفوذها في المنطقة،لن تطالها تغييرات جوهرية،فالذين ورثوا الحكم من الأباء او الأبناء او الأحفاد،لديهم محددات واضحة،هي بمثابة الدستور الذي يصير على هديه الجميع،ومن يخرج عن ذلك سيجد نفسه خارج الحكم،ولربما خارج المملكة كلياً،فأية خلافات او صراعات يمكن حلها في الإطار العائلي والعشائري حسب نظام التوريث الأبدي للحكم،من خلال توزيع المناصب والوزارات الحكومية على مختلف الأقطاب،ولكن امريكا والغرب الإستعماري يهمهم الرؤوس المسيرة والمتحكمة في السياسة الخارجية للمملكة،ولذلك يشاركون في تحديدها،لكونها عوامل إستقرار المملكة،وتشكل الضمانة الموثوقة للحفاظ على مصالحهم ومصادر طاقتهم وقواعدهم العسكرية،في وقت باتت فيه المنطقة على حافة بركان ومرجلها يغلي على صفيح ساخن،والأخطار أصبحت محدقة بالمملكة،وتقترب من بيتها الداخلي،أمريكا والغرب يهمهم ثالوث معين ولي العهد ووزير الدفاع ووزير الداخلية مع الملك،حتى لا تكون هناك أية مفاجئآت تشكل خطراً على مصالحهم ومصادر طاقتهم،وما دون ذلك الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات،هذه فقط شعارات ترفع للإستهلاك المحلي،ويقفون الى جانبها عندما تخدم اهدافهم ومصالحهم،أو يستخدمونها من أجل قلب انظمة حكم او التدخل في شؤون دول وشعوب تقف ضد مصالحهم واهدافهم،كما حصل ويحصل في العراق وسوريا وغيرها من البلدان العربية الأخرى.

السعودية الآن همومها ستتركز على ما يجري على حدودها الجنوبية،حيث اليمن التي كانت تحرص دائمأً على وجود حكومة موالية لها فيه،أصبح الوضع فيها غير مضمون،فالحالة متفجرة ومن هم يسيطرون على الحكم الآن او يشكلون القوة الرئيسية فيه،هم الحوثيون،وهؤلاء على نقيض مع المملكة وسياساتها،ليس بالمعنى الفكري والسياسي فقط،بل لجهة ما يطرحونه من ثورة إجتماعية وعدالة في التوزيع للثروات،وكذلك إرتباطاتهم وصلتهم بإيران،احد أبرز أعداء ومنافسي السعودية على الدور عربياً وإقليمياً،ناهيك عن الخلاف الفكري والمذهبي،والسعودية لعبت دوراً بارزا في التحريض على ايران،ومارست ضغوط كبيرة على الولايات المتحدة الأمريكية ،من أجل منع توقيع اتفاق معها بشأن برنامجها النووي،وهي ترى بإيران المنافس إن لم يكن العدو المركزي لها،والمهدد لدورها ونفوذها في أكثر من ساحة عربية،وهي ترى بإيران "خطراً داهماً" على الأمة العربية أكثر من اسرائيل،ولذلك ساهمت الى حد كبير في تسعير الفتنة المذهبية السنية – الشيعية،وصورت ايران واتباعها من حزب الله والمحور الدائر في فلكها على انهم فرس ومجوس وروافض ومرتدين وكفرة...وغير ذلك من المصطلحات والمرادفات التحريضية،كيف لا وايران تنافسها على الدور والوجود في العراق المفتوح على كل الإحتمالات في صراعه الدائر الآن،وسوريا التي كانت تريد إسقاط النظام فيها،ودعمت معارضيه بكل أشكال الدعم مالياً وسياسياً ولوجستياً وإعلامياً وتدريباً،ودفعت ثمن الكثير من الأسلحة التي اشتريت لصالح تلك المعارضات وبالذات النصرة و"داعش" في البداية قبل أن يرتد إرهابها إليها وحتى المعارضات العلمانية منها،واوكلت المهمة لوزير إستخباراتها الأمير بندر بن سلطان،ولكن كل ذلك لم يفلح في إسقاط النظام السوري،وهي ترى بإيران عنصراً هاماً في منع سقوط النظام،من خلال مده بكل مقومات الصمود والقوة،وكذلك في لبنان حيث ذراع ايران الأول هناك حزب الله،هو من وقف الى جانب النظام السوري،وهو من يعيق سيطرة أتباعها من جماعة 14 آذار على الحكم والدولة هناك،وهم من يمنعون انتخاب رئيس لبناني  موال للسعودية،والان من المتوقع بعد رحيل الملك عبد الله،فإن ابنها المدلل والميتم سعد الحريري، ستزداد اوضاعه صعوبة،هو وجماعة 14 آذار،فالمتغيرات الجارية في المنطقة ليست لصالحه وصالح السعودية وتركيا وحتى اسرائيل.

والملف الآخر المهم في سياسة السعودية الخارجية،هو الملف المصري،فالسعودية في سبيل حماية النظام والدفاع عنه هناك،النظام الذي ذرف الدمع كثيراً على رحيل الملك السعودي،من اجله إنقلبت على الإخوان المسلمين،وطاردتهم وساهمت في صدور قرارات عربية تجرمهم وتوصفهم بالإرهاب،وهي معنية بإستقرار النظام هناك الذي يناصبه الإخوان المسلمون العداء،ويعملون على تقويضه ومنع إستقراره أمنياً وسياسياً،او تحقيق أي تقدم ونماء إقتصادي،هذ النظام،هل يستطيع النظام الجديد في السعودية ان يستمر في الدفاع عنه ومساندته كالسابق،في ظل التغيرات والتطورات الحاصلة في المنطقة،وخصوصاً بأن الأخطار تقترب من المملكة فإيران من خلال الحوثيين أضحت على حدودها الجنوبية.

القضية التي غابت عن المشهد والإهتمام السعودي،ولم ترد في خطاب العرش،هي القضية الفلسطينية،المغيبة بفعل صراعات ومناكفات وإنقسامات  أصحابها،ولربما ترى السعودية بأنها بفعلهم أصبحت أقل حضوراً عربياً وإقليمياً ودولياً.

ما نحن متيقنين منه بأن مواقف وسياسات السعودية من القضايا الكبرى ستبقى على حالها،ولكن تبقى السياسة تحمل مفاجئآت غير متوقعة، في زمن السياسة عادت فيه بلا اخلاق.

سلسلة حوارات دافئة وحميمة... خمسون حواراً 16، 17 و 18/ محمود كعوش

(16)
قال لها وهو يُبدي تخوفاً من احتمال أن يكون البعدُ قدْ وَلَّدَ عندها نوعاً مِنَ الجفاء:
"يا قلبُ دَعْ عنْكَ المَلامَ فإنَما
قادَ الحبيبُ إلى الجَفاءِ عَساكِرَهْ" 
ثُمَ استطردَ قائلاً:
صباح الشوقُ والإشتياقِ ولظى ولوعَةِ الشوقِ والإشتياقِ...وأكثرْ
ألا تشتاقينْ ؟
أينَ أنتِ...أشتاقُكِ بلا حدودْ...وأعشقُكِ بلا حدود
أعشقُ طلتكِ وإشراقةَ وجهكِ وتوهجَ طيفكِ
ياااااه وياااااه وياااااه كم أشتاقُ إلى أميرتي ياااااه
"يُحَيرَنِي صَمْتُ الهوى حينَ أدَعِي
بأني مُحِبٌ عاشِقٌ مُتَبَتِلُ !!"  
أجابته:
صباحُكَ عِطـْـرٌ مُفعــمُ الأشواقْ
صباحُكَ رِهـــانٌ مقــدّسٌ يُعــقدُ بــينَ طــرفينِ بـــداعــي الــوفاءْ
صباحُكَ قـــلقٌ يضطــربُ على قلــقْ !!
أجملُ نسماتِ الصباحِ عندما تُداعبُ مشاعرنا ونحنُ نأملُ خيراً في يومٍ مشرقٍ جديدْ
صباحُ الجمالِ والتفاؤلِ والجمالِ الكثيرْ 
روحُكَ وتعابيرُك فظيعةٌ...تهُزًني هزاً وتُضرمَ بي نيراناً تشتعلُ ولا تنطفئْ
أحبكَ بصدقٍ وأعشقكَ بصدقٍ ولا أمِلُ مِنْ قربكْ !!
بسمةٌ وهمسةٌ لا يفهمهما إلا أنتْ !!
بوركتَ يا مُهْجَةَ الروحِ ونبضَ القلبْ...وأكثر !!

(17)
بدأ كلامه بتذكيرها بتلكَ الليلةِ الليلاااااااء فقال شعراً:
" يا بَسْمَةَ الأمَلِ المُعَطَرِ في فَمِي
ذِكْراكِ تَسْري والهَواجِسُ حائِرَهْ
أوَما رَعَيْتِ مَوَدَتِي يا وَرْدَةً
بِوِشاحِها الشَفَافِ تبدو ساحِرَه؟"
ثم أردفَ نثراَ:
صباحُكِ ومساؤكِ ياسمينٌ دمشقيٌ وتونسيْ
صباحُكِ ومساؤكِ ورودٌ وزهورٌ وعطورٌ...وأكثرْ
صباحُكِ ومساؤكِ آياتُ حبٍ وشوقُ صبرٍ زائدْ
صباحُكِ ومساؤكِ زَفُ نارٍ وأعراسُ خدود ورديةْ 
صباحُكِ ومساؤكِ آياتُ عشقٍ ولظى حبٍ وشوقٌ مني لكِ
ألا تكرمينَ علي ببعضٍ من زعترِ وزيتونِ وزيتِ من يديك الناعمتينِ يا حوريتي...لي وحدي ؟
أشتاقك...كم أشتاقك !!
أجابته:
صباحُ ومساءُ الجمالِ وَالحُبِ وَالسَّعادَة...وأكثرْ
صباحُ ومساءُ الشكرِ والحَمْدِ يا محمودُ...كَمْ أنتَ محمودْ !!
إني في شوق زائدٍ لكْ...أشتاق إليك...كمْ أشتاقُ وأشتاقُ إليكْ !!
الموعِدُ ﺍلذي أنتظرهُ بفارغِ صبريَ العنيدِ يُمْسي أقْصَرَ فأقْصَرَ، وتُمْسِي رسائلي التي أعِدُها لحينِ المجيئِ باهتةً تشكو مِثْلي ضِيقَ الوقتْ...وكأني بِكَ أرمقُ هَرْوَلَةَ السَاعَةِ وهي تَزُفُ انتظاري لِفَجْرٍ يتيم !! 
كُن بِخَيْر

(18)
قال لها:
صباحك ومساؤك شوق واشتياق ...وهيامٌ ما بعده هيام...وأكثر 
صباحك ومساؤك ورود وعطور وبسمات وهمسات 
صباحك ومساؤك حروف وكلمات....لا لا لا بل دررً وداناتٌ 
وزمردٌ وزبرجدٌ...وأكثر 
يا لهذا الوجه المنير يا !!
يا لكِ من دانةٍ رائعةْ...بل دانةِ الداناتْ
 ترى هل أرى وجهكِ البهيَ يا كُلَ البهاءْ ؟ 
هل من حقي أن أراه؟
أجابته:
صَباحُكَ ومساؤكَ سُكَرْ....لا لا لا بل شهد العسل
أَﻧت وجهُ الصباحِ وبسمةُ الشروقِ، وأغنياتُ فيروز مِنْ ألِفِها حتى يائِهاْ
سلمت لقلبي، ذات الشوق وأكبر
وعليك وعلى أحبّتك جميعاً...وأنا أولُهم طبعاً !!
ودّي ووردي وعطري....وأكثر !!
حقُكَ عليَ حقٌ وواجبْ...ووعدي لَكَ وعدٌ وعهدْ...ستراه ستراهْ !!
البقية تأتي لاحقاً......
محمود كعوش – الدنمارك
kawashmahmoud@yahoo.co.uk


رياح القدر لمولود بن زادي بين الواقعية الرومنطيقية والأطوبيوغرافية/ أبو يونس معروفي عمر الطيب

يخطئ من يعتقد أنّ النص الأدبي لا يمتلك أدوات التسلط إزاء المتلقي حيثما تموقع ايدولوجيا قارئا كان أو محللا لأنّ فحوى البنية التبليغية لها أهداف لا تتوقّف عند المتعة القرائية الناتجة عن جمالية المتن الحكائي، وتعبيرية المبنى الحكائي، وإنسانييه البنية التبليغية، وهي البيان في بعده التبليغي الذي يقترب من الغرض التداولي للخطاب التواصلي، إذ تكمن الخاصية الأساسية للبيان في تحقيق التواصل العالي، والإفادة بين المخاطب والمخاطب[1] بل تتعداه إلى ما هو ابعد من ذلك فقد يحدث تناغما لدى القارئ والناقد لوجود صلات في الرؤى والمخيال والذكريات بين المرسل والمرسل إليه، فيحدث ذلك التعاطف اللاشعوري، وبذلك لا يهمه إن كان القصّ تّقليديّا يراه البعض كائنا سلبيّا، ويمكن القول إنّ هذا الاستدراج اللامقصود والطبيعي قد يصنفه البعض في خانة فخ استدراج المتلقي في اللاوعي وتجريده من الترصد النقدي، وهذا التسلط مرده لا شك زيادة على ما ذكرناه هو تلك الأساليب الفنية التي بفضلها يتم إقصاء المسافة الفاصلة بين المتلقي وبين العالم المرويّ فيعيشها بمتعة في واقعه من خلال استخراج تجاربه الماضية من قفص الذاكرة وقد يدرج هذا الاستقراء ضمن ما يسمى بالنقد الانطباعي التأثري، فيتميز صاحبه بخاصية التذوق الأدبي غالبا ما يكون خضوعه للانصياع الحسي طواعية، وكأنه يقع تحت تأثير آني يتزامن مع القراءة النصية لعمل ما. وفي كثير من الأحوال تكون للسارد سلطة مسبقة ما على القارئ.
وهذا لا يتأتّى إلاّ بوجود اعتناء بجمالية البناء النسقي الحكائي معا وملامسة عاطفة المتلقي بقوة ليتفاعل في النهاية مع النص على عكس بعض المذاهب التي اعتبرت هذه العناصر كلها بما فيها التبليغية شكلانية حيث اتسمت الرواية في حقبة معينة بتخلي الكثير من الكتاب عن الاهتمام بالبناء النسقي وجماله معتبرين أنفسهم مجرد مرآة عاكسة تقدّم للقارئ صورة عن المجتمع دون وضع رتوشات أو ضوابط أخلاقية، ومن ثم طرحها هكذا تماما كالشريط المرئي الوثائقي، وهي الحقبة التي وصفت برداءة اللغة وهي بدايات الأدب الواقعي ورغم ذلك ظلت تصبغها جملة من الخصائص والمبادئ الأخلاقية والفكرية وهي بذلك لم تخرج عن كونها مرحلة من مراحل تطور النتاج الأدبي والفني، فقد اتسمت بلون الزمان والمكان الذي ميزها عما قبلها وبعدها ولا يسير سياق تطور فن الرواية بمعزلٍ عن بيئته ومن ثم يصبح المبدع مجرد أداة، صقلها محيطها، باعتبارها جزيْئا منه سواء تفاعلت في أخذها سلبا أو ايجابيا وما تفرزه من عطاء هو نتاج هذا التأثر والتأثير.
هذا التميز هو في حقيقته تسلط فكري بيئي لا يستحوذ على السارد أو المنتج وإنما يتعداه إلى المتلقي "قارئ وناقد" من خلال ما يطرح من إبداع.
وفي هذا السياق، يمكن القول إنّ رواية "رياح القدر" للكاتب المهجري مولود بن زادي هي نتاج بيئتها ليس فقط من حيث القصة والخطاب وإنما من حيث اكتسابها كل آليات البنية التبليغية العامة.  
إن النصّ الروائي "رياح القدر" في سمته المسيطرة أخذا وصناعة سيستوقف المتلقي من غير شكّ وهو يلامس مسحة الاغتراب يقابلها الحنين إلى الوطن بدءا من المقدّمة التي صيغت بلسان الكاتب الذي عرّف نفسه بالكاتب المهجري وكان يمكن النفاذ إلى هذه السمة في شخصيته دون أن يكون لها ذكر بمقدمة الكتاب وذلك من خلال طابع الخطاب الروائي المتقد حبا واشتياقا إلى الوطن فهو يحيلنا إلى زمن أدبيات المهجر بكل ما يحمله من تسامي مثالية "أخلاق + عفاف + فضيلة"، إذ يتجلّى الحنين بارزا في مقدمة روايته هذه شديدا، قويا، يوحي بالاشتياق الكبير إلى الجزائر، وكأنّ الكاتب لم يكتف بالوصف الذي خصّ به لحظات "مغادرة فؤاد - بطل روايته - أرض الجزائر"، فراح يكتب قصيدة في الوطن مقفاة أنهى بها مقدمته، ونجد أنّه ظل يبعث برسائل الحب إلى الوطن حتى النهاية فنجده يعبر عن ذلك في الصفحة 176 وهو يصف بطل الرواية فؤاد ساعة رحيله عن أرض الوطن بما يلي:
"ما أشدّ تأثّره وهو يرى مبنى مطار بلاده يتباعد شيئا فشيئا أمام بصره. لم يخطر بباله أبدا أنّ الرحيل عن الوطن من أصعب وأتعس لحظات الحياة ".. "يغمره فجأة حنين جارف إلى وطنه وهو لا زال على أرضه، فينتابه شعور أنّه حتى وإن جال الدنيا برمتها فإنّه لن يلفي أرضا أعزّ من أرض أجداده ولا صدرا أحنّ من صدر بلاده ".
وفي مقدمة كتابه يذكر قصيدة قال فيها:
مهما تغرّبت وطال بعادي
عند أرض أهلي وأجدادي
ستظلّيـــــــن في دمـي وفؤادي
أهواك في المآسي والأعيـــــــاد
وفي سياق مماثل، يقول الشاعر المهجري شفيق معلوف:
وطني ما زلت أدعوك أبي 
وجراح اليتم في قلب الولدْ. 
 هل درى الدهر الذي فرقنا    
أنّه فرق روحا عن جسدْ

" النسق المهجري والشعور بالغربة:
لاشك أنّ قارئ الرواية سيلامس من خلال المنحى الرومنطيقي الكئيب شيئا من الحزن والتشاؤم وهي من سمات أدب المهجر يشترك فيها كاتبنا المهجري وقدماء كتاب المهجر من أمثال جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي الذين تداخل لديهم الشعور بالغربة والوحدة والإحساس بالحزن والكآبة والتشاؤم واليأس[2]، وهو شعور طبيعي من وجهة نفسية بالنسبة إلى من عاش الغربة، ومن سمات الرومنطيقي العربي أنّه يتراءى لنا حيران قلقا كأعنف وأقسى ما يكون، وهو لا يملك من أمره إلاّ الإحساس بذلك والتذمّر منه، ويبدو لنا ذلك[3] في مقدمة الرواية حينما يقول: "وما الحنين الجارف إلى الأوطان والأهل والأحباب الذي ما برح ينتابني وأنا أخط هذه الأسطر إلاّ شيء من ذلك، يجرفني تيار الحنين في طريقه فأتدحرج وأسقط في بركه الألم والغمّ فيخرج من أعماقي أنين معبّر عن شيء مما أشعر به نحو بلادي" [4].
ولا شك أنّ هذا الإحساس بالغربة والحيرة والقلق يولد لديهم مرضا روحيا يغرفون منه إبداعاتهم الرومنطيقية من حيث الانفعال وهو ما شخصه العالم الفرنسي "برجنسون" الذي عمد إلى الغوص الذاتي "دراسة الطبيعة البشرية" والذي يؤكّد على أهمية الانفعال العميق (لا السطحي) إزاء عملية الإبداع بمعنى أنّ الانفعال هو الذي يعطي الشرارة للإبداع.[5] وما المنحى الرومنطيقي واللغة الشاعرية التي انتهجها السارد في "رياح القدر" إلاّ تحصيل حاصل يكون قد لجأ إليها تيقّنا منه أنّها أولى من غيرها أقدر على التعبير عما يختلج بصدره من حنين إلى وطنه وأيضا للتعبير بصدق وواقعية عن مجموعة العلاقات الإنسانية التي ربطت شخصيات القصة ببعضها البعض لاسيما تلك العلاقة الغرامية السرمدية المثالية التي ربطت فؤاد بأمل فبرزت هكذا سمة الشاعرية "الرومنطيقية" مهيمنة على البنية السردية في كل صور عوالمها، شخصياتها ونوافذها الإنسانية، من حيث المبنى الحكائي لغة، وأحداثا، وصورا مبدعة وهذا يعد امتدادًا للاتجاه الرومانسي الذي يُعنى بحياة المجتمع وما فيها من علاقات وأحداث وهو ما عبّر عنه فؤاد الفرفوري في كتابه [6] بقوله "الأمانة العلمية تقتضي بأن نعترف بوجود بعض النصوص التي دعا فيها الرومنطيقيون العرب صراحة إلى أن يكون الأدب معبرا عما يدور في المجتمع وعما يجد فيه."
 وهذا المنحى الشاعري سيطر بشكل بارز كما ذكرنا على كثير المناحي فتجلّت الشاعرية مجسّدة بلون الطيف في بلورة كل عناصر الرواية من شخصيات وعلاقات وأحداث ومواقع. فابتعد بذلك عن العقل والمنطق في الكثير من المواقف وهو أمر يتميز به الرومانسيون الذين يؤمنون إيمانا قويا بالانطلاق والتحرر حتى ترتاد النفس أفاقا واسعة رحيبة[7] وتتراءى لنا صور التحرر من الواقعية في محطات كثيرة ومنها قوله:
"يدلي ببصره عبر تلك الحقول برهة من الزمن ثم يرسله بعيدا في الأفق فتترائي له صورة فتاته بازغة خلف تلك الحقول والسنابل فاتنة، ينسدل شعرها الأشقر فيمتزج بلون السنابل الأصفر، تتناثر عليه أشعه الشمس الذهبية فتضفي عليه ثراء وسحرا" (الصفحة 119).
وأيضا عندما يقول: "كان الدكان من قبل يبدو معتما كئيبا، وإذا به الآن يشرق وقد بزغت في أجوائه من خلق الغيوم الكثيفة القاتمة عروس النهار، تتدفّق أشعتها الذهبية الساحرة فتغمر الدنيا نورا ودفئا وحياة." (الصفحة 131).
رومنطيقية صورة الغلاف ومدى مطابقتها للعنوان:
إذا كان العنوان حسب ليوهوك (LEOHOEK) هو مجموع العلامات اللّسانية التي تدلّ على محتواه العام، وتغرّي الجمهور المقصود بمعنى أنّها نوع من التسلّط الآني على أذهانهم، فيكون العنوان مع صغر حجمه نصا موازيا (Paratexte) ونوعا من أنواع التعالي النصي ((Transtextualité، الذي يحدّد مسار القراءة التي يمكن لها أن تبدأ من الرؤية الأولى للكتاب، انطلاقا من العنوان ولوحة الغلاف، وشكل الكتاب[8]، وهكذا فالانطباع الأول الذي يسيطر على ذهن القارئ كقراءة استباقية آنية عند رؤية صورة الغلاف الذي طغى عليها الطابع الأنثوي باعتبار أنّ المرأة هي التي تبني كلّ ما في الحياة من معاني الجمال[9]، لذلك باتت قطب الرحى والموضوع الأساس في كل الآداب والفنون، يعنى بها الشاعر والفنان على السواء، وتمثّل عنصرا هامّا من عناصر القصيدة، وتدفع الشاعر إلى استكمال أغراضه فيها[10]. وفي محيطها تسلّلت الأمواج موحية بصبغة رومانسية هيمنت على المشهد "أمواج وبحر وامرأة " مازج بينها لون السواد صورة في ثلاثيتها توحي بشاعرية الرواية وبدرامية المشهد ولعل ما يزيد هذا الانطباع رسوخا هو العنوان "رِيَاحُ القَدَر" وما يحمله من دلالات وسمات أقلّ ما يقال عنها أنّها وجدانية تتّصل بغيبيات تلتصق التصاقا بعالم الأرواح وتوحي بالقدرة الإلهية في تحريك الأقدار كيفما يشاء وهذه القناعة نجدها تتواتر تدريجيا مع استمرار السّارد في تسليمه أمور الغيبيات إلى الله تعالى باعتباره مسلما عاش في أحضان أسرة محافظة حيث نجده يذكر اسم الله ومشيئته في الكثير من المواقف.. وحتى وإن كان للرياح استعمال خيري في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) الفرقان[11]، فإنها قي تزاوجها بالقدر من غير شكّ تصنع لدى القارئ توقعا بنهاية حزينة لما للرياح من سمات التدمير والعصف وتحويل السفن عن مجاريها ووجهاتها. وهكذا توافقت الصورة في لمستها الكئيبة مع التصوّر التوقّعي الدرامي لرياح القدر لكي تشكّل بذلك تصورا يصبّ في نفس المنحى.
خصائص الرواية بين الواقع والخيال:
ونحن في بداية الغوص في واقعية بن زادي بكلّ حيثياتها وتواريخها نلمس الخيوط الأولى للرومانسية منذ البداية فنشعر أنّنا بصدد الخوض في مضامين الرواية الشاعرية الرومنطيقية التي تمازج بين المحكى السردي والإيقاع الشاعري ويتجلّى الأسلوب الشاعري في رواية رياح القدر من خلال بلورة الحبكة السردية ووضعها في قالب شاعري رمزي يجمع بين المعطيات الواقعية ورومانسية الطبيعة والمواقف الغزلية في تعبير سريالي تجلّى في انتقاله بين الحكائية الواقعية والمحكى الشاعري البياني القائم على فصاحة الكلام من حيث النسق والسياق لتتحقق بذلك البلاغة التي يتطلّبها النصّ الروائي. ولم يكتف السارد بتشكيل الوقفات الشاعرية بل رصعها بأبيات شعرية على لسان البطل بلغة المحب وهو يصف محبوبته (الصفحة 67):
"وقعتُ في بحر الحبّ والهيـــــــام **** بحر التفكير والحيـــــــــــــــــرة والآلام،
حسناء لا يناظرها في البهــــاء **** كائن في الأرض أو في السماء."
وأيضا في قوله:
"...حتى أنّها تراءت له كأنّها قارة الفنجان النائمة في قصر مرصود، فمن دنا من صور حديقتها أو حاول فك ضفائرها فهو مفقود... مفقود..."
ولكن هذا المنحى لم يخرجها عن واقعيتها باعتبار أنّ السارد وإن امتلك خيالا واسعا إلاّ أنّه لم يجنح عن الأرض بعيدا وظل يستنطق الواقع بكل ما يحمله من تناقضات ليغوص في البيئة التي عاش فيها فأفصح صراحة في مقدمة روايته بواقعيتها بل واعتمد تأريخ الأحداث الأمر الذي لا يدع مجالا للشك لدى المتلقي في كونها كذلك فضبط بذلك الوقائع ضبطا زمنيا، ولعل المناحي الاجتماعية التي تخلّلها صراع أسرة فؤاد والكثير ممن حوله "أقارب، أصدقاء، زملاء" مع واقعهم اليومي وتصدّيهم لعديد العوائق، وتظل شخصية أمل الأكثر تعرضا "لرياح القدر" واستسلامها لتقاليد مجتمعية تصنع من المرأة كائنا ثانويا لا يمكنه إلا الخضوع وقد تشابهت أمل "رياح القدر" مع آمنة "دعاء الكروان لطه حسين" فـآمنة قارئة مثقفة تلقت شتّى المعارف والخبرات نتيجة عملها في منزل المأمور لصيقة لابنته المتعلمة والتي كانت تلحّ في إشراكها في تلك الدائرة التي سرعان ما استهوتها، فأصبحت آمنة تبحث عن الكتاب بل تتشمّم رائحته التي قد تقودها إليه بكل سهولة رغبتها الملحة في الاطلاع[12]، وفي المقابل هناك شخصية "أمل" التي ظهرت ثقافتها في حواراتها وما كانت تحمله رسائلها الكثيرة من لغة راقية رومانسية وتعابير جياشة تترجم مشاعر فياضة رقيقة حتى بلغت مستوى تلك الرسائل الأدبية التي تبادلها "جبران ومي" وقد بدت شخصية أمل من ناحية أخرى في تماهيها مع شخصية هنداي الأخت الكبرى لآمنة فقد مثلتا بشخصيتيهما "أمل وهنداي" وما ارتبط بهما من أحداث، فرعا مهما من فروع الرواية التي تصبّ جميعها في مجرى المرأة المضطهدة الساذجة واللتين وإن ساهمتا بسلبيتهما في مواجهة الاضطهاد شكلياً إلا أنّهما وقعتا في بؤرة القمع منذ الطفولة ولم يبديا مقاومة كافية للخلاص من المعاناة على حدّ تعبير سعداء دعاس[13].

والمؤكد هنا أنّ الرؤية السردية التي تحاول تصوير المعاناة وتوظيف صفة الضحية بشكل بارز على كل الشخوص التي تقع تحت وطأة المعاناة والظلم دون مراعاة ماهيتها، هي رؤية تصبّ في المذهب الرومانسي لأنّ "الرومانسيين يتغنون بجمال النفوس عظيمة كانت أم وضيعة وتأخذهم الرحمة بالجنس البشري كله فتفيض عيونهم بالدموع لضحايا المجتمع منادين بإنصافهم مهاجمين ما استقر في المجتمع من قواعد ومتمسكين بالحياة الوديعة الجميلة في الطبقات البسيطة التي تحي بما لا يحظى به ذووا الجاه من الطبقات الأرستقراطية"[14]

هذه الأحداث والشخصيات في كلتا الروايتين كانت منسجمة في أدائها سلبا وإيجابا بعيدا عن البناء المخيالي، أضفت هي الأخرى صبغة الواقعية على السرد الروائي باعتبار أنّها تؤرّخ في بنيتها الزمنية لفترة معينة ظهرت معالمها من خلال وصف البيئة والأحداث بتمكّن شديد باعتماد الضبط الزمني للوقائع حتى لا يظلّ النصّ الروائي أحادي السياق بالاعتماد على ممازجته بسياقات عدّة من خلال توظيف النمط الاجتماعي المعيشي كتناص تاريخي الآمر الذي سيحتم على قارئ روايتي "دعاء الكروان" و"رياح القدر" أن يتخيّل تلك المنطقة الريفية المصرية مجرى الأحداث وأن يعيش تلك اللحظات والأحداث في أجواء العاصمة الجزائر ومن ثمة إجراء مقارنة بين تاريخ هذه الأحداث ومطابقتها بعمره الزمني.
 **
[1] - محمد العمري البلاغة العربية أصولها وامتداداتها ص 191
[2] اهم مظاهر الرومنطيقية في الادب العربي الحديث واهم المؤثرات الاجنيبة فؤاد الفرفوري ص 141
[3] أهم مظاهر الرومنطيقية في الأدب العربي الحديث واهم المؤثرات الأجنبية فؤاد الفرفوري ص 142
[4] مقدمة رواية رياح القدر للكاتب المهجري مولود بن زادي
[5] دراسة نقدية يعنوان ما لذ وطاب من قول صواب في نص الشتم والسباب "مراد شكيب التلمساني ص2
[6] أهم مظاهر الرومنطيقية في الأدب العربي الحديث واهم المؤثرات الأجنبية فؤاد الفرفوري ص56
[7] محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث ص84،85
[8]، وظائف العنوان في شعر مصطفى محمد الغماري رحيم عبد القادر المذكور في بحث بعنوان شعرية العنوان بين الغلاف والمتن مقاربة بين الصورة والخطاب الروائي /اللاز نموذجا محمد الأمين خلادي
[9] -أسرار الجمال بين الأقوال والحكم، سيد صديق عبد الفتاح، ط 1990، الدار العضوية اللبنانية،، ص: 95.
[10] -الصورة الفنية عند النابغة، خالد الزواوي، ص: 48.
[11] الآية 48 سورة الفرقان.
[12] دعاء الكروان بين الرواية والفيلم١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦بقلم سعداء الدعاس
[13] دعاء الكروان بين الرواية والفيلم١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦بقلم سعداء الدعاس
[14] - محمد غنيمي هلال. الرومانتيكية. ص 18

خاطرتان أدبيتان/ محمود كعوش

خاطرة أدبية "هِيَ وهو...1" !!

قالَ لها مُرَحِباً بشوقٍ ولَهْفَةٍ وفَرَحْ:
"خَطَرَّ الجميلُ وفي الربيعِ حَلاوةٌ
ومَعَ الربيعِ تّنّهّدّتْ خَطَراتي
ألشمسُ تَحْتَضِنُ الجَمِيلَ وخاطِري
ثَمِلٌ يَهيمُ بِكَاتِمِ العبراتِ
والوردُ يَمْرَحُ بالخَمِيلَةِ حامِلاً
صِوَرَ الجَمالِ بأعْذَبِ القَسَماتِ
يَخْتالُ في غَنَجٍ كأنَ خَيالَهُ
حُلُمٌ تَهادى سارِحَ الصَبَواتِ"
حمداً للهِ على سلامتكِ يا أميرتي الجميلة 
كلُ سنةٍ وانتِ بخيرٍ وصحةٍ وسعادةٍ وهناءٍ وأكثرَ كثيراً 
كلُ سنةٍ وأنتِ الخيرُ كُلُه
كلُ سنةٍ والشوقُ لكِ يزدادُ أكثرَ فأكثر
كَمْ افتقدتِكْ...كَمْ افتقدتِكْ !!
يا للظى القلبِ وظمأ الروحِ في بُعْدِكْ...يااااااهٍ وياهْ
ارتاحَ القلبُ بعودتِكِ واطمأنتْ الروحُ بطلتِكْ 
كلُ الورودِ والزهورِ والعطورِ لا تكفي لاستقبالكِ والترحيبِ بكِ مِنْ جديدٍ بعدَ غيابكِ الطويلْ والتعبير عن حبي وشوقي لكِ

فأجابتْهُ بوقارٍ وأدبٍ وكَياسَةْ:
ذوقُكَ هو ذاكَ الجمالُ الذي يجولُ فيَّ كلما أحطتني به 
بهِ أصيرُ كطفلةٍ ﻟم تكتمل ضفيرتُها... كسيدةٍ نضجَ فيها الحبُ والحياةُ والأمل 
ﻫﺬﺍ ﺍﻟَكونُ ﺍﻟضيقُ لا يتسعُ للبوحِ أكثر
ﻻ ﻳتسعُ البتة
سلِمتَ بعمق المدى وﻻ حرمكَ الله أحبةً ، يهدأ قلبُكَ لِوجودهم
دمتَ بالقربِ من ثنايا الروح، تزرعُ الياسمينَ هناكَ، فينبتُ حياةً وفرحاً وحباً وأكثر 
أَعوامكَ أَكثر سعادة
ﺃَﻧﺎﺭَ ﺍﻟﻠﻪُ دربكَ وعمركَ، وأطالَ ﻓﻲ ﺃَﻋﻤار ﺃَﺣﺒﺎبك ﺟﻤﻴﻌاً
ما أجملك...ما أروعك...ما أَرقكَ وما أرقاكْ !!

خاطرة أدبية "هِيَ وهو...2" !!

قال لها:
صباح العسل بشهده عليكِ يا سمو الأميرةِ الجميلةْ
أقرأ الصباح عليكِ لأنثرَ عِطرَ المحبةِ والطمأنينةِ عليكِ وعلى يومي كلهْ 
أقرأُ الصباحَ عليكِ لأستعيدَ ماضي الذكرياتِ وأنا أُداعبُ وترَ الأماني فيتجددُ الحلمُ الحلو ويزدادُ حلاوةً فوقَ حلاوةٍ ورقةً فوقَ رقةٍ ورُقياً فوقَ رُقي وأكثرَ كثيراً 
أقرأُ الصباحَ عليكِ لأقدمَ لكِ آياتَ حُبي ولأقولَ لكِ: كلُ صباحٍ وانتِ أميرةُ القلبِ والعازفةُ على شغافهِ ترانيمَ العشقِ والحنينِ، وسيدةُ الروحِ التي لا قبلها ولا بعدها 
أقرأ الصباحَ عليكِ لأزفَ مِنْ خمرِ الصبابةِ نارَ شوقٍ وأعراسَ ورودٍ وزهورٍ وخدودٍ، وأرتلَ عليكِ بفمِ النجوى أغاريداً وليدَهْ، وأتلو معَ الآهاتِ آياتٍ جديدَهْ، لتجودي بوصلِكِ وتسعفين مشاعري، فأُمني النفسَ بخاتمةٍ جميلةٍ ليومٍ طويلٍ تغزلُها مشاعرُكِ مِنْ كلماتٍ دافئه...لا لا لا بلْ مِنْ دررٍ وداناتٍ دافئةٍ وساحرَهْ
كيفَ أميرتي؟ طمنيني ليطمئنَ القلبُ وتهدأَ الروح

أجابته:
صباحُكَ لحنُ رفرفةِ وزقزقةِ العصافيرِ وهدهدةِ الهداهدِ وهدلِ الحمامِ وعندلةِ العنادلْ
 صباحكَ لهفةُ شوقٍ ولقاءْ
 صباحُكَ حبٌ وإشراقةٌ وابتسامةٌ صاخبةٌ وأكثرْ 
صباحُكَ العشقُ الجميلُ النابعُ من كينونتي كُلِها ....فتدللْ وتدللْ
ومَنْ غيرُك يتدللُ يا صاحبَ الصولةِ والصولجانْ !! 
ومن غيرُكَ يُقترُ عليَ مِن فيضِهِ لأزيدَهُ مِنْ فيضِ حبي وعشقي وشوقي !!
مساؤكَ بنفسجُ الحرفْ
مساؤكَ يزدادُ وداً ويرتقي نبضكَ معهُ جمالاً
مساؤكَ يزدادُ الفؤادُ بهِ اتساعاً لنفحاتِ الشوقْ
مساؤكَ عبيرُ عطرِ وردٍ وزهرْ، وانسيابُ ماءِ جدولٍ ونهرْ، وحرارةُ شوقٍ وحنينٍ وصلاةٌ كلُها خشوعٌ وتبتلٌ وطُهرْ
أتصدقُ !! أنا ما زلتُ أبحثُ عنْ ملامحي فيكَ وبكلِ رسالةِ حبٍ تصلني منكْ  :):)
أنا أعرفُ تمامَ المعرفةِ أن كلَ فرحٍ منوطٍ بحزنٍ ينكأهُ غيابُكْ
آهٍ ثمَ آهٍ وآهٍ مِنْ غيابِكْ !!
حتى أنَ كلَ الذينَ يُشبِهونَ اسمكَ أُحبهم، أحنو وأدنو وأرتاحُ بقربهمْ، وكلُ الذينَ يحملونَ إسمكَ أودُهم...حتى إنْ كانَ ابني مِنَ الغريبِ المُحللْ !!
أجملُ ما أهديكَ لهذا الليلِ يا كلُ الجمالِ يا أنتَ هوَ أن أستعيرَ من هذا الليلِ سُويعةً أتأملُكَ فيها...يا كلُ الحُبِ يا أنتْ !!

محمود كعوش
kawashmahmoud@yahoo.co.uk



في الوطن غربة وفي الغربة وطن/ أسعد المكاري

وكأننا في وطن الأرز نظلُّ في الترحال غرباء في التراب والهواء والوجع ، تمضي أعمارنا دون استقرار ودون بال هانىء ، وكأنه كتب على لبنان أن يظلّ غريباً في مجتمعهِ العربي ، يخيّمُ فيهِ الجهل والجشع والتواطوء.
وكأن بثقافتهِ التاريخية وحضارتهِ الممتدّة آلاف السنوات ، يشكّلُ نموذجاً غريباً متمايزاً يجب أن لا يكون، وشعبهُ يجب أن يكون عاري المفاهيم، مسلوب الإرادة، حتى يظلّ يُحكم بغير قناعاتهِ وعقيدتهِ ومدنيتهِ، لتمرّ المخططات والمؤامرات الكونية عبرهُ، ويظلّ الوطن ساحةً مفتوحةً على ترجمةِ المواثيق والخطط الإقليمية . ففي لبنان وبسبب الأحداث المتتالية فقدت الأرض خصوبتها ، فأهلها هاجروا وتهجّروا، وجاءهم بدلاء لهم في التراب والهواء، وهم المهجّرون أيضاً من أوطانهم بسبب الحروب والقضايا المشبوهة والقضايا المحقّة . 
لبنان الذي أصبح بغالبية شعبه في دنيا الإنتشار ولم يبقَ سوى القليل والذي يوازي عدد المهجّرين إليه من الدول المجاورة فلسطين ( ثمانمائة ألف) سوريا ( مليونان ومئتي ألف ) ومن بلدان متعدّدة كمصر والعراق وغيرهم حوالي ستمائة ألف من المتواجدين للعمل أو مضطهدين في بلدانهم أو مرتكبين أفعالاً .
هذا العبء الذي لا يستطيع تحمّلهُ لبنان الرازح تحت ديون كبيرة ووضعه الإقتصادي هش ، فلا الشعب قادر ولا الدولة المنهكة ولا المؤسسات العاجزة، شكّل حافزاً قوياً للمهاجر اللبناني أن يبني وطنهُ الذي يحلمهُ في الغربة . فالمغتربون الذين أصبح الكثير منهم مهاجرين إلى (انقضاء الساعة) ، يحملون لبنان في قلوبهم وعلى شفاههم وبالرغم من قسوة الأنظمة عليهم فيما مضى ، يرفعونه فوق رموشهم هاتفين بالفداء له في المحافل الدولية ومتغنّين بقيمه ، ويحفظون تاريخه أكثر من المقيمين فيه والذين بأفعالهم جهّلوا التاريخ وأخضعوه للشك . 
لقد أثبتت الأيام وعلى مر سنوات المحن منذ ال 75 إلى اليوم ، أن المسبب الفعلي للحروب المتتالية واستباحة الأرض والقيم هم زعماؤه الذين تشاركوا في اقتسامه وتقاسمه مزارع طائفية وتحت ستار
(العيش المشترك ) ومنذ الإستقلال ، هذه الكذبة الكبيرة التي صدّقوها بعد أن ابتدعوها ليمرّروا عبر أقبيتهم السوداء الهروب من الدولة المدنية ، دولة المؤسسات التي تحفظ الأعراق والأديان وتعمّم العيش الإنساني والحق في المواطنية والإنتماء ، إلى دولة المحاصصة والمحاسيب ودوائر الفساد والرشوات . 
ولأننا شعب يمتلك الحضارة ، ومبررات وجوده هو تاريخه المرتكز على مفاهيم ثقافية معرفية ، نشرت الحرف في العالم وصدّرت الأدمغة وأرست قواعد الديموقراطية وناصرت الحريات ، فقد صار لنا في الغربة وطن حيث اللبناني يحقق طموحه ويصل بكفائته ، وعنده مناعة ضمن الأنظمة التي تحترم حقوق الإنسان وتشرّع للحق في سلطة القانون . ففي هذا الوطن تستنشق رائحة الأرز والأرض والكرامة. 
ويبقى المواطن اللبناني في غربة متواصلة في وطنه يفقد يوماً بعد يوم مناعته وثقافته، ويتخبّط بين مبادئه والمفاهيم الدخيلة التي تنمّ عن إيديولوجيات معيّنة، ينتظر قيام الدولة العادلة والدولة لن تقوم !!!

رسالة الحوثي الإيرانية للرياض/ محمد الياسين

بعيداً عن ضجيج الإعلام وتحليلاته السياسية ، لايمكن إعتبار ما حدث من تطور جديد وخطير في الساحة اليمنية سوى رسالة إيرانية واضحه أوصلها الحوثي إلى الرياض على الطريقة الإيرانية المعتادة " لي الأذرع ". الكم الهائل من التنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية للحوثين طوال الفترة القصيرة الماضية كشف عن ضعف كبير في الجانب الحكومي أمام التمدد الحوثي عسكريا الذي حظي بدعم الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح ، هكذا يرى الإعلام العربي المشهد السياسي اليمني ، لا شك بضعف الدور الحكومي الذي بدت معاناته تتضح يوما بعد آخر وهو يقدم التنازلات تلو الأخرى لجماعة الحوثي ويتلقى الضربات تلو الضربات ، لكن هذا لا يعني أنها الحقيقة كاملة ، أما الجزء الأخر من الحقيقة ، ان الممارسات الاستفزازية الحوثية كانت بهدف جر الحكومة وحلفاءها  القبائل إلى صدامات مسلحة  لهذا استمرت جماعة الحوثي بممارسة سياسات إستفزازية بخطف مسؤولين رسميين ومداهمة المدن والمقار الحكومية وغيرها أمام صمت حكومي صدم الكثيرين . يبدوا واضحا ان سيناريو الصدام المسلح كان رغبة إيرانية جامحة لإشعال البلد الأكثر تماسا مع العدو التقليدي لطهران ، المملكة العربية السعودية ، التي تتُهم من قبل إيران وروسيا بأنها تستخدم سلاحها التقليدي ، أي النفط لكبح جماح الطموحات الإيرانية المتزايدة في المنطقة العربية وكسر شوكة الدب الروسي ، الحليف الاستراتيجي لإيران والداعم الأقوى للنظام السوري.
الرغبة الإيرانية تتمثل في إيجاد عصا غليظة لترويض المواقف السعودية في ملفي النفط وسوريا من خلال إشعال الساحة اليمنية بالصراعات الدموية المسلحة يكون حليفها الحوثي طرفا رئيسيا فيها . في هذا السياق تحديداً ، أستعرض ما قاله الأميرال علي شمخاني وهو مساعد أمني كبير للزعيم الأعلى علي خامنئي  إن بلاده مستعدة تماما الآن لإجراء محادثات صريحة وواضحة ومتواصلة تشمل جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك مع السعودية. وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية ان شمخاني أبلغ سفير إيران لدى السعودية بضرورة إيجاد مشتركات مع الرياض ، معتقدا ان قتال داعش يمكن له ان يكون المدخل المناسب لتحقيق ذلك! ، بينما قال مسؤول إيراني هذا الأسبوع إن وزير الخارجية محمد جواد ظريف أرجأ زيارة للسعودية احتجاجا على رفض الرياض خفض انتاج النفط للمساعدة في رفع الأسعار.
إيران الساعية إلى عقد جوله مفاوضات مع السعودية املا منها في التوصل إلى صيغة حل مع الرياض كي تتراجع الاخيرة عن سياستها النفطية المرهقة للسوق الايرانية لا تريد الدخول في هذا النوع الحذر من التفاوض مع الرياض من منطلق ضعف وخنوع قد يؤدي بها لتنازلات في بعض القضايا الاقليمية ، لذا سعت إيران في خلق متغير جديد طارئ يقوي موقف المفاوض الايراني ويحمل الرياض بالموافقة على تخفيض حجم الانتاج النفطي لانعاش الاقتصاد الايراني المتدهور!. أذن لم تجد طهران أفضل من تأزيم المشهد الامني والسياسي في اليمن لخلق عصا غليظه يلوح بها مفاوضها لتغيير مجرى الأمور لصالح بلاده.
هذه المغامرة الإيرانية الجديدة التي ستقابل برفض وغضب دولي كبير لا تعني ان إيران قوية كفاية بقدر ما تعني أنها تصرخ وتتألم جراء تفاقم الأزمة الإقتصادية الجديدة التي فرضتها السياسة النفطية لدول الخليج العربي.فهي تحارب في أكثر من جبهة في العراق وسوريا ، إيران وحلفاءها التقليدين يعيشون مرحلة إستنزاف مدمر على الصعد الإقتصادية والبشرية والمعنوية. خاصة في حال أنها خسرت ذراعها الأقوى في المنطقة ، حزب الله اللبناني ، فيما لو ذهب الأخير لخيار الرد العسكري على إسرائيل إنتقاما لمقتل عدد من قيادات الحزب الميدانيين ومسؤولين إيرانيين ايضاً في الجولان. فأنه سيكون قد دخل قبره بيده.ولن يتمكن بتاتا من الإستمرار في القتال بأكثر من جبهة ما سيؤدي به إلى سحب مقاتليه من سوريا حيث تضعف بذلك اليد الإيرانية الضاربة في سوريا لصالح الجهاديين المتشددين والمعارضة المعتدلة ايضاً.
    moh.alyassin@yahoo.ca 

لقد ادركنا الآن لماذا قتلوا انطون سعادة/ فؤاد شريدي

   كفرهم سيسقط ... ايماننا سينتصر .
     رحل عام 2014 بكوارثه ومآسيه .. مخلفا العديد من الملفات الساخنة  التي جلبت الويلات عاى امتنا وشعبنا  .. 
    لقد شّرع العام الجديد ابوابه لنعبر منها الى حقل من الالغام  .. اذا لم نفكك وننزع فتيل التفجير لكل منها  ... فمن الممكن ان عام 2015  .. سيفجّر في وجوهنا العديد من هذه الالغام التي تتربص بنا  ... 
     رحل عام 2014 تاركا فينا جراحا مفتوحة ... نزفها ما زال يتدفق  ... والغرف السوداء الاميركية .. والاسرائيلية ما زالت تعمل ليل نهار لرسم الخطط  والمشاريع لتدمير وجودنا الانساني والحضاري  .. ولكي يحولوننا الى قطعان  ... ليأخذوننا الى حيث يشاءون  ... اما آن لنا  ان نكف عن التكاذب على انفسنا  ؟؟؟ .. واننا اصبحنا كالقطعان الغبية  التي تظن انها تُقاد الى المراعي  .. وهي في الحقيقة تُساق الى المسلخ للذبح  ؟؟؟ 
    أما آن الاوان لكي نخرج من الصفحات  الدموية السوداء من تاريخنا .. ونصحح مسار هذا التاريخ ونعيد كتابته من جديد ؟؟؟  بما يلائم حقيقتنا الايمانية والانسانية ؟؟؟ ... 
    الشاعر الدمشقي نزار قباني كان صادقا وجريئا  عندما اعلن صرخته وبصوت عال 
 (  تاريخنا كله محنة  .. كله كربلاء 
كم من امام ذبحنا .. وهو يصلي صلاة العشاء  )
    أليست الحقيقة المرة افضل الف مرة من الوهم المريح 
     هناك مساحات كبيرة من الضوء في تاريخنا ... حروب الردة هي صفحات سوداء في التاريخ العربي الاسلامي  ... وبعد  1400 سنة تطل علينا الردة بوجهها القبيح  .. يقودها داعش وجبهة النصرة والمجموعات الارهابية التكفيرية ...فلماذا لا نعترف ونقر بان داعش وجبهة النصرة وهذا الارهاب الذي يخفي وجهه القبيح براية الدين انهم يستنسخون كل الصفحات  الدموية السوداء من تاريخنا ؟؟؟ وانهم يحاولون طمس كل مساحات الضوء المشرقة من هذا التاريخ؟؟؟  لماذا لا نتجرأ ونقول ان اميركا  .. واسرائيل والغرب لم يخلقوا داعش  ... لقد ولد داعش من الصفحات الدموية السوداء  من تاريخنا  .. وعندما ولد تبنته اميركا واسرائيل والغرب ودعموه بالسلاح واموال دول الخليج  .. ليدمر قدراتنا العسكرية والاقتصادية والحضارية والانسانية  .. حتى يتسنى للعدو الاسرائيلي  الوصول الى مدننا وقرانا .. وتدنيس ارضنا .. لكي نصبح مجرد عبيد في امبراطوريته العبرية  .. 
   لماذا لا نعترف .. باننا اصبحنا كالمسافرين في باخرة .. لا يجمعنا الا جغرافية  المكان  المؤقت وكل مسافر سيغادرها في ميناء مختلف  ... عندما وقف انطون سعادة ليسأل سؤاله التاريخي  ( من نحن ؟؟؟ ) راعه ان يجد انه لم يكن هناك    اجماعا على وحدة الهوية الوطنية والقومية للافراد .. وجد الافراد يقولون  أنا سني  .. أنا شيعي .. انا علوي .. انا درزي .. انا ماروني ... انا أرثوذكسي .. فقال قوله الشهير  ( ان اعظم تفسخ وتفكك تُصاب به امة من الامم هما التفسخ والتفكك الناتجان عن تحويل الطوائف الى امم بالمعنى الحرفي وتحويل الحزييات المتعددة .. الى قوميات تتضارب في الاهداف بين انفصالية ضيقة ..        وانفصالية اتحادية منفلشة . )
        لقد حاول انطون سعادة ان يعبر بنا من عتمة الموت الى فجر الحياة  فغدروا به واردوه شهيدا قبل طلوع فجر الثامن من تموز عام 1949. 
    امة كل طائفة فيها تعتبر نفسها امة  .. تصبح بلا هوية  .. ويصبح وطنها مُباحا .. ودم مواطنيها مستباحا  وتمشي طواعية الى الانقراد والزوال ..وهذا ما دفع احد اقطاب السياسة الغربيين لان يقول .. ( العرب هم أشبه بالاسماك التائه في عتمة المحيطات  ... نحن نرسل الضوء ونأخذهم الى حيث نشاء )  
     لقد استطاعت اميركا ان تأخذ داعش وجبهة النصرة الى حيث تشاء .. أخذتهما الى معركة  عنوانها  .. تدمير سوريا  .. وتدمير العراق  .. واغراق لبنان في بحر من دماء مواطنيه .. لكي نصبح لقمة سائغة للوحش الاسرائيلي  .. 
 ان الاصابع التي ضغطت على الزناد ..وأطلقت الرصاص عاى صدر انطون سعادة  .. قد تناسلت وتكاثرت في مستنقع الكفر والارهاب  .. توحشت وصار لها انياب تأكل الاكباد .. وتمسح بلحاها السوداء .. بقع الدم .. عندما تجز رقاب ضحاياها الابرياء ..
  نحن ادركنا منذ اللحظة التي سقط فيها جسد انطون سعادة على رمال بيروت مخضبا بدمه .. لماذا اردوه شهيدا.. ولكن خفافيش الليل لم يدركوا .. انهم قتلوا الجسد ولم يقتلوا الروح .. لم يدركوا ان روح انطون سعادة قد غادرت جسده لتسكن اجساد سناء محيدلي ووجدي الصايغ وخالد علوان  .. واجساد آلاف مؤلفة  من القوميين في الوطن وعبر الحدود ... 
    لقد قتلوا انطون سعادة كي تتلاشى بقع الضوء من تاريخنا  لنغرق جميعا في الظلام  ... 
الذين    قتلوا انطون سعادة غّيروا وجوههم وطالت لحاهم وغّيروا اسماءهم .. صار اسمهم داعش وجبهة النصرة  و ... و ... 
   لقد غيبوا انطون سعادة جسدا ... ولكننا بروحه التي ما زالت تتوهج في وجداننا  ... سنعبر من عتمة الموت .. ومن الاحزمة الناسفة  .. والسيارات المفخخة .. الى الحياة  .. وسيكون للامة السورية وقفة عز .. تعلن فيها الانتصار .. وسيسقط الارهاب التكفيري تحت نعال المجاهدين الشرفاء من شعبنا .. ونعال الجيش السوري والجيش العراقي  .. نحن لم نقرأ في التاريخ  .. ان الكفر انتصر على الايمان  .. كفرهم سيسقط و أيماننا  سينتصر 

سدني – استراليا                                                             

لست أسيرة واقتناص الحرية المفقودة في ديوان فاطمة الزهراء فلا/ محمد ثابت‏

لستُ أسيرة ً بل أنتم الأسرىهذا الديوانُ حالةٌ من حالاتِ الرفض التى أشَهرتَهَا الشاعرة (فاطمةُ الزهراء فلا)فى أعين ِ الجبناء ْ لأنهُم حاقدون شامتون مواقفهُم رماديةْ نراهم تارة ً فى اليمين وتارة ً أخرى فى اليسار يزحفون بجراحِهم هرباً من أنياب التتار الذين سكنوا فى ضلوعِهم المحنطةْ فى أسواق النخاسةِ التى تأكلُ الأطفال بلا رحمة وتقتلعُ الخضرةَ من الأرض فيعلنُ الربيعُ حدادَهُ وترحلُ العصافيرُ . وفى هذهِ الدوامةِ النفسيةِ التى تعيشُها الشاعرة (فاطمةُ الزهراء فلا) نرى صوتَ المقاتل ِ الذى ينتفضُ من ضلوعِها فيقسمُ أن هذا الوطن رغَم ضبابِ الألم ِ ومطر ِالتهميشْ . أنَهُ مازال يحبُّها ويقسمُ أنَها ستظلُّ قبلتَهْ . وسيظلُّ قيسُ المتيمُ والمريضُ بحبِها معَلقاً على أستار ِ الكعبةِ وتتأرجحُ الشاعرة ْ. (فاطمةُ الزهراء فلا) فى أبياتِها بين الخاص والعامفالشيخوخةُ التى تشعرُ بها حروفُ كلماتِها ما هى إلا نتاج التجاعيدِ التى جعلت من الجمالِ ورقة ً زابلة ً تصارعُ فسادَ البرد ِ فى يناير وتسافرُ باحثة ً عن حفيدِهِا (ورد الجناين) بين فصولِ الزمن ِ وشيخوخة ِ الشهور ِ التى جعلت ملامحهَا فى حالةِدهشةٍ تخرجُ من وجع . وطلقْ. ورحم ِ الميلادرغَمَ توقفِ القلبِ عن النبض ِ ورغَمَ احتراق ِ نوافذ ِ الخريف .ونرى الشاعرةْ (فاطمةُ الزهراء فلا) تمدُ جسورَ التواصل ِ الأدبى وترسمُ جسراً إبداعياً بين الماضى والحاضرْنراها تارة ً تعيشُ فى محراب ِ المعلقاتِ الجاهليةِ . وتارة ً أخرى . نرى الشاعرة . (فاطمةُ الزهراء فلا) مهمومة ً بالهم ِ العربى والواقع ِ العربى فيخرجُ قيسُ ليحاربَ فيعودَ فى كفنْ. مثلما فعل الشاعر العربى الكبير محمود درويش(يحكونَ فى بلادنايحكونَ فى شجنْعن صاحبىالذى مضىوعادَ فى كفنْ)هذا الصاحبُ الذى الذى لم يبعْ أرضَهُ بشرائح ِ التفاح ِ فى ليالى الكريسماس ولم تغرهِ الهدايا ولا العناوينُ الملونة ْ.ولم يصدأ خاتمُ الحُلم ِ فى قلبهِ . ولم ترحلْ العصافيرُ من عينيهِ.(عيناهُ نجمتانِ)فخطاهُ أرجوحة ٌ تتثأب فى حلق ِ الكلماتِ . وتتلعثمُ فى كفنِ الغربةِ فلا يجدُ وطناً فيفتشُ فى أنوثةِ شهر ذاد عن فراشاتِ الطفولةِ وبقايا الكحل ِ والحناء التى جعلت من مراكب الأحلام ِ ضفائرَ عجوز ٍ فى البحر ِ حائرة ً تستنجد ُ بأقنعةِ المساء ِ الذى يراوغ ُ القمرَ ويتلصصُ فى الخفاءِ باحثاً عن وطن صاحبهِ كما قال الشاعر الكبير محمود درويش(لا تسألوا متى يعودْبل اسألوامتى يستيقظُ الرجالْ)

المستمع الوحيد للأمسية الشعرية/ نبيل عودة

قال عني الناقد مرقص في دراسة نقدية لديواني الأخير إنني شاعر موهوب وواعد وانه قرأ ديواني الشعري الأخير “يا طلت أحبابنا” على نَفَس واحد، وأنه صعق من قدرتي اللغوية ومعرفتي النسبية الممتازة بالقواعد والإملاء، إذ لم يجد إلا خمسة أغلاط في الصفحة الواحدة فقط مما يعتبر إنجازاً عظيماً للثقافة العربية في البلاد وخاصة في الجنس الشعري.
يقول الناقد مرقص إن هذا تحوُّل عظيم في الصياغة الشعرية وانخفاض الأخطاء إلى رقم من خانة واحدة في كل صفحة  وإن هذا الانجاز يجب أن يسجل على اسمي.
كذلك أشاد الناقد بمقال نشر على صفحتين في جريدة “الانفصال” واسعة الانتشار، بأني برزت كشاعر حداثي  لشدة غرائبية معاني شعري وتركيبته التي لا يمكن أن يفهمها أحد بدون شرح الشاعر أو الناقد، الحمد لله أن أحداً لم يتصل معي لتلقي شروحات حول قصائدي، لأني أنا أيضاً بيني وبينكم لا أفهم ما أكتب.. وأحتاج لمن يشرح لي إبداعاتي الشعرية  التي لم أتوقع أن تجد مثل هذا التقييم النقدي الرائع وأعتمد على الناقد مرقص لشرح ما اكتب.
بعد هذا التقييم الذي يثلج الصدر، لأن جلوسي في حفلات التكريم لي ولشعري كثرت بعد النقد البنّاء مثلاً، وهو أمر أثار رهبتي في البداية، عندما دعيت لأول مرة إلى “الخيمة المدنية”للتكريم، كذلك كرمتُ في “المكتبة العلمية”، وأصدرت مجلة “المغرب” عدداً خاصاً ساهم فيه 30 شاعراً وأديباً وناقداً أشادوا بتجربتي الشعرية، وتكريم آخر كان في نادي الأدباء  وآخرها على خشبة المنتدى الشعري الذي كان سابقاً خاناً للحمير.
وقد كتب احد المقهورين والغيورين من تكريمي عنواناً استفزازياً لخبر نشر في صحيفته: “تكريم شاعر في خان الحمير”.
ليمت في غيظه. ذلك الصحفي سيسقط بالتأكيد في امتحان الإملاء. بالتلخيص.. صرت اسماً معروفاً أنشر قصائدي في الصحافة المحلية، أحياناً أنشر نفس القصيدة في عشرة صحف محلية، أنشر أيضا في مواقع الانترنت، وأغيّر صورتي كل شهر بصورة جديدة يلتقطها لي أفضل المصورين على خلفية حدائق البهائيين أو شاطئ البحر الأبيض المتوسط أو على خلفية جبل الجرمق. لكن أحسن صوري وأنا في مكتبي أفكر ويدي تحتضن ذقني وخدي الأيمن.
في التكريم في “خان الحمير” أعني خان الحمير سابقاً واليوم مسرح المنتدى الثقافي، قال الناقد مرقص إني قد أكون الشاعر العربي الثاني بعد أدونيس، الذي سيرشح بجدارة لجائزة نوبل للأدب مما أثلج صدري لدرجة خفت أن تتجمد ضربات قلبي من حرارة الجلوس الطويل على مقاعد خشبية متعبة في حفلات التكريم.
المهم أن الناقد مرقص يقبض (1000) شيكل عن كل حلقة تكريم، وهو غيور على تعريف القراء بأدبي، لا يفوت تكريماً دون أن يهل بطلعته ليتحف المستمعين بتقييمه الكبير لإبداعاتي الشعرية واصفاً شعري بالتجديد والتحديث والانقلاب والثورة على المعاني والأوزان والأساليب القديمة: لكنه ليته يشرح لي، بيني وبينه، كيف توصَّل إلى ما لم يكن في ذهني، مثبتاً عبقرية نقدية نادرة.. حقاً.. المبدع وظيفته الإبداع فقط، ليس فهم ما يبدع أو تحليله، هذه وظيفة الناقد بدون نقاش.
كان من حظي  بعد شهرين من اصدار ديواني أن أدعى للمشاركة في أكبر أسبوع للثقافة العربية.. ظهر اسمي مع عشرة من أبرز شعراء وشاعرات شعبنا  لإحياء أمسية شعرية كبيرة  عريفها الناقد مرقص…
في الليلة الموعودة  استحممت مستعملاً صابوناً خاصاً يصنع من زيت الزيتون المعطر بزيت الغار، لعل الشاعرات الأنيقات ينتبهن لسحر رائحتي، لعل وعسى… ذهبت إلى حلاق نسائي  ليصفف شعري بشكل مناسب للأمسية الشعرية.. نظف لي حواجبي وشعر أنفي وأذني، غطى أظافري بمانيكور لا لون له، لكنه يعطي لمعاناً جذاباً، اشتريت قميصاً وبنطلوناً من ماركة “بييركاردان” بـ (1825) شيكل فقط، حذاء أسود صناعة ايطالية فاخرة بـ (640 ) شيكل فقط. ولأبرز حضارياً وحداثياً اشتريت سوار ذهب عريضاً بـ (3250) شيكل فقط لأزين معصمي وأحرك يدي ذات اليمين وذات اليسار، كذلك اشتريت زجاجة بيرفيوم للرجال كلفتني (650) شيكل أيضا، يقول أصحاب التجربة أنها كفيلة بترويض أكثر النساء شراسة . لتغطية نفقاتي فرضت على والديّ أن يحصلا على قرض من بنكهما يسددانه بأقساط شهرية من معاش التقاعد، فابنهما شاعر كبير وها أنا أقرأ لهما المقال النقدي للناقد مرقص وأخبار التكريم ولكني لم أذكر خان الحمير باسمه القديم بل باسمه الحديث مسرح المنتدى الثقافي…
صحيح أن والدي اعترض قائلاً: ”هل تريدنا أن نجوع ستة أشهر من أجل نزواتك؟ ارجع إلى عملك في التبليط واتركنا من تبليط الكلام الذي لا يطعم خبزاً، هل تظن ما تكتبه شعراً؟ كنت معلماً للغة العربية ولا أجد جملة واحدة مفيدة لديك”!!
جاهل !!
لكن أمي كانت من صفي، قبل سفري إلى الأمسية بسيارة أجرة رشتني بالملح حتى لا أصاب بعين السوء من الغيورين.
في الأمسية الموعودة كنت الأكثر توهجاً ولمعاناً. أشد كم قميصي لأظهر جمال سوار الذهب وأحرك يدي بنصف دائرة للاتجاهين لألفت انتباه الجمهور للذهب اللامع، المؤسف أن الحضور كان قليلاً، إذ في القاعة ثمانية أشخاص… أي أقل من عدد الشعراء باثنين وإذا أضفنا الناقد عريف الأمسية نصبح (11) على المنصة مقابل (8) مستمعين.
بعد تأخر نصف ساعة التزاماً بالتقاليد القومية، قررنا أن نبدأ احتراماً للجمهور الذي جاء للاستماع.
بعد أن انتهى أول شاعرين من إلقاء شعرهما  لم يتبق في القاعة إلا شخص واحد. يا للأسف ويا للعار على هذا المستوى الثقافي المتدني لشعبنا. بعد التشاور بيننا قررنا أنه احتراماً للمستمع الوحيد الباقي أن نواصل قراءاتنا الشعرية…
بالفعل لم نتوقف ، بل أطلنا وأجدنا احتراماً للمستمع الوحيد  الذي بان عليه في الساعتين الأخيرتين التعب والإرهاق، لكنه لم يغادر المقعد حباً بالأدب والشعر، فاستمرت الأمسية لأربع ساعات كاملة… احتراماً للمستمع الوحيد!!
عندما انتهينا من إلقاء قصائدنا، قررت أن أتوجه لهذا المستمع الرائع بالتقدير الكبير على حبه لشعرنا وبقائه للاستماع رغم تعبه وإرهاقه  وتعبنا نحن أيضاً من كثرة ما قرأنا. قررت أن أهديه ديواني الأخير  اعترافاً بذائقته الأدبية  ويا ليتني ما توجهت لأشكره  واهديه الديوان.
قال لي وهو يلوح بيده غاضباً  ويقذف ديواني بعيداً : ” قتلتوني ..عفت ديني.. هيك وهيك لأم الشعر.. أنا البواب، أنتظر أن تنهوا ثرثرتكم لأقفل القاعة وأذهب للنوم”.

nabiloudeh@gmail.com