الثقافة العربية متهمة!/ كريم مرزة الأسدي

موضوع الثقافة العربية موضوع شائك ومتشعب , كتب عنه كتـّاب العرب الكبار وفلاسفتهم , منذ قرن ونيف من الزمان  المعاصر البالي ! , إذ لا مدلول لهذا المصطلح بشكله الموسع  عند العرب والمسلمين في العصور الخوالي ,أخذ المعاصرون يطرحون موضوعات عديدة , لك ما تشتهي منها , وما لاتشتهي ! ( الهوية الثقافية )... (الغزو الثقافي )...(الأمن الثقافي )...(التنمية الثقافية )...( الطبقات الثقافية )...( الأستلاب الثقافي )... , ناهيك عمّا ألفته الخاصة والعامة من إلصاق  الثقافة على معظم الأمور الحياتية  ( الثقافة السلوكية )...( الثقافة الصحية )...(الثقافة السياسية )...(الثقافة الشعبية  )... (الثقافة النسوية )...الخ , كلّ هذا وأكثر , أسمع جعجعة ولا أرى طحنا , ثم ما  الجدوى من هذا , دعنا عن الأكثر  ,إذا لم يحرّك ساكناً , ولا يسكـّن سالبا , ولا يزيد موجباً , ولا يُعرِّف بحقٍّ , ولا يأتي بواجبٍ ؟! , والأمور بعواقبها , والعواقب كما ترى , حالٌ دون حال  , لا نحن أحيينا حضارتنا البائدة , ولا نحن غرفنا من الحضارة السائدة , لذلك نحتاج الى وقفة جريئة , ومتأملة مع الذات  الموضوعية  ,  فانا اتكلم عن الثقافة بعقلها الجمعي , لا بالعقل الفردي , ولا بالمردود النفعي الذاتي , ولا أخالك من البساطة بمكان , أن  تحسب معدل ثقافة الجمع , هو متوسط  مجموع  ثقافات الأفراد الذين يقطنون مكانا معينا في زمان محدد , الأمر أعقد بكثير , ولا يحسب بالحسابات الرياضية الضيقة ! فكم من مثقف واحد غيّر ثقافات شعوب بجمعها  وشملها, وكم من آلاف  المثقفين يتصارعون , لا غيّروا , ولم يتغيروا , الروابط الإجتماعية بإشعاعاتها الثقافية معقدة التشابك والتفاعلات والنزعات , لقبول أو رفض ثقافة الإنسان الآخر , وكل إنسان آخر  له ثقافة أخرى , ولو كان الفردان توأمين متماثلين , يعيشان في بيئة واحدة , بل في بيت واحد وغرفة واحدة  , فالعدد لا يحصى , ولا أحسبك - ولا أدري منْ أنت , وللضرورة أحكام - أن تخلط بين التعليم والثقافة  , فالتعليم بكل معلوماته , وعلومه  التطبيقية والنظرية والإبداعية بعض مضامين  الثقافة , تستوعبه مع المزيد المزيد , تنهم وتستزيد  , ومهما يكن من أمر نقول :  نعم ... نحن الى يومنا هذا, في وضعية ثقافية  لا نـُحسد عليها , إذا ما  قورنت بثقافات بقية الأمم المتحضرة  , وحتى الأدنى  منها حضارة   ,لا من حيث المضمون المكدوس , بل من حيث التطبيق الملموس والمحسوس ! , و بالرغم من وجود تفاوت نسبي بين الدول العربية في هذا المجال ,  فثقافتنا  عموما - وأخص العراقية من بينها - متهمة بالتقصير ولا قصور !   وعدم الانفتاح  , بل هي منحازة حتى التعصب الأعمى , وعلى أعلى المستويات  القيادية والمسؤولة في المجتمع منذ عهود  وعهود , وفي جميع الإتجاهات , فلا يفكر مثقفنا - والتعميم غير سليم - ولو على سبيل الأستعداد  للتقارب وقبول الرأي المغاير  لمواطنه المحاور , فكل ما يملكه وتعوّّّّّد عليه ثقافة استبدادية إلغائية  تتسم بقذف التهم للغير  , و التهم جاهزة , بجميع أشكالها القاسية والحادة , وكل الإتهامات  المتعددة , والقناعات المتولدة - في الأغلب الأعم - قد بُنيت على أوهام وأقاويل وشكوك ,دون أي أدلة قانونية , ولا حجج منطقية , ولا تجارب حياتية وبلا روادع أخلاقية , فكلكم تعرفون التنظيمات السياسية المتكتلة حول نفسها , والطوائف الدينية المتصارعة فيما بينها , والأعراق الإثنية المتقوقعة على ذاتها , والجهات المناطقية المتنافرة عن بعضها   , وقلما يخلو منها قطرعربي واحد , وهذه الأقطار المنعوتة بالعربية  تتجاذبها الصراعات , وتحاك منها المؤامرات , سرّاً وعلانية ً, ولا يخجلون , وكلٌّ بما لديهم فرحون , ولو كره المخلصون ! , وكلُّّّّّ من يتطلع الى الإنفتاح ,  يُرمى بعدم الإلتزام , والتذبذب , والأزدواجية والخروج عن الصف , والمصلحة العليا للأمة... , فإذن  - نكرر- ما جدوى الثقافة أن نحملها , ونزعم التعلق بتلابيبها , إذا لم تكن مشروعا وطنيا خالصا , وإنسانيا شاملا , وعربياً جامعا , تذيب الفوارق , وتكسر الحواجز , وتخلق المعاجز , وتنفتح على الرأي الآخر , اعلاميا وثقافيا , دون تشنجات أومشاحنات , أوصراعات غير مشروعة , وفق التوازنات المدروسة والمتعقلة للقضايا المفصلية المؤثرة  عليها , وبالتحديد السياسية والدينية و المصالح المادية - للمثقف والأخر - السائدة في المجتمع , بلا خضوع مُذل ولا تهور مُخل !  , وتشرع - وأعني الثقافة - ببناء  مراكز بحوث علمية دقيقة , يُعتمد عليها إحصائياً لفض النزاعات والمعوقات والإشكاليات  , ومعرفة آراء الناس وتطلعاتهم ومطالبهم , وتحقيق ما يمكن تحقيقه منها  , وفي الحالات ذات الأهمية القصوى لتغييرالمسار سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ..., يُلجأ الى رأي الشعب بأغلبيته البسيطة عن طريق أوراق الإنتخابات , لا عن طريق رصاص الرشاشات , كما يحلو لبعضهم ! و يبقى الدستور والقانون فوق الجميع وقبل الجميع , هذا كلّه - ربما تعرفه فأذكر -  وأكثر منه , لا يتمُّ ولن يتمَّ دون أن يكون المثقف الحقيقي المبدع المتفهم لواجبه الأخلاقي , مشاركا حقيقياً في صنع القرار , لرفد الحضارة والإزدهار  , غير مُهيمَن عليه بسياسة التبعية والإحتواء ,  إنْ لم نقلْ الإزدراء , والاّ  فاستميحكم عذرا , نحن , وكل منـّا , على الأغلب  :
كالعيس ِ في البيداءِ يقتلها الظما*** والماءُ فوقَ ظهورها محمولُ
وكلّ يدّعي  وصلاً  بليلى *** وليلى لا تقرُّلهمْ بوصل ِ        
  (الماء) و (ليلى ) استعارتان تصريحيتان  محسوبتان لديَّ عن الثقافتين الجمعية والفردية  على التوالي  , والأشعار كالأمثال , تضرب ولا تقاس !   اللهم  لا يأس , فالأمم الحية - ومنها أمتنا - , والشعوب اليقظة - ومنها شعبنا - تترقب الآمال , وتنظر الى غدها  بتفاؤلٍ واطمئنان  , وتسعى للأعمال الحميدة , والأقوال المفيدة , ولا أنفي الأقوال , و لا استخف بها تحت ذريعة الأعمال  , فلا بد أن يكون للكلمة شرف ومعنى  والتزام واحترام  , والأحترام موصول  للإنسان , لأنه في مفهومنا عمل ووجدان  , والمثقف من يستطيع أن يوازن بينهما  بالتمام والكمال , , والله الموفق  في كل الأحوال !

CONVERSATION

0 comments: