هل يعرف الداعشيون جبران؟/ فاطمة ناعوت

نقلاً موقع 24
حين هممتُ بكتابة مقالي الأسبوعي لموقع 24، أرسل لي الشاعر اللبناني شربل بعيني من سيدني الأسترالية خبر فوزي بجائزة جبران خليل جبران العالمية لعام ٢٠١٤. 

كنتُ قد بدأت مقالاً حول الدماء التي تُراق في فلسطين وفي العراق وفي سوريا. حول الأطفال الذين تحرق إسرائيل أجسادهم النحيلة، والأعناق التي تنحرها سيوفُ داعش، والجماجم البشرية تُطيّرها نصالُهم ليلعبوا بها الكرة بأقدامهم، قبل أن يعلّقوها على صدور سياراتهم رافعين راياتهم السود التي تحمل اسم “الله”، حاشاه واهب الحياة، ويقطر منها الدم، وحول الأطفال الذين تيتّمهم رصاصاتُ السفاحين مع كل صبح جديد. والأمهات اللواتي اكتسبن لقب “ثكالى” بعدما عرفن طريق الثكل والمرار على يد غلاظ داعش، ليسكن الدمعُ مآقيهن إلى الأبد، وعن قرآن داعش الجديد الذي قالوا إنه يأمرهم أن يُقتّلوا العرب ولم يأمرهم أن يحاربوا بني إسرائيل! فوجدتُ نفسي أقف في الفراغ بين نقيضين. أقف على حبل يمينه حقلُ المحبة والعناق الإنساني تحت مظلة الله، ويساره حقلُ البُغضة والخسّة وبحار الدم مهراقةٌ قانية تأبى الأرضُ أن تشربها وتستر عوارها، كما يأبى كلُّ عقل أن تُرفع فوقه مظلة الله؛ لأن الله يحزن والسماء تبكي إن قتل إنسانٌ أخاه.

تنازعني شعوران نقيضان راحا يتصارعان في قلبي: شعورٌ أول بالحزن والخجل من الإنسانية إذ سمحت بأن يجري ما يجري لأبناء فلسطين على يد إسرائيل، وأن يجري ما يجري لأبناء العراق وسورية على يد داعش، وشعور ثان نقيضٌ بالفرح والفخر بالإنسانية التي أنجبت شاعراً شفيفاً عذباً مثل جبران خليل جبران. 
وخشيتُ على شعوري الثاني من شعوري الأول! 

فلو كانت روحي نقية ولا أحمل البغضاء لأحد، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كان قلبي صافيا لم تلوثه المصالحُ ولم يدنسه التلون، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كان الرفيقُ الأعلى يملأ كامل قلبي، فما ترك فيه مساحة عود ثقاب لكراهية مخلوق، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كانت جُملتي العربية سليمة دون لحن، وقصيدتي تحمل شيئا من عذوبة، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كنتُ مازلتُ طفلةً لا تبرح الدهشةُ عينيها، طفلة تطارد الفراشات وتنتظر العصفور على باب شُرفتها، وتراقب من وراء الزجاج زخات المطر فترقص على وقعها وإيقاعها، وتترقب نمو نبتة الحديقة كل يوم مليمترا فتفرح، وتوزع على أطفال الحي السكاكر وكسرات الخبز، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كان اللهُ يسكن قلبي، وأسكن في قلب الله، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كنتُ آكلُ مع قططي في صحن واحد، وأنام في دفء عيونها وتنام في دفء صدري، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كنتُ أنظر كل يوم نحو الغيم البعيد فأرى من ورائه شعاع شمس خجولا قادماً في وعد لا يكذب، فأؤمن أن الله هناك ينسج لنا ثوب الفرح ولا ينسى أطفاله الحزانى، فلجبران سهمٌ في هذا. أنا الجبرانية أتساءل: هل ترك جبران شيئًا في حياتي لم يصوب نحوه سهامه؟!

وهنا قفز إلى ذهني سؤالٌ موجع أعرف إجابتَه:
هل قرأ أبناء داعش حرفًا لابن رشد؟ هل عرفوا الحلاج وابن عربي والسهروردي وجلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي؟
هل قرأوا جبران يقول: 
“وظلّ المصطفى، المختارُ الحبيب الذي كان فجرًا لذاته ينتظرُ سفينتهُ في مدينة أورفليس وفي السنة الثانية عشر، في السابع من شهر الحصاد، صعد إلى إحدى التلال ونظر صوب البحر، ورأى سفينته غافيةً، فصلّى في سكون نفسه، وقال في قلبه :"كيف أمضي عن هذه المدينة، وأعبر البحر من غير كآبة؟ وعندما دخل المدينة، استقبله الشعبُ، كانوا يهتفون: "لا تفارقنا، لا تفارقنا، فالمحبة لا تعرف عمقَها، إلا ساعة الفراق". حينئذٍ قالت الذكرى: حدّثنا عن المحبة، فقال: 
إذا المحبة أومت اليكم، فاتبعوها/ إذا ضمّتكم بجناحيها، فأطيعوها/ إذا المحبة خاطبتكم، فصدّقوها/ المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار حِنطة/ المحبة على بيادرها تدرسكم لتُظهر عُريكم/ المحبة تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء/ المحبة لا تُعطي إلا ذاتها/ المحبة لا تأخذُ إلا من ذاتها/ لا تملكُ المحبةُ شيئاً، ولا تريد ان احدٌ يملكها/ لأن المحبة مكتفية بالمحبة، بالمحبة..."
….
آهٍ لو كانوا قرأوا! آهٍ لو كانوا يقرأون! لتبدّل وجه العالم.
التعليقات تحت المقال مباشرة

CONVERSATION

17 comments:

Sherif Daoud يقول...

Well deserved my dear, a prize by the name of a legend. Wow

Wagih Atta يقول...


الداعشون لا يعرفوا جبران ... يعرفوا الإجبار والإكراه والاغتصاب والقتل ...

Saad Zaghloul يقول...


انما على الأصل دوّر ...

George Banoub يقول...


سيدتي أولا ألف مبروك هذا حقك في الفوز بجائزة جبران لأنك تقابلتي بروحك مع اللة مثل جبران.
داعش وأمثالهم تقابلو بأرواحهم مع سيدهم ست

Medhat Baskharoun يقول...

Medhat Baskharoun i'd like to congratulate Gobran prize & also all the people love Fatima who makes me feel that she's coming from other time or other world cos the values & moral she always presents ,,,, thank you Fatima we all love you

Ibrahim Shahin يقول...


أستاذه فاطمه مبروك علي تكريم يستحقه إبداعك.. يتباهي بك العالم لانك رسالة حب وسلام.. وتتباهي بك مصر لانك جبران المصريين!

Ahmed Elzayet يقول...


علمكى جبران الكثير وأنتى علمتينا كل شئ جميل استاذة فاطمة ألف مبروك ومن ابداع الى ابداع

Mena Marko يقول...


وكان الرب ينجح كل ما تمتد الية يده ... فدائما يا استاذه في تفوق ونجاح لان يد الرب معك في كل شئ لان بداخلك. وفي حياتك مخافة اللة

اغصان الكرمه يقول...


الف مبرووك يا استاذه تستحقيها بجدارة ومصر فخورة بيكي ربنا يحميكي ودايما في نجاح

Dalal George يقول...


الف مبروك سيدتى الفاضله فانت تستحقين كل تقدير من اجل افكارك التنويريه وثقافتك العاليه وحسك المرهف

Reda Wassef يقول...

Well deserved ya Ostaza....Mabrouk. We look forward to another Sydney visit by you... to formally receive the Award....

Zarif Zizenia Farag يقول...


مبروك انتى تستحقى اكثر من ذلك بكثير فلو كانت هناك جائزة نوبيل فى الانسانية فانتى تستحقينها عن جداره مبروك ياجبرانية

Eshak Rozek يقول...


ألف مبروك يامصرية يااصيلة ياوطنية حضرتك
تستاهلى اكثر من ذلك

مياده احمد يقول...


مبروك لكن اكبر جائزه هى حب الناس ليكى

أشرف ضمر يقول...


الجائزة هي التى فازت بالعظيمة الرائعة فاطمة ناعوت

Hisham Ragab يقول...


نموذج رائع للمرأة المصرية العصرية المشرفة

Ahmed Elomda يقول...


اتقدم اليكي بخالص التهنئة والحب والشكر واتمنى لك دوام التميز والنجاح واحتسبك رائدة من رواد الثقافة والعلم الحديث والوطنية المصرية اﻷصيلة