مالك بن الريب يندب نفسه/ كريم مرزة الأسدي

هَذَا يَرْثِي نَفْسَهْ،هَذَا يَرْثِي ابْنَهْ،للهِ الْبَقَاءُ ،عَ الدّنْيَا الْعَفَاءُ...!!‍

1 - مالك بن الريب يندب نفسه :
تقول ابنتيْ لمّا رأت طولَ  رحلتي ** سِفارُكَ هذا تاركي لا أبا ليا
فللهِ  درِّي يوم  أتركُ  طائعاً ***** بَنيّ بأعلى الرَّقمتَينِ  وماليا
وأشقرَ محبوكاً  يجرُّ عِنانه * إلى الماء لم  يترك له الموتُ ساقيا
خذاني فجرّاني بثوبي  إليكما **فقد  كنتُ قبل اليوم صَعْباً  قِياديا
يقولون : لا تَبْعَدْ وهـم  يَدْفِنونني ** وأيـنَ مكانُ البُعدِ إلا  مَكانيا
فيا ليتَ شعري هل بكتْ أمُّ  مالكٍ **كما كنتُ لـو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا
اقلبُ طرفي حول رحلي فلا أرى *به من عيون المُؤنساتِ مُراعيا
وبالرمل منا نسوة لو شَهِدْنَني*** بَكينَ  وفَدَّين الطبيبَ  المُداويا
فمنهنّ أمي وابنتايَ وخـــالتي *** وباكيةٌ أخـــرى تَهيجُ البواكيا

قصيدة رثاء ليست كبقية قصائد الرثاء ، فلا تجد نظيرتها لدى الشعراء، فرثاء النفس أشجى، وأدمى ، وأمرّ ، وأقسى مواويل البكاء والنحيب والندب  ، لا تقدر أن تطيع نفسك إلا أن تطاوعها ، فالإنسان وجهة الإنسان ، هو سانحه ، وهو بارحه ، هو شارقه ، وهو غاربه ، يرى في مماته يوم مماته ، ويرى في دنياه أنس حياته ، الإنسان وإن طال المدى هو الإنسان ، تتعلق به ، وتتبع أخباره ، تتجادل حوله ، وقد تموت لأجله ، ، وإن مضى ومضى أجله  ، وهنا سرّ عظمته ، وتميّز خلقته ، ألم ترَ الناس يتركون الجبال الشاهقة الشامخة  ، لأنها بنت الطبيعة الساكنة الجامدة ، ويحجون فيعجّون بين الأهرام ، وما الأهرام إلا من صنع الإنسان ، ويعكفون عن اللآلئ والمرجان ، ويتزاحمون على المتاحف والآثار والبلدان ، لأنها من بدائع خلق الإنسان ، فمن هذا المالك بن الريب الذي خلب قلوب الناس ، وأشجى نفوسهم ، وأدمع عيونهم ، وكسر خاطرهم  من قديم الآباد والأزمان حتى عصرنا ، وهو يثير الأشجان بالوجدان  ؟ !!           
    مالـك بـن الريـب (توفي نحو 60 هـ / 680 م ) من شعراء الواحدة ،أي من الذين اشتهروا  بقصيدة واحدة خلدتهم على مدى العصور ، ولم تعرف لهم قصيدة أخرى إلا مقطوعات نادرة ، وهم  دوقلـة المنبجـي  ، ابن زريـق البغـدادي ،  سحيـم عبـد بنـي الحسحـاس  ،توبـة بن الحِمْيَـرْ ، ومالك بن الريب ، محور حديثنا الحالي .     
 ولو أنني أميل أن أضيف إليهم عدّة شعراء آخرين ذاع صيتهم بخريدة واحدة ،ولو أنَ ديوانهم ضمّ قصائد أخرى بقيت في بطون الكتب خامدة جامدة ، المهم هذا المصطلح  يعود إلى أول  كتاب نقدي أدبي عربي ، وهو (طبقات فحول الشعراء) لابن سلام الجمحي ، وكان يعني بهم  من أجادوا بقصيدة ، واشتهروا بها ، بالرغم من كثرة أشعارهم كعنترة في ميميته ،  وطرفة في داليته ، وكلتاهما من المعلقات ، الموضوع يحتاج لحلقات مستقلة ، نرجع للمالك !!  
يذكر  خير الدين الزركلي في ( أعلامه) : 
  مالك بن الريب بن حوط بن قرط المازني التميمي: شاعر، من الظرفاء الادباء الفتاك ، اشتهر في أوائل العصر الاموي ، ورويت عنه أخبار في أنه قطع الطريق مدة ، ورآه سعيد بن عثمان ابن عفان  بالبادية في طريقه بين المدينة والبصرة، وهو ذاهب إلى خراسان وقد ولاه عليها معاوية (سنة 56) فأنّبه سعيد على ما يقال عنه من العيث وقطع الطريق واستصلحه واصطحبه معه إلى خراسان، فشهد فتح سمرقند، وتنسك، وأقام بعد عزل سعيد، فمرض في  (مرو ) - قلب طهران حالياً -  وأحس بالموت فقال قصيدته المشهورة، وهي من غرر الشعر، وعدتها 58 بيتا. (1)
أمّا ابن قتيبة في (شعره وشعرائه ، قيذكر عنه :
" هو من مازن تميم، وكان فاتكا لصا، يصيب الطريق مع شظاظ الضبي الذي يضرب به المثل، فيقال ألص من شظاظ ومالك الذي يقول :
سيغنينى المليك ونصل سيفى  *** وكرات الكميت على التجار
وحبس بمكة في سرقة، فشفع فيه شماس بن عقبة المازني، فاستنقذه وهو القائل في الحبس
أتلحق بالريب الرفاق ومالك *** بمكة في سجن يعنيه راقبه
ثم لحق بسعيد بن عثمان بن عفان، فغزا معه خراسان، فلم يزل بها حتى مات .
ولما حضرته الوفاة قال :
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ***  بجنب الغضا أزجى القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه ** وليت الغضا ماشى الركاب لياليا " (2)
وقال أبو علي القالي: كان من أجمل العرب جمالاً، وأبينهم بياناً، وقيل لما كان ببعض الطريق أراد أن يلبس خفه، فإذا حية في داخلها فلسعته، فلما أحس الموت استلقى على قفاه ثم أنشأ قصيدته يرثي بها نفسه، وأن مالك يوم أو ساعة أحس الموت، أحس إحساسا مأساويا عميقا بالغربة، وندم ندما شديداً يوم أصبح في جيش ابن عثمان غازيا وفي بلاد غريبة، ودفن في مكان غريب في قفرة بعيداً عمن هو عزيز عليهن ، ولذلك تسمى أحياناً بالقصيدة المبكية المحزنة ، إذ تصل إلى القلوب ،وتذهل العقول لمن يفقه الأدب العربي حقّاً وصدقاً ، ومثل ما أقدّم لكم مراراً وتكراراً هذا المخزون التراثي العربي ، لعلّنا نتذكّر و تتذكرون ، ونشكر  وتشكرون ، إليكم إياها  !! :
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً ** بوادي الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَه* وليت الغضى ماشى الرِّكاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى ** مزارٌ ولكنَّ الغضى ليس دانيا
ألم ترَني بِعتُ الضلالةَ بالهدى ***وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيا
وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد ما ** أرانيَ عن أرض الآعاديّ قاصِيا
دعاني الهوى من أهل أُودَ وصُحبتي* ** بذي(الطِّبَّسَيْنِ) فالتفتُّ ورائيا
أجبتُ الهوى لمّا دعاني بزفــرةٍ ****** تقنَّعتُ منــــها أن أُلامَ ردائــيا
أقول وقد حالتْ قُرى الكُردِ  بيننا * **جزى اللهُ عمراً خيرَما كان جـازيا
إنِ اللهُ يُرجعني من الغزو لا  أُرى ***** وإن  قلَّ مالي طالِباً ما ورائيا
تقول ابنتيْ لمّا رأت طولَ  رحلتي ****  سِفـــــارُكَ هذا تاركي لا أبا ليا
لعمريْ لئن غالتْ خراسانُ هامتي**** لقد كنتُ عن بابَي خراسان نائيا
فإن أنجُ من بابَي خراسان لا أعدْ **إليها وإن منَّيتُموني الأمانيا
فللهِ  دّرِّي يوم  أتركُ  طائعاً ***** بَنيّ بأعلى الرَّقمتَينِ  وماليا
ودرُّ الظبَّاء  السانحات عشيةً **** يُخَبّرنَ أنّي هالك  مَنْ ورائيا
ودرُّ كبيريَّ  اللذين   كلاهما * ****عَليَّ  شفيقٌ  ناصح لو نَهانيا
ودرّ الرجال الشاهدين   تَفتُكي ****بأمريَ ألاّ يَقْصُروا من وَثاقِيا
ودرّ الهوى من حيث يدعو صحابتي ** ودّرُّ لجاجاتي ودرّ انتِهائيا
تذكّرتُ مَنْ يبكي عليَّ فلم أجدْ *سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيا
وأشقرَ محبوكاً  يجرُّ عِنانه **  إلى الماء لم  يترك له الموتُ ساقيا
ولكنْ بأطرف  (السُّمَيْنَةِ)  نسوةٌ * **  عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ  ما بيا
صريعٌ على أيدي الرجال  بقفزة **يُسّوُّون  لحدي حيث حُمَّ قضائيا
ولمّا تراءتْ  عند  مَروٍ منيتي*** وخلَّ بها جسمي،  وحانتْ وفاتيا
أقول  لأصحابي ارفعوني  فإنّه **** يَقَرُّ بعينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا
فيا صاحبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزِلا **  برابيــــــةٍ  إنّي مقيمٌ  لياليا
أقيما عليَّ اليوم أو بعضَ  ليلةٍ ***ولا تُعجلاني قـــــــد  تَبيَّن شانِيا
وقوما إذا ما استلَّ روحي  فهيِّئا **  لِيَ  السِّدْرَ والأكفانَ عند فَنائيا
وخُطَّا بأطراف  الأسنّة مضجَعي * ** ورُدّا على عينيَّ فَضْلَ رِدائيا
ولا تحسداني باركَ اللهُ فيكما *من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا
خذاني فجرّاني بثوبي  إليكما ****فقد  كنتُ قبل اليوم صَعْباً  قِياديا
وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخيل أدبَرتْ * سريعاً لدى الهيجا إلى مَنْ دعانيا
فَطَوْراً تَراني في ظِلالٍ  ونَعْمَةٍ ***** وطوْراً  تراني والعِتاقُ رِكابيا
ويوما تراني في  رحاً  مُستديرةٍ ** تُخرِّقُ  أطرافُ الرِّمـــــاح ثيابيا
وقوماً  على بئر السُّمَينة  أسمِعا *بها الغُرَّ والبيضَ الحِسان الرَّوانيا
بأنّكما  خلفتُماني  بقَفْــــــرةٍ ** تَهِيلُ عليّ الريحُ  فيـــــــها السّوافيا
ولا  تَنْسَيا عهدي خليليَّ  بعد ما ** تَقَطَّـــعُ أوصالي  وتَبلى  عِظاميا
ولن يَعدَمَ الوالُونَ  بَثَّا يُصيبهم *  ولـــــن يَعدم الميراثُ  مِنّي المواليا
يقولون : لا تَبْعَدْ وهــــم  يَدْفِنونني **  وأيــــنَ مكانُ البُعدِ إلا  مَكانيا
غداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسي علــــى غدٍ ** إذا أدْلجُوا عنّي وأصبحتُ ثاويا
وأصبح مالي من  طَريفٍ  وتالدٍ ** لغيري ، وكان المالُ بالأمس ماليا
فيا ليتَ شِعري هل تغيَّرتِ الرَّحا * رحا المِثْلِ أوأمســتْ بَفَلْوجٍ كما هيا
إذا الحيُّ حَلوها  جميعاً   وأنزلوا **  بهـــــا  بَقراً حُمّ العيون  سواجيا
رَعَينَ وقد كـــــادَ الظلام  يُجِنُّــــها ***يَسُفْنَ الخُزامى  مَرةً  والأقاحيا
وهل أترُكُ العِيسَ العَواليَ بالضُّحى ** بِرُكبانِها تعلـــــو المِتان الفيافيا
إذا عُصَبُ  الرُكبانِ بينَ  (عُنَيْزَةٍ) *  و(بَوَلانَ) عاجوا المُبقياتِ النَّواجِيا
فيا ليتَ شعري هل بكتْ أمُّ  مــــالكٍ *)  كما كنتُ لـــــو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا
إذا  مُتُّ فاعتادي القبورَ وسلِّمي *على الرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا
على جَدَثٍ قد جرّتِ الريحُ فـــــوقه * تُـــــراباً كسَحْق المَرْنَبانيَّ هابيا
رَهينة  أحجارٍ وتُـرْبٍ  تَضَمَّنتْ *** قرارتُها منّي  العِظــــامَ  البَواليا
فيا صاحبا إمــا عرضتَ  فبلِغاً ***  بني مــــازن والرَّيب أن لا تلاقيا
وعرِّ قَلوصي فـــــي الرِّكاب  فإنها * سَتَفلِقُ أكبــــــاداً وتُبكي بـــواكيا
وأبصرتُ  نارَ  (المازنياتِ) مَوْهِناً  **بعَلياءَ يُثنى دونَها الطَّرف رانيا
بِعودٍ أَلنْجوجٍ أضاءَ  وَقُودُها  **مَهاً فـــــي ظِلالِ السِّدر حُوراً جَوازيا
غريبٌ  بعيدُ  الدار ثـــــاوٍ  بقفزةٍ ***يَــدَ الدهر معروفاً   بأنْ لا تدانيا
اقلبُ طرفي حول رحلي فلا أرى **بـــه مــن عيون المُؤنساتِ مُراعيا
وبالرمـل منّــــا نسوة لو شَهِدْنَني ***بَكينَ  وفَدَّين الطبيــبَ  المُداويا
فمنهنّ أمــــي وابنتايَ وخــــــالتي ***وباكيةٌ أخـــــرى تَهيجُ البواكيا
وما كان عهدُ الرمل عندي  وأهلِهِ *ذميمـــــاً ولا  ودّعتُ بالرمل  قالِيا
يشرع قصيدته بهذا المطلع الإنساني الرائع:
ألا ليت شعري هل أبيتاً ليلة*** بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا
 هذا المقطع  - على أغلب ظنّي -   جاء بعد تأوّهٍ وبكاء وتجهش ، وربما كفكف الدموع بأردانه أو يده ، والحق هذا الموقف يخالج نفس كلّ إنسان غريب تنقطع عنه كلّ أسباب حياته بين أهله وناسه وبيئته التي نشأ فيها وترعرع بها ، فجاء ذلك على شكل استفهام التمني (ليت شعري ) ، وأعقبه بـ (هل) ، فصبت بمصب التمني، وما أمنيته - يا ترى - أن يكون جنب ( الغضى )  ، وهو شجر يكثر في نجد ، كنى به عن الحياة بين أهله وناسه وأصحابه وصويحباته !! وهو يلاحق ناقته الفتية السريعة التي طالما أنجته من السقوط المهلك !!    
فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه **** وليت الغضى ماشى الركاب لياليا
هذاالبيت فيه تمني مستحيل ، لأن الغضى قد قطع الركب عرضه ومضى ، وتم الأمر ، وليس كتمني البيت الأول ، ثم هل الركب يقطع عرض الغضى  ؟!! كيف ؟ وكيف السيد الغضى يمشي ؟ هل هو إنسان ، يمشي ويركض ؟   طبعاً هنا استعارتان  مكنيتان ، حذف   المشبهان ، وهما أحد أوجهي الشبه في التشبهين ، وكذلك في البيت الثالث الآتي شبّه الضلالة بالشيء الذي يباع ( استعارة مكنية) ، وهنالك طباق بين الضلالة والهدى :   
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى **** وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
وهكذا تستمر القصيدة على هذا  المنوال الشاعري القديم الجميل الملهم الذي يدخل القلوب دون استئذان ، تقرأ ، ولا تملّ ، وتنتشي بسرّ خفي ، وتطلب المزيد ، وتزيد  ، لأنها أحاسيس إنسان شاعرة  صادقةغير مزخرفة ، ولا مغلفة بدلالات مبهمة غامضة ، لا يحلّ رموزها ، إلا شيطان رجيم ، وفي أحسن الأحوال ملك رحيم !!!   
الشاعر يصب مواويله ، والدنيا تأمّله ، والموت يترقبه ،ابنته تقول ، و(لله درّي)  يقول ، وهو أسلوب مدح مألوف ، في تعظيم الإنسان لعمله الصالح ، ويعقبه بأسلوب قصر ، ينفي ويستثني ( فلم أجد سوى السيف ...) ، والسيف والليل والخيل من رفاق الشعراء القدماء ، فلا بد له أن يذكر ( الأشقر المحبوك) ، والحق المرأة العربية هي رفيقة الرجل الأولى من امرئ القيس حتى امرئ ( الفيس) ، ولكن النقاد العرب ، إما غفلوا أو تغافلوا ، وقد كان مطلع قصيدتي عن المرأة في عيدها السنوي  : ( رفيقة الدّهر هل باليوم تذكارُ) ، وهذا المالك الريب يقدم النسوة على الرجال في سؤالهنّ عليه ، وشعورهن به :         
ولكن بأكناف السمينة نسوة***** عزيز عليــهن العشية ما بيا
فياليت شعري، هل بكت أم مالك **كما كنت لو عالوا بنعيك باكيا
على أغلب الظن هذه ( أم مالك ) هي زوجه ، وليست أمه ، لأن أمه باكية باكية عليه  ، لا محالة ، فلا يعقل أن يسأل عن بكائها ونحيبها .   
لا أطيل عليك، إنّها  لبكائية لا متناهية في حزنها ، من عاش ملذات الحياة ، وتطلع إلى مباهجها ، وأمّل نفسه في تخيّله لمفاتنها ، يصارع كالطير المذبوح جزعاً للبقاء في مغانيها ، وتغريد أغانيها  ، ولطف غوانيها ، والشاعر المرهف الحساس أكثر الناس تعلقاً بها ، لاجرم أن يبث أشجى خوالج نفسه للتعبير عن الأسى لفقدانها ، والتحسر المؤلم لفراقها :
فلله دري يوم أترك طائعا *** بني بأعلى الرقمتين وماليا
هذا التحسر المؤلم يكرّ عليه في لحظة ، وإذا بلحظة أخرى تدهمه ،  فيصحو إلى فروسيته :
وقد كنت عطافا اذا الخيل ادبرت *** سريع لدى الهيجا الى من دعانيا
وهكذا ولدت قصيدة عشق الحياة إبان عوالج الممات !!  
تم الممات ،وفاتت الأسباب ، سيان بسهام أم لدغات ، يا حسرتي !! ماذا تجدي نداءات الأمنيات أو  أنّات الكسرات ؟ مالكٌ لا يناجي إلا مالكاً، ولا مجيبٌ في وحشة القفار ، وغربة الديار ، ضنكٌ ويأسٌ وأخطار.
تارة يحاور نفسه ، ويتشبث ربما بمن يسمع أنين  صوته :أقول وقد حالت ،يقولون : لا تَبْعَدْ ، أقول  لأصحابي ارفعوني .
وطوراً تمنيات ...نداءات ...تساؤلات ، ألا ليت شعري! ، هل أبيتن ليلة ؟ فليت الغضا ! هل تغيَّرتِ الرَّحا ؟ هل بكتْ أمُّ مــــالكٍ ؟ ...أساليب بلاغية فنية رائعة، تبثها آهات وزفرات نفسية حرمت ، فتذكًرت ، فانفجرت  ، ما كان يدورفي ذهن هذا المخلوق في تلك الديار والقفار ؟!! وكم أثرت المرأة في حياته حتى احتلت كل مساحة وجدانه :            
فمنهنّ أمــــي وابنتايَ وخــــــالتي ***وباكيةٌ أخـــــرى تَهيجُ البواكيا

لا أريد الإطالة ، وأمامنا شاعر يرثي ابنه ، وفلذة كبده ، هذه هي الحياة ، " وما تدري نفس بأي أرض تموت " الموت حقٌّ ، وقد قال الشاعر ذات يوم :
مشيناها خطى كتبت علينا **** ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كتبت منيته بـأرضٍ ***** فليس يموت في أرض سواها
نعم الموت هو الموت ، والحق هو الحق ، ولكن ليس بإمكان كلّ إنسان أن يصف مشاعره ، وخلجات نفسه ، وما يجيش في وجدانه،فيجيشك مشاعراً ، ويثيرك عواطفا ، ، ويبكيك دموعاً ، وينزفك دماً ، مهما يكن من أمر ، نترك مالكاً  شعراًنابضاً حيّاً على الدوام ، ونعرج على التهامي القلب الدامي من يومه حتى هذه الأيام !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ    
(1) الأعلام : خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396هـ ) -  الجزء 5 ج5 ص261 - دار العلم للملايين - الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو 2002 م
 ويذكر الزركلي  : وللدكتور حمودي القيسي " ديوان ملك ابن الريب، حياته وشعره - ط " ، ثم يدوّن المراجع التي ترجمت له :  
 خزانة البغدادي 1: 317 - 321 وجمهرة أشعار العرب 143 والمحبر 213 و 229 - 30 وسمط اللآلي 418 ثم 3: 64 ورغبة الآمل 5: 25 المتن والهامش. وفي المرزباني 364 أن الّذي عفا عنه وآمنه " بشر بن مروان " وأنه كان مع " سعيد بن العاص " ومجلة المجمع العلمي العربيّ 38: 524، 732، وأمالي القالي 3: 135 والمورد 3: 2: 232.
(2)  الشعر والشعراء  ابن قتيبة الدينوري 1  /71 - مصدر الكتاب : الوراق - الموسوعة
 الشاملة .

الحريّةُ الحزينة/ كريم عبدالله

( لغة المرآيا والنصّ الفسيفسائي )
الحريّةُ التي كانتْ في صناديقِ السلطانِ المظلمةِ مازالَ مكياجها على قيدِ الحياة , تتصلصصُ دائماً مِنْ ثقبِ صغيرِ يتشهّى عطرها , ترتكبُ الكثيرَ مِنَ الحماقاتِ لعلّهُ يعنّفها ويطردها خارجَ سطوتهِ , تتقنّعُ برداءِ الغباء وتتعرّى تهرّبُ أحلامها المكبوتةِ , بلاطهُ المتخمُ بالأصنامِ البلهاءَ لمْ يعد صالحاً أنْ ترقصَ كثيراً وتشبعُ رغبتها مِنَ المرحِ , كيفَ ستخرجُ إذاً والوعّاظُ يقنّنونَ جبروتهِ المتعاظم ! راهنتْ على الأصواتِ المبحوحةِ وراءَ الجدرانِ العاليةِ , لمْ تعرفْ الأطمئنان في تأويلِ طقوسٍ مريبةٍ يكتنفها الخراب . لمْ تعدْ تحلم بالخلاص أزهارها المتصببةِ وجعاُ ومغمورة بنفاياتِ الوحشةِ , قوافلٌ مهاجرةٌ ألقتْ كلماتها الخجلى على أزيزِ الليل , مازالتْ تنقرُ عيونَ عبواتٍ مفخّخة تنام بجنبها , يجعلها الأنتظار المسلّح تقفُ طويلاً أمامَ إرتباكها , تنحدرُ عميقاً في عزلتها بينما براءتها ينتابها القنوط . أقلقَ ضجيجها مسامعَ السلطانِ ألقى بذورَ حقدهِ تتناسلُ في منحدراتها وأستغشى بأحلامهِ الهادئة , كمْ عبثَ بزغبها الذهبيّ عثٌّ يقضمُ فجرها المنتظر خلفَ قضبانَ زنزانتهِ , جلستْ تستجمعُ خساراتها تخططُ ليومٍ قدْ لا يأتي , تتلوّى فتمطرُ دماً يغرقُ فيهِ المدى ويأخذها الليل مجدداً , إرتوتْ مِنْ خمرةِ برابرةٍ إختلطت بعنوسةِ الأناشيدِ , شبَّ فيها تيهٌ يقطّرُ غربةً سوّرَ احلامها  , أينَ تمضي ورفيقها الشقاءَ ... ؟ وماذنبها تحملُ كلَّ هذهِ الأوزار .... ؟
بغداد
العراق 

علاقة المالية العامة بالعلوم الأخرى/ سهى بطرس قوجا

لكون المالية العامة مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية في الدول المعاصرة التي تختص بدراسة نواحي السلوك الإنساني، فمن الطبيعي أن تنشأ لها علاقات مع مظاهر الحياة الاجتماعية الأخرى كالاقتصاد والسياسة والاجتماع والإحصاء والقانون والتاريخ وعلم الإدارة والمحاسبة وعلم الأخلاق. ويتطلب فهمها كعلم وبغية توضيح الروابط بين علم المالية والعلوم الأخرى سوف نتناول دراسة هذه الروابط بشيء من الإيجاز، كما وسبق في موضوع سابق تناول العناصر المؤلفة لها.
1 ــ المالية العامة والاقتصاد. 
علاقة علم المالية بعلم الاقتصاد من العلاقات الوثيقة جداً، لكونه فرع من فروع علم الاقتصاد ولأنه كما هو معروف يتناول القوانين المتعلقة بالظواهر الاقتصادية، أي العلاقات الاجتماعية التي تأخذ من الإنتاج والتوزيع للسلع والخدمات التي تشبع حاجات الإنسان المتعددة. وجوهر النشاط الاقتصادي هو بذل العمل على استخدام الموارد الموضوعة تحت تصرف المجتمع من أجل إشباع الحاجات، فأن الإلمام بمبادئ الاقتصاد يعد شرطا أساسيا لتفهم موضوعات المالية العامة، من إنفاق حكومي وضرائب وقروض عامة والتي جميعها تعد أدوات مالية واقتصادية مجتمعة في آن واحد، تستخدمها الدولة في توجيه الاقتصاد للتأثير في مستوى الدخل القومي ومجرى النشاط الاقتصادي. كما إن القواعد العلمية المتعلقة بالمالية العامة تتناول النظام الخاص بالعلاقات المالية للدولة التي تنعكس بشكل فعلي في علاقات اقتصادية عينية.
2 ــ المالية العامة والعلوم السياسية.
يرى  Duvergerإن المالية العامة ما هي إلا فرع من فروع العلوم السياسية. كما وثق Dalton العلاقة بين المالية العامة والعلوم السياسية، حيث يقول أن المالية العامة تقع على الحد الذي يفصل بين السياسة والاقتصاد.  فالعلوم السياسية تهتم بدراسة نظام الحكم والعلاقات بين السلطات العامة فيما بينها من جهة وعلاقتها بالمواطنين من جهة أخرى، في حين تبحث المالية العامة في النفقات والإيرادات العامة في إطار هذه السلطات. فارتباطها بالمالية العامة ارتباطا قويا لأنه يتأثر بها ويؤثر فيه.
الأوضاع الدستورية والإدارية لها أثرها في مالية الدولة العامة، حيث تختلف النفقات والإيرادات العامة في إطار هذه السلطات وحسب ما إذا كانت الدولة "استبدادية أو ديمقراطية أو موحدة (بسيطة) كانت أو تعاقدية (مركبة)" أو تملك نظاما إداريا مركزيا أو لا مركزيا. للظروف المالية أثرا مهما في أوضاع الدولة السياسية واستقرارها. فكم من بلد فقد استقلاله وتعرض لنشوب الثورات والصراعات بسبب اضطراب في مالية وميزانية الدولة العامة.
وضع ميزانية الدولة يعد عملا سياسيا وجميع العمليات المالية ترد في وثائق إحصائية كبيرة، وهذه المعلومات تشكل معطيات ثمينة في سياسة أية حكومة، لان ما تدرجهُ في الميزانية يبين ما أنفقتهُ الدولة على أي نشاط تتدخل فيه، ومنها يتضح التفاوت في الإيرادات والنفقات، وما إذا كانت تميل إلى الإقلال أو الزيادة.
3 ـــ المالية العامة والقانون.
القانون هو الأداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرع لوضع القواعد العامة الملزمة في مختلف المجالات. ومنها المجال المالي. لذلك تأخذ جميع عناصر المالية العامة من: (نفقات، إيرادات، موازنة) شكل قواعد قانونية من: (دستور، قانون، نظام، تعليمات). ويطلق على هذه القواعد اسم التشريع المالي. وهو عبارة عن مجموعة قواعد قانونية تنظم شؤون الدولة المالية، وبخاصة دراسة ظواهر المالية العامة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وتحديد العلاقات بين تلك الظواهر.
4 ــ المالية العامة وعلم الأخلاق.
الأخلاق هي مجموع القيم والمبادئ التي يؤمن بها الإنسان ويتعامل على ضوئها مع الآخرين. وكثير من الأمور التي تتضمنها السياسة العامة لها أحكام قيميه تمتد جذورها إلى ميادين الفلسفة والأخلاق. فالحّد من التفاوت في توزيع الدخول والثروات لابد لهُ من التعرض لأحكام استندت في مجموعها إلى مبادئ الأخلاق والفلسفة عامة. 
5 ــ المالية العامة والمحاسبة.
كثير من موضوعات المالية العامة وخاصة الضرائب تتطلب الإلمام بأصول المحاسبة والمراجعة وفنونها من استهلاك وجرّد واحتياطات ومُخصصات وعمل الحسابات الختامية والميزانية العمومّية للمنشات التجارية والصناعية. وتعتبر المحاسبة القومية أداة أسياسية تستعين بها الحكومة في رسم سياستها المالية.
ويزداد الارتباط بين المالية العامة والمحاسبة كلما زاد دخل الدولة في الحياة الاقتصادية وشاركت في المشروعات الإنتاجية المختلفة مما يستدعي نشر ميزانيات تجارية لهذه المشروعات.
6 ــ المالية العامة وعلم الإدارة.
الترابط وثيق بينهما، ويتضح هذا الترابط من اهتمام الإدارة في بلورة الصيغ والأساليب العلمية التي تضمن إدارة أي مرفق من مرافق الحياة الاقتصادية المالية بغية تسهيل انجازات الفعاليات الاقتصادية والمالية بكفاءة لتحقيق الأهداف المرجّوة.
7 ــ المالية العامة والتاريخ.
التاريخ كما هو معروف حصيلة البشرية على مرّ العصور، وهو يزود الباحث بمعلومات تساعده على استخلاص النتائج الصحيحة وتفسير الكثير من الظواهر الاقتصادية والمالية المعاصرة على ضوء إطلاعه على تطور النظم الاقتصادية والمالية عبر مختلف العصور.
8 ــ المالية العامة وعلم الاجتماع.
العلاقة بين هذين العلمين يتضح في مجال الضرائب، لأنه يترتب على الأخيرة أثار اجتماعية إلى جانب أثارها المالية والاقتصادية تمس طوائف معينة من المواطنين. وقد أكد Myrdal الصّلة الوثيقة بين النظم المالية والعلوم الاجتماعية والسياسية. ويعتقد العلماء بأن المالية والاقتصاد والأخلاق والمعتقدات وغيرها من أنواع السلوك الاجتماعي ظواهر مترابطة ومتداخلة والتأثير بينها متبادل. وان دراستها بشكل منفصل يؤدي إلى نتائج ناقصة. فتوزيع الدخل بين فئات المجتمع وفرض الضرائب أمثلة حية للعلاقة بين علم المالية والظواهر الاجتماعية كافة.
9 ــ المالية العامة والإحصاء.
المالية العامة تستعين بعلم الإحصاء لما يقدمه من بيانات وأرقام لمعرفة حجم الدخل القومي وتوزيع الثروة بين فئات المجتمع وعدد السكان ودخولهم وتوزيعهم على الحرف المختلفة وتوزيعهم في المناطق الجغرافية وحالة ميزان المدفوعات ومقدار الضرائب والرسوم وغيرها من البيانات الإحصائية التي لها أهميتها عند وضع ميزانية ورسم السياسة الاتفاقية التي تستخدمها الدولة لزيادة الدخل القومي أو أعادة توزيعه.

هواجس الوحدة و الإغتراب في أطفال بلا دموع للروائي علاء الديب/ عبد القادر كعبان

منذ البداية، و في أول صفحة من رواية "أطفال بلا دموع" للأديب المصري علاء الديب نصطدم كقراء بتقنية المنولوج الداخلي الذي يعتبر الخيط السردي الذي سيعكس لنا بإمتياز حالة البطل "منير عبد الحميد فكار" أستاذ الأدب العربي في جامعة المطل بمدينة "دلوك" التي تلبسها الوحدة و الأحزان و هواجس الإغتراب حيث يقول السارد: "يأتي المنظر وحده، و ينصرف وحده، بعد أن ينزع قلبي، و يترك في مكانه دوامة هواء." (ص 9).
تدفع به تلك الحالة إلى الهروب من حالته النفسية السيئة كما يلي: "أدخل مقهى، مطعما، دكان بقال، أشتري زجاجة خمر، قرش حشيش، أهرب من لا أحد، أصعد شوارع، سلالم، أنزل إلى حدائق جرداء، أعود إلى غرفة البنسيون، أرى وجهي في المرآة القديمة، ذقن نابت، عينان مرعوبتان، خوف قديم، نفس قاحلة، خاوية جرداء، أصنام متهاوية، طريق كباش متتالية حمقاء. أصبحت خارج الزمن. السبت اليوم بلا إثبات، خارج المكان أيضا، هل أنا في مصر، في القاهرة، أم أنني في الجامعة في مدينة دلوك!" (ص 10) من هنا نكتشف خبايا تلك الروح بل و نشم رائحة الضياع التي تعيشها دون سابق إنذار.
بطل الرواية عرف نجاحا ساحقا و انقلبت حياته رأسا على عقب حينما غادر مسقط رأسه "كفر الشوق" في مصر خصوصا أنه دكتور في الأدب العربي و يعتبر كتابا للمقالات أيضا لكن كل ذلك لم يمنعه من أن يذوق معاناة الإغتراب التي اعتبرها "منير عبد الحميد فكار" إعاقة أدخلته متاهة العزلة و السجن هو و زوجته الدكتورة "سناء فرج" حيث حولت تلك العلاقة الزوجية بينهما شبه مستحيلة إذ يقول السارد: "لو أن السيدة الدكتورة سناء فرج صمدت قليلا معي- و احتملت ما سمته السجن الذي كنت أضعها فيه، سجني النازي المرعب، الهواء معي هناك كان عذابا..." (ص 16).
تنقسم "أطفال بلا دموع" إلى ثمانية فصول كالآتي: بصمات العيون، رقصة الديك، حادث خلف الكلية، قطة من الحي الإفرنجي، الجرح و التشريح، منحنى حياة رجل محترم، أكلت أولادها القطة و إعارة إلى الأبد أين تتصاعد أحداث الرواية على لسان البطل بضمير المتكلم بين الزمن الماضي و الحاضر، ذلك الماضي الذي يعكس جملة من الأحاسيس المدفونة و المرتبطة إرتباطا وثيقا ب"كفر الشوق" و الحاضر الذي يدفعنا لإكتشاف تلك الأماكن الضائعة.
و من اللافت في هذه الرواية علاقة "عبد الحميد فكار" بشخصية "رجب" بائع الدوم و الجوافة و الأساطير كأسطورة رقصة الديك التي كانت بمثابة حلم يغالب الواقع في حياة البطل: "كل ليلة أعيد ترتيب الحكاية. رجب دائما يدخل عليها تفاصيل جديدة، عن مكان الكهف، و عن الأنواع الموجودة في الكنز، أحجار لم أسمع عنها من قبل، و ألوان لا أستطيع أن أتخيلها.. و لكنها غالية الثمن جدا ولامعة براقة." (ص 41).
انتهت حالة البطل الى تمسكه بالحلم الذي جعل الأشياء تختلط في ذهنه ليكون "رجب" هو ملاذه الوحيد ليتفادى اضطرابه النفسي: "في ذلك الوقت كان رجب سبيلي الوحيد، يسد علي كل طريق، يسكن معي في بيتي و أحلامي." (ص 64). من هنا يحاول الأديب علاء الديب رسم ملامح شخصية لم تجد أمامها سوى ذلك الحلم الممزوج بالرغبة القوية في إدراك أسرار مغامرته التي يتحدى أقدارها بحماس كبير يضيء فتيله ماضيه الذي ينسيه وحدة حاضره.
لا تخلو فصول الرواية من دلالة الحنين التي يحملها البطل في داخله رغم عبوره إلى الضفة الأخرى حيث يقول الروائي: "أعود أذكر قريتي، شارعها الترابي، أرض ميدان المحطة المرشوش بالماء، تهفو نفسي لمنظر قبل الغروب في شرفة بيتنا. في يد أبي مسبحة سوداء و في البيت رائحة خبز طازج، و خضرة باذخة نقية تحيط بكل المكان." (ص 77).
ثمة تبعثر و رؤى و أحلام مجهضة تحفل بها رواية "أطفال بلا دموع" و مثالا على ذلك حديث البطل عن صديقه "عبد الله الجمال" الذي تم تعيينه مدرسا في ثانوية كبرى بالقاهرة و الذي نجح في كتابة القصص على عكس "عبد الحميد فكار" كما يقول السارد: "ربما لأنه كان واضحا محددا، ملتزما كما يقول، حاول ألا يجعل الضياع يتسرب إلى نخاع حياته، بينما صرت أشعر أن روحي و صدري و قلبي خواء. كان يكتب قصصا جيدة، لكنها ككل شيء حولي. لا جدوى منها و لا تضيف جديدا." (ص 81). 
يهيمن الزمن النفسي في هذا العمل الروائي حيث أن شخصية البطل تعيش الوقت بتأثيره السيكولوجي عبر معاناة لا يجد لها نهاية حيث يقول السارد: "النور الخافت في غرفتي، التي لن يزورني فيها أحد، يسقط على أشلاء و شظايا من ملابسي و أغراضي. و أنا في الشرفة أراقب سقوط قطع الليل الداكن، أدخل بين الحين و الآخر، و لا أفعل شيئا سوى أن أنظر إلى وجهي في المرآة القديمة، فأرى عيوني، و ذقني النابت الذي يحتاج إلى حلاقة، نرحل جميعا في ليل داكن، نهاية بلا نهاية، و شخص لا أتعرف عليه، أعود مسرعا إلى الشرفة أبحث عن روحي في فراغ الشارع." (ص 99-100).
لقد استطاعت الشخصيات الأخرى للرواية كشخصية "أم عصام"، "محمود السيد فكار"، "الدكتور صدقي فراج" أن تعكس بعدا إجتماعيا و نفسيا و ماديا من خلال عملية السرد الروائي بتكنيك رائع، كما جاءت اللغة سهلة تتسم بالوضوح و الموضوعية تجعل القارئ يعيش بكل كيانه وسط أجواء هذا العمل الروائي للمبدع علاء الديب. 

الموت مع الكل رحمة/ جواد بولس

بعيدًا عمّا سيفضي إليه التنازع القانوني بين الأستاذ المحامي عمران الخطيب ومن استخصمهم في المحكمة المركزية في حيفا من أعضاء في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، سيبقى هذا الملف علامة فارقة في حياة هذا الجسم، الذي بات كدرع لسلحفاة كهلة، هي للدرع والدرع لها. إقحام محكمة مدنية إسرائيلية من قبل من شُطب اسمه من قائمة المتنافسين على رئاسة الهيئة التمثيلية القيادية الوحدوية العليا للجماهير الفلسطينية، مواطني دولة إسرائيل، وضع قضية مصدر شرعية اللجنة على المحك وترك أعضاء هذه اللجنة أمام مسألة جوهرية وجودية، لا سيّما من يؤمن منهم أن لجنة المتابعة العليا هي جسم عربي يمتص شرعيته من الجماهير العربية ومنهم فقط، ولن يستقيها من منظومات حكم الدولة وخاصة من محاكمها. لقد فاجأت الدعوى أكثرية أعضاء اللجنة العليا، وإن توقعها بعضهم، سيضطرون إلى مواجهتها أو إغفالها، وهم محشورون في خانة "اليك"، ويقبّلون يد محكمة ويدعون عليها بالكسر، وحالهم كالمرتجين ظل غمامة! 
يخيّل لي أن أغلبية الجماهير العربية في إسرائيل لا تشغلها قضية انتخاب رئيس لأهم هيئة قيادية خطط مؤسسوها، قبل أكثر من ثلاثة عقود، أن تمثل المواقف والأهداف والمصالح الجماعية لجماهير الأقلية الفلسطينية، وأن تعمل كجسم ينظّم ويفعّل ويوحّد ويقود النضال الجماعي الوحدوي من أجل احقاق الحقوق القومية والمدنية والمساواة والعدل الاجتماعي لأقلية تعيش في دولة لم يستسغ حلق قيادتها بلع بقاء هذه الجماهير على أرضها، ولا كيف يَقذف بها إلى مهاوي العدم. ويهيـأ لي، كذلك، أن المعركة على رئاسة هذه اللجنة،التي أنهكتها تجاذبات مللها ونحلها، وكما تتجلى فصولها أمامنا أو وراء الكواليس، تنحصر في هيئات أحزاب وحركات سياسية ودينية، بات زعماؤها، يتصرفون، وبعضهم يدرك، أنّهم على مشارف نهاية الفصل الأخير من أوبيريت الفشل وهم يستقدمون النهاية، بعزف مارشات الجنازة وموسيقى الوداع الحزين.
لست من أولئك الذين يفرحون كلما هوى عمود من أعمدة خيامنا، ولا أنام كي أحلم بخراب هياكلنا وسقوط قلاعنا، ولكنني صرخت منذ سنوات طوال وحذرت أننا ننزلق على منحدر خطير، وناديت بالصوت العالي موقظًا شيخ مينائنا الغافي ونواطير بيادرنا، وكان صوتي، يا لحسرتي، كصوت يوحنا، يضيع في البرّية ويمور في أرض الهزائم ويحترق وبخور الذبائح. واليوم أكتب صارخًا، مرة أخرى، ولست من النائحين الشامتين، ولا من سحيجة " النظام" يتحدثون بلسان إسماعيل والقلب قلب إسحق.  
فما العمل؟ سيسأل عاذل وحسود أو سيتساءل خائف وغيور.  
وهنالك من يحسب أننا أمام واقع لا يمكن أن نتخطاه ونغفله؛ فلا وقت للتفتيش عمّن أوصلنا إلى هذه الهاوية، ولا نفع من استجلاء أسباب تضعضع دور قياداتنا السياسية وأزمتها، فاستحقاق انتخاب رئيس لللجنة العليا للجماهير العريضة، يصرخ ويلحّ، وعلى الثلاثة والخمسين عضوًا،أصحاب حق الانتخاب، أن يختاروا رئيسًا/ مختارًا/ قائدًا/ مرشدًا/شيخًا/ ناظرًا، وبعده، لكل حادث حديث، فقد يكون بناء، وقد يصير ترميم، وقد يلحق تصويب، وقد تبقى الجماهير، وقد لا يعيش الملك، وقد يموت الحمار.. فالمطلوب الآن الآن انتخاب رئيس.. وعمّر يا معلم العمار، وعمّر خيمتنا/ لجنتنا.
وهنالك من يرى، بالمقابل،  أن مرور ثلاثة عقود على إقامة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، يحتّم إعادة النظر في مبناها، الذي فرضته معطيات وشروط لم تعد قائمة بالمطلق، وفي الأهداف التي أنيطت بها في حينه ومعانيها في أيامنا، وفي آليات عملها،المأمولة في ساعات التأسيس والممكنة في زماننا.
منا من  يسأل ويتساءل، وبحق، هل نموذج اللجنة التي يحكمها دستور وضع قبل عشرات السنين وعكست نصوصه القديمة واقعًا سياسيًا واجتماعيا، ما زال ملائمًا لحياتنا السياسية الحالية؟  أو ما مدى التأثير لحقيقة اندثار أحزاب كانت ممثلة في اللجنة  وتبخرت هي وبقي ممثلوها؟ أو حركات لم تكن موجودة ونتأت وهي غير ممثلة؟ أو أحزاب كانت تزن صاعًا فصارت بالكاد تزن أوقية، وما زالت على موازين اللجنة تكيل بالصاعين جزافًا أو خاوةً؟ أو ما دور عناصر المجتمع المدني، من جمعيات غير حكومية ومؤسسات تعمل كمحركات عمل حداثية ذات تأثير مباشر كبير وغير مباشر أكبر، وما يشبهها من أطر سياسية نخبوية اجتماعية إقتصادية تؤثر فيما يحصل في المجتمع وغير متواجدة في اللجنة العليا؟ 
يتساءل البعض فيما إذا ظل تعريف الثمانينيات للمواقف والأهداف والمصالح الجماعية لهذه الجماهير، متطابقًا مع ما تعنيه هذه القيم في أيامنا، وهل ظلت وسائل النضال التي اعتمدت في تلك السنين ملائمة لأيامنا؟  وهل صمدت هذه التعريفات والتوافقات في امتحان العمل والزمن؟ وأنا لا أتحدث عن الفوارق بالفروع، بل أقصد الأصول والقضايا المبدئية مثل، موقف تلك المركبات من العمل وسط الاكثرية اليهودية والتحالفات مع أجزاء منها، ومن حقوق المرأة ودورها في المجتمع، ومثل الموقف من تعدد الزوجات، أو الموقف من الحريات الأساسية للأفراد، ومصادر شرعية هذه الحريات، بما فيها حرية المرء على جسده وحرية العبادة والحرية من العبادة، والموقف من الدولة الوطنية، والعلاقة مع منظمة التحرير ومصير فلسطين وما الى ذلك من قضايا ومسائل طرأ على بناها، مع مضي الأعوام ووطأة الهزائم وتفكك دول وتبخر حكام وولادة قبائل ونشوء ملل وتفشي دواعش، تبديلات وتغيرات جمة. 
كنت آمل أن تبادر الأحزاب لبحث جميع هذه المستجدات والمسائل، لتبني على خلاصاتها مواقف إزاء ما نحن ، كمجتمع يعيش في محنة، بحاجة إليه،  وخيبتي كبيرة من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، لأنها الأعرق والأجدر بخوض هذه التجربة ومواجهة هذه التحديات، فكلنا يعلم أنه حتى إذا انتخب السيد محمد بركة لرئاسة اللجنة العليا، وهو الأحق والأجدر والأكثر تجربةً سياسيّة، من بين جميع المتنافسين حاليًا، لن تنقذ هذه الخطوة اللجنة من ضعفها ووهنها،  فمأساتها أكبر من رئيس وأخطر من موقع . وكنت آمل أن تسمح لجنة الانتخابات بمشاركة جميع من تقدموا وترشحوا لمنصب الرئيس، وألا يتم شطب أي مرشحة أو مرشح، لأسباب فنية استقوت بدستور، لم ينشر على الملأ ولم يقرأ، وعفا عليه الزمن ، ولو فعلت لما أجبرت على مواجهة محاكم إسرائيل وعدلها، وكنت أرجو أن يتفق قادة أحزاب وحركات،على ضرورة إقامة جسم جديد، ربما لن يضم كل القيادات، لكنه سيخدم المواقف والأهداف والمصالح الجماعية لهذه الجماهير بطرق أنجع وأكثر تأثيرًا وتحصيلًا، وبالتوازي، لن يضير لو يتفق جميع الفرقاء على أن ما بقي من هذه اللجنة العليا هو حطام جسم لن يكون له دور إلّا في إعلان إضراب للجماهير، كلّما سقطت نجمة من سمائنا، أو قضمت أرض من بقايا وطن، أو في تسيير مظاهرة خجلى في أحد أيام العرب الكثيرة السقيمة! وإلى أن يتم ذلك أتأسى على ما قالته العرب: الموت مع الكل رحمة، أحقًا؟!    

ثورة ابو عاصي في قطاع غزة ضد الظلم/ سري القدوة

الم يكفي الموت حرقا والموت تسمما لدق ناقوس الخزان ..
الم يكفي كل المصائب التي تنزل علي رؤوسنا كي نعترف بتلك الاخطاء ونسعي للتغير ..
يقولون عنا اننا نحرض ونصطاد في المياه ونستغل الفرص ولكن تناسوا ان شباب غزة العاطلين عن العمل تنتهك كرامتهم وهم يفضلون الموت عن العيش بزل واهانة ..
تحية الي الشاب ابن غزة محمد ابو عاصي الذي اقدم علي تناول السم المغموس بالدم والقهر وقرر ان يرحل عنا تاركا وطن لتجار الفتن وللحرامية الجدد ..
ثورة ابو عزيزي في تونس فجرت غضب وشباب فلسطين قادرين علي حمايتها رغم كل هذا الظلم فيوم نهايته قادمة لا محاله ..
لا يمكن استعباد شعب وامتهان كرامته بهذا القدر من الاستهبال والسرقات وابتزاز المواطن الغلبان وسرقة قوت يومه باسم القانون او باسم الدين والدين منكم برئ
الشاب محمد ابو عاصي احد شباب غزة العاطلين عن العمل ..
اطلق علي بسطته اسم "روتس الغلابة" حاول الانتحار اول أمس تاركا وراءه كل هذا الظلم والفساد والافساد في الارض بسبب مشادة مع موظفي بلدية غزة على وضع بسطته وملحقاتها القانونية على شاطئ بحر غزة.
طبعا البلدية سيطرت عليها حماس ضمن سيطرتها الملحة علي كل مؤسسات قطاع غزة ورفضت وترفض اجراء انتخابات ديمقراطية فيها ..
قالت مصادر طبية " ان أبو عاصي وصل امس الى مجمع الشفاء الطبي بعد تناوله "سم فئران"، وصفت المصادر حالته بالمستقرة ويستجيب للعلاج.
نتمنى الشفاء التام للشاب ابو عاصي .. وعزرا منا ومن كل شباب فلسطين ..

سري القدوة
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية
www.alsbah.net

دولتان قاسمهما المشترك التعاون في الشر/ د. عبدالله المدني

دولتان، واحدة في غرب آسيا، والأخرى في أقصى شرقها. لا تجمعها قواسم تاريخية أو إجتماعية أو دينية أو ثقافية. لكن المؤكد أن بينهما قاسم مشترك وحيد هو الشغب والتآمر والإرهاب والتمرد على القانون الدولي وأعرافه، إضافة إلى طموحات كل منهما لجهة إمتلاك أسلحة الدمار الشامل لترهيب وزعزعة أمن جيرانهما. الأولى تحكمها عصابة من المعممين الذين يستغلون المذهب الديني وشعارات مقاومة الإمبريالية والانتصار للمستضعفين في الحجر على العقول، والبقاء في السلطة، وتجنيد الدهماء خارج بلادهم لتنفيذ مآربهم. والثانية تحكمها أسرة مؤدلجة حتى النخاع، ورثت كل ما هو خارج العصر من شعارات طنانة إنقرض زمنها لتحكم بالحديد والنار، وتحرم أبناء شعبها من نسائم الحرية ورياح التطور التي يتمتع بها جيرانهم.
هذا القاسم المشترك الوحيد هو الذي جعلهما يتعاونان في مجال الشر، وينفقان أموال شعبيهما في بذر السموم والفتن وحالة عدم الإستقرار في محيطهما الإقليمي، رغم تباعد المساحات الجغرافية بينهما، وهو الذي جعلهما منبوذتين من الاسرة الدولية بصفة عامة، وبالتالي خاضعتين لعقوباتها، بل وجعل لكل منهما دالة على الأخرى. فما أنْ تطلب الأولى من الثانية مساعدتها في تكنولوجيات الشر حتى تهرع للإستجابة إلى طلبها بإرسال الخبراء والعلماء والتقنيات. وما أنْ تطلب الثانية من الأولى نفطا مجانيا أو بأسعار تفضيلية حتى تلبي ما طلبته دون تأخير، ليس رأفة وشفقة بشعبها الجائع وإنما حرصا على استمرارية نظامها الاستبدادي، على نحو ما تفعله الدولة الأولى تجاه أنظمة فقدت شرعيتها وانتهت صلاحيتها في منطقة الشرق الأوسط التي تنتمي إليها.
علاقة الأولى بالثانية في مجال التعاون العسكري يعود إلى حقبة الثمانينات عندما كانت الأولى متورطة في حرب عبثية طويلة مع جارتها العربية. وقتها حـُظر عليها شراء واستيراد السلاح فلم تجد أمامها سوى الدولة الثانية لتزودها بأدوات التدمير، خصوصا وأن الأخيرة مارقة ولا تأبه بأي نظام أو قانون. هذا التعاون العسكري راح يتوطد ويتوسع شيئا فشيئا إلى أن وصل إلى مستوى تزويد الثانية للأولى بالمواد المستخدمة لإنتاج اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي واليورانيوم المخصب، معطوفا على تبادل الوفود النووية والباليستية في سرية تامة. وفي هذا السياق يشير الباحث الأمريكي "لاري نيكش" من معهد الدرست الاستراتيجية والدولية في واشنطون إلى أن البلد الأول ينفق سنويا ما بين مليار و1.5 دولار على التعاون مع البلد الثاني. كما يشير باحث آخر هو "غوردون شانغ" في كتاب له إلى أن علماء من الدولة الأولى كانوا متواجدين أثناء إجراء الدولة الثانية لتجاربها النووية الأولى في عام 2006، وأن المسئول عن البرنامج النووي العسكري في الأولى أقام لبعض الوقت في الثانية وشاهد تجربتها النووية الثالثة في فبراير 2013. 
تقول الكاتبة هدى الحسيني في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية (13/8/2015) أن زعيم البلد الأول إجتمع بالزعيم الشرفي للبلد الثاني على هامش القمة الأفروآسيوية التي عقدت في جاكرتا في إبريل الماضي، وذلك في لقاء علني نادر ذي صبغة سياسية.
وسبب وصف اللقاء بالنادر يعود إلى أن قادة البلد الثاني قلما يسمح لهم زعيمهم الأعلى "المبجل" بالسفر إلى الخارج خوفا من إنشقاقهم، ونادرا ما يفوضهم بالتوقيع نيابة عنه، بل حتى إنْ حدث وفوضهم فإن إحتمالات تراجعه عما وقع عليه تبقى قائمة. وهذه الحالة مشابهة إلى حد ما لما يجري في البلد ألأول. بمعنى أنّ الآمر الناهي وصاحب القرار الأعلى يتجسد في شخص واحد يسبغ على نفسه هالات التقديس، وما الآخرون سوى موظفين لا حول لهم ولا قوة. وهذا بطبيعة الحال وضع مريح للبلد الأول، إذ يمكنه التراجع عما وافق عليه في أي لحظة بحجة أنّ زعيمه الأعلى "المقدس" معترض ولم يمنح موافقته.
وبالعودة إلى الإجتماع المذكور بين زعيمي البلدين في جاكرتا، تضيف هدى الحسيني بأن إجتماعهما في هذا التوقيت مؤشر على تعاون بلديهما في قضايا حساسة ذات أهمية إستراتيجية. فما هي هذه القضايا الحساسة يا ترى؟
الإجابة لا تحتاج إلى عبقرية. فالدولة الأولى التي باتت تواجه خسائر متتالية في الدول الإقليمية التي امتدت أصابعها الشريرة إليها، وصارت تواجه في الوقت نفسه تذمرا داخليا من قبل شعبها بسبب إنفاق خيراته على المغامرات الخارجية الطائشة، هي في حاجة ماسة إلى مساعدة الدولة الثانية لجهة تهريب السلاح إلى أنصارها في أكثر من مكان في الشرق الأوسط، خصوصا وأن الدولة الثانية تصنع السلاح ولها سوابق معروفة في إيصاله بطرق ملتوية إلى الحركات والتنظيمات الخارجة على القانون في أكثر من بلد.
ويمكن القول أيضا أن الدولة الأولى تراهن على الثانية في سباقها لبلوغ الأشواط النهائية في تحقيق حلمها بإمتلاك القنبلة النووية، خصوصا وأن الدولة الثانية ـ طبقا لمعلومات الاستخبارات الامريكية والغربية واليابانية ـ حققت تقدما معتبرا في برامجها النووية وفي صناعة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، بل فاخرت مرارا وبصورة علنية على قدرتها بضرب أهداف بعيدة المدى تتجاوز الدول المجاورة لها والتي كثيرا ما عانت من طيش وحماقة قادة الثانية. وفي سياق الحديث عن هذا الرهان يمكن التطرق إلى أكثر من دليل، أوله أن بعثة نووية وباليستية تابعة للدولة الثانية زارت سرا في إبريل الماضي موقعا نوويا في الدولة الاولى يحمل إسم مؤسسها الراحل، في الوقت الذي كانت فيه هذه الدولة تجري مفاوضات مع القوى العالمية حول برنامجها النووي.
كما يمكن القول أن اللقاء المذكور تطرق إلى التعاون المشترك في مجال صناعة وتطوير الأسلحة التقليدية، والتعاون في كيفية التملص من العقوبات المفروضة على البلدين، وكيفية تطوير أساليب أذية دول الجوار وخلخلة أمنها وإستقرارها، إضافة إلى أمر آخر مهم هو: استفادة البلد الأول من الثاني كمكان لتخزين أدواته النووية بعيدا عن مفتشين دوليين محتملين، بحسب ما توقعته صحيفة "ديلي بيست" الإخبارية
فهل عرفت عزيزي القاريء إسمي هاتين الدولتين؟
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: أغسطس 2015 
الايميل:Elmadani@batelco.com.bh

عبارة الهامش:
ربما تطرق اللقاء إلى إستفادة البلد الأول من الثاني كمكان لتخزين أدواته النووية بعيدا عن مفتشين دوليين محتملين.


عن إستقالات التنفيذية والصراعات على وراثة أبو مازن/ راسم عبيدات

المشهد السياسي الفلسطيني يشهد تحركا وانزياحات وتطورات سلبية كثيرة،وما يميز ذلك حالة من الإرتباك و"التوهان" وفقدان الإتجاه والبوصلة،وكذلك الجري بشكل سريع وكبير نحو الكارثة وتأبيد وشرعنة الإنقسام،فحماس بمشاركة اطراف عربية وإقليمية ودولية ماضية في مشروعها السياسي،والذي لن ينتج اكثر من اوسلو (2)،والضفة الغربية ما ينتظرها تقاسم وظيفي مدني ليس اكثر بعد ابتلاع أغلب مساحتها،وتهويد القدس بشكل كامل بحيث يصبح اهلها جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع.
التسريبات حول إستقالة الرئيس ومن ثم التسريبات عن استقالة التنفيذية،سبقها خطوات أقدم عليها الرئيس،بإقصاء ياسر عبد ربه من موقعه كامين سر للجنة التنفيذية،في خطوة فردية دون موافقة عليها من التنفيذية حتى عبدربه نفسه سمع بالقرار من وسائل الإعلام ولم تتح له أي فرصة للإعتراض او المناقشة أو الإستماع لوجهة نظره،واتبع الرئيس ذلك بقرار بإغلاق مؤسسة" تحالف السلام" على اعتبار انها مؤسسة تمارس التطبيع...!!،وهذه خطوة ليس لها أي علاقة في مقاومة التطبيع،ففي رأس سلم الهرم القيادي هناك من هم مطبعون اكثر من عبدربه،ولكن تطبيع محمي ومرضي عنه الان ...؟؟ وكذلك جرى بنفس الطريقة تعيين صائب عريقات بدلاً منه كامين سر للجنة التنفيذية،في قرار أجج من حدة الصراعات والخلافات الفتحاوية بين اجنحتها وتياراتها المختلفة،منهم من هم طامحين بهذا المنصب،ومنهم من هم طامحون بخلافة الرئيس،ومنهم الطامحون لعضوية التنفيذية.

التسريبات عن نية الرئيس تقديم إستقالته لها اكثر من مصدر اسرائيلي وعربي وحتى فلسطيني،وكذلك الحديث عن لقاءات ومشاورات اسرائيلية وعربية واقليمية ودولية حول من سيخلف الرئيس عباس،والسيناريوهات تركز على منهم قادمون من خلفية امنية اكثر من الذين عملوا في مواقع ومراكز سياسية،وأغلب هذه التسريبات تستبعد القائد الفتحاوي الأسير القائد مروان البرغوثي،على اعتبار أنه توليه للرئاسة،قد يخلق تغيرات ومعادلات جديدة لا تقبل بها لا اسرائيل ولا المحور العربي- الإقليمي- الدولي المساند لها.

لا احد يجادل او مقتنع بوجود مؤسسات وهيئات فلسطينية تتخذ القرار او ترسم استراتيجات،لا على مستوى المنظمة ومؤسساتها من اللجنة التنفيذية وانتهاءا بالمجلس المركزي،ولا السلطة من رئاسة الوزراء والوزارات،ولا التشريعي المعطل بفعل الخلاف السياسي والإنقسام،ولا حتى مركزية فتح،فعدا انتهاء الصلاحية الدستورية والقانونية،فهي أضحت مجوفة لا تمتلك الصلاحيات لا بالقرار ولا بالقدرة على التنفيذ.

هذه الخطوات التي يجري الحديث عنها إيجاد "البدائل" وبناء المؤسسات وتجديد "الشرعيات" يفترض أن تكون ثمرة لمراجعة عميقة ومطولة للمرحلة والحقبة الفائته،تحدد مكامن الخلل في القيادة والمسيرة والفعل والإنجاز،ومن المسؤول عن ذلك، وما حدث او تحقق من "إنجازات" حقيقية وليست وهمية او صورية،فلا اعتقد الان بأن مرحلة فشل فيها خيار ونهج المفاوضات فشلاً ذريعاً،وثبت فيها بان الحياة ليست مفاوضات،بل صمود ومقاومة "المقاطعة الدولية المتنامية والمتسعة لإسرائيل دولياً"،إنتصارات أسرى الإعتقال الإداري الشيخ المجاهد خضر عدنا والمحامي محمد علان نموذجاً،فتلك المرحلة ما يميزها "تغول" و"توحش" في الإستيطان،وإنسداد أفق العملية السياسية،في ظل حكومة اسرائيلية يمينية متطرفة،ترفض الإعتراف بأية حقوق وطنية للشعب الفلسطيني، وحل الدولتين لم يعد له أية حظوظ او فرص،ناهيك عن ان الحالة الفلسطينية في أسوء مراحلها إنقسام،وتسابق على المشاريع والمكاسب الفئوية والصراع على سلطة منزوعة الدسم
.
يفترض بان خطوة كبيرة ومفصلية كهذه تأتي كنتاج لجهد عميق وحوارات مطولة تشارك فيها كل مكونات ومركبات الشعب الفلسطيني سياسية ومجتمعية وشعبية داخل فلسطين وخارجها،لأنه سينبثق عنها مؤسسات المنظمة،ولكن خطوة اعادة بناء تلك المؤسسات وايجاد "البدائل" و"الشرعيات" سيكون وفق مقاسات معينه،وبما يكرس من حالة الإنقسام ويضرب وحدة المشروع الوطني،ويلغي أي إمكانية مستقبلية لقيام وحد ة بين جناحي الوطن.

وحسب وجهة نظري بأن السيناريوهات المتوقعة لما بعد الرئيس واعادة تشكيل المجلس الوطني،لا تدفع على الإعتقاد بأننا سنكون امام انعطافة وانطلاقة نوعية،فأعضاء المجلس الوطني الجديد،الغالبية منهم سيجري تعينهم ب"المحاصصة" بين الفصائل أومن هم يتربعون على رأس هيئات ومؤسسات واتحادات وهمية وشكلية او غير فاعلة،والحجة ستكون عدم القدرة على اجراء الإنتخابات في أغلب الدول العربية،والصحيح عدم بذل جهود حقيقية وجدية لإجراء هذه الإنتخابات،ناهيك بأن العديد ممن يسمون قادة ويغتصبون قيادة الشعب الفلسطيني لا يحظون بثقة تنظيماتهم واحزابهم،او ان شعبيتهم لا تتعدى شعبية وحضور مختار حارة في قرية صغيرة،ولكن سيبقى قائداً شاء من شاء وأبى من أبى.

إننا نتجه نحو كارثة حقيقة جداً ستشهد تفككاً للمشروع الوطني،تكريساً للإنقسام،فما يجري وبخطوات سريعة غير مدروسة ومحسوبة النتائج الى إعادة تدوير نفس الطبقة السياسية الفلسطينية "الجهذبية" والألمعية ذاتها،وهي المسؤولة بشكل مباشر عن الأزمة البنيوية لمشروعنا الوطني ولفصائلها واحزابها، ناهيك عن ان هذه العملية "التجديدية" وبناء" الشرعيات"،لا تلحظ ولا تأخذ بعين الإعتبار المتغيرات السياسية والمجتمعية التي طرات على الواقع الفلسطيني،فالواقع يقول بأن الشباب الذي ولد في جيل الإنتفاضة أو ما بعد اوسلو،والذي نشهد له بقيادة العديد من التحركات الشعبية والجماهيرية وطنية ومجتمعية،سيكون خارج إطار تلك التشكيلاتالمتشكلة وهذا سيعمق حالة فقدان الثقة بين المنظمة الجديدة وقياداتها وبين الشباب،والذين هم احق واجدر بان يكونوا في مواقع قيادية،بدل من الذين يقودون او يقفون على رأس تنظيمات دثرها الواقع.
المهم هنا قوله كذلك غياب الرئيس عن المسرح السياسي سيكون له وسيترك الكثير من الإرباكات والفراغ،وخصوصاً بأن وضع حركة فتح كقائدة للمنظمة والسلطة ليس على ما يرام،حيث المحاور والصراعات بين اجنحتها ومحاورها المختلفة،ولا يوجد شخصية "كاريزماتية" يجمع عليها الفتحاويين لخلافة الرئيس،وخطوة بناء مؤسسات المنظمة ستحمل المزيد من التدمير والتفكيك في الوضع الداخلي الفلسطيني لجهة تكريس الإنقسام،ومخاطر تصفية المشروع الوطني والقضية برمتها.

موسوعة قابل سبيع الغلبا والفيس بوك/ عبدالواحد محمد


تحقيق  صحفي من رحم الفيس بوك
.تجسد موسوعة قبائل سبيع الغلبا للشيخ منصور بن ناصر النابتي  المشعبي السبيعي ملحمة رقمية معاصرة لأنها اطلالة علي حاضر من خلال استرجاع ماضي ارث القبائل العربية ومنها (قبائل سبيع الغلبا )  وتعد الموسوعة نافذة مضيئة لكل باحث وكاتب وقارئ عربي يستدعي كثيرا من صور التاريخ القبائلي العربي العريق ؟

ومن  هؤلاء الشباب  الذين التقيناهم عبر الفيس بوك  محارب الشمري من السعودية  والذي اعجب بالموسوعة وعرفها من الفيس بوك ويؤمن بعالم الانساب الذي هو ارث عربي

ليلي بنت  العطار من المغرب   تعرفت علي الموسوعة من خلال تويتر  وهي شغوفة بقراءة عالم القبائل وتتمني ان  تحصل علي  نسخة من موسوعة قبائل سبيع الغلبا من مؤلفها الشيخ منصور بن ناصر النابتي  المشعبي السبيعي 
الهادي محمد من العراق  وقد سمع بالمجموعة من اصدقاء الفيس بوك وعلق علي موسوعة قبائل سبيع الغليا  بأنها رؤية مؤكدة لواقع عربي من خلال عالم النسب والانساب ؟
مريم عبد الستار من فلسطين  من خلال جوجل تعرفت علي موسوعة قبائل سبيع الغلبا وتؤمن بأن حفظ الانساب العربية هو بداية استعادة فلسطين من يد العدو المغتصب الاسرائيلي ؟

ستوتة بنت  مندي من الجزائر  تعرفت علي مجموعة سبيع الغلبا من خلال الفيس بوك  وهي تؤمن بدور الموسوعة في مد جسور بين وطن واوطان ؟

وعالم الانساب العربية يعتمد علي رجال ونساء دونوا كثيرا من الحقائق التي تتعلق  بتاريخ القبائل العربية وايضا الافراد لذا اهتم كثيرا من الباحثين العرب  بموسوعة قبائل سبيع الغلبا للباحث الشيخ  منصور بن ناصر النابتي  المشعبي السبيعي التي تعد نافذة مضيئة لعالم القبائل العربية
عبدالواحد محمد 
كاتب وروائي وصحافي عربي 
abdelwahedmohaned@yahoo.com

محكمة التفتيش العليا/ جواد بولس

من المؤسف أن يُطوى قرار "محكمة العدل العليا الإسرائيلية" في قضية الأسير الفلسطيني محمد علان، ويُدس بين آلاف قرارتها وينسى، وهذا حتمًا مصيره، بعد حين؛ ومن المؤلم والمحبط أن يعتبر البعض هذا القرار نصرًا أو إنجازًا وهو من هذا وذاك براء.  
لن يقرأ الفلسطينيون ما كتبه ثلاثة قضاة، تذكّر سطور قرارهم الخمسون بأحاجي قضاة محاكم التفتيش التي صبغت تاريخ أوروبا بالأسود الحالك، ولن يهتم النحاة والفصحاء والفقهاء "بتحفة" عجز عن " تكتكتها" و"نمنمتها" حتى صاحب المقامات الحريرية ومن تتلمذوا، في عصرنا، في مدارس بدائع هذا الزمان وخدم السلطان.
والأفظع في المشهد، أن علّانًا لم يسمع  قرار الحكم في قضيّة قدّمت باسمه وهو ملقى على عتبات العدم، ولم يقرأ، أصلًا ، ما كتب باسمه محاموه، أو ما قالته عنه البوم سرًّا في المحكمة، ولا ما وشت فيه الثعالب.
في التاسعة صباحًا، يوم الأربعاء، وصلت إلى غرفته في قسم العناية المكثفة في مستشفى "برزلاي" في مدينة عسقلان، وذلك كي أنقل له أن النيابة العامة في إسرائيل، وبعد أن أعياها إصراره على نيل الحرية، ستصرّح، ربما مكرهةً، في جلسة المحكمة العليا المزمع عقدها في ظهيرة اليوم، أنها لن تمدد اعتقاله لفترة ثالثة، بحيث سيكون حرًا، في تشرين الثاني القادم، وبعد عام قضاه في السجن بدون تهمة أو محكمة.
 كان ينام على ظهره، فاتحًا عينين تحملقان في غيمة بعيدة، فيهما بريق أبيض، كشعاع بلور أذيب فصار أجمل من نبع دمع، في وسطه زنبقة سوداء صغيرة. رمشاه، لا يقفلان، كأنهما صُبّرا. ناديته، فلم يجب. مسحت جبينه بكفي فلم يلتفت صوبي. اقتربت وأخذت يده بيدي، فكادت تسقط كريشة؛ لم يكن محمّدًا الذي قابلته من قبل، عندما كان يتأبط زجاجة مائه، رفيقته الوحيدة في رحلة الجوع، التي بدأها قبل ستين يومًا، حين حدّثني كيف واعد الحرية أن تصير عروسه، وشاهده كانت إرادة من حرير، والمهر حقول من سواسن ونرجس.
لم يكن ميتًا ولا حيًّا. جسده أمامي مكسو ببرودة، ولا يبدو عليه أثر لبكاء. سكونه أفزعني، كدت أن أبكي لولا عزتي، وقرب ثلّة من حرّاس القهر، الذين كانوا يراقبون كل حركة أقوم فيها. نظرت إلى صدره فوجدته يخفق، فصحت، بما أعانني حلق كاد يتكسر: كيف وماذا حصل لمحمد؟   
بدأ الأطباء يتوافدون. أعرف بعضهم من زيارتي السابقة، لكنّ جميعهم لا يعرفون ماذا حصل، فحتى ساعات الصباح الباكر كان محمد ضعيفًا ومنهكًا، لكنه واعٍ تمامًا كما تركته في اليوم السابق. كل الفحوصات المخبرية نفت وجود خلل جسدي، وهذا ما يزيدهم حيرةً ويزيدني قلقًا وخوفًا. 
أخبرت المسؤولين في مصلحة السجون بخطورة الوضع، وأعلمت النائبة العامة أن محمدًا لن يستطيع الرد على مقترحها. نقلت للمحامين، أصحاب الالتماسات في العليا، الصورة والخبر، واتفقنا ألا يكون أي حوار ولا مساومة، فالموقف يقضي بالإصرار على وجوب إلغاء أمر الاعتقال، والإفراج عن محمد فورًا. 
مضت الساعات مقيتة حزينة. أترك غرفة الأطباء لأجلس بجانب محمد، أمسك يده، أحدّثه عن فلسطين البعيدة الناعسة، عن القدس الجريحة الواثبة، وعن غزة الشريدة التي تحب البحر والسفر. أدخل في أذنه، أستنهضه، أنهره  أهزه، أرجوه: لا تدع أعداءك يشمتون. أحسّه يسمعني ويشعر بقهري، أنظر في عينيه الممتلئتين نورًا وأهمس بما يشبه الرجاء:  قم يا صاحبي، وهيّا لنفقأ معًا عين الظلم والظلمة، فلقد جئت لأبشرك بفرح عظيم. لا أسمع إلّا صداي وصوت الموج يبكي عسقلان التي كانت. أقترب إلى قلبه وأصرخ: اخفق أيها المعذب، لا تخبُ، لا تكبُ ولا تيأس، فمثلك للحياة ولدوا ولا يليق بهم موت عابر غريب.
المتخصصون أوصوا بإجراء فحوصات للدماغ، لأنهم يشكّون أن ضررًا  قد أصاب دماغ محمد. المحكمة تستمع لشهادة طبيب من المستشفى ولشهادة رجالات الأمن العام الإسرائيلي. القضاة يقررون انتظار نتائج فحص "الرنين المغناطيسي" لمحمد. أتواصل مع المحامين الذين يتابعون القضية في المحكمة، وأؤكد على ضرورة إصرارهم بالإفراج عن محمد، لأنه في وضع صحي حرج ولا معنى للقضاء والتقاضي. تتوالى الأخبار علينا من كل حدب وصوب. الكل يدلي بدلوه، من غزة حتى صفد. البعض يصر أن محمدًا رفض مقترح إسرائيل ويمضي في طريقه نحو نصر ماحق ظافر مظفر، وآخرون يقسمون أن محمدًا "مرمغ" أنف الاحتلال بوحل الهزيمة والعار. وكالة أنباء تزف خبر الإفراج عن محمد. وكالة أخرى تؤكد نبأ وفاته. وأنا أجلس بجانب سريره، أتذكّر ما قاله لي بالأمس عن حلمه الذي بحجم قلب عصفور لا يجيد إلّا الحب على جناح الريح والأماني. 
تمر الساعات ثقيلة على أرض عسقلان . فلسطين، في ذلك النهار، صارت، كما كانت، مناجم كذب ودجل ورياء، وإسرائيل بقيت، كما صارت، وعودًا على مرق، قلوبًا من صدأ، وعيونًا من خزف.
 نتائج الفحوصات وصلت ونقلت للمحكة، لم تحمل لا بشائر ولا رنينًا، بل طنينًا مؤذيًا ومزعجًا. دماغ محمد أصيب نتيجة لنقص بفيتامين أ، وقد يستعيد سلامته وقد لا يستعيد.  
الأطباء غادروا المستشفى، وأنا لم أحس أن الليل سكن بجانبنا. ودعت محمد وعاهدته ألا أتركه. كانت يده اليمنى تتحرك بنفس الوتيرة وسبابته ترسم دوائر من فراغ في الهواء، وعيناه مفتوحتان صامدتان كعيني صباح. في طريقي أخبرني المحامون أن القضاة رفعوا الجلسة لإصدار قرارهم. لم أفاجأ، فمنذ سنوات فهمت أن تلك المحكمة تخلّت عن  رداء العدل وباتت عاريةً عوراء. 
وصلت البيت. بعد ساعتين تلقيت قرار القضاة، الذي أكد على أن أمر الاعتقال الإداري الصادر بحق محمد علان، قانوني ولا غبار عليه، ولا يقررون إلغاءه.    
ويضيفون، ولأن محمد مصاب بدماغه ويرقد في حالة عجز كامل، فهو لا يشكل خطرًا في هذه الأثناء، على سلامة الجمهور، وعليه يقررون "تعليق" أمر الاعتقال بحقه، على أن يبقى حرًا، ولكن نزيلًا في مستشفى برزيلاي، لا يستطيع مغادرته إلا بإذن وموافقة من سلطات الاحتلال، ومن يدري فهو إذا استعاد صحته، سيستعيد خطورته وسيشكل، بطبيعة الحال، خطرًا على سلامة الناس، فعندها لأجهزة الأمن الإسرائيلية حق، أوتوماتيكيًا، بإحياء الأمر المعلق على رقبته وإبقائه سجينًا.
 بقيت في بيتي، أقرأ عن تاريخ محاكم التفتيش وعن قرار محكمة قضت بإلقاء متهم بالشعوذة في النهر، فإذا غرق المتهم، هكذا قرر القضاة، يعني أنه بريء وسيصل مباشرة إلى الجنة، أما إذا طفا ونجا فيعني ذلك أنه مذنب ويستحق الإعدام .
بعد ساعات أتصّل صديق ونبهني أن العرب في مواقعنا نصبوا حلقات الرقص وأشعلوا بيارق الفرح، وأطلقوا أعنة الزغاريد والحماسة. فهم لم يقرأوا القرار ولن يقرأوه، ولأنهم مقتنعون أننا انتصرنا، فمنذ متى تنهزم العرب وتندحر؟
حزنت ومضيت في قراءتي عن محاكم العدل في التاريخ. وأنتظر الغد الذي في عسقلان.    

تهـانـيـنا للأبـوَين الشابّـين ديـﭬـيـد إسطـيفان و روّيل حـنوش ثـمرة أبـرشـية مار ﭘـطرس الرسول ـ سان ديـيـﮔـو/ مايكـل سـيـﭘـي


بفارغ الصبـر إنـتـظرنا الـيوم الـذي يصنعه الرب ... وبغـمرة من الإبتهاج والـفـرح إستـقـبـلـناه .... إنه يوم ولادة جـديـدة ... برعاية سيادة المطران سـرهـد جـمو الموقـر الـذي يليق به أن يعـيـد قـراءة رسالة مار ﭘـولس الأولى إلى تِيمُوثَاوُسُ (1 : 18 ) أَسْـتَـوْدِعُـكَ هـذِهِ الْوَصِيَّةُ يا تيموثاوس إبني وفـقا لما سـبق فـيك من الـنبـوّات .....

تمـت في مساء الجمعة 14 آب 2015 وفي ليلة عـيد إنـتـقال أمنا مريم العـذراء إلى السماء ، مراسيم الرسامة الكهـنوتية عـلى يد راعي الأبرشية المطران الموقـر مار سرهـد يوسب جمو لتلميذين جـديدين ، هما الشماسان الإنجـيليان ديـﭬـيـد إسطيفان و روّيل حـنوش ، وذلك بعـد إتمام  6-7 سنوات من دراستهما الكهـنـوتية وتخـرجهما من جامعة مار يوحـنا ﭘـولس العـظيم الكاثوليكـية وسمنير مار أبا الكـبـير في سان ديـيـﮔـو .

تهانينا الـقـلـبـية للأبـوَين الشابّـين رسامة كـهـنـوتهـما ، إنها ولادة جـديـدة بحـق لـيـكـونـوا فـعَـلة في كـرم الرب ، فالحـصاد كـثـير ، متمنين لهـما ولكـل الإكـليروس حـياة النعـمة والفـرح بالمسيح .

كان حـضور سيادة المطران سـعـد سـيـروب عـظيماً ( بكـل شجاعة ) مراسيم رسامة الكاهـنين ليشارك الفـرحة والإفـتخار بالرب مع جـميع منـتـسبي أبرشية مار ﭘـطرس الرسول / سان ديـيـﮔـو وضيوف ... مطارنة وكهـنة وشمامسة وأبناء الرعـية ...

وبمناسبة وجـوده في كـنيسة مار ﭘـطرس الرسول / سان ديـيـﮔـو ، إحـتـفـل بالقـداس مار سعـد سيروب ومعه حـضرة الأب ﭘـيـتـر لـورانس الـذي جاهـد في سـبـيـل كهـنـوته .

كم كان بـودّنا لو تـوفـر ــ ذات الإقـدام ــ عـنـد مطارنة شجعان آخـرين ليشاركـوا بركة الرب في هـذا الحـدث العـظيم ، فالمسيح أولى بالإكـرام من خلائـقه ، فـمثـلما رئيس الحـكـومة ماضٍ والوطن باقي ، هـكـذا الكـنيسة باقـية وإمبراطورها زائل ، ولا محاباة عـنـد الله .إن مار ﭘـولس في رسالته الثانية إلى تيموثاوس ـ الإصحاح الرابع ـ 16 ـ يعـلن واقـعه حـين يقـول :  

(( في إحـتجاجي الأول لم يحـضر أحـد معي بل ــ الجـميع ــ تركـوني ، لا يحـسب عـليهم !! )) فـلـتـكـن كـلمات مار ﭘـولس درساً ملهـماً يستـفـيـد منه الكـثيرون مستـقـبلاً .

هـذا ، وقـد حـضر المحـبّـون للأبرشية والمعـجـبـون بها ..... وهُـم منـدهـشـون لهـذا الحـدث العـظيم الـذي تـكـرر ثانية خلال أشهـر وفي نـفـس الأبرشية دلالة عـلى غـزارة إنـتاج شـجـرتها ... هـنيئاً لكل الحاضرين ، وحـبـذا لو كانت قـد تـوفـرت الفـرصة فـنحـضر معـهم ونشارك فـرحـتهم .


لماذا يريدون كسرك يا لبنان .. يا زهـــــــــرة المدائن/ الدكتور حمدى حمودة

لأن لبنان كانت وما زالت زهرة مدائن الوطن العربى ، لأن لبنان انتفضت وقاومت وتحررت من الأحتلال الصهيونى ، لأن لبنان انتصرت بمقاومتها وجيشها وشعبها سنة 2006 وكان انتصارها انتصارا لكل العالم العربى من أدناه الى أقصاه ، انتصارا للمعتدلين المواليين لواشنطن وتل أبيب ، لأن المقاومة أجبرت اسرائيل ألا تجرؤ أو تفكر فى اتخاذ الحرب على لبنان قبل أن تعيد التفكير بينها وبين نفسها ألف مرة .؟! 
ماذا يريد آل سعود من لبنان .؟ اذا كانوا يريدون كسر المقاومة وتفريغها من مضمونها لكونها رفعت اسم العرب بانتصارها الألهى وتضامنت مع سوريا فى حربها ضد الجماعات التكفيرية التى أعدتها ودربتها وسلحتها الولايات المتحدة وتل أبيب وأنقرة والدوحة والرياض وعمان من أجل تخريب سوريا ولبنان كما خربوا ودمروا العراق وليبيا والآن فى اليمن الذى تعمل الرياض جاهدة على احتلال باقى مكوناته ، بعد أن ضمت لأراضيها منذ اتفاقية ( سيكوس بيكو ) المشئومة جيزان ونجران وعسير ..! ومع ذلك لم يهدأ لهم بال ، فكان لزاما عليهم أن يأتوا بالحاكم التابع لهم على مر هذه السنين ، فبعد ان أزاحت الثورة بعميلهم عبد الله صالح ، فرضوا على شعب اليمن هادى عبد ربه ، وبرروا عدوانهم السافر وعلقوا شماعتهم على الخوف من المد الشيعى الذى يتمثل فى ايران فى كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن ، هذه زرائع باطلة وأصبحت غير مقبولة ولامنطقية ، وهم يعلمون جيدا عدد الشيعة فى لبنان الذى يفوق عدد أى طائفة أخرى الا أن كل مكونات لبنان بمذاهبها وطوائفها يرتضون بهذا الدستور الذى ينص على أن يكون الرئيس مارونى ، ورئيس الوزراء سنى ، ورئيس مجلس النواب شيعى ، ونذكر بالعرض الذى قدمته الولايات المتحدة على نصر الله أكثر من مرة بتنصيبه رئيسا على لبنان وسوريا فى حالة تخليه عن ايران ، وكذلك العرض الذى حمله " كولن باول وزير الخارجية الأسبق على بشار الأسد فى حالة تخليه عن المقاومة ، ومع ذلك أبى الأثنين القبول بهذه الهدايا المنقوصة ، لأن كلاهما عروبى مقاوم عاشق لبلاده وتاريخها ومقدراتها ..!
اذا كان آل سعود يعطلون كل شيئ داخل لبنان ، يقفون ضد انتخاب رئيس للجمهورية ، وكذلك مجلس النواب الذى اضطر للتمديد له ، وبالرغم من كثرة اللبنانين من 14 آزار الموالين لهم ضد مصلحة وطنهم  بكل مكوناته السنية والمسيحية وعلى راسهم رؤساء بعض الأحزاب ، وكبيرهم " سعد الحريرى " ولا داعى لأستراجاع تاريخ عائلته وأصولها وكيفية نزوحها الى لبنان ، لأننى أعرف جيدا أن 70% من الشعب اللبنانى يعى جيدا هذه السيرة والأسباب التى أدت به للمكوث فى الجزيرة العربية منذ فشل الوزارة التى ترأسها عدة أشهرمغادرا لبنان بعد أن أعلن من موطن أسياده أنه لن يعود الى لبنان الا بطائرة من مطار دمشق الدولى ، وهكذا خيب الله آماله وآمال من احتضنوه ..! فلماذا يحتضنه آل سعود .؟ ولماذا أحتضنوا والده من قبل .؟! هذا ليس مبحثنا اليوم فربما نتناوله فى بحث آخر .
أما عن باقى المنتفعين أمثال " جعجع " حزب القوات وجمبلاط  رئيس الحزب الأشتراكى  والجميل رئيس حزب الكتائب التابعين الخانعين الى كبيرهم وتاج رؤوسهم ، هذا الحريرى ، والتابعون جميعهم الى ملك وأمراء المملكة فهم ينفذون أوامر أسيادهم مقابل المزيد من المال الذى يعد بالملايين خاصة مع أكبر الخونة فى تيار المستقبل " فؤاد السنيورة " الذى أضاع 11 مليار من ميزانية الدولة وحتى الآن لم يحاكم نظرا لميوعة القوانين التى منحت مثل هذا الشخص الحرية حتى الآن وغيره من أمثال وزير العدل الحالى والنائب الهارب " صقر " الذى من المفروض محاكمته بتهمة الخيانة العظمى لبلده ..! ولا ننسى المارونى الكبير " صفير " الذى باع كل شيئ من أجل حفنة تراب لآل الحريرى وكسب رضا آل سعود عليه ، ليبقى على رأس الكنيسة كل هذه السنين .! 
وبالأمس تحدث نصر الله بمناسبة انتصارات 2006 فى الذكرى التاسعة ، وتناول الشأن اللبنانى الداخلى كعادته ، وأكد على التيار المعوج والمتمرد والرافض للحوار مع التيار الوطنى الحر للوقوف أمام انتخاب ميشيل عون رئيسا للبنان ، وقد استفز هذا التيار الآزارى رئيس التيار الوطنى عندما أشاع بأنه سيعمل على اسقاطه حتى لا يتسنى له فرصة الرئاسة للبلاد ، الأمر الذى أدى بعون السرعة فى اتخاذ القرار بالنزول الى الشارع خاصة بعد أن تم التمديد لقائد الجيش جى قهوجى ، والذى حزره عون فى خطاب سابق على خطاب السيد بأربعة أيام من تعرضه للمتظاهرين عند مطالباتهم بالحقوق المشروعة للبلاد ، وكان لزاما على نصر الله فى خطابه ان يوضح جليا لكل من تسول له نفسه فى لبنان وخارجها أن يتعرض الى أى من حلفائه ، وهذه بمثابة رسالة ضمنية الى 14 آزار على وجه الخصوص ..!!
وانا أوجه بالتالى رسالة الى الجنرال ، وأكرر له ما قاله عبد الناصر ( أن ماأخذ بالقوة ، لايسترد الا بالقوة ) ومن الواضح ان هذا التيار قد تمادى فى اللعب بمصير لبنان واللبنانيين مع من يقفون وراؤه ويساندوه دوليا ، خاصة الرياض وواشنطن اللتان سببتا  هذا الفراغ الرئاسى والنيابى كل هذه الشهور، والتى تأخذ البلاد الى مصير مجهول ، أقول لعون اذ لم يتحرك فعلا وينادى بتغير الدستور الذى يقر فيه على المادة التى تكفل للشعب انتخاب رئيس جمهورية مثل كل البلدان العربية التى تتشدق بأنها تطبق الديمقراطية ، عدى دول الخليج والمملكتين الأردنية والمغربية اللتان مصيرهما الى زوال هذا النظام الملكى عن قريب ، وليس ذلك ببعيد عن الخليج بأسره ، على الجنرال أن يطالب بعمل استفتاء شعبى على تعديل الدستور ، وكذلك على قبول ترشحه لرئاسة الجمهورية ، وأنا متأكد اذ لم يكن ذلك مائة بالمائة ، فلا يقل عن 85 % داخل وخارج البلاد ، ولا يفوت علينا أن الأكفاء والأمناء والشرفاء كثر ، فهاهو الرئيس (اميل لحود ) الزلمة الحقيقى الذى أعطى الكثير ولم يأخذ الا الفتات وتتضامن قلبا وقالبا مع المقاومة وما زال ، وهاهو الفرق بينه وبين " ميشيل سليمان " لا غرابة فى أن يكون بيننا وفى عصرنا وفى عصور سابقة وفى عصور قادمة أزلام وأقزام ، والفرق كبير ومتباعد بعد المشرقين بين الأثنين فى المفهوم والماهية ، وهاهو حسن نصر اله الذى يتوافق فى الكثير من صلابة وحماسة وكبرياء وشماخة جمال عبد الناصر فى وقوفهما أمام الغطرسة الصهيوأمريكية التى قال لهما عبد الناصر بعد تأميم القنال ( من لايعجبه أن يشرب من البحر الأبيض ، فليشرب من البحر الأسود ) هذه أقوال لا يتفوه بها الا المناضلين المقاومين الحاملين رؤسهم على أكتافهم ، هكذا كان لنصر الله كثير من هذه الأقوال التى قيلت فى مناسبات مختلفة وهكذا كل ثوار العالم الأحرار ، هاهو كاسترو الذى مازال حيا يرزق حتى اليوم وقد أطال الله فى عمره ليرى بأم عينه انهزام الولايات المتحدة وانتصار كوبا ، وهاهو رفيق دربه جيفارا الذى ما زال يحمل اسمه كل أطفال وصبيان وشباب هذا العالم متفاخرين محاولين التنشبه به ، وعن قريب كان شيفيز الناصر كما لقبته قناة الميادين ، ثار وناضل كل أنواع القهر الأمريكى ووقف جوار كل الشعوب المقهورة والمظلومة والتى تنادى بالحرية ، والأمثلة كثيرة فى التاريخ القديم والحديث لمن يعشقون الحرية والعدل والمساواة ولشعوبهم والوقوف جانب الحق .!                          لبنان ستنتصر وسترفع الرايات ابتهاجا بعد أن استطاعت مقاومتها القضاء على كل التكفيرين الذين كانوا يحلمون بالعبث بها كما عبثوا بالعراق وسوريا وليبيا واليمن وهناك بوادر بمصر وتونس والجزائر والمغرب ودول الخليج التى لا تبعد عن تفكيرهم والرغبة الشديدة فى رفع رايتهم عل الكعبة الشريفة ، ومع كل هذا مازال حكام العرب فى غيهم لا ادراك لديهم بما يخطط لهم أمام أعينهم ، يظنون أن تحالفهم مع واشنطن أوتل أبيب سيعفيهم من دخول داعش عليهم وتجزئتهم مازالوا يعيشون الوهم الصهيوأمريكى ولا عجب فى أن أول من ينادى بهذا االتجزئة لكل البلدان العربية هى اسرائيل حليفة الرياض والدوحة والرباط وعمان ، انهم مازالوا فى سكرتهم يعمهون .! 

Dr_hamdy@hotmail.com

أصحاب الياقات البيضاء الأفنديات/ أشرف دوس‏

لم يجد أي حزب شيئا مفيدا ونافعا من الممكن أن يقدمه للوطن أو المواطن المصري سوى المماطلات والأعذار والحجج الواهية والكلام الوهمي.. ومن ناحية أخرى تدرك الأحزاب في معظمها أنها لا تمتلك أي شعبية تستطيع البناء عليها أو أن يكون لها صوت وكلمة مسموعة في البرلمان القادم  وفى رحلتهم للبحث عن مرشحين لهم في الدوائر يعانون الأمرين بعد أن اكتشفهم الشعب جميعا وأدرك مدى حجمهم الطبيعي وإنهم أصبحوا عالة سياسية على الوطن أصحاب الياقات البيضاء الأفنديات.. فعندما تمتنع الأحزاب عن الدخول إلى المعترك السياسي في الطريق إلى البرلمان فلا يتبقى على الساحة سوى حزب النور والذي يمثل الإسلام السياسي ونعيد 25 يناير 2011 من جديد وتشتغل المؤامرة ثاني 
و أعتقد أنه في هذه المرحلة يجب على كل كاتب أن يكتب رأيه بشفافية ووضوح   احترما لقلمه وتقديرا لقراءة.أما انتخابات مجلس النواب فإن مرور عام كامل على تولى الرئيس دون الدعوة للانتخابات يمثل إما قصورا أو تكاسلا ولا مجال للتمسح بالقوى السياسية أو الأحزاب فواقع الأمر والمنطقي والبديهي يقول أن الأحزاب في كل بلاد الدنيا تختلف من حيث توجهاتها وأرائها وهذا لا يمنع من الدعوة للانتخابات أما الفشل في إصدار قوانين دستورية فهذا أمر يستحق الدراسة وتتحمل مسئوليته السلطة التنفيذية التي تمارس التشريع لحين إجراء الانتخابات البرلمانية .

وداعا أخر الرجال المحترمين/ اشرف دوس

فقدنا فنانا متميزا مؤمنا برسالة الفن النبيل في النضال ..نور الشريف مثال للتواضع و الثقافة و الإحساس المرهف و الإبداع..من منا يمكن إن ينسي  ادائه المتميز و إحساسه الصادق  في هارون الرشيد و ناجي العلي و الرحايا و عمر ابن العزيز و الحاج متولي و الكثير من أعمالة الراقية...فنان غير مدع نبيل في تعامله صادق و يحترم الجميع .تاريخه طويل ومشرف من العطاء الفني و الانسانى  ، جزء من الأسرة المصرية فتحس انه أخوك والدك وصديقك المقرب تتمني الحديث معه في مشاكلك اليومية و همومك وأنت واثق بأنك ستجد عنده الحل و يقدمه لك ببساطه و صدق و عفويه لا مثيل لها   وتشعر بعد رحيله بأننا فقدنا  احد أعمدة الفن المصري و لكن أعماله خالدة علي مر العصور تروي لنا قصه فنان مصري جسد بأروع أداء حياتنا أليوميه في كثير من أعماله و ناقش معظم مشكلاتنا أجاد فى كل الأدوار بعبقرية قل إن نجدها في غيره من الفنانين فقدنا قامة فنية ستظل رمزا لأصالة الفنان  وقدوة للأجيال القادمة من الفنانين  ......لكنه الواعظ الصامت هاذم اللذات ومفرق الجماعات - الموت - ذلك الكأس الذي لابد للكل أن يشربه هو من خطفه من بيننا والعزاء الوحيد أنه رغم فناء الأجساد إلا أن الأعمال تبقى خاصة إن كانت في عبقرية تراثه الفني اللهم ارحمه رحمة واسعة والهم أهله الصبر والسلوان
وداعاُ يا من قدمت للسينما وجوهاً مضيئة وقدمت عمرك إنارة للفن والقيم والمبادئ وداعا

عجباً!/ سعيد ب. علم الدين

ولماذا الأوروبيون رغم مقدرتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية الهائلة لا يحلمون باستعادة امجاد إمبراطوريتهم المسيحية المقدسة؟ 
عندما تنضج الشعوب، وترقى اجتماعيا، وتسمو انسانيا، وتتحضر مدنياً، تصبحُ واقعيةَ التفكير، تعمل من خلال العقل والمنطق في حل المشاكل وتذليل الصعاب خدمة للمجتمع، وتتعاطى بالدبلوماسية تحقيقا لطموحاتها السياسية والاقتصادية.
أما عندما لا تكون ناضجة، واجتماعيا فاشلة، وانسانيا ساقطة، وفي مشاكلها غارقة، فإنها تصبح ماضوية، تجهل وتحلم وتهذي وتهرطق.
ولأن شعوبنا الإسلامية هي شعوبٌ دينيةٌ عاطفيةٌ حماسيةٌ مُخدَّرةٌ بسجع الكلمات ونغمِ الآيات ومتخلفةٌ الى درجة أنها لم تخرج بعد من قوقعة سقيفة بني ساعدة بكل كوارثها التي ما زالت تلاحقنا حتى هذه اللحظة، المغرومةُ بأمجاد الماضي حاضرا يلاحقُها مستقبلا، فيقض مضاجعها واقعا مريراً، متخبطةً في مستنقعٍ أسنٍ من المشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية، منتشيةً بعد كل ذلك بثقافة موتٍ سوداوية مهيمِنَةٍ على حياتها كرسَها الدين في عقول الملايين كيقين ما بعده يقين لا يحتاج لا الى فكر ولا أدلةٍ ولا براهين.
ولهذا ستظل وللأسف التواريخ الاسلامية بمحطاتها المأساوية وفتنها المذهبية الدموية تُستغلُ من قبل أصحاب النوايا السيئة الماضويين الحاقدين الثأريين، تستولد نفسها كربلائياً وتتكرر ويلاتها ومجازرها إنسانيا، إلى أن يتم الفصل التام والقاطع والنهائي بين الدين والسياسة. وردا على القول " الاسلام دين ودولة"، الذي لم يجلب للمجتمعات إلا الغوغاء والتخبط في ظلام الليل. أقول : فصل الدين عن الدولة هو الحل، وإلا لن تقوم لنا دول تحترم الحرية والعقل، وسننتقل بالحروب والمآسي على من فصل الى فصل ، الى أن نغرق نهائيا ونستكين في مستنقعات من الكوارث والفتن والنزاعات والجهل. 
ولا بد أن نصل حتما ومهما طال المطال الى مرحلة الفصل، ليصبح عندها الولاء للوطن هو الأساس في وحدة المجتمع، وليس للدين والطائفة والمذهب والقومية والعرق الذي يفرق أبناء الوطن الواحد شيعا وطوائفَ ويحولهم الى مجموعات متناحرة على جنس الملائكة، متصارعة على السلطة، مما يفسح في المجال للمصطادين في الماء العكر للدلو بدلوهم لإذكاء نار الفتن وبث السموم والشاعات وشراء الذمم مما يؤدي الى تفكك الدولة وعدم استقرارها، كما هو  الحال في العراق اليوم .
عندها سيترحم الناس على بطش الدكتاتور الدموي الذي كان قد فرض الأمن والاستقرار ليس من خلال حكمته ورشده، وانما من خلال  سطوته المطلقة وبطشه وعلى الجميع بقوة السلاح وتكميم الأفواه.    
ولكن هل من الممكن أن يتم هذا الفصل التام والقاطع والنهائي في مجتمعاتنا الاسلامية الغارقة في مستنقعات الغيبيات الدينية، وكأنها حقائق مادية، كما هو حاصل وبنجاح تام في كل المجتمعات الغربية؟
هنا سنجد صعوبة كبيرة في بعض المجتمعات المنفتحة قليلا على الحداثة والحضارة كالمصري والجزائري والتونسي، ولكن كيف بمجتمعات منغلقة دينيا على نفسها ومنغمسة في جهلها وتخلفها كالسعودي والإيراني! 
وما دام المسلمون يحنون الى أمجاد الماضي التليد، ويحلمون باستعادة دولة الخلافة، مرضى تطبيق الشريعة البالية وفرض الغيب من خلال الحكام على الشعب، فلن تنجح كل محاولات فصل الدين عن السياسة. 
وتركيا أكبر دليل على عودة الاسلام السياسي بقيادة أردوغان لاستعادة أمجاد بني عثمان. إلا اننا على ثقة تامة بأن العلمانية التركية ترسخت ولها جذور ضاربة في المجتمع وهي أقوى من كل الأحلام العبثية. ولا شك ان الفضل بوصول حزب اسلامي الى السلطة يعود للنظام الديمقراطي والعلماني.
عجبا ولماذا الإنكليز لا يحلمون ولا يعملون لاستعادة أمجاد امبراطوريتهم التي لم تكن الشمس لتغيب عن أطرافها المترامية حول العالم؟
لأنه وكما اسلفنا سابقا عندما تنضج الشعوب، وترقى اجتماعيا، وتسمو انسانيا، وتتحضر مدنياً، تصبحُ واقعيةَ التفكير، تعمل من خلال العقل والمنطق لبناء المجتمع واسعاد الانسان.
هذا رغم أن الامبراطورية الانكليزية في أوج توسعها كانت أكبر بكثير من كل الدول الاسلامية في عز توسعها. مع ذلك نرى الانكليز اليوم سعيدين جدا بجزيرتهم الصغيرة، ولا يوجد حزب او فئة بريطانية تطالب بالعودة الى أمجاد الماضي التليد. 
وفي رجوع الى الدين فلماذا الالمان والطليان لا يحلمون ولا يعملون لاستعادة امجاد الإمبراطورية المسيحية المقدسة للأمة الجرمانية والتى امتدت لأكثر من 800 سنة وبلغت ذروة قوتها ومجدها العسكري خلال العصور الوسطى باحتلال القدس وبلاد الشام والأناضول في الحروب الصليبية ، وشكلت مع البابوية الكاثوليكية واحدة من القوتين العالميتين، حيث كان البابا يتوج أباطرتها. الذين يخضعون لأوامره ممثلا لله على الارض. اي كان البابا هو الرئيس الفعلي لهذه الإمبراطورية الدينية المقدسة في تداخل بين الدين والسياسة كما يحدث في بلادنا الاسلامية اليوم. حتى أن الامبراطور كان ينتظر اياما ذليلا أمام باب الفاتيكان حتى يأذن البابا لاستقباله. كما يحدث اليوم في ايران حيث الخامنئي هو ممثل الله ورئيس الجمهورية روحاني موظف صغير بين يديه.   
هذه الخلطة في الحكم عرفها الأوروبيون وجربوها ونبذوها ونحن اليوم نتمسك بها ونحارب ونقتل ونغتال ونذبح الأبرياء ونفجر المساجد لفرضها على شعوبنا على سبيل المثال:
ولاية الفقيه في ايران، ودويلة داعش، ودولة طالبان، ودولة الإخوان في مصر، ودولة الحوثيين، ودويلة حزب الله، وحركة الشباب في الصومال، كلها وجوه بائسة لأساليب حكم اسلامية سياسية سنية شيعية مفلسة وفاشلة وجاهلة وبائدة. 
وبعد 35 سنة من حكم ملالي إيران الاستبدادي القمعي بفرض اللباس الشرعي على النساء بمواصفات هم قرروها، إلا انه وبتحدن لرجال الدين فإن العديد من الإيرانيات بتن يرتدين حجابا خفيفا بالكاد يغطي شعرهن وثيابا ضيقة بدلا من المعطف الطويل أو التشادور التقليدي. 
ولم يُصَدر الملالي من ثورتهم المبجلة بالآيات إلا الفتن والموت والإرهاب، وصاروا مع الاستكبار العالمي الذي اعلنوا الحرب عليه بعد توقيع الاتفاق النووي أحلى اصحاب.
يغفل كل من يعمل على استعادة الخلافة على صعيد السنة والإمامة على صعيد الشيعة، انه قديما كان من الممكن بناء تلك الدول على أساس ثقافة الموت، أما اليوم فإن الناس وفي كل انحاء العالم يريدون ثقافة الحياة بكل ما تحمله هذه الثقافة من حرية شخصية وسعادة وابداع للانسان وتقدم للدول. 
منذ اكثر من 30 سنة وحزب الله يجهد في لبنان للهيمنة على الدولة ومؤسساتها من خلال عمليات الاغتيال وتوزيع الأموال والقمصان السود و7 ايار ، وكل ذلك لفرض وصايته بثقافة الموت على الشعب اللبناني. الذي يواجهها بثقافة الحياة من خلال مهرجانات فرح وغناء ورقص تعم كل الأراضي اللبنانية . 
نجح حالش في الهيمنة على الدولة. والنتيجة نراها اليوم في تحويلها الى مزبلة. 

قهوتي لا تعرف الكذب/ محمد الديراني

قهوتي لا تعرف الكذب
فقد أخذت  من هزيع ليلي تواشيح الكبرياء
وافترشت هالها لتنام 
بعد ان أنهكها جمر الانتظار 
لتعود من جديد 
صباح يلفه الصمت
بضجيج العناء
وتنتظر اول رشفة
من شفاه تلهث الجفاء
تشكو الى فنجان تعب 
قهوتي لا تعرف الكذب   

سخر دعبل الرائد وحلم المأمون القائد ، ظاهرة لم يكررها التاريخ العربي كلّه/ كريم مرزة الأسدي

3 -أ - سخر دعبل الرائد وحلم المأمون القائد ، ظاهرة لم يكررها التاريخ العربي كلّه
 3 - ب - الساخر المناضل دعبل أغاظ العقاد ، فما أنصفه ، ولا كان عادلا..فسار على نهج من قبله، والسخر الجريء من أرقى الفنون الإنسانية،ودعبل رائده العربي  !!

الحلقة  الثالثة ، أ - ب  

ملاحظة :
 هذه الحلقات عن دعبل وسخره ليست مقتبسة من كتابي الموسع عنه ( دعبل الخزاعي الوجه الآخر للشعر العربي) ، معلومات أخرى ، وصياغة أخرى ، ولم أرجع إليه لبعثرة أوراقه ورداءة خطّي المستعجل ، وضعف بصري الشديد ، ومبدع  كلّ جديد!!! ( الكتاب 600 صفحة)
1 - كلمة لا بدّ منها !!: 
عكس ما يقوله أستاذنا العقاد  الكبير تماماً ، مدح دعبل وحبّه هو الّذي جرّه للسّخر والْهجاء والبغضاء ، وليس العكس ، أي الموقف هو الذي  جرّه ، وليس هذا طبعه وتطبعه،   وبالتالي ليس أيضاً  كما يقول عن دعبل  " هو في تكوينه كلّه قصيدة هجاء حيّة " ، دعبل  ، نصف قصائده مديح وليس بهجاء ، وهجاؤه معظمه سخر ، وجاء بعد الموقف ، وشتان بين الغرضين ،وكان كريماً جريئا شجاعاً وهذه الصفات من المحال أن تجتمع مع اللؤم  والبغض والخبث   ...!! 
دفاعي عن دعبل دفاعي عن فن السخر ، وعن نضاله المرير على درب حرية فكره وعقيدته  وإنسانيته  ، وليس لوجهة أخرى   ، الأمم المتحضرة تقدمتنا بأشواط وأشواط في هذا المجال ، وتقديسنا للحكام ، وعدم الأخذ بالرأي الآخر  أوصلنا لما نحن عليه ، وإن كان عصره ذهبياً  - كما ينعت - فهو ذهبي بكل جزيئياته ، ودعبل أحد رموزه الكبار  !! 
 2 - المدخل :
للدخول لظاهرتي سخر دعبل اللا معقول وحلم المأمون اللامحدود !! ، نذكر ما رواه ابن خلكان في ( وفيّات أعيانه )  : 
 " دخل إبراهيم على المأمون فشكا إليه حاله، وقال: يا أمير المؤمنين، إن الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك علي وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه، فقال المأمون: ما قال لعل قوله : نعر ابن شكلة بالعراق... ... وأنشد الأبيات، فقال : هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح من هذا، فقال المأمون: لك أسوة بي فقد هجاني واحتملته، وقال فيَّ :  
أيسومني المأمون خطة جاهل *** أو ما رأى بالأمس رأس محمد
إني من القوم الذيــــن سيوفهم  *****  قَتَلتْ أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ** واستنقذوك من الحضيض الأوهد 
فقال إبراهيم : زادك الله حلماً يا أمير المؤمنين وعلماً فيما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك ولا يحلم إلا اتباعاً لحلمك .
وأشار دعبل في هذه الأبيات إلى قضية طاهر بن الحسين الخزاعي - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وحصاره بغداد، وقتله الأمين محمد بن الرشيد، وبذلك ولي المأمون الخلافة. والقصة مشهورة، ودعبل خزاعي، فهو منهم، وكان المأمون إذا أنشد هذه الأبيات يقول: قبح الله دعبلاً فما أوقحه ، كيف يقول عني هذا وقد ولدت في حجر الخلافة ورضعت يديها وربيت في مهدها ." (18)
إبراهيم هذا هو إبراهيم بن المهدي ، أخو الرشيد وعم المأمون ، كان قد تولى الخلافة بشكل غير شرعي لمدة سنتين في بغداد حين كان المأمون في خراسان ،وتتبعه المأمون حتى هرب واختفى لمدة عشر سنوات حتى عفا عنه المأمون ، ويدعى ابن شكلة ، وهذا اسم أمة ، هجاه وسخر منه دعبل كثيراً ، ستأتي لك الأخبار ما لم تزود. ، وستأتي أخباره مع المأمون ووزرائه في الحلقة القادمة .
3  - نحن أمة تؤرخ للحكّام ، وتسخر من عبقرية أفذاذها وشعبها!!  
جُل العرب يعتبرون السّخر - وأنا أعني من العام - عيباً ، ومن صغائر الأمور ، وخبث اللسان ، وسوء الطبع ، وربما من أوجه الحرام ... ويجب أن لا يقضوا الوقت الثمين بالسخر المشين ، كما يحسبون ، ولا يعقلون  !!  وهم يكيلون السباب والشتائم والهجاء المقذع ، ويفتخرون بالسيف والطعن والرماح  ، ويتباهون  بالدمار والقتل ، ويزايدون عليه ، فيما بينهم لا على أعدائهم  ، ويبتهلون إلى الشيطان بأسماء شتى ليبارك لهم أعمالهم الشريرة ، أو الغافلة المغفلة ، إذ هم يمرّون بسبات عميق منذ آمد بعيد ، ودهر سحيق ، وعلى عكس ذلك تعتبر الأمم المتحضرة السخر من أرقى الفنون الإنسانية حتى أنهم يتطاولون على رؤسائهم وزعمائهم ورموزهم وأعلامهم ، ويعبرون إلى ذاك الصوب ، فالسخر عندهم من أبواب الإصلاح ، والنقد الذاتي ، ويؤدي دوراً فعالاً ومهماً في تخطّي سلبيات عديدة ، ودواهٍ عظيمة ، ولكن وقت الجد جد ، والعباقرة الشعراء جدهم جدّ ، وهزلهم وسخرهم جد .  
   ومن المدهش العجيب أنّ كتاباً معاصرين كباراً كالعقاد وأمين وفاخوري .. - ناهيك عن معظم المؤرخين وكتاب تاريخ الأدب والنقاد القدماء - لم يتعمقوا بحيادية  منصفة لمصلحة الأمة ومستقبل أجيالها عند دراسة شعر دعبل وحياته ، وظاهرة سخره الفريدة في تاريخ الأدب العربي ، بل نضاله المرير،  وركله  ولايتين بقدميه إحداهما في عهد الرشيد الهارون سنة 176 هـــ ، والثانية في عصر المأمون سنة 201 هـ ، ربما لأسباب مذهبية ، أو لمصالح شخصية بالنسبة للقدامى ، ومثلها ظاهرة المأمون ، وموقفه المتميز بحكمته وحنكته ورويته وبعد نظره  من الأحداث كلّها ، ومن بينها السخر والهجاء والتهكم والإزدراء ، أقول هذا ، وأعني  كلّ الحكّام العرب على امتداد سلطاتهم وسلاطينهم    من الأولين والآخرين ، وأستثني عصر صدر الإسلام  ، وبالطبع انصفوا المأمون ولكن ليس بالتمام لأن أمه مراجل الفارسية وليس قبيحة التركية ، وقبيحة لشدة الجمال ودفع عين الحسد  ، وبعين الحاسود عود !! ، ما أحمق هذا الفكر المنحاز لغيره بسذاجة وجنون ، يجب أن يتمتع الكتاب بحيادية تامة لمصلحة الأمة وأجيالها ، وهذا الانحياز غير المسؤول ،وجعل أمتنا  بدرجة أدنى - وهي صاحبة الخلافة وأساسها - أوصلنا إلى هذه الصراعات الطائفية الرهيبة   !!
4  - أمّا الأستاذ العقاد الكبير وتبعه الفاخوري  ، فربما دون دراسة متمعنة ودراية تامة به - كغيرهما - تبعا الأولين ، فكسرا بدعبل دون وجه حق !!
يقول الأستاذ العقاد الكبير عن دعبل : " ولد ليذم ويبغض ، ويصل إلى المدح والحب عن طريق الذم والبغضاء ، وهو في تكوينه كلّه قصيدة هجاء حيّة ، تلقى الناس أبداً بالتجهم والعبث والشذوذ . "  ، ينقل الأستاذ حنا فاخوري في ( تاريخ أدبه) المقولة (19) ، ويزيد متأثراً بالأستاذ العقاد دون تمحيص و تأمل ، بل استشهد ببيت دعبل الشهير الذي استشهد به العقاد نفسه في كتابه عن ابن الرومي ، كما سنرى من بعد  ، والبيت الرائع   :
إنّي لإفتح عيني حين أفتحها *** على كثيرٍ ، ولكن لا أرى أحدا !
ومن العجيب أيضاً أن يضع علامة التعجب ، ويزيد معقباً " وقد جمع إلى بغضه للناس جفاء في الطبع، فقضى سواد أيامه يذرع الآفاق مشرّداً تحت كل كوكب ، في صحبة الصعاليك وقطّاع الطرق واللصوص  ، وطوى أكثر عمره متخفياً متوارياً عن العيان ، خشية أن يقع في قبضة أحد الكبار الذين هجاهم ." (20) ، وفي الصفحة التالية من كتابه ، يعلل أسباب الهجاء ، إما لسوء الطبع ، أو للتكسب ، وقد ينحو به نحواً جديداً ، فيجعله هجاء سياسياً . 
، لا أعرف كيف ارتكز الأستاذ فاخوري على بيت حكيم لمجرب ، من أروع أبيات الحكمة العربية ، ليجعل منه دليلاً على النفس الشريرة والطبع السيء الخبيث الذي يكره الإنسانية  ،ولكن  ألم يقل العرب منذ القدم ثلاثة من المحال، الغول والعنقاء والخل الوفي ، نعم رأي دعبل المجرب هو الصحيح والأصح  ، عند الضيق الأمني والاقتصادي والاجتماعي  من الصعوبة بمكان أن تجد صديقاً وفياً ، وكلما تكبر المصائب ، يقل المساعد ، وقد  قال المتنبي العظيم  ذات يوم :
وحيد من الخلان في كل بلدة *** إذا عظم المطلوب قل المساعد
على كلّ حال بيت واحد لدعبل - وهو رائع -  لا يمكن بناء عليه موقفاً من شاعر معارض عملاق ، لأعظم خلفاء بني الدنيا في عصرهم ، هذا مجرد كلام عابر ، لايمكن أن يركن عليه كحجة على الرجل إلا بالجور  !!!     
والحقيقة ما كان بودي أن يأخذ البحث هذا المنحى ، لأن مكان ولادتي ، وربيع نشأتي المبكر ، ربما قد تجرفان أذهان بعض القرّاء الكرام إلى نواحٍ لا أرغب ولوجها في مثل هذا العصر المتأزم الخانق  بالأفكار الضيقة الصغيرة ، ولكن لأهمية موضوع السخر ، وفنه العظيم الراقي ، ونحن أمة لم نتعوّد عليه جبراً تحت طائلة جور السلاطين ، ولآنني أقف أمام الرائد الأول لهذا الفن النبيل الجريء المقدام ، وأمام ناقد عربي عملاق ، كان واجباً علي الرد حسب دراساتي المتواضعة وبحوثي ورؤيتي وتفهمي !!!    
بدايةً لا أعلم السبب لماذا أستاذنا العقاد قد أنصف ابن الرومي بمؤلف رائع جداً حتى الانبهار ،بينما حاول جاهداً - مثل غيره قديماً وحديثاً - أن يقبح وجه دعبل ، ودعبل ( 148 - 246 هـ) ما سخر وهجا  - غالباً -  غير السلاطين العظام وأعوانهم دون العامة ، أما ابن الرومي ( 221 - 283 هـ) ، وهو تلميذ دعبل ، ومنه تعلم السخر والهجاء ، فقد سخر وهجا العامة كالأحدب، وابن يوسف فحل التوت   ، وأبي حفص الوراق ، وعيس البخيل وغيرهم من أصحاب القفى والأقفاء والعنانين  ، سنأتي عليهم في حلقة أخرى كصور فنية رائعة ، ولكن هؤلاء غير الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل ... وووو  ،فابن الرومي كان يخاف من الرؤساء ، وقالها بعظمة لسانه :
 لا أقذَعُ السلطانَ في أيامه ***  خوفاً لسطوته ومُرِّ عقابِهِ     
 والمعري قد ساوى بينهما في الهجاء :
لو أنصف الدّهر هجا نفسه *** كأنه الرومي أو دعبلُ
 لأيم الله ما قصر المعري العظيم ، هذه هي الدنيا أمامكم ، وهؤلاء هم الحكّام المستكبرون ، والمحكومون المستضعفون ، فمن الإنصاف أن يهجو الدهر نفسه ، لأنه يضم هؤلاء وهؤلاء ، إذن   ، لماذا  يستقبحون دعبلاً على سخريته منهم ، وهذه رؤيته ، وهذه عقيدته ؟!!
 3 - ب - الساخر المناضل دعبل أغاظ العقاد ، فما أنصفه ، ولا كان عادلا..فسار على نهج من قبله،والسخر الجريء من أرقى الفنون الإنسانية ، ودعبل رائده العربي  !!
5 - دعبل على عكس مايقوله العقاد تماماً :  
رجاء على مهلكم معي ، لم أزل لم أصل للنقطة المهمة !! تأملوا جيداً لقول الأستاذ العقاد  -  رحمه الله - عن دعبل  : " ولد ليذم ويبغض ، ويصل إلى المدح والحب عن طريق الذم والبغضاء "  ، ما كان منصفاً أستاذنا في هذا القول أبداً ، العكس تماماً هو الصحيح ، دعبل وصل للسخر والذم والهجاء عن طريق الحب والولاء والموقف ، ولا أعرف كيف فات الأمر على العقاد ؟ وهو من هو في البحث والتقصي ، والتأني في الأحكام .
على كلّ حال  يقصد العقاد  بالمدح قصيدة دعبل  التائية الشهيرة ( مدارس آياتٍ )    في مدح آل البيت ، والتعلق بحبهم  ( 121 بيتاً) ، وهي أطول قصائده المتبقية  ، وأنشدها أمام الإمام الرضا سنة 201 هـ ، ومن بعد أمام المأمون نفسه،  ثم أردفها بقصائد مدح عديدة !!، ومن أبيات التائية الشهيرة :
تجــــاوبن بالأرنــــان والــــزفــــراتِ * نــــوائــــح عجــــم اللفـــظ والنطقاتِ 
يخبرن بالأنفــــاس عـــــن سر أنفسٍ * أســــارى هــــوى مــــاضٍ وآخر آتِ 
فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضـــــــتْ * صــــفوف الدجــــا بالفجـر منهزمـاتِ 
على العـــــرصات الخاليات من المها * سلام شــــــج صبٍ على العرصــــات
فعهــــدي بها خــــضر المعاهــد مألفا * مــــن العطراتِ البيضِ والخفـــــراتِ 
ليــــالي يعــــدين الـــوصال على القلا * ويعــــدى تــــدانينا عــــلى الغــرباتِ 
وإذ هن يلحظــــن العــــيون ســـوافرا * ويستــــرن بالأيـدي عــــلى الوجنات 
وإذ كــــل يوم لي بلحــــظــــي نشــــوة * يــــبــــيت بــــها قـــلبي على نشوات 
فــــكم حــــسراتٍ هـــــــــاجها بمحسر * وقــــوفي يوم الجـــــــمع مــن عرفات 
ألــــم تر للأيام مــــا جــــر جــــــورها * على الناس من نقص وطــــول شتات؟ (21)
  نعم هذا مقطع من قصيدة مدح ، وهي أطول وأشهر ، وأجمل فصائد شاعرنا الدعبل ، وهي القصيدة الموقف- موقفه - ، أنشدها أمام الإمام الرضا وعمره ثلاث وخمسون سنة ، قبلها لم تكن  هنالك قصيدة سخر وهجاء للخلفاء العباسيين ، بربك هذا الشعر الرقيق العذب الذي ينساب كالماء الزلال ، ترتوي منه ، وتطلب المزيد والمزيد  ، هل تجد بين بواطنه نفساً شريرة ، أو خبث لسان ، أو شحن بغضاء ، الشاعر نفسه ، وله من المقاطع ما يماثله ، وسنورده لإثبات الحجة. ونحن نريد من خلال الشاعر أن نبين أن السخر والنقد لتقويم مسيرة الأمة ليس بخبث وطبع شريروبغضاء ، وإنما غاية نبيلة صادقة، واختلاف الآراء ظاهرة صحية بتفاعلها وتلاقحها ، تتطور المجتمعات ، وتزدهر الحضارات .وهذا لا ينفي الهجاء الفاحش - ولا أقول السخر -  في شعر دعبل كغرض من أغراض الشعر العربي ، ولكن لا أقر الهجوم الفاحش الذي تسرب من أعماق التاريخ لتبرئة الحكّام وأعوانهم لأسباب عدّة منها المذهبية والمصلحية وحتى الفقهية على حساب الفن والنقد والمعارضة وألسنة الشعوب الحرّة !! وجرأتي وواجبي وحقّي  ، ولمصلحة التاريخ والأمة ، أدع ما يُقال لمن يقول !!         
وأقول قبل هذا التاريخ  لم نعثر على أي قصيدة تسخر من المنصور أو المهدي أو الهادي أو الرشيد أو الأمين أو المأمون ممن عاصرهم قبل هذه  التائية ، بل حتى بعدها بسنتين إذ  مقتل الإمام الرضا 203 هـ .   
  إذن على عكس ما يقول الأستاذ العقاد بالضبط  ، ولكن بعد أن أُتّهم المأمون بسم الإمام الرضا وقتله  ، ودفنه بجنب أبيه هارون الرشيد في طوس ( سنة 203 هـ ) ، للتغطية على فعلته النكراء - كما يعتقد الشاعر - ، فقال قصيدته  الرائية الشهيرة ( يا أمة السوء ) ، وهي تكاد تكون أول قصيدة هجاء ،وسخر  من العباسيين ومأمونهم ، ورجّس هارونهم فيها  ، كرهاً واستهزاء بفعل ابنه ، وإلا فالرشيد هو الذي استدعى دعبلاً من الكوفة  وأكرمه  وأشهره ، وولاّه ولاية سمستان في بلاد فارس 176هـ واستقال منها غير نادم ولا مبالٍ ، نعم نظمها لأسباب عقائدية ، ووجهة نظر معارضة للحكم ، ثم توالت قصائد السخرية والهجاء ، وهذاحقٌّ فكري وفني وعقائدي تقرّه كل القوانين والشرائع الإنسانية  ، إذن لا لسوء طبع أو خبث لسان ، أو ولد ليبغض ويذم !! كيف  ، لا أتفهم هذه الكلمة العنصرية ؟!! ، هذه كلمة يجب أن لا تصدر من رجل كبير بوزن الأستاذ العقاد ومن أمثاله  ،   وإلا لما مدح الوجه الآخر من قبل سخره وهجائه ، بمعنى آخر لتوضيح الصورة بشكل أدق ، دعبل شرع بالسخر من العباسين  وهجائهم بعد 203 هـ ، وهو من مواليد سنة 148 هـ ، أي عندما أصبح عمره  خمسة وخمسين عاماً ، نعم ربما سخر من إبراهيم بن المهدي قبل ذلك بسنتين ، إذ تولى الخلافة بشكل غير شرعي ما بين (ذي الحجة 201 - ذي الحجة 203 هـ ) ، وما سخر منه لحقد أو بغضاء ،  وإنما لأنه كان مغنياً ، واستفلست الخلافة في عهده ، وصار الناس في هرج ومرج ساخرين منه ، هازئين به  ،  وسنتأتي على السخرية منه ، والآن نحن بصدد ( يا أمّة السوء ) :  
تأسَّفَتْ جَارتي لمَّا رَأْتْ زَوَري ******** وعدَّتِ الحلمَ ذنباً غيرَ مغتفرِ
تَرجُو الصِّبا بَعدمَا شابَتْ ذَوَائِبُها **** وقدْ جرتْ طلقاً في حلبة ِ الكبرَ
أَجارتي! إِنَّ شَيبَ الرَّأْسِ نَفَّلني *** ذِكرَ الْغواني، وأَرضاني مِنَ القَدَرِ
لو كُنتُ أَرْكُنُ للدُّنيا وزِينتِها *****إِذنْ بكِيتُ على المَاضِينَ مِن نَفَرِي
يا أُمة َالسُّوءِ ما جازَيتِ أَحمدَعن** حسنِ البلاءِ على التنزيل والسُّورِ
خلفتموهُ على الأبناءِ حيـــــن مضى **خــلافة َ الذئب في أبقار ذي بقرِ
أرى أميــــــة َ معذورينَ إنْ قتلوا *** ولا أرى لبنــي العبـاس منْ عذرِ 
قٌبرانِ في طُوسَ : خيرُ الناسِ كلِّهُم ** وقَبْرُ شــــرِّهُم ، هذا مِــــن الْعِبَرِ
ما ينفعُ الرجسَ منْ قربِ الزكيَّ،وما *على الزكيَّ بقربِ الرجسِ منْ ضررِ
هيهاتَ كلُّ امرىء ٍ رهنٌ بما كسبتْ *** لـــــه يَدَاهُ ، فَخُذْ مَا شِئْتَ أَو فَذَرِ(22)
هذه عدّة أبيات  من القصيدة ، ويمكن أن يرجع إليها من يشاء ، وتعد من روائع شعره ، وهي أول قصيدة هجاء للعباسيين ، وسخر من المأمون .
 والقصيدة كما تقرأون يبدأها بنسيب رقيق لرجل ضحك المشيب برأسه فبكى ، عازف عن الدنيا ، يخاطب فيها أمة السوء ، ويعني بني العباس لخروجهم عما ورد في القرأن الكريم بمحبة آل البيت ، ونقضهم للعهد إذ قامت الخلافة باسم الرضا من آل البيت حتى أنه عذر الأمويين مقارنة بما فعل بني العباس ، وهذه رؤية عقائدية ، لا تنم عن حقد شخصي ، أو خبث لسان ، ومن ثم يسخر من فعل المأمون لدفنه الإمام الرضا بجوار أبيه هارون الرشيد للتغطية والتمويه حسب وجهة نظره ، وهو معاصر للحدث ، بل عاشه ، ويعرف كل أسراره ، وختام القول لا أرى في شعر دعبل ما دوّنه الأقدمون ، وسايرهم المعاصرون من سوء طبع وخبث لسان وبغض سريرة ونفسٍ مريرة ، وإنما  هوشعر ساخر ، وربما هجاء مقذع ، وتهكم مضحك عقبى آتخاذه الموقف المعارض العقائدي والسياسي !!     
6  - ذكرنا قول الأستاذ العقاد من قبل عن دعبل  : " وهو في تكوينه كلّه قصيدة هجاء حيّة ، تلقى الناس أبداً بالتجهم والعبث والشذوذ  " ، ويزيد في كتابه عن ابن الرومي قوله "  أخرج القرن الثالث للهجرة شاعرين هجَّاءين هما أشهر الهجائين في أدب العصور الإسلامية عامة، أحدهما ابن الرومي والآخر دعبل الخزاعي هاجي الخلفاء والأمراء وهاجي الناس جميعاً، والقائل :
إني لأفتح عيني حين أفتحها *** على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا " (23) 
  بالرغم من أنني شديد الأعجاب  بالأستاذ الكبير العقاد ، وتابعته منذ طفولتي - وأعني ما أقول - حتى شيخوختي الآن - ومثله دعبل -  ، ولكن لا أتفق معه في رأيه بدعبل وسخره، وقد درست الشاعر العباسي العملاق بدقة متناهية ، حسب قدرتي المتواضعة  وهذه المقولة أيضاً مردودة ،   تنم إمّا عن دراسة غير متعمقة لشاعر السخر العربي الأول ، أو لا يريد أن يخوض في شعره وفنه ، وتوجه إلى ابن الرومي الأكثر غزارة شعرٍ ، لأن العبقري  الأخير ، وصل إلينا شعره كاملاً أو يكاد ، إذ لم يتعرض للتلف أو الإتلاف بسب عدم ملاحقته من قبل السلاطين والحكّام وأعوانهم ، في حين دعبل أكثر الشعراء العرب على امتداد التاريخ تتبعوه نفساً نفساً ، خطوة خطوة ، وبالرغم من سعة حيلته ، وقع في فخ نصبه له أحد عملاء مالك بن طوق التغلبي ، والي الجزيرة ، وقد سخر منه سخرا لاذعاً وهجاه ، فدس له السم ، وعمره 95 سنة ميلادية ( 765 - 860 م / 148 - 246 هـ) 
7 - شعر دعبل قبل الموقف ، أي في الشطر الأكبر من حياته :
   أقول  شعردعبل  قبل أن يتخذ موقفه الحاسم من الخلافة العباسية ، أي قبل أن يبلغ الخامسة و الخمسين ، أو قل الشطر الأكبر  الأول من حياته ، كان فيه من الغزل الرقيق ، ووصف الخمر العتيق ، والمدح والوفاء لصديق والفخر بكرمه ، أو العتاب لمن أدبه ، أو الهجاء المرير والسخر لمن مثله  ، وفي الحكمة والشيب والمطل والطيف والبرق وقوس قزح  مما يجعل مساحة من رماه وقذفه بالسيئات والخباثة  في ضيق ، لا هجاء لخليفة ولا وزير ، ولا هم يحزنون ، نعم له بيتا عظة على سبيل الاعتبار ، ولو أن عبد ربّه الأندلسي في ( عقد فريده)، يعتبرهما رثاء للبرامكة عند  عند نكبتهم 187 هـ :
ولمّا رأيتُ السيف جلّل جعفراً*** ونادى منادٍ للخليفـــة في يحيى
بكيت على الدنيا وأيقنت أنّما ** قصارى الفتى فيها مفارقة الدّنيا(24)
وله فيهم أبيات أخرى في العظة من أحداث الدهر الخؤون ، نعكف عن ذكرها ، للكفاية بما أوردناه مثلها.
ويوجد في الديوان ، وعدة مراجع قديمة   بيتان يتضمنان مديحاً غير مباشر  ، أو سخراً مبطناً ( الديوان : يمدح) لأحد الخلفاء العباسيين ، وأحسبه هارون ، أو المأمون : 
 قالت وقد ذكرتها عهد الصبا *** باليأس تقطع عادة المعتاد
إلا الإمام فإن عادة جــــوده  **** موصولةٌ بزيادة المزداد !! (25)
وإليك بعض ما قال ، وعليك أن تبحث بتأمل شديد ، فالخيط الفاصل بين الخبث  اللعين والحق المبين دقيق ، يقول دعبل في قصيدته ( أين الشباب...)  الرائعة والتي اشتهر بها ،وثم ذائع صيته ، وخلّد ذكره بها وبغيرها :  من يومه ليومنا ، وبسببها استقدمه الرشيد وقربه وكرمه :
أَينَ الشَبابُ وَأَيَّةً سَلَكا ******* لا أَينَ يُطلَبُ ضَلَّ بَل هَلَكا
    لا تَعجَبي يا سَلمَ مِن رَجُلٍ *** ضَحِكَ المَشيبُ بِرَأسِهِ فَبَكى
قَد كانَ يَضحَكُ في شَبيبَتِهِ **** فَأَتى المَشيبُ فَقَلَّما ضَحِكا
    يا سَلمَ ما بِالشَيبِ مَنقَصَةٌ **** ** لا سوقَةً يُبقي وَلا مَلِكا
  قَصَرَ الغَوايَةَ عَن هَوى قَمَرٍ***** وَجَدَ السَبيلَ إِلَيهِ مُشتَرَكا
  وَعداً بِأُخرى عَزَّ مَطلَبُها ****** صَبّاً يَطا مِن دونِها الحَسَكا
يا لَيتَ شِعري كَيفَ نَومُكُما ******يا صاحِبَيَّ إِذا دَمي سُفِكا
   لا تَأخُذا بِظُلامَتي أَحَداً ***** قَلبي وَطَرفــي في دَمي اِشتَرَكا(26)
لم تبق مغنية أو قنية أو جارية إلا وأنشدت هذه الأبيات الرائعة التي كافأه الرشيد عليها بعشرة آلاف درهم ، وكان راتب ( جاري )  الجندي ، أو الشرطي قي ذلك العصر مائة درهم شهرياً ، ثم قرّبه الرشيد ، وولاه ولاية ، ولم نعثر على أي قصيدة أو مقطوعة تسخر من الرشيد أو الأمين أو المأمون حتى 203 هـ ، والرشيد توفي (193 هـ ) ، والأمين قتل مخلوعاً سنة 198 هـ!!
ليس الآن بصدد تحليل الأبيات لغوياً وبلاغياً وفنيا ،  ولا ذكر  أبياته الغزلية الرقيقة الأخرى ، ، إذ غضضت الطرف عنها ، وإنما غايتي مسح النظرة اللآإنسانية التي رسمت حوله  ، وحول نضاله وموقفه من حيث هو لا أنا وأنت ، ثم لأثّبّت حقّه التاريخي والأدبي بأنه الشاعر العربي الوحيد في تاريخ الأمة هجا وسخر من كلّ خلفاء وأركان عصره العظام دون أن يمدح أي  أحدٍ منهم طيلة حياته التي بلغت ما يقارب القرن!! ، فهو كما أطلقت عليه ( دعبل الخزاعي الوجه الآخر للشعر العربي )  ، والأهم من ذلك عندي ريادته لفن السخر في تاريخ الأدب العربي
مهما يكن ومن وصفه الرائع للخمر ، كما يروي الرقيق القيرواني في ( قطب سروره ) :
شفاء ما ليس له شفـاءُ 
عذراء تختال بها عذراءُ 
حتى إذا ما كشف الغطاءُ
وملكت أحلامنا الصهباءُ
وخطب الريح إلينا الماءُ
جرى لنا الدهر بما نشاءُ (27)
ويروي له في الصفحة نفسها من قطبه ، هذين البيتين الرائعين :
شربت وصحبتي يوما بغمرٍ *** شرابا كان من لطفا هواء
وزنا الكأس فارغة وملأى **** فكان الوزن بينهما سواء (28) 
ولا أعرف ، ولا أتفهم كيف يكون خبيث اللسان وسيء الطبع ، ولئيم النفس ، وبغيض ، ويحمل كل هذه الصفات ، وكلّ الروايات عنه تشير إلى جرأته الفائقة حتى أنه هجا وسخر من  كل الخلفاء العظام وفي حياتهم كالمأمون والمعتصم - هدر دمه - والواثق والمتوكل ، ناهيك عن وزرائهم وولاتهم وقادتهم العظام ، كما سنذكر ذلك في الحلقات القادمة ، بل كان كريم النفس حتى النخاع ، وصفتا الشجاعة والكرم متلازمتان  ، ومن يحمل هذه الطبائع والخصال يستحيل أن يكون لئيماً بغيضاً حقودا ، والشعر يمثل وجدان الشاعر ، وحقيقة أمره ، لا يمكن للشاعر أن يكذب في شعره ، فهو مرآة صادقة عن نفسيته ، اقرأ ما يقول :
بانت سليمى وأمسى حبلُها انقضبا *** وزودودك، ولم يرثوا لك، الوصَبا
قالت سلامة: أين المال؟ قلت لها *** المال، ويحك! لاقى الحمدَ فاصطحبا
الحمد فرَّق مالي في الحقوق فمــــا *****أبقين ذمَّــــاً، ولا أبقين لي نشبا
قالت سلامة: دع هذي اللبــــون لنا **** لصبية مـــــثل أفراخ القطا زغبا
قلت: احبسيها، ففيها مُتعة لهــم ***** إن لم يُنخ طارقٌ يبغي القِرى سغبا
لما احتبى الضيف واعتلت حلوبتها ****** بكــى العيال وغنت قدرنا طربا
هذي سبيلي وهذا، فاعملي، خلقي** فارضي به أو فكوني بعضَ من غضبا
ما لا يفوت وما قد فات مطلبـــــه ****** فلن يفُوتَنيَ الــــــرزقُ الذي كُتبا (29)
وقال يفخر بكرمه :
إذا نبح الأضيافَ كلبي تصببت *** ينابيع من ماء السرور على قلبي
فألقاهم بالبشر والبر والقِرى ***** ويقدمهم نحوي يبشرني كلبــــي (30)

وقال أيضاً :
قال العواذل أودى المال؟ قلت لهم ***** ما بين أجر وفخر لي ومحمدة
أفسدت مالك قلت: المال يفسدني  ***** إذا بخلتُ به، والجود مصلحتي
ما يرحل الضيف عني بعد تكرمة  ***** إلا برفد وتشيــــــــــيع ومعذرة (31)
وقال في كرمه :
أحب العاذلات لأن جودي **** يزيد على ازدياد العاذلاتِ
تعيرني بأن أفسدتَ مالي **  فسادُ المال إحدى الصالحاتِ (32)
وفي هذه القصيدة التي ينتعش دعبل فيها ، بالطرب، والطلا ، والطلا استشهد المعري بدعبل ليضمه مع الشراب  ،  ولا يتم له هذا الانتعاش إلا بوجود الضيف :
عللاني بسماعٍ وطُـــــــــــلا  *** وبضيفٍ طارق يبغي القِرى
نغمات الضيف أحلى عندنا *** من ثغاء الشاء أو ذات الرغا
ننزل الضيف - إذا ما حل في ******حبة القلب وألواذ الحشا
رب ضيف تاجر أخســــــرته ******بعته المطعم وابتعت الثنا
أبغض المالَ إذا جمَّعته ******* إن بغض المال من حب العلا (33)
ولديه مقاطع و قصائد عديدة في ذم البخل بشكل شاخر ، أو هجاء فاحش ، هذا يعني لي ولغيري أن الرجل كريم النفس جداً ، طيب السريرة  غير ليئم ، ولا حاقد ، ولا خبيث ،والشعر الساخر منبعه إنساني بحت ، وتسألني هل  لديك روايات عن أخبار كرمه وطيبه وعدم خبثه وبغضه ، أقول لك بصراحة جرد  ما قال القدماء عنه من روايات خبيثة تصب لمصالح الحكام وأعوانهم ، وجرد مدحه لآل البيت وولاءه لهم كعقيدة  ، وما تعلق من شوائب عبر الزمن لاشعال هذه الفتنة ، فالشاعر لا يمكن أن يكذب بشعره ، لأنه لسان حال الوعي واللاوعي ، ثم أن شجاعته وجرأته طيلة نضاله المرير ، ملاحق من كل الخلقاء والوزراء والقادة والولاة وقضاة القضاة ، والمعتصم ، هل تدري من هو المعتصم ؟ يهدر دمه ، بعد أن عجز عن شراء ذمته ، واستمر يهجوه ويسخر من خلفائه الواثق والمتوكل ، وهل تعرف من هو ابن الزيات الذي كان يشوي مناؤيه بالتنور المسبمر ، قيل له دعبل هجاك ، قال ما أعمل له ، وليس لي يد تطاله ، وقد هجا أمير المؤمنين ؟ وكان وزيراً للمعتصم والواثق ،  وقتله المتوكل ، من يكن بهذه الشجاعة والجرأة يكون بمثل هذا الكرم ، لأن الصفتين متلازمتان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان !!! 
ثم هاك مدحه لغير آل البيت ، فقال في معاذ بن جبل بن سعيد الحميري :
فإِذا جالَسْتَهُ صدَّرْتَهُ *** وتنحَّيتَ لهُ في الحاشيهْ
وإذا سايرتهُ قدَّمتهُ ***** **وَتأخَّرْتَ مَعَ المستانَيهْ
وإِذا ياسَرْتَهُ صَادَفْتَهُ ****سلسَ الخلقِ سليمَ النَّاحيهْ
وإذا عاسرتهْ ألفيتهُ ****** شَرِسَ الرَّأْي أَبيًّا داهِيَهْ
فاحمدِ اللهَ على صحبتهِ ** واسألِ الرَّحمنَ مِنهُ العافيَهْ (34 ) 
فذلكة الأقوال معظم أقوال القدماء ، ومن تبعهم من المعاصرين على مختلف درجاتهم العلمية أو العقلية أو لفكرية أو العبقرية ، نحن غير ملزمين بها ، لنا عقلنا وفكرنا وعبقريتنا الإنسانية  ، وبتجرد عن كل شيء إلا من الفن الشعري ، و الإنسانية ، ومصلحة الأمة : آقول دعبل الخزاعي شاعر مناضل حمل خشبته على كتفة بصدق وجرأة ، وشجاعة تامة ،وكان كريماً سخياً محبوباً ، يقول معاصره النسابة الكبير ابن الكلبي ، كما يروي صاحب ( الأغاني ) :
  " حدثنا الحسين بن علي قال قلت لابن الكلبي : إن دعبلا قطعي فلو أخبرت الناس أنه ليس من خزاعة فقال لي : يا فاعل مثل دعبل تنفيه خزاعة والله لو كان من غيرها لرغبت فيه حتى تدعيه  ، دعبل والله يا أخي خزاعة كلها " (35 ) 
واقرأ ما يروي الأصفهاني نفسه صاحب الرواية السابقة ، وهو أكثر المؤرخين إساءةً لسمعة دعبل ، ولكن نحن نغربل الأخبار التي تدحض العشرات من الأخبار المدسوسة، نعم هذه المرّة يروي لنا عن الخليفة المأمون ، وليس عن ابن الكلبي ، وأنا أشرت إلى حلم المأمون في العنوان الموسوم ، وإليك .. :   
" حدثني عمرو بن مسعدة قال : 
 حضرت أبا دلف عند المأمون أي شيء تروي لأخي خزاعة يا قاسم فقال وأي أخي خزاعة يا أمير المؤمنين قال ومن تعرف فيهم شاعرا فقال أما من أنفسهم فأبو الشيص ودعبل وابن أبي الشيص وداود بن أبي رزين وأما من مواليهم فطاهر وابنه عبد الله فقال ومن عسى في هؤلاء أن يسأل عن شعره سوى دعبل هات أي شيء عندك فيه ...." (36)
ماذا نزيد على أقوال معاصريه الكبار ، وحتى أبو العباس المبرد الشهير صاحب ( الكامل في الأدب واللغة ) ، وقد عاصر دعبل ، ودعبل في شيخوخته ، وهو في ريغان شبابه ، فيصفه بالوقار بالوقار والهيبة وحسن الصوت والثراء ، وتجدون الرواية في (طبقات شعراء)  ابن المعتز ، ولكن نحن ننقل من ( كامله) نفسه  ، هذه الأبيات الرائعة لدعبلنا المناضل الساخر ، وهو أدرى بحاسديه ومبغضيه وناكري فضله في تأسيس فن السخرالجريء الصلب ، وما ألف العرب مثله طيلة تاريخهم حتى برز مظفر النواب في عصرنا  الحاضر ، ولم نتحقق هل بقى صامداً على موقفه مثل دعبل ، أم مسّه اليأس والقنوط ؟!!!إليك دعبل :     
نعوني ولما ينعني غير شــــــامتٍ ***  وغير عدو قـــــد أصيبت مقاتله
يقولون إن ذاق الردى مات شعره ** وهيهات عمر الشعر طالت طوائله
سأقضي ببيتٍ يحمد الناس أمــــره  ***** ويكثر من أهل الرواية حامله
يموت ردي الشعر من قبل أهــــله  ***** وجيده يبقى وإن مـــات قائله
وإلى الحلقة القادمة ، ونتكلم فيها عن سخر دعبل ، وربما نسخر معه وتسخرون ، مع السلامة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18)  وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان -  المحقق : إحسان عباس - ج 2 - ص 267 - دار صادر - بيروت .
(19) تاريخ الأدب العربي : حنا فاخروي - ص 501 - ط 11 - 1983 م - المطبعة البوليسية ( 20)  ص 500 - 501 م. ن .
   (21 ) ديوان دعبلٍ  : تحقيق  ضياء حسين الأعلمي،- ص 57 ، 58 - بيروت: ،  1997 - منشورات مؤسسة الأعلمي .
   (22 ) م . ن . - ص 105 - ص 107 - .
   (23) ابن الرومي، حياته من شعره:  عباس العقاد - ص - 221، المكتبة التجارية الكبرى 1963م ، القاهرة.
  (24)العقد الفريد :  ابن عبد ربه الأندلسي 2 /229 - الوراق - الموسوعة الشاملة ، الديوان الديوان : 223 م . س .
(25) الصائر والذخائر : أبو حيان التوحيدي - ج 5 - ص 213- المكتبة الشاملة ، راجع : الديوان : ص 90 م. س.   
(26) الديوان : ص 143 - 144 ن . م.
   (27)  قطب السرور في اوصاف الخمور :الرقيق القيرواني - 1 / 118- موقع الوراق - الموسوعة الشاملة . الديوان ص 35 م . ن.
(28) م . ن . وراجع الديوان ص 36 م . ن .26
(29)  الديوان : ص 45 - 46 م . ن.
(30) الديوان :ص 51 م . س  .
(31) الديوان : ص  70 م. ن. 
(32) الديوان : ص   73  م . ن .
(33) الديوان : ص 38 م . ن.
(34) الديوان : ص 184  م.ن.
(35)الأغاني : أبو الفرج الأصفهاني (20/173) - ط2 -  دار الفكر - بيروت  .
(36) ( 166 /20) م. ن. 
(37) الكامل في اللغة والأدب : أبو العباس المبرد  -  ج 2 - ص 8  -   المكتبة الشاملة