أيتها المرأةُ الملعونة، أين عضلاتُ فخذيك؟/ فاطمة ناعوت

سجالٌ فكريٌّ حادٌّ جمعني قبل أيام بداعية مغربيّ اسمه "محمد الفزازي" حول سؤال: "هل لحرية التعبير قيود؟"، خلال برنامج "مناظرة" الذي تم تسجيله في "قصر السفراء" بالدار البيضاء. وتطرّق الحديث، بطبيعة الحال، حول ملابس المرأة وأنها السببُ وراء ظاهرة التحرّش بالنساء المتزايدة في المجتمعات العربية. وسألتُ الشيخَ سؤالاً بريئاً: “أفغانستان تحتلُّ المركز الأول عالميّاً في نسبة التحرّش بالنساء حسب الإحصاءات الدولية، رغم أنها تغطي النساءَ من رأسِها إلى أخمص قدميها، فما تفسير ذلك؟"، وراعني أن قال الرجل: “حجابُ المرأة أو نقابها ليس دليلاً على فضيلتها. فقد تتغطى وترتكبُ الفواحش.” ثم أراد أن يصرف انتباهي عن عوار إجابته وتهافتها، عن طريق استفزاز وطنيتي، قائلاً: “وماذا عن التحرش في ميدان التحرير؟" وكان له ما أراد، حيث انفعلتُ لأنه زجّ باسم مصر في أمر خارج السياق، محاولاً أن يُهين ثورتنا ووسمها ووصمها بما لا يليق. وبالطبع غاب سؤالي العسر، وإجابته المتهافتة، وسط الجدل العقيم. والآن يحقُّ لي أن أعيد تفنيد الأمر على القراء، لأسجّل كمّ التهافت وانعدام المنطق في إجابة الشيخ الداعية. 

نلاحظ بدايةً أن الشيخ قد تجاهل المفارقة التي وددتُ طرحها في اجتماع التدّثر الكامل لجسد المرأة، بعدم سلامها وأمنها رغم هذا من سخافات المتحرشين. لكن الأخطر في إجابته هو أنه ألقى بتبعة التحرش على "انعدام فضيلة المرأة"، وإن كانت منتقبة! فالمراة المُتحرّش بها غير عفيفة بنظر الشيخ! أين الرجلُ في واقعة التحرش؟! غير موجود! هو الحملُ الوديع المغلوب على أمره دائماً. 

ذكّرني هذا التهافت الذهني والمراهقة الفكرية بشيخ مصري اسمه "محمود شعبان"، حماه الله وبارك في عقله، حين قال: "إن عفّتِ المرأةُ عفَّ الرجل"، ولا ندري أيُّ عفاف يطلب أكثرَ من النقاب؟ وهل نساء أفغانستان في نقابهن غيرُ عفيفات؟ ثم تمادى شيخنا الطيب قائلا: "إن المرأة دون سواها هي السبب في ظاهرة التحرش الجنسي.” "حتى إن احتشمت يا شيخ؟" "نعم. حتى إن احتشمت وتنقّبت.” "لماذا يا شيخ؟ وكيف"؟ "لأنها لا تستخدم أقوى عضلة في جسم الإنسان، وهي عضلة الفخذين! كما يقول العلم(!!) لماذا تخفق المرأة في استخدام فخذيها لمقاومة التحرش؟! هي إذن ترغب في التحرش بها، ملعونة ابنة ملاعين!". 

هذا الشيخ الكوميدي ارتكب عدة مغالطات منطقية وفكرية ووجودية. أولا أغفلَ الرجلُ أن التحرش الجنسي ليس بالضرورة هو اكتمال عملية الاغتصاب. إنما يبدأ بكلمة سفيهة يقولها رجلٌ سفيهٌ لمحصّنة تسير في الطريق. وتمرُّ بمحاولة لمس جسدها خلسةً، فإن وصل الأمرُ إلى حده الأقصى، خرج من خانة "التحرش" و"انتهاك الخصوصية" ليدخل في باب "الاغتصاب" أو “هتك العرض” وتلك جريمة أخرى. وثانيًا، يطالب الشيخُ الكريمُ المرأةَ لكي تكون عفيفة أن تتدرب احترافيّاً على المصارعة الحرّة لتصرّع الرجل المتحرش الفحل. فإن كانت المرأة ذات بنيان جسماني ضعيف ولها أفخاذٌ واهنة، فهي فاجرة داعرةٌ يجوز التحرش بها!

لم يسأل الشيخُ المغربي ولا زميله المصري نفسيهما عن الطفلة التي تُغتصب! ماذا ارتدت من ملابس مُغرية ولم يكتمل بناء جسدها أصلاً، ولا كيف تقاوم ذكراً يافعاً بفذخيها الناحلين؟

لاحظوا أن "الرجلَ" غائبٌ عن منظومة الشيخين في العملية الانتهاكية، في مقابل الحضور الكامل الشامل للمرأة/ الطفلة. المرأة هي الفاعلُ والمفعولُ بها طوال الوقت، والرجل لا يفعل أكثر من تأدية دوره الطبيعي الأوحد في الحياة: “الجنس"! هكذا يرى شيوخنا الأفاضل الأمورَ من منظار أعور بعين واحدة. 

الشيخ المغربي محمد الفزازي، الذي ناظرته في المغرب قبل أيام، أعتذر لنفسي ولقرائي على مساجلته. لأنني حين وافقتُ على النزال، كنتُ واهمةً وصدقت مزاعمه بأنه قد راجع أفكاره القديمة وعدل عنها بعدما منحه ملك المغرب عفوًا أخرجه من غياهب السجون التي قضى سنوات وراء قضبانها عقابًا له على فتاواه التكفيرية التحريضية التي أرهقت المغرب والعالمين. ظل يقول على مدى سنوات: "نعم أنا تكفيريٌّ وأفخر بهذا. بل على كل مسلم أن يكون تكفيريّاً وإلا كان هو كافراً خارجاً عن ملّة الإسلام!"، وكان يقول إن الديمقراطية "دِينُ" كفر، كالنصرانية واليهودية، وإن مَن يعتنق الديمقراطية يجب قتله كما يحلُّ قتل أي كافر. ثم زعم أنه الآن شخصٌ جديد مستنير مختلف. إلى درجة أنه، قبيل تسجيل الحلقة، قال لي أمام فريق إعداد البرنامج والمخرجين والمذيعة والمصورين وأمام زوجاته العديدات: “أنا الآن إنسان جديد، ولو شاهدتُ محمد الفزازي القديم سوف أضربه بالحذاء". هل ترون أن الشيخ قد تبدّل واستنار بالفعل وتحرر من آرائه حول المرأة والرجل وعملية التحرش الجنسي؟

CONVERSATION

1 comments:

أنطوني ولسن يقول...

استاذة فاطمة
حفظك الله من كل شر وحماك من سماع التوافه .
أتمنى إذا حدث والتقيت بواحد منهم لا تجادلي ولا تناقشي فالبعد عنهم غنيمة
مع خالص إحترامي
أنطوني ولسن