المطر في آذار أحلى/ شاكر فريد حسن

نحن نحب المطر ، لكننا نحب المطر  في آذار أكثر .. نحب حبات المطر النازلة من السماء الزرقاء على الحقول ، ولكننا نحب سنابل القمح أكثر..نحب السيول الجارية في الجداول والوديان ، ولكننا نحب التلال والروابي أكثر .
نحب الرذاذ ، المطر، الثلج ، لكنا نحب الأرض والورد والزيتون والزعتر ودقة العدس (الزوفا)  والخزامى أكثر . نحب الحياة والكون والتعب والعرق ، لكننا نحب التراب والصخور والمروج أكثر . 
نحن شعب ان نسينا فلن ننسى البيادر والطابون والغربال ومناجل الحصاد وجاروشة القمح والخوابي والقناطر ، ولا ننسى صوت شبابة الراعي وحلقات الدبكة على أنغام "الدلعونة" و"ظريف الطول" و"المعنى" و"الشروقي" ، التي تأسر لباب القلوب . كما لا ننسى ثغاء قطعان الماعز والأغنام وهي عائدة من مراعيها في التلال المجاورة ، ولا الصبايا الجميلات في بداية تفتحهن وهن يتهادين بجرارهن إلى الينابيع وآبار الماء القريبة كأنهن في نزهة  ، بينما يتمتع الشباب بـ"القصدرة" في الأزقة والطرقات قرباً من هذه الينابيع والآبار .
حقاً ، أننا نحب المطر والشمس ، ونحب الفقراء والعمال ، أصحاب الجباه السود الذين تمتد سواعدهم فتدرس التاريخ وتتعلم من تجاربه ، وتهيء الميدان للثورة الطبقية القادمة .
إن المطر في كانون وشباط جميل ، لكن في آذار أجمل ، والمطر في تشيلي وكوبا والعراق وبلاد الشام حلو ، لكن في فلسطين أحلى . 
فمطر بلادي له رونقه الخاص وجماله الساطع ، وله أغاني العاشقين وأهازيج الشعب وأناشيد الأرض والوطن والحب والكفاح والثورة . والمطر في آذار الربيع وشم النسيم ، آذار المرأة ، الأم ، والأرض الأحلى من الشهد الطيب .
فسلاماً يا آذار من قلب عاشق نابض بالحب والعشق ، ومن ساعد فلاح يعتمر الكوفية الفلسطينية ويحرث الأرض ويزرع القمح ، ويحمل قلباً رقيقاً في عطفه على دابته التي تشاركه أيامه ، ويحمل قلباً شاقاً في غضبه على من يريد أن يغتصب منه ملحه وزاده .
وسلاماً يا آذار من قبضة عامل ينزف عرقه على جبينه تعباً وكداً من أجل رغيف خبز ، ومن قلوب كل الفقراء والجياع والمهمشين الذين يتطلعون للحرية والفرح ، وللمستقبل الذي لا بد أن يأتي .
وسنظل يا آذار نسير في قارب العشق الوطني حتى الوصول للمرساة ، التي لن تكون سوى وطن العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين وكل المعذبين في الأرض .

المجلات الثقافية والفكرية في بلادنا: مجلة (الاسوار) العكية/ شاكر فريد حسن

صدر العدد الأول من مجلة( الأسوار) سنة1978 عن مكتب الأسوار للطباعة والدعاية والنشر في عكا . وقد أنشأها الشاعر والأديب المعروف يعقوب حجازي ، الذي له باع طويلة في طباعة واصدار الكتب والمؤلفات التقدمية والوطنية ونشر الثقافة الثورية والانسانية الفلسطينية  . وعرّفت نفسها كمجلة أدبية وفكرية ، و يحررها يعقوب حجازي ، ورئيس التحرير الشاعر نعيم عرايدي.
وبرزت رسالة (الأسوار) في افتتاحية العدد الأول من خلال اجابتها على التساؤل : لماذا مجلة ؟! فكتبت تقول: "بدافع المسؤولية الفكرية والالتزام الادبي دون التقيد بالاطار المحدد رأينا ان هناك مجالاً لاصدار هذه المجلة ، بل من الواجب فعل ذلك. والصمود ضرورة ملحة ونحن نواجه الارهاب الفكري في كل أشكاله.
واستطردت تقول:" نحن نبصر ان رياحاً تحمل سموم التزييف ، واحقاد الارهاب تهب صرصراً في أجواء الحركة الادبية عندنا ، فنريد للأسوار ان تسهم مع زميلتها في الملتقى الحضاري والانساني والفكري . أن تصد تلك الرياح  ـ لا بالسيف المسلط، لا بالحقد والتناحر، بل نريد أن تساهم في المعركة الفكرية بفكر نيّر وقلب منفتح ، عفواً ، ليس ساداتياً.
فالحاجة الماسة لوجود مجلة تقدمية ، لا منتمية ، تفتح المجال امام جيل جديد من الناقدين والباحثين والادباء والشعراء  فتواكب التطور العلمي وتيارات الفكر الحديثة وتطلع القراء العرب على هذه التطورات، في شتى مجالات الفن والفكر ، هي ...هي التي خلقت هذه المجلة .
ثم تضيف قائلة:" ويبقى يدور سؤال ، يلف ، يعذب.. يبقى ـ هل تقوم (الأسوار) بواجبها التاريخي هذا ؟؟ وهل تحمل العبء الثقيل في الدرب الطويل الطويل؟.
انها مسؤولية كبيرة نأخذها على عاتقنا في اصدار هذه المجلة ، بل من اجل استمراريتها وفقط المستوى الراقي ومراعاة الاذواق الفنية لدى القارئ العربي .
وفي اجمال كلمتها تؤكد  ان "الأسوار لن تحمل هدفاّ حزبياً ولن نلتزم بايديولوجية سياسية ولكنها تلتزم بالاخلاص لتراب الوطن المقدس ـ منبت الحضارة ومهبط الوحي والالهام".وصدرت الأسوار بداية كنشرة لمرة واحدة وسرعان ما توقفت ثم عادت للصدور مع تفجر الانتفاضة الشعبية الفلسطينية عام 1987، وصدرت ككتاب دوري للابحاث الفكرية والثقافة الوطنية ، فمجلة فصلية تصدر عن مؤسسة الاسوار والنشر، وتعنى بالشؤون الثقافية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية. وتشكلت اسرة تحريرها من الشاعر حنا ابراهيم وغازي دلال ويعقوب حجازي وغانم حبيب الله وديب عكاوي وخليل عبدو وزكي درويش وسواهم.
وعن ردة الفعل الشعبية بعد تجدد اصدار (الأسوار) كتب يعقوب حجازي في زاويته "حتى نلتقي" قائلاً : "كثيرة هي ردود الفعل التي اثلجت منا الصدور ، ورشت على دربنا دفق النور، منوهة باهمية تواصل هذا العمل الثقافي على الساحة الوطنية ، انموذجاً اصيلاً للوحدة الوطنية الراسخة على جبهة العمل الثقافي الابداعي ، لن تدغدغ هذه الحقيقة منا المشاعر دون ان تغرس في العزائم مزيداً من الاتزام والعطاء والعمل الدؤوب ، لا ، ليست صيحة الأسوار بواد غير ذي زرع، فلن يبقى في الوادي غير حجارته المباركة، تشد خيوط الشمس وتمد رفاق الدرب بالصمود والتحدي".
واهتمت (الأسوار) بنشر الدراسات الأدبية والتاريخية والتراثية والمداخلات النقدية ، وخصصت ملفاً أدبياً لنشر النصوص الشعرية والنثرية والقصصية ، وعملت على نشر وقائع حفل تكريم الادباء والمبدعين من قبل مؤسسة  الأسوار تقديراً لعطاءاتهم الأدبية ونشاطهم الثقافي في سبيل الوطن والحرية والعدالة والديمقراطية.كما قامت بتخصيص ملفات توثيقية اعلامية لفعاليات الأسوار لحفظ الذاكرة الوطنية ، مثل احتفالية القدس واحتفالية اكرم زعيتر وغيرذلك من فعاليات وانشطة.
وساهم في الكتابة للمجلة عدد كبير من اهل الادب والثقافة والفكر منهم: حنا ابراهيم وسعود الأسدي ومصطفى مرار ونبيه القاسم وفاروق مواسي واحمد سعد وزكي درويش وناجي ظاهر وعلي الخليلي وعبد الناصر صالح وعصام العباسي وعبد اللطيف البرغوثي واحمد هيبي وحسين مهنا وسهيل كيوان وكاتب هذه السطور وغيرهم.
والأسوار كغيرها من الصحافة الوطنية الملتزمة كرست جهودها للحفاظ على التنوع والتعدد ، من أجل النضال التحرري التقدمي الوحدوي وفق مقتضات الظروف الراهنة . وقد أدت دوراً رئيسيا على جبهة النضال الثقافي وفي النهوض الوطني والنهضة الثقافية والسياسية والفكرية والاجتماعية في هذه البلاد ، وتأصيل الوعي الفلسطيني والثقافة الوطنية وتعزيز الهوية الوطنية والفكر الوحدوي الديمقراطي والنقدي والتحرري.
ورغم الأحوال والاوضاع الاقتصادية وقلة الموارد المالية الا ان (الأسوار) عاقدة العزم على مواصلة المسيرة ، بالرغم من الانقطاع وعدم الانتظام في الصدور .

لِنبحثْ عن المشترَك.. لا عن القاسم/ صبحي غندور

يرى صاحب كل فكر الصواب في فكره، والخطأ في فكر غيره، لكنْ قليلٌ من المفكّرين من يرى احتمال الخطأ في فكره أو احتمال الإصابة في فكر الآخر. وهذا منطلق مهم لإمكان نجاح أي حوار بين أفكار وآراء مختلفة، ومع انعدام هذا المنطلق المشترك الذي يحتمل الصواب والخطأ في كل رأي، سيسير أي حوار بين رأيين أو موقفين مختلفين في طريق مسدود.
عوامل كثيرة تدفع بعض الناس إلى الانحباس في خنادق فكرية فيعتقدون أنّهم بذلك يصونون أنفسهم من مخاطر جحافل "الفكر الآخر"، بينما هم  في الواقع يسجنون ما لديهم من فكر ورؤى، فلا "الآخر" يصل إليها أو يتفاعل معها، ولا هم يتطوّرون أو يكسبون فكراً جديداً بل يبقون على ما هم عليه جامدين متحجّرين.
هكذا هي أحياناً مشكلة بعض الحركات السياسية، الإسلامية أو القومية، أنّها لم تحسن إدراك المفهوم الصحيح للمفاهيم المتداولة أو للانتماءات الدينية والقومية، وقام هذا البعض بخلط المفهوم الفكري والثقافي مع المضامين والمواقف السياسية، فأصبحت أخطار الممارسة مقرونة بمفهوم الانتماء أو الهُويّة نفسها. من أجل ذلك خرجت مدارس فكرية وسياسية تدين هذا الاتجاه الديني أو ذاك القومي بحالٍ من التعميم لكلّ ما هو "إسلامي" أو "قومي"، بينما لا تجد الحالة الفكرية السليمة تناقضاً ما بين الهويّة الثقافية القومية وبين المضمون الحضاري الإسلامي لها.
هي أيضاً مشكلة مصطلح "العلمانية" الذي يخضع للكثير من الذمِّ والمدح دون اتفاقٍ أولاً على مفهوم المصطلح نفسه، وعلى التمييز المطلوب بين التجارب العلمانية في العالم. فالمسلمون في أميركا – كما غيرهم من أتباع الديانات الأخرى- يمارسون كامل حقوقهم الدينية في ظلِّ مجتمع قائم على النظام السياسي العلماني. لكن علمانية الدستور الأميركي اختلفت مثلاً عن علمانية التجربة الفرنسية من حيث النشأة، كما من حيث التطبيق أيضاً. ففرنسا اختارت العلمانية تاريخياً من أجل وضع حدٍّ لتدخّل الكنيسة في شؤون الدولة، بينما الآباء الدستوريون في أميركا، وفي مقدّمتهم توماس جيفرسون، اختاروا النظام العلماني لضمان حرّية تعدّد الطوائف الدينية ولعدم طغيان طائفة على أخرى. فأميركا لم تشهد تاريخياً الصراع الذي جرى في أوروبا بين رجال الكنيسة وبين رجال وأمراء الدول، ولذلك اختلف المفهوم واختلف التطبيق رغم وحدة التسميات. وهذا ينطبق أيضاً على الفارق بين التجارب العلمانية الشيوعية وغيرها من الأنظمة العلمانية الديمقراطية، حيث سعت العلمانية الشيوعية لفصل الدين عن المجتمع كلّه، لا لفصل الدين عن الدولة فقط كمفهوم عام لمصطلح العلمانية.

إنَّ "العلمانية الأميركية" لا تفصل الدين عن الدولة كلّياً كما هو الحال مثلاً في فرنسا وتجارب أوروبية أخرى، ولا يجد أي رئيس أميركي حرجاً في الذهاب أسبوعياً للكنيسة من أجل الصلاة، والحرص أحياناً على التغطية الإعلامية لهذا الأمر، كما هو الحال أيضاً في جلسات الكونغرس التي يتمّ افتتاحها بقراءات من كتب مقدّسة، بينما لا يُتصوّر قبول ذلك في تجارب علمانية أوروبية. فالعلمانية الأميركية تشجّع على الإيمان الديني ولا تحاربه، وتقوم المؤسسات الحكومية بدعم المراكز والمؤسسات الدينية (وبعضها إسلامي)، وتتمّ الصلاة في مؤسسات حكومية وتشريعية بشكلٍ مشابه تماماً لما يحصل في كثير من البلدان العربية والإسلامية. وحقوق الناس في ممارسة شعائرهم الدينية (بما في ذلك مسائل الشكل واللباس) هي مصونة بحكم القانون. وهذا أمرٌ لا توفّره مثلاً التجربة العلمانية الفرنسية أو حتّى التركية إلى وقتٍ قريب.
إذن، رفض العلمانية بالمطلق، أو الدفاع عنها بالمطلق، هو إجحاف بحقِّ المفهوم والتجارب التنفيذية له. فالعلمانية، في التجربة الأميركية، هي لضمان حقوق كل الطوائف والأديان ولمنع هيمنة إحداها على الأخرى، بينما يتمّ استخدام العلمانية في تجارب عالمية أخرى للحدِّ من دور الدين في المجتمع.
فالتوافق على فهمٍ مشترَك لمعنى ومضمون أي مصطلح فكري هو المدخل الأهم لأي جهد فكري متعدّد الآراء. هذا الأمر ينطبق حتّى على ما يندرج تحت خصوصيات قائمة داخل الأمَّة الواحدة. فالحلُّ لا يكون برفض المصطلح لمجرّد اختزان مفاهيم عن تجارب محدّدة سلبية تحمل تسمية المصطلح نفسه، إذ المشكلة هنا أنّ المصطلحات كلّها تعرّضت إلى تجارب تطبيقية سلبية ومسيئة: في الفكر الإسلامي والفكر القومي والفكر العلماني، كما على صعيد شعارات الحرّية والديمقراطية والوطنية.
ومن غرابة الأمور، أنّ التشويه حدث ولا يزال يحدث في البلاد العربية لمصطلحات فكرية ولمفاهيم كانت هي الأساس في تغيير إيجابي بكثير من أرجاء الأمَّة العربية، وفي مراحل زمنية مختلفة، بينما تنتعش مفاهيم ومصطلحات أخرى تحمل أبعاداً سلبية في الحاضر والمستقبل إذا ما جرى الركون إليها أو التسليم بها. فمصطلح "الشرق الأوسط" أصبح أكثر تداولاً الآن من تعبير "الأمَّة العربية". ومصطلح "المصالح الطائفية والمذهبية" أضحى أكثر انتشاراً من الحديث عن "المصلحة الوطنية". والاحتلال الأجنبي تحوّل إلى "تحرير من نظام ديكتاتوري"! و"الخصخصة" أصبحت بديلاً لواجبات الدولة في التخطيط الاقتصادي الشامل وفي ضمان "العدل الاجتماعي"، أمّا "الديمقراطية" فجرى اختصارها في آليات انتخابية ودمغ الأصابع بالحبر!.
إنَّ العقود الثلاث الماضية شهدت ضغوطاً أميركيّة كثيرة من أجل التطبيع العربي مع إسرائيل، كمدخل مطلوب لمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وهو المشروع الذي جرى الحديث عنه علناً في مطلع التسعينات بعد مؤتمر مدريد للسلام، وبما كتبه شيمون بيريز آنذاك من دعوة (لتكامل التكنولوجيّة الإسرائيليّة والعمالة المصريّة مع المال الخليجي العربي) في إطار "شرق أوسطي جديد" يُنهي عمليّاً "الهويّة العربية" ويؤسّس لوضع إقليمي جديد تكون إسرائيل فيه بموقع القيادة الفاعلة عملياً.
أيضاً، نجد المنطقة العربية تعيش الآن مخاطر التهديد للوحدة الوطنية كمحصّلة لمفاهيم أو ممارسات خاطئة لكلٍّ من الوطنية والعروبة والدين. وقد عانى العديد من الأوطان العربية، وما يزال، من أزمات تمييز بين المواطنين، أو نتيجة ضعف بناء الدولة الوطنية ممّا أضعف الولاء الوطني لدى الناس وجعلهم يبحثون عن أطر فئوية بديلة لمفهوم المواطنة الواحدة المشتركة.
هي الآن مرحلة حاسمة ليس فقط في "تاريخ" العرب، بل أيضاً في"جغرافية" أوطانهم وفي "هويّتهم" وفي مستقبل أجيالهم.
شّعوب كثيرة في "شرق" الأرض و"غربها"، وفي "شمالها" و"جنوبها"، خلُصت إلى قناعة بضرورة نبذ العنف بين بلدانها وداخل مجتمعاتها الخاصّة، وباعتماد النّهج الديمقراطي في الحكم والعلاقات بين المواطنين والأوطان، بينما للأسف تزداد ظواهر الانقسام والعنف الدّاخلي في أرجاء المنطقة العربية، ويستمرّ تهميش القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، ويتواصل استنزاف الجيوش العربية الكبرى في معارك أمنية داخلية، وتتعمّق المفاهيم و"الهويّات" الإنشطارية في كل أرجاء الأمَّة على حساب "الهُويّة الوطنية" الواحدة و"الهويّة العربية" المشتركة!.  
إنّ الحروب الأهليّة هي طاحونة الأوطان في كلّ زمانٍ ومكان. وهاهي المجتمعات العربيّة أمام تحدٍّ خطير يستهدف كلَّ من وما فيها. هو امتحان جدّي لفعل المواطنة في كل بلدٍ عربي إذ لا يمكن أن يقوم وطنٌ واحد على تعدّدية مفاهيم "المواطنة" و"الهويّة". وحينما يسقط المواطن في الامتحان يسقط الوطن بأسره.     
إنّه لواقع حال لا يعبّر فقط عن أزمة فهم المصطلحات، إذ لو كان الأمر كذلك لأضحى الحل في طباعة قاموس جديد!. حقيقة المشكلة هي أنّ وراء كل مصطلح مشوَّه، تجارب محلية سيئة أو أهداف خارجية مشبوهة، وبعض هذه التجارب السيئة مستمرٌّ في الحكم، والبعض الآخر في المعارضة! من هنا يمكن البدء في تصحيح المفاهيم والاتفاق على المصطلحات، ثمّ العمل المشترك لتصحيح الواقع.
وللحديث صلة عن مفاهيم (الحوار) و(الجدل) و(التفاوض) وما نحتاجه عربياً.    

* مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

أقلية يهودية فرنسية تبتز قصر الإليزيه/ د. مصطفى يوسف اللداوي

تكاد لا تزيد نسبة عدد السكان اليهود الفرنسيين عن 1% من إجمالي عدد سكان فرنسا البالغ 67 مليوناً، إذ تشير أحدث الاحصائيات السكانية الفرنسية أن عدد يهود فرنسا القاطنين فيها الآن يمثلون نسبة 0.72% فقط، أي أقل من نصف مليون مواطن، يتركز أغلبهم في العاصمة باريس، بينما يشكل المسلمون الفرنسيون من أصولٍ شتى، عربيةً وأفريقية وغيرها، نسبةً قد تصل إلى 8% من إجمالي عدد السكان، أي أكثر من خمسة ملايين مسلم، بما يجعل من الإسلام الدين الثاني في الجمهورية الفرنسية.
إلا أن نسبة اليهود الضئيلة العدد، فاعلة الوجود والأثر على العكس من عددها، إذ تلعب دوراً كبيراً في تشكيل السياسة الفرنسية، وتتحكم في القرارات السيادية للدولة على المستويين الداخلي والخارجي، وتمارس على الحكومة أدواراً ابتزازية واستفزازية، الأمر الذي يجعل منهم لاعباً أساسياً لا يمكن إهمال دوره، أو انكار تأثيره، وعاملاً مؤثراً في تحديد سياسة ساكن قصر الإليزيه، الذي يجد نفسه غالباً ينجر وراء الأماني اليهودية، ويحقق رغباتهم في فرنسا وخارجها، وخاصةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي، بما يرضي أمانيهم، ولا يخالف سياساتهم المعلنة والخفية.
تراعي الإدارات المحلية الفرنسية على عمومها، العادات والمناسبات اليهودية بصورةٍ لافتةٍ ومثيرة للانتباه والتساؤل، وتثبت أيام المناسبات والأعياد اليهودية في رزنامتها الرسمية، إذ فجأةً وفي غير المناسبات المسيحية الكبرى، تزدان باريس كلها والمدن الفرنسية الأخرى، وتتزين شوارعها، وتضاء ميادينها، وتوقد الشموع في ساحاتها وأمام رموزها التاريخية، وتسخر الشرطة والأجهزة الأمنية لحماية وحراسة الأماكن والمؤسسات اليهودية، ليهنأ اليهود الفرنسيون ، بالاحتفال بمناسباتهم، والفرح في أعيادهم، والصلاة في معابدهم. 
بينما لا ينسى الرئيس الفرنسي توجيه رسالةٍ لهم، يهنئهم فيها بالعيد، أو يشاركهم المناسبة بنفسه، ويتمنى لهم السعادة والهناء، والسلامة والأمن والرخاء، ويدعو جموع الفرنسيين لتهنئتهم، ومشاركتهم احتفالاتهم، وعدم التنغيص عليهم في يوم فرحهم، أو الإساءة إلى رموزهم ومقدساتهم.
بل إن بعض الرؤساء الفرنسيين يبالغون في الاحتفاء، ويغالون في التهنئة والمباركة، ويظهرون فرحاً في مناسباتٍ يهودية أكثر من فرحهم بمناسباتهم، وكأنهم بفرحهم وتهنئتهم يخطبون ود شعبٍ بأكمله، أو يخاطبون دولةً كبرى ويتوددون إلى حكومتها، ويستسمحون خاطرها، ويتقدمون إليها بآيات الولاء، وعلامات القربى والمودة والشكر والعرفان، عبر جاليتها التي تسكن بلادها، وتتحكم في بعض قراراتها، وكأنهم سلطة فوق السلطة، فيكرمونها خوفاً من غضبها، أو استمالةً لها وحرصاً على رضاها الذي لا تبلغه.
يراعي الفرنسيون كثيراً اليهود ويحرصون على مشاعرهم، فيحيون معهم ذكرى المحرقة، ويضعون من أجلهم القلنسوة اليهودية على روؤسهم، ويبكون حزناً عليهم وتضامناً معهم، ويعاقبون كل من ينكر المحرقة أو يشكك فيها، أو يقلل عدد الذين قتلوا خلالها، ويتهمون من لا يواسي اليهود في يومهم، أو يشاركهم فرحهم أو حزنهم بأنه معادي للسامية، وأنه بجريمته الأخلاقية يجب أن يحاكم ويسجن، أو يعاقب ويغرم، فقد اعتدى على مشاعر شعبٍ بأكمله، وتنكر لعذاباته ومعاناته، وأساء إلى عائلاتهم وأسرهم المنكوبة، في الوقت الذي يرفضون فيه إجراء مقارنة بين عذابات اليهود ومحرقتهم، وبين ظلمهم واضطهادهم وطردهم لشعبٍ بأكمله، وكأن اليهود أمةٌ ينبغي ألا تظلم ولا تضام، وألا تعذب ولا تهان، بينما يجوز ذلك على أيديهم لغيرهم.
ورغم أن اليهود الفرنسيين في خمسينيات القرن الماضي كانوا أقل عدداً مما هم عليه اليوم في فرنسا، إلا أنهم استطاعوا من خلال نفوذهم ومناصبهم الرسمية، ومواقعهم الحكومية، أن يصنعوا حلفاً كبيراً بين باريس وتل أبيب، وأن يجعلوا من فرنسا داعمةً رئيسة للكيان الصهيوني، ومؤيدة لسياستها، ومدافعةً عنها، ومقاتلةً من أجلها، وهي التي أشرفت على تزويدها بمختلف أنواع الأسلحة المدمرة، إذ زودتها بطائرات الميراج التي كانت عماد سلاح الجو الإسرائيلي، والذي كان له الدور الأكبر في عدوان يونيو/حزيران، عندما باغتت أسراب طائراتهم الحربية المطارات والطائرات العربية الرابضة.
كما أن فرنسا كانت وراء دخول الكيان الصهيوني نادي الدول النووية، ومكنتها من بناء مفاعل ديمونا الذي يعتبر عمدة مشروعها النووي، وأساس ترسانتها النووية الكبيرة، الذي تهدد به العرب، وتستقوي به على الشعوب، وتهدد به أمن المنطقة كلها، وقد كان هذا الإنجاز نتيجةً للجهود الكبيرة التي بذلها الموظفون الكبار في وزارة الدفاع الفرنسية، الذين كانوا على اتصالٍ دائمٍ مع شيمعون بيريس الذي كان إبَّانها المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، والذي يعتبر العقل المدبر، والأب الحقيقي للمشروع النووي الإسرائيلي، الذي كان مشروعاً فرنسياً بجدارةٍ. 
وما زالت فرنسا ترعى الكيان الصهيوني بما أمكنها، فتزوده بالسلاح إن استطاعت، وتدافع عنه في كل المحافل السياسية، وتحول دون خضوعه إلى المحاكم الدولية، ولا تقبل بالإشراف أو الرقابة الدولية على مشاريعه النووية، ولا على مخازن أسلحته الاستراتيجية، وتنبري لصد أي هجومٍ عربي أو إسلامي أو دولي ضدها، وترى أن الكيان الصهيوني يجب أن يبقى قوياً ومحصناً، ومتفوقاً ورادعاً، فلا يهدد أمنه أحد، ولا يهز قواعد بنيانه نظامٌ أو جيش.
كما تريد للكيان الصهيوني أن يكون دولةً طبيعية في المنطقة، لها علاقاتها مع العرب ويعترفون بها، ويرتبطون معها باتفاقيات تعاونٍ، ويتبادلون التجارة معها، ولهذا تحرص الإدارات الفرنسية على أن يشارك في مناسباتها إلى جانب القادة والملوك والرؤساء العرب، مسؤولون إسرائيليون كبار، لتحدث بينهم علاقة علنية مكشوفة، تقبل بها الأنظمة وتسكت عنها الشعوب، ولعل مشاركة رئيس الحكومة الإسرائيلية في مسيرة باريس التضامنية مع حادثة تشارلي هيبدو إلى جانب قادةٍ عرب، محاولة مقصودة من الحكومة الفرنسية لدعم الكيان الصهيوني، وتبرئته من تهمة الإرهاب الموغل بها، والتي يرتكبها وجيشه صباح مساء، دون ردٍ دولي، أو اعتراضٍ أممي.
إنهم يهود فرنسا على قلة عددهم، يخططون وينفذون، ويملون ويأمرون، يفرضون سياستهم، ويلقون أوامرهم، ويضعون شروطهم، ويحددون مسارات قصر الإليزيه وسيده، ببجاحةٍ ودون لياقة، وبفجاجةٍ غير لائقة، وبقلة أدبٍ بادية، لئلا يبعد أو يشط، أو يقصر ويهمل، أو ينسى التزاماته ويفرط في واجباته.

ملاحظة على الهامش/ شاكر فريد حسن

في الماضي حين كانت تقام ندوة أدبية أو أمسية أدبية بمناسبة صدور ديوان شعر جديد أو مجموعة قصصية جديدة أو أي عمل أدبي إبداعي ، كان المشاركون يتحدثون عن الكتاب أكثر من صاحبه ، فيبرزون مكامن الضعف والجمال والإبداع فيه ، ويقدمون الملاحظات النقدية حول الهفوات فيه كي يستفيد من هذه الملاحظات في عمله القادم وفي كتاباته  المستقبلية  .
أما اليوم ، وللأسف ، فقد اختلف واقع الحال ، والمشاركون يتحدثون عن المؤلف أكثر من الكتاب ، فينفخون صاحبه وينعتوه بألقاب وصفات لم تقل لا في المتنبي ولا في أبي العلاء المعري ولا في السياب والبياتي ، ولا في طوقان ودرويش ويوسف الخال وأنسي الحاج وشوقي بزيغ ومحمد شمس الدين وغيرهم ، وحينها يحس بالغرور والانتفاخ الطاووسي، ويزيد وزنه أكثر من عشر كيلوغرامات في تلك الأمسية ، ويصدق انه أشعر الشعراء وأعظم الكتاب ، وانه سيد الكلمة ومبدع المرحلة . فاتقوا اللـه يا أصحاب الكلمة والقلم ، وقليلاً من التواضع والصدق والصراحة ، وكفى مديحاً وإطراءاً ونفاقاً ومجاملة وممالأة ورياءً ونفخاً وتسويقاً وتلميعاً ، وليتوقف الانحدار الثقافي الذي تعيشه ثقافتنا وأدبنا في هذه البلاد ..!! .فحياتنا الثقافية تحتاج للصدق ، وللنقد البناء الهادف ..النقد العلمي الموضوعي المنهجي والجمالي الواقعي ، وللكلمة الهادفة  ، وليس للنقد المجامل المنافق المرائي ، نقد الاستكتاب السائد في أيامنا هذه .

نـــــــــــــــــــــــور/ رجاء محمد زروقي


في ذكرى ظعْن زفافها .. وهي تلتحف فردوس ليل البياض الأبدي
**--**--**--** 
نــــــــــــــــــــــــــــــور 
  نـــور النورانية )
نور العروس المخفية 
منّي إليك 
سلاما  "جميلا " 
حتى مطلع القصيد 
يا مُجاج نسغ جأش الحرف 
 ( يا صبية
.....،.....
نــــــــــــــــــــــــور
ذات 24 فيبروس 
وذات التحافك 
ليل ثواء البياض 
الأبدي
تموّج النّجم 
وما سرى 
تمخّض البحر 
وما جرى
تَكَوّم الزمن 
وما درى 
بأنّك نور بصر الدّنيا 
والتاريخ أبكم .. أصم 
بعدك .. لا يرى ..
.....، .....
نـــــــــــــامي 
ياااااأنـــــــا
فبعدك تغفو كلّ الدّنيا 
عن مرايا النِماء .. الرِواء.. 
وكلّ ما فيّ من نارنج / نرمين 
وذُرى /
ولكن ما يتغاضى 
الفجر وميضك 
يوم يبحث لرؤاه 
مُبرر رُؤى
.....،.....
نـــــــــــــــامي 
ياااااا أنـــــــا
فأنايّ يرقد .. فيك ..
مُذ افتقد الرّجاء .. رجاء .. 
وأخفق التاريخ 
في نسج مراسم الوجع 
على مقياس .. فزع  الأنا .. 
وارتدانا بشكلٍ 
غير لائق 
مُوفى هذا المســـــــــاء 
.....،.....
أختك الحزينة على مدّ المدى "رجاء"
محمد زروقي

ابوت، الاداء المتعثّر وحرب التسريبات/ عباس علي مراد

بعد ان نجا رئيس الوزراء طوني ابوت من التحدّي على زعامة الحزب قبل ثلاثة اسابيع بحصوله على تأييد 61 صوتاّ مقابل 39 من اصل 102 عضواً، الذين يشكلون الكتلة  البرلمانية للحزب وتغيب نائب وامتناع آخر على التصويت، اعلن رئيس الوزراء " أن الحكومة الجيدة تبدأ اليوم".
المعلوم ان رئيس الوزراء ومنذ فوزه بإنتخابات ايلول عام 2013 وعد بوعود ونفذها، وكسر وعود اخرى عندما عرض ميزانيته الاولى التي لاقت ردود فعل سلبية لدى المواطنين، هذه الردود لاقت آذان صاغية في مجلس الشيوخ الذي عرقل اقرار الميزانية خصوصاً في ما يتعلق بإصلاح التعليم الجامعي والضريبة على زيارة الطبيب،بالاضافة الى ذلك عانت الميزانية والدخل الحكومي من تراجع اسعار المواد الأولية كالفحم والحديد والغاز، هذا التراجع وعدم اقرار جميع بنود الميزانية زاد من حجم المشكلة الموجودة حيث نسبة الإنفاق الى ارتفاع والمداخيل الحكومية الى انخفاض، ولسدّ العجز لجأت الحكومة الى الإستدانة.
وعود رئيس الحكومة التي اطلقها بعد التحدي على زعامة الحزب ،والتي كان أهمها المزيد من الإستشارة  مع نواب المقاعد الخلفية بدأت تتبخر عندما اقدم رئيس الوزراء على طرد النائب فيليب رادوك منسّق الكتلة البرلمانية للحزب، والتي اعتبرها البعض نوع من الإنتقام من رادوك اوتفرد بالقرار من رئيس الوزراء كما قال وزير الاتصالات مالكوم تيرنبول في برنامج سؤال وجواب على محطة اي بي سي في 16/02/2015.
لم يكن اداء رئيس الوزراء افضل عندما حاول تذكير اندونيسيا بأن استراليا قدمت لأندونيسيا قرابة مليار دولار العام 2004 بعد فيضانات المدى العالي (تسونامي) والتي راح ضحيتها اكثر من مئة الف مواطن في محاولة منه للضغط على اندونيسيا لوقف حكم الإعدام بحق اثنين من مجموعة التسعة المتهمين بتهريب المخدرات اندرو شان وماياران سوكومارمز، هذه التصريحات اعتبرتها اندونيسيا نوع من التهديد حسب الناطق بإسم الخارجية الأندونيسية الذي أضاف بأن الكل يعرف طبيعة الرد على التهديد، وقد قام بعض الغاضبين من الاندونسيين بوصف رئيس الوزراء طوني ابوت  بشيلوك احد ابطال مسرحية شكسبير "تاجر البندقية" والذي كان يدين الناس اموالا  ويفرض شروط قاسية على من يخفق في السداد، وقد جاء هذا التعليق من ضمن حملة لاعادة اموال المساعدات لأستراليا، وقد علّق الصحافي وليد علي في صحيفة (سيدني مورنيغ هيرالد 20/02/2015 ص 18) على اقوال ابوت كأنها ترداد لما قاله المذيع آلن جونز بهذا الخصوص على تلفزيون اي بي سي في 16/02/2015 برنامج سؤال وجواب، وأضاف ان المشكلة، ان رئيس الوزراء يدير دبلوماسية على المستوى الدولي وليس برنامج بث مباشر، واعتبر الخبير في الشؤون الأندونيسية غريغ فيلي من الجامعة الوطنية الاسترالية ان تصريحات ابوت خطأ كبيرا حيث تسمح للذين يريدون الحط من قدر استراليا القول ان المساعدات ليست من اجل الإغاثة ولا مساعدات انسانية، انما من اجل اهداف استراليا الخاصة (س م ه 21/02/2015 ما وراء الأخبار ص 27).
من جهة ثانية وبخصوص بناء اسطول الغواصات الاسترالية، اعتبر النائب من جنوب استراليا شون ادواردز بأنه خدع من قبل رئيس الوزراء الذي كان وعده قبل التحدي على زعامة الحزب بأن مؤسسة بناء الغواصات الاسترالية سوف تؤخذ بعين الإعتبار وتستشار كما اي شركة اخرى ليتبيّن لاحقاً ان الحكومة لم تتواصل مع الشركة كما ذكرت صحيفة (س م ه في عددها الصادر السبت الواقع في 21/22 قسم ما وراء الأخبار ص 26).
كأن الإداء المتعثر لرئيس الوزراء والتدمير الذاتي، لهذا الإداء لا يكفي، فقد بدأت حرب على رئيس الوزراء من نوع آخر ومن داخل الحكومة فقد بدأت حرب التسريبات حيث نشرت حريدة ذي استراليان في 21/02/2015 خبراً عن ان رئيس الوزراء طلب المشورة عن امكانية غزو العراق منفرداً بقلم المحرر المساعد جون لاين، ويقضي اقتراح ابوت حسب الصحيفة بإرسال 3500 جندي استرالي لمقاتلة الدولة الإسلامية في العراق، وذلك خلال اجتماع عقد في كانبرا في 25 تشرين الثاني الماضي وقد حضرته مستشارة رئيس الوزراء بيتا كردلين والتي لم تعارض الإقتراح الذي حملة رئيس الوزراء بعد ذلك لكبار المخططين العسكريين الذين صعقوا من الإقتراح واخبروا ابوت ان ارسال 3500 جندي استرالي من دون اي غطاء من الولايات المتحدة او حلف الناتو يعتبر كارثة على استراليا. رئيس الوزراء طوني ابوت ردّ على هذا الخبر بأنها قصة خيالية وكاذبة ومع ذلك تصّر الصحيفة على مصداقية الخبر.
في ظل هذه الأجواء، من هنا الى اين والى متى سيصمد رئيس الوزراء في منصبه؟
كنا بعد التحدّي على زعامة الحزب ونجاة رئيس الوزراء، اعتقدنا ان الفرصة التي منحت لرئيس الوزراء هي تقديم ميزانيته الثانية في أيار القادم، لكن الدلائل تشير الى ان الأمور قد تتسارع اذا ما استمر الإداء الحكومي على ما هو عليه الى جانب التسريبات التي تشكل مدخلاً الى تغيير في القيادة ووقف حالة التدهور والتخبط.
يبقى علينا، ان ننتظر ماذا سيقدم رئيس الوزراء في خطته الأمنية والتقرير عن حادثة مارتن بلايس هذا الاسبوع وردود الفعل عليه، وهل ستكون لصالح رئيس الحكومة ام لا؟
في الختام، نشير الى مقال نشرته صحيفة ذي غارديان الالكترونية  في 18/2/2015  بقلم جون راديك، المقالة، تدعو الى انتخاب قيادة الحزب من قبل اعضاء الحزب وضرورة اصلاح النظام الغير ديمقراطي المعمول به حالياً، حيث تحتكر الكتلة البرلمانية  اختيار زعيم الحزب، وذلك من اجل مصلحة الوطن.

Email:abbasmorad@hotmail.com

حوارات دافئة وحميمة 28/ محمود كعوش

رويدكِ يا هذي الجميلةْ
بادرها شعراً وقال:
"رويدكِ يا هذي الجميلةُ إنني
أرتجي وصلاً لدى أُختِ القمر
ما رأتْ عيني على وجهِ الثرى
مثلَ هذا الحسنِ ما بينَ البشر
هلْ أُلاقي يا فتاتي موضعاً
في ديارِ السحرِ يُقْريني الخبر؟"
ثم أردفَ نثراً فقال:
صباحكِ باقاتُ جوري وحفناتُ ياسمينْ
صباحكِ رياضُ ورودٍ وزهورٍ وجداولُ ماءٍ رقراقٍ وعذبْ
صباحكِ بسماتُ أملٍ وتفاؤلٍ متلاحقة 
صباحكِ همساتٌ دافئةٌ ومتواصلةْ
وكذا الحالُ معَ مسائكِ وكلِ أوقاتكِ...وأكثرُ بكثيرْ 
معَ طلةِ كلِ يومِ جديدٍ يزدادُ الحبُ ويتضاعفُ الشوقُ والحنينُ إليكِ !!
تُرى هلْ تدركينَ ذا ؟
وهلْ تجودينَ بوصلِكِ أكثرَ وأكثرَ فتسعفينَ مشاعري ؟
أنا واللهُ يعلمُ في كلِ لحظةٍ أنسجُ لكِ المشاعرَ سلّما...وأكثرْ!!
فهيا يا حبيبة القلبِ جودي عليَ وجودي !!
أجابته بشوقٍ ولهفةْ:
صباحُكَ لحنٌ عذبٌ وموسيقى حالمةٌ وسيمفونيةٌ ساحرَةٌ 
صباحُكَ زقزقةُ عصفور وهَدْلُ حمامةٍ وعَنْدَلَةُ عندليبٍ وهدهدةُ هدهدْ
صباحك خرير ماءٍ عذبٍ يتفجرُ من نبعٍ صخري
صباحكَ لهفةُ شوقٍ ولِقاءُ عِشْقِ ولَظى وجدْ 
صَباحكَ ابتسامةٌ صاخبةٌ وأكثرُ بكثيرْ
مساؤكَ حبٌ وإشراقةٌ وابتسامةْ 
مساؤكَ يرتاحُ له القلبُ، ويزدادُ بهِ اتساعاً لنفحاتِ شوقِ لا حدَ لَهُ، ولا شبيهاً لَهُ عندَ العُشاقِ والمُحبينْ 
مساؤكَ عطرُ ورودٍ وعبيرُ زهورٍ وأريجُ رياضٍ وجنائنَ غناءَ، وانسيابُ أنهارٍ وجداولَ وسواقيْ، وحرارةُ شوقٍ وحنينٍ ولوعةْ
وربُ العزةِ والقدرة أنني أجدُ ملامحي فيكَ وبكلِ حرفِ من قصيدةٍ أو خاطرةٍ تكتبها  :):)
وربُ العزةٍ والقدرة أنني لم أعُدْ قادرةً على غيابِكْ...يا لغيابِكَ ياهٍ ويااااااااااه !!
أحبكَ وأحبُ إسمكَ...يا كلَ الحبِ يا أنتْ
أجملُ ما أهديكَ لهذا اللّيلِ قصيدةَ عصماءَ كتبتُها لكَ من أعماقِ القلبِ يا كلَ الجمالِ والرونقِ والرقةِ والرُقيِ، يا أنتْ !!
وأروعُ ما أريدُ أن أستعيرَهُ من هذا الليلِ سُويعةً واحدةً فقط لأتأملكَ خلالِها وأتمتعَ ببهاءِ طلتِكَ يا كلّ الحبِ والطمأنينةِ، يا أنتْ !!
آهٍ ثمَ آهٍ كمْ أشتاقكَ يا أنتَ
كَمْ أشتاقكْ !!
دُمْ سالماً وإلى لقاءٍ قريبْ !!

البقية تأتي تباعاً......
محمود كعوش
kawashmahmoud@yahoo.co.uk

فلسطينيو أوروبا.. من المحنة إلى المنحة/ علي هويدي

لا يكاد يختلف إثنان عما كابده وعاناه فلسطينيو أوروبا قبل أن يستقر بهم المقام في القارة العجوز منذ عقود من الزمن، فمع كل مرحلة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية كانت تزداد الأعداد تباعاً، البعض ممن جاءالقارة للتعليم والآخر للتجارة والعمل.. لكن الغالبية العظمى من الفلسطينيين جاؤوا نتيجة نكسات وأوضاع إقتصادية وأمنية متردية، وتحديداً منذ نكبة العام 48 وبعدها نكسة العام 67 وتلاها محطات كثيرة، من الإعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، إلى التضييق على فلسطينيي الداخل المحتل عام 48، إلى معارك أيلول الأسود في الأردن في مطلع سبعينيات القرن الماضي، إلى الحرب الأهلية في لبنان، إلى الغزو الإسرائيلي إلى لبنان في العام 1982، وبعدها حرب المخيمات ثم حرب الخليج الثانية وإحتلال التحالف الغربي للعراق، مروراً بالأزمة في سوريا، وما نتج عنها ولا يزال من حالات هجرة إلى الدول الأوروبية...

أدرك فلسطينيو أوروبا مخطط تذويبهم في مجتمعات الدول الأوروبية المضيفة كمقدمة لطمس الهوية الفلسطينية، والسعي كي ينسى الإنسان الذي يحصل على الجنسية الأوروبية الإرتباط بمسقط رأسه ورأس اجداده في فلسطين، والإنغماس بالتفكير في تحصيل لقمة العيش على حساب البعد السياسي لقضية اللاجئين المتمثل بحق العودة. هذه المأساة وتلك المعاناة لم تكن إلا لتساهم في إعادة رسم المسار الإستراتيجي لفلسطينيي أوروبا خاصة بعد إنخراط القيادة السياسية الفلسطينية في مسار التسوية إبان مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 وبعد ذلك توقيع إتفاق أوسلو في أيلول من العام 1993 وإعتراف م. ت. ف. بدولة الإحتلال الإسرائيلي على 78% من أرض فلسطين الإنتدابية، وليدرك فلسطينيو أوروبا ومعهم مجاميع اللاجئين في المخيمات والتجمعات، من أن هناك مخطط لمحو قضيتهم كلاجئين وحقهم في العودة عن الخارطة السياسية..

اتخذ الحراك الشعبي الرافض للمتغير في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أشكالاً مختلفة من المقاومة الثقافية والأدبية والفنية والتربوية والإجتماعية والوطنية والسياسية في رفع مستوى الوعي تجاه المخاطر القادمة، وليتطور من العمل الفردي إلى العمل الجماعي المنهجي المنظم، ليبدأ مع الأسرة وأماكن العمل والبيئة المحيطة، وإنشاء المؤسسات المتخصصة، ولينمو الحراك ليأخذ شكل التاثير الفاعل في صانع القرار الأوروبي، وليتطور أكثر فأكثر ليصبح البعض من أبناء الجيل الجديد في مواقع رسمية في البلديات والمجالس النيابية والوزراء وغيرها من المناصب التي يمكن من خلالها التأثير لصالح القضية الفلسطينية، لتفتح أبواب دول الإتحاد الأوروبي سواءً بشكل إفرادي أو جماعي لإستقبالهم والإستماع لهم ولمطالبهم، ولينعكس التأثير على العديد من الوزراء والسفراء والبرلمانيين والأكاديميين ورؤساء قدامى لزيارة أماكن تواجد اللاجئين في المخيمات والإطلاع على أوضاعهم المأساوية والعودة من جديد إلى دولهم ورفع الصوت للمطالبة بحقوقهم، ولتبادر شخصيات أوروبية بإنشاء مؤسسات متضامنة ومتعاطفة مع الحق الفلسطيني...

في العام 2003 أدرك فلسطينيو أوروبا أهمية الحاجة للتقعيد والتأصيل للحراك الفلسطيني في القارة والدعوة لعمل شعبي منهجي جامع يلتف حوله في البعد الوطني ليس فقط فلسطينيي أوروبا، بل والفلسطينيين في أماكن اللجوء والشتات والمنافي، لينطلق مؤتمر فلسطينيي أوروبا الأول من العاصمة البريطانية لندن، وليس من المصادفة أن يكون الإنطلاق من دولة وعد بلفور المشؤوم والإنتداب الذي سلم فلسطين للعصابات الصهيونية.. ولينمو ويتطور ويستمر "المؤتمر" ويتوسع سنوياً ليشارك فيه الآلاف من فلسطينيي القارة، ولتنبثق عنه خلال ثلاث عشرة سنة العديد من المؤسسات الأهلية الفلسطينية الواعدة والمتخصصة لتحتضن العائلة الفلسطينية ولتحافظ على الهوية الثقافية والإنتماء لفلسطين..

بطبيعة الحال لا يخلو أي تدفق بشري بهذا الحجم خلال هذه الفترة من بعض الخسارات والإنتكاسات، لها أثرها السلبي على العائلة وحتى على الهوية الفلسطينية.. لكن في المحصلة ساهم وعي وفهم فلسطينيي أوروبا لحجم المخاطر المحدقة بالمشروع الوطني، وممارسة الطرق العلمية والمنهجية لتحصيل الحقوق وحمايتها والدفاع عنها، واستحضار مكامن القوة للوجود الفلسطيني الجمعي في القارة، كان كفيلاً بتحويل المحنة إلى منحة مزعجة ومقلقة لأصحاب مشاريع التسوية..    

*المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني / لندن – المنطقة العربية
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

حين يخاف عاموس عوز/ جواد بولس

لم أفاجأ ممّا قاله الأديب المعروف عاموس عوز في كلمته التي ألقاها في السابع عشر من هذا الشهر، أمام من حضر المؤتمر السنوي الذي يقيمه معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب.
كثيرون من قادة إسرائيل وحكّامها يصلّون أن لا تصل أقواله إلى قطاعات اسرائيلية شعبية واسعة، لما قد تسببه من حرج لهؤلاء القادة، أو لأنّها ستؤدي إلى تفتيح عيون أرمدها ساسة خططوا كي يبقوا "بصيرين" يتقدمون قطعانًا من العميان.  
يعتبر عاموس عوز واحدًا من أهم الأدباء الذين يكتبون بالعبرية ويحظى بشهرة عالمية، ترجمت أعماله لعشرات اللغات الأجنبية بما فيها العربية. بعيدًا عن تقييمنا لأعماله الأدبية يعد عوز رمزًا من رموز الثقافة العبرية وأيقونة اسرائيلية هامة، لا سيما بما تعكسه حياته العائلية الشخصية وتماهيها مع كثير من فصول الرواية الإسرائيلية الحديثة والتاريخية.    
ثلاثون دقيقة تحدّث خلالها عوز عن مائة عام من صراع وحقد خلّف جداول دم لم تجف. في القاعة جمهور من "خبراء في الأمن" ومن "محترفي التشخيص والتمحيص والتنظير"، وهو بجرأة مثقف واع يكشف لهم عن عوراتهم، ويعلن أن الوقت قد حان وعلى إسرائيل أن  تتحرر من أحلامها السوداء، وإلّا سيكون ليلها أطول من ليل النابغة. يوجعهم حين يؤكد أن جيش إسرائيل لم ينتصر في معاركه، فالانتصار ليس بعدد القتلى والدبابات المدمرة، بل بتحقيق الأهداف السياسية، وتأمين الحياة والسلامة لأهلك. بثقة من يحب شعبه ويحب دولته، يذكّرهم بأنه كان من الأوائل الذين تنبأوا أن الاحتلال سيفسد إسرائيل والإسرائيليين. "إنني خائف ومتوجّس من المستقبل ومن سياسات الحكومة وإنني أخجل بها"، قالها وهو يغادر المنصة، وقد تركني أستذكر ذلك اليوم الصيفي الجميل، حين تعاهدت معه أن ندخل غرفةً لبضع دقائق ونوقع معًا صلحنا التاريخي، نحن الذين نعيش عليها وسنبقى لا مفر.  
كانت تجلس، وعلى يمينها يجلس صديق زوجها-  الكاتب عاموس عوز وزوجته، شعرها مصفف بعناية وعلى عنقها قلادة في وسطها حجر ناعس لا يصرخ، بدت هادئة ولطيفة، حين فاتحتنا معلنة أنها، لأول مرّة في حياتها، بدأت تشعر بخوف وتفكّر بجدّية في مستقبل أولادها في البلاد. 
كنا خمسة أزواج، دعينا في ظهيرة سبت شرق أوسطي جميل، إلى بيت صديق ربطته مع زوج تلك السيّدة علاقات عمل تحوّلت مع السنين إلى صداقة عائلية متينة واحترام صادق. أنهينا طقوس التعارف الأولى، فكلّنا يعرف عن كلّنا، وجلسنا ننتظر دعوة أصحاب البيت، لتناول وجبة الغذاء.
كان عاموس عوز أوّل من علّق على تصريح صديقتنا، الذي وقع علينا كطلقة مسدس يعلن عن بدء سباق، وكفاتحة حدّدت مسارات الحديث وهويّته، بصوته العذب، وبثقة بحّار، وافقها على أن وضع البلاد مزعج، وأضاف حاسمًا أنّه سيكون أشد خطورةً إذا لم يتوقف التدهور الحاصل. 
لم ننتظر طويلًا، انتقلنا وتحلّقنا طاولةً حُمّلت ما تيسّر من أطايب وشهيّات معلنة. ابتدأنا بشرب نخب صداقات تمنينا لها أن تدوم، وأيام عساها لا تجيء حبلى بالفواجع والقهر. أكملتُ ما كنت أقوله في حق المحكمة العليا الإسرائيلية، وكيف تبدو عليها علامات الضعف والهزيمة الوشيكة، فالسوس قريب من عودها، وقد أجهز على منظومات حكم أخرى.
 يجلس يسرائيل مقابلي، يسمعني وهو قابض حاجبيه، كمن يرفض تصديق ما يسمع وهو من أشهر المحامين في إسرائيل ومن رعيلهم الأول؛ في الخارج يحاول  النهار أن يتسلل بطيئًا إلى مجلسنا ليسرق حفنة من مخاوف ووجع، لم ننتبه أن ضوءه ودّعنا تاركًا ما يكفي لنرى حبّات ليمون ناهدة، تهتز على صدر شجرة فتيّة، وتنحني استعدادًا لساعة نومها في حديقة بيت صديقنا الرحبة.
أدلى كل من حضر بموقفه وبتجربته، استحضرنا مواضينا، فنفضنا من ثناياها غبارًا زائدًا ومزعجًا. نهرنا حواضرنا فسقط من عيوننا الخوف والشك، وتهامسنا كيف يا ترى سيكون الغيب.
 اكتشفنا إننا نحب أولادنا بنفس الطريقة والتنهيدة، وأننا نخاف عليهم من الريح ذاتها، ومن السكين ورائحة البارود.
بعد ساعات  أجمعوا على أن ما تقوم به حكوماتهم بحق الفلسطينيين حرام ومعيب، فاختلفنا وتناقشنا، واتفقنا أن الدمع وحده غير كاف، وأن المسألة في البدء كانت سياسية ولن تكون فقط إنسانية تحل بمراسيم رحمة وقوائم تصاريح. الاحتلال جريمة، استمراره دمار وإفساد، وكل موبقة تسوّغ باسم الدفاع عن أمن اسرائيل وسلامة سكانها، ستصبح سلوكًا مستساغًا يغزو أروقة حكمها ويملأ شوارعها قتلًا ورعبًا وضحايا.
كانت يدي اليمنى ترتفع وتهوي كيد منجّد، كنت أشرح لهم تفاصيل آخر اعتداء نفذته مجموعة من الصبية اليهود تنادى أعضاؤها، من خلال شاشات هواتفهم الذكية، واستجابوا لدعوة صاحبهم للخروج إلى حفلة اصطياد فتية عرب. في غضون دقائق انضم ثلاثون يافعًا وخرجوا كقطيع ذئاب جائعة فانقضوا على أول فتى عربي صادفوه، ولولا تدخل بعض المارة لتركوه جثة هامدةً. 
وقف عاموس عوز واعتذر منّا، فلقد كان مضطرًا أن يعود إلى بيته سائقًا وهو يفضل أن لا يسوق في الظلام، كان يقف ويدي بين يديه، عيناه تنظران مباشرة إلى عيني، في وجهه حكمة من يحب الحياة، وشعره غير مرتب ككبار الأدباء، وقال:"نحن متفقان، أوكد لك إننا لو دخلنا إلى غرفة واجتمعنا سنخرج بعد وقت قصير باتفاق موقع وحل لجميع القضايا، ولكن المأساة أننا لسنا أصحاب القرار وهذا ما يغيظني"، قالها وودعنا ورحل.
ينزل عن المنصة وصوت تصفيق القاعة يخفي وجهه الرجولي الخجول، أفكّر كيف يمكن أن يسمع العرب والإسرائيليون ما قاله عوز، وأشعر أنه ما زال مثلنا يخشى من مستقبل يعبث فيه ساسة فاسدون، ولأنه يعرف كما قال في تل أبيب ما قالته العرب، إن اليد الواحدة لا تستطيع أن تصفق، وأنا أعرف أنه حين يخاف عاموس عوز أخاف أنا كذلك.  

مصر والإستنزاف في ليبيا/ راسم عبيدات

واضح بأن المخطط المرسوم للمنطقة العربية،قد دخل طوراً جديداً،حيث كانت تمارس ضغوط كبيرة على النظام المصري للدخول في ما يسمى بالحرب على "داعش" وفق الشروط الأمريكية،ولكن النظام تجنب ذلك والدخول في الفخ الأمريكي،ولكن يبدو ان تركيا المشغل الرئيسي ل"داعش" وقطر الممول الرئيسي لها،تسعيان الى جر مصر الى حرب استنزاف طويلة تشغل مصر والجيش المصري،تشغل مصر عن تثبيت وتعزيز تفاهماتها مع روسيا،وتشغل الجيش المصري على أكثر من جبهة،فهناك جبهة سيناء،حيث دفيئات الإرهاب يجري تسمينها وتخصيبها  وتسليحها ،لكي تشكل تحد مباشر للجيش المصري......ليبيا ساحة الحسم بين محور قطر- تركيا - الإخوان المسلمين والنظام المصري،وأحسب بأن ليبيا هي التي ستشكل الخطر المباشر على الأمن القومي المصري،وعلى المنطقة برمتها،وخصوصاً بعد سقوط نظام القذافي،ومن ثم تحول ليبيا الى دولة "فاشلة"،حيث العشائر والقبائل والمليشيات المسلحة والإستخبارات من كل الدول تتصارع هناك،في ظل غياب للدولة المركزية.

الضربات الجوية التي قامت بها الطائرات المصرية لمعسكرات "داعش" لن تاتي ثمارها،حيث ان تأثير ذلك سيكون محدوداً جداً،وعملية برية فيها مخاطر كبيرة،لجهة الخطر على العاملين المصريين في ليبيا،وإتساع مساحة ليبيا التي تمكن الجماعات الإرهابية من الحركة والإختباء،وأفاق الحل في ليبيا ليست قريبة،حيث لا توجد سلطة مركزية ولا مؤسسات مجتمع مدني،دولة تحولت الى ميلشيات وعصابات وعشائر وقبائل تتسلح وتتغذى وتوجّه وتدار من أكثر من طرف،وبنادق مأجورة تعمل لحساب من يدفع لها او يحقق لها مصلحتها وأهدافها،كما هو الحال في الصومال،والسيطرة على النفط تشعل فتيل الأزمات والحروب والصراعات القبلية والعشائرية.

المطلوب ان لا يكون هناك آفاق للحل لا في العراق،حيث حروب امريكا على "داعش" تجميليه،فهي تريد لها ان تستمر في إنهاك الدولة العراقية،وتحويل مسلسل التقسيم والتفتيت الى واقع،وان لا يكون هناك جيش عراقي قوي،وكذلك في سوريا يستمر ضخ العصابات وخزان الوقود البشري من مختلف دول العالم،حتى لا تستعيد سوريا عافيتها او تخرج من ازمتها. هذا المشروع وهذا هو المخطط الأمريكي للمنطقة.

مشكلة النظام المصري مركبة،هناك اخطار داخلية وهناك اخطار خارجية،تستهدف الأمن القومي المصري وجيش مصر وسيادتها ودورها وموقعها العربي والإقليمي،النظام حتى يتفرغ لمواجهات الأخطار الخارجية المحدقة به داعش" واخواتها في ليبيا او سيناء وغيرها،بحاجة الى أن تكون اوراقه الداخلية مرتبه،فهو لن يستطيع ان يواجه المخاطر الخارجية بمعزل عن مصالحات سياسية بين كل مكونات ومركبات المجتمع المصري،وبالذات جماعة الإخوان،والتي اذا لم يجر تحييدها ستصبح جزءاً فاعلاً من المشروع المعاد،وهو كذلك بحاجة الى تصحيح علاقات الخارجية،وبالذات مع الدول الخليجية وسوريا،فهي بحاجة لكي تدعم وتوثق علاقاتها مع سوريا،لأنها جزء أساسي في محاربة الإرهاب  و"داعش"،وقوة مصر من قوة سوريا،وعليه كذلك ان يحد من نفوذ السعودية والإمارات في الشأن الداخلي المصري،اللتان تستغلان المساعدات المالية المشروطة المقدمة لمصر من قبلهما،لكي يبقى النظام المصري في دائرة تحالفاتهما،وأيضاً يجري توظيف النظام المصري وجيشه خدمة لمصالحهما في المنطقة،فنحن نرى بعد سيطرة الحوثيين على الأوضاع في اليمن،أن السعودية ودول الخليج تدفع تجاه تدخل عسكري مصري في اليمن،وهذا يعني تورط مصري هناك وإنهاك للجيش المصري وحرف لإتجاه البوصلة،فالخطر الإستراتيجي ليس من اليمن على مصر بل من جبهتين ليبيا والقوى الإرهابية والتكفيرية المتواجدة على أرضها،والتي ستشكل حدودها الطويلة والمفتوحة الطريق السالك لضخ التكفيريين والإرهابيين من مختلف الجنسيات كما هو الحال في سوريا،والعدو الرئيسي والإستراتيجي على مصر والأمة العربية،هو اسرائيل بلا منازع،وهذا يجب ان لا يغيب عن بال القيادة المصرية أبداً.

لا يحق للنظام المصري أن يتورط مرة ثانية في اليمن،كما تورط  الراحل عبد الناصر،والمفارقة أن عبد الناصر تدخل في مصر ضد الحلف السعودي الخليجي أنذاك،واليوم السيسي يجهز جيشه للتدخل نصرة للسعودية وعربان الخليج ضد الحوثيين بعد سيطرتهم على الحكم هناك،والإطاحة بنظام الفساد والقمع الذي رعته السعودية.

مصر في دائرة التهديد والخطر،وما يجري في سوريا يجري نقله الى مصر،وبنفس الأدوات والشركاء جماعة التتريك والخلافة  حاضنة الإخوان المسلمين،وقطر ومعها مشيخات نفطية اخرى،تلعب دور المغذي والمسلح،وصاحب المشروع هو امريكا،ومقاوله الرئيسي المشغل تركيا،والطريقة التي يدير فيها السيسي الأزمات الداخلية والخارجية، لا توحي بأن مصر قادرة على معالجة ازماتها،فالفشل في الداخل سيعكس نفسه على الخارج،السيسي بحاجة لتوحيد واصطفاف كل المركبات السياسية خلف خططه من اجل التصدي للإرهاب،الذي قد يدمر المجتمع المصري ويفككه،والحل ليس بالإعدامات بالجملة،او إعتبار حركة الإخوان او كتائب عز الدين القاسم حركتين إرهابيتين،بل لا بد من حوار جاد وحقيقي،حوار يمكن من إستعياب الإخوان وعودتهم للمشاركة في الحياة السياسية،وتصحيح العلاقة مع قطاع غزة وحركة حماس،على قاعدة عدم تدخل حماس في الشأن الداخلي المصري،وأن لا تكون سياساتها ومواقفها صدى وظل لسياسة الإخوان،فمصر نحن بحاجة لها كلفسطينيين جيشاً وموقفاً وجغرافيا وعمق إستراتيجي.

على مصر ان لا تتورط في ليبيا منفردة لمحاربة الدواعش والإرهاب،بل يجب ان يكون إرادة دولية وقرار دولي جماعي،بمحاربة الإرهاب في ليبيا،والعمل على تشكيل حكومة مركزية هناك،تستعيد وحدة البلاد ووحدة مؤسساتها بعد أن أصبحت واحدة من أكبر دفيئات الإرهاب في العالم.

عدالة ازدواجية المعايير/ محمود كعوش

ترى لماذا أجاز المجتمع الدولي للمغتصبين الصهاينة ما ارتكبوه وما زالوا يرتكبونه من جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين على مدار ما يزيد على 65 عاماً من اغتصاب فلسطين وتحويلها إلى كيان صهيوني مصطنع، ولماذا أجاز للمستعمرين الأميركيين ما ارتكبوه من جرائم مماثلة بحق العراقيين على مدار ما زاد على ثمانية أعوام من الاحتلال الغاشم للعراق!!؟ 
وترى لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد عندما يقتل مواطن فلسطيني جندياً أو مستوطناً صهيونياً؟ ولماذا كانت تقام الدنيا ولا تقعد أيضاً عندما كان يقتل مواطن عراقي جندياً أو مرتزقاً أميركياً؟ ولماذا اعتاد المجتمع الدولي على الإصابة بالشلل وعدم تحريك أي ساكن عندما يرتكب جيش الاحتلال الصهيوني المجازر والإبادات الجماعية بحق الفلسطينيين، تماماً كما كان حاله مع جيش الإحتلال الأميركي عندما كان يرتكب المجازر والإبادات الجماعية بحق العراقيين بذرائع شتى واهية؟ 
وهل صحيح أن كل هذا حدث ويحدث بمثل هذه الكيفية البربرية والمنافية للأخلاق الإنسانية والمنافية للحق والعدل اللذين أجازهما القانون الدولي "لأن الدماء الصهيونية والأميركية أطهر وأنقى وأغلى ثمناً من الدماء الفلسطينية والعراقية"، حسب ما اعتاد قادة الكيان الصهيوني العنصري في تل أبيب والمحافظون الجدد في واشنطن القول والترويج!!؟
أجزم بعدم صحة هذه المقولة الخرافية والحمقاء، لأن الدماء الفلسطينية والعراقية والعربية بمسلميها ومسيحييها والإسلامية بشكل عام أطهر وأنقى وأغلى ثمناً آلاف المرات من الدماء الصهيونية والأميركية النجسة. 
أذاً لماذا يستمر الإرهابيون الصهاينة في مغالطة أنفسهم وهم الذين يحتلون الأرض الفلسطينية بالإرهاب والقتل والبطش والسحل والإبادات الجماعية والتدمير وفي وضعٍ مُخالفٍ ومغايرٍ للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة منذ ما يزيد على 65 عاماً، فيوجهون تهمة الإرهاب هكذا جوراً وبهتاناً إلى لفلسطينيين؟
ولماذا استمر الإرهابيون الأميركيون في مغالطة أنفسهم أيضاً أثناء احتلالهم للأرض العراقية بقوة الإرهاب والقتل والبطش والسحل والإبادات الجماعية والتدمير وفي وضعٍ مخالفٍ ومغايرٍ للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة، ووجهوا تهمة الإرهاب هكذا جوراً وبهتاناً إلى العراقيين؟
لا أعتقد أن في المغالطتين شيئاً من الصحة، بل أجزم قاطعاً أن المحتلين الصهاينة والأميركيين هم الإرهابيون الحقيقيون.فالفلسطينيون يدافعون عن عرضهم وأرضهم ويناضلون من أجل الحفاظ على العرض وتحرير الأرض أملاً في نيل الاستقلال والعراقيون يدافعون أيضاً عن عرضهم وأرضهم ويناضلون من أجل الحفاظ على العرض وتحرير الأرض سعياً لاستعادة الاستقلال.
أسئلة وتساؤلات وعلامات استفهام عندما تتم الإجابة عليها أو يُصار إلى تعليلها أو سرد مبرراتها "توافقاً" أو "تعارضاً" مع القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية وقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة، لا يمكن حصر هذه الإجابة في غير دائرة واحدة مفادها أن القادة في كل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة كانوا ولا زالوا يتعاملون مع الفلسطينيين تماماً كما تعاملوا مع العراقيين وفق نهج الإرهاب وشريعة الغاب وسياسات الإمبراطوريات الاستعمارية التوسعية التي سادت العالم ما بين القرون الوسطى ونهايات القرن التاسع عشر. وبما أن الاحتلال الأميركي للعراق قد مثني بهزيمة نكراء ونامل أن يكون قد ذهب إلى حيث لا رجعة، فإن تركيزي سينصب هذه المرة على الاحتلال الصهيوني لفلسطين المباركة الذي مضى عليه 65 عاماً وبضعة شهور ولا يظهر في الأفق ما يؤشر إلى نهاية قريبة له في ظل النظام الرسمي العربي المتردي والمهترئ والذي لم يزل وسيبقى حتى إشعار آخر نزيل غرفة العناية الفائقة !!
ففي إطار نهج الإرهاب وتلك الشريعة والسياسات، كان يحق لسلطة الاحتلال الصهيونية ضم الأراضي المحتلة إلى أراضيها أو بيعها أو تأجيرها أو التنازل عنها لدولةٍ أخرى.ومع انعقاد مؤتمر بروكسيل عام 1874م وتمخضه عن اتفاقية خاصة بالطبيعة القانونية للاحتلال الحربي، أُسقط هذا الحق عن دولة الاحتلال.وفي عام 1913م أوضح "الوجينر الفرنسي للقانون الدولي" ذلك في نصٍ واضحٍ جاء فيه "أن الاحتلال لا ينقل أي حقٍ من حقوق السيادة إلى القائم به، لكنه ينقل بعض مظاهر ممارسة هذه السيادة فقط، مع ضرورة الحفاظ على الأمن والنظام في الأراضي المحتلة من قِبل سلطة الاحتلال إلى حين زوال الاحتلال".وبمعنى آخر تتمتع سلطة الاحتلال – مثل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية - بسلطةٍ مؤقتةٍ ومحدودةٍ ترتبط بشرط الضرورة لحماية الأمن والنظام فقط لا السيادة الشرعية.ومهما يطول الاحتلال "لا يجوز بحال من الأحوال ضم الأراضي المحتلة إلى أراضي سلطة الاحتلال أو إقامة حكمٍ مدني فيها".وَتَمَ تأكيد ذلك في المادة "47" من اتفاقية جنيف الرابعة في نصها القائل "أن الاحتلال الحربي حالة مؤقتة تنتهي مع إيجاد تسويةٍ سلمية بما يترتب على ذلك حتى التبعات القانونية".كما وأضافت المادتان الأولى والثانية من البروتوكول الإضافي لعام 1977 الملحق بالاتفاقية مزيداً من التأكيد في القول "أن السكان المدنيين والمحاربين يبقون تحت حماية ومفعول حياد القانون الدولي - لا القانون الصهيوني أو الأميركي - ويُطبق ذلك في حالة النزاع المسلح حين يناضل الشعب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال المعادي والأنظمة العنصرية ومن أجل حقه في تقرير مصيره"، وهي أمور تم تثبيتها في ميثاق الأمم المتحدة وضمانها من قبل القانون الدولي.
هذا في ما يتعلق بالطبيعة القانونية للاحتلال الحربي.أما في ما يختص بالعدوان فإن "المعنى يقع في قلب الشاعر" كما يقول المثل الشعبي الشائع، إذ أن كلمة العدوان تُعرف نفسها بنفسها.فالعدوان عبارة عن اجتياح الأراضي من قبل دولة أو قوات أجنبية كغزو الأراضي بالطرق البرية أو الجوية أو البحرية أو اجتياحها أو قصفها أو محاصرة شواطئها، وهذا ما ينطبق تماماً على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.وهذا التعريف ورد في معاهدة "بريان - كيلوغ" التي صدرت قبل أكثر من ثمانية عقود، وأكده ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي تمَ توقيعه عام 1945 على خلفية الحربين الكونيتين الأولى والثانية.وفيما يتصاعد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين والعدوان الأميركي على العراقيين وفيما تتصاعد المطالبة بمحاكمة أشرار تل أبيب وواشنطن أمام محكمة دولية، نستذكر ما جاء في المادة السادسة "أ" من الميثاق في تعريف نظام المحكمة الدولية للعدوان "إنه جريمة ضد السلام". أما جوهر العدوان فيتلخص في ضم أو اغتصاب أرض الغير ونهب واستعباد الشعوب الأخرى وإبادة السكان المدنيين بالجملة وإبعادهم وتهجيرهم.ووفقاً لأحكام القانون الدولي المعاصر تعتبر "أرض الدولة حُرمة لا تُمس ويجب أن لا تكون عرضة للاحتلال الحربي المؤقت أو للضم وبسط سلطة دولة أخرى عليها".وتُضيف أحكام هذا القانون "أن الشعب هو مالك أرضه وصاحب الحق الأعلى في التصرف بها".
ونبقى في إطار العدوان فنضيف أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عَرَّفت الفعل العدواني في ثماني موادٍ واضحة عام 1974 ننتخب منها فقرةً واحدةً فقط تنص على "أن التخطيط والتجهيز والإعداد لشن حرب عدوانية من قبل دولة على دولة أخرى جريمة ضد السلام تتنافى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية" تماماً كما "أن جرائم القتل والإبادة الجماعية والتعذيب والتهجير والإبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية تندرج تحت عنوان الجرائم ضد الإنسانية"، وهذا ما ينطبق على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية في كل من فلسطين والعراق. وقد أرَّخَت "محكمة نورمبرغ" التي أنشئت بموجب اتفاقية لندن عام 1945 لمثل هذه الجرائم في القرن الماضي وفي مقدمها جرائم الحرب التي ارتكزت على انتهاك قوانين الحرب، بانتظار أن يُصارَ إلى تشكيل محكمةٍ مماثلةٍ لتؤرخ للجرائم الصهيونية والأميركية في كل من فلسطين والعراق.نُذَكّر بأن نورمبرغ كانت العاصمة الروحية للرايخ الثالث.ولا يفوتنا أن نؤشر إلى أن كل ما يرتكبه جيشا الاحتلال الصهيوني والأميركي في البلدين العربيين يتنافى تماماً مع معاهدة فرساي 1919 واتفاقية لندن 1945 واتفاقيات جنيف 1949 والاتفاقية الخاصة بمنع وقوع جرائم الإبادة والمعاقبة عليها التي أقرت عام 1948 وأُدخلت حيز التطبيق عام 1951.فالاتفاقية الأخيرة تقول في مادتها الأولى بأن "الإبادة الجماعية بغض النظر عن ارتكابها في زمن السلم أو زمن الحرب تُعتبر جريمة تخرق قواعد القانون الدولي، وتلتزم الدول أطراف الاتفاقية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع وقوعها ومعاقبة مرتكبيها في حال حصولها".
ما من أحد ينكر أن الكيان الصهيوني في تل أبيب يحظى "بسمعة طيبة في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان" في الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة،  باعتبار "أنه جزء من هذا الغرب وامتداد حضاري له".وفي هذا الإطار يمكن الإقرار بأن مظاهر الديمقراطية وحقوق الإنسان تبدو في هذه الكيان اللقيط واضحة في مجال محاسبة ومساءلة وإدانة الصهاينة رؤساء ومرؤسين عندما يتعلق الأمر بالفساد المالي والأخلاقي.ومسلسل المحاسبة والمساءلة والإدانة لكبار الموظفين والوزراء ورؤساء الحكومات ورئيس الدولة نفسه والذي كان أبرز حلقاته مساءلة رئيس الوزراء السابق دافيد أولمرت ومن قبله سلفه آرئيل شارون ونجليه وآخرين غيرهم يدلل على صحة ذلك.لكننا نرى أنه عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين فإن الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذا الكيان تُركن جانباً، ويستعاض عنها بجميع الأدوات والآليات التي تكرّس العدوان وتخدم استراتيجية التوسع الاستعماري الاستيطاني.وما يُقال عن الكيان الصهيوني ينسحب تماماً على الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالعراقيين والعرب والمسلمين عامة.ولعل ما هو حاصل في أفغانستان منذ ثمانية أعوام وفي العراق منذ ما يزيد على ستة أعوام خير مثال على ذلك!!
ففي حال توفر"التوافق" بين السياسات والاستراتيجيات الصهيونية والأميركية والقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة يُظهر الكيان الصهيوني وكذلك الولايات المتحدة حرصاً بالغاً على هذه مجتمعةً أو منفردة.أما في وضعية "التعارض" فيتجاهل كلاهما هذه مجتمعة أو ما يتعارض منها مع سياساتهما واستراتيجياتهما.وقد يصل الأمر أحياناً كثيرة حد التجاوز والتحدي السافر، كما هو حال الكيان الصهيوني مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة الخاصة بخصوص قضية الصراع العربي ـ الصهيوني، وحال الولايات المتحدة الأميركية مع المجلس والمنظمة أيضاً بخصوص عدوانها السافر والمستمر على أفغانستان والعراق.
وما من شك في أن القراءة المبسطة للمقتطفات التي اجتزأتها من القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها للاستشهاد بها، ومحاولة فهم كيفية تعاطي تل أبيب وواشنطن مع هذه المقتطفات والقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية بشكل عام يُظهران لنا بكل بساطة مدى عمق"التعارض" القائم وَحِدَتِهِ، الأمر الذي يؤكد بأن العاصمتين تنطلقان في تعاملهما مع الفلسطينيين والعراقيين والعرب مسلمين ومسيحيين من نهج الإرهاب الذي أسس له المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897 ومن شريعة الغاب وسياسات الإمبراطوريات التي سادت العالم بين القرون الوسطى ونهايات القرن التاسع عشر.فالقادة في العاصمتين عادة ما يشكلون وجهين "لعملة" واحدة بالية وقذرة تجاوزها الزمن وأصبحت من مخلفات العصور الغابرة.ومن هنا كان ذلك التناغم الدائم بين نهج الإرهاب وشريعة الغاب في العاصمتين، برغم تبدل الوجوه الحاكمة فيهما. حقاً أن تل أبيب وواشنطن هما وجهان لعملة واحدة وأن العدالة الدولية ضائعة بينهما.
إنتهى.........

kawashmahmoud@yahoo.co.uk 
كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدانمارك

لماذا كل هذا الإجرام والقتل الوحشي؟/ راسم عبيدات

الجريمة تلو الجريمة ترتكب من قبل عصابات مجرمة،تجردت من كل معاني القيم والإنسانية،وهي أقرب الى حد كبير،او لربما ما دون تصرفات وممارسات الحيوانات في جرائمها المرتكبة،والتي لا يملك أي إنسان عاقل مهما كان مذهبه او معتقده او دينه،إلا ان يعبر عن مدى اشمئزازه وقرفه من مثل تلك الجرائم البوهيمية،والتي واضح أن من يمارسونها يمتهنون القتل والحقد على كل ما هو إنساني،فلا يمكن لأي عاقل من أي مذهب او معتقد أو ديانة كانت أن يبرر مثل هذا السلوك وتلك الأفعال الإجرامية،وانا أرى ان كل علماء النفس والمصلحين الإجتماعيين،لم يعايشوا مثل هذه الظواهر بمثل هذا الفعل والسلوك الإجرامي الإنحرافي الممارس.
كيف لنا ان نتصور عملية قتل لإنسان وأكل أحشائه؟؟،أو جز رؤوس الناس بطريقة تعبر عن سلوك إنحطاطي،لا أظن بأنه إرتكب بفعل النازية او الفاشية أو أكثر الجماعات البشرية تخلفاً وتعصباً،جز الرؤوس والتباهي بجزها دون ادنى أي إحترام لحياة الناس او البشر، كما جرى مع العمال المصريين الأقباط ال(21) في ليبيا،او عملية حرق الطيار الأردني الكساسبة حياً،هي ليست فقط جرائم ضد البشرية والإنسانية،بل هذا السلوك الإنحرافي،لم يكن وليد صدفة او مرحلة طارئة او عابرة،بل علينا أن نتجاوز بيانات الشجب والإستنكار أو التنديد بمثل هذه الجرائم،لكي نقف على أسبابها ومن يغذيها،ومن المعني بتوسعها وإستمرارها،وكيفية معالجتها وإجتثاثها من واقعنا وبيئتنا.

في سياق التفسير لهذه الظاهرة،والتي يحاول البعض ان يلصقها في الإسلام والمسلمين،كون الفعل والممارسة على نحوها الواسع تحدث في المنطقة العربية والإسلامية،وإن كان الإرهاب والقتل لا وطن ولا دين له،وليست مقتصرة على مذهب او دين او طائفة بعينها،ولكن نحن في تحليلنا حول ما تقوم به عصابة "داعش" واخواتها وأمهاتها من جرائم في منطقتنا العربية،لأن هناك جرائم إرتكبت تضاهي ما ترتكبه "داعش" وغيرها على خلفيات التعصب الديني والقومي والعنصرية والتطرف،حيث جرى قتل ألألاف من المسلمين،بل وعشرات الألاف في بورما ونيجيريا على خلفية المعتقد والدين،وكذلك على خلفية العنصرية والتحريض الأعمى،إرتكبت جرمة قتل بحق فلسطيني وزوجته وشقيقتها في امريكا،ولكن تلك الجرائم لا تجري بشكل ممنهج ومنظم،كما هو الحال في إطار ما تقوم به "داعش" وغيرها من المجموعات والعصابات المجرمة المستجلبة من كل أصقاع الدنيا الى منطقتنا العربية.

في تحليل وتفسير الظاهرة نقول بأن هناك فئة أو تيار أو قراءة معينة للدين الإسلامي،تعيش في الماضي وكل فعلها وتصرفها مرتبط بالفعل الماضي الناقص كان،والذي حدود عقلها وتفكريها متجمد عنده،حيث يفترضون صورة للماضي،يجتهدون في تثبيتها،ويحاولون جعل حياة الناس إنعكاس لتلك الصورة،وليس المهم ان تكون الصورة المتخيلة حقيقية،بل ما يهمهم أن يعيش الناس حاضرهم وفق ماضيهم المتخيل،وهؤلاء يعتقدون بأن المجتمع مطواع لهم،وبأن التاريخ يخضع لهندستهم الإجتماعية،ولا يؤمنون بأن التاريخ مجموعة حقائق،بل هو منساق وفق رغباتهم،ولذلك يهملون الحاضر،ويحقدون على أهله،ومن هنا يوغلون فيهم قتلاً وفتكاً،وهم ما يعنيهم بالأساس أبناء مجتمعاتهم الأقربون،بغض النظر عن المذهب او الطائفة او المعتقد،وليس الصهيونية او الأمريكان، فهم يرون بأن أهل الحاضر أشرار يجب قتلهم،وهم يريدون تطهير المجتمع وأنفسهم من هؤلاء الأشرار الذين لا يشاركونهم رؤيتهم وموقفهم وقناعاتهم،وهنا يصبح القتل مشروعاً على نحو اوسع وأكبر،عندما نجد أن أصحاب هذه القراءة،إنضم إليهم أصحاب قراءات إسلامية أخرى،بفعل سيطرة البترودولار الراعي والمنبت لهذه القراءة على الوعي العام.

"داعش" وأخواتها وأمهاتها،هي أسماء وعناوين ويافطات لنفس الجسم المتولدة من رحمه،هي صحيح إبنة بيئتنا ووجدت في سياقاتنا الإقتصادية،الإجتماعية،السياسية،الثقافية،الأمنية،وهي نتاج لفكر وثقافة الكهوف والسجون طورا بورا وغونتانامو وغيرها،ولكن ما هو أصح بأن ما مرت به وتمر به المنطقة العربية،وما عاشته من ظروف،هي من انتجت هذه الظواهر المحتضنة من قبل المال والبترودولار والكاز.

المنطقة عاشت فترة طويلة من الجهل والتخلف والفقر والجوع والقمع،وسيادة ثقافة السمع والطاعة والشعوذه والدروشة وتأليه وتقديس الحاكم والمسؤول،والحجر على العقول والأفكار وتعطيل الإجتهاد بامر الحاكم والسلطان،وإخضعت البلدان للقمع والقتل وتعذيب وشنق المعارضين وسجنهم ونفيهم،وكبتت الحريات وإمتهنت الكرامات في عهد الديكتاتوريات العربية والفساد والإستبداد،ولم تكن هناك دولة مواطنة،ولا توزيع عادل للثروات،او مشاركة في الحكم والقرار وغيرها.
أيضا يضاف لهذه العوامل إلباس الخلافات السياسية ثوب الدين،او استغلال الدين لخدمة أهداف ومصالح دنيوية وسياسية.

كل ذلك إرتبط بمشروع جديد إستعماري للمنطقة،هو مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي،القائم على تجزئة وتقسيم وتذرير وتفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على أسس مذهبية وطائفية وأثنية،ولذلك كان لا بد من وجود تيارات وقوى تتساوق وتتماشى مع هذا المشروع وتشكل رأس الحربة في تنفيذه،فتزاوجت مصالح فقه البداوة والبترودولار والمتأسلمين الجدد مع مصلحة الأمريكان في تنفيذ هذا المشروع،ولكن تعثر هذه المشروع على الجبهة السورية،وحصول حالة إنقلاب للسحر على الساحر من حيث عدم القدرة على ضبط تلك العصابات المجرمة "داعش" "نصرة" " الجبهة الإسلامية" "قاعدة " وغيرها،إستدعى جراحة موضوعية،تبقى على هذه العصابات تمارس دورها في التدمير والتخريب والقتل في المنطقة العربية،وبما لا يشكل خطر على المشروع الأمريكي في المنطقة،بل يخدم مصالحها واهدافها وينمي إقتصادها ومصانع أسلحتها،ولكن بوهميتها وشكل إجرامها المقزز إستدعى مثل هذه الجراحة الموضعية.
إن إجتثاث مثل الجماعات من مجتمعاتنا يتطلب أولا قبل كل شيء،تجفيف كل منابع ومصادر تمويلها،والعمل على التدمير والإجتثاث الشامل لكل بناها التحتية والمؤسساتية دينية،اغاثية ،توعوية ،ثقافية وغيرها.
وإعادة صياغة المناهج التربوية والتعليمية،بما يربي على المواطنة الكاملة والإنتماء للوطن،وإحترام التعددية الفكرية والسياسية والدينية،وحظر إستخدام المنابر في المساجد والمؤسسات لدعاة الفتن والتحريض وأصحاب هذا الفكر الظلامي.

وفي الختام أقول أنه مرحلة التراجع والإنهيار،وغياب دور رجال الفكر والنخب السياسية والإعلامية والأكاديمية وعجزها عن التصدي للفكر المذهبي والطائفي وما تبثه وتنشره تلك الحركات الإقصائية من أفكار هدامة وتدميرية،فلا غرابة ان نجد من يدعون لبعث روح القوميات الآرامية والكنعانية والفنيقية وغيرها.

نحن في مرحلة الضعف والإنهيار وتشوه الوعي وفقدان البوصلة، وغياب المفكرين وعقم الأحزاب الثورية والتقدمية والقومية والعلمانية، وكفها عن انتاج فكر ومفكرين، فإنه ليس من الغرابة في ظهور من يرقص على إيقاعات الطائفية المرعبة: سني – شيعي – يزيدي – أشوري- كلداني – شافعي –مالكي – حنبلي- روم أرثوذكس – لاتين – موارنة – دروز – سريان – لوثري – أرمني...

العراقُ العريق ودعاة الأقلمة والتمزيق إلى أين؟/ كريم مرزة الأسدي


أ - تمهيد !! 
العراقي يحتج على حكامه / وسلطاته الظالمة ، منذ  570 م  - سنة ولادة النبي (ص) - فما بالكم اليوم !! يقوالشاعر الفارس جابر بن حُني التغلبي
وفي كل أسواق العراق أتاوةٍ***** وفي كل ماباع امرؤ مكس درهم ِ 
تعاطى الملوك السلم ما قصدوا بنا ***** وليس علينا قتلهم بمحرم  
الظروف الراهنة الخطيرة الرديئة  ، وضرورة العودة للعراق الحبيب وتذكيره ، لعلهم يتقون !!!  اقرأوا المقالة مهمة جداً لتوعية العراقيين حول تاريخ وطنهم الحبيب
ب  - المقدمة !! 
يتكرر هذه الأيام من قبل بعض الحاقدين والجهلة  ، ودعاة التقسيم والأقلمة لمصالح ذاتية ومناطقية ضيقة ، وبترتيب مخططات  من دوائر داخلية وخارجية لتمزيق المنطقة والهيمنة عليها  ، والتصراع فيما بينها من بعد ، فأقلها هذا الصراع الطائفي القومي الذي نشهده اليوم ، وما هو إلا تمهيد ، في حين تتوحد دول العالم المتحضرة المتباينة في لغاتها وأديانها وعروقها وجذورها وتاريخها ، أقول يتكرر قولهم زاعمين جوراً وظلماً  لخداع الجماهير والعقل الجمعي أن العراق دولة حديثة العهد ، و لم تكن هنالك دولة للعراق قبل 1921م ، وينسون أن العراق كان عراقين ، عراق العرب ، وعراق العجم ، وعراق العرب كان يمتد من ديار بكر حتى البحرين ونعني الساحل  الشمالي الشرقي للجزيرة العربية ، ومعها الأحواز ، وعراق العجم يشمل المنطقة الجبلية من جبال حمرين وجبال الكرد وفي الرسوم والضرائب يمتد نفوذ عراق العجم حنى الري ( طهران) !!هاكم هذا البحث المهم توعية للجاهلين ، ولطمة على وجه الحاقدين ! كل الحقائق أمام الشعب ، والتاريخ لن يرحم الخارج والداخل إن سارت الرياح بما لا تشتهي السفن  ، وما دعوتهم للأقلمة المتحضرة التي ينعم بها العراقيون بالسلم والأمان إلا خدعة للصراعات الدموية والاقتصادية  والاجتماعية والطائفية ، حارِ  حذار من الوقوع بالفخ ، ألا هل بلغت اللهم أشهد !!!!
ج - تشويق بمناسبة عيد الحب !!  
ألا يا حمامات العراق أعنني *** على شجني ، وابكين مثل بكائيا 
يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ ****فياليتني كنت الطبيب المداويا
د - المقالة للتثقيف !!
1 - جذور كلمة العراق من أوروك أو عروق وشيوعها في الآفاق :  
يذهب المستشرقون ، وهم على العموم يغرّبون ، أنَّ كلمة العراق أصلها سومري من (أوروك) ، والتي مدّت الآن للوركاء ، ودوّن كلكامش في ملحمته أنه سورها ، وأقام فيها معبداً للآلهة (عشتار) ، وأوروك أو ( أونوك) تعني المستوطن ، وسيأتيك الشاعر العربي و (وطنه) ، فترقبه ، ويذهب العرب أن الكلمة عربية الأصول ، حجازية المنطلق ، إذ يطلق أهل الحجاز كلمة العراق على الشاطئ ، أو سفوح الجبل ، وقيل : سمي عراقا لأنه استكف أرض العرب ، وزعم الأصمعي - كما يذكر ابن منظور في لسانه - : إن تسميتهم العراق اسم عجمي معرب ، إنما هو إيران شهر ، فأعربته العرب فقالت : عراق ، وإيران شهر : موضع الملوك ، قال أبو زبيد:  
مانعي بابة العراق من النا *** س بجرد تغدو بمثل الأسود 
ويروى : باحة العراق ، ومعنى بابة العراق : ناحيته . والباحة : الساحة ، ومنه أباح دارهم . الجوهري : العراق بلاد تذكر وتؤنث ، وهو فارسي معرب ، قال ابن بري : وقد جاء العراق اسما لفناء الدار ، وعليه قول الشاعر: 
وهل بلحاظ الدار والصحن معلم *** ومن آيها بين العراق تلوح 
واللحاظ هاهنا : فناء الدار أيضا (1) ، بينما الخوارزمي يردّها للغة الفارسية من المفردة ( إيراك) أي الأرض السفلى ،لأنها أرض سهلية تقع ما بعد السلاسل الجبلية الفارسية والكردية والآذرية ، ويروي الحموي في (معجم بلدانه) في معرض حديثه عن العراق : " قيل: سميت بذلك لاستواء أرضها حين خلت من جبال تعلو وأودية تنخفض والعراق الاستواء في كلامهم كما قال الشاعر:
سقتم إلى الحق معاً وساقوا *** سياق من ليس له عراق ..." . (2)
ويرى بعضهم أن العراق أصله من عروق دجلة والفرات وروافدهما ، فهي كالأعصاب في بلاد ما بين النهرين ، واجتهد غيرهم ما العراق إلا من تشابك عروق أشجار النخيل في أرض سواده الطيبة ، فهو جمع لعرق ، وقيل من عراقة البلاد العريقة بالقدم ، ومنها الأصل العريق ، ويقول الممزق العبدي في عمرو بن هند أحد ملوك الحيرة ، فهو شاعر جاهلي قديم ، اسمه شاس بن نهار من نكرة ، وما كان ممزقاً ، لولا كلمة القافية من بيته الأول الآتي : 
فإِنْ كُنْتُ مأَكُولاً فكُنْ خَيْرَ آكلٍ ******* وإلاَّ فأدْرِكْني ولمَّــــــا أُمَزَّقِ 
فإنْ يُعْمِنُوا أَشَئِمْ خِلافاً عَلَيْهُمِ ** وإِنْ يُتْهِمُوا مُسْتَحْقِبى الحَرْب أُعْرِق ِ(3)
وأعْرق القوم , بمعنى أتوا العراق ، ومن سخرية الأقدار أنَّ عراق الجاهلية الذي كان ملتمساً آمناً ، طيباً ، شافعاً ، لمن يتهم بالفرارعندما تضيق المخارج آبان الحروب ، أصبح اليوم أشبه بالبلد الغريق على يد أبنائه العماليق ، وليسوا بـ (عماليق) ذاك الزمان ! (4) . مهما يكن من أمر جذور الاسم ، أنا أميل لعراقتها العربية على أرجح ظني ، لأن القاف والعين حرفان عربيان أصليان،لايوجدان في اللغات القديمة ، ولا باللغة الفارسية , والكاف والهمزة أسهل نطقاً وألين على اللسان منهما ، وهما أيضاً من الحروف العربية الأصيلة ، فما هو الموجب لتحويرهما ، وتعقيد نطقهما ، والناس أميل للتسهيل والتخفيف ، ولو أنهما منحا العراق مهابة وشدّة وضخامة ، وخففهما ألف اللين كثيراً ، وزادهما جمالاً ورونقا ، ولكن لماذا لم ينطق العرب الورقاع و عوروقَ ، بدلا من الوركاء وأوروك !! والطيور على أشكالها تقع ، والله الأعلم. 
اسم العراق يشتهر: 
بدأ العراق يكتسي اسمه الواسع منذ سيطرة الساسانيين ، وبزوغ مملكة آل فهم (211 م) في الأنبار والحيرة حتى شاعت الكلمة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ، ووردت في الشعر الجاهلي على لسان الشاعر الفارس جابر بن حُني التغلبي - المعاصر للممزق الآنف الذكر - ، على أغلب الظن توفي التغلبي سنة ميلاد النبي (ص) ( 570 م) ، وذلك في قوله: 
وفي كل أسواق العراق أتاوةٍ***** وفي كل ماباع امرؤ مكس درهم ِ 
تعاطى الملوك السلم ما قصدوا بنا ***** وليس علينا قتلهم بمحرم ِ 
ولمّا طلَّ الإسلام ، وبزغ شعاعه ، سئل النبي (ص)عن العراق بعد مباركته الشام والحجاز واليمن ، قال : " إن إبراهيم هم أن يدعو على أهل العراق فأوحى الله تعالى إليه : لا تفعل إني جعلت خزائن علمي فيهم وأسكنت الرحمة قلوبهم. " (5) ، وأخذت تتكرر كثيراً كلمة " يا أهل العراق : ..." في خطب الخطباء كالإمام علي (ع) ، والحجاج بن يوسف الثقفي ، وغيرهما ، تجدها في العديد من المصنفات ، وجمعها الأستاذ أحمد زكي صفوت في كتابه (جمهرة خطب العرب ...) بثلاثة أجزاء .(6) 
ألا يا حمامات العراق أعنني :
واشتهر قيس بن الملوح والملقب بمجنون ليلى ( 24 هـ / 645 م - 68 هـ / 688) ، وما هو بمجنون ، وإنما شاعرغزل عربي ، مرهف الحس من المتيمين ، من أهل نجد بأبياته الشهيرة بذكر ليلاه وعراقها ، الرجل عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب ، اقرأ ، ولعلك رددتها من قبلُ :  
ألا يا حمامات العراق أعنني *** على شجني ، وابكين مثل بكائيا 
يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ ****فياليتني كنت الطبيب المداويا
وكُرر صدر البيت الأخير في صدر ٍ آخر ، لا أعلم هل الشاعر كرر نفسه ، أم حُشر من قبل غيره تألماً بمريضة العراق ، وشدة الاشتياق : 
يقولون ليلى بالعراق مريضة ٌ **** فمالك لاتضني وانت صديقُ
سقى الله مرضى بالعراق فأنني**على كلِّ مرضى بالعراق شفيقُ
فأن تك ليلى بالعراق مريضة **** فأني في بحر الحتوف غريقُ
أهِيم بأقْطارِ البلادِ وعَرْضِهَا *** * ومالي إلى ليلى الغداة طريـقُ
كفى بقيس وليلى والعراق شهوداً ، وسنتتبع في النقطة الثانية 2 - الربط بين كلمتي العراق والوطن 
كيما تـرى (أهل العراق) أنني *** أوطنت أرضا لم تكن من (وطني) 
أول بلد في التاريخ العربي ينتزع لقب وطن هو العراق ،إذ ْكانت كلمة الوطن تطلق على السكن أو المنزل الذي يأمن به الإنسان العربي من فتك الحيونات المفترسة الناهشة ، والأعداء المتوحشة الكاسرة ، ويلجأ إليه من أهوال عواصف الرياح العاتية ، والأنواء الجوية القاسية ، يألف فيه الفرد والخلان و العائلة ، قال طرفة :  
على موطن يخشى الفتى عنده الردى *** متى تعترك فيه الفرائص ترعد
وفي القرآن الكريم : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة..." - التوبة 25 - ومواطن : جمع موطن ، والموطن أصله مكان التوطن ، أي الإقامة . ويطلق على مقام الحرب وموقفها ، أي نصركم في مواقع حروب كثيرة (7) .
ويقال : واطنت فلانا على هذا الأمر إذا جعلا في أنفسهما أن يفعلاه ، وتوطين النفس على الشيء : كالتمهيد . ويقول ابن سيده : وطن نفسه على الشيء وله فتوطنت حملها عليه فتحملت وذلت له ، وقيل : وطن نفسه على الشيء وله فتوطنت حملها عليه ، قال كثير : 
فقلت لها يا عز كل مصيبة *** إذا وطنت يوما لها النفس ذلت (8) 
أول من وظـّف كلمة وطن وربطها مع السكان عربياً رؤبة بن العجاج التميمي من أعراب البصرة ، توفي فيها ( 145 هـ / 762 م) ، راجزاً مهوساً :  
أوطنتُ وطـْناً لم يكنْ من وطني 
لو لمْ تكـــــنْ عاملها لم أســكن ِ 
بها ولم أرجن بها فـي الرجــن 
كيما تـــــــرى (أهل العراق) أنني 
أوطنت أرضا لم تكن من (وطني) (9)
الرجن الإقامة في المكان ، لا يهمنا من رؤبة التميمي البصري سوى الربط بين (أهل العراق) و(وطني) ، يا ترى من هم أهل العراق ؟ ولماذا خصهم بالذات دون غيرهم ؟! لولا الإحساس بالمواطنة والانتماء ، وإن كان العراق عراقيَن ، عراق العرب ويشمل جغرافياً سهل وادي الرافديَن ، ويمتد انخفاضاً حتى بلاد المصريَن الكوفة والبصرة ، ومعظمه العراق الحالي بعد أن قـُرضت منه أجزاء من قبل الترك والفرس !! ، وهو أصل التسمية ، وعراق العجم ، إذ أطلق في العصر الأموي ، لكي يتبع سلطة والي العراق ، إدارياً و أقتصادياً وعسكرياً ، ويقع شرق عراق العرب، أو ما يسمى قديماً بإقليم الجبال، إذ يمتد شرقاً إلى أصفهان والري وقزوين وكرمنشاه .. والفاصل بينهما سلسلة جبال زاجروس ، بل يذهب الحموي إلى أبعد من ذلك إداريا في العصر الأموي المذكور ، قائلاً : " وقال المدائني عمل العراق من هيت إلى الصين والسند والهند والري وخراسان وسجستان وطبرستان إلى الديلم والجبال..."(10) ، ومن ثمّ بزغت دولة العباسيين ، فأخذت كلمة (العراقيَن) تختص بالبصرة والكوفة دون عجمها وعربها ، أو تطلق عليهما كلمة (المصريَن) .
الربط بين الأوطان والوجدان :  
وذهب ابن الرومي البغدادي الأصيل بثقافته ونشأته وولادته وولائه - كما ذكرنا في مقالة سابقة ، ونكررهنا الأبيات لعمقها في الوجدان الإنساني - إلى الربط بين النفس وخوالجها ، والوطن وظليله ، وإن كان وطن الرومي سكناً ، إذ كان له جار اسمه ابن ابي كامل ، في رواية (زهر الاداب ) ، أغتصب بعض جدر داره , و أجبره على بيعها , ففزع ابن الرومي الى سليمان بن عبد الله بن طاهرشاكيا وذاكرا تلك الدار او ذلك الوطن ، اقرأ يا عزيزي الآهات والونـّات على الوطن الصغير ، فما بالك بالكبير ! : 
ولي وطن آليــــت الا أبيعـــــه*** وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة*** كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكـا
وحبّبَ أوطان الرجــال اليـــهمُ ***مآرب قضاها الشبـــــاب هنالكا
اذا ذكروا أوطانهم ذكرتهـــــم ***عهود الصـــبا فيها فحنوا لذالكا
فقد آلفته النفــــــــس حتى كأنه** لها جسد ان بان غــــودر هالكـا
أعتقد أنه لم يسبق لأحد أن أستعمل كلمة (وطن ) بهذا العشق الوجداني غيرالبغدادي عشقاً ، والرومي عسفاً ، و ان حدث ذلك ، كما هو حال (الرؤبة) ، فبكل تأكيد ، كان ابن الرومي أول من حلل تحليلا نفسيا رائعا لعلاقة الانسان بوطنه ، ويتدرج بهذا التدرج المنطقي المتسلسل من عهود الصبا الى شرخ الشباب حتى تألفه النفس، ويصبح كالجسد ، وبدونه يحل الهلاك .
البلد والبلدة: 
وله أبيات جميلة أخرى في التعلق بالبلدان ، وما البلدان إلا الأوطان ، وإنْ اختلف المدلولان ، ومدى تمثلها بالضمير: 
بلد صحبت به الطفولة والصبـا*** ولبستُ ثوب العمر وهو جديدُ
فاذا تمثل في الضمير رأيتــــــه*** وعليه أغصان الشباب تميــــدُ
كأنني به لهذا التشبث بوطنيته وصدق ايمانه بعروبته ، يتنصل من كنيته المفروضة عليه ، وكأنه يعلم ما يجرُّ النسب عليه مما ليس بيديه ، والوطن يكبر بحجم العقول وسعة إدراكها ، فبأي ثمن تباع القبلية والطائفية ، والإثنية ، والمناطقية ، والعنصرية ،إذا باع الإنسان وطنه وأهله وتاريخه بالمجان ، على يد غيره من الجان
الحلقة الثانية : العراق عريق والوطن غريق .. إلامَ الخلفُ بينكمُ إلاما../ كريم مرزة الأسدي . 
وندع أحمد شوقي يخاطبكم ، بما خاطب به أهل (مصره) ، في رائعة ( شهيد حقــّه ) ، كمال مصطفى في ذكرى وفاته السابعة : 
إلام الخلفُ بينكم إلاما ؟ *** وهذي الضجة ُالكبرى علاما ؟
وفيمَ يكيد بعضكم لبعض ٍ****وتبدون العداوة والخصـاما
وأين ذهبتمُ بالحق لمّـــا **** ركبتمْ في قضيته الظـــلاما ؟
تراميتم فقال الناس : قومٌ*** ** إلى الخذلان أمرهمُ ترامى
إذا كان الرّماةُ رماة َ سوءٍ ****أحلـّوا خير مرماها السهاما (14)
شتان بين مَن يضربون الدرهم والدينار ، والريال والدولار ، وبين مَن يُضربون بها
والبلد فرد البلدان ، وجنس المكان كالعراق و الشام ، والبلدة : الجزء المخصص منه كالبصرة و دمشق ، والبلد والبلدة : التراب . والبلد : ما لم يحفر من الأرض ولم يوقد فيه ، قال الراعي 
وموقد النار قد بادت حمامته *** ما إن تبيّنه في جدة البلد (11)
والراعي النُمَيري (ت 90 هـ / 708 م) ، هو عُبَيد بن حُصين النميري ، ونعت بالراعي لكثرة وصفه الأبل . 
البحتري والمتنبي والمعري ...والعراق : 
ولا أطيل عليك ، ولو في الإطالة إفادة ، صار العراق محط أقوال عمالقة الشعر العربي ، فهذا أبو عبادة البحتري (ت 284 هـ / 897 م) ، معاصر ابن الرومي يقول في تفضيل بلاده الشام مناخاً ، وجوّاً :
نصب إلى طيب العراق وحسنها ******ويمنع منها قيظها وحرورها
هي الأرض نهواها إذا طاب فصلها**ونهرب منها حين يحمى هجيرها
عشيقتنا الأولى وخلتنا التي ****** تحب وأن أضحت دمشق تغيرهــا
وأختلف أهل ذلك الزمان ، ومن قبله و بعده ، من شعراء وأدباء ، في مناخ العراق وطيبه ، بل بالغوا في حسنه ولطفه , ونقصر قولنا على ما قال ياقوتنا الحموي في (معجمه ...) السابق " 
والعراق أعدل أرض الله هواء وأصحها مزاجا وماء فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة والآراء الراجحة والشهوات المحمودة والشمائل الظريفة والبراعة في كل صناعة مع اعتدال الأعضاء واستواء الأخلاط وسمرة الألوان ... قالوا وليس بالعراق مشات كمشاتي الجبال ولا مصيف كمصيف عمان ولا صواعق كصواعق تهامة ولا دماميل كدماميل الجزيرة ولا جرب كجرب الزنج ولا طواعين كطواعين الشام ولا طحال كطحال البحرين ولا حمى كحمى خيبر ولا كزلازل سيراف ولا كحرارات الأهواز ولا كأفاعي سجستان وثعابين مصر وعقارب نصيبين ولا تلون هوائها تلون هواء مصر ..." (12) ،
والحقيقة ، الحموي شهاب الدين أبو عبد الله ، الذي سمّى نفسه عبد الرحمن ، (574 هـ / 1178 م - 622 هـ / 1224 م ) قد بالغ في قوله , وذهب بعيدا في تطرفه , فحذفنا ما حذفنا من نيل وتمييز ، ولكن من المهم أن نذكر أنّ الرجل بالرغم من أنه عالم جليل ، وأديب قدير ، ومؤلف كبير , فهو رحّالة ، جاب الدنيا (13)، وتعمق في البلدان ، ودوّن ما صكّته الأذنان، وصافحته العينان ، والرجل إضافة لذلك كلـّه خدم لدى بعض تجار بغداد ، وفتح دكاناً صغيراً في كرخها المزدان , ومما ذكرناه يجب أنْ تتأمل العقول ، وتتفكر الأذهان ، في العديد من الحقائق ، مما ذكره هو في (معجم البلدان ) ! ، والمعري من قبله ، (ت 449 هـ / 1057 م ) ، لم يكن أقل تعلقاً بالعراق , ووصفه لبغداد ، اقرأ في حق بغداد ودجلتها : 
فبئس البديل الشام منكم وأهله ***على أنهم قومي وبينهم ربعي 
ألا زودوني شربة ولو أننـــي *** قدرتُ إذاً أفنيت دجلـــة بالكرع
إذن أهل الشام هم أهله وقومه ، فبئس البديل هو المناخ والأجواء ، ربما العلاقات الاجتماعية الموسعة ، والصرح الثقافية العامرة منها , ولكن ليس الأخلاقيات قطعاً , بدليل - ولا حاجة لدليل - البيت الثاني ، والإيحاء بمرامه المحال بكرع ماء دجلة حتى الفناء ! المهم كفـّى ووفى , وأزيدك الظل الظليل للعراق الجميل : ِ 
أسالت أتي الدمع فوق أسيل *** ومالت لظل بالعراق ظليل
ومن الناحية السياسية ساوى بين النطرين ، والسياسيين الشياطين: 
إن العراق وإن الشام من زمن *** صفران ما بهما للملك سلطان
ساس الأنام شياطين مسلطة *** في كل مصر من الوالين شيطان
قالت العرب ما قالت ، وروت ما روت ، ونقلت ما نقلت ، ويبقى اسم العراق من أوائل أسماء البلدان العربية ، ولو أنّ معظمها أوائل ، وأول من أ ُطلِق عليه كلمة الوطن بما نفهمه ونتفهمه اليوم تقريباً دون أن يسبقه إليه العرب الآخرون ، وتسابق على الاعتزاز بذكره معظم عمالقة شعراء العرب القدماء , وآخرهم وليس بأخيرهم المتنبي العظيم ، إذ يتلهف للقائه ، ويناجي ناقته قائلاً 
وقلنا لها أين أرض العراق *** فقالت ونحن بتربان هــا
وهبت بحسمى هبوب الدبو*** ر مستقبلات مهب الصبا
وأخيراً أحمد شوقي ...وإلمَ الخلف بينكم ؟! 
هذا أسم العراق عمقاً ، ومدلول توطنه سكناً ، والارتباط به شجناً ، منذ أقدم العصور، فكيف أنتم ممزقون ؟! وماذا تريدون ؟! وأين سترسون ؟ وندع أحمد شوقي يخاطبكم ، بما خاطب به أهل (مصره) ، في رائعة ( شهيد حقــّه ) ، كمال مصطفى في ذكرى وفاته السابعة 
إلام الخلفُ بينكم إلاما ؟ *** وهذي الضجة ُالكبرى علاما ؟
وفيمَ يكيد بعضكم لبعض ٍ**** وتبدون العداوة والخصـاما
وأين ذهبتمُ بالحق لمّـــا ***** ركبتمْ في قضيته الظـــلاما ؟
تراميتم فقال الناس : قومٌ*** * إلى الخذلان أمرهمُ ترامى
إذا كان الرّماةُ رماة َ سوءٍ ****أحلـّوا خير مرماها السهاما (14)
شتان بين مَن يضربون الدرهم والدينار ، والريال والدولار ، وبين مَن يُضربون بها ، فالتسقيط جاهز ، والجهل سائد , ولكن العراق لا يعدم رجاله ، وتبقى الأمور في ذمّة الله والتاريخ والأجيال , وكلُّ ما فوق الترابِ ترابُ :
إذا كانت النفوسُ كباراً *** تعبتْ قي مرادها الأجسامُ
ولله الأمرُ مِن قبلُ ومِن بعدُ . فهو نعم المولى ، ونعم النصير !! 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نظراً للظروف المأساوية الطارئة - إن شاء الله - التي يمرّ بها عراقنا الحبيب ، وهو على حافة الخطر  ، نقدم بحوثنا عن عراقة عراقنا لدواعي وطنية وإنسانية ، لعلهم يتذكرون ، والتاريخ لن يرحم أحداً ، ونؤجل بحوثنا عن العبقرية والرثاء والغزل ، وفصيدتي الجديدة،  للأسابيع القادمة ، والله من وراء القصد .      
(1) (لسان العرب) : أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور) ج10 ص 115 - 120- دار صادر - 2003 بيروت . 
.  معجم البلدان) : ياقوت الحموي - 3 / 207 - الوراق - الموسوعة الشاملة )(2) 
 راجع : (الشعر والشعراء) ت احمد محمد شاكر ، ص 399 ، دار المعارف - 1966م - مصر.
((3) (الاصمعيات) : أبو سعيد عبد الملك بن قريب ت 216 ، تحقيق : احمد محمد شاكر وعبد السلام هرون ، الطبعة الثالثة ص164 ، دار المعار ، مصر. .
(4) العماليق : من أول الشعوب السامية القديمة التي هاجرت من الجزيرة العربية باتجاه العراق وسوريا وذلك حوالي 2500 ق.م.، منهم قبائل االأموريين في سواد العراق , والكنعانيين في بلاد الشام , أسسوا بعض الممالك فيهما , يرجع نسبهم إلى عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح ، ويقال : إنهم كانوا أقوياء ، عظماء القامة.  
  (5) (كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال) : علي بن حسام الدين المتقي الهندي 12 / 170 - رقم الحديث - 34128 - مؤسسة الرسالة - 1989 م - بيروت . .
 (6) (جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة ) : أحمد زكي صفوت- ثلاثة أجزاء - 1 / 422 ، 2 /293 ... - المكتبة العلمية - بيروت . 
 ((7) (التحرير والتنوير) : محمد الطاهر ابن عاشور - ج 11 - ص 155 - سورة التوبة - الآية 25 - دار سحنون . 
 (8) (لسان العرب ) : ابن منظور - ج 15 - ص 239 - م . س. 
 (9) م . ن.
 . (10) (معجم البلدان) : م . س 
 (11) (تاج العروس من جواهر القاموس ) : الزبيدي , الحسيني محمد بن محمد , 1 / 1902 - - الوراق - الموسوعة الشاملة. 
 (12) راجع لترجمته (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ) : شمس الدين أحمد ابن خلكان ، تح : محمد محي الدين - ج 5 ص 173 - 1449م - مطبعة النضة - مصر. 
(13) أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران ) : وليد الأعظمي - مكتبة الرقيم - بغداد 2001م - صفحة 73 - 74 - , واسمه عنده : مهذب الدين. .
  (14) (الشوقيات) : أحمد شوقي - تح علي العسيلي - ج1 ص 185 - مؤسسة الأعلمي - ط1 - 1998م بيروت.