سركيس كرم وكتابه الجديد "خواطر وأحلام من غربة لا تنتهي"/ مارسيل منصور


"خواطر وأحلام من غربة لا تنتهي "  للمؤللف سركيس كرم ... كتاب ممتع ومفيد... حين قرأته شعرت بأنه يأخذني في رحلة مزدوجة ، رحلة تتأرجح بين حُبيّن عظبمين ...حُبّ الكاتب و تعلقة بالوطن الأم مسقط رأسة الذي هاجر منه (لبنان) ، وبين حُبّه للوطن الثاني الذي تبناه (أوستراليا) . وفي كلا الحالتين غربة واغتراب ... حُبّ يعتصرُه الألم تارةٌ والرضا تارةٌ أخرى ... هذا القلب النابض المفعم بالوطنية والمصداقية الخالصة ،  ما زال يتمزق بين حنينين . مؤلف هذا الكتاب الأستاذ سركيس كرم ،  وقدعرفتُة مؤخراٌ ، وعرفتُ فيه الشخصية المميزة ذات القدرات الإبداعية والقيادية  ، فهو يمتاز ببعض الخصال الإنسانية النادرة والتي هي أشد البعد عن التكلف والمباهاة ... بل تفصح عما يحتل فكرة ومشاعرة من خواطر وأحلام ، اعتاد أن يسجلها في أغوار نفسة ثم يخرجها إلى العلانية  ... والتي طالما قرأتُ البعض منها على صفحات التواصل الإلكتروني وأعجبتُ بها ، ورأيتُ كيف أنها تثيرُ إعجابَ الكثيرمن الأصدقاء.
  
 وقد قرأتُ كتابه بسلاسةٍ دون تعقيدٍ أو ملل ... ولمستُ كيف هو يمضي قي الكتابة مع اليسر والإسماح مُرسلاٌ نفسه على سجيتها ، مطلقاٌ لقلمه الحرية في الجد والحكمة ، و شتى مفاهيم المواضيع الهامة في حياتنا ، وفيما هو شاقٌ وسهل ، لا يتكلف الفصحى ولا يتعمّد العا مية ، وإنما كتابه مزاجٌ معتدل ونسيج من اللهجتين ، وهو لا يقصد أن يبهر القارئ وإنما يستجيب لطبيعة دمث الأخلاق المفعم بسماحة الطباع البعيدة عن الكبرياء والمحبة للبشر ولله وللوطن . 

ومن أجمل ما في الكتاب أن الكاتب يسرد خواطرالهجرة التي تخص كل فرد مهاجر منا -- وهو الأوسترالي اللبناني الزغرتاوي الإهدني –  وكأنها قصة الغربة ... وقصة اللانهاية ... فهي تبتدئ إلى حيث لا تنتهي ... هي قصة البداية واللانهاية . تحت عنوان "غربة  لا تنتهي" يستهتل المؤلف بداية الكتاب بقولة : " في غربة لا تنتهي ... نعيش لبنانيتنا في اوستراليا ونعيش اوستراليتنا في لبنان " ص 10 " ... منذ الثاني من شباط 1977 تبدلت حياتنا على نحو جذري ، وبتنا نعيش بكل جوارحنا في غربة لا تنتهي ... جعلتنا نعاني من نقص في القناعة الذاتية ، كوننا لم نعد نعي أين هو الوطن الأفضل ... أهولبنان بسحره وحنانه وعفويتة وفوضويتة وروعتة وعدم استقرارة ... أو هي اوستراليا باستقرارها ونظامها وعدالتها وواقعيتها وتقدمها..." ص 13 

ومن هذا الإفتقار المهيمن على الذات نرى الكاتب يدوّن خواطره ويرسم أحلامة ليجابة تحديات الغربة اللامتناهية في عالم الواقع ، ويتمنى أ ن يبني بقلمه جسوراٌ ليحطم حدود الأوطان قي عصر العولمة . فهو ضد الإنغلاق إذ يؤكد في موضوع "خواطروأحلام" أن " من لا يريد الإنفتاح لا يرى سوى الأبواب المغلقة " ص 15، كما ويستمر المؤلف هنا  سرد الأقوال والعبارات المستقاة من خبراتة الشخصية عساه أن يفيد القارئ معرفةٌ وحكمة " كون كبير ومش متكبر ..." ص29 ، و" لا حرية تعلو حرية الضمير" ص 23  ، ثم يشرح أهمية هذا القول قي بناء المجتمع " إن عملية تصحيح الأوضاع لا بد من أن تنطلق من مراجعة الذات والضمير ... ولن تفلح إلا من اعتماد الحرية ." ص34
فالكاتب هنا يعرف تماماٌ مدى احتياج العالم العربي إلى نقيض النقائص والعيوب التي تعرقل التقدم والتي أعاقت " الربيع العربي " من الإصلاحات الجذرية في النظام السياسي ، ومن التغيير نحو الأفضل ، من أجل إفساح المجال أمام الديمقراطية الحقيقية ، وضمان الحقوق الإنسانية والأساسية للمواطن . ص 35،56. 

في هذه الخواطر الصادقة الصريحة ما يدل دلالة واضحة على شفافية الكاتب وتعمقة في الأغوار، ولعلني أذكر هنا أن من أجمل ما أحببت في هذا الكتاب هو وجه المقارنة العفوية الخاطفة بين الوطنين والثقافتين في محاولة الإستقرار والتأقلم ، إذ يكتبُ المؤلف خواطرهجرتة وكفاحة فيقول : " نحن لا نخجل بفقر ما ضينا لأنة جعلنا أغنياء بالتواضع وعزة النفس ... ولا بما اشتغلنا من مهن لأنه منها حصلنا لقمة العيش من دون أن نحتاج لأحد ."  كما وأنه ما زال يذكر الغرفة الإهدنية " الفقيرة " ببردها القارس ، ومنذ ذلك الحين لم يشعربدفء روحي مماثل على الرغم من وسع البيوت و وفرة الغرف ." ص 38 . وهنا لا بد وأن أشير إلى مدى افتقارنا واحتياجنا إلى التواصل الإجتماعي الإنساني الدافئ و الحقيقي في هذا الوطن المضياف ، رغم توافرالحرية والديمقراطية وسبل العيش .

 والأجمل من ذلك إهداؤه الكتاب لزوجتة ورفيقة دربه "صابات" و الوطن النابض في خواطرغربتة . وكيف لا ؟ وهو الذي كتب تحت عنوان " أحاسيس " : "من لا يخلص لشريكة حياتة ، لا يعرف أن يحب." ص 55   

 ولست أحاول أن  ألخص الكتاب هنا كما ينبغي تلخيصة ، وإنما أكتفي بالإطار الذي ابتكره الكاتب ليضيف إلى ثروتنا الثقافية في بلاد المهجر شيئاٌ جميلاٌ قد يثير شوق القراء حين يقرأون ، والإطار الذي ابتكره الكاتب في هذا الكتاب حقاٌ ليس كما هو المألوف في الكتب التقليدية ، وإنما يدل على أن الكاتب قد يعيش في الوطنين البلدين ،  الوطن بلاد الأم لبنان ، والوطن بلاد المهجر اوستراليا ، عيشة الملاحظ الناقد الذي يسجل في نفسة كل ما يبهره وما يقرفه وما يروعه من الحقائق القائمه ، والمفاهيم المعاصرة ، والأحاسيس الخفية في نفسة وفي نفوس الناس على اختلاف انواعهم ومفاهيمهم وطباعهم.
وربما هذه الخواطرتجعل القارئ أحياناٌ يقف عند بعض المواقف ، ويطيل الوقوف من شدة الإعجاب فيما تحمل العبارات في طياتها من معاني جوهرية ذو قيمة رفيعة مثل: " من يضيئ على إنجازات و مساهمات وعطاءات الغير مهما كان حجمها هو كالنور الذي يشع في العتمة ، وهو أيضاٌ قد يتحول إلى نار تحرق من يحاول إخماد وهجها . " ص
 هذا إلى جانب المواضيع المختلفة والمتنوعة  في الكتاب من أشعار، وأقوال ، ولبنانيات ، وروحانيات ، وشخصيات تاريخية مرموقة مثل جبران خليل جبران المدافع عن إنسانية الإنسان ص97 ، و يوسف بك كرم وتاريخة الحافل بالإنجازات الوطنية والعسكرية والفكرية والإنسانية والقومية ص104.  
و أود هنا أن أهنئ الكاتب الصديق سركيس كرم بكتابه هذا وأتمنى له المزيد من النجاح والتوفيق .

CONVERSATION

1 comments:

Sarkis Karam يقول...

كلامكم أوسمة: تحمل شعاع النور لتضيء عتمة الأيام التي لفهّا سواد الهجرة وقساوة الرحيل .. بريشتها ترسم ما تنتعش به روحانية الإبداع وتنعتق بواسطته الذات من تقوقع الأنانية.. وبأدبها تلوّن تلك الدرب الشاقة الطويلة التي قد تؤدي الى حيث ينبغي ان يتواجد يوماً ما أمل التفاؤل وفرح التحرر.. شكراً للأديبة والفنانة التشكيلية الاستاذة مارسيل منصور