التهجم على الجيش اللبناني وأحلام الإمارات والكانتونات/ بطرس عنداري

لقد‮ ‬أصبحت‮ ‬الكتابة‮ ‬عن‮ ‬الحياة‮ ‬السياسية‮ ‬في‮ ‬لبنان‮ ‬تشبه‮ ‬مطاردة‮ ‬الرياح‮ ‬او‮ ‬البحث‮ ‬عن‮ ‬واحة‮ ‬صغيرة‮ ‬في‮ ‬الصحراء‮ ‬الكبرى‮ ‬او‮ ‬في‮ ‬الربع‮ ‬الخالي‮ . ‬ففي‮ ‬لبنان‮ ‬فقط‮ ‬تجد‮ ‬الرؤساء‮ ‬يناضلون‮ ‬بجد‮ ‬لعرقلة‮ ‬اعمال‮ ‬حكومتهم،‮ ‬وتجد‮ ‬الاصوليات‮ ‬الظلامية‮ ‬تزايد‮ ‬بالادعاءات‮ ‬الديمقراطية‮ ‬والحريات‮ ‬العامة‮ ‬في‮ ‬الوقت‮ ‬الذي‮ ‬توالي‮ ‬فيه‮ ‬الانظمة‮ ‬القروسطية،‮ ‬حتى‮ ‬عمّت‮ ‬الحيرة‮ ‬المواطنين‮ ‬بين‮ ‬اختيار‮ ‬الاستبداد‮ ‬والحكم‮ ‬الفردي‮ ‬او‮ ‬نظام‮ ‬القبيلة‮ ‬وعشوائية‮ ‬الفتاوى‮.‬
ليس‮ ‬هذا‮ ‬النهج‮ ‬جديداً‮ ‬على‮ ‬الساحة‮ ‬اللبنانية‮ ‬المتمرّسة‮ ‬بالتبعية‮ ‬والتطلع‮ ‬دائماً‮ ‬الى‮ ‬ما‮ ‬وراء‮ ‬الحدود‮. ‬وبعد‮ ‬ان‮ ‬توقفت‮ ‬او‮ ‬أوقفت‮ ‬الحرب‮ ‬الاهلية‮ ‬وحتى‮ ‬انهاء‮ ‬الوصاية،‮ ‬بزغ‮ ‬أمل‮ ‬جديد‮ ‬ومُنتَظَر‮ ‬بقيام‮ ‬جيش‮ ‬نظامي‮ ‬فرض‮ ‬نفسه‮ ‬على‮ ‬الساحة‮ ‬رغم‮ ‬حرمانه‮ ‬من‮ ‬الأعتدة‮ ‬الحديثة‮ ‬القادرة‮ ‬على‮ ‬حماية‮ ‬الوطن‮ ‬من‮ ‬أعداء‮ ‬الخارج‮.‬
ان‮ ‬الجيوش‮ ‬في‮ ‬البلدان‮ ‬الراقية‮ ‬لا‮ ‬تستعمل‮ ‬لفرض‮ ‬الأمن‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬ولتأمين‮ ‬الوحدة‮ ‬الوطنية‮. ‬ولكن‮ ‬في‮ ‬البلدان‮ ‬النامية‮ ‬او‮ ‬الصاعدة‮ ‬باتجاه‮ ‬بناء‮ ‬دولة‮ ‬حديثة‮ ‬متماسكة،‮ ‬تبقى‮ ‬الجيوش‮ ‬النظامية‮ ‬القوية‮ ‬هي‮ ‬الأمل‮ ‬الأول‮ ‬لتحقيق‮ ‬ذلك‮.‬
لقد‮ ‬أثبت‮ ‬الجيش‮ ‬اللبناني‮ ‬جدارته‮ ‬منذ‮ ‬الانتفاضة‮ ‬الكبرى‮ ‬في‮ ‬مطلع‮ ‬العام‮ ٥٠٠٢ ‬بعد‮ ‬استشهاد‮ ‬رفيق‮ ‬الحريري‮ ‬حين‮ ‬أدار‮ ‬الدفّة‮ ‬الامنية‮ ‬طوال‮ ‬أشهر‮ ‬من‮ ‬التظاهرات‮ ‬الحاشدة‮ ‬دون‮ ‬هدر‮ ‬نقطة‮ ‬دم‮ ‬واحدة‮ ‬مما‮ ‬اثار‮ ‬دهشة‮ ‬واعجاب‮ ‬الداخل‮ ‬والخارج،‮ ‬وكوفىء‮ ‬قائد‮ ‬الجيش‮ ‬بإسناد‮ ‬الرئاسة‮ ‬الأولى‮ ‬اليه‮.‬
ولكن‮ ‬بروز‮ ‬جدارة‮ ‬الجيش‮ ‬وتماسكه‮ ‬مسألة‮ ‬لم‮ ‬تعجب‮ ‬الذين‮ ‬ظنوا‮ ‬ان‮ ‬لبنان‮ ‬مزرعة‮ ‬او‮ ‬إمارة‮ ‬تدار‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬فريق‮ ‬انفصل‮ ‬عن‮ ‬الهيمنة‮ ‬الاولى‮ ‬ليمارس‮ ‬هيمنة‮ ‬جديدة،‮ ‬وكان‮ ‬هدفه‮ ‬الاول‮ ‬التشكيك‮ ‬بالجيش‮ ‬اللبناني‮ ‬ومحاولة‮ ‬زجه‮ ‬في‮ ‬معارك‮ ‬داخلية‮ ‬مثل‮ ‬مجابهة‮ ‬العصابات‮ ‬الاصولية‮ ‬المسلحة‮ ‬والتحريض‮ ‬على‮ ‬تفجير‮ ‬معارك‮ ‬قتالية‮ ‬مع‮ ‬المقاومة‮ ‬على‮ ‬غرار‮ ‬معارك‮ ‬جرود‮ ‬الضنية‮ ‬قبل‮ ‬اكثر‮ ‬من‮ ‬عقد‮ ‬ونهر‮ ‬البارد‮ ‬وعنجر‮ ‬مروراً‮ ‬بحادثة‮ ‬مار‮ ‬مخايل‮ ‬التي‮ ‬أخفيت‮ ‬اسرارها‮ ‬واحداث‮ ٥ ‬و‮٧ ‬ايار‮ ٨٠٠٢ ‬التي‮ ‬نجا‮ ‬منها‮ ‬لبنان‮ ‬وجيشه‮ ‬بما‮ ‬يشبه‮ ‬المعجزة‮.‬
وبعد‮ ‬ان‮ ‬فشلت‮ ‬المحاولات‮ ‬غير‮ ‬المباشرة‮ ‬لضرب‮ ‬وحدة‮ ‬الجيش‮ ‬اللبناني‮ ‬وافتضاح‮ ‬النوايا‮ ‬المذهبية‮ ‬لبعض‮ ‬الساسة،‮ ‬انتقلت‮ ‬المعركة‮ ‬الى‮ ‬العلن‮ ‬واصبح‮ ‬التهجم‮ ‬على‮ ‬الجيش‮ ‬وقياداته‮ ‬مهمة‮ ‬بعض‮ ‬اعضاء‮ ‬المجلس‮ ‬النيابي‮ ‬وقادة‮ ‬الاصوليات‮ ‬الاسلامية‮ ‬والمسيحية‮ ‬الحالمة‮ ‬بإقامة‮ ‬الامارات‮ ‬والكانتونات‮. ‬وهنا‮ ‬نذكر‮ ‬ان‮ ‬الاصوليات‮ ‬والحركات‮ ‬الظلامية‮ ‬ليست‮ ‬مسلمة‮ ‬إذ‮ ‬هناك‮ ‬قوى‮ ‬مسيحية‮ ‬حلمت‮ ‬بالكانتونات‮ ‬والاقطاع‮ ‬الفردي‮ ‬قبل‮ ‬غيرها‮ ‬بقرون‮ ‬وقرون‮.‬
كانت‮ ‬الدعوة‮ ‬الى‮ ‬اقامة‮ ‬الامارات‮ ‬والكانتونات‮ ‬حلماً‮ ‬راود‮ ‬البعض،‮ ‬رأيناه‮ ‬كما‮ ‬غيرنا‮ ‬بعيد‮ ‬المنال‮ ‬والتحقيق‮. ‬ولكن‮ ‬بعد‮ ‬ان‮ ‬سيطرت‮ ‬على‮ ‬الساحة‮ ‬فتاوى‮ ‬وآراء‮ ‬القرضاوي‮ ‬وآل‮ ‬الشيخ‮ ‬والشهال‮ ‬ورضوان‮ ‬السيد‮ ‬مدعومة‮ ‬بإرث‮ ‬شاكر‮ ‬العبسي‮ ‬وكتائب‮ ‬عبدا‮ ‬لله‮ ‬عزام،‮ ‬بتنا‮ ‬نشعر‮ ‬ببعض‮ ‬الخطر‮ ‬رغم‮ ‬تماسك‮ ‬الجيش‮ ‬الوطني‮ ‬والدعم‮ ‬الرسمي‮ ‬والشعبي‮ ‬له‮.‬
ان‮ ‬المربك‮ ‬هو‮ ‬محاولة‮ ‬اصحاب‮ ‬هذه‮ ‬الفتاوى‮ ‬والآراء‮ ‬سرقة‮ ‬الربيع‮ ‬العريي‮ ‬وتحويله‮ ‬الى‮ ‬زمن‮ ‬حجري‮ ‬جليدي‮. ‬وبعد‮ ‬ان‮ ‬ساند‮ ‬أيمن‮ ‬الظواهري‮ ‬من‮ ‬كهوف‮ ‬تورابورا‮ »‬الربيع‮ ‬المنكوب‮«‬،‮ ‬تذكّر‮ ‬العديدون‮ ‬ان‮ ‬الظواهري‮ ‬هذا‮ ‬كان‮ ‬احد‮ ‬تلاميذ‮ ‬عبد‮ ‬الله‮ ‬عزام‮ ‬مؤسس‮ ‬القاعدة‮ ‬مع‮ ‬بن‮ ‬لادن‮ ‬والذي‮ ‬يتزعم‮ ‬تلميذه‮ ‬توفيق‮ ‬طه‮ ‬التخطيط‮ ‬لتفجير‮ ‬ثكنات‮ ‬ومراكز‮ ‬الجيش‮ ‬اللبناني‮ ‬والذي‮ ‬قاد‮ ‬عدة‮ ‬اعتداءات‮ ‬سابقة‮ ‬على‮ ‬هذا‮ ‬الجيش‮.‬
كيف‮ ‬تتبدل‮ ‬الامور‮ ‬والاحداث‮ ‬لا‮ ‬ندري‮. ‬وعندما‮ ‬نقرأ‮ ‬عن‮ ‬مفاوضات‮ ‬اميركية‮ ‬مع‮ ‬حركة‮ ‬طالبان‮ ‬الافغانية،‮ ‬لا‮ ‬نعود‮ ‬نستغرب‮ ‬ان‮ ‬نرى‮ ‬قريباً‮ ‬زعيم‮ ‬البيت‮ ‬الابيض‮ ‬يعتذر‮ ‬من‮ ‬اعضاء‮ ‬القاعدة‮ ‬ويدعو‮ ‬الى‮ ‬تشييد‮ ‬نصب‮ ‬تذكاري‮ ‬لأسامة‮ ‬بن‮ ‬لادن‮ ‬في‮ ‬احدى‮ ‬باحات‮ ‬البيت‮ ‬الابيض‮. ‬أليست‮ ‬السياسة‮ ‬مصالح‮ ‬لا‮ ‬تعرف‮ ‬العداوة‮ ‬الدائمة؟‮... ‬رحم‮ ‬الله‮ ‬ونستون‮ ‬تشرشل‮.‬
يعيش‮ ‬لبنان‮ ‬حالة‮ ‬من‮ ‬الترقب‮ ‬والخوف‮ ‬من‮ ‬المستقبل‮ ‬القريب‮ ‬بسبب‮ ‬الاحداث‮ ‬السورية‮. ‬ولا‮ ‬يخفي‮ ‬الكثيرون‮ ‬خوفهم‮ ‬على‮ ‬مصير‮ ‬الجيش‮ ‬وتماسكه‮ ‬الذي‮ ‬يعني‮ ‬وحدة‮ ‬وتماسك‮ ‬الوطن‮.‬
ان‮ ‬الوضع‮ ‬العربي‮ ‬لا‮ ‬يدعو‮ ‬الى‮ ‬الاطمئنان،‮ ‬وفجور‮ ‬المال‮ ‬النفطي‮ ‬هو‮ ‬اكثر‮ ‬ما‮ ‬يهدد‮ ‬الدول‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تسير‮ ‬في‮ ‬الاتجاه‮ ‬المرسوم‮ ‬للقضاء‮ ‬على‮ ‬اي‮ ‬صوت‮ ‬يرتفع‮ ‬ضد‮ ‬دعاة‮ ‬وحماة‮ ‬السلفيات‮ ‬المتعددة‮ ‬المذاهب‮ ‬والانتماءات‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يستفيد‮ ‬منها‮ ‬سوى‮ ‬الكيان‮ ‬الصهيوني‮ ‬الذي‮ ‬يتفرج‮ ‬على‮ ‬ما‮ ‬يجري‮ ‬ضاحكاً‮ ‬متشفياً‮... ‬والآتي‮ ‬أعظم‮.‬
ان‮ ‬احلام‮ ‬الطامحين‮ ‬الى‮ ‬اقامة‮ ‬الامارات‮ ‬والكانتونات‮ ‬لم‮ ‬تعد‮ ‬اكثر‮ ‬من‮ ‬اوهام‮ ‬وكوابيس‮ ‬تراود‮ ‬بعض‮ ‬المفجوعين‮ ‬بخسارة‮ ‬السلطة‮. ‬ولكن‮ ‬مجرد‮ ‬تمسكهم‮ ‬بهذه‮ ‬الاوهام‮ ‬قد‮ ‬يؤثر‮ ‬على‮ ‬الوضع‮ ‬اللبناني‮ ‬الهش‮ ‬والقابل‮ ‬للاشتعال‮ ‬دائماً‮.‬


CONVERSATION

0 comments: