بيت خالتي خولة/ محمود شباط

في الحيِّ المقابل لمنزلنا بيتٌ عتيقٌ تُركَ كطفل شريد على قارعة الزمن، مهجور منذ أن ماتت خالتي خولة قبل عشرين سنة، أقامت فيه وحيدة بعد أن التحق الفتيان الأربعة واحد تلو الآخر بأبيهم في البرازيل، آخرهم فواز، رفيق طفولتي.
من على شرفة منزلنا كنت أزور منزل خالتي بالمنظار، رأيته آخر مرة قابعاً بين شجرتي التين واللوز، نسيم خفيف يحرك أذرع الشجرتين فتمسحان عن السطح الترابي غبار الهجر والوحدة. الهشيم يغطي دربه الترابي الواصل بين مدخله وطريق البلدية المصبوب بالخرسانة. وعلى جدرانه الحجرية كتابة جديدة لم أتمكن من قراءتها. 
للحنين أجراسٌ تُـقرعُ بشجى حين تفيض المشاعر بالذكريات الجميلة، تركتُ المنظارَ واتجهتُ نحو منزلٍ طالما لعبتُ مع فواز في برحته الصغيرة وعلى الشجرتين، شقيتُ طريقي وسط الهشيم، لمستُ جبهة خالتي عبر الباب الخشبي المُشقق، أزحتُ الهشيمَ عن حوض ورد صغير مستطيل عمرته المرحومة بحجارة صغيرة، وعلى يسار الباب حوض النعناع، وفي الزاوية قن الدجاجات.
على حجارة الجدار الأمامي كتب أحد الطلاب ربما : " لو كان لبيت خولة أمٌّ لبكت عليه" آخر اقتبس عن طرفة بن العبد: "لخولة أطلال ببرقة ثهمد / تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد".
نظرت عبر شق الشباك إلى داخل غرفة العائلة التي كانت غرفة الضيوف والنوم والطعام، ضوء الشمس الداخل عبر ثغرة منهارة من السقف أتاحت لي نعمة مشاهدة فستان خالتي الأسود الذي كانت ترتديه في الأفراح والأتراح، وكذلك منديلها الأبيض، وخف بلاستيكي ذكرني بقدميها الصغيرتين.
على الحيطان الداخلية الطينية المطلية بالكلس غبار وأتربة والكثير الكثير من بيوت العنكبوت، هناك عَـلّـقت خالتي قميصاً لكل من أبنائها الأربعة الذين سافروا ولم يعودوا حتى بعد أن سافرت هي دون عودة. عرفتُ من بينها قميصاً أزرق مرتوقاً على المرفقين، إنَّه لهُ.

الخبر في 11/07/2015

CONVERSATION

0 comments: