عقِّدوهم باسم الدين/ جورج هاشم

(منذ فترة استضافني البرنامج العربي من اذاعة ال اس بي اس في حوار مباشر حول الزامية التعليم الديني في المدارس... اتصل الكثيرون بالبرنامج. اكثرية عارضت الزامية تعليم الدين واقلية أيدت... طبعاً كنت ضد الزامية تعليم الدين لاسباب كثيرة منها ان تعليم الاخلاق - السبب الرئيسي عند المؤيدين – إما ان يتعلمه الولد في البيت بالممارسة، والمشاهدة العينية المتمثلة بافعال الام والاب والاخوة والاخوات... وإما ان لا يتعلمه أبداً... الا في حالات نادرة تشذ عن القاعدة... أما اذا كان معلم/ة الدين يربط الاخلاق بالقشور والتفاهات فالمصيبة أكبر... عدت الى دفاتر جدي العتيقة، وأخرجت منها بعض الامثلة لمعلمي ومعلمات دين أعرفهم بالصوت والصورة والتصرفات... واليك بعضها...)
* فتاة في الصف الثالث. تبكي بدموع غزيرة. لم يستطع المدير أن يفهم منها حرفاً واحداً عن سبب بكائها. أخذتها الى مكتبه. طلبت منها أن تهدأ. أعطيتها محرمة لتمسح دموعها. أحضرت لها كأساً من الماء لتشرب... وبعد دقائق أخبرتني عن مصيبتها... معلمتها طلبت منها ان تخلع البنطلون الذي كانت ترتديه تحت مريولها المدرسي. ولما سألتها عن سبب البكاء قالت: معلمة الدين طلبت منها، ومن جميع البنات، ان ترتدي البنطلون الطويل  تحت ثياب المدرسة حتى لا يرى الله  "شنتانها" فيخنقها... والمسكينة متأكدة ان الله سيخنقها... هدَّأتُ من روعها... لم أخبرها ان الله قد أبطل عادة البصبصة على شناتين الصغار، وانه يرى كل يوم – لانه يرى كل شيء – كل الناس بشناتين او بدونها... ولم يخنقهم. وهو قد خلقهم – بدون شناتين – على كل حال.... ولما أتت المعلمة الى مكتب المدير قالت انها لم تعترض على لبس البنطلون بل على الوانه الفاقعة التي لا تتناسب مع اللون المدرسي... 
* أب عنده الكثير من المشاكل مع زوجته واولاده واقاربه والجيران. يختلف مع الجميع لانهم لا يتبعون اصول الدين الحنيف. يأخذ ابنه الصغير الى الجامع وينامان هناك ليتقربا من الله... لم ينتبه الى ان الله قد هجر الكثير من الجوامع والكنائس والهياكل... ابناه  الكبيران  تحت مراقبة البوليس الدائمة. بسبب نشاطاتهما "الاخلاقية" من سرقة واغتصاب وتزوير وضرب... وبعد ان انتهى من تربية الكبيرين يركز ، بالاسلوب نفسه، على الصغير... له ابنة في الصف الرابع. فرحت كثيراً عندما اعطتها المعلمة شرف دق الجرس الكهربائي ايذاناً بابتداء وقت الغداء. افتى صاحبنا بان الجرس للمسيحيين. وان دق الجرس محرم على المسلمين ومن يدقه سيذهب الى جهنم... فحرمها من ذلك...سألت بعض اصحابي المسلمين، ليس عن حتمية الذهاب الى جهنم بل عن قضية التحريم،  فاستهجنوا هذه الفتوى... هذا المعقد، لم يكتفِ بما فعل باولاده، بل أصبح معلم دين ليعمم عقده على أكبر نطاق ممكن.
* احدى معلمات الدين كانت تتهم احدى الفتيات امام الصف بانها لا تفهم، غبية، لا عقل لها، بلا اخلاق، مصيرها جهنم... نعوت ممنوع ان تصدر عن اي معلم. فكيف بمعلمة دين من المفترض ان تحببه للطلاب وتكون القدوة في القول والفعل... كان يوم الدين في المدرسة هو هم الفتاة الاكبر... اصبحت تتمارض وتتغيب عن الحضور. ولما تزايد الغياب حولتها المدرسة لمكتبنا لملاحقة الموضوع... في الاجتماع الذي عقدته مع الاهل والفتاة، قلت لها: معظم غياباتك تحصل يوم الاربعاء من كل اسبوع... ما السبب؟ في النهاية اعترفت الفتاة بالسبب... طلب الاهل من المدرسة عدم ارسالها الى صف الدين وانتظم الحضور مجدداً... عندما علمت المعلمة بقرار الاهل غضبت وأفشت سراً خطيراً للاولاد سرعان ما وصل الى اهل الفتاة مفاده: " ان الله سيعاقب تلك الفتاة بنار جهنم... وان المعلمة ستكون حاضرة وقتها لتتفرج عليها وهي تُشوى على النار... وكيف ستصرخ وتستغيث من دون ان يمد أحد لها يد المساعدة..." نست صاحبتنا انها تتكلم عن الله وليس عن زعيم ميليشيا او عن أمير داعشي ...عندما اتت المعلمة الى المدرسة يوم الاربعاء التالي كان المدير بانتظارها: قال لها لا اريد ان ارى لك، بعد اليوم، وجهاً في مدرستي...
* أم كلها عقد. 57 عقدة دون القطب المخفية. انتجت حتى الان لصين محترفين ولصاً متمرناً. ثلاثة صبيان هم الحيلة والفتيلة. كذابون، وقحون، لا تهذيب ولا أخلاق... وعندما يُحشَرون، يستنجدون بالدين... ورغم أن أكبرهم لا زال في الصف التاسع الا ان سجلاتهم تنتفخ بسرعة في دوائر البوليس في المنطقة.هذه السجلات تبقى صغيرة الحجم قياساً الى سجل الوالد... انهم يحفظون المثل عن ظهر قلب: " من سار على الدرب وصل..." كانوا من اذكى الاولاد. ولكن بسبب "تعاليم" البيت العملية، تركوا العلم والتهذيب جانباً وانصرفوا الى كل الرذالات، كلٌ حسب عمره وامكانياته... الاب متدين، لحيته طويلة، لا يملك من عدة الدين غيرها...لا يأكلون في البيت الا اللحم الحلال.- ربما اللحم هو الوحيد الحلال عندهم – يصومون شهر رمضان كاملاً. يصلون كل الفروض. ويؤمنون ان جسم المرأة كله عورة، باستثناء الافخاذ التي يتصببون عليها كلما سنحت الفرصة. المصيبة الاكبر ان  الام معلمة دين... وانا أكيد انها ستحاول تعميم تجربتها الداخلية على اكبر عدد ممكن من الطلاب في الخارج. لا وفقها الله بذلك...
* فتاة كانت منطوية. خجولة، لا تثق بنفسها وبامكانياتها. متأخرة في دروسها...أدخلتُ برنامج الدبكة بعد الدوام. التحق بالبرنامج اعداد كبيرة من الطلاب. وكانت هذه الفتاة من ضمن من انتسب. أحبت الدبكة. وتفوقت بوقت قصير نسبياً. واصبحت تمثل المدرسة في المناسبات الثقافية... ابتدأت تخرج من انطوائيتها وابتدأت الثقة تتغلغل في نفسها. معلموها لاحظوا تطوراً ملموساً في اعمالها المدرسية...وفي ليلة ظلماء تغير معلم الدين... حاج كله أخلاق، مهذب، يحترم الجميع، ويغرس بذور المحبة. يشدد ان الدين معاملة قبل كل شيء. وبسبب السنوات الكثيرة التي يحملها و المليئة بالخيروالبركة والسيرة العطرة، تقاعد. حل محله اربعيني ملتحٍ لا يحمل على كتفيه الا "حضارة" البغض. اولى فتاويه ان الرقص حرام وطلب من جميع "المؤمنين" أن ينقطعوا عن الدبكة... استجاب لفتواه اربع او خمس عائلات من اصل اكثر من خمسين عائلة مسلمة. وكان اهل هذه الفتاة ممن استجابوا... عادت الفتاة الى انطوائها السابق وابتدأ المدرسون يلمسون تراجعها في كل المواد....ولا ادري ماذا ربح الدين من ذلك؟ وهل ان القضية قضية دين؟ او قضية كيف نفهم نحن الدين؟
وأخيراً تتساءلون: كيف يتكوَّن " دعشوش" صغير في استراليا البعيدة ثم يصبح داعشياً كبيراً يأكل لحم البشر او يقطع رؤؤسهم؟ فتِّش عن البيت. وفتش عن "معلم" الدين وماذا يعلم؟

CONVERSATION

0 comments: