عائلة قايين/ عـادل عطيـة

يتمرّغ الطير المذبوح في دمائه، وألمه.. ثم ندّعي بشاعرية: أنه يرقص بعد أن حرّكنا وتر سكينتنا الحادة على زمارة رقبته!
المصيبة ليست في ادّعائنا برقصة الطير المذبوح، ولكن في ما نراه من رقصة الإنسان المذبوح (بعد اضفاء الشاعرية أياها) على أنغام الذابح!
وكأن لوج قد تنبأ بأحوالنا، عندما علّم قبائل الكلت، كما تقول الحكايات، أن يغنوا ويرقصوا في الأزمات، وأن النجوم في السماء ترقص على موسيقى بعيدة لا تبلغ آذاننا، واننا لن نسمعها إلا بعد أن نموت وتصعد أرواحنا!
وإلا فما علاقة الموسيقى والأغاني والأناشيد بآلام الذبح العظيم، ورهبة الموت الرهيب؟!..
لماذا كانت القبائل الوحشية، آكلة لحوم البشر، تلتف حول الضحية، وتزفه إلى الموت بالاهازيج والطبول، بينما صرخاته البشرية تقطع أجواء الدغل الواسع المظلم، وتجيبه القردة بأدعيتها المرعبة، ونعق البوم، ونقت الضفدع بأصواتها الجشاء، وانضمام طيور الليل إلى جوقة الموت؟!..
ولماذا في حريق روما، وبينما كانت النيران تتصاعد، والأجساد تحترق، وفي وسط صراخ الضحايا، كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه، وبيده آله الطرب، يغني على وقعها اشعار هوميروس، التي يصف بها حريق طروادة؟!..
ولماذا كل الجماعات الارهابية، تهلل وتكبّر، وهي تجز الرؤوس بالفؤوس، وتمطر الأجساد بالرصاص، وتطيّر الابرياء اشلاء بعبواتهم الناسفة؟!..
هل لأن الحروف الأولى من كلمة موسيقى، تصنع كلمة: موسي، تلك الشفرة التي نستخدمها في حلاقة الشعر، ويستخدمها القتلة في حلق الأجساد، والأرواح؟!..
أم لأنهم بضجيجهم وصخبهم، يحاولون ألا يسمعوا صراخ وأنين ضحاياهم؟!..
أم هي النشوى، والمتعة الحرام، وعظمة الجبروت النازي؟!..
كل هذا، وأكثر...
لأنهم ينحدرون من عائلة قايين (وبنطق آخر: قابيل)، القاتل الأول في الخليقة، فيوبال، أحد أحفاده، والذي صنع السلاح، وأبتكر الموسيقى (حتى أصبح أب كل ضارب بالعود والمزمار في الأرض) وعزفها لمدح الأعمال الشريرة، لا يزال الالهام الأول لكل الذين يغنون للشر، ويزمرون  لترقص الحيّات، وينفخون في الأبواق، ويدقون على الطبول لأعلان الحروب...
كم أتمنى أن يخرج "أورافيس" آخر من عباءة اساطير الاغريق؛ ليروّض بانغامه الساحرة الوحوش البشرية، ويتغلب على الذين يخدعون الناس بالموسيقى الشيطانية التي تؤدي إلى حتفهم!...

CONVERSATION

0 comments: