الظلم...لا وطن له/ خليل الوافي


منذ عرفت أن الحياة تستحق أن تعاش، و الظلم يكبر في عيون أصحابه ، دون أن يكثرتوا للمهانة التي يشعر بها كل من يعجز على الدفاع عن نفسه، لأن سلطة قهرية تفرض نفسها عليه منذ ولادته،وتسهر على رعايته في حرمانه من متاع الدنيا،ومن كرامة عيش زهيد ،ولا يشعروا بالضيق وتأنيب الضمير ،ومحاسبة النفس الشريرة التي تعشش في صدورهم ،وما إقترفته أيديهم الملطخة بدماء من صرخوا يوما في وجه الخوف الذي يسكن أجسادهم المتعبة بهمًٌ الإنتظار ،وترقب الآتي الذي لم يعد له الحق في العودة إلى الديار.
إنهم ، صانعوا الموت في الغرف المظلمة ،وفي الدهاليز المنسية ،تختزل صمت السنين التي مضت ،وتكتنز الزوايا الآسنة تردد الصدى لذاكرة حافلة بصدأ الصرخات المبحوحة،تشق عتمة المسالك الضائعة في الأنين المتزايد ،كلما فتحت شهية التعذيب سياط المراجعة الأولى لمبادئ السيرة النظيفة في الدروب الهامشية ،والخارجة عن تغطية العيون الشاردة في مكامن الإفصاح ،وإبطال أسباب النجاح للعثور على دليل الجريمة ،وأثر القتل في محيط لا يتعدى مساحة الكف ، تنطق الكائنات بوجع يتمرد عن طرق المشاكسة ،وإفتعال مظاهر الفتنة في ربوع خريطة مقسمة مسبقا قبل إندلاع ثورة الربيع العربي ،والتشويش على الصورة القديمة/الجديدة في واجهة الأحداث التي تصنع نفسها داخل دواليب المكاشفة البريئة في المظهر الخارجي ،أما عن شكلها الجواني ،فإن خطاب السياسة يكشف قليلا عن هول المخططات الرامية في تقليص دور الشعب في أي عملية تضر بمصالح الآخر ضمن عملية المواجهة الخفية، التي تتحكم في خيوط اللعبة السياسية.


هناك من يرى أن الظلم زاد الطغاة ،وآخرون يعتبرونه خوفا من الإنزياح الذي يطاردهم كل ليلة ،يسقط الحلم من أبراجه العالية ،ويسكن رأس من ركبوا المجد جماجم مهشمة ،تروي تفاصيل المذبحة في تل الزعتر،ودير ياسين ،وفي قانا ،وأخرى في صبرا وشتيلا ،ووصولا إلى الحرب على غزة ،وما يجري الآن في دوما وباب عمرو،حماة وحمص و القرى المجاورة لريف دمشق ،الصورة تختلف عما جرى في لبنان و فلسطين ،و النظام في سوريا يشن حربا قذرة على شعبه ،وتكشف الجرائم التي ارتكبت في حق المدنيين عن ثقافة الحقد والكراهية التي يتمتع بها الجيش النظامي ،الذي كان يعتبر الجيش العربي القوي في منطقة الشرق أوسط ،وما يزال يحمل هذه الميزة التي وظفها ـ و للأسف ـ ضد شعبه ،وبذلك تسقط كل الألقاب و الأعمال التي قام بها في الحروب العربية التي حدثت في أواخر القرن الماضي.


لقد تأخرنا في فهم قيمة الإنسان على وجه الأرض،وحاولنا أن نستفيد من أخطاء الماضي ،وإدراك ما فات ،لكن الطابع الوحشي و البدائي يتجلى في نوعية الممارسات اللإنسانية التي تفاجئنا كل يوم،وتطلعنا عليها القنوات الفضائية بدافع الإجتهاد في تحقيق مصداقية الخبر ،و دون أن تدري تسوق جرائم القتل ،وبشاعة الظلم في إختيار الصور ،رغم أن الحقيقة أفظع بكثير مما يمارس على أرض الواقع ،والشهادات التي يرويها الناجون تؤكد حجم السادية في الإنتقام ،ومعاقبة كل من رفع صوته للمطالبة بالكرامة و الحرية و العدالة الإجتماعية ....


وهل نحن أمام عودة الحروب الأهلية ،وفوضى الحياة التي كانت في العصور الموغلة في القدم ؟،أسئلة كثيرة تؤرق الضمائرالحية عن تمادي الإنسان الذي يملك سلطة القرار ،بأن يختار شعبه حسب مقاسه الخاص ،وكل من يرفع رأسه في حضرة السلطة فالسيف أولى بعنقه قبل أن ينقلب العرش عن مالكه ،ويخسر السلطة قبل الجاه،ويضيع حق الشعب في هوايات الظالم التي تموت معه ،و إلى الأبد.

ـ كاتب من المغرب
khalil-louafi@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: