فلسطين : عندما ينفتح الجرح مرتين/ سري القدوة


هم اكبر من حجم تلك الكلمات التي نتداولها .. اكبر من تلك المعاني التي نعرفها .. اكبر من حقائق عايشناها .. هم تاريخ وحضارة شعب حلم بفلسطين ووقف مدافعا عنها في لحظه وقف الكثيرون خارج نطاق المشهد .. ولم نكن نسمع صوتهم ..
هم روح الكفاح والبندقية .. وهم لهيف وشوقه ام انتظرت ابنها .. وهم دمعة طفل شاهد الموقف ولم يحتمل فكانت دموعه هي الحاضرة .. هم تاريخ شعبنا ومستقبل امتنا ..

لعل موقف تسليم جثامين الشهداء عاد تاريخا لشعب يستحق هذا التاريخ وعاد ليؤكد مجددا اننا شعب يرفض الركوع .. شعب يمتلك الحضارة ويصنع الدولة ويحلم بفلسطين وبحق العودة .. وبتقرير المصير .. اننا امام حقيقة واقعية باتت تشكل ( كيمياء الفلسطيني ) بأن العودة هي حق مقدس وبان الفلسطيني سيعود حتى لو عاد جثمانه مهما مر الزمن ومرت السنوات .. لا يمكن لم كان أن ينتزع هذا الحق .. عائدون.. علي ارضنا ..  خالدون وسنبقي احياء في ضمائر العالم .. ستبقي فلسطين هي القضية وهي الحاضرة في المشهد .. لن نستسلم .. لن يكون ( الفلسطيني الميت هو الفلسطيني الجيد ) كما يعتقدون بعقيدتهم الاسرائيلية .. حتى الفلسطيني الميت سيلاحقهم .. ولن تسقط قلاع الثورة .. لن تسقط قلاع الامة .. لن تسقط خيارات شعبنا وستبقي كل الخيارات مفتوحة في مواجهة سياسة الاحتلال العنصرية الرافضة لحقوق شعبنا والتي تصر علي رفضها للسلام العادل والتعايش بين الشعبين ..

حقيقة الامر أن عودة الشهداء الي ذويهم يدفعنا الي احترام هذا الحدث الابرز علي الساحة الفلسطينية وان نتوجه بالتحية للرئيس محمود عباس الذي اصر علي عودة الشهداء ووقف في احتفال عسكري مهيب مودعا الشهداء .. ووقف ابطال الامن الفلسطيني يلفون شهداء فلسطين بعلم فلسطين الي مثواهم الاخير والي مقابر تكتب بأسمائهم بدلا من لوحات معدنية تشير اليهم كأرقام .. هذا الحدث يدفعنا الي التأكيد علي أن شهدائنا هم من ينيروا الطريق الي شعبنا والي ضرورة توحيد صفوف شعبنا وتعميق الوحدة الوطنية علي اساس مواجهة المحتل وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها .. وان تتوحد الجهود من اجل وحدة حركتنا الرائدة فتح صاحبة المشروع الوطني وقائدة النضال الفلسطيني جنبا الي جنب مع فصائل شعبنا المناضلة ومن اجل وحدة الموقف وحماية شعبنا والانتصار لشهدائنا الابرار ..

اننا نقف امام خيار واحد وهو خيار الوحدة والتوحد في يوم الشهداء في يوم فلسطين يوم العرس الفلسطيني .. يوم العودة الي فلسطين .. لهؤلاء الابطال نرفع رايات فلسطين .. لهؤلاء الخالدون فينا نقف اجلالا واكبرا لهم .. لهؤلاء نقول نموت واقفين ولن نركع وعلي عهدكم ماضون من اجل فلسطين الدولة المستقلة والقدس عاصمتها ..

عادوا اليوم وكأنهم احياء
ياوطن افرح ولادك رجعوا وزيناهم ولترابك راجعين
رفعوا الرايه وما كانوا بدهم غير يكونوا منتصرين
بعد ركوع رفعوا المدفع وبيد الكفن الأبيض مبتسمين
 ومهما يصير والزمن يطول لثوراتنا مش نسيين
ودم الشهدا ما بيضيع طول ما احنا فينا روح وعيشين
شو صار وشو حيصير حنموت ونحيا ل فلسطين..

انها ارادة  شعب يصنع ملحمة الانتصار .. ارادة شعب يموت واقفا وحتى الموت لن يثنيه علي البقاء .. انهم الشهداء الخالدون الي الابد وحتى الابد .. هكذا هي فلسطين تكون دائما خارج عن المألوف الفرح له معني والحزن له معني وتركيبة فلسطين ممتزجة بالأمل والدموع والفرح والانتصار ..

 اللهم تقبلهم شهداء و اكتب لنا الشهادة ..
ما اروع تلك الكلمات التي تعيش فينا (كلمات : حسن العبدالله )
اجمل الأمهات التي انتظرت إبنها؟
أجمل الأمهات التي انتظرتُه
وعاد مستشهداً
فبكت دمعتين ووردة
ولم تنزوِ في ثياب الحداد
* * *
آه... آه... آه
لم تنتهِ الحرب لكنه عاد
ذابلة بندقيته ويداه محايدتان
* * *
أجمل الأمهات التي انتظرته وعاد
أجمل الأمهات التي عينها لا تنام
تظل تراقب نجماً يحوم على جثة بالْظلام
لن نتراجع عن دمه المتقدم في الأرض
لن نتراجع عن حبنا للجبال التي شربت روحه
فاكتست شجراً جارياً
نحو صيف الحقول... صامدون هنا... صامدون هنا
قرب هذا الدمار العظيم
وفي يدنا يلمع الرعب في يدنا
في القلب غصن الوفاء النضير...
صامدون هنا... صامدون هُنا
باتجاه الجدار الأخير
وفي يدنا يلمع الرعب في يدنا
في القلب غصن الوفاء النضير
صامدون هنا... صامدون هنا ..

لم يكن الخيار الفلسطيني بعودة جاثمين الشهداء والإصرار علي هذه العودة ألا تعبيرا عن رغبة شعبنا وقيادتنا وعلي رأسها الرئيس محمود عباس بأن تبقي قضية شهدائه هي قضية حيه في المقام الاول وان ينتصر شهدائنا الابطال في يوم تكريمهم وان شعب عظيم يعود عظمائه من بين الحطام وفي ساعات الصمت ليبعث الشهيد حيا وكأنه ولد من جديد .. هذا الشعب يستحق الحياة .. هذا الشعب يستحق الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها .. هذا الشعب يمتلك الحضارة والتاريخ ويكتب كل يوم قصه كفاحه وصموده وبقاءه علي ارضه في مواجه سياسة الظلم والإرهاب الاسرائيلي المنظم ..

حقا انهم عادوا .. عادوا بعد ملاحم بطولية وقصص نضالية عايشها شعبنا بكل تفاصيلها فصنعوا تاريخا مشرفا لشعب فلسطين وكتبوا اسمائهم في سجل الخالدين بجدارة وكانت دمائهم الزكية تنير الطريق للأجيال القادمة .. من اجل القدس .. من اجل فلسطين الدولة المستقلة .. من اجل كرامة وحرية الشعب الفلسطيني وحق عودته ..

المجد كل المجد لشهدائنا الابرار
الوحدة لشعبنا .. وعاشت فلسطين حرة عربية

رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

بصراحة.. اتحدوا حتى تفلحوا/ سمير احمد القط‏

المعروف ان من يبدأ فى انجاز عمل عليه اكماله وإلا فلماذا هَم بالبدء فيه ...فاذا ماترك هذا العمل لأى اسباب لابد له من حدوث امرين لاثالث لهما ، الاول ان تضيع معالم هذا العمل ، وتطمس علاماته ليسقط فى بحار النسيان مع الايام  ، والثانى ان ينتهز من يترقب هذا التخاذل او النزوح او التكاسل ليختلسه لحسابه ، فيكمله بالشكل الذى يراه ، وبالفكر الذى يناسبه ، دون الرجوع او النظر او الاهتمام بمن كانت له البداية ...
هكذا كانت ثورة مصر يناير ، وهكذا بدأت بأيدى وفكر وعقول وشجاعة شباب مصر ، بتخطيط واعد ، وفكر شامل وهدف واحد ،لإسقاط نظام بائد مستبد ظالم  ، فكانت لهم الشرارة الاولى التى اطلقوها وتخوف منها الجميع بلا استثناء مابين منتظر لما ستسفر عنه ، ومابين متعجب لاسلوبها ،  ومابين منتظر لحظته التى سترفعه معها  الى عداد ابطالها
ان الفارق فى هذه الثورة هو نزوح الشعب اليها والتحامه بها ،وانتشارها ساعة بعد ساعة ويوما بعد آخر ..وهو ذاته الذى اسقط جدار الخوف فى قلوب الجميع بعد ان حاولت  اسقاطه على مر سنوات وسنوات مضت  ، حركات الرفض هنا وهناك ...كفايه و6 ابريل وغيرها من المنظمات الأخرى ..عانت من البطش ماعانت ولاقت من الهوال مالاقت ضرب واعتقال ،وسجن وتعذيب ، بسياسة واحدة رفعا النظام شعاراً له ..هى سياسة (فرق تسد )
 لم يكن هناك وقتها ثمة اى التحام بين الشعب وتلك الحركات ..الجميع يخشى على نفسه لكنه فى قرارة نفسه رافض لهذا الظلم  ومؤيد للاعتراض عليه  ..يشاهد ويتمنى ..يحتمل قسوة العيش والاحتباس النفسى من اجل حاجته وحاجة ابنائة ...انطلقت تلك الثورة التى كان لايتابعها غالبية الشعب المصرى بل وكان متوقعاً لها الفشل حتى ممن دعوا اليها فى بادئ الامر لقد كان ايمانهم راسخ رسوخ الجبال بنجاحها لما وضعوه من تصورات عبر شهور عدة لم يخيفهم اى شئ لانهم كانوا يتوقعوه وهكذا حال جميع الثوار ولم تكن مايسمى بموقعة الجمل سوى شرارة للتثبيت والتثبت والانتقال من مرحلة الى اخرى اكثر ضرواة وقوة مرحلة فيها تنازل الحق والباطل والحق والبطش فكانت انطلاقة اخرى دفت بالجميع الى اسقاط ماتبقى من خوف ..هكذا نجحت الثورة فى مجملها الا اهم شئ وهو القيادة ...فالفاعل الاصلى لها فى غمرة ماخططه لها نسى حقه او هكذا بدا ..لم يجمع هذا الشباب على فرد بعينه حتى وان اشار البعض اليه وربما كان التنافس فيما بينهم على الزعامه تبعاً لمهامهم التى اختلطت كان السبب الرئيسى فى انهم وحتى الان لم يتفقوا رغم الاجتماعات والمؤتمرات التى دعى البعض اليها فكل فصيل يرفض الاخر وكل من يتحدث باسمها يتجاهله البعض ..وهنا تدافع من كان ينتظر اللحظة ليعلو ويسمو ويرفع رأسه شامخاً معلناً وبقوته وتنظيمة انه البادئ والمشارك  بل والمنتصر ومتخذاً من وسائلة الدعائية الكثيرة والمتعددة ابواقاً للتأثير على غالبية الشعب ..فاستطاع بهذا ان ينجح فى طمس الحقيقة واستطاع بذكائه ان يزرع هذا فى عقول وصدور اتباعه ..الذين عملوا جنباً الى جنب فى نشر جميع اهدافهم المغلفة بالوطنية والاخلاص والخلاص !..وهنا ومع الوقت الذى يواجه الجميع بسرعته الفائقة لم يدرك الا القلة من هؤلاء الفرسان حقيقة هذا الامر الا الآن حيث بدأ البعض منهم فى المطالبة بتأسس حزب سياسى يضمهم وهو الامر الذى نادينا به وشاركنا فيه الجميع ولعل الامر الان وبتلك التداعيات التى تمر بها مصر يستدعى تكاتف جميع شباب الثورة خلف هذا الحزب الذى يمكن ان يواجه هذا الحشد الخاطف لثمارهم فى اطار من الممارسة السياسية التى يكفلها اى دستور منظم للحياة السياسية فى مصر وليدرك هؤلاء ان شعب مصر وشبابها وقتها فقط لن يكون امامهم اى بديل آخر للحفاظ على تلك الثورة بعهدها الجديد .  

ادع لهذا وكفانا اختلاف/ محمد محمد علي جنيدي

لقد صهر ميدان التحرير جميع المصريين لمصلحة مصر، كل ما كان هــو مصري عمل من أجل ( تحرير الوطن من هيمنة النظام البائد )
والسؤال الذي أطرحه: لماذا لا يتحد مرسي وصباحي وأبو الفتوح وموسى مع حفظ الألقاب.. بمعنى الاتفاق على تحديد اختصاصات الرئيس والنائب أو النواب ومن يخول إليه تشكيل الوزارة.. وترك اختيار الجمعية التأسيسية للدستور لأهل الاختصاص والكفاءة والمشهود لهم بسيرة ذاتية محل احترام جميع المصريين..لماذا لا نتجه جميعا نحــو بناء مصر وليس لفصيل أو شخص أو جماعة.. ووالله إن لم يتفق هؤلاء كما اتفقوا في الميدان.. لسوف ينقض النظام القديم بكامل قوته وضراوته وبطشه.. ولا سمح الله سنردد حينها ( لا عزاء للمصريين!! )..
كم كان رائعا الشاعر ابراهيم طوقان وهو يعلي مصلحة الوطن في قوله.. إن قلبي لبلادي .. لا لحزبٍ أو زعيم
فهـــــل بإمكاننا أن ندعو جميعا لهذا، ولهذا فإني أستحلفكم أيها المصريون بحق الله ثم مصر علينا أن ندعو إلى وحدة الصف وكفى ما حصدناه من شتات وتفريق بيننا، أرجوكم قبل فوات الأوان.

مصر الغد : إرهاب .. مجاعة .. فوضى هدامة/ مجدى نجيب وهبة

* يعتقد الكثير من هذا الشعب .. أننا ننطلق إلى غد أفضل ، ومستقبل باهر .. والحقيقة والواقع ، أننا نعيش فوق بركان من الإرهاب والفوضى والتطرف .. وقد ظهرت ملامحه فى كل أركان حياتنا من القضاء المصرى حتى بائع البطاطا ، الجميع أصابهم لوثة الفساد والتطرف .. وقد رأينا أنه لا براءة الأن لأى مسيحى فى هذا الوطن .. والأحكام الأخيرة الصادرة ضد الأقباط أكبر دليل على هذا التطرف الذى بات نعيش فى ظلاله .. ففى مشاجرة بين بعض الأقباط والمسلمين فى "أبو قرقاص" ، إثر وضع مطب صناعى .. سقط ضحايا وقتلى من كلا الطرفين .. وتم إحالة أقباط ومسلمين إلى المحكمة التى أصدرت الحكم بصورة مفاجئة .. فقد حكمت المحكمة على 12 متهم قبطى بالأشغال الشاقة المؤبدة .. وبرأت ثمانى متهمين من المسلمين ، وهو ما يضع علامة لنهاية المطاف لما وصلت إليه مصر .. قيس على ذلك مجرد بلاغ يقدم ضد أى مسيحى بإزدراء الإسلام ، بشهادة إثنين من المسلمين ، وبالطبع بالإدعاء والكذب الباطل ، دون أى تحقيق .. يتم الحكم عليه فورا ، بعقوبة تصل إلى 7 سنوات .. فمن الذى أوصلنا إلى هذا المنعطف الخطير ..
** لقد تحملنا أقباط ومسلمين ظروفا قاسية من الإستبداد والقهر والظلم .. ولكن لم نصل فى يوما من الأيام إلى هذه الظواهر .. فمن هم المتهمين الحقيقيين الذين أوصلونا إلى هذا المنعطف الخطير .. والذى بالقطع سيقودونا إلى المجاعة التى تؤدى إلى الفوضى الهدامة فى مصر الغد ..
المتهم الأول .. المجلس العسكرى :
** هذا المجلس أحمله كل ما وصلت إليه مصرنا الحبيبة من إنفلات أمنى وإنفلات أخلاقى .. وبلطجة وفوضى .. هذا المجلس أوصلنا إلى حالة لم نعد نعرف من يحكم مصر .. هل يحكمها المرشد ، والكتاتنى ، وعصام سلطان ، والبلتاجى ، ومحمد مرسى .. أم يحكمها مجموعة من الفوضويين يضمون بعض الحركات والتنظيمات التخريبية المعروفة دوليا .. وعلى سبيل المثال ، حركة 6 إبريل التى أشعلت النيران فى أكثر من موقع فى مصر .. وقد أطلقوا على أنفسهم ثوار .. وهم لا يتعدوا فى أكثر الأحوال بمريديهم ومشجعيهم ، وعناصرهم فى الداخل والخارج مليون فرد ... هذا المليون صار يتحكم فى 90 مليون فقد إمتلك هذا المليون .. كل وسائل الإعلام صحافة وإعلام مرئى ومنابر .. وصاروا هم أصحاب الصوت العالى .. يضاف إليهم مجموعات كبيرة من البلطجية ..
** أما الـ 90 مليون مواطن مصرى .. فقد فضلوا الصمت ، وأطلق عليهم حزب الكنبة .. هذا الحزب الصامت يضم قادة بالمجلس العسكرى وضباط بالجيش .. وكوادر عظيمة بالداخلية .. ومفكرين .. وسياسيين .. ولكنهم فضلوا الصمت حتى لا يتهموا بمعاداة الثورة .. أو بالإشتراك فى موقعة الجمل أو بالفلول ..
** فى الوقت الذى أصرت فيه كل وسائل الإعلام بالقنوات المصرية والفضائيات على تضليل هذا الشعب .. فإذا ما ذهبت لمشاهدة أى برنامج سياسى فى أى قناة تليفزيونية مصرية ، أو خاصة فضائية .. فإنك لن ترى إلا مجموعات محددة يعيد تكرارها فى كل القنوات ، وظهورها فى كل البرامج .. ومعظم هذه الوجوه ، هى جماعات كانت محظورة منذ بضعة أيام .. وصاورا اليوم نجوم المجتمع .... يضاف إليهم بعض المجموعات من الفوضويين والبلطجية الذين أطلقوا على أنفسهم "ثوار" .. ويستضافوا فى القنوات ، فى حوارات سمجة ، وهم يستعرضون إنجازاتهم الثورية .. وكيف مكثوا فى الميدان أكثر من ثمانى عشر يوما .. وكيف حققوا بطولات خارقة .. وكيف إستطاعوا إسقاط النظام .. وعندما تلتفت حولك .. لتبحث عن هذه البطولات لن تجد سوى مجموعة من الفوضويين .. لم يخرجوا من ميدان التحرير .. إستغلهم المجلس العسكرى لتحقيق أهدافه فى إسقاط النظام السابق بطريقة سلمية دون اللجوء لإحداث إنقلاب على حكم مبارك ..
** والحقيقة أن من أطلق على أنفسهم "ثوار" لم يكونوا سوى مجموعة من جميع أطياف الإخوان المسلمين الذين خرجوا من السجون ، والمعتقلات ، والعائدين من المنفى .. ينضم إليهم مجموعة من الحركات الثورية والتنظيمات .. ظل كل هؤلاء معتصمين فى ميدان التحرير .. يطلقون حناجرهم للهتاف ، ويحرسهم الجيش المصرى .. فى الوقت الذى رأينا عمليات سلب ونهب وسرقة وحرق وقتل وهدم كنائس وقطع طرق فى جميع محافظات مصر .. كما تم إحراق مؤسسات عديدة مملوكة للدولة ، كما شاهدنا محاصرة مبنى وزارة الداخلية أكثر من مرة ، ومحاصرة السفارات ، ورفع الأحذية فى وجه السفراء .. فأين هى هذه الثورة التى تتحدثون عنها ، وصدعتونا من الحديث عن إنجازاتها المجيدة .. والحقيقة أنها ليست لها أى إنجازات سوى إطلاق الفوضى والإرهاب ، بل عادت بمصر إلى الوراء مئات السنين .. وعلينا أن نعترف أن لولا رغبة المجلس العسكرى فى إقالة النظام السابق ، لما إستطاع أى إعتصام أو تظاهر أن يسقط حكم مبارك .. ولكن هناك إصرار على الخداع والكذب والتضليل حتى هذه اللحظة .. فى الوقت الذى لا يملك أى مواطن الإعتراف بذلك لأنه سيقابل بهجوم شديد عبر وسائل الإعلام التى منحت الضوء الأخضر والمساحة للإخوان ، والحركات الثورية التى ظهر منها أكثر من مائة حركة .. فى الوقت الذى لا تمنح وسائل الإعلام حق الرد للشرفاء أو المواطنين المصريين .. ليظل تنفيذ سيناريو الفوضى الهدامة ، أو ما أطلقوا عليه الربيع العربى يسير من نجاح إلى نجاح أكبر ضمن المخطط الموضوع لتدمير وتخريب وإسقاط دولة مصر ...
** ومع وتيرة كل هذه الأحداث التى وصلت إلى حرق المقر الرئيسى ، للفريق "أحمد شفيق" .. إندلع الشارع المصرى بتحريض من جماعة الإخوان للتنديد بكل من يدلى بصوته للفريق "أحمد شفيق" ، وإتهامه بإتهامات حمقاء بأنهم ضد الثورة .. ناهيك عن الفوضى الإعلامية للترويج للمرشح الأخر ، لجماعة الإخوان المسلمين .. والطعن فى الفريق "أحمد شفيق" .. بينما يقف المجلس العسكرى موقف المتفرج زاعما أنه على مسافات واحدة من كل القوى السياسية .. والحقيقة أن المجلس العسكرى سيظل متفرجا على الأحداث ، كما نرى حتى تنهار ، وتسقط مصر للأبد ...
المتهم الثانى .. الإعلام والفضائيات :
** مهما قلت أو وصفت ما تكتبه الصحف المقروءة ، المفترض أنها قومية ، أو المعارضة ، أو الصفراء .. هذه الكلمة التى إختفت من قاموس الصحافة .. لأن كل الصحف تحولت إلى خديعة كبرى للتضليل والكذب ، ولى الحقائق .. فزدات مساحة البلطجة والفوضى والإرهاب ، وحولت الصحف الإرهابيين والمجرمين إلى نبلاء وشرفاء ... بينما تحول الشريف إلى بلطجى وفلول وثورة مضادة .. والجميع إقتنعوا بهذا المنطق .. ولم نعد نسمع صوت شعب مصر الحقيقى ، بل أجبروه على الصمت والإختفاء حتى لا يتهم بالفلول ...
المتهم الثالث .. الإعلام المرئى :
** هذا الجهاز الجهنمى الخطير .. هو المتهم الأول فى إحراق وإسقاط مصر .. فلا يوجد إعلامى واحد أو إعلامية واحدة شربت من نيل هذا الوطن .. إلا الإعلامى "تامر أمين" .. وقناة خاصة واحدة هى قناة الفراعين .. رغم الجهل الثقافى والفكرى والإعلامى لكل مقدمى برامجها ، وعلى رأسهم "توفيق عكاشة" .. ولكن يحسب له وطنيته ودفاعه عن مصر ..
** راقبوا ضيوف هذه البرامج .. إنهم الضيوف الذين ينفذون ما يطلب منهم .. وإذا تصادف وخرج بعضهم عن هذا السياق ، فسوف يستبعد من أى لقاءات قادمة .. وسوف ينتهى البرنامج فورا عن تواصله .. والدليل عندما إستضاف الحنجورى "جابر البلعوطى" فى قناة "OTV" الساويريسية ، نجم الموسم ، السلفى "نادر بكار" .. ومعه المفكر السياسى الأستاذ "أسامة الدليل" ..
** دار حوار حول المرشح الإخوانى .. والمرشح "أحمد شفيق" .. وقد إعتبر "بكار" أن وصول الفريق "أحمد شفيق" للرئاسة ، هو خيانة للثورة ، وكارثة قد تصيب مصر بأكملها .. وضد رغبة الشعب ، وأنه يجب أن يحاكم على جرائم النظام السابق مثلهم .. وقد فوجئ "البلعوطى" برد الأستاذ "أسامة الدليل" .. واصفا أن من يجب محاكمتهم على جرائمهم هم الإخوان المسلمين ، ومرشحهم "محمد المرسى" .. وبعد أن كان مستمتع بحوار البكار .. إنقلبت سحنته 360 درجة .. وقرر فجأة إنهاء البرنامج ، لأن ما يقوله "أسامة الدليل" لا يتفق مع هذا الإعلام الحقير !!! ..
** ظاهرة أخرى أكثر فجورا .. وهى المدعو "محمود سعد" .. فقد حول برنامجه فى قناة النهار إلى مسطبة ، وعفونة ، للتمجيد فى الإخوان والطعن فى كل تيار ضد الإخوان ، وحتى تكتمل الصورة لهذا العاهر العفن ، الذى يفرض وصايته وإعلامه على الشعب المصرى ، ويتكلم بإسم الشعب فى برنامجه ، عليه أن يطلق لحيته ، ويمسك فى يده سبحه ، وهو يستضيف نجوم الإخوان المسلمين .. على إنهم صفوة هذا المجتمع .. وقد تناسى هذا العاهر جرائمهم فى حق الوطن .. وفى النهاية هو ليس بإعلامى ، وإنما بقواد .. والأمثلة كثيرة ، وتصيبنا بالقئ والغثيان .. وفى النهاية الجميع تأمروا على هذا الوطن لإسقاطه ..
المتهم الرابع .. الإخوان المسلمين :
** رغم أنهم المفترض أن يكونوا المتهم الأول فى تخريب مصر .. ولكن يأتوا فى المرتبة الثالثة .. بعد أن أعطاهم المجلس العسكرى الضوء الأخضر للهيمنة على البرلمان ، ومحاربة كل وزارة  لإسقاطها ، وإتهامها بالفساد السياسى ، وعدم تحقيق أى رغبات للشعب المصرى ، وإجبارها على تقديم إستقالتها حتى يكون لديهم الطريق لإحتلال الحكومة ، والوصول إلى حكم مصر ...
** هذا الفصيل إستخدم كل أساليب المكر والخداع .. ونشروا الأكاذيب .. وتفننوا فى إختراع القصص ، وتأليف الإتهامات ، وحولوا الشارع المصرى إلى حرائق وفتن طائفية ، وأشعلوا الميادين ، وحطموا الإقتصاد المصرى ، ودمروا السياحة .. وأوقفوا عجلة الإنتاج .. فلا هم لهم إلا تقديم الإستجوابات ، والبلاغات ، والظهور على الفضائيات .. وظهر من نجوم الفضائيات ، المتحدث الرسمى بإسم الجماعة "أحمد أبو بركة" ، و"وحيد عبد المجيد" ، والكاتب "حسن نافعة" ، والمستشار السابق "أحمد مكى" ، والمستشار السابق "محمود الخضيرى" ، والمستشار "زكريا عبد العزيز" .. والعديد .. أما من الجماعة أنفسهم .. فلم نرى متحدثين فى الإعلام العفن سواهم .. رأينا النجم الساقط "أبو البخارى" ، والعضو البرلمانى الغلاوى "عصام سلطان" ، و"محمد البلتاجى" ، و"عصام العريان" ، وعضو التكفير ، وقضايا الحسبة ، العضو البرلمانى السلفى "ممدوح إسماعيل" !!! ...
** إذن .. ماذا تنتظرون من دولة تكذب على شعبها ، وشعب غبى يظل صامتا لا يتحرك .. ربما لأن الغالبية لن يضاروا حتى لو تغير النظام وحكم الإخوان ، وتحولت مصر إلى دولة الخلفاء الراشدين .... وقد رأينا سقوط الأقنعة عن بعض الإعلاميين أمثال "وائل الإبراشى" ، و"يسرى فودة" ، و"ريم ماجد" ، و"دينا عبد الرحمن" ، و"معتز الدمرداش" ، ومقدمى "النيل الإخبارية" ، و"منى الشاذلى" .. فماذا إذن تنتظرون من وطن .. تكاتف الجميع لإسقاطه .. بعد أن قبلوا الرشوة .. ولم نعد نرى من نجوم ثورة مصر المزعومة إلا المناضلين الجدد أمثال "نوارة نجم" ، و"أحمد دومة" ، و"أحمد ماهر" ، و"أسماء محفوظ" ، و"علاء عبد الفتاح" ، و"علاء الأسوانى" ، و"بلال فضل" ، و"جورج إسحق" ، ود. "عمار على حسن" ، و"هالة سرحان" ، و"وائل غنيم" ، ومفجر الثورة شهيد موقعة البانجو "خالد سعيد" .. الذى تهاتفت كل وسائل الإعلام على تصريحات السيدة والدته ، وأسرته .. وتحولت قصته وقتله على يد إثنين من المخبرين إلى بطولات زائفة ، وتحول إسمه الشهير إلى منارة يقتاد بها الجميع للوصول بمصر إلى نهاية المطاف ..
** وفى النهاية .. هذه هى رؤيتى للأيام القادمة .. بعد أن تحول الصراع داخل مصر لإنتخاب رئيس دولة إلى أبشع الصراعات التى ربما تقودنا إلى أحداث لبنان ، الأحداث الطائفية البغيضة ، فظهرت النغمة الجديدة ، أن من يرشح الفريق "أحمد شفيق" هو قبطى كافر .. ومن يرشح السيد "محمد مرسى" هو المسلم الحق الذى تكتب له الجنة .. وتحولت مصر فى لحظة ربما ساهم تقاعس المجلس العسكرى كثيرا فى إشتعالها ، وإلى صراعات طائفية ، ودينية .. ومع بشاعة الأحداث التى قد تأكل الأخضر واليابس وتقضى على هذا الوطن .. وتحوله إلى صومال أخر .. نجد المجلس العسكرى يقف متفرجا ، ومشاهدا لنتيجة المباراة .. ولا عزاء للمصريين ... فنحن على أبواب "إرهاب .. مجاعة .. فوضى هدامة" !!!

صوت الأقباط المصريين

رسالة إلى حمدين وأبو الفتوح/ محمد محمد علي جنيدي

 بعد أن أسدل الستار برفض طعون أستاذ حمدين صباحي ود.عبد المنعم أبو الفتوح وبالتالي خروج أستاذ حمدين رسميا من السباق وهو المناضل الفارس الذي لم يكن يوما طالبا لسلطة أو لمقعد وإن كان رئاسيا وبالطبع كذلك المناضل الشجاع د. أبو الفتوح.
أود القول: لقد كانت مصر وأبناؤها أحوج ما يكون إلى احديهما،كما ونعلم جميعا أن استمرارهما وإصرارهما على مواصلة النزال كان بوازع المحبة والإخلاص لمصرنا الأم الغالية...
من ناحية أخرى نقرر لو أن فرسي الرهان الثوري حمدين وأبو الفتوح كانا قد استبعدا بطريقة أو بأخرى، ليتمكن النظام البائد من ضرب الإخوان في مقتل لرصيدهم السياسي المتواضع مع الشعب، ومن ثم انفرادهم بالسلطة وإعادة البلاد إلى ما وراء الصفر،وأيضا ولأننا مصريون شرفاء فنحن نعترف بأن الإخوان كانوا ضلعا أصيلا من ثورة مصر المباركة،...
ولهذا كله ولما تقدم من قول، أدعو الله أولا لمصر بهمة النهوض، وأوجه رسالتي ثانيا للمناضل أستاذ حمدين ومعه المناضل د. أبو الفتوح بضرورة وحتمية الانضمام والإخوان في صفٍ ثوري واحد كالذي صنعوه وشباب ميدان التحرير، ذلك من أجل تفويت الفرصة على أعداء الوطن كارهي أنفسهم.. على الأقل في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ مصر الذي لا يهدأ قبل فوات الأوان.

فليــٌطبخ الإتحاد الخليجي على نار هادئة/ د. عبدالله المدني


في الوقت الذي كانت فيه الجماهير الخليجية (على الأقل في البحرين) تستعد للإحتفال بإعلان الإتحاد الخليجي في الاسبوع الماضي حينما عقدت القمة التشاورية السنوية لمجلس التعاون في العاصمة السعودية، جاءتها أنباء تأجيل مشروع الإتحاد إلى وقت لاحق "من أجل المزيد من التشاور والدراسة" مثلما قيل، الأمر الذي أصابها بالإحباط.
وبطبيعة الحال فإن النظام القائم على الضفة الأخرى من مياه الخليج، ومعه أتباعه من الميليشيات والشخصيات والقوى السياسية الطائفية في لبنان والعراق وسوريا والبحرين والكويت، من تلك المعروفة بكراهيتها ومعارضتها لمثل هذا التوجه الوحدوي في الخليج، الذي سيـُفشل حتما مخططات الأعداء والحاقدين والمتربصين ويقف بالمرصاد لأجنداتهم التوسعية ومشاريعهم التخريبية، إعتبروا قرار التأجيل نصرا معنويا لهم، وراحوا يروجون الإشاعات والأكاذيب حول وجود خلافات مستعصية بين دول مجلس التعاون، وتضارب في الآراء، وصراع على إحتكار المناصب، وغير ذلك مما إستدعى – بحسب قولهم – تأجيل مشروع الإتحاد إلى أجل غير مسمى.
ولأن الجهات الرسمية في المنطقة، ومعها الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، إلتزمت الصمت كعادتها، ولم تقل للجماهير الخليجية شيئا عن النتائج التي توصلت إليها اللجنة المكلفة دراسة مقترح الإتحاد أو شيئا عن نقاط الإتفاق والإختلاف في مواقف الدول الأعضاء أو شيئا عن الدول الضاغطة بإتجاه الإتحاد والدول المترددة حياله (كما كتب الصديق الدكتور خالد الدخيل في عدد الحياة ليوم 20 مايو 2012 )، فإن إشاعات المغرضين وجدت لها بيئة خصبة للإنتشار والقبول، ونجحت في إثارة الشكوك والقيل والقال.
إن الأمر الذي لا جدال فيه هو أن منطقة الخليج تعيش اليوم وضعا إستثنائيا يتطلب من قياداتها وشعوبها التكاتف والتآزر وتوحيد الإمكانات والقدرات المتاحة على أعلى المستويات وبأقصى قدر ممكن، ودون الإلتفات إلى صغائر الأمور، وهذا تحديدا ما إستشعرته القيادة السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حينما دعت إلى ضرورة "الإنتقال من صيغة التعاون إلى صيغة الإتحاد". فالصيغة الأولى ولدت في زمن مختلف ومن أجل التصدي لظروف مختلفة، بينما الصيغة الثانية تستدعيها تحديات جديدة مغايرة، وإن كان لا يزال من بينها التحدي الأمني الذي هيمن على صياغة ميثاق مجلس التعاون في عام 1982 .
ولهذا فإن البعض المخلص الذي فؤجى بقرار تأجيل مشروع الإتحاد الخليجي كتب قائلا: أن الأوضاع المضطربة خليجيا وإقليميا وعربيا ودوليا لا يسمح بالإنتظار، وأن الإنتظار أو التردد يعني إرسال إشارات خاطئة إلى الأعداء والمغرضين مما قد يغريهم بالإقدام على خطوات حمقاء تجاه دول الخليج العربية وشعوبها.
وهناك من إستخدم وسائل التواصل الإجتماعي ليغرد قائلا: أمامكم يا قادة دول مجلس التعاون نموذجا إتحاديا زاهيا وقويا بناه الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في دولة الإمارات العربية المتحدة، فلماذا لا تلتحقون به، بدلا من إضاعة الوقت في الدراسات وتشكيل اللجان ولجان اللجان؟
غير أن هناك - وهذا رأي كاتب هذه السطور أيضا – من وجد في قرار تأجيل الإعلان عن الإتحاد خطوة لا غبار عليها، إن كان القصد منها فعلا المزيد من التشاور والدراسة بغية الحصول على إجماع أو شبه إجماع حيال المشروع المقترح. فأن يــُطبخ المشروع الإتحادي على نار هادئة، ويـُختار مكوناته بعناية ودقة، وتــُؤسس هياكله لبنة لبنة، خير من العمل المتسرع غير المدروس المؤدي إلى كوارث وإحباطات ومنغصات في المستقبل.
نقول هذا وأمامنا تجربة الوحدة السورية – المصرية في عام 1958 والتي تبخرت في عام 1962 على يد صناعها وأكثر المتحمسين لها من ضباط الجيش السوري، من بعد أن بنت عليها الجماهير العربية الآمال العريضة ورأت فيها مقدمة لتوحيد كل العرب "من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر" مثلما كان يتردد في حينه كشعار لا يعلوه شعار آخر.
إن من عاش تلك الحقبة يتذكر جيدا أن مآل تلك الوحدة إلى الفشل كان سببه الجوهري هو التعجل والجري وراء الشعارات الفضفاضة والمصالح الشخصية ودغدغة عواطف الجماهير، دون التوقف مليا أمام الإختلافات الجذرية بين مكونيها لجهة طبيعة النظام السياسي السائد، ودور الإقتصاد في المجتمع، ومدى ما تحقق من مكاسب إجتماعية وثقافية وحقوقية في كل قطر.
ولا نجافي الحقيقة لو قلنا أن فشل تجربة ما سـُمي بـ "الجمهورية العربية المتحدة" بإقليميها الشمالي (مصر) والجنوبي (سوريا)، جعل صانع القرار العربي يتوق إلى مشاريع وحدوية بديلة للتعويض عن الإخفاق الأول، لكن دون الإتعاظ من ذلك الإخفاق لجهة التأني والدراسة المستفيضة. وهكذا جاءت الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في عام 1963 والتي ماتت قبل أن يجف حبر ميثاقها، وإتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا في عام 1971 والذي لا يـعرف أحد تاريخ وفاته بدقة بسبب تبرؤ إعضائه منه، ليزيدا العرب إحباطا فوق إحباط. ولعل ما زاد إحباطهم ومرارتهم النهج العبثي للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في إستغفال نظيره التونسي الحبيب بورقيبة لإقامة وحدة إندماجية فورية بين تونس وليبيا تحت إسم "الجمهورية العربية الإسلامية" في عام 1974، وهو المشروع الوحدوي الذي لشدة التسرع فيه كــُتب ميثاقه فوق أوراق الفندق الذي حل به القذافي في جزيرة جربة التونسية، بحسب شاهد عيان هو المفكر والوزير التونسي السابق "عبدالسلام المسدي".
 ما أشرنا إليه في هذه العجالة من أمثلة وحدوية أو إتحادية عربية فاشلة يؤكد أن السبيل الأمثل إلى كيان وحدوي متين وقادر على الصمود أمام كل الزوابع والعواصف يكمن في السير خطوة خطوة، وبناء الهيكل الإتحادي على أوتاد صلبة، أي على النحو الذي سلكه الأوروبيون في بناء مشروعهم الإتحادي العتيد.
إن شعوب الخليج العربية إنتظرت أكثر من ثلاثين سنة لترى حلمها في الإتحاد يتحقق، فلا يضيرها أن تنتظر سنة أو أكثر، إن كان في ذلك مصلحة مؤكدة كأن يصار إلى حل بعض ما تبقى من خلافات حدودية، وإزالة بعض ما تبقى من عوائق الإنتقال والعمل والتحرك الحر. ولنتذكر في هذا السياق  نموذج الإتحاد الأوروبي المتميز في صيغته (لا كونفدرالي ولا فيدرالي)، والمتميز في تدرج عدد أعضائه (من ست دول في الخمسينات إلى 27 دولة في الوقت الراهن)، والمتميز لجهة إعداد الدول التي تريد الإلتحاق به (تهيئتها من النواحي الإقتصادية والسياسية والتشريعية والتنموية مسبقا)، والمتميز من ناحية المؤسسات التي خلقها خلال مشواره منذ أن كان مجرد إتحاد للفحم والفولاذ في عام 1951 (محكمة العدل الاوروبية، والمصرف المركزي الاوروبي المركزي، والبرلمان الاوروبي، ومفوضيات الشئون الخارجية والمالية والدفاعية والبيئية والبحثية والصحية والثقافية والتعليمية وشئون الطاقة وغيرها).
وأخيرا فإن الإتحاد الخليجي قادم لا محالة، شاء من شاء وأبى من أبى، ليس لأن أقطار مجلس التعاون ذات أنظمة سياسية وإقتصادية وسياسات خارجية متشابهة، وليس لأن العائلات الحاكمة فيها ينحدرون من جذور قبلية واحدة، وليس لأن شعوبها تربطهم أواصر النسب والمصاهرة والعقيدة والقومية الواحدة، ويتشابهون في عاداتهم وتقاليدهم ولهجاتهم وموروثهم الإجتماعي فحسب، وإنما أيضا لأن الإتحاد الخليجي بات مطلبا شعبيا جماهيريا ضاغطا أكثر من أي وقت مضى بسبب التحديات والتهديدات والمخاطر الجسيمة التي تواجه بحيرة الخليج من كل حدب وصوب.
د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: مايو 2012
البريد الإلكتروني: elmadani@batelco.com.bh

لا مجال لاختيار/ محمد محمد علي جنيدي

لو خرج أستاذ حمدين صباحي رسميا من السباق والذي قمت بالتصويت لصالحه، لا أعتقد أن هناك مجالا لاختيار، ولا يصلح مقاطعة تنصب في صالح النظام الاستبدادي
لا تنسوا أرجوكم.. شهدائكم والذين لم يتم القصاص من قتلاهم حتى الآن
لا تنسوا أرجوكم.. مصابيكم وقد فقدوا من أجلكم أعينهم وأقدامهم وأياديهم.. وكثيرا منهم أصبح لا يستطيع عملا أو وقوفا
لا تنسوا أرجوكم.. مأساة الماضي الطويل تهميشا ولم يكن سوى مصادرة حريات واعتقالات وأحكام عسكرية، وخصوم سياسية افتقدوا منذ سنوات عديدة ولا نعرف عنهم أهم في ذمة الله أم ماذا عنهم!!
لا تنسوا أرجوكم.. تجويعكم واللعب بمستقبل شبابكم ونهب مكتسبات وطنكم إلى أقصى الحدود
لا تنسوا أرجوكم.. معاناة مرضاكم واستيراد ما به تم سرطنة زراعاتكم وتلويث وإفساد مياه نيلكم الذي كان يوما رمزا للنقاء 
لا تنسوا أرجوكم.. صناعة شعب آخر من أبناء الشوارع وهم مظلومون
لا تنسوا أرجوكم..من كان وما يزال يستخدم البلطجية الذين تم صناعاتهم خصيصا  لإرهاب وقهر أبناء شعبنا المفترى عليه دائما..
لا تنسوا أرجوكم.. أن ما بيننا وبين الإخوان أخطاء يمكن تداركها.. وما بيننا وبين النظام السابق خطايا لا تغتفر من قتل وسحل واعتقال وتجهيل وتهميش وسلب ونهب وقد دفعوا شباب يناير حياتهم من أجل الإطاحة به وما يزال الشباب مطاردون مستهدفون
لا تنسوا أرجوكم.. من وراء الثورة المضادة ومن هو الطرف الثالث الذي لم يُحاكم حتى الآن، وما يزال طليقا حرا أمنا سالما مقابل شباب ما بين شهيد ومصاب لا يعرف عن مستقبله شيئا
لا تنسوا أرجوكم.. أن الذي حمى ثورتكم المستهدفة في موقعة الجمل هم شباب الإخوان ( وأنا لست منهم ) وبالقطع مع شباب مصر العظيم
لا تنسوا أرجوكم.. ماضيكم الحزين المؤلم والذي يريدون إحيائه لكم مرة أخرى لمستقبل أعظم حزنا وألما ومرارة
لا تنسوا أرجوكم.. أن اختيارنا لإعادة النظام السابق لقواعده ومناصبه لا يعني إلا إعادة لانتقامهم وإعادة لاعتقالات سوف تكون بكل تأكيد أشد فتكا وظلما وأشد ضراوة وقبحا بل انتظروا منهم محاولة القضاء التام علينا 
إذا خرج المناضل حمدين صباحي.. فكلنا حمدين صباحي وكلنا عبد المنعم أبو الفتوح وكلنا خالد سعيد.. وكلنا مع القصاص العادل من قتلة أبنائنا وشبابنا الذي منحنا حرية الكلمة.. والقدرة على التعبير
ووالله الذي لا إله إلا هو لا مجال لاختيار أصلا بين د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق .. ولا أرى إلا أن المصيبة سوف تكون أعظم إذا ما أُحيكت دعوة للمقاطعة لأن هذا لا يعنى سوى عودة وانتصار ساحق للنظام السابق، ونحن جميعنا نعي ونفهم وندرك هذه الحقيقة شديدة الوضوح.
أخي المصري أختي المصرية.. اخرجوا وانتخبوا من تريدون فهي أصواتكم التي منحها وأعادها الله إليكم بدماء شهدائكم، ولكن لا تقاطعوا جولة الإعادة أبدا فيقطع الله عنا رجاء الإصلاح.

الإسرائيليون يكرهون جيش كيانهم/ د. مصطفى يوسف اللداوي


ما زال الترتيب الدقيق للقوات العسكرية الصهيونية سرياً، حيث يكتنف الغموض والسرية الكثير من قدرات الجيش الصهيوني القتالية، الدفاعية والهجومية، ويتعمد المسؤولون الإسرائيليون تبني سياسة الغموض وعدم الإفصاح عن حقيقة قدراتهم العسكرية، لاعتقادهم أن الغموض في حد ذاته سلاحٌ رادع، وهو ما اتبعته طويلاً في برنامجها النووي، وقد يحقق ما يطمحون إليه من أهدافٍ دون قتال، ودون اللجوء إلى السلاح واستخدامه، إلا أن التقرير السنوي للميزان العسكري الصادر عن المعهد الدولي للأبحاث الإستراتيجية في بريطانيا، يحاول أن يكشف بعض الأسرار، أو يميط اللثام عن بعض التوقعات، فقدر حجم الجيش الصهيوني النظامي بـ172 ألف جندي، منهم 107 آلاف في الخدمة الإلزامية، وقدر قوات الاحتياط بـ425 ألف جندي، ووفق تقديرات أخرى، فإن عديد الجيش الإسرائيلي يقدر بـ450 ألفاً، أما جيش الاحتياط يقدر بـ600 ألفاً، ولكن أياً كان عدد أفراد الجيش الإسرائيلي النظامي والاحتياطي، فإن قدرات الجيوش لا تقاس فقط بعتادها العسكري أو عديدها البشري، بل بالروح القتالية لدى أفراد الجيش، وبمدى انتمائهم إلى الدولة، وإيمانهم بالهدف الذي يقاتلون من أجله، وهو الأمر الذي بدأ الجيش الإسرائيلي يعاني منه كثيراً.
وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي تبذلها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ورؤساء أركان الجيش الإسرائيلي وكبار قادته، لتحسين صورة جيشهم وتزيينه وإخفاء عيوبه، وإظهاره بأجمل صورة، لإثبات أن الجيش الإسرائيلي هو أحد أكفأ الجيوش في العالم، وأكثرها تنظيماً، وأحسنها أخلاقاً، وأن الإسرائيليين يثقون به، ويركنون إلى قوته وسطوته وقدرته، ويحبون الانتساب إليه والخدمة فيه، وينفون عنه أي نقيصة أو عيب، إلا أن الحقائق تثبت عكس ذلك، وتكذب إدعاءات المسؤولين الإسرائيليين كافة، حيث تظهر الوقائع والأرقام والشواهد عكس ذلك تماماً، ونقيض ما يزعمه قادة الجيش ورؤساء أركانه ووزراء الدفاع أنفسهم، حيث أثبتت الحروب والمعارك الأخيرة التي شنها رؤساء أركان الجيش الإسرائيلي، أن جيشهم لم يعد أسطورة، وأنه أصبح بالإمكان هزيمته، وإلحاق الضرر به، ومنعه من تحقيق أهدافه، فلم يعد جيشهم لا يهزم ولا يقهر، بل بات يدرك أن هزيمته واردة، وفشله ممكن، كما أصبح على يقين بأن عدوه لم يعد سهلاً ولا بسيطاً، كما لم يعد يقبل الهزيمة ويستجيب لها، بل باتت قدرات المقاومة تخيف الجيش الإسرائيلي، وتحد من نشاطه وعملياته.
الصورة الحقيقية للجيش الإسرائيلي تظهر بوضوحٍ من داخله بلسان جنوده والمنتسبين إليه، إذ تجرأ الكثير من المجندين النظاميين ومن غيرهم من الضباط والجنود الاحتياط على قادة الجيش ورؤساء أركانه، واتهموهم جميعاً بالانشغال بالمصالح الخاصة، وبالتفريط في المصالح الوطنية لصالح مصالحهم الشخصية، وأنهم على استعداد للتضحية بحياة جنودهم من أجل البقاء في مناصبهم القيادية العسكرية والسياسية، كما أخذ الشباب الإسرائيليون من المؤهلين للجندية والأحزاب الدينية يصبون جام غضبهم على الجيش، ويفتعلون الأسباب والمبررات ليتهربوا من الخدمة العسكرية، ويتخلصوا من ربقة الانتساب إلى جيش بلادهم، هذه هي الحقيقة رغم محاولات المسؤولين الإسرائيليين إخفاءها، وإدعاء نقيضها.
يدرك المسؤولون الإسرائيليون في قيادة الجيش الصهيوني أهمية أن يكون جيشهم موحداً وقوياً، وأن يكون محبوباً ومحل ثقة من مواطنيهم، فهو بالنسبة لهم الدرع الواقي، والدرء الحامي من كل الأخطار الداخلية والخارجية، وهو القادر على مواجهة التهديدات القائمة الآنية والمستقبلية، ولهذا فإنهم يشعرون بالخطر الشديد إذا اهتزت صورة جيشهم، أو أبدى شبابهم عزوفاً عنه، ورغبوا عن الانتساب إليه، واختلقوا العديد من الأسباب للحيلولة دون التحاقهم بالجيش، حيث يدرك المسؤولون العسكريون أن حجم التهرب من الخدمة العسكرية كبير، وهو أكبر مما يدركه المواطنون الإسرائيليون أنفسهم، بل إن التصدي لظاهرة التهرب من الجيش تعتبر المهمة الأكبر أمام أي حكومة إسرائيلية قادمة، وعليها أن تجد حلولاً جذرية لظاهرة عزوف شعبهم عن الجيش والمؤسسة العسكرية والأمنية، كما أن على الحكومة مواجهة الأحزاب الدينية اليهودية التي ترفض أن يؤدي أعضاؤها الخدمة العسكرية، فهي تعلن بصراحة ووضوح رفضها دفع طلابها إلى الجيش، بل إنها تربط تحالفاتها مع المكلفين برئاسة الحكومة، وتشترط عليهم القبول بشروطها والنزول عند رغباتها مقابل دعمها للحكومة، في الوقت الذي تهدد الحكومة بحجب الثقة عنها إن هي أبدت تراجعاً عن موقفها المؤيد لشروطها.
إنها الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها رغم كل محاولات التضليل والكذب التي يمارسها المسؤولون العسكريون الإسرائيليون، فظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية أصبحت ظاهرة عامة، وسلوكاً شائعاً، وممارسة يومية، وعملاً مرغوباً لدى الكثير من الشباب الإسرائيليين، فقد كشف قسم القوى البشرية في الجيش الصهيوني النقاب عن أن 3.5% فقط من السكان يؤدون الخدمة العسكرية الاحتياطية، وأفادت معطياته بأن 0.5% فقط من المنخرطين في الخدمة النظامية يؤدون الخدمة الاحتياطية الفعلية.
وقد اضطرت وزارة الحرب الإسرائيلية وقيادة الجيش على الموافقة على خلاصات التوصيات العسكرية القاضية بتقليص مدة الخدمة العسكرية، لتشجيع المكلفين بالخدمة على الالتزام بالقانون، والالتحاق بفرق الجيش، بدلاً من التهرب والبحث عن الحيل والذرائع المختلفة للتخلص من الخدمة الإلزامية، وإلا فإن أعداد المرضى جسدياً ونفسياً من المكلفين بالخدمة سيزدادون، فضلاً عن مضاعفة عدد الغائبين والطلاب والمتدينين الرافضين للخدمة، وغيرهم من غير الملائمين جسدياً ونفسياً للخدمة العسكرية، من المجانين وأصحاب السوابق والمجرمين الخطرين، وكذلك من الأيتام وذوي الحاجات الخاصة، وأكد "يورام يائير" الضابط في لواء المظليين، ورئيس قسم القوى البشرية السابق في الجيش الإسرائيلي، أن 15.3% من مجندي الخدمة الإلزامية سُرِّحوا بشكل مبكر لعدم ملاءمتهم، ووفق معطيات رئيس شعبة الطاقة البشرية السابق "غيل ريغيف"، فإن 34- 50% من الشباب ممن هم في سنّ الخدمة لا يلتحقون بالخدمة، أو يتهربون منها لأسباب مختلفة، علماً أن أكثر من 40%من الجنود لا ينهون الخدمة العسكرية، فهم إما لا يتجندون أصلاً، وإما يتملصون في منتصف الخدمة، وعلى الرغم من أن التجنيد الإسرائيلي إلزامي من الناحية الرسمية، إلا أن نسبة غير بسيطة لا تتجند من المجتمع الصهيوني لأسباب مختلفة، وهي التي تسمى ظاهرة رفض الخدمة العسكرية لأسباب سياسية، وأخرى تتعلق بالضمير الشخصي، ويطلق عليهم اسم "الرافضين"، ولكن حقيقة الأمر أن الكثير منهم باتوا يكرهون جيشهم، ولا يحبون الانتساب إليه، والقتال تحت رايته.
علينا أن ندرك أننا وإن كنا لا نملك عتاداً يوازي ما يملكه الجيش الإسرائيلي، إلا أننا نملك جنوداً يحبون أوطانهم، ويبدون استعدادهم للتضحية من أجلها، لتحريرها وتطهيرها وإخراج المحتلين منها، فنحن بإيماننا أقوى منهم، وإننا بحبنا لأرضنا أصلب منهم، وبيقيننا أقرب إلى تحقيق أهدافنا منهم.

تجميد الدستور.. ماذا يعني؟/ محمد الياسين


لم يعد خافيا على احدا من العراقيين عدم جدية وعود قادة العملية السياسية ، وكثرة اكاذيبهم ، رئيس الوزراء على سبيل المثال اخلف بوعوده للعراقيين حينما امهل حكومته مئة يوم لتحسين اداءها في جانب تقديم خدمات للمواطنين وغيرها من وعوده اليهم ، على ضوء تظاهرات 25 شباط وما لحقها بعد ذلك ، من حراك شعبي كاد ان يطيح بحكومته ، ورغم ان نظام الديمقراطية يستمد شرعيته من الشعب وقائم عليها ألا ان المالكي رفض الاستجابة لرغبة الشارع العراقي بخروجه عن السلطة ولجأ لاستخدام وسائل وأساليب تنافي مبدأ الديمقراطية في التعامل مع المتظاهرين ، واكتفى بوعود قطعها على نفسه لهم ولم ترى النور .
اتساع دائرة الازمة حول المالكي بدخوله صراعات ومشادات كلامية مع غالبية مكونات الطيف السياسي وذهابه الى خيار تصفيات سياسية لخصومه عبر القضاء يذكرنا بمحاكم الثورة التي اقامتها الانظمة السابقة من اجل تصفية خصومها ومعارضيها دون ان يحضوا فيها بمحاكمات عادلة .
يتضح  من خلال ممارسات سياسية وامنية بواسطة السلطة تخلي رئيس الوزراء عن مفهوم الديمقراطية في ادارة الدولة ، هذا ان كان تبناه اساسا ، وذلك من خلال انفراده بالسلطة وصناعة قرار الحكومة دون العودة للتشاور مع الاطراف الاخرى ، وحصر ادارة الملف الامني بيده ، وتدخلاته المباشرة في سياسات البنك المركزي وسلطات يفترض استقلاليتها كالقضاء والجيش اللذان اصبحا اداته في ضرب وتصفية خصومه ومعارضيه .تلك سياسات وممارسات استبدادية لا تصدر الا عن دكتاتور يسعى الى بناء دولة بوليسية قائمة بوجوده وتنتهي بزواله ، اشارته مؤخرا  الى احتمال تجميد الدستور ، والتي اعدها بعض الساسة انقلابا على الديمقراطية ، واعدها اخرون تهيئة لانقلاب عسكري على الدستور ، تعني اعلان الاحكام العرفية واعطاء صلاحيات اوسع الى قادة الجيش والاجهزة الامنية الموالين لدولته! ، في القيام بحملات اعتقالات واسعة  تطال معارضين ومنافسين للحكومة .

يجدر بنا التأكيد على ان ذاكرة العراق حافله بتجارب الانظمة الدكتاتورية وحكامها وميولهم الى التصفية لا تقف عند حد معين ، وانما يلجأون الى تصفية حتى المقربين منهم ، طالما شعروا بتهديد او منافسة من قبلهم .
 تجميد الدستور في ظل أزمة سياسية تتصاعد وتيرتها تعني نية المالكي في قيامه بانقلاب عسكري ليس على الدستور والديمقراطية ، فهما اكذوبتان عرف حقيقتهما شعب العراق ،وانما على شركاءه في العملية السياسية لازاحتهم من المسرح السياسي وانفراده في بناء دولة بوليسيه بقيادة حزبه وزعامته كقائد ضرورة! ينفرد في حكم العراق!.

حمدين.. لا يحتاج إلى منصب/ محمد جنيدي

الذي يحمل تاريخه هذا القدر الهائل من التضحيات وتعريض حياته للاعتقالات والسجون والتعذيب.. لا يمكنني تصديق أنه يسعى من أجل الحصول على منصب أبدا، ولأنه مناضل شريف فإنه لم يخسر المعركة، ولكن عميان القلوب لا ترى الحقائق أبدا وهم الخاسرون لا شك.
حمدين صباحي.. سيواصل النضال الثوري الذي يجري في دمائه من أجلي ومن أجلك ومن أجل هذا الوطن الذي لم تنم عنه أعين الخائنين الجبناء.
نعم كنا نتمناه رئيسا لمصر يملك أدوات التغيير بتلك يديه.. ولكننا وإن خسرناه الآن في هذا المجال.. فلا ينبغي أن نخسره أبدا كقائد للحراك الوطني وكقلبٍ كبير ممتلئ بالحب لأبناء هذا الوطن وترابه.
يبدو أننا مازلنا لم نستحق جائزة حمدين صباحي في هذه المرحلة..وإننا جميعا كمصريين مطالبون بدراسة أبعاد ما حدث ويحدث لنا وما أسفرت عنه نتائج المرحلة الأولى للانتخابات دراسة محايدة متأنية ومنجزة لنختار الطريق الذي ينبغي أن نبدأ السير فيه من الآن قبل الغد.. ولا أرى أنه بإمكاننا فعل ذلك إلا من خلال ( اتفاق الشرفاء ) بالتشاور المثمر والجاد مع الدكتور محمد مرسي لتغليب مصلحة الوطن وإنقاذ الثورة من براثن الذئاب
أرجوكم.. أفيقوا أيها المصريون فقد حان وقت الاتحاد.

وجع فياض/ جواد بولس

عندما أعلن نتنياهو عزمه على تقديم الانتخابات للكنيست، أدخل جميع الأحزاب القائمة في حالة ضغط وإحراج. إعلانه فتح بورصة التكهنات على مداها الواسع. أعضاء الكنيست الحاليون شرعوا في إعداد حساباتهم والخوف يلفهم، فبعضهم لن ينعم بعد الانتخابات بما ييسّره ذلك البرج الذي من جاه وزجاج.
عندما تراجع نتنياهو عن عزمه ذاك، وبادر بإلحاق موفاز وكتيبته إلى مرافق السلطة وحظائر الغنائم، ارتاحت "قيادات" الأحزاب وتنفّست برئتين مليئتين، حتى أنّهم لم يتعاطوا مع ما قام به نتنياهو ومعاني تلك الفعلة السياسية ودلائلها على طبيعة النظام القائم في هذه الدولة.
تجنيب زعاماتنا تلك المخاطرة كانت هي الحدث الأهم ولبعضهم ضمان لعامين إضافيين من المنصات وشبك الأيادي في الصف الأول الذي تحوّل إلى مشهد مألوف وضرورة حياة، فمن هناك استطاعوا قيادة معارك تحريرنا وإيصالنا إلى بئر الحرمان وشواطئ من رمل ونار وبيلسان.
للحقيقة، وها أنا أعترف للمرة الأولى وأقرّ أنني كنت من أوائل من ارتاحوا من تراجع نتنياهو عن قراره بتقديم الانتخابات، مع أني كنت وما زلت من قوم يؤمنون بضرورة المشاركة الفعلية في هذه العملية الهامة. الإدلاء بصوتي هو عربون بقاء في أرضي مواطنًا مشاركًا ومحاسبًا مشاكسًا وصاحب حق في الوطن والمستقبل. لست بغريب ولا بطارئ ولا مسافر على رصيف الوعيد أو حالم بوعود خادم رعديد أو عند صاحب "العيديد". لم أومن بمقاطعة الانتخابات مهما كانت الأسباب والذرائع ولذا أدليت بصوتي في الماضي وكان عليّ أن أفعل ذلك في أيلول القادم لو لم يتراجع نتنياهو.
فرحت لأنّني كنت في حيرة من أمر صوتي. فللمرة الأولى في حياتي لم أشعر بأنّني سأصوَّت بشكل طبيعي لمن درجت أن أكون معهم وفي صفّهم، فهم من قاوم وصمد، وهم من بنى وعلّم وهم من نثر وبذر، وكانوا حليب قوامنا وكنت وجيلي في حضنهم الدافئ وعلى دربهم الواعد. في الماضي كانت يدي تنتقي البطاقة بطبيعية وألفة ابن لحضن والدته، واليوم أخالني أقف وقفة الحائر، فالطريق هو طريقي ولكن "نامت نواطير حيفا عن ثعالبها".
متعب أنا ومثلي كثيرون. رمادية هي الأيام ولا قوس قزح. نفاق وشقاق ولا موعد مع فجر عليه أنام. نفسي وبعدي الطوفان، القيمة العليا وفخر أجيال الحاضر وسوس المستقبل. زعامات في بعضها ما زال الأمل معقودًا، لكنَّها تخيّب في كل كبوة، فكم كبوة للجياد؟!
عودة لمواضٍ حسبناها قد ولّت. حصار هنا وحصار هناك، أهرب من حيفا فأغرق في زبد رام الله. زعماء تتشابه وكأنّها من بيضة الديك ذاته. يشغلهم زبد الكلام وأحاديث الملاهي. سباقات في حلبات وطنية عارية من "وطن" و "نيّة". يسجٌلون فيها انتصارات هي أكذب من وهم. سادة في الحرف والنص والترديد وعبيد للسائد، فلا تغيير ولا إصلاح ولا تجديد. عالم من نشيد مليء بالنشاز وسفيه الكلام. ففي فلسطين كما في فلسطين، حناجر تصيح، حناجر لا تشيخ وحناجر للتخوين. ساحات نابلس كساحات حيفا وكما كان هكذا سيكون، كأن الزمان اختفى ولا أمر قد انقضى. جيوش تكر باسم مفتٍ وترسم النصر على رايات من خبل ونخيل، وأولاد مَن وعد أن يصنع من جماجمنا للمجد سلّما ما زالت تعد سلالم من ريح ودخان.
فلسطين الأمس فلسطين اليوم، وها هم إخوة "حنين" يخوِّنون "سعيد"، و"طيبي" يصرخ من تقصير "جمال"، وشيخ يعدنا بنصر قريب أكيد لن يكون فقط في جليل بل إمارة وطيدة في بلاد الغال وحتى جبال الجليد.
فلسطين اليوم كفلسطين الأمس، عالم من خيال ووهم ومستحيل. أهرب من زبد حيفا فأسقط في عبث رام الله. الكلّ يخوّن الكل. حب كحب الأفاعي وكعناقها. لا يجتمع اثنان إلّا والنميمة ثالثة والاستغابة سيدة. ثورة تعيش على قصيدة ووطن كان في حقيبة فرحل صاحب الحقيبة وتاه الوطن. "فتح" و"حماس" والعدو "سلام"، يسار مشتهى ويمين مدّعى ولا ضير فإمّا البحر وإمّا الصحراء، وهذا ما كان وهذا ما سيكون. أمريكا هي التهمة يا سلام والشهوة أمريكا يا سلام، فأين المفر؟
غابة والظلمة على قدر أهل الذل والشك وفرسان الحطام. الزمن زمن نتنياهو وصحبه وآله ومن في فلكه يسبحون. وفي فلسطين اليوم كما في فلسطين الأمس، تدجين وترويض وشقاق ونفاق ونميمة. أمل ووعد وحق وتاريخ وسلام، وأنا ومثلي كثيرون متعبون من عفن ومن كلام، فالوجع فياض.
ولك نتنياهو، لا شكر فلقد أرحتني من قرار وختام.

مبادئ ميثاق تحتاجها مصرُ وكلُّ العرب/ صبحي غندور

منذ نصف قرن تماماً، وفي يوم 21/5/1962، اجتمع أعضاء "المؤتمر الوطني للقوى الشعبية" المصرية الذي جرى انتخابه شعبياً خصّيصاً لهدف مناقشة مشروع "الميثاق الوطني" الذي تقدّم جمال عبد الناصر به. وقد خاطب عبد الناصر المؤتمر بالقول:
"النهارده بنبتدي مرحلة هامة وشاقة في كفاحنا من أجل تحقيق الأماني التي نتمناها، وأنتم بالذات نيابة عن القوى الشعبية التي انتخبتكم؛ أمامكم مسئولية كبيرة في هذه المناقشة الكبيرة والتي تبدأ اليوم، مشروع الميثاق طويل لسبب؛ وهو أني أردت أن أضع فيه حصيلة التجربة الوطنية، من الماضي اللى عشناه إلى المستقبل الذى نريده".
وقد تضمن "الميثاق الوطني" عشرة أبواب شملت نظرةً عامّة على جذور النضال المصري والظروف التي فرضت حدوث "ثورة 23 يوليو" ثم دروس النكسات التي عصفت في تجارب التغيير الوطني المصري، وصولاً إلى مفاهيم حول الديمقراطية السليمة وحتمية ارتباطها بالعدل الاجتماعي، ثمّ مشاكل الإنتاج وتطبيق التجربة الإشتراكية، وأخيراً عن الوحدة العربية والسياسة الخارجية في البابين التاسع والعاشر.
طبعاً، أوضاع وظروف كثيرة تغيّرت في مصر والعالم خلال العقود الخمسة الماضية، لكن هذه المتغيّرات كلّها لم تُضعِف من قيمة "الميثاق الوطني" وما ورد فيه من مبادئ عامّة تحتاجها الآن مصرُ وكلُّ العرب.  فصحيحٌ أنّ "الميثاق" كان يتعامل مع مرحلة جديدة دخلتها مصر عبد الناصر عقب انفصال سوريا عن "الجمهورية العربية المتحدة"، وبعد دخول المجتمع المصري في مرحلة "القوانين الإشتراكية"، وفي ظلّ أجواء "الحرب الباردة" التي كانت على أشدّها بين "المعسكر الغربي الرأسمالي" و"المعسكر الشرقي الإشتراكي"، لكن كان إعلان "الميثاق الوطني" محطّةً فكرية وسياسية هامّة في تاريخ "ثورة 23 يوليو" التي حصلت أصلاً في العام 1952 تحت شعارات "المبادئ الستّة" للثورة ، والتي لم يرافقها أي دليل عمل فكري وسياسي كالذي جاء لاحقاً في "الميثاق". لذلك قال عبد الناصر عنه بأنّه "حصيلة التجربة الوطنية"، وهو فعلاً كذلك بعد 10 أعوام على الثورة التي اعتمدت على أسلوب "التجربة والخطأ" بسبب غياب دليل العمل الفكري والسياسي.
الآن، مصر السياسية تولد من جديد بعد "ثورة 25 يناير 2011"، وبعد أربعة عقود من ابتعادها عن نهج "ثورة 23 يوليو"، وكأنّ "الميثاق الوطني" في العام 1962 كان في منتصف الطريق بين ولادة "ثورة يوليو 1952" وبين الانحراف بعد 10 سنواتٍ عنها في نهجٍ بدأه أنور السادات واستمرّ به وعمّقه حسني مبارك.
الآن أيضاً، نجد "ثورة 25 يناير" بلا دليل عملٍ فكري وسياسي يُرشد حركتها ومستقبلها. فهي الآن ثورةٌ تبحث عن هويّتها وعن القوى المخلصة لها والعاملة فعلاً من أجل تحقيق أهدافها. هي ثورةٌ يريدها البعض انقلاباً على حقبة "ثورة يوليو" وليس فقط على حكم الفساد والاستبداد والتبعيّة الذي ساد في مرحلة ما بعد جمال عبد الناصر.
إنّ "ثورة 25 يناير" بحاجةٍ ماسّة الآن إلى دليل فكري وسياسي يستفيد من تجربة "المؤتمر الوطني للقوى الشعبية المصرية" في العام 1962، ويستند إلى ما ورد فيه من مبادئ فكرية ما زالت صالحةً لمصر وللعرب في هذه المرحلة. وهذه فقراتٌ قصيرة ممّا ورد في "الميثاق الوطني"، وفيها دلالةٌ على الأهمّية:
        ... إنّ هذه الصور من الثورة الشاملة تكاد فى الواقع أن تكون سلسلة من الثورات، وفى المنطق التقليدي حتى لحركات ذات طابع ثوري سبقت فى التاريخ؛ فإن هذه الثورات كان لا بدّ لها أن تتمّ فى مراحل مستقلة، يستجمع الجهد الوطنى قواه بعد كل واحدة منها؛ ليواجه المرحلة التالية.. لكن العمل العظيم الذى تمكّن الشعب المصرى من إنجازه بالثورة الشاملة، ذات الاتجاهات المتعددة؛ يصنع حتى بمقاييس الثورات العالمية تجربةً ثورية جديدة.
إنّ هذا العمل العظيم تحقّق بفضل عدّة ضمانات تمكّن النضال الشعبي من توفيرها:
أولاً: إرادة تغيير ثوري ترفض أي قيد أو حد إلا حقوق الجماهير ومطالبها.
ثانياً: طليعة ثورية مكّنتها إرادة التغيير الثوري من سلطة الدولة؛ لتحويلها من خدمة المصالح القائمة إلى خدمة المصالح صاحبة الحق الطبيعي والشرعي، وهى مصالح الجماهير.
ثالثاً: وعى عميق بالتاريخ، وأثره على الإنسان المعاصر من ناحية، ومن ناحية أخرى لقدرة هذا الإنسان بدوره على التأثير فى التاريخ.
رابعاً: فكر مفتوح لكل التجارب الإنسانية؛ يأخذ منها ويعطيها، لا يصدّها عنه بالتعصّب، ولا يصدّ نفسه عنها بالعقد.
خامساً: إيمان لا يتزعزع بالله وبرسله، ورسالاته القدسية التي بعثها بالحق والهدى إلى الإنسان فى كل زمان ومكان. وإن أعظم تقدير لنضال الشعب العربي فى مصر، ولتجربته الرائدة؛ هو الدور الذى استطاع أن يؤثّر به فى حياة أمّته العربية، وخارج حدود وطنه الصغير إلى آفاق وطنه الأكبر. إنّ تجربة الشعب المصرى أحدثت أصداءً بعيدة المدى فى نضال أمّته العربية..
.. إنّ الأصداء القوية التى أحدثتها ثورة الشعب المصري فى الأفق العربي كلّه.. عادت إليه مرّةً أخرى على شكل قوة محركة تدفع نشاطه، وتمنحه شباباً متجدداً. إنّ ذلك التفاعل المتبادل يؤكّد فى حدّ ذاته وحدة شعوب الأمّة العربية.
.. إنّ أصداء النصر الذى حقّقه الشعب العربي في مصر لم تقتصر على آفاق المنطقة العربية؛ وإنّما كانت للتجربة الجديدة الرائدة آثارها البعيدة على حركة التحرير فى إفريقيا، وفى آسيا، وفى أمريكا اللاتينية...
        ..إنّ الوحدة لا يمكن - بل ولا ينبغى - أن تكون فرضاً، فإن الأهداف العظيمة للأمم يجب أن تتكافأ أساليبها شرفاً مع غايتها، ومن ثمّ فإنّ القسر بأي وسيلة من الوسائل عمل ٌمضاد للوحدة، إنّه ليس عملاً غير أخلاقى فحسب؛ وإنّما هو خطرٌ على الوحدة الوطنية داخل كل شعب من الشعوب العربية، ومن ثم بالتالي فهو خطر على وحدة الأمّة العربية فى تطوّرها الشامل، وليست الوحدة العربية صورة دستورية واحدة لا مناص من تطبيقها، ولكن الوحدة العربية طريق طويل قد تتعدّد عليه الأشكال والمراحل وصولاً إلى هدفٍ أخير. إنّ أي حكومة وطنية فى العالم العربي تمثّل إرادة شعبها ونضاله فى إطار من الاستقلال الوطنى هى خطوةٌ نحو الوحدة، من حيث أنّها ترفع كل سبب للتناقض بينها وبين الآمال النهائية فى الوحدة. إن أي وحدة جزئية فى العالم العربى - تمثل إرادة شعبين أو أكثر من شعوب الأمّة العربية - هى خطوة وحدوية متقدّمة تُقرّب من يوم الوحدة الشاملة، وتمهّد لها وتمدّ جذورها فى أعماق الأرض العربية.
..إنّ الدعوة السلمية هى المقدّمة، والتطبيق العلمي لكل ما تضمنه الدعوة من مفاهيم تقدمية للوحدة، هى الخطوة الثانية للوصول إلى نتيجة محققة، إنّ استعجال مراحل التطور نحو الوحدة يترك من خلفه كما أثبتت التجارب فجوات اقتصادية واجتماعية تستغلها العناصر المعادية للوحدة كي تطعنها من الخلف.
..وإذا كانت الجامعة العربية غير قادرة على أن تحمل الشوط العربي إلى غايته العظيمة البعيدة، فإنّها تقدر على السير به خطوات. إنّ الشعوب تريد أملها كاملاً، والجامعة العربية بحكم كونها جامعة للحكومات لا تقدر أن تصل إلى أبعد من الممكن؛ إنّ الممكن خطوة فى طريق المطلوب الشامل. إنّ تحقيق الجزء مساهمةٌ فى تقريب يوم الكل، لهذا فإن الجامعة العربية تستحق كل التأييد، على ألا يكون هناك تحت أي ظرف من الظروف وهم تحميلها أكثر من طاقتها العملية التى تحدّها ظروف قيامها وطبيعتها. إن الجامعة العربية قادرة على تنسيق ألوان ضرورية من النشاط العربي فى المرحلة الحاضرة، لكنّها فى نفس الوقت، تحت أي ستار وفى مواجهة أي ادعاء، لا يجب أن تٌتَّخذ وسيلة لتجميد الحاضر كله وضرب المستقبل به..
..إنّ شعبنا يمدّ نواياه المعززة بالأعمال لتحقيق التعاون الدولي عبر كل المحيطات وإلى كل الأقطار، وإذا كان شعبنا يؤمن بوحدة عربية، فهو يؤمن بجامعة إفريقية ويؤمن بتضامن آسيوي - إفريقي، ويؤمن بتجمّع من أجل السلام يضمّ جهود الذين ترتبط مصالحهم به، ويؤمن برباط روحي وثيق يشدّه إلى العالم الإسلامي، ويؤمن بانتمائه إلى الأمم المتحدة وبولائه لميثاقها، الذى استخلصته آلام الشعوب فى محنة حربين عالميتين، تخلّلتهما فترةٌ من الهدنة المسلحة.
         إنّ الإيمان بهذا كلِّه لا يتعارض مع بعضه ولا يتصادم، وإنّما حلقات سلسلة واحدة. إنّ شعبنا شعبٌ عربيٌّ ومصيره يرتبط بوحدة مصير الأمّة العربية. إنّ شعبنا يعيش على الباب الشمالي الشرقي لإفريقيا المناضلة، وهو لا يستطيع أن يعيش فى عزلة عن تطوّرها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. إنّ شعبنا ينتمي إلى القارّتين اللتين تدور فيهما الآن أعظم معارك التحرير الوطنى، وهو أبرز سمات القرن العشرين.
         إنّ شعبنا يعتقد فى السلام كمبدأ، ويعتقد فيه كضرورة حيوية؛ ومن ثمّ لا يتوانى للعمل من أجله، مع جميع الذين يشاركونه نفس الاعتقاد.
         إنّ شعبنا يعتقد فى رسالة الأديان وهو يعيش فى المنطقة التى هبطت عليها رسالات السماء. إنّ شعبنا يعيش ويناضل من أجل المبادئ الإنسانية السامية التى كتبتها الشعوب بدمائها فى ميثاق الأمم المتحدة، إنّ فقراتٍ كثيرة فى هذا الميثاق قد كُتبت بدماء شعبنا، ودماء غيره من الشعوب.
         إنّ شعبنا قد عقد العزم على أن يعيد صنع الحياة على أرضه بالحرية والحق.. بالكفاية والعدل.. بالمحبة والسلام. وإنّ شعبنا يملك من إيمانه بالله، وإيمانه بنفسه ما يمكّنه من فرض إرادته على الحياة ليصوغها من جديد وفق أمانيه.
***
أيضاً، قال جمال عبد الناصر في الباب الأوّل من "الميثاق الوطني"، الذي قدّمه في أيار/مايو 1962 للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية:
"إنّ قوّة الإرادة الثورية لدى الشعب المصري تظهر في أبعادها الحقيقية الهائلة إذا ما ذكرنا أنّ هذا الشعب البطل بدأ زحفه الثوري من غير تنظيم ثوري سياسي يواجه مشاكل المعركة، كذلك فإنّ هذا الزحف الثوري بدأ من غير نظريةٍ كاملة للتغيير الثوري. إنّ إرادة الثورة في تلك الظروف الحافلة لم تكن تملك من دليلٍ للعمل غير المبادئ الستّة المشهورة".
وما قاله "الميثاق الوطني" عن كيف أنّ الثورة بدأت دون "تنظيم سياسي ثوري" ودون "نظرية سياسية ثورية"، يوجِد تفسيراً لما وصلت إليه مصر والأمَّة العربية بعد وفاة جمال عبد الناصر، حيث فقدت الجماهير العربية اتصالها مع القائد بوفاته، ولم تكن هناك بعده أداة سياسية سليمة تحفظ للجماهير دورها السليم في العمل والرقابة والتغيير. أيضاً، مع غياب ناصر/القيادة، وغياب البناء السياسي السليم، أصبح سهلاً الانحراف في مصر عن المبادئ، والتنازل عن المنطلقات، والتراجع عن الأهداف.
اليوم، مصر والأمَّة العربية بحاجةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى إلى دليل فكري نهضوي إصلاحي، لا يقلّل من شأنه سلامة أسلوب الحراك الذي اعتمده شباب مصر في إطلاق "ثورة يناير". لكن في كل حركة تغيير هناك حاجة لعناصر ثلاثة متلازمة من المهمّ تحديدها وتوفّرها معاً: القيادة، الأهداف، والأسلوب. فلا يمكن لأي غاية أو هدف أن يتحقّقا بمعزل عن هذا التّلازم بين الرّكائز الثلاث. فتوفّر الأسلوب السليم لحركات التغيير الشبابية يعزّز الحاجة لضمانات فكرية ومؤسساتية تحقّق الأهداف وتمنع التشويه والانحراف والاستغلال. فهي فرصةٌ هامّة، بل هي مسؤوليّةٌ واجبة، للجيل العربي الجديد المعاصر الآن، أن يدرس ماضي أوطانه وأمّته بموضوعيّة وتجرّد، وأن يستخلص الدروس والعبر لبناء مستقبل جديد أفضل له وللأجيال القادمة.

  *مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

قراءة في محاور الحرب على إيران/ محمد الياسين

  المقدمة :

في نظرة تقليدية عامة الى مسار احداث قضية ملف إيران النووي وتداعياته المحتملة نجد صعوبة في تقبل افكار سوقتها ماكنة الاعلام الغربي تنذر بقرب موعد توجيه ضربة عسكرية لطهران وإقتراب المنطقة من ساعة صفر تعلن فيها إسرائيل شن حرب على النووي الايراني ، زخم مواد الاعلام في تحليل الزوايا العسكرية الفنية والجيوسياسية والاقتصادية لسيناريوهات يحتمل وقوعها لا يعني بالضرورة دخول ساعة الصفر في توجيه ضربة عسكرية لإيران .لاسيما وان أغلب التقارير الاخبارية والوثائقية تناولت بدقة عالية تحديد صنوف عسكرية ستشترك بالضربة ، والمواقع المستهدفة منها ، بالمكان والوقت المتطلب لاصابة أو تدمير الهدف ، و كذلك صعوبات فنية سيواجهها الطيران الاسرائيلي وأبرزها مسألة تزويده بالوقود أثناء قيامه بقصف الاهداف الايرانية .

تحولات المشهد السياسي الاسرائيلي :

تفيد تقارير اخبارية صادرة من إسرائيل عن حالة ترقب حذر يعيشها الشارع الاسرائيلي إتجاه السياسات المرتقبة للتحالف الحكومي الجديد ، خاصة فيما يتعلق بشأن تهديدات النووي الايراني ، برغم من اجماع الاسرائيليين على ضرورة إيجاد حلول حقيقية لتلك التهديدات ، فأن خطوة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتوسيع تحالف حكومي بضم شاؤول موفاز وزير الامن الوطني الأسبق وزعيم حزب كاديما أحد ابرز الاحزاب السياسية في اسرائيل ألقت بالكثير من التساؤلات حول طبيعة أهداف وسياسات التحالف الحكومي الجديد .

تخوف المجتمع الدولي من إتساع نطاق تحالف حكومي يضم رئيس المعارضة يصب بإتجاه تخوفهم من قيام اسرائيل بخطوة إستباقية احادية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران في ظل ظروف مضطربة تعيشها المنطقة والعالم . خاصة وأن مصادر إسرائيلية قد رجحت في وقت سابق إقتراب موعد الهجوم على المشروع النووي الايراني بعد إنضمام رئيس المعارضة شاؤول موفاز لحكومة نتنياهو ، و نقل اذاعة الجيش الاسرائيلي عن مصادر مطلعة في مكتب رئيس الوزراء نتنياهو قولها ان السبب الرئيسي لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة موفاز ونتنياهو هو مواجهة التحديات الامنية والسياسية المقبلة والتي تتطلب توحد المجتمع الاسرائيلي خلف حكومته في مواجهة مستقبل مليء بالمفاجآت.
وقالت المصادر ان نتنياهو شعر بخيانة التحالف الغربي لمشروعه في مهاجمة البرنامج النووي الايراني في ظل الغزل المعلن والخفي بين طهران وواشنطن.وتوقعت المصادر ان يحدث تغييرا دراماتيكيا في موقف موفاز المعارض لشن هجوم على ايران وان ينتقل بموقفه الجديد الى التأييد لشن عمليات كبرى ضد البرنامج النووي الايراني .

تأثيرات ازمة اوربا الاقتصادية على صناعة قرار الحرب:

تفاوت المواقف داخل منظومة الاتحاد الاوربي بخصوص خيارات التعامل مع القضية النووية لايران بسبب تداعيات كارثية محتملة إقتصاديا وسياسيا وامنيا ، وفي مقدمة مخاوف الدول الاوربية من اللجوء للخيار العسكري هو إرتفاع أسعار النفط المُصدر لاوربا من الشرق الأوسط في ظل أزمة إقتصادية خانقه تعيشها دول الاتحاد أودت بأسقاط رئيسي اليونان وفرنسا ، والتي تعد سببا في شعور سائد لدى الاوساط الاسرائيلية و تحديدا رئيس الوزراء نتنياهو بعدم رغبة الغرب باللجوء للخيار العسكري ضد إيران ، لاسيما وأن اولاند الرئيس الفرنسي الجديد الذي يضم في طاقمه مستشارين من اصول ايرانية يعد من المعارضين لخيار الحرب على إيران.

يُراهن الايرانيون على عدم قدرة الغرب والاوربيين تحديدا في الظروف الراهنة في الذهاب للخيار العسكري استنادا الى الازمة الاقتصادية التي تعيشها أوربا وحاجتهم لاستمرار تدفق النفط بسعر منخفض وذلك لا يتحقق ألا عبر استمرار فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على طهران دون اللجوء لخيارات عسكرية تؤدي لرفع أسعار النفط عالميا فيكون فيها منفعة اقتصادية لايران وضررا لاوربا .

أزمات إيران الداخلية:

وضع إيران الداخلي ليس أقل سوء من وضعها الخارجي ، بسبب حالة غليان شعبي تعيشها البلاد منذ مدة ، تفاقمت مع فرض عقوبات اقتصادية فرضها المجتمع الغربي و يرجع شعب ايران اسبابها الى سياسات النظام الخارجية ، إرتفاع نسب الفقر بين أوساط المجتمع الايراني و تزايد حالة السخط بين أوساط الجيل الجديد التواق الى التحرر والحداثة ورفض استمرار سطوة رجال الدين على كافة مفاصل الحياة الايرانية بقوة الباسج والحرس الثوري والاجهزة الامنية الاخرى التابعة للنظام الحاكم ، إضافة لازمة سياسية خانقة بين تيار المحافظين والاصلاحيين من داخل مؤسسة النظام وأزمة حقيقية بين الرئيس الايراني والمرشد الاعلى للجمهورية ،تحديات و ازمات جدية تعيشها إيران ، يرى بعض المتشددين داخل مؤسسة النظام في خيار الحرب سبيل لانقاذ نظامهم بتوحيد القيادة الايرانية والتفاف الشعب حول اركان النظام في حال تعرضت البلاد الى حرب اسرائيلية دولية.

انتخابات الرئاسة الامريكية:

لم يعرف في السابق عن تاريخ السياسة الامريكية لجوء قادتها الى خيارات تصعيدية حربيه عند الاقتراب من موعد انتخابات رئاسية ، ولطالما إتجهت نحو التهدئة في القضايا الخارجية كلما إقتربت من إنتخابات في البلاد ، لاسيما اليوم في القضية السورية والنووي الايراني ، بالرغم من استئناف الادارة الامريكية بيع السلاح للبحرين ، وصفقة الطائرات للامارات والسلاح للسعودية ، وكذلك وصول اسطول امريكي جديد للمنطقة ، ألا انه تبقى مخاوف الامريكيين من إندلاع حرب إسرائيلية – ايرانية قائمة على أساس قدرة الايرانيين عبر حلفاءهم بضرب الاهداف والمصالح الاستراتيجية لامريكا بالمنطقة ، خاصة مع حالة الارباك التي تعيشها دول المنطقة بسبب التحولات السياسية والاجتماعية فيها.

تفاؤل إيران في إجتماع بغداد " 5 +1 ":

رغبة الايرانيين في عقد إجتماع مجموعة "5 +1 " في بغداد لتحقيق غايات سياسية منها دعم الحليف العراقي لايران "المالكي" بتعزيز مواقفه السياسية وكذلك الحليف السوري "المُقعد " حاليا عن لعب أي دور اقليمي بسبب مواجهته ثورة شعبية سورية . ولا تتعدى كونها مناورة سياسية إيرانية من اجل حلحلة الازمة مع المجتمع الغربي ، وغزل إيراني معلن للدول الكبرى بإشارة واضحة جاءت على لسان وزير الخارجية على اكبر صالحي في طمأنة الأسرة الدولية من اجتماع بغداد المزمع عقده قال :أذا كنا قد خطونا في اسطنبول خطوة واحدة الى الأمام فأننا سنخطو في بغداد خطوات كثيرة الى الأمام " .

خلاصة :

يتضح بعد السرد الذي تقدمنا به صعوبة ذهاب الاسرائيليين لخيار الحرب دون موافقة أوربية-أمريكية ، خاصة وأن إسرائيل تحيط بها جبهات مناوئة في كلا من لبنان وفلسطين وسوريا وموالية لإيران ، تحاصر قرارها السياسي بشن حرب على طهران ، رغم تصريح اسماعيل هنيه أحد قادة حركة حماس الحليفة لإيران ورئيس الحكومة المُقالة في غزة بتحييد الساحة الفلسطينية عن الحرب في حال شنت إسرائيل هجوما عسكريا على طهران بقوله : عدم محاربة حماس لإسرائيل من أجل إيران " ، ألا أن تصريحات السيد حسن نصر الله الاخيرة أكد فيها على جاهزية حزب الله وقدرة صواريخه الإيرانية على أن تصل الى اهداف حساسة في إسرائيل وتحديدا تل أبيب ، لاسيما في ظل الازمة التي يعيشها نظام الاسد وبحث الاخير عن طوق نجاة للخروج من نطاق الازمة السورية ، والذي قد يجد بقيام الحرب وتصدير الازمة إليها ضالته ، خاصة مع امتلاك النظام السوري لترسانه كبيرة من صواريخ ايرانية وروسية وكورية . كذلك سعي النظام الايراني الى تهدئة الازمة عبر مناورات سياسية وطرق ملتوية بخداع المجتمع الدولي وتضليل شعوب المنطقة عن حقيقة أهداف برنامجه النووي ليس الخيار الوحيد لإيران في حال إشتدت الازمة الاقتصادية التي تعيشها بسبب إستمرار فرض العقوبات الدولية فقد تلجأ لمزيد من سياسات التصعيد في محاولة لجر المنطقة الى حرب ترفع سعر النفط الإيراني وكذلك النفط المُصدر لأوربا والذي يعد كارثة إقتصادية أخرى تعصف بدول الاتحاد الاوربي .

يبقى احتمال شن اسرائيل حرب عسكرية على ايران قائم كلما اتجهت الاطراف الدولية الى تهدئة الاجواء عبر الدبلوماسية الايرانية- الغربية‘ وكسب النظام الايراني مزيد من الوقت وتقديم بعض التنازلات دون التنازل عن المشروع النووي ، برغم من ان مماطلات الغرب وايران وترجمتها الى عقوبات اقتصادية يقابلها غضب وترقب اسرائيلي قد يخرج عن اطار التحركات الدبلوماسية الى افعال قد تكون قاسية على الجميع عبر اتخاذ قرار سياسي باعلان حرب عسكرية على طهران ، برغم من ان هكذا قرار لن يكون جاهز في الوقت الراهن عند الاخذ بعين الاعتبار الظروف والمعطيات التي ذكرناها ، فأن اخر ماينتظره قادة الاتحاد الاوربي من تل ابيب هو اعلان موعد للحرب على طهران .



من هو الرابح من حصار غزة سياسيا واقتصاديا؟/ عبد الكــريم عليــان

الفلسطينيون بعد النكبة تشتتوا أو هجروا إلى أماكن عدة في أنحاء مختلفة من العالم ، لكن الأغلبية تركزت في غزة والضفة وفي الدول المحيطة كالأردن وسوريا ولبنان ومصر، وكذلك الفلسطينيون الذين لم يغادروا فلسطين، فبقوا تحت الحكم الإسرائيلي إلى يومنا هذا.. حملت غزة تحت إدارة الحكم المصري بقيادة جمال عبد الناصر شعلة الثورة الفلسطينية لتحرير فلسطين، وفيها تأسست كتائب الفدائيين الأوائل الذين شنوا غارات كثيفة على الصهاينة الذين احتلوا أراضيهم ومدنهم وقراهم.. ومنها بدأت تتشكل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، بعد احتلال إسرائيل لغزة وسيناء والجولان السورية والضفة الغربية عام 1967 بقيت غزة شعلة متوهجة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي إلى أن ابتدعت شكلا جديدا للنضال الشعبي وهو: الانتفاضة المجيدة عام 1987، والتي كان لها الأثر الأول على العالم في إيجاد حلولا سياسية للقضية الفلسطينية، وبناء عليه كان اتفاق أوسلو الذي أسس أول حكم للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وبعد ستة سنوات من تنفيذ اتفاق أوسلو بدأت إسرائيل بالتراجع عن العديد من استحقاقات أوسلو ( لسنا هنا في محل لمناقشة مشروع أوسلو )، بوضع العراقيل وافتعال المبررات للتنصل من الاتفاق إلى أشعلت انتفاضة جديدة وهي: انتفاضة الأقصى أدت إلى محاصرة الرئيس عرفات ـ رحمه الله ـ في رام الله، ومن ثم وافته المنية بعض إصابته بمرض غامض، وأثيرت الشكوك حول وفاته أو قتله مسموما.. وما يهمنا هنا.. هو: بروز حركة حماس كقوة مسلحة ساهمت بدور كبير في مقاومة الاحتلال وكان نشاطها الأكبر في قطاع غزة، حيث اكتسبت دعما قويا من الشعب الفلسطيني الذي تأمل فيها مخلصا كبيرا من الاحتلال، في تلك الأثناء كانت الرباعية الدولية قد أصدرت فيما يسمى بخارطة الطريق التي وافقت عليها القيادة الفلسطينية مع التحفظ على بعض من بنودها، وبالطبع رفضتها إسرائيل والتفت عليها بالانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد.. بعدها جرت انتخابات تشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية، وفازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، فأثارت غضبا شديدا لدى الإسرائيليين ومن لف لفهم كما يدعون..!؟ وبدأت إسرائيل بمساعدة أمريكا بفرض الحصار على الشعب الفلسطيني.. لم تدم الأمور طويلا حتى هاجمت مجموعة مسلحة تقودها حركة حماس باقتحام موقعا عسكريا إسرائيليا على حدود غزة، فأدت إلى قتل جنديين إسرائيليين وخطف ثالث، وإخفائه بغزة.. على اثر ذلك قامت إسرائيل بفرض حصارا خانقا على قطاع غزة وافتعال الفتن بين حركة حماس وحركة فتح المتصارعتان من قبل على الحكم، أدت فيما أدت إليه بتفرد حركة حماس بحكمها لقطاع غزة وتفرد حركة فتح أو السلطة الشرعية التي تقودها حركة فتح للضفة الغربية.. وبات الشعب الفلسطيني منقسما إلى شقين محتلين ومحاصرين من قبل إسرائيل التي اعتبرت الانقسام قوة أخرى لصالحها حيث نفذت في ظله كثيرا من السياسات والمخططات التي لم تستطع تنفيذها في السابق بما فيها التهام المزيد من أراضي الضفة وزيادة المستوطنات فيها وضربت بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية، وراحت تهدد بفرض المزيد من الحصار والضغط على السلطة الفلسطينية إن اصطلح الطرفان.. إذن المستفيد الرئيسي سياسيا من الحصار هو: إسرائيل أولا.. حيث أعاقت إن لم يكن أوقفت المشروع الوطني الفلسطيني وبات بين قوسين أو أدنى..

حركة حماس التي التهت وفرحت بحكمها لغزة، وقد تكون اكتفت بذلك حسب ما آلت إليه الأمور حاليا، إذ توقفت المقاومة ضد إسرائيل من غزة، وراحت إلى أبعد من ذلك حيث تقف قوة حماس بالمرصاد لكل من يحاول العبث بالهدنة من طرفها ( الهدنة وافقت عليها حماس مع الوسيط المصري دون أن تعلن إسرائيل موافقتها، وهذا يعني تفاهما وليس اتفاقا وغير ملزم لإسرائيل ) .. إذن! لن نخجل إن قلنا أن حماس صارت تصون وتحمي حدود إسرائيل مع غزة، وهذا يؤكده ما نشر مؤخرا في صحف إسرائيلية بأن حكومة حماس في غزة قامت بتشكيل جيش خاص من أربعمائة رجل لحماية حدودها مع غزة ( يقال: أن ذلك تم بوساطة قطرية مقابل تسهيل مرور باخرة النفط القطرية لقطاع غزة..) وأكثر دلالة من ذلك هو تصريحات رئيس حكومة غزة مؤخرا السيد إسماعيل هنية، حين قال: " لن ننجر إلى حرب مع إسرائيل إذا ما قامت الأخيرة بضرب إيران.." من يعيش في غزة يرى ويلامس عن قرب تصرف وسلوك قيادات وكوادر حركة حماس وطبقة التجار الموالية لها، لا يحتاج إلى تصريحات أو تفسيرات ليتأكد أن حركة حماس غير راغبة في محاربة إسرائيل.. كيف لا ؟! وقد امتلأت بطونهم وجيوبهم وصاروا يسكنون في قصور غناء، ويركبون سيارات فارهة، وغسلت كل أموالهم أو معظمها في العقارات والأراضي والأبراج السكنية.. غير مبالين بأحاسيس الناس ومشاعرهم وآلامهم وشكواهم ومعاناتهم.. كيف لا ؟ وهم أول من رغبوا بهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل..؟ ويكفي أن تشاهد الرئيس يمارس رياضة المشي في شوارع غزة حتى راح بعض من أهالي غزة يتمنون ويقولون: " يجي الرئيس يمشي في شارعنا علشان يرصفوه ويكون نظيفا.." وهنا نتساءل: هل وصلنا إلى ما وصل إليه الفاروق ـ رضي الله عنه ـ عندما وصف بـ : " عدلت فأمنت يا عمر.." ؟؟ هل هذا وهم؟! أم غرورا أصاب الجماعة؟؟ أم هذا هو ما يريدونه ؟؟ صار مؤكدا لجميع أهالي غزة أن عدد الجماعة الذين اغتنوا وصاروا أثرياء يتزايدون يوما بعد يوم.. ولا أحد يعرف عددهم، ولا أحد يعرف كيف ومن أين صاروا أغنياء بعد أن كانوا يعانون من الفقر؟؟ إذا كانت مالية السلطة الفلسطينية عند نشأتها قد مرت بمرحلة مهلهلة، إلا أنها صارت مؤخرا نزيهة وشفافة إلى درجة كبيرة وصرنا نقرأ ونشاهد الموازنات والواردات والمصروفات عبر وسائل الإعلام المختلفة.. لكننا بعد ستة سنوات من حكم حماس لغزة لا نعرف ما يدور ماليا، ولا نعرف إن كانت العقارات الكثيرة والأراضي والأبراج الكثيرة، هي ملك لأشخاص أو للحركة أو للحكومة؟؟ هل هي ملك عام؟ أم خاص؟ ولم نسمع من النواب أي تقرير أو رقابة؟؟ ولا نعرف حجم الجباية من الشعب المحاصر..؟! ولا نعرف حجم التبرعات.. ولا نعرف حجم المصروفات.. لكننا نعرف حجم الأغنياء الجدد.. ونعرف حجم شبابنا العاطلين، ونعرف حجم الغاضبين، ونعرف حجم شبابنا الغير قادرين على الزواج والتعليم، ونعرف عدد الذين يموتون نتيجة لعدم توفر العلاج لهم، ونعرف حجم الذين هاجروا من غزة وحجم الذين يتمنون الهجرة..!

من الواضح أن حجم التجارة مع غزة قبل الحصار كان يمر عبر إسرائيل، ويتم تحويل الضرائب والجمارك لصالح السلطة الفلسطينية بعد أن تقوم إسرائيل بخصم مستحقاتها.. لكن ذلك قد تقلص إلى درجة كبيرة وخسرت السلطة مبالغ كبيرة من جراء ذلك.. واستبدلت الواردات التي تحتاجها غزة من الأنفاق على الحدود المصرية، وباتت حكومة حماس في غزة تجبي أموالا طائلة المفروضة على السلع مثل الوقود والسجائر وغيرها.. إذن المستفيد اقتصاديا من الحصار هو حركة حماس في غزة ومجموعة المهربين من الطرف المصري، وقد يرغب الكثير منهم استمراره وإطالة أمده أكبر فترة ممكنة.. لذلك لم يطالبوا بفك الحصار، ولم يتم مناقشته في صفقة تبادل الأسرى مع (شاليط ، الجندي الإسرائيلي الذي كان مخطوفا لدى حماس في غزة) الذي كان له السبب الرئيسي في فرض الحصار، والذي دفعت غزة من أجله ثمنا باهظا من الأنفس والشجر والحجر.. إذن! حماس ومجموعة المهربين المصريين هم الرابح الأول اقتصاديا.. وإذا ما حسبنا أن حماس كانت تسعى لهدنة طويلة مع الاحتلال، تكون قد حققت هذا الهدف بشكل أو بآخر؛ فتكون هي الرابح الأول أيضا.. أما الخاسر الكبير من كل ذلك هو الشعب الفلسطيني، وأمام هذه الخسارة الكبيرة فلا بد أن يكون سقوطا مدويا لحركة حماس...


لبنان.. دعم الجيش أو حرب أهلية ثانية/ بطرس عنداري‮ ‬

‮ ‬مسكينة‮ ‬طرابلس،‮ ‬هي‮ ‬الضحية‮ ‬دائماً‮ ‬يستغلها‮ ‬السياسيون‮ ‬والمغامرون‮ ‬وأهل‮ ‬التآمر‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬والخارج‮. ‬يستغلون‮ ‬فقراءها‮ ‬ومحروميها‮ ‬واندفاع‮ ‬ابنائها‮ ‬القومي‮. ‬ان‮ ‬طرابلس‮ ‬مدينة‮ ‬منكوبة‮ ‬بالاهمال‮ ‬يحاولون‮ ‬ارضاءها‮ ‬بفتات‮ ‬الهبات‮ ‬ويستغلون‮ ‬سواعد‮ ‬شبانها‮ ‬لتنفيذ‮ ‬المآرب‮ ‬وزرع‮ ‬الفتن‮.‬
لقد‮ ‬عانت‮ ‬طرابلس‮ ‬خلال‮ ‬سنوات‮ ‬الانتداب،‮ ‬ولم‮ ‬تكسب‮ ‬شيئاً‮ ‬من‮ ‬حقبة‮ ‬الاستقلال،‮ ‬ودفعت‮ ‬ثمناً‮ ‬باهظاً‮ ‬خلال‮ ‬حروب‮ ‬الميليشيات‮ ‬والحركات‮ ‬المتأسلمة‮ ‬وعلى‮ ‬يد‮ ‬قوات‮ ‬الهيمنة‮ »‬الشقيقة‮«... ‬الى‮ ‬جانب‮ ‬ذلك‮ ‬فقد‮ ‬هجرت‮ ‬طرابلس‮ ٠٠٤ ‬مؤسسة‮ ‬صناعية‮ ‬انتاجية،‮ ‬وانتقلت‮ ‬المدارس‮ ‬الخاصة‮ ‬الرئيسية‮ ‬الى‮ ‬الاقضية‮ ‬المجاورة،‮ ‬ويوظّف‮ ‬أثرياؤها‮ ‬استثماراتهم‮ ‬بعيداً‮ ‬عنها،‮ ‬وتمتلك‮ ‬معرضاً‮ ‬دولياً‮ ‬عرف‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬الاّ‮ ‬ان‮ ‬يكون‮ ‬معرضاً‮ ‬دولياً‮ ‬حقيقياً‮.‬
ان‮ ‬هذا‮ ‬الواقع‮ ‬أفسح‮ ‬المجال‮ ‬لتسلل‮ ‬النفوذ‮ ‬السلفي‮ ‬بدعم‮ ‬مالي‮ ‬خارجي،‮ ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬حوّل‮ ‬طرابلس‮ ‬الى‮ ‬مدينة‮ ‬قابلة‮ ‬للانفجار‮. ‬وقد‮ ‬كان‮ ‬وزير‮ ‬الداخلية‮ ‬مروان‮ ‬شربل‮ ‬على‮ ‬حق‮ ‬حين‮ ‬تجرّأ‮ ‬ودعا‮ ‬الحكومة‮ ‬الى‮ ‬معالجة‮ ‬الوضع‮ ‬الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬في‮ ‬طرابلس‮. ‬لا‮ ‬يصدق‮ ‬أحد‮ ‬ان‮ ‬إقدام‮ ‬قوى‮ ‬الأمن‮ ‬على‮ ‬استدراج‮ ‬مطلوب‮ ‬واعتقاله‮ ‬مسألة‮ ‬تؤدي‮ ‬الى‮ ‬إغلاق‮ ‬مدينة‮ ‬وتعريض‮ ‬سكانها‮ ‬الفقراء‮ ‬لمزيد‮ ‬من‮ ‬الحرمان،‮ ‬ولكنها‮ »‬قلوب‮ ‬ملآنة‮« ‬كما‮ ‬يقول‮ ‬المثل‮ ‬العامي‮.‬
لقد‮ ‬عالجنا‮ ‬موضوع‮ ‬التوّاقين‮ ‬الى‮ ‬الحرب‮ ‬والخنادق‮ ‬واصحاب‮ ‬احلام‮ ‬الامارات‮ ‬وورثة‮ ‬فتح‮ ‬الاسلام‮ ‬في‮ ‬مقالات‮ ‬سابقة،‮ ‬وأبدينا‮ ‬التوجس‮ ‬من‮ ‬تصريحات‮ ‬النواب‮ ‬الشماليين‮ ‬وغيرهم‮ ‬التي‮ ‬استهدفت‮ ‬الجيش‮ ‬اللبناني‮ ‬قيادة‮ ‬وضباطاً‮ ‬بتوجيه‮ ‬التهم‮ ‬العشوائية‮ ‬دون‮ ‬حساب‮ ‬او‮ ‬رادع‮. ‬وقد‮ ‬ازدادت‮ ‬الحملة‮ ‬حالياً‮ ‬بعد‮ ‬الحادث‮ ‬الذي‮ ‬قتل‮ ‬فيه‮ ‬الشيخ‮ ‬أحمد‮ ‬عبد‮ ‬الواحد‮ ‬ورفيقه‮.‬
دعونا‮ ‬نصدق‮ ‬جدلاً‮ ‬ان‮ ‬احد‮ ‬الضباط‮ ‬او‮ ‬الجنود‮ ‬أخطأ‮ ‬او‮ ‬أطلق‮ ‬النار‮ ‬عمداً‮ ‬على‮ ‬المغدورين‮ ‬بقصد‮ ‬القتل‮.. ‬فهل‮ ‬هذا‮ ‬مبرر‮ ‬لضرب‮ ‬وحدة‮ ‬الجيش‮ ‬واتهام‮ ‬قيادته‮ ‬بالانحراف‮ ‬وتلقي‮ ‬الأوامر‮ ‬من‮ ‬سوريا‮ ‬وايران‮ ‬وغيرهما؟
في‮ ‬شهر‮ ‬شباط‮ ٧٠٠٢‬،‮ ‬وقعت‮ ‬حادثة‮ ‬عرفت‮ ‬بحادثة‮ ‬مار‮ ‬مخايل‮ ‬في‮ ‬الشياح‮. ‬ففي‮ ‬تظاهرة‮ ‬لبعض‮ ‬الاهالي‮ ‬هناك‮ ‬احتجاجاً‮ ‬على‮ ‬انقطاع‮ ‬الكهرباء،‮ ‬حضرت‮ ‬قوى‮ ‬الجيش‮ ‬وحصل‮ ‬إطلاق‮ ‬للنيران‮ ‬ما‮ ‬أدى‮ ‬الى‮ ‬وقوع‮ ‬ثمانية‮ ‬قتلى‮ ‬من‮ ‬الاهالي‮ ‬بينهم‮ ‬مسؤول‮ ‬حركة‮ ‬امل‮ ‬في‮ ‬المنطقة‮ ‬وبقية‮ ‬الضحايا‮ ‬من‮ ‬أنصار‮ ‬حزب‮ ‬الله‮... ‬وقد‮ ‬تأكد‮ ‬ان‮ ‬تلك‮ ‬الحادثة‮ ‬كانت‮ ‬مدبرة‮ ‬للايقاع‮ ‬بين‮ ‬قوى‮ ‬الجيش‮ ‬النظامي‮ ‬ومسلّحي‮ ‬حزب‮ ‬الله،‮ ‬وتم‮ ‬اتفاق‮ ‬على‮ ‬تطويق‮ ‬الحادث‮ ‬بعد‮ ‬اعتقال‮ ‬المسؤولين‮ ‬الذين‮ ‬تورطوا‮ ‬فيه‮ ‬من‮ ‬داخل‮ ‬المؤسسة‮ ‬العسكرية‮.‬
ان‮ ‬ما‮ ‬حدث‮ ‬في‮ ‬عكار‮ ‬ليس‮ ‬أخطر‮ ‬من‮ ‬حادث‮ ‬مار‮ ‬مخايل،‮ ‬وقد‮ ‬استنكره‮ ‬القاصي‮ ‬والداني‮ ‬على‮ ‬الرغم‮ ‬من‮ ‬ان‮ ‬بيان‮ ‬الجيش‮ ‬أصرّ‮ ‬على‮ ‬ان‮ ‬سيارة‮ ‬المغدورين‮ ‬لم‮ ‬تمتثل‮ ‬لاشارة‮ ‬حاجز‮ ‬الجيش‮ ‬النظامي‮... ‬وقد‮ ‬بدأت‮ ‬قيادة‮ ‬الجيش‮ ‬تحقيقاً‮ ‬مع‮ ‬العناصر‮ ‬الذين‮ ‬تم‮ ‬توقيفهم‮ ‬بمشاركة‮ ‬السلطة‮ ‬القضائية،‮ ‬وهذا‮ ‬يكفي‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬المرحلة‮. ‬ولا‮ ‬نعتقد‮ ‬ان‮ ‬من‮ ‬يمتلك‮ ‬الحد‮ ‬الأدنى‮ ‬من‮ ‬التعقل‮ ‬يساوره‮ ‬شك‮ ‬بانحراف‮ ‬مسؤولي‮ ‬الجيش‮ ‬النظامي‮.‬
فهل‮ ‬من‮ ‬الضروري‮ ‬نقل‮ ‬الاحتجاجات‮ ‬والتظاهرات‮ ‬الى‮ ‬بيروت‮ ‬وصيدا‮ ‬وتأجيج‮ ‬المشاعر‮ ‬والغرائز؟‮... ‬انه‮ ‬لمن‮ ‬حق‮ ‬أي‮ ‬مواطن‮ ‬ان‮ ‬يتظاهر‮ ‬ويعبر‮ ‬عن‮ ‬رأيه‮. ‬ولكن‮ ‬ظروف‮ ‬لبنان‮ ‬على‮ ‬باب‮ ‬موسم‮ ‬الاصطياف‮ ‬الذي‮ ‬ينتظره‮ ‬الكثيرون‮ ‬تختلف‮ ‬وتتطلب‮ ‬الحكمة‮ ‬والرويّة‮ ‬والتعقل‮.‬
لقد‮ ‬أثار‮ ‬إقدام‮ ‬بعض‮ ‬الدول‮ ‬العربية‮ ‬على‮ ‬نصح‮ ‬رعاياها‮ ‬بمغادرة‮ ‬لبنان‮ ‬القلق‮... ‬ليس‮ ‬لخسارة‮ ‬الزائرين‮ ‬والسياح‮ ‬فقط‮ ‬بل‮ ‬لأن‮ ‬بعض‮ ‬هذه‮ ‬الدول‮ ‬معنية‮ ‬بالشأن‮ ‬اللبناني‮ ‬والتدخل‮ ‬بالقضايا‮ ‬الداخلية‮ ‬واستعمال‮ ‬الاراضي‮ ‬والمياه‮ ‬اللبنانية‮ ‬لتهريب‮ ‬الأسلحة‮ ‬الى‮ ‬الداخل‮ ‬السوري‮... ‬فهل‮ ‬تتوقع‮ ‬هذه‮ ‬الجهات‮ ‬انفجاراً‮ ‬شاملاً،‮ ‬ام‮ ‬انها‮ ‬خطوات‮ ‬احترازية‮ ‬ورسالة‮ ‬الى‮ ‬الحكومة‮ ‬اللبنانية‮ ‬لتكون‮ ‬أكثر‮ ‬شراسة‮ ‬تجاه‮ ‬الحكم‮ ‬السوري‮ ‬وتتغاضى‮ ‬عن‮ ‬تهريب‮ ‬المقاتلين‮ ‬والاسلحة؟‮..‬
ان‮ ‬اتهام‮ ‬الجانب‮ ‬السوري‮ ‬باشعال‮ ‬النار‮ ‬في‮ ‬لبنان‮ ‬او‮ ‬العمل‮ ‬على‮ ‬تسعيرها‮ ‬لا‮ ‬يستند‮ ‬الى‮ ‬وقائع‮ ‬في‮ ‬الوقت‮ ‬الراهن،‮ ‬لان‮ ‬الجانب‮ ‬السوري‮ ‬يعاني‮ ‬ما‮ ‬يعانيه‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬وليس‮ ‬بامكانه‮ ‬التطلع‮ ‬الى‮ ‬خارج‮ ‬حدوده،‮ ‬وليس‮ ‬استدراج‮ ‬ابناء‮ ‬الطائفة‮ ‬العلوية‮ ‬في‮ ‬طرابلس‮ ‬الى‮ ‬مناوشات‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬اختلاق‮ ‬ذرائع‮ ‬لاتهام‮ ‬سوريا‮ ‬بعد‮ ‬التشكيك‮ ‬بدور‮ ‬الجيش‮. ‬ولكن‮ ‬بعض‮ ‬تصريحات‮ ‬السيد‮ ‬رفعت‮ ‬علي‮ ‬عيد‮ ‬غير‮ ‬ضرورية‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬المرحلة‮ ‬وتتسم‮ ‬بالصبيانية‮ ‬التي‮ ‬تجد‮ ‬من‮ ‬يستغلها‮ ‬ويتاجر‮ ‬بها‮.‬
ان‮ ‬لبنان‮ ‬حالياً‮ ‬امام‮ ‬خيار‮ ‬مصيري‮ ‬وخلاصُه‮ ‬في‮ ‬دعم‮ ‬الجيش‮ ‬النظامي‮ ‬ليكون‮ ‬درعاً‮ ‬واقياً‮ ‬للجميع‮ ‬وليس‮ ‬في‮ ‬التشكيك‮ ‬بدور‮ ‬هذا‮ ‬الجيش‮. ‬وقد‮ ‬أصيب‮ ‬الكثيرون‮ ‬بالهلع‮ ‬والخوف‮ ‬عندما‮ ‬سمعوا‮ ‬ان‮ ‬الجيش‮ ‬اللبناني‮ ‬أخلى‮ ‬بعض‮ ‬المواقع‮ ‬والحواجز‮ ‬في‮ ‬عكار‮ ‬والشمال‮. ‬فالسلاح‮ ‬الذي‮ ‬ظهر‮ ‬مع‮ ‬المواطنين‮ ‬العاديين‮ ‬ليس‮ ‬بريئاً‮ ‬كما‮ ‬انه‮ ‬ليس‮ ‬من‮ ‬مكدسات‮ ‬الحرب‮ ‬الاهلية،‮ ‬والذين‮ ‬ناشدوا‮ ‬المواطنين‮ ‬ليحتفظوا‮ ‬بأسلحتهم‮ ‬الشخصية‮ ‬انما‮ ‬يشاركون‮ ‬في‮ ‬الفوضى‮ ‬وتعبيد‮ ‬الطريق‮ ‬نحو‮ ‬حرب‮ ‬جديدة‮.‬
يشعر‮ ‬الجميع‮ ‬ان‮ ‬النفوس‮ ‬معبأة‮ ‬وألسنة‮ ‬السياسيين‮ ‬آلية‮ ‬لا‮ ‬تتوقف‮ ‬بأساليب‮ ‬عشوائية‮ ‬بعيدة‮ ‬عن‮ ‬تحكيم‮ ‬الضمائر‮... ‬حفظ‮ ‬الله‮ ‬لبنان‮ ‬من‮ ‬هؤلاء‮.‬

الإنسان هو معيار الحياة/ صالح خريسات

مارست الكتل البشرية عباداتها، مدى تاريخها الكامل، وظلت تبحث في أزمانها المتباعدة، عن دين يوجه إلى إرادة الخير، وكراهة الشر، ويغرس في النفس، حب الحق والعدل، ومقت الظلم والباطل. وادعت الجماعات البشرية المتساكنة، أن دينها فقط، من بين سائر الأديان الأخرى، هو الدين الصحيح، وما عداه التخريف والتحريف. لكنها أدخلت في جملة آدابها الدينية، فكرة التسامح مع الأديان الأخرى، وهي فكرة ملغمة خطيرة، تجعل أتباع الديانة الواحدة، ينظرون إلى أتباع الديانات الأخرى، نظرة اقل شأنا، ولكنها تتسامح بقبولهم، والتعايش معهم، لأن دينها يأمرها بذلك، وهم يعلمون أن الله لا يخلق دينا يأمر الناس بإتباعه، ثم يقول لهم اتركوه. وقد جربت طائفة أخرى من البشر، أن تعيش حياتها بلا دين، ولم تجد ما يدعوها إلى اختيار ديانة سماوية، أو أرضية، بل إنها تسخر من كل الديانات، وتنسبها إلى الهوس، والهذيان، وقلة المعرفة، أو الخوف من المجهول.
وقد ظل الناس في كل زمان ومكان، يتجاوزون فكرة الأخوة بين بني الإنسان، ولا يقيمون وزنا لها. وهم يدعون بان المصالح الشخصية والدولية، هي التي تحكم مسيرة التاريخ البشري، وترسم حدود العلاقة بين الناس.لكن أحدا منهم لا يستطيع أن يقرر بأن روحه مستقرة وغير قلقة، وأن العالم الذي نعيش فيه، يسوده الأمن والطمأنينة.
فلا بد، والحالة هذه، من إعادة النظر في القيم التي تحكم الإنسان، وتولد قناعاته الجديدة، ليكون الإنسان وحده، وليست المصالح الشخصية والمنافع الذاتية، هو المعيار الحقيقي للحياة. إن الدعوة إلى الأخوة بين بني الإنسان جميعاً، بصرف النظر عن المكان أو الجنس أو اللغة التي ينتسبون إليها، يجب أن تتجدد في كل حين، لتكون آية أو سورة من سور الكتاب المقدس. فكل الأديان تدعونا إلى مساعدة بعضنا بعضاً، وإلى العفو عما ينالنا من إساءة يرتكبها الآخرون، ويطالبنا الدين بالإحسان العملي النشيط إلى الناس. فالطبيعة تأمرنا بأن نفيد الناس، سواء كانوا أحراراً، أو عبيداً موالي، أو مولودين أحراراً، وحيثما وجد كائن إنساني فثم مجال للإحسان. فما الذي يمنع من أن يكون الإنسان محبوباً من الجميع وهو حي، وأن يأسف عليه الناس وهو ميت؟!أليس في ذلك سعادة أجمل من طل أشكال العداوات؟!.
إن عقاب المذنب ضروري، بشرط ألا يكون ذلك في ساعة الغضب، أو بدافع من الرغبة في الانتقام.والخلاص من الآفات الاجتماعية، والأمراض النفسية،والعدائيات الدينية،لا يكون بالعزلة والانطواء على النفس، أو مقاطعة الآخرين بحجج واهنة. فالعزلة لا تفيد، لأنك إذا كنت لا تستطيع تغيير نفسك، فبالأحرى لا يستطيع تغيير المكان أن يغيرك، وأينما ذهبت فلا مناص لك من الصراع مع نفسك.وقد يؤدي بك هذا الوضع المتأزم إلى إعلان الحرب على الآخرين.

إرث شاه إيران/ نقولا ناصر

(إن قضايا الخلاف الرئيسية الحالية بين إيران وبين العرب في العراق والبحرين والجزر الإماراتية الثلاث المحتلة موروثة عن نظام الشاه وفشلت الجمهورية الإسلامية في طي صفحتها)

يظل أمن المنطقة واستقرارها وثرواتها في مهب الريح طالما استمر التمسك الإيراني بإرث الشاه واستمر تمسك حكومات دول الخليج العربية بالوجود الأميركي العسكري وغير العسكري، حيث تستمر إيران بالتذرع ب"التهديد الأميركي" كغطاء لإحياء الأطماع الفارسية وتستمر واشنطن والعواصم العربية المتحالفة معها في التذرع ب"الخطر الإيراني" كغطاء للهيمنة الأميركية على المنطقة. 
في السابع والعشرين من نيسان / أبريل الماضي كتب كوروش زياباري في "طهران تايمز" مستغربا ومستنكرا: "على مدى الأيام الماضية، كنت أتابع الصحافة العربية، ولدهشتي، وجدت أنها تنتهج بصورة جماعية سياسة موحدة لتشويه سمعة إيران حول (جزيرة) أبو موسى. وفي انسجام مع سياسييها ورجال دولها استخدمت وسائل الإعلام لغة بغيضة ضد إيران، وكأنما كانت تتحدث عن عدو لدود كانت على خلاف معه طوال قرون من الزمن." ولم يسأل زياباري نفسه عن الأسباب الإيرانية الكامنة وراء حملة وسائل الإعلام العربية تلك.
إن المظاهرات الإيرانية الحاشدة يوم الجمعة الماضي ضد تحويل مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى اتحاد أثارت الاستهجان والاستنكار عربيا في ضوء دعوة الرئاسة الإيرانية مؤخرا إلى وحدة بين إيران وبين العراق، على خلفية التصعيد الإيراني للنزاع مع الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث التي تحتلها إيران في مدخل مضيق هرمز ومع البحرين على وجودها كدولة وهوية عربية.
وتعرف إيران أن العوامل الذاتية كفيلة بتأجيل تحقيق أي اتحاد أو وحدة بينها إلى أجل غير مسمى، وهي التي قاومت الوحدة بين مصر وبين سورية وبين الأخيرة وبين العراق وكانت دائما غطاء عربيا للعداء الأميركي والأوروبي والاسرائيلي للوحدة بين العرب وهو عداء يحرص على تأبيد التجزئة العربية التي مهدوا بها لاقامة دولة المشروع الصهيوني في فلسطين، وبالتالي فإن تسييرها لمظاهرات "شعبية" ضد مشروع "اتحاد عربي" لا أمل له في التحول إلى واقع يعد سابقة لم تلجأ تلك القوى إلى مثلها حتى الآن.
إن قضايا الخلاف الرئيسية الحالية بين إيران وبين العرب في العراق والبحرين والجزر الإماراتية الثلاث المحتلة في أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى موروثة عن نظام الشاه، لكن الجمهورية الإسلامية فشلت في طي صفحتها ولم تنجح في فتح صفحة جديدة مع العرب قوامها الأخوة الإسلامية والجوار التاريخي والتعاون الإقليمي بالتخلي عن إرث الشاة في التوسع الإقليمي والهيمنة فإنها غلبت الأطماع الفارسية على المصالح المشتركة الإسلامية في سياساتها العربية لتتمسك بإرث الشاة كاملا.
وإذا كانت قصة الميكافيلية السياسية الإيرانية التي سهلت الاحتلال الأميركي ثم تقاطعت معه حد قيام شراكة أمر واقع بين الجانبين في العراق قصة معروفة، فإن تمسك نظام الثورة بإرث الشاه في الجزر الإماراتية والبحرين يكشف ميكافيلية مماثلة.
فإيران اليوم تعلن البحرين "المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة" التي "انفصلت" عن إيران بسبب "خيانة الشاه" وهي "من حق الجمهورية الإيرانية وليس السعودية" ولذلك يجب ضمها إلى إيران كما دعت صحيفة "كيهان" التي يشرف عليها المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي منتصف الشهر الجاري.
فهل هذه لغة يمكن أن يرد الإعلام العربي عليها بالترحيب أو الصمت، ناهيك عن كونها لغة سافرة لم تعد تهتم حتى بالتستر بالوجود العسكري الأميركي المرفوض عربيا أو بالاحتجاجات الشعبية المشروعة في البحرين التي تحظى بتأييد شعبي عربي مبرأ من أي شبهة سياسية ؟
وإيران اليوم فيها ممثلون منتخبون للشعب يدعون إلى قطع العلاقات مع الإمارات، وقائد جيشها أحمد رضا بورداستان يقول إن كل الخيارات على الطاولة الإيرانية لحل النزاع على جزرها الثلاث المحتلة، ومسؤولو الثقافة فيها يعلنون أنهم سوف يستضيفون المهرجان الثقافي الخليجي التالي في جزيرة أبو موسى، ومسؤولون آخرون يعلنون الاستعداد لإعلان "محافظة جديدة" في الجزر الثلاث تسمى "الخليج الفارسي" عاصمتها أبو موسى. وهذه بدورها لغة لا يمكن أن يرد الإعلام العربي عليها بالصمت أو الترحيب.
وهذه اللغة الإيرانية ليست مجرد تصعيد لفظي عابر. فالزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى المحتلة الشهر الماضي، والتي كانت فتيل التصعيد الراهن، لم تكن الأولى لرئيس إيراني، فقد تزامنت مع الذكرى السنوية العشرين لزيارة مماثلة قام بها الرئيس الأسبق علي هاشمي رفسنجاني عام 1992، عندما منعت إيران مواطني الإمارات من دخولها إلا بتأشيرة، وكانت إيران قد فرضت حدودا إقليمية للجزيرة لمسافة (12) ميلا، وبنت فيها مطارا عام 1996، وزادت عدد قواتها المنتشرة فيها وفي مياهها، وطردت العمال الأجانب منها.
إن التذرع الإيراني ب"اتفاق جنتلمان" بين إيران الشاه وبين بريطانيا عام 1971 لمبادلة احتلال إيران للجزر الثلاث مقابل اعترافها باستقلال البحرين هو باطل مبني على باطل ولا يختلف عن التذرع بالوجود العسكري الأميركي في الخليج لاستمرار احتلال الجزر الثلاث ولا عن التذرع باستضافة البحرين لقيادة الأسطول الأميركي الخامس للمطالبة بضمها إلى إيران.
يقول المسؤولون الإيرانيون إن تعزيز الحشد العسكري الأميركي والغربي في الخليج العربي "سوف يزيد الوضع تعقيدا فقط ويقود إلى انعدام الأمن"، وهذا صحيح، لكنه كلام حق يراد به باطل، فمثل هذه اللغة الإيرانية تزيد بدورها في تعقيد الوضع وانعدام الأمن وعدم الاستقرار لكل الأطراف المعنية.
وهذه سياسات تساعد الولايات المتحدة في صرف الأنظار بعيدا عن كون وجودها العسكري يمثل عامل عدم الاستقرار الإقليمي الأول ويساعدها في تمثيل دور "حمامة السلام" بحثها "إيران على الرد بايجابية على مبادرة الإمارات العربية المتحدة لحل القضية عبر المفاوضات المباشرة أو محمكة العدل الدولية أو أي منتدى دولي مناسب آخر" كما قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان رسمي خلال الشهر المنصرم.
إن الوجود العسكري الأميركي وهيمنة الولايات المتحدة هما الحجة الرئيسية التي تتذرع طهران بها اليوم للاحتفاظ بالمكاسب الإقليمية التي حققها الشاه على حساب العرب، أو سبق له أن طمع في تحقيقها، لكن هذا الخطاب الإعلامي الإيراني ينطوي على تناقض فاضح مع واقع شراكة الأمر الواقع مع الولايات المتحدة أولا في غزو العراق ثم احتلاله وثانيا مع النظام المنبثق عن هذا الاحتلال في بغداد مما يسوغ للمقاومة والمعارضة العراقية لهذا النظام اتهام رموزه وأركانه ب"العمالة المزدوجة" الأميركية – الإيرانية.
وهذه الذريعة الإيرانية صحيحة وواقع قائم رفضته وقاومته حركة التحرر الوطني العربية، وبخاصة في دول الخليج العربي المعنية، قبل أن تظهر الجمهورية الإسلامية إلى الوجود، غير أن المفارقة تكمن في أن تمسك إيران بعد الشاة بمكاسبه الإقليمية وسياساته ذاتها تجاه الجوار العربي المباشر كانت نتائجه عكسية.
وقاد ذلك إلى إحياء المخاوف العربية من إحياء الأطماع الإيرانية، مما قلص بسرعة الاحتضان الشعبي العربي للثورة على نظام الشاه، وحول التهديد الإيراني المستجد إلى ذريعة تستغلها الولايات المتحدة لتسعير الخلافات العربية الإيرانية، ويستغلها "المضيفون" العرب للوجود العسكري الأميركي في المنطقة من أجل تعزيزه وإطالة عمره وتشديد قمعهم للمقاومة الشعبية والعربية له، ويستغلونها كذلك للتشكيك في صدقية الدعم الإيراني بعد الثورة للقوى العربية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين وسورية ولبنان وللدعم الأميركي لهذا الاحتلال، بحجة أن هذا الدعم الإيراني ليس إلا ساترا دخانيا لحجب أطماع إيرانية مماثلة في مشرق الوطن العربي.
والحجج العربية الخليجية التي تتخذ من تهديد الأطماع الإيرانية ذرائع لاستبقاء الوجود العسكري الأميركي والغربي وتعزيزه في المنطقة ليست أقل تهافتا من الذرائع الإيرانية، فهذا الوجود موجود قبل البرنامج النووي الايراني وقبل الثورة على نظام الشاه وقبل ايقاظ الفتنة الطائفية المستفحلة الآن بوقت طويل، ومبادلة احتلال الجزر الثلاث باستقلال البحرين تمت قبل الثورة في إيران، مما يثير التساؤل عن الصحوة الخليجية المفاجئة على الأطماع الإيرانية التي لا تختلف عنها في عهد الشاه الذي أجبرتهم الهيمنة الأميركية على أن يكونوا في تحالف معه تحت مظلتها دون تصعيد رفضهم لهذه الأطماع أعلى من سقف الاحتجاج اللفظي بلغة دبلوماسية مهذبة في المناسبات من أجل امتصاص الغضب الشعبي العربي فحسب على التخاذل الرسمي في مواجهتها.
ومن المؤكد أن التلويح بالعصا الإسرائيلية كسند مشروع للمواجهة مع إيران يسوغ لدول الخليج العربية التي يهددها ورثة أطماع الشاه في إيران الجنوح إلى السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى حين التخلص من "الخطر الإيراني" هو لعب بالنار يتجاوز الخطوط العربية الحمر ويغلب التناقض الرئيسي للعرب مع دولة الاحتلال في فلسطين على التناقض الثانوي مع إيران.
وإذا صدقت صحيفة "إسرائيل اليوم" الالكترونية في السادس عشر من الشهر الحالي فإنه يندرج في هذا السياق التوقع "من المجتمع الدولي كله، بما فيه إسرائيل، أن يقف إلى جانب البحرين في مواجهتها الحالية مع إيران" كما نسبت الصحيفة العبرية القول إلى السفير البحريني لدى بلجيكا أحمد محمد الدرسي ونظيرته في واشنطن السفيرة هدى عزرا نونو في المؤتمر المركزي الأول للبرلمان الأوروبي في بروكسل مؤخرا.
لقد فتحت السياسات الخارجية الأميركية في غرب المشرق العربي وشرقه فرصة تاريخية استراتيجية لإيران تعززت بعد إخراج مصر من الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق ثم الاحتلال الأميركي للعراق وانضمام دول الخليج العربية الست إلى "معسكر السلام" الأميركي، فهذه وغيرها عوامل فتحت الأبواب مشرعة أمام النفوذ الايراني الإقليمي، ولم يعد يوجد أي عائق عربي أمام امتداد هذا النفوذ، الذي لم يعد يحول دونه وتأسيس نظام أمن إقليمي عماده التعاون العربي الإيراني على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار سوى تمسك إيران بإرث الشاه وسياساته تجاه الجوار العربي المباشر، وهو ما تتخذ منه واشنطن اليوم ذريعة لإنشاء جبهة عربية – إسرائيلية تقودها الولايات المتحدة ضد إيران.
* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com