كلمة الدكتور فيليب سالم في حفل افتتاح مؤتمر الطاقة الاغترابية

الانتشار اللبناني في العالم
هذا اللبنان الذي لا تغيب عنه الشمس
بيروت
21 أيار 2015

أود أولا ان اتقدم بالشكر الى اللجنة المنظمة لهذا المؤتمر ولدعوتها اياي  للمشاركة فيه.

وأود ان القي السلام على لبناننا الحبيب وأقول له : ها نحن هنا. جئنا من مشارق الارض ومغاربها لنعانقك ونقبلك. جئنا لنقدم لك الوفاء والمحبة؛ ونشمّ رائحة الارض التي هي ارضنا. وحدها هذه الارض من بقاع الارض كلها هي ارضنا. وحدها هذه الارض تضمنا الى صدرها وتغفر لنا. 

لقد جئنا لنقول: ان لبنان الموجود في التاريخ والحاضر في العالم كله والقادر على الانبعاث في المستقبل، هو أكبر بكثير من هذا اللبنان المكبل بالجغرافيا. هذه الجغرافيا التي تصلبه في الشرق بين اسرائيل وسوريا والبحر. وهو ايضا اكبر بكثير من مساحته في الارض التي لا تتعدى العشرة الاف ونصف كلم مربع. ان لبنان ليس مساحة في الارض بقدر ما هو مساحة حضارية مترامية. بعض هذه المساحة في الشرق والبعض الاخر في العالم. وتكمن عظمة هذه الحضارة في الرسالة. والرسالة كانت قد وصلت الى آخر الارض. لقد حملها اللبنانيون الذين هاجروا وانتشروا في جميع بلدان العالم. منذ فجر التاريخ الى يومنا هذا كانت الرسالة ولا تزال رسالة محبة وحضارة . محبة لجميع شعوب الارض وحضارة مميزة . مميزة في الشرق ومميزة في العالم. هنا في هذه الارض تعانق المسيحية الاسلام وهنا تعانق حضارة الشرق حضارة الغرب وحضارات العالم كلها. لقد قيل "ان ذهبت الى روما تذهب الى ايطاليا، وان ذهبت الى باريس تذهب الى فرنسا، وان ذهبت الى لندن تذهب الى انكلترا، اما اذا ذهبت الى بيروت فتذهب الى العالم كله". هذه حضارة تؤمن بالمغامرة الى ما وراء الافق. تؤمن بأن الارض، الارض كلها هي ارضها. منذ مئة سنة تقريبا وقف رجل من لبنان امام ناطحات السحاب في مدينة نيويورك وهتف بصوت عالٍ. "ايتها المدينة انا  انتمي الى شعب عظيم ، شعب كان قد بنى صيدا وصور وجبيل وبعلبك وها انا اليوم ههنا لأبني معك ومع ابنائك مدناً جديدة وحضارة جديدة". وتابع ليقول : " وتذكري ايتها المدينة انني لست هنا لآخذ منك بقدر ما انا هنا لأعطيك". وهكذا ساهم اللبنانيون المنتشرون في العالم في بناء حضارات ومدن جديدة، ولم يأخذوا من العالم بقدر ما اعطوه.  وها نحن ندعوهم اليوم الى المساهمة في بناء لبنان جديد،  بعد ان ساهموا في بناء اوطان العالم.

وهناك، على وجه التقدير حوالي ستة عشر مليون شخص في العالم من أصل لبناني.  اينما تذهب في الارض تراهم. كلهم عيون شاخصة الى هذه البقعة الصغيرة من الارض التي هي الوطن. وكلهم مصلوبون على خشبة الامه. هؤلاء اللبنانيون هم آبار النفط الحقيقية التي يمتلكها لبنان. فالثروة الحقيقية تكمن في الانسان اكثر مما تكمن في الارض. ان الانتشار اللبناني طاقة هائلة وغير محدودة كنا قد اهملناها بل اهدرناها في الماضي والسؤال اليوم بل السؤال المحوري في هذا المؤتمر هو كيف نستعمل هذه الطاقة في انماء لبنان ، وكيف نستعمل موارد لبنان لتفعيل  طاقة الانتشار. السؤال هو كيف نرتفع بالعلاقة الفيروزية التي تربط المنتشرين بأهلهم في بلدهم الام الى علاقة وطنية تربطهم بالوطن. من أجل هذا نقترح التوصيات التالية:

1.  انشاء وزارة خاصة ومستقلة للانتشار اللبناني، مهمتها تحديد وتفعيل العلاقة بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر .

2.  اعطاء الجنسية اللبنانية لكل من يستحقها، واشراك هؤلاء المنتشرين في العملية السياسية في لبنان.

3.  وضع استراتيجية كاملة لتوحيد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم.

4.  بلورة رؤيا جديدة لصهر المنتشرين في الحياة اللبنانية بما هو ابعد من السياسة. رؤيا تهدف لبناء جسور تواصل في العلم والطب والهندسة والادب والفن والقانون والاقتصاد. فلبنان كيان حضاري قبل ان يكون كيانا سياسياً والعالم يعرف لبنان من خلال حضارته لا من خلال كيانه السياسي.  .

5.  الحفاظ على اللغة والتراث. لقد تعلمت ان التواصل مع الارض والوطن غير ممكن دون الحفاظ على التراث. وللحفاظ على التراث يجب الحفاظ على اللغة. بدون اللغة يندثر التراث. فاللغة لا تحمل معها الكلمة بقدر ما تحمل معها الحضارة. من هنا نطالب في هذا المؤتمر بتأسيس مدارس في المهاجر لتعليم اللغة وتعليم التراث.

وختاما اود ان اذكركم بانكم تنتمون الى شعب له كبرياؤه. اربعون سنة من الحروب وليس هناك متسول لبناني واحد في شوارع عمان او دمشق او باريس او لندن او نيويورك. اربعون سنة من الحروب وليس هناك لاجئ لبناني واحد يعيش في خيمة ويقتات من حسنات الأمم المتحدة.

في أقاصي الارض وعلى بعد ثمانية الف ميل من هنا في مكتبي في مدينة هيوستن، غصن زيتون من ارضي وزجاجة زيت من كرمي وحبة تراب من ضيعتي بطرام. هذا ليس فقط ليذكرني من اين اتيت بل ليذكرني بمن اكون انا . هذا ليقول لي كل يوم "انت من لبنان وانت لولاه لما كنت من انت".

وتعالوا نركع في اعماق اعماقنا، ونعترف بخطايانا، ونعلن توبتنا. عندذاك فقط نرتفع الى طهارتنا ونعود الى حقيقتنا. عندذاك قد نستحق لبناننا. فقط عندما نقدس هذه الارض ونعلن الولاء المطلق للوطن لا لغيره يقوم لبنان من موته.

CONVERSATION

0 comments: