حيدر كريم شاعر عريق.. يحمل عراقة العراق على منكبيه/ الأب يوسف جزراوي


هو شاعر شعبي مُميز، من بلد المربد الشعري. قُل عنه ما تشاء، سواء إختلفتَ أو اتفقتَ مع  اطروحاته وآرائه ومواقفه، فلا يسعك إلا أن تحترم موهبته الشعرية، وغيرته العراقية التي عُهد بها.
هو الشاعر الزاهد الذي زرع الكثير وحصد الهشيم، ولكنه ظلَّ دائمًا ولا يزال متماسكًا مترفعًا عن شهوة الأضواء وعطايا الساسة، وظلَّ ولاؤه لتراب الوطن عميقًا متجذرًا بأرض العراق.  أدركته مُنتميًا إلى أكثر اللغات إحساسًا بحرية الكلمة، والتزامًا بحق إبداء الرأي مهما كانت الظروف.إنّه الشاعر العراقي الذائع الصيت حيدر كريم العامري صاحب الشخصية الثورية  الصريحة الواضحة التي لا تقبل النفاق السياسي ولا تهوى المجاملة الزائفة على حساب وطنه المنكوب.
حدث ذات صباح من عام 2011 كنتُ اسير في مدينة سيدني بصحبة الكابتن القدير  سعدي توما ، فاستوقفنا رجل والقى علينا التحية وراح يبادلنا  اطراف الحديث دون أن أعلم من هو!، تطلعت به فوجدت أمامي وجهًا مألوفًا بعد أن وقع على مسامعي اسمًا معهودًا، أمعنت النظر إليه وأدركت من يكون، وشاءت الصدف فيما بعد أن نعمل معًا في مؤسسة آفاق للثقافة والفنون والتي تركتها لكثرة إنشغالاتي الكنسية ثم تركها الرجل من بعدي، لكنه استمر مُتمسكًا بحبال الودّ مع القائمين عليها.  
ربطتني بهذا الرجل الذي يتمتع بشاعرية لا يشق لها غبار علاقات وثيقة ومواقف مهنية، فلقد تعاملت مع حيدر كريم الشاعر العراقي المهموم بالشأن العراقي  بحكم العمل في مؤسستي آفاق وسواقي للثقافة والفنون، وأدهشتني فيه كفاءته العالية وخبرته المؤسساتية وإلمامه الشامل بذلك المجال وبتفاصيل المشهد الثقافي.
ولقد زاملني الرجل في لقاءات وامسيات ادبية عديدة وجلسات في الصالون الثقافي العربي. وقد لا اذيع سرًا  بأنَّ علاقة الرجل مع المنبر كعلاقة الوليد بأمه، فلم يغمض المشهد الثقافي العراقي عينيه عنه، إذ كان حضوره دائمًا ولا يزال مؤثرًا وفعالاً. له احاديث تجعله لطيف المعشر، انيس الجلسة. في العمل المؤسساتي وجدته يشارك في الرأي ويبدي الملاحظات في لغةٍ واضحة وشعبية لا تخلو من الإنفعال المصحوب بالصوت المرتفع والصراحة الجارحة التي لا تخلو من وخزات الكلام أحيانًا، لكنها تنمّ عن نوايا سليمة، ووضوح في الرؤية  ونزاهة التفكير لأجل الخير العام. ولا أجد حرجًا إن قلت: إنني غالبًا ما ابدي صراحتي للرجل بأنه شفاف الكلمة من على ناصية المنبر، لكنه على خلاف ذلك أحيانًا في المناقشات ومسالك الحياة. والحق يُقال غالبًا ما أجد في الرجل مرونة وتقبّلاً.
وهو صاحب التوليفة  الجميلة بين فكره الشيوعي وتشيعه للأمام علي ومحبته للسيّد المسيح وإنتمائه للإنسانية، فلقد أجرى الرجل مصالحة نفسية بين كلّ هذه المعتقدات منذ صباه. لقد عرفت  حيدر كريم عن قربٍ لسنوات مضت، وازددت كلّ يوم احترامًا له وتقديرًا لقامته الشعرية وقيمته في الحياة الثقافية واهتمامه بالهمّ الوطني الذي يغذي ذلك  الشاعر البغدادي الهوى،  الجنوبي الولادة  الذي غدا جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الشعر العراقي الشعبي الحديث،  بعد أن عشق الشعر رسالة سامية وأجاد تخصصه وخدم بلده كما يخدم جاليته الآن من أرض الأغتراب عبرَ كلمته الشعرية ودوره الثقافي.
ولا بُدَّ من أنْ أُسجلَ هنا بأنَّ الحوار معه ميزة، والاستماع إليه متعة، فهو متحدّث دقيق يتحدث بموضوعية. واذكر  له دقته فيما كان يقول وهو يبوح بانطباعاته عمّن ربطته  بهم صلة ثقافية أو إنسانية، حتّى إنه اتصل بي ذات صباح ليصحح  لي وصفًا خاصًا كان قد وصف به  منجزات أحد الأشخاص حين استعرض ذكرياته معه ليلاً، فصحح لي بعض المعلومات بدقةٍ وأمانة.
التقينا على حبّ الوطن في  منفى المهجر الأختياري وعلى اجنحة السرعة اندمجنا في المشهد الثقافي كثنائي ، وصار اسم حيدر كريم العامري مقرونًا باسم الأب يوسف جزراوي والعكس بالعكس، فما احلى أن نلتقي معًا في معبد الكلمة المُقدسة نُنشد طقوس الإنسانية ونرنم  معًا ترانيم المحبة والرجاء. واتذكر أنَّ الرجلَ قال يومًا في جلسةٍ ما  بحضوري:" قال السيّد المسيح عن نفسه كلّما اجتمع اثنان انا الثالث بينهما. وأنا أقول- وهنا الكلام للعامري: كلما اجتمع صديقان أو  شاعران، اديبان... فالثالث هو يوسف جزراوي".
ولا يكاد  يمرّ يومًا  ألاّ ونهاتف بعضنا البعض، ولا يمضي أسبوع  إلا ونلتقي في عمل مؤسساتي أو امسية ثقافية، والرجل يسعى إلى بيتي أو الكنيسة في تواضع جمّ وأدب شديد، ويمضي في ضيافتي ساعة أو بضع ساعات، في حديث طيب يرطب النفس، أو يبوح بمّا يعكر صفوه، فأبدد  الغيوم واحيي الشعور بالثقة بنفس ذلك الإنسان  الذي مرَّ  بلحظاتٍ قاسية وأوقاتٍ  عصيبة لا يعرفها إلاّ من مرَّ بها. وقد حكي لي الرجل كثيرًا  بكبرياءٍ مجروح ونفس ابية طبيعة العواصف التي واجهها بسبب عمله السابق في تلفزيون الشاب العراقي أو لأجل بعض مواقفه واشعاره ذات المسحة السياسية، لكنه  واجه العواصف العاتية والرياح الكاسحة في شجاعة وثبات وخلق رفيع، لأن الكبير يظل كبيرًا في كلّ الظروف.
أقول ذلك لكي أستطرد، متذكرًا ما كان قد حكاه لي الرجل بنبرة من الحكمة بحضور نخبة من مثقفي الجالية العراقية والعربية في سيدني في إحدى الصالونات الثقافية، عن موقفٍ كاد يقوده إلى عداد المواتى؛ ففي اواخر التسعينيات من القرن المنصرم حظي الرجل باجازة من السلطان فقصد محافظته الجنوبية لزيارة بيت جده، وهو في الطريق اصيبت سيارته بعطلٍ ميكانيكي. ترك السيارة على قارعة الطريق، واستقل الباص  مواصلاً الرحلة إلى بيت جده في محافظة الناصرية، فاوشى به بعض الجلاوسة بأنَّه اتجه إلى ايران لغرض البوح بمعلوماتٍ عن دائرة عمله.  وحين أنتهت اجازة الرجل، عاد إلى دائرته ببغداد، وإذ يرى نفسه معتقلاً  في الحال ومحاطًا بعددٍ من حاشية السلطان، يتربص به السلطان نجل الرئيس العراقي الأسبق حاملاً بيده مسدسًا واضعًا إياه على رأسه، وحدثه بلغة السباب قائلاً: ماذا كنت فاعل في ايران يـ...؟ فاجأب الرجل: "لقد فحصوا دمي ووجدوا نسبة الخيانة به صفرًا". حينها افرج عنه وكتب له عمر جديد!
إنّه الشاعر العراقي الغني عن التعريف، الذي ابصر النور في ذي قار 1968، فأَلَفَ العراقيون اسمه وهم يُرددون كلمات اغانيه التي كتبها إلى أبرز المطربين العراقيين والعرب، وهو حاصل على شهادة الماجستير في الإعلام من جامعة بغداد عام 1996. اندرج اسمه في تلفزيون العراق عام 1988،  ونال التكريم من قبل الرئيس العراقي الأسبق عدة مرّات، وصنف من  ضمن فئة (أ) من الشعراء العراقيين أثناء عمله في تلفزيون الشباب العراقي مذ أصبح واحدًا من فريق العمل فيه منذ شهر ايلول من عام 1993 إلى غاية عام  2002 ؛ حيث غادر العراق إلى عمان.
اذكر للقارئ تلك الأحداث لكي أرصد حالات لبعض المبدعين العراقيين المنعوتين من قبل بعض الناس بـ(فلول النظام السابق) وكيف لا يكون المرء فلولاً في ظلّ نظامٍ حكم (35) عامًا؟! وحين أتأمّل الفارق بين حالتين للإنسان الواحد، حيث أجده تارة في فردوس  السلطان وفي ناره تارة أُخرى، منعمًا عليه مرّة ومغضوب عليه مرّات عديدة!. والحال، لم تخلُ حياة ذلك الشاعر من  الشد والجذب، فقد أثارت البعض من آرائه وقصائده المعارك الحادة وألبت عليه المعارضين، غير أنه لم يكن يمتشق القلم للرد على  نقاده إلا إذا كان من ينازلهم أندادًا له. فإن لم يكونوا كذلك لزم الصمت. وكان في معظم الحالات يمتلك من الشجاعة ما يجعله يدافع عن بلده وقصائده وتاريخه  الشعري في أحرج الظروف. وأذكر للرجل أنه روى  لي ولغيري بكلّ تجرد وحيادية عن قصّص يعرفها معاصروها، اذكرها هنا لعلَّ الذكرى تنفع:
ذات ليلة من ليالي شهر نيسان من عام 2006 الشامية، سخر أحد الخليجيين من العراق والعراقيين اثناء حفل كبير، فاثارت تلك السخرية  حفيظة ذلك الشاعر العراقي الغيور، وطلب ورقة كتب فيها مذاهب قصيدته على عجل وأعتلى المنصة، وبنوعٍ ٍ من الكياسة ِ والدهاء شرعَ بالحديث قائلاً: أُهدي هذه القصيدة إلى اشقائي في البلد الخليحي (....)، وعلى اجنحة السرعة تطايرت عليه  الورود والعملات النقدية من الجالسين على المقاعد الأمامية وكانوا من بلدان الخليج الذين سرعان ما تهللت اساريرهم ، دون أن يعلموا ماذا يختبئ وراء تلك المُقدّمة، وحين صدى صوته للعراق الكبير، راح الحضور يهتف باسم العراق مُحيين الشاعر العراقي الأصيل ما خلا الجالسين في المقدّمة؛ فهاجت  الدنيا وماجت في تلك الأمسية، وكانت تلك القصيدة كفيلة لاعتقاله في فرع فلسطين في الشام بعد بضع ساعات من القائها، ولكنه خرج خلال ساعات من التوقيف، إذ القى القصيدة على مسامع المُحققين معه بعد أن شرح لهم الأسباب التي دفعته إليها، فنالت اعجابهم، واطلقوا سبيله في الحال، وتكفلوا بعدم التعرض له، سيّما بعد ان علموا انه قد كرّم من قبل القيادة القطرية السورية عن قصيدته ( الله يحفظك يا سوريا).
واستقرابًا من تلك الحادثة، واجه ذلك الشاعر موقفًا مشابهًا في أمسية شعرية كبيرة في  العاصمة الأردنية- عمان- بتاريخ 22/6/2004  يوم وصلت الغيرة ذروتها، فاطلق العنان لكلمته  حين اعتلى ناصية المنبر لانتقاد الحكام العرب ومواقفهم  الخجولة من الدمار الذي حلَّ بالعراق الجريج الذي طالما تنعموا بخيراته، وكان مطلع القصيدة  يقول:( يا عراق بجيت الوحدك ومحد بجة وياك) التي غناها  له حسام الرسام ومن ثم الفنان المبدع اسماعيل فاضل. وبسبب تلك القصيدة تم اعتقاله لمدة 13 يومًا في مقر المخابرات الاردنية في وادي السير، ثم اطلق سراحه حاملاً بيده كتاب ترحيله من الاراضي الاردنية ، ولعلَّ تلك الحادثة سرعت من هجرته إلى استراليا. وأنا شخصيًا اتعاطف  كثيرًا مع سجين الرأي ايًا كان، لأن السجن الذي يقبع فيه سجين الرأي هو أبشع انواع السجون، لكنه  في الوقت ذاته يعد وسامًا من ارفع الأوسمة.
كتبَ أبن كريم الشعر الشعبي والمسرحي؛ إذ كتبَ اشعار مسرحية اوروك التي فازت بمهرجان اسامة المشيني عام 2004 في عمان.  وفي مهرجان عمان للشعر والغناء عام 2004 فازت إحدى قصائده وأدرج أسمه ضمن الشعراء المكرمين؛  ولما اعتلى خشبة المسرح لكي ينال التكريم، طلب من وزير الثقافة العراقي وقتذاك مفيد الجزائري أن يستلم الشهادة التقديرية من شاعر العراق الأكبر مظفر النواب الذي كان حاضرًا في تلك الليلة، فكان له ما اراد. وهو في صدد الإنتهاء من ديوانه ( أهات الغربة) الذي يسعى إلى نشره في عام 2015.
اشتركت اعماله في مهرجان عمان  للمغتربين العراقيين الذي نظمته فضائية السومرية العراقية بتاريخ 5/3/2005؛ حيث فازت إحدى قصائده بالمرتبة الاولى، وقد غناها يومها الفنان  المتالق اسماعيل فاضل على خشبة مسرح الحسين الملكي. نال أيضًا درع الإبداع وشهادة تقديرية من مؤسسة سواقي للثقافة والفنون بتاريخ 11/4/2014 في سيدني.
وفي عام 2012 كتب اشعار مسلسل (النوم واقفًا)  للمخرج المبدع عباس الحربي وقد تم عرضها في قناة البغدادية.
كما نال درع الإبداع في امسية تأبين  العملاق وديع الصافي فتسلمه من يد قنصل جمهورية لبنان في سيدني السيّد جورج البيطار غانم المحترم. وحاز  أيضًا شهادة تقديرية من السفارة اللبنانية في كانبرا مع الشعراء اللبنانين ( الكبير شربل بعيني- د. جميل الدويهي، فؤاد نعمان الخوري- د. مروان كساب واخرين) كان ذلك  مساء يوم الخميس 18/12/2014 في امسية تأبين الفنانة الكبيرة صباح والشاعر العملاق سعيد عقل، التي نظمتها جمعية إنماء الشعر العربي في استراليا بجهود المحامية والأديبة بهية ابو حمد، بحضور قنصل جمهوية لبنان المحترم ونخبة من الكُتّاب والشعراء والأدباء والفنانين العرب.
ويعرف العارفون  أنَّ ليل  ذلك الشاعر الصديق طويل ، ينتعش بعد الحادية عشرة مساءً ويتواصل إلى ساعات متأخرة ليلاً حتّى انبلاج الفجر، يطلق العنان لشاعريته لتطلق الشعر، ومن عادته أن يكتب مخطوطاته الابداعية  الشعرية أو القصائد على جهاز التلفون (الموبايل) وينشرها في صفحته في الـ Facebook أو يدونها في مدونة خاصّة به. والرجل قليل النوم يدخن الاركيلة بافراط، ويتناول وجبة واحدة في اليوم، لكنه رغم هذا يعاني من السمنة!.
ولا أنكر أنَّ الرجل يمتلك طيبة عراقية واضحة، وإنسانية مُعبرة،  وذاكرة خصبة.  كما أنه يتمتع  بقدرٍ كبير من العفوية وحسن النية، ونقاوة القلب، ورهافة الحس، لكنه كثير الإنفعال، لا سيّما على " الإعوجاج"، فيصبح كالعاصفة الهوجاء بل تسونامي يعصف ذلك الإعوجاج، بيدَ إنه لا يلبث أن يعود إلى جادة الصواب ويهدأ سريعًا، ولا يجد في الإعتذار إنتقاصًا من قيمته، والرجل منفتح على نصائح المقربين منه ويحسن الإصغاء للنصائح والتعاطي معها.
ولقد لفت نظري كثيرًا أنَّ هذا الشاعر الكبير كان يحمل  ولا يزال هموم بلده في تفانٍ وإخلاصٍ واضحين، وقد جسدَ ذلك الهمّ في بعض قصائده  والأعمال الوطنية  التي كتبها عن العراق، خاصّة عن احوال اشقائه المسيحيين يوم تعرضت كنيسة سيّدة النجاة لابشع جريمة عرفها التاريخ، فسطرت انامله كلمات جسدت حبّه للعراق وللمسيحيين قدمها مجانًا  للفنان المبدع مالك البابلي، واعاد الكرّة مرّة أُخرى يوم تعرض المسيحيون إلى القتل والتهجير من قبل عصابات داعش الوحشية، فجمعني مع ذلك الشاعر المرموق والفنان المحبوب مالك البابلي والموسيقي القدير عماد رحيم عملاً وطنيًا ( حرك باب الكنيسة) وقد تم تصوير العمل في أكثر من موقع، وكان لكاتدرائية الربان هرمزد  الاشورية في سيدني نصيب، وقد حظي ذلك العمل الوطني بنسبة مشاهدة عالية في القنوات الفضائية التي عرض فيها. وأظن وليس كلّ الظن إثمًا بأنَّ الشاعر حيدر كريم رغم صوره الشعرية  المتنوعة والمُعبرة، لكنني اضعه في خانة  شاعر القضية العراقية ما بعد 2003 إنْ صح القول، رغم أنَّ التسمية قد لا يتحمس لها الأستاذ حيدر وهو شاعر المحبة والحزن والأمل وشاعر الوطن، لأنه يظن أنَّ اختزال قيمته الشعرية وقامته الثقافية في إطار الأحداث التي تكالبت على العراق وألمت بشعبه الأصيل، قد يسحب منه قدرًا من قيمته الإبداعية  وارتفاع قامته الشعرية وتنوعها.
وأذكر للرجل أنه قد شرفني يوم عرّف لي امسية إطلاق كتابي ( أحاديث قلم) معية الإعلامية البارزة نادين شعّار والأخت المبدعة سناء كيوركيس،  وكتب قصيدة عامودية قصيرة زينت صفحات الكتاب واطرب بها مسامع الحاضرين في تلك الأمسية التي شهدت عرسًا ثقافيًا بشهادة الكثيرين، وأذكر للرجل أيضًا موقفًا نبيلاً يوم طلب من أحد المترجمين القديرين  ترجمة كتابي " أفكار وتأمُّلات من التُراب"، ولم يكتفِ بذلك القدر ، بل اصطحبني بنفسه إلى من تبنى ترجمة الكتاب.
ألف تحية إلى رفيق غربتي في سيدني الأستاذ حيدر كريم، الذي أكن له قدرًا كبيرًا من المحبة والإحترام والتقدير رغم إننا نقف في الغالب على هضاب حياتية مختلفة، ولكن الإختلاف مع أبن كريم لم يكن يومًا خلافًا، بل غنى وإستكمالاً.   إنّه  ذلك الشاعر الذي دفع ثمن الكلمة سهرًا، ونشر اشعاره من دم قلبه إنّ صح التعبير، في هدف نشر قضية العراق المنكوب في ارجاء المعمورة، محافظًا على تراث بلدٍ علم الناس الحرف، وهذا لم يرق لبعض ساسة العراق الجديد؛  فمشكلة بعض الحكام في العراق وربّما في مُعظم  البلدان العربية تكمن بأنَّ بريق السلطة يعُمي الأبصار ويستولي على الأفئدة ويجعل القرارات أحيانًا شديدة القسوة، إلى حد يصل بالشاعر والمثقف أو الأديب  من منصة المنبر إلى خانة الرفض من القمة إلى القاع.. إنها السياسة لعنها الله في كلّ زمان ومكان!
إنه ذلك  الشاعر العراقي القدير الذي له من اسم والده الشهيد نصيب، فهو نموذج للعراقي  المحب لبلده والإنسان المبدع الذي جمع بين البساطة والتواضع والكرم العراقي في وقتٍ واحد.  وهو " أبو الغيرة" كما يُكنى من قبل أبناء الجالية في سيدني،  فقد بكى  العراق بقلبٍ مفعم بالحزن والالم  من على ناصية المنبر تارة، وتارة أُخرى تغزل ببلده الكبير وبشعبه العريق؛ فالشعر عنده  موهبة وقضية ورسالة وليس وسيلة لتمجيد الذات والتميّز، لهذا لا زالت اشعاره تعيش بظهرانينا، وكيف لا؟ وهو شاعر وطني  حمل على منكبيه عراقة العراق ، مؤمنًا بأنَّ للشعر معنى ورسالة، جعلته يتربع على عرش معبد الشعر المُقدس.

CONVERSATION

0 comments: