الحوثيون في الميزان/ محمد محمد علي جنيدي

كيف ومتى بدأوا ولماذا يتصدر الحوثيون المشهد السياسي في العالم بسرعة الصاروخ، وهل هم صناعة كالوجبات الجاهزة التي نتناولها عبر سفرياتنا، أم هم السم الذي أرادوا أن يفتكوا به على ما تبقى من مقدرات دول الخليج، ومن صانع الأحداث لنتعرف على المستفيد الأكبر.
لقد بدأت الحرب على الحوثيين المنقلبين على شرعية رئيس اليمن عبد ربه منصور هادي، وعلى الرغم من أنهم أقل كثافة سكانية من غيرهم باليمن إلا أنهم سيطروا بقوة وطاردوا رئيسا منتخبا وأصبحو القوة الأكبر خطرا على الحدود الجنوبية للمملكة السعودية – وبالطبع – لا يمكن أن تؤول لهم السيطرة على هذا النحو من فراغ، ولا شك أن الشعور المتنامي بوجود حزام خانق يتشكل وينذر بخطر بالغ على دول الخليج وعلى رأسها المملكة السعودية فإن ذلك له أيضا ما يبرره.
ولكن أيضا من العبث القول أن لأي حرب منطق ومسار وتوقع، والأصوب في رأيي أن الشبكة الصهيونية قد خططوا وحاكوا وأرادوا أن يلقوا بصناعة هذه الأزمة على محيط المنطقة من أقصاها إلى أقصاها، والتاريخ يخبرنا دائما أن اللعب على وتر الطائفية هو الأعظم ربحا لهؤلاء!.
ألم يكن من الأجدى لطرفي النزاع البحث عن آلية وأدوات للتقريب تحفظ الحد الأدنى للمصالح المشتركة بين الطائفتين، وإذا ما كان التمدد الإيراني هو هدف استراتيجي لها لتأمين حدودها من بعيد لخلق توازن ما بينها وبين أي قوى أخرى ترى إيران بأنها تهددها فإن أيضا هذه التكتيكات من إحداث التوسع والتمدد الطائفي هنا وهناك من المؤكد أنها سوف تؤدي في النهاية إلى صدام عسكري قد يطول ويأكل اليابس والأخضر أمامه ويضعف الجميع في آنٍ واحد.
إن استمرار حرب اليمن الحالية دون طرح لحلول سياسية ناجزة لن يوجد مستفيد منها سوى الصهاينة، ومن هنا يمكننا أن نضع أيادينا على أسباب وملابسات تصدر جماعة الحوثيين المشهد السياسي بسرعة الصاروخ كما يمكننا فهم التواجد الداعشي القوي في المنطقة، ويبقى السؤال مشروعا إلى متى نسمح لهؤلاء التلاعب بمصائر شعوبنا.

m_mohamed_genedy@yahoo.com

أيتها المرأةُ الملعونة، أين عضلاتُ فخذيك؟/ فاطمة ناعوت

سجالٌ فكريٌّ حادٌّ جمعني قبل أيام بداعية مغربيّ اسمه "محمد الفزازي" حول سؤال: "هل لحرية التعبير قيود؟"، خلال برنامج "مناظرة" الذي تم تسجيله في "قصر السفراء" بالدار البيضاء. وتطرّق الحديث، بطبيعة الحال، حول ملابس المرأة وأنها السببُ وراء ظاهرة التحرّش بالنساء المتزايدة في المجتمعات العربية. وسألتُ الشيخَ سؤالاً بريئاً: “أفغانستان تحتلُّ المركز الأول عالميّاً في نسبة التحرّش بالنساء حسب الإحصاءات الدولية، رغم أنها تغطي النساءَ من رأسِها إلى أخمص قدميها، فما تفسير ذلك؟"، وراعني أن قال الرجل: “حجابُ المرأة أو نقابها ليس دليلاً على فضيلتها. فقد تتغطى وترتكبُ الفواحش.” ثم أراد أن يصرف انتباهي عن عوار إجابته وتهافتها، عن طريق استفزاز وطنيتي، قائلاً: “وماذا عن التحرش في ميدان التحرير؟" وكان له ما أراد، حيث انفعلتُ لأنه زجّ باسم مصر في أمر خارج السياق، محاولاً أن يُهين ثورتنا ووسمها ووصمها بما لا يليق. وبالطبع غاب سؤالي العسر، وإجابته المتهافتة، وسط الجدل العقيم. والآن يحقُّ لي أن أعيد تفنيد الأمر على القراء، لأسجّل كمّ التهافت وانعدام المنطق في إجابة الشيخ الداعية. 

نلاحظ بدايةً أن الشيخ قد تجاهل المفارقة التي وددتُ طرحها في اجتماع التدّثر الكامل لجسد المرأة، بعدم سلامها وأمنها رغم هذا من سخافات المتحرشين. لكن الأخطر في إجابته هو أنه ألقى بتبعة التحرش على "انعدام فضيلة المرأة"، وإن كانت منتقبة! فالمراة المُتحرّش بها غير عفيفة بنظر الشيخ! أين الرجلُ في واقعة التحرش؟! غير موجود! هو الحملُ الوديع المغلوب على أمره دائماً. 

ذكّرني هذا التهافت الذهني والمراهقة الفكرية بشيخ مصري اسمه "محمود شعبان"، حماه الله وبارك في عقله، حين قال: "إن عفّتِ المرأةُ عفَّ الرجل"، ولا ندري أيُّ عفاف يطلب أكثرَ من النقاب؟ وهل نساء أفغانستان في نقابهن غيرُ عفيفات؟ ثم تمادى شيخنا الطيب قائلا: "إن المرأة دون سواها هي السبب في ظاهرة التحرش الجنسي.” "حتى إن احتشمت يا شيخ؟" "نعم. حتى إن احتشمت وتنقّبت.” "لماذا يا شيخ؟ وكيف"؟ "لأنها لا تستخدم أقوى عضلة في جسم الإنسان، وهي عضلة الفخذين! كما يقول العلم(!!) لماذا تخفق المرأة في استخدام فخذيها لمقاومة التحرش؟! هي إذن ترغب في التحرش بها، ملعونة ابنة ملاعين!". 

هذا الشيخ الكوميدي ارتكب عدة مغالطات منطقية وفكرية ووجودية. أولا أغفلَ الرجلُ أن التحرش الجنسي ليس بالضرورة هو اكتمال عملية الاغتصاب. إنما يبدأ بكلمة سفيهة يقولها رجلٌ سفيهٌ لمحصّنة تسير في الطريق. وتمرُّ بمحاولة لمس جسدها خلسةً، فإن وصل الأمرُ إلى حده الأقصى، خرج من خانة "التحرش" و"انتهاك الخصوصية" ليدخل في باب "الاغتصاب" أو “هتك العرض” وتلك جريمة أخرى. وثانيًا، يطالب الشيخُ الكريمُ المرأةَ لكي تكون عفيفة أن تتدرب احترافيّاً على المصارعة الحرّة لتصرّع الرجل المتحرش الفحل. فإن كانت المرأة ذات بنيان جسماني ضعيف ولها أفخاذٌ واهنة، فهي فاجرة داعرةٌ يجوز التحرش بها!

لم يسأل الشيخُ المغربي ولا زميله المصري نفسيهما عن الطفلة التي تُغتصب! ماذا ارتدت من ملابس مُغرية ولم يكتمل بناء جسدها أصلاً، ولا كيف تقاوم ذكراً يافعاً بفذخيها الناحلين؟

لاحظوا أن "الرجلَ" غائبٌ عن منظومة الشيخين في العملية الانتهاكية، في مقابل الحضور الكامل الشامل للمرأة/ الطفلة. المرأة هي الفاعلُ والمفعولُ بها طوال الوقت، والرجل لا يفعل أكثر من تأدية دوره الطبيعي الأوحد في الحياة: “الجنس"! هكذا يرى شيوخنا الأفاضل الأمورَ من منظار أعور بعين واحدة. 

الشيخ المغربي محمد الفزازي، الذي ناظرته في المغرب قبل أيام، أعتذر لنفسي ولقرائي على مساجلته. لأنني حين وافقتُ على النزال، كنتُ واهمةً وصدقت مزاعمه بأنه قد راجع أفكاره القديمة وعدل عنها بعدما منحه ملك المغرب عفوًا أخرجه من غياهب السجون التي قضى سنوات وراء قضبانها عقابًا له على فتاواه التكفيرية التحريضية التي أرهقت المغرب والعالمين. ظل يقول على مدى سنوات: "نعم أنا تكفيريٌّ وأفخر بهذا. بل على كل مسلم أن يكون تكفيريّاً وإلا كان هو كافراً خارجاً عن ملّة الإسلام!"، وكان يقول إن الديمقراطية "دِينُ" كفر، كالنصرانية واليهودية، وإن مَن يعتنق الديمقراطية يجب قتله كما يحلُّ قتل أي كافر. ثم زعم أنه الآن شخصٌ جديد مستنير مختلف. إلى درجة أنه، قبيل تسجيل الحلقة، قال لي أمام فريق إعداد البرنامج والمخرجين والمذيعة والمصورين وأمام زوجاته العديدات: “أنا الآن إنسان جديد، ولو شاهدتُ محمد الفزازي القديم سوف أضربه بالحذاء". هل ترون أن الشيخ قد تبدّل واستنار بالفعل وتحرر من آرائه حول المرأة والرجل وعملية التحرش الجنسي؟

يا للخزي يا للعار/ رائف حسين

- المانيا
حقاً لم اصدق عندما سمعت  وقرأت بان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤيد العدوان السعودي على شعب اليمن!
ظننت في بداية الامر ان الخبر ملفق وأن من وراء بث هذه الشائعات أكيد مخابرات عدو ما،  تريد الإيقاع بالشعب الفلسطيني في مطبات إقليمية لا قوة ولا مصلحة له بها.  
لكن وللأسف الشديد اتضح ان محمود عباس رئيس دولة محتلة وشعب مضطهد يؤيد عدوان سعودي غاشم على شعب عربي مقابل فتات مال سعودي لصرف معاشات لسلطة مفلسة ومفعمة بالفساد والاختزال وسوء العطاء السياسي. سلطة وحكومة  لم تعد تملك أصلا ذرة شرعية بمقياس دستورها التي وضعته بيدها. 
نعم اسأل السيد الرئيس باسم من قمت بتصريحك المشين؟ ومن خولك أصلا ان تقف طرفا في صراع  عربي - عربي ونحن شعب يتطلع ويتتوق الى التضامن العربي والإقليمي والعالمي الكامل؟ 
كيف ترضى ان تقف الى جانب هؤلاء الذين بقيوا في مضاجعهم الأوروبية وغزة هاشم تدك بصواريخ العدو الصهيوني ولم يحركوا ساكن؟ 
كيف بك ان تقف الى جانب أنظمة تمول وتدعم الانقسام الفلسطيني منذ سبعة سنوات؟ 
هل سالت نفسك يا سعادة الرئيس لماذا لم يقم طبران السعودية بشن هجوم على من دنسوا حرمة الأقصى وهم حاموا الحرمين؟ 
سعادة الرئيس محمود عباس، تعودنا بالماضي على تصريحات مضرة ومحرجة من قبلكم وسكتنا طويلا عن عجزكم وايداكم السياسي الضعيف، وكل هذا باسم الوحدة الوطنية...
 لكن الان قمتم ببيع ضمير الشعب الفلسطيني مقابل حفنة مال خليجي ملوث بدماء شهداء اليمن وعلى كل فلسطيني شريف ان يتنصل من تصريحكم  
وان الأوان انت تتنحوا فأنت سعادة الرئيس أصبحت منذ اليوم خارج الإجماع الوطني الفلسطيني. تصريحاته وسياستك أصبحت عالة على قضية شعبنا. 

فوضى الجمال/ المختار لعروسي البوعبدلي الجزائري

في فوضى عناق الأشياء ... 
يبقى الحرف على بعد مسافة ... 
قاب قويسين أو أدنى في رحم امرأة ...
تعزف للكون لحن بقاء ... 
يا أم نبي قتلت شيطان القبح على كفيها ... 
وسالت آيات الرب كلمة على ناصية عشق ... 
واحترقت خطيئة آدم الأولى ... 
في قنديل البدء هبوطا ... 
هزي كلمة البدء على خصر الياقوت مرج القلبين يلتقيان ... 
بينهما وجد الوجد لا يفترقان ... 
بعثري كل أوراق التوت ... 
على سعف النخل المعفر بتأويل عشتار ... 
آخر حرف من قصيدتها ... 
تقتل فيه أوثان وجود ليبقى الإنسان ... 
شدي الغصن بين رمانتين سيجتا بماء الخلد ... 
تطلب فك القيد من كفي ... 
وبكفي قلب يقرأ مزمار الأنبياء ... 
يحمل في هضيباته عقدا وخطوطا تفسر تعاويذ لتحل محل خرافة الغول ... 
سأفك الآن كل حروف يقرؤها الجان والشيطان ...
ليكون الفك سجنا لهما ...
وسورا يحرسني يحرسك يحرس ذاك الإنسان.../...

سقوط بيوت مُحرّمة/ د. عدنان الظاهر

( رسالة للسيد غورباتشوف )

أين يولّي قُلْ لي
وجهاً قصّادُ بيوتِ حرامِ
كمثابةِ إبراهيمَ مقاما
سقطتْ فسقطتُ كما يسقطُ زُرزورٌ في وحلِ
مشلولاً حتّى عجزتْ لقضاء الحاجةِ عن نقلي رجلي
كيف وأين يُصلّي
بعد سقوطِ بيوتِ حرامِ
رجلٌ ترك الدنيا
وتزهّدَ حتى ما عادَ سوى
شَبحٍ يتحدّبُ فوقَ عصاةِ الأعمى
ليُفاجأَ أنَّ الدنيا دارتْ
دورانَ الثورِ الإسباني المطعونِ
ومن ثُمَّ انقلبتْ
زانيةً ساقاها للأعلى.

أين يولّي من ضيّعَ مفتاحَ الأصلِ
تحمّلَ ما لم يتحملْ بشرٌ قبلا
من ضغطِ الأهلِ
ورقابةِ شرطيِّ اللأمنِ
وقضى أعواماً مخفيّا
وتشرّدَ في أرجاءِ الأرضِ
هَرَباً من زنزانةِ إعدامٍ أو سجنِ.

أين يولّي شَبَحٌ مثلي
بعد سقوطِ مدائنهِ قُلْ لي
أيقولُ فَقَدنا بالأمسِ القدسَ وبغدادَ اليومَ وعاصمةً نائيةً أخرى ؟؟

ماذا …
ماذا سأُسمّي نفسي
بعدَ سقوطِ مدائنِ أحلامي
وطنياً ؟
قومياً ؟
أُممياً  ؟
أمْ لا شيءَ بتاتاً ، قلْ لي.


مرايا الحطب/ حسن العاصي

كاتب فلسطيني مقيمن في الدانمرك

قدْ تُرديهُ مسافةُ نايٍ
قدْ ينسدلُ الخطوَ وتلوكهُ الرمالُ
لكنْ على بُعدِ ظمٍأ منها
عثرَ على أوَّلِ موجةٍ يتيمةٍ
خبَّىءَ جداولُ الصوتِ...
خلفَ صورِ العتمةِ العتيقةِ
ونثرَ نكهةَ الحزنِ
فرحلتْ البساتينُ إلى ترابِ المسافةِ
لكنَّهُ موجوداً هناكَ
في فراشةٍ تسكنُ أغاني المطرِ
تحتَ القناديلَ الباهتةِ
يضعُ يدهُ على قارعةِ الرمادِ
يُلوِّحُ بالماءِ للزعترِ الغافي
خارجَ الرِّيحِ


يَعبرُ في تخومِ الهشاشةِ
يحملُ قلبُ طفلتهِ
سلكَ دربُ الرياحينَ
كانتْ الخُطى تضجُّ بالجندِ
وشجرَ الطريقُ أضحى قرميداً ينكمشُ...
السياجُ قواريرُ رملٍ متخمةٌ
الصمتُ منقسمٌ على ظلِّهِ
انتهى الوطنُ
فجأةً تتعرَّى غابةُ الزجاجِ
ويعوي الرمادُ الأخضرَ
يلوي غرابُ المقابرِ الوقتَ
منْ رأسهِ
لازالَ هارباً
تلاحقهُ عيونُ القتلى
تحتَ الأراجيحِ


سَأَلَتْهُ منْ سيرثُ البكاءَ ولونهُ
قالَ منْ يأكلُ الضوءَ نيئاً
الضجيجُ يصفقُ للمناديلَ
هوَ هناكَ
في نعناعِ المجانينِ...
يطوي وجههُ ويجمعهُ
يمضي إلى شاطىءٍ لايأتي
يتبعهُ غيمُ الطفولةِ
هوَ هناكَ
يمشِّط ضفائرَ النوارسُ
انتظرتْ أن يغشي النرجسَ المرَّ
على لونِ الماءِ
لتموتَ في وريدِ النهارِ
قربَ رُفاتِ المصابيحِ


عادتْ من دونِ صوتِ المطرِ
كانتْ تأبى الكلامَ
الخُطى تدفنُ دربَ الكرومِ
نساءُ الفجيعةِ ينتاسلونَ فراشاتٌ
والخيولُ تلدُ عقاربُ السمِّ...
تشبهُ الظمئَ في فراغهِ
سَكينَةٌ برائحةِ الغيومِ
تتسلَّلُ كالضجيجِ
قالتْ هذا صوتُ روحي
مثلُ صُبحٍ يحتضرُ
تسلَّقَ عينيها وهو يبكي
فرسى المطُر على كتفهِ
طيراً ذبيح


كَتبتْ وصيتُها على مرايا الحطبِ
حينَ يصبحُ الخبزُ بلا لونٍ
أُقطُفْ ريشُ الأسماءِ
مِنْ نافذةِ النارِ
وهِبْ شجرَ الماءُ ألفَ حريقٍ ليطيرَ...
قَدْ مُتنا مرتينِ
وصَدَقَتْ النبوءةُ
رَسمتْ سماءُ بقلبينِ
فَتَحَتْ عُشبها
عَصَرَتْ عبورَ الرملِ
قالتْ إسْقِ ريحَ الشمالُ
توسَّدتْ عصافيرُها عمقَ الشهيقُ
والملائكةُ رقدتْ بأجنحةٍ ناعسةٍ
قُربَ ابتسامةِ الموتِ لتستريحَ


سارَ مُتعثراً حتى وصلَ قَبرُها
كانَ مُنكسرَ الخُطى
والماءُ المصلوبُ يفيضُ على الوقتِ
العقاربُ تنفثُ الرملَ
على شجرِالبلّوطِ...
تدلَّتْ الغابةُ كريحٍ حزينةٍ
تطوي شواهدَ القبورِ
اقتربَ من كوّةِ النّورِ
رأى الصباحُ يقضمُ وجهُ الغيمةِ
ناداها
مَنْ أخرجُكِ ِمنْ جذرِ الماءِ
عقيقةٌ قديمةٌ على شعاعِ السَّحابِ
ورسمَ مِنْ إيمانُكِ
نِصالُ الخيبةِ
لمْ يسمعُ جواباً
ناداها مرَّةً أُخرى وهوَ يبكي
سقطَ على الترابِ
فهوتْ أشجارُ السِّدرِ حزينةً
فوقَ الضَّريحِ


الى أمي وكل الأمهات/ رفيق البعيني


أقول أحبك ، 
لا فأنا أعبدك
أنا قطعة من جسدك
أنا نفحة من روحك 
أنا بلسم لجرحك 
أنا صدى لصوتك
أنا صرخة لحزنك 
ونشيد لفرحك

أنت سعادتي 
أنت أملي
أنت دعائي

حبي من حبك
وحناني من حنانك

أنت ماضي 
وحاضري 
ومستقبلي

معك أعيش طفولتي
وبظلك أعيش شبابي
وبدعائك أعيش كل عمري.

في يوم عيدك 
أطلب رضاك 
وأركع خاشعا أمام عظمتك

فأنت بعد الله سلطانة هذا الكون

  كل عام وأنت بألف خير                 

الذين أضاعوا المشيتين/ كفاح محمود كريم

     سئل " خبير عسكري استراتيجي " كما يحب توصيفه من قبل الفضائيات عن أهمية قطع البيشمركه الكوردية الطريق الاستراتيجي بين الموصل وسوريا من جهة ربيعة وسنجار فقال:

" إن مسعود البرزاني ارتضى بخمسة بالمئة من مطاليبه التي كان يطلبها من صدام حسين ( في إشارة للمحادثات التي كانت تجري بين القيادة الكوردستانية ونظام صدام حسين بعد انتفاضة آذار 1991م والتي ادعى انه كان حاضرا فيها بصفته الرسمية آنذاك كمدير للاستخبارات العسكرية العراقية )، وان هزيمة البيشمركه في سنجار لا تجعل أي أهمية لقطع الطريق بين الموصل وسوريا " !؟

     في هذا المقطع أراد " الخبير الاستراتيجي العسكري " أن يكون سياسيا فاصبح مهرجا وأضاع المشيتين كما يقول الدارج العراقي، فلا هو أجاب مهنيا عن السؤال واقنع المشاهد بأهمية ما سألت عنه القناة، ولا هو نجح في تقديم تحليل سياسي منطقي عن ذات السؤال، فانطبق عليه المثل العراقي أعلاه.

     وفي المقابل يخرج شخص آخر تحت تسمية " المحلل السياسي الاستراتيجي " على قناة فضائية ليسأل عن الآليات والأساليب التي استخدمها الجيش العراقي في عملية تحرير محافظة صلاح الدين العراقية فيقول:

" إن المحورين الجنوبي والشمالي اللذين استخدمها الجيش العراقي كانا يفتقدان إلى قوة نارية كثيفة والى قوات اقتحامية خاصة مما تسبب في تأخير عملية التحرير وتأجيلها بسبب كثافة حقول الألغام والمفخخات "!؟

     جواب اقل ما يقال عنه من العراقيين الذين يعرفون جيدا إن القوات التي تقوم بعملية الهجوم على داعش في تكريت هي تشكيلات الحشد الشعبي ولا يوجد للقوات العراقية إلا حضور نسبي أو رمزي، ثم إن إيقاف الهجوم كما أعلنت مصادر الحشد الشعبي هي إعطاء مهلة أو فرصة للأهالي المدنيين للانسحاب من مناطق التماس!

     أردت بطرح هاذين النموذجين والذي من المفترض أن يكونا محللين وخبيرين عسكريين وسياسيين، وقد تحولا الى ظاهرة مملة تكاد تكون يومية على شاشات التلفزة، في اداء تهريجي لممثلين بمستوى كومبارس يحتلون أمكنة بعضهم، وكيف يفقدون طريقهم ومصداقيتهم بخلطهم للأوراق تحت تسميات وتوصيفات هي ابعد ما تكون عن حقيقة اختصاصاتهم، وهذا ينطبق بشكل كبير على كثير من المواقع التي تحتل من أناس غير مناسبين بما يتناقض مع مقولة الإنسان المناسب في المكان المناسب، الذي نفتقده في معظم مفاصل مؤسساتنا التي تنخر فيها فايروسات الفساد والإفساد، والتي تسببت في أن نكون من افشل دول العالم وأكثرها تخلفا قياسا مع ما تمتلكه من إمكانيات وثروات هائلة.

     وبنفس حجم مهزلة النموذجين أعلاه تقترف وسائل الإعلام التي تظهرهما ليل نهار، جريمة تسطيح الرأي العام وتشويه الحقائق وتسطيح وعي وتفكير العامة من الأهالي بما يجعلهم دوما ضمن نظام القطيع المتلقي الذي ما يزال يعتبر شاشة التلفزيون والتوصيفات الممنوحة لهؤلاء الأشخاص وتصريحاتهم في مركز الثقة والحقيقة التي لا تناقش، اضافة الى انها تساهم في شرعنة وقبول اناس فقدوا مصداقيتهم الاخلاقية حينما تخلوا عن شرف مهنتهم وقسمهم بالاخلاص أيام كانوا في موقع المسؤولية!؟

kmkinfo@gmail.com

منظمة التحرير على مفترق طرق فلسطيني/ نقولا ناصر

(تقف منظمة التحرير الآن على مفترق طرق يضع الرئيس عباس وأي خلفاء له من فريقه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تبني استراتيجية وطنية جديدة بديلة تجمع الصف الوطني ولا تفرقه على قاعدة المقاومة، أو يرحلوا)

عندما يقول الرئيس الأميركي باراك أوباما، تعليقا على نتائج الانتخابات الأخيرة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، إن بلاده "بحاجة إلى إعادة تقييم سياساتها" بعد أن احتكرت الولايات المتحدة رعاية ما سمي "عملية السلام" ومفاوضاتها بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1991، ويقول كبير مفاوضي المنظمة صائب عريقات إن "إسرائيل انتخبت دفن عملية السلام"، فإن المنظمة تكون أمام "مفترق طريق مصيري وتاريخي" كما قالت اللجنة التنفيذية للمنظمة في بيانها يوم الخميس الماضي.

إن نتائج الانتخابات في دولة الاحتلال تضع، أو يجب أن تضع، منظمة التحرير أمام مفترق طرق مفصلي وحاسم يقتضي كاستحقاق وطني الافتراق نهائيا عن استراتيجية المفاوضات التي انتهجتها المنظمة حتى الآن، فخلاصتها أن الناخب في دولة الاحتلال قد اقترع على إسقاط "البرنامج الوطني" للمنظمة، لكن قيادتها تبدو مصرة على الاستمرار في ذات النهج الذي أثبت فشلا ذريعا حتى الآن، وتجد في جامعة الدول العربية الحاضنة لها صوتا نشازا يسوغ لها الاستمرار في الفشل.

فأمين عام الجامعة العربية د. نبيل العربي يدعو إلى عدم البناء على تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو التي تعهد بها الأسبوع الماضي بمنع قيام دولة فلسطينية وبعدم القيام بأي سحب لقوات الاحتلال ومستعمراته ومستوطنيه من الضفة الغربية وبالاستمرار في بناء "آلاف" الوحدات الاستيطانية فيها لأن هذه التصريحات في رأي العربي هي مجرد "دعاية انتخابية" ولا تمثل "سياسات الحكومة الإسرائيلية في المستقبل" لأنه "شخصيا يعتقد" بأن تصريحات نتنياهو هذه استهدفت "كسب أصوات المتطرفين، وبخاصة أصوات المهاجرين الروس" إلى فلسطين خلال الخمسة عشر عاما المنصرمة.

وتشير تصريحات العربي إلى ما يتوقع أن تخرج به القمة العربية في القاهرة أواخر هذا الشهر من قرارات تسوغ لمنظمة التحرير وقيادتها عدم الافتراق عن الاستراتيجية الفاشلة التي كانت تنتهجها حتى الآن.

لذا لم يكن مفاجئا أن تعرب وزارة خارجية "السلطة الفلسطينية" المفترض أن المنظمة هي التي تقودها، في بيان لها يوم الأربعاء الماضي، عن "أملها" في أن تقود نتائج الانتخابات في دولة الاحتلال إلى إعادة إطلاق "عملية سلام جدية وفاعلة" لأنها "لا تتدخل في الشأن الإسرائيلي الداخلي" وتلتزم "بالتعاطي السياسي مع الحكومة الإسرائيلية القادمة بغض النظر عن تشكيلتها الائتلافية". وهو ما أكده الرئيس محمود عباس في اليوم التالي.

وكانت طريق منظمة التحرير قد افترقت عن "شريكها" الإسرائيلي المزعوم في عملية السلام منذ زمن، لأن "استراتيجية التفاوض الثنائي التي اتبعناها على مدار واحد وعشرين عاما أوصلتنا إلى كارثة تجلت في تضاعف الاستيطان أربع مرات وسيطرة إسرائيل على 62% من أراضي الضفة الغربية وعلى 92% من المياه إضافة إلى تهويد القدس وفصل الضفة عن قطاع غزة" كما قال مفوض العلاقات الخارجية في حركة فتح التي تقود منظمة التحرير نبيل شعث. وافترقت طريقها عن الراعي الأميركي للمفاوضات عندما قررت المنظمة التوجه إلى الأمم المتحدة عام 2011. لكن استراتيجية المنظمة في التفاوض لم تتغير.

لقد هنأ اسحق هيرتزوغ زعيم "الاتحاد الصهيوني" المعارض نتنياهو قائلا إنه "يحترم قرار الأمة"، متجاهلا أن أدولف هتلر لم يصل إلى الحكم بانقلاب بل ب"قرار من الأمة" في انتخابات مماثلة. وإذا كان هيرتزوغ يستطيع "احترام" نتائج الانتخابات في دولة الاحتلال فإنه لا يوجد أي مسوغ كي يعرب أي ممثل لمنظمة التحرير عن أي احترام مماثل بزعم "عدم التدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي" وب"التعاطي" مع أي حكومة تنبثق عن تلك الانتخابات، فحكومة دولة الاحتلال المرتقبة نتيجة الانتخابات الأخيرة هي حكومة حرب واحتلال واستعمار استيطاني وتهويد.

وقد تجاهل بيان خارجية السلطة حقيقة ان الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال طوال السنوات الست الماضية الذي أفشل "عملية السلام" وجولة مفاوضاتها الأخيرة قد عاد إلى الحكم أقوى مما كان عليه، فمعسكر "اليمين القومي – الديني" الذي يقوده نتنياهو عزز مواقعه بأربعة مقاعد جديدة وذهبت إليه لا إلى "المعسكر الصهيوني" الذي يوصف باليساري الأصوات التي خسرتها أحزاب غلاة التطرف مثل "البيت اليهودي" و"إسرائيل بيتنا" و"شاس"، وتجاهل كذلك ان تصريحات نتنياهو نسفت كل ما وصفته الوزارة في بيانها ب"مرجعيات عملية السلام الدولية" ولم تترك لمفاوض المنظمة ما يمكن أن يتفاوض عليه.

كما تجاهلت الوزارة في بيانها ردود فعل معسكر التفاوض الفلسطيني ذاته. فأمين عام اللجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبد ربه يقول للواشنطن بوست الأميركية الأربعاء الماضي إن "إسرائيل اختارت طريق العنصرية والاحتلال وبناء المستوطنات ولم تختر طريق المفاوضات والشراكة بيننا"، ودعا عضو تنفيذية المنظمة بسام الصالحي إلى "وقف العمل باتفاقيات أوسلو" وعدم التعامل مع حكومة نتنياهو، وأعلن جبريل الرجوب نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح التي تقود السلطة والمنظمة أنه "لا يمكن أن يكون تعاملنا مع إسرائيل من الآن فصاعدا إلا كعدو" وأن "التنسيق الأمني" والاتفاقيات الاقتصادية معها "أصبحت في مزابل التاريخ".

وهذا غيض من فيض تصريحات مماثلة لا ترجمة لها على أرض الواقع ولا تعدو كونها محاولة مكررة يائسة وبائسة لامتصاص الرفض الوطني والشعبي لاستمرار منظمة التحرير في استراتيجيتها الراهنة والسابقة في التفاوض مع دولة الاحتلال.

الصدقية الأميركية على المحك

في الثامن عشر من هذا الشهر اقتبست الواشنطن بوست من د. صائب عريقات قوله إنه "يجب" على "المجتمع الدولي" الآن "أن يصطف خلف الجهود الفلسطينية لتدويل نضالنا من أجل الكرامة والحرية". و"المجتمع الدولي" الذي كانت المنظمة تراهن عليه حتى الآن هو مجتمع تقوده الولايات المتحدة.

ويتضح من ردود فعل المسؤولين الأميركيين في الأقل وجود عدم رضا عن نتائج الانتخابات الأخيرة في دولة الاحتلال. فالسكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش ايرنست قال يوم الثلاثاء الماضي إنه "يساورنا قلق عميق" من تصريحات نتنياهو، ونسبت النيويورك تايمز في ذات اليوم لمسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض قوله "إننا الآن في واقع لم تعد فيه الحكومة الإسرائيلية تؤيد المفاوضات المباشرة". وقال ايرنست إن إدارته "تنوي نقل هذه الآراء مباشرة إلى الإسرائيليين".

وليس من المتوقع أن تستجيب أي حكومة يقودها نتنياهو لمثل هذه الانتقادات الأميركية لعدة أسباب ليس آخرها العلاقات المتوترة بين نتنياهو وبين إدارة الرئيس باراك أوباما. فمن الواضح أن فوز نتنياهو الانتخابي قد بدّد إلى الأبد اية آمال كان يعقدها مفاوض منظمة التحرير على احتمال أن يتمكن أوباما خلال أقل من عامين على انتهاء ولايته الثانية من تنسيق مفاوضات جديدة مع دولة الاحتلال بعد أن استقوى نتنياهو بتفويض انتخابي جديد عزز مركزه.

وصدقية أي انتقادات أميركية سوف تكون على المحك في اختبارين لها في المدى القريب. فالعودة إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يعترف بدولة فلسطين ويجدول انسحاب قوات الاحتلال منها خلال سقف زمني محدد موضوع على جدول أعمال المنظمة والقمة العربية، وقد انضمت للمجلس أوائل العام الجاري أربع دول مؤيدة لقرار كهذا إضافة إلى الدول الثمانية التي أيدته في المحاولة الأولى في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وسوف يكون الأردن الرئيس الدوري لمجلس الأمن في نيسان/ أبريل المقبل. ولم تعد توجد أي عقبة أمام استصدار قرار كهذا سوى "الفيتو" الأميركي. وهذا هو الاختبار الأول.

أما الاختبار الثاني فمكانه محكمة الجنيات الدولية. ففي الأول من الشهر المقبل تصبح عضوية دولة فلسطين في المحكمة رسمية. وبموجب قانون أصدره الكونجرس الأميركي فإن أي محاولة فلسطينية لتوجيه اتهامات بجرائم حرب ضد دولة الاحتلال ستقود تلقائيا إلى قطع 400 مليون دولار من المعونة التي تقدمها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية سنويا.

في مقال له يوم الأربعاء الماضي قال الكاتب الفلسطيني داود كتاب إن انتخابات دولة الاحتلال قد "حسمت مصير" الرئيس عباس" فهو "قد أعدّ المسرح بالتأكيد لجيل جديد من القادة الفلسطينيين خلال المؤتمر السابع المقبل ل(حركة) فتح"، غير أن الكاتب فاته التوضيح بان أي قادة جدد يخرج بهم مؤتمر فتح لا يحتمل أن يكونوا عنوانا لأي تغيير استراتيجي، فهم في معظمهم من أبناء "أوسلو" الذين تشبعوا بأفكار ما سمي "عملية السلام" ومفاوضاتها ومرجعياتها المسؤولة عن الانقسام الفلسطيني الراهن.

إن "التعاطي السياسي مع الحكومة الإسرائيلية القادمة بغض النظر عن تشكيلتها الائتلافية" ليس له إلا معنى واحدا هو الاستعداد لاستئناف المفاوضات مع حكومة يقودها نتنياهو، الذي اشترط الخميس الماضي على "القيادة الفلسطينية التخلي عن اتفاقها مع (حركة) حماس" ليدعوها إلى "الانخراط في مفاوضات حقيقية مع إسرائيل على سلام يمكن تنفيذه"، وأي استجابة له لن تعني سوى استمرار الانقسام الفلسطيني واستفحاله.

وتقف منظمة التحرير الآن على مفترق طرق يضع الرئيس عباس وأي خلفاء له من فريقه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التخلي عن الاستراتيجية التي انتهجوها منذ عام 1988 وتبني استراتيجية وطنية جديدة بديلة تجمع الصف الوطني ولا تفرقه على قاعدة المقاومة، أو يرحلوا.

تعليقا على نتائج الانتخابات الأخيرة في دولة الاحتلال كتب المحقق الصحفي الأميركي الشهير روبرت باري الأربعاء الماضي أن "حل الدولتين" بالتفاوض الثنائي مع دولة الاحتلال قد "مات عام 1995 مع اغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين". وكان من المفترض أن تدفن منظمة التحرير هذا الحل مع استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 2004 لكنها لم تفعل لتلدغ من الجحر ذاته مرات ومرات. واليوم هو الوقت المناسب لقراءة الفاتحة على أرواح من ما زالوا متعلقين بوهم أن إمكانية التفاوض على حل كهذا ما زالت قائمة.

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

الكاريكاتير: الفن الي يعبّر عن جوهر الأشياء/ جــودت هوشيار

الكاريكاتير– شكل من أشكال فن الرسم الأكثر جذباً ،القائم على المبالغة بالخطوط والريشة ، من خلال تحريف الملامح الطبيعية وخصائص شخص مشهور – مع الأحتفاظ ببعض أوجه الشبه به - أو ظاهرة اجتماعية أو حدث سياسي بهدف التهكم والسخرية او النقد الأجتماعي والسياسي.

على خلاف المقال الذي يتناول موضوعاً ما- وان كان ساخراً ولاذعاً - فان الرسم الكاريكاتيري المعبرعن المعنى ذاته ، مفهوم من الجميع ، بصرف النظرعن فئاتهم الأجتماعية ومستواهم الثقافي ، لما يتميز به من بساطة في الطرح وعمق في التأثيرالجماهيري. ومن هنا يستمد فن الكاريكاتير قوته كأداة صحفية ساخرة وناقدة في آن ، لها القدرة على النقد ، بما يفوق الكتابات الساخرة ، مهما كانت لاذعة.

ويتضمن الكاريكاتير في العادة حواراً أوتعليقاً قصيرا ً، أو يكون بدون نص ، ويعتمد على المفارقة البصرية، وهذا الأسلوب الأخير كان شائعا في أوائل ظهور الكاريكاتير .

 ويرتبط الكاريكاتير السياسي – وهو الأكثر شيوعا والأبلغ تأثيراً من أنواع الكاريكاتير الأخرى -  بحدث سياسي مهم او بشخصية في السلطة ، لجذب الأنتباه الى موضوع يشغل الرأي العام مثل الفساد أو الجريمة أو ارتفاع الأسعار وغيرها . وفي العادة فأن الشخص المعني يشعر بالأمتعاض أو عدم الرضا ، رغم ان جعل أي شخص مشهور موضوعا للسخرية يبرهن على أهميته ودوره في العملية السياسية .

المقال اوالخبر الذي يمس شخصا ما ، يمكن الرد عليه ، اما الكاريكاتير فان ، الشخص المعني يقف عاجزا عن الرد ، لذا يشعر بالحنق والغضب دون ان يستطيع ان يفعل شيئا ، ربما بأستثناء اللجؤ الى القضاء في الأنظمة الديمقراطية . .

ولكن ليس كل الساسة أو المشاهير يمتعضون من الرسوم الكاريكاتيرية ، التي تتناولهم بالنقد والسخرية ، فبعضهم قادرعلى الضحك على نفسه. والحق ان القدرة على السخرية من النفس تعني دائما مستوى عاليا من الثقافة ، والناس الأصحاء روحياً وذوي الشخصيات القوية هم وحدهم القادرون على الضحك على أنفسهم ..

الكاريكاتير يكشف لنا عن انفسنا والعالم من حولنا على نحو بارع ومرح وغير متوقع ، وفوق ذلك فأن نوع الفكاهة أو الدعابة يشير الى مستوى الثقافة الروحية لأي شعب أو مجتمع أوعصر.
فن الكاريكاتير ، يعكس جوهر الاشياء ، وهو فن تطبيقي جد مهم للمجتمع السليم . ليس المهم دائما محتوى الرسم الكاريكاتيري فقط ، بل ايضا ردود الفعل ، التي تحدثه في المجتمع.
من أجل تقبل او فهم الكاريكاتير عليى الانسان ان يمتلك شيئا من روح الدعابة والفكاهة ويكون مستعدا للابتسام ، أو الضحك ، وهو ما يميز الأنسان عن الحيوان . والقصص الفكاهية البارعة للكتاب الساخرين يكشف عن ذلك بكل عمق وطرافة .
-
الكاريكاتير عبر ألتأريخ :

ثمة التباس واضح في الكتابات العربية عن هذا الفن ، فالباحثون في هذا المجال يخلطون بين الرسوم البدائية على الصخور، لسكان الكهوف في العصر الحجري أوعلى أوراق البردي والمسلات الفرعونية أو الرسوم المبالغ بها أو المشوهة بعض الشيء ، للأنسان والحيوان في العهود السومرية والآشورية والبابلية ، وبين الكاريكاتير بالمعني الحقيقي لهذا المصطلح بوصفه فناً مستقلاً  . ان كل تلك الرسومات تنتمي الى الفن التشكيلي البدائي ، غير أن بعض الكتاب يحملون هذه الصور معاني لم تخطر ببال راسميها ، كالسخرية أوالتعريض بالحاكم المستبد .

كان الأعتقاد السائد بين مؤرخي الفن ، حتى منتصف القرن التاسع عشر، أن أقدم رسم كاريكاتيري يعود الى زمن الفراعنة ، وهو مرسوم على ورق البردي قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة . ويصور أسداً  يلعب مع ظباء ، لعبة تشبه الداما . وكان هؤلاء المؤرخون يقولون أن الأسد يمثل  الفرعون رمسيس الثالث.

ولكن في وقت لاحق ظهرت شكوك حول الشخصية التي يمثلها الأسد ، ذلك لأن أحداً لم يكن يتجاسر على السخرية من فرعون مصري معبود ، وقد ثبت في ما بعد ، ان عهد رمسيس الثالث لا  يتزامن مع التاريخ التقريبي لهذا الرسم . وبالإضافة إلى ذلك، فأن صورةالأسد والظباء ليست سوى جزءاً من صورة أكبر، تتضمن أيضاً صور حيوانات أخرى. وربما تعكس هذه الصورة روح الدعابة ولا تنطوي على أية سخرية من أحد .

وهناك رسم مصري قديم آخر ، والذي يمكن أن يعتبر نموذجاً بدائياً للكاريكاتير ، فعلى جدار معبد   حتشبسوت ثمة صورة تمثل الملك والملكة وهما يستقبلان وفداً مصرياً .وتمتلك الملكة المرسومة بالنحت الغائر ، شكلا جميلا مثيرا للإعجاب، في حين أن الحمارالمرسوم على جدار قريب والمخصص لحمل زوجات الملك صغير يكاد يكون قزماً .وقد انجز هذا الرسم بين عامي  ( 1458 – 1479 ) قبل الميلاد . ويعد أقدم رسم ساخر يمثل شخصية تأريخية حقيقية .

الكاريكاتير، اسم مشتق من الكلمة الأيطالية " كاريكير" وتعني " يبالغ " أو" يحمّل ما لا يطيق "
 في عام 1590 أطلق أنيبالي كاراتشي الأيطالي وشقيقه  أغوستينو  هذه اللفظة على رسومات البورتريه ، التي رسماها على نحو مبالغ فيه .

وقد جاء في الشرح الذي تركاه ، انهما ارادا بتلك الرسوم  ، التهكم على النظريات الفنية التي درساها في الأكاديمية البولونية .وقد ظل الكاريكاتير شكلاً فنيا ايطاليا رغم ظهور الفنان بيتر بروغل الأب ( 1525 – 1569 ) وآخرون معاصرون له في أوروبا الشمالية ، الذين أستخدموا اسلوب المبالغة في لوحات البورتريه ..

البعض يعتقد ان ليوناردو دا فينشي،هو الاب الحقيقي لفن الكاريكاتير، في اشارة الى الرسوم   المشوهة ، البشعة الشكل ، التي رسمها هذا الفنان العظيم . .

وبطبيعة الحال فأن الرسوم الكاريكاتيرية الأولى لا تشبه كثيراً الرسوم التي يمكن ان نشاهدها اليوم ، فأغلب تلك الصور كانت لرجال برؤوس كبيرة واجسام صغيرة بصورة غير متناسبة .

كان رسام الكاريكاتير في الماضي يمتلك سلطة تفوق سلطة الكاتب كثيراً ، ولم تكن الرسوم مصحوبة بالكلمات النصية حيث لم تكن ثمة ضرورة لذلك ، لأن المتعلمين كانوا قلة في المجتمع . ولعل أبلغ مثال على هذا النوع من الفن الجرافيكي الساخر،هو الرسم الكاريكاتيري الذي رسمه الفنان البريطاني جيمس غيلاري ( 1756- 1815 ) وصور فيه نابليون بونابرت ( 176- 1821) قصيراً جداً ومثيراً للسخرية بقبعة كبيرة الحجم . اليوم، ونتيجة لذلك ، فأن نابليون يخيل الينا حتى اليوم ، أقصر مما كان عليه في الواقع .
.
أنتشر الكاريكاتير بعد اختراع يوهان جوتنبرج لآلة الطباعة في عام 1447، وظهور حركة الأصلاح الديني ، حيث شرع الفنانون البروتستانت في القرن السادس عشر برسم صور كاريكاتيرية للتعريض ببذخ البابا وثرائه ومقارنته بزهد يسوع المسيح ، كما في سلسلة الرسوم الثنائية ، من قبيل : "يسوع يغسل أرجل تلاميذه" - "الزوار يقبلون حذاء البابا " و"يسوع يضع على راسه تاجاً من الشوك "-"على راس البابا  ثلاثة تيجان ذهبية "وغيرها كثير.
 وكان بين رسامي الكاريكاتير البروتستانت ،  فنانون كبار مثل البريخت  دورر ولوكاس كراناتش الأكبر ولم تمر هذه الرسوم الساخنة بسلام ، دون ملاحقة واضطهاد مبدعيها .

في فرنسا ازدهر فن الكاريكاتير خلال الثورة الفرنسية ، وكان موجها اساسا ضد السلطة الحاكمة ، فعلى سبيل المثال ظهرت رسوم تصور الملك لويس السادس عشرعلى هيئة خنزير سمين والملكة انطوانيت على شكل ذئبة أو خنيمة ( أنثى النمر ) .ولم تمر هذه الرسوم بسلام فقد شنت السلطة حملة ضد فناني الكاريكاتير . وكان ذلك أمراً متوقعاً ، لأن عدة دول أوروبية أخرى أصدرت منذ أوائل القرن السادس عشر مجموعة متنوعة من القوانين والمراسيم ، التي  تحظر نشر وتوزيع  الصور التشهيرية ..
لم تكن فرنسا استثناءً ، فالرقابة فيها لم تلغ ،الا بحلول عام 1789 ، ثم صدر قرار في عام 1791 يمنع نشر الرسوم التحريضية ضد السلطة ، وبعد ذلك بعام واحد ، تم اعتبار مثل هذه الرسوم جريمة خطيرة .
كانت انجلترا اكثر تسامحاً مع فناني الكاريكاتير ، ولم تكن ثمة رقابة فعلية على " فن الطبقات الأجتماعية الدنيا " وخاصة بعد معاهدة أميان للسلام ( 1802 ) بين انجلترا وفرنسا . وقد انتشرت الرسوم الكاريكاتيرية في انجلترا خاصة خلال فترة شيوع البروباغاندا المعادية لنابليون ، اذ حظيت بدعم حكومي .

 كان رد فعل نابليون على الصور المسيئة له ، المنشورة في انجلترا يتسم بالعصبية ، حيث طلب من ملك انجلترا اعتباراصحاب تلك الرسوم من الفنانين الانجليز قتلة ينبغي محاكمتهم .

وفي الولايات المتحدة الأميركية ، انتشر الكاريكاتير الصحفي على نطاق واسع بالتزامن مع الدول الأوروبية تقريبأ . ومع حلول بداية القرن العشرين أصبح لكل صحيفة أو مجلة أميركية رسام كاريكاتير واحد في الأقل بين العاملين فيها . ومنذ عام 1922 حصل البعض من فناني الكاريكاتير على جائزة " بوليتزر" المرموقة في مجال الصحافة . ومع ذلك فأن الكاريكاتير الأميركي في ذلك الوقت يختلف عن الكاريكاتير الأوروبي الحديث .حيث كان الفنانون الأميركيون يبالغون ليس فقط في تجسيد افعال الأشخاص الحقيقيين ، بل ايضاً في التهكم والسخرية من اعاقاتهم الجسدية . وفوق ذلك كانت الصور ذات قوالب نمطية وطابع عنصري من حيث التركيزعلى خصائص معينة لكل مجموعة بشرية ، وهو أمر مرفوض في وقتنا الراهن لدى الشعوب المتحضرة في النظم الديمقراطية .
أما في العرق

الكاريكاتير بأستخدام البرامج الجرافيكية :

ومنذ شيوع هذا الفن في أوروبا وأميركا ، بعد اختراع آلة الطباعة وظهور الصحف والمجلات الورقية ، لم يتغير محتواه كثيرا ، وانما الذي تغير هو الأداة المستخدمة : الفحم ، القلم الرصاص ، قلم الحبر ، الأقلام الملونة السائلة أو الناعمة .  أما اليوم فأن رسامي الكاريكاتير يستخدمون البرامج الجرافيكية الكومبيوترية ، مثل :
 Adobe Illustrator   ،Corel Painter
، كما أن برنامج الفوتوشوب ادى الى نشؤ نوع من الكاريكاتير البارع الذي يركز على تحريف ملامح الشخصيات المشهورة ، ويلقى الكاريكاتير المرسوم بأستخدام هذا البرنامج شعبية كبيرة .

الكاريكاتير فطرة مطبوعة :

فن الكاريكاتير ، كسائر الفنون ، فطرة مطبوعة لا خبرة مكسوبة ، ومن حاول تعلم هذا الفن بطول  المزاولة والممارسة أو بالتحصيل الدراسي وهو لا يجد أصله في فطرته ، أضاع جهده ووقته من دون طائل . وحتى الموهبة وحدها غير كافية ، خاصة بالنسبة الى فنان الكاريكاتير السياسي .
 فهذا الفن لا يتأتى الا لمن يمتلك نظرة ثاقبة الى الأمور وقدرة على النفاذ الى جوهر الظواهر والأحداث والأشخاص. صحيح ان الواقع هو الملهم لكل الفنانين ولكن الواقع وحده لا يخلق فناناً ، لأن فن الكاريكاتير يتطلب امتلاك موهبة المزج المبدع بين الواقع والخيال ، والتفرد بأسلوب خاص ومميز لكل فنان . ويبقى هذا الفن في اطار المبادرات الفردية أكثر منه دراسة أكاديمية .

ما الفرق بين الكاريكاتير والرسوم المتحركة ( الكارتون )؟

الرسوم المتحركة في العادة هي صور تخطيطية لشخصيات خيالية ، وقد ظهرت لأول مرة في
القرن التاسع عشرعلى يد الفنان السويسري رودولف توبفير ( 1899 – 1846 )في محاولة لخلق طريقة جديدة ورائدة في رواية القصص المرحة سواء في كتب الفكاهة المصورة الحديثة ، أو نشرها في الصحف اليومية .
كانتمثل هذه الرسوم تنجز بسرعة مع بذل جهد قليل .على النقيض من الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة أوالهجائية ، التي كانت تبذل من اجل انجازها جهوداً مضنية وتلون باليد وتطبع على ورق صقيل. وفي العادة ،  فأن الكاريكاتير الملون ينجز بحرفية عالية ، من اجل توضيح  المادة الصحفية المنشورة على نحو أفضل من الرسوم المتحركة .وما يزال هذا الأختلاف قائماً حتى اليوم  .
 وبالطبع لا شيء يبقى على حاله ، فمع اختراع فن الكومبيوتر ، قام رساموا الرسوم المتحركة بتوسيع نطاق هذا الجنس الفني من خلال خلق صور كرتون متطورة ، معقدة للغاية ، لا سيما ، الخيالية منها .

    الفنان البريطاني جايلز (1916-1995)، الذي نال شهرة واسعة ، بفضل عمله في صحيفة ديلي اكسبريس،ابتدع الكارتون السياسي مقابل الكاريكاتير ، وخلق ما يسمى " اسرة الكرتون الخيالية " التي تهيمن عليها الجدة المبهمة والتي تعد مثالا على هذا النوع من الكارتون .
كانت " الجدة المبهمة " تعلق في كثير من الاحيان على السياسة البريطانية والعالمية المعاصرة، ولكن ضمن بيئة خيالية ولم ينجز أى كارتون لأشخاص  من واقع الحياة. وعلى الرغم من هذه الاختلافات الواضحة، فإن مصطلح "الرسوم المتحركة" لا يزال يستخدم  كمرادف شائع  لمصطلح " الكاريكاتير ".

من هو العدوّ الآن؟/ صبحي غندور

من هو العدوّ الآن؟ هو سؤالٌ مهمٌّ لكلّ أمّة ولكلّ دولة، وفي كلّ زمان. فالإجابة عن هذا السؤال تحدّد الأولويّات الواجب اتّباعها، وتفرز الأصدقاء عن الخصوم والأعداء، وتضع المعايير لكيفيّة التعامل مع الأحداث، وتضع السياسات اللازمة لخدمة الإستراتيجية المفترَض وجودها في مواجهة "العدوّ" الأوّل.
المشكلة الكبرى في الأمّة العربية تكمن ليس فقط بعدم التوافق العربي على "من هو العدوّ الآن؟"، بل أساساً في غياب تضامن عربي يُعبّر عن الأمّة العربية كلّها. فصحيحٌ أنّ العرب هم أمّة واحدة، لكن هذه الأمّة تقوم على بلدانٍ متعدّدة لا يجمعها في الوقت الحاضر أي رؤية مشتركة ولا أي حدٍّ من التنسيق الفعّال، بل إنّ بعضها يحارب بعضه الآخر!.
تعدّدية الحكومات والأوطان العربية ليست مانعاً لبناء إستراتيجية عربية مشتركة، فالأزمة هي في عدم توفّر الإرادة السياسية بالتنسيق وبالتضامن، وفي التعطيل الذي حدث لدور مصر العربي منذ توقيع المعاهدات مع إسرائيل. فبناء إستراتجية مشتركة بين عدّة حكوماتٍ يتطلّب، إضافةً لقناعة الأطراف كلّها بالمصلحة في التعاون المشترك، وجود قيادة رائدة للعمل المشترك بين الحكومات المتعدّدة. فهكذا كان الأمر عندما قادت الولايات المتحدة في القرن الماضي تحالفاً دولياً ضدّ "عدوّ مشترك" في الحرب العالمية الثانية بمواجهة تحالفٍ جمع اليابان وألمانيا النازيّة وإيطاليا الفاشيّة. ولم يكن الحلف الذي قادته واشنطن يقوم على اعتبارات أيديولوجية أو على الانسجام في طبيعة الأنظمة المتحالفة، بل قام فقط على المصلحة المشتركة في مواجهة عدوٍّ مشترك وتأجيل الخلافات كلّها لمرحلةٍ لاحقة. وقد تحقّق فعلاً نصر "الحلفاء" في الحرب العالمية الثانية نتيجة تحالف روسيا الشيوعية مع أميركا الرأسمالية لتحرير أوروبا من النازيّة والفاشيّة.  
أيضاً، عاشت الأمّة العربية تجربةً مشابهة عقب حرب العام 1967 حينما دعت مصر- عبدالناصر إلى قمّة عربية طارئة في الخرطوم تقرَّر فيها وضع إستراتيجية عربية مشتركة لإزالة العدوان الإسرائيلي، ووقف كل الصراعات العربية الفرعية، بما فيها آنذاك "حرب اليمن" التي تورّط فيها الجيش المصري وسبّبت خلافاتٍ مصرية/سعودية كبيرة. وبمحصّلة "قمّة الخرطوم" جرى التحالف العربي بين "النفط والمدفع" حيث قدّمت معظم الدول العربية المنتجة للنفط مساعداتٍ مالية كبيرة لمصر وسوريا لإعادة بناء قواتهما المسلّحة وللتحضير للحرب التي قامت في العام 1973، كما جرى لأول مرة استخدام النفط كسلاح اقتصادي ضاغط وأوقِف تصديره للدول المؤيّدة لإسرائيل.
لقد كانت الأمور عند العرب في القرن الماضي أكثر وضوحاً ممّا هي عليه الآن في القرن الحالي. ففي النصف الأول من القرن العشرين كان "عدوّ العرب" هو الإستعمار الأوروبي الذي احتلّ بعض بلدان المنطقة وهيمن على بعضها الآخر. ولم تكن هناك مشكلة في تحديد ماهيّة العدوّ. كذلك اتّسم الربع الثالث من القرن العشرين بوضوح طبيعة "العدوّ المشترك" للعرب الذي تجسّد في "العدوّ الصهيوني" ومن يدعمه. لكن الضبابية العربية في تحديد "العدوّ" بدأت تسود مع بداية الربع الأخير من القرن الماضي، بعد توقيع معاهدات "كامب ديفيد" وخروج مصر من الصراع العربي مع إسرائيل، ثمّ بعد قيام الثورة الإيرانية وتأثيراتها على دول الجوار العربي وعلى القضية الفلسطينية، ثمّ أيضاً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء حقبة الحرب الباردة التي تركت آثاراً كبيرة على القضايا العربية عموماً.
وهكذا أيضاً دخل العالم كلّه القرن الجديد من دون وضوحٍ في ماهيّة "العدوّ"، إذ اختلطت مفاهيم كثيرة في مطلع هذا القرن، فلم تعد "الشيوعية" هي عدوّ "الغرب الرأسمالي" بعدما سقطت حكوماتها في موسكو وفي بلدان أوروبا الشرقية. ولذلك جرى نشر أفكار وكتابات عن "العدوّ الجديد" للغرب، والمتمثّل بجماعات التطرّف العاملة باسم الإسلام. ولذلك أيضاً عملت الجماعات الصهيونية في مختلف أنحاء العالم على المزج بين الإرهاب وبين حركات المقاومة ضدّ إسرائيل، وعلى تصوير العالم الإسلامي كلّه بأنه "العدوّ الجديد" للغرب. ولذلك كلّه جرى اعتبار يوم 11 سبتمبر 2001 محطّة مهمّة جدّاً في تحديد طبيعة "العدوّ الجديد"، حيث وجده "الغرب" فيما أسماه الغرب نفسه ب"الإرهاب الإسلامي" بينما تاه الشرق في وصف "عدوّه" الراهن.
حاضر العرب اليوم يفتقد إلى أمور كثيرة لكن أبرزها هو معرفة من هو "العدوّ الأول"، بل أساساً غياب توافق عربي على إستراتيجية مشتركة تضع معياراً لتحديد "الأعداء والأصدقاء"!. فبعض العرب يرى "العدوّ" الآن في جماعات الإرهاب، وبعضهم الآخر ما زال يعتبر إسرائيل هي "العدوّ الأول"، بينما نمت في السنوات الماضية لدى بعض الأطراف العربية مقولة أنّ إيران هي "العدوّ" بسبب ما حدث وما يحدث من تطوّرات أمنية وسياسية في المنطقة منذ الاحتلال الأميركي للعراق، ثمّ ما حدث بعده من حروب إسرائيلية في غزّة ولبنان فشلت في تحقيق أهدافها بإضعاف المقاومة التي تدعمها إيران، ثمّ مؤخّراً نتيجة تداعيات الأحداث بالعراق والبحرين وسوريا ولبنان واليمن.
إنّ المنطقة العربية مقبلة على متغيّرات مهمّة جدّاً خلال هذا العام، وهذه المتغيّرات تتّصل بالجهات الثلاث التي يختلف العرب الآن حول تصنيفها: إسرائيل، إيران، وجماعات التطرّف والإرهاب. ونجد أنّ الولايات المتحدة الأميركية معنيّة أيضاً بمستقبل الموقف من هذه الجهات الثلاث. فالتوقّعات تزداد حول إمكانية التوصّل إلى اتّفاق بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي الإيراني، وما خلفه أيضاً من أزمة في العلاقات بين البلدين لعقودٍ طويلة. كذلك فإنّ إدارة أوباما وضعت المواجهة مع "داعش" كأولويّة لها في منطقة "الشرق الأوسط" خلال هذه المرحلة، وهي مواجهة تتطلّب تنسيقاً أو تفاهماتٍ أمنية أميركية مع أطراف مختلفة يقع بعضها في تصنيف "دائرة الخصوم"، كما يحدث حالياً مع الحكومتين الإيرانية والسورية. ذلك كلّه يحدث في ظلّ تباينات بالمواقف بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية الحاليّة التي ستتغيّر تبعاً لنتائج الانتخابات الإسرائيلية.
لقد أقامت عدّة أطراف عربية "علاقات تطبيعية" أو معاهدات مع إسرائيل، رغم ما عليه الوجود الإسرائيلي من طبيعة عدوانية توسّعية، وما مارسه من قتل وتشريد لملايين من الفلسطينين والعرب. أليس أولى بهذه الأطراف وغيرها من الدول العربية أن تبحث أيضاً عن "أرضية المصالح المشتركة" مع دول الجوار الإسلامي والإفريقي؟ أليس ما يجمع العرب مع كلٍّ من إيران وتركيا أكثر ممّا يجمعهم مع إسرائيل؟!.     
حبّذا لو يُدرك العرب عموماً أن لا مصلحة لهم في الوقوف بخندقٍ واحد مع مواقف نتنياهو الرافض للمفاوضات الدولية مع إيران، والمراهن على تصعيد الأزمة معها، وهي السياسة التي ترفض أيضاً الانسحاب من القدس الشريف ومن الأراضي المحتلّة، وتختلف حتّى مع حلفائها الأوروبين والأميركيين فكيف ستكون مع من سيتحالفون معها من العرب والمسلمين؟!.
حبّذا أيضاً لو تكون القمّة العربية المقرّرة في مصر بنهاية هذا الشهر مدخلاً مناسباً لإعادة النّظر في سياسات عربية عديدة، وبدايةً لوضع رؤية عربية مشتركة تكون أساساً للتعامل مع الجوار الإقليمي ومع القوى الكبرى المعنيّة بأزمات المنطقة. فمكان القمّة له معانيه الكبيرة بعد تغييب الدور المصري الطليعي لعقودٍ طويلة، كما أنّ زمان هذه القمّة هو الذكرى الـ70 لإنشاء جامعة الدول العربية التي تعثّرت وفشلت في تحقيق التكامل العربي المنشود منذ نشأتها.
حبّذا لو تشهد قمّة مصر تفاهماتٍ عربية على مخاطر الصراعات العربية البينيّة وعلى ضرورة اعتبار أنّ "الصهيونيّة" و"الداعشيّة" يخدمان بعضهما البعض في العمل على تفتيت الأوطان العربية وعلى إقامة دويلات طائفية ومذهبية تُكرّس "يهودية الدولة الإسرائيلية" وتُهمّش القضية الفلسطينية، التي كانت في القرن الماضي "قضيّة العرب الأولى" في مواجهة "العدوّ الأوّل" إسرائيل!.
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن.
 sobhi@alhewar.com