كارثة إسمها "القضاء المصرى"/ مجدي نجيب وهبة

** "إذا أسقط القضاء .. سقطت الدولة" ، هكذا تعلمنا منذ نعومة أظافرنا .. ولكن السؤال هنا ، هل مازال يوجد قضاء فى مصر ، رغم الحكم الكارثى الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى بوقف قرار رئيس الجمهورية بالدعوة لفتح باب الترشيح للإنتخابات البرلمانية ..
** نعم .. هذا الحكم كارثى .. وقد سبقه حكم أخر أشد كارثة منه .. وهو الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا برفض الدعوى التى طالبت ببطلان عمل الجمعية التأسيسية للدستور ..
** وقبل أن نتناول هذه الجزئية من الأحكام الإدارية .. علينا أن ندقق فى الوجه الحقيقى الحالى للقضاء المصرى ، وإلى أى مدى تم تسييس وأخونة القضاء المصرى ، وما هى الدوافع التى جعلتنا نكتب هذا المقال بعنوان "كارثة إسمها القضاء المصرى" !!.
** عندما نجد المستشار "أحمد مكى" ، الذى ينتمى لفكر جماعة الإخوان المسلمين وزيرا للعدل .. فبالقطع نحن فى كارثة أصابت القضاء المصرى .. فالمتعارف عليه أنه لا يحق لأى قاضى ينتمى لأى حزب سياسى أو دينى ، أو أى جماعات إسلامية ، أن يعتلى منصب القضاء !!..
** عندما يتم إقالة النائب العام ، وتعيين نائب عام بأوامر مباشرة من رئيس الدولة الذى ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين ، بطرق غير شرعية أو قانونية أو دستورية ، ويصبح ولاءه للإخوان وليس للشعب .. فهذه مصيبة كبرى هدمت ركن أساسى من أركان القضاء المصرى ..
** عندما يتم محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل ميليشيات الإخوان والجماعات السلفية ، ويمنعوا قضاة المحكمة من دخولها ، ومن نظر الدعاوى لعدم تمكينهم من نظر دعوى ببطلان الجمعية التأسيسية للدستور ، وهى ثانى دعوى مرفوعة ، حيث سبقه حكم قضائى صادر من ذات المحكمة ببطلان هذه الجمعية التى أعيد تشكيلها بنفس العوار والفساد الذى دعى إلى بطلان الجمعية الأولى ، وذلك بأوامر مباشرة من رئيس الدولة .. فهذه كارثة دولية وليست محلية ، لم تحدث فى تاريخ أى دولة فى العالم ، ولم يعلق المسئول الأول فى الدولة وهو رئيس مصر على جريمة محاصرة المحكمة .. فهذه مصيبة بكل المقاييس يترتب عليها سقوط شرعية رئيس الدولة نفسه ، لأنه أقسم على إحترام القانون والدستور .. ولكنه لم يحترم لا القانون ولا الدستور فى مشهد ساخر .. وأيضا كانت هناك دعوى أخرى ببطلان مجلس الشورى الذى به عوار قانونى ودستورى !! ..
** عندما يصدر رئيس الدولة حزمة قرارات بقوة القانون ، والتى شملت تحصين اللجنة العليا للإنتخابات ضد أى قرار ببطلانها ، وتحصين مجلس الشورى من البطلان ، وإعطاءه صفة إصدار وتشريع القوانين متحديا كل الأعراف والقوانين المعمول بها فى العالم .. فمنذ بداية الحياة البرلمانية فى مصر ومجلس الشورى الذى يعين من قبل رئيس الدولة ، لا يحق له إصدار وتشريع القوانين ، بل ويقوم رئيس الدولة الفوضوى بوضع قانون يحصن كل قراراته ضد الطعن عليها أمام أى جهة قضائية .. إذن .. نحن أمام رئيس دولة يسقط القضاء والقانون والدستور والدولة !!
** عندما ينتفض نادى القضاة وكل وكلاء النيابة الشرفاء ، ويقررون رفض تعيين النائب العام "طلعت إبراهيم" ، ثم يطالبوه على تقديم إستقالته ، ثم يعدل عن الإستقالة بأوامر من رئيس الدولة ، فهذا يعنى إسقاط القضاء وإسقاط هيبة الدولة ..
** عندما ترفض بعض الدوائر نظر بعض الأحكام ، وتفرج عن المتهمين ، لأن الإحالة للمحكمة تمت بطريقة غير قانونية وصدرت الإتهامات ممن ليس له صفة ، وهو النائب العام الجديد ، فهذا يعنى إنشقاق ثوب القضاء لنصبح فى كارثة لم يسبق لها مثيل فى مصر ..
** عندما يظهر بعض المستشارين والقضاة المحالين للتقاعد لعدم الصلاحية ، وينتمون للتيار الإسلامى ، وهم يطلقون على أنفسهم "قضاة من أجل مصر" ، فنحن إذن أمام دولة بلا دولة تتهاوى إلى طريق الفوضى الهدامة ..
** عندما تعجز الجهات الأمنية عن حماية القضاء ، وتترك القضاة للضرب والإغتيال والتهديد .. إذن ، فنحن دخلنا فى دولة العصابات والميليشيات حيث يغيب القانون المدنى ليحل محله قانون الغابة ..
** عندما يتحول المجنى عليهم إلى جناة ، ويتحول الجناة والقتلة والإرهابيين إلى أبرياء وحراس النظام والدولة والامن بمباركة النائب العام وتأييد رئيس الدولة .. فلا تقولوا "نحن فى دولة" ، بل قولوا "نحن فى عزبة فاشلة وخرابة هائلة يمرح فيها البلطجية والسفاحين ومصاصى الدماء ، وهم يقتلون بإسم القانون ، ويسرقون بإسم القانون ، ويسنون الدساتير الباطلة بإسم القانون" .. فالعوض على الله فى الوطن .. وهنيئا بشعار الدولة الجديد "يحيا الظلم .. والبقاء للأقوى" !!!..
** فى النهاية .. نحن فى فوضى عارمة دعى إليها رئيس الدولة "محمد مرسى العياط" .. هذه الفوضى أسقطت الدولة والشرطة والقضاء ، وأخونت بعض رموز المجلس العسكرى ...
** وطبقا للدولة الجديدة وللمحكمة الدستورية العليا الجديدة .. بعد تقليم أظافرها وتسييسها والإكتفاء بتسعة مستشارين ، وإقالة ستة مستشارين على رأسهم المستشارة "تهانى الجبالى" ، بعد أن تم تفصيل قانون جديد لإزاحة كل من يقف فى طريق حكم الإخوان .. فماذا تبقى ؟!!!...
** الجمعية التأسيسية للدستور باشرت عملها حتى بعد تقديم كل القوى والتيارات السياسية والمدنية إستقالتهم من هذه الجمعية .. وأعلنوا عن أسباب الإستقالة بأنها جمعية باطلة تعد دستور باطل ، يهدف إلى أخونة الدولة ، والقضاء على الأخضر واليابس ، إلا أن الجمعية سخرت من كل الذين أعلنوا إنسحابهم ، وقالوا "سنكمل عملنا حتى لو غابت كل التيارات والقوى السياسية والكنيسة" .. وقد كان ، فقد حاصر الرئيس وميليشياته المحكمة الدستورية العليا ، وأوصى بسرعة وضع الدستور ، فقاموا بسلق دستور مصر فى ظلام الليل ، ولم يستفتى على بنوده أى قوى أو تيارات شعبية أو تنظيمات سياسية ، بل طبخ فى سواد الليل ، وعرض على رئيس الدولة .. والذى حمله قبل أن يقرأه ليقول أمام الشعب "إنه أعظم دستور فى العالم .. ومن ثم يدعو الشعب للإستفتاء عليه فى حين أن المحكمة الدستورية كانت محاصرة" !!!...
** وعندما يستوفى الإعلان الدستورى كل بنوده .. يقرر رئيس الدولة أن يلغيه ويلغى الجمعية التأسيسية ، ولكنه يبقى على قرارين .. الأول هو تحصين كل قرارته ضد الطعن عليها منذ توليه الحكم ، والثانى هو تحصين عمل مجلس الشورى وإعطاءه كافة الصلاحيات لسن القوانين ..
** وبالطبع .. رغم أن الدستور بهذه الطريقة التى تم إخراجه به يعتد باطلا .. وخرج الشعب ليقول "لا للدستور" .. ولكن النتيجة خرجت كما يعلمها الجميع ، وهى تحقيق ما يريده الإخوان .. وخرجت النتيجة بـ "نعم للدستور" ..
** كان من الطبيعى أن يلجأ بعض المصريين إلى المحكمة الدستورية العليا ، بعد فك الحصار عليها ، ورفع دعاوى ببطلان الدستور ، وبطلان الإستفتاء ، إلا أن كل هؤلاء تناسوا أن السيد المستشار وزير العدل هو "أحمد مكى" ، وأن السيد المستشار النائب العام هو "طلعت إبراهيم" .. وأن هناك إستبعاد ستة مستشارين من المحكمة الدستورية العليا ، وأن هناك عملية قرص ودن للمستشارين والقضاة لهذه المحكمة التى إكتشفت أنه لا يوجد حماية لأفرادها ويمكن إغتيالهم برصاصة واحدة دون أدنى محاسبة .. فكان الطبيعى هو إصدار قرار المحكمة برفض دعوى بطلان عمل الجمعية التأسيسية للدستور ، ورفض ما قامت به من طبخ الدستور .. إذن ، فقد حكمت المحكمة الدستورية على ما هو باطل وأعطته شرعية قانونية ..
** وعندما قرر مجلس الشورى دعوة الناخبين لبرلمان مجلس الشعب ، ثم وضع ضوابط للإنتخابات وتقسيم اللجان .. وبالطبع كان هناك تجاوزات .. وعند عرض هذه النقاط على المحكمة الدستورية العليا ، قررت إعادة صياغة بعض النقاط .. وهذه كارثة أخرى جديدة ، تضاف للمحكمة الدستورية العليا .. فكيف تقرر إعادة صياغة بعض النقاط وهناك بطلان حقيقى لعمل الجمعية وبطلان حقيقى فى الدستور ، وهذا يعنى أن المحكمة الدستورية العليا تعترف بالدستور الحالى ، ولكنها وفقا لما تراه ، فقررت إبداء بعض الملاحظات التى أوصت بها مجلس الشورى لتعديلها .. وهذا يعنى الإعتراف بكل قرارات مجلس الشورى الباطل ..
** وتأتى المرحلة الأخيرة لإصباغ الشرعية على كل ما هو باطل وجعله قانونى .. فقد إستجابت اللجنة المشكلة من مجلس الشورى لبعض طلبات المحكمة الدستورية ، وقررت عدم إستجابتها لبعض النقاط .. ثم قرر رئيس الدولة الدعوة للإنتخابات البرلمانية وفتح باب الترشيح أمام المرشحين السبت القادم 9 مارس 2013 .. وهذا يعنى مشاركة رئيس الدولة لمجلس الشورى فى عدم إحترام توصيات المحكمة الدستورية العليا ..
** وهذا غير صحيح إطلاقا .. فكل شيء مرسوم بعناية فائقة وهو ما توقعه الإخوان .. فقد قدم بعض المحامين دعاوى إلى المحكمة الإدارية العليا بوقف قرار الرئيس بدعوة الشعب للإنتخابات البرلمانية ، بزعم أن مجلس الشورى لم ينفذ مطالب وتوصيات المحكمة الدستورية العليا .. فى الوقت الذى تساءل فيه بعض الإعلاميين والسياسيي ، كيف تتم إجراء الإنتخابات البرلمانية فى مثل هذا الجو المحتقن ، وهناك إعتصامات وعصيان مدنى فى كل مدن القناة .. والطبيعى والمنطقى أن يصدر حكم عاجل بوقف قرار رئيس الدولة بدعوة الشعب والناخبين للبرلمان القادم ..
** وهنا .. إنطلقت أصوات البلهاء تهلل للحكم ، وتمدح فى المحكمة الإدارية العليا بوقف قرار الرئيس .. ثم تبدأ مرحلة أخرى وهى إعتراض حزب الحرية والعدالة على قرار المحكمة ، وأن هذا القرار سيعطل من مسيرة الديمقراطية ، وأنه تعدى من السلطة القضائية على السلطة التشريعية ، ويظل هذا الجدال الذى ربما يسفر عن قرار جمهورى يصدره محمد مرسى العياط ، ليعلن فيه عن عدم الطعن على حكم المحكمة الإدارية والإمتثال لأحكام المحكمة ، وهنا سيتم تأجيل الإنتخابات البرلمانية بضعة أيام ويستجيب مجلس الشورى لقرار المحكمة الإدارية بوقف الإنتخابات .. ثم يتم إعادة عرض هذه الطلبات على المحكمة الدستورية العليا ، وهنا ستقر المحكمة الدستورية إجراء الإنتخابات البرلمانية .. وسيهلل الكثيرين لحكمة الرئيس وإستجابته لقرار المحكمة وإمتثاله للأحكام القضائية ..
** وهنا لدينا بعض الملاحظات .. أن الحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا ومن القضاء الإدارى ، هو منح الشرعية القانونية على الدستور الباطل ، والشرعية القانونية على مجلس الشورى الباطل ، والشرعية القانونية على رئيس فقد شرعيته .. بالإستفتاء الشعبى فى كل المحافظات .. بعد أن أسقط كل مؤسسات الدولة وأخون كل مفاصلها ..
** إذن .. فنحن أمام جهابذة فى قلب الحقائق بالقانون والدستور .. رغم أنه دستور باطل ومجلس شورى باطل ، ورئيس فقد شرعيته ، وقرار سوف تصدره المحكمة بسلامة الإجراءات القانونية لإنتخاب مجلس الشعب القادم مع إستبعاد كل الرموز التى وقفت ضد الإخوان ..
** الخلاصة .. نحن فى كابوس مرعب ومخيف .. يقول "إنه لا مستقبل لهذه الدولة" .. فقد سقطت وإنهارت وتفككت بكل مفاصلها ، ولم يعد أمامنا إلا مؤسسة واحدة فقط ، وهى المؤسسة العسكرية للجيش المصرى .. بعد أن سيطر الإخوان على جهاز الشرطة وإستطاعوا أن يسقطوه عندما أعطى لهم "محمد مرسى العياط" الضوء الأخضر بالإعتداء على الشعب المصرى ، وقتل وسحل الثوار المعارضين لحكم الإخوان ، ووصفهم بالبلطجية .. بينما لم تكف الرئاسة عن توجيه الشكر لضباط وجنود وزارة الداخلية .. وهذه كارثة تضاف إلى كوارث الإخوان ..
** الحل الأخير فى ظل هذه الفوضى العارمة التى خططت لها العاهرة أمريكا لتنفذها فى كل الدول العربية ، ومنطقة الشرق الأوسط بما فيه مصر .. هو تدخل القوات المسلحة المصرية فورا ، لإنقاذ هذا الوطن .. بل إننى أؤكد أنه لا حل أخر لا ثانى ولا ثالث لخ .. فنحن أصبحنا فى دولة مخترقة من الإخوان المسلمين .. وتنظيمهم الدولى مدعمين بالميليشيات والتنظيمات الإرهابية ، وعلى رأسهم حماس وحزب الله اللبنانى والجيش الثورى الإيرانى .. الذين إنتشروا فى كل أنحاء مصر كالوباء والسرطان ..
** فى النهاية مصر محتلة .. محتلة .. محتلة ، وما يحدث هو عار سوف يلاحق الجيش المصرى إن لم يسارع لإنقاذ هذا الوطن !!!
مجدى نجيب وهبة
صوت الأقباط المصريين

CONVERSATION

0 comments: