أعيادنا.. أعيادكم فالوطن واحد والشعب واحد/ راسم عبيدات

نحن في المشرق العربي تحديداً....عشنا كأمة عربية واحدة،وشعب واحد،لم يفرقنا ولم يباعدنا تعدد الطوائف والمذاهب،وكان الجميع يقدم إنتماءه الوطني والقومي على إنتمائه الديني والطائفي بعزة وإفتخار وكبرياء...رغم وجود بعض الحركات الإسلامية كحركة الإخوان المسلمين،والتي تريد أن تعلي إسلاميتها ومذهبيتها فوق الوطن والأمة....وهذا قادها بعد ان تسلمت السلطة في اكثر من بلد عربي الى السقوط بزمن قياسي،كما حصل في مصر،حيث فئويتها وإنغلاقها وعدم اعترافها ومشاركتها للآخر في القرار والسلطة ودخولها في تناقض مع كل مركبات ومكونات المجتمع المصري،قادها لسقوط مدوي وعاصف.

ولم نكن نلتفت الى أن هذا المفكر او الزعيم او القائد او المناضل مسلم او مسيحي،سني او شيعي او درزي او علوي،بل رصيده الوطني والقومي وانتماؤه للوطن والقضية،هو من يفرض وجوده وحضوره الجماهيري والشعبي،وطبعاً هذا مرتبط بمرحلة تاريخية وطبيعة تلك المرحلة....حيث الأمة في مراحل المد القومي انجبت قادة عظام على مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية ومذاهبهم كان لهم احترامهم وحضورهم وشعبيتهم وجماهيريتهم عند كل مكونات مجتمعاتنا العربية ومركباتها،...وكانت اعياد امتنا وأفرحها واحزانها وإحتفالاتها،هي ملك لكل الأمة،بكل مركباتها ومذاهبها وطوائفها....ومن كان يجاهر او يغالي في مذهبيته وطائفيته،كان يتعرض لحملات شرسة من النقد والتجريح،تصل الى حد الإتهام بالتخوين او الخروج على مصالح الوطن والأمة.

هذا كله كان في مرحلة المد الثوري والقومي والوطني,ولكن في مرحلة الهزيمة والنكوص يحدث الإرتداد والتراجع،وتتقدم الغيبيات والقبليات والمذهبية والطائفية على الوطني والقومي،عندما تجد التغذية ليس فقط من مرجعيتها الدينية والمذهبية وقادتها السياسيين ومن صناع قرارها،بل بفعل من يريدون ضرب المشروع القومي العربي،وتفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها بما يخدم مشاريعهم واهدافهم واطماعهم الاستعمارية، يساعدهم في ذلك أدواتهم وحلفاؤهم من مشيخات النفط والكاز،والتي وظفت اموالها النفطية من اجل نشر فكرها الوهابي والديني المتزمت،وجندت لذلك الكثير من المرتزقة وما يعرف بالمشايخ ورجال الدين والدعاة والوعاظ،وضخت عليهم حنفيات المال بلا حسيب او رقيب،وفتحت لهم المدارس وحتى الجامعات،وأطلقت لهم العنان عبر الكثير من الفضائيات ووسائل إعلامها لبث أفكارهم ومعتقداتهم وخزعبلاتهم التخريبية والاقصائية والمذهبية المشوهة للدين الإسلامي وتعاليمه السمحة،والتي كانت تهدف الى خدمة اجندات محددة،ليس الهدف منها نشر الوعي بالدين وهداية الناس وإرشادهم،بقدر ما هي دعوة الى تفكيك لحمة المجتمعات العربية وهتك نسيجها المجتمعي،وتحويلها الى طوائف ومذاهب تقتتل فيما بينها وتتنازع،لتصل حد القتل على الهوية والطائفة والمذهب...وما يحدث في سوريا الان بلد ومهد الحضارات على يد تلك القوى،مؤشر جداً خطير،ليس فقط على وحدة المجتمع ولحمته ووحدته الوطنية فقط،بل الأمور تصل الى ابعد من ذلك نشر الخراب والفوضى في البلد وتقسيمها طائفياً ومذهبياً،وقتل أي امكانية للوحدة الوطنية بين مكوناتها مستقبلاً.
ان واجب كل النخب السياسية والوطنية والاعلامية والثقافية والمتنورين من رجال الدين،العمل على فضح وتعرية هذه الجماعات الارهابية والمجرمة،وكذلك العمل على اجتثاثها بالمعنى المادي،وتدمير كل بناها التحتية والمجتمعية ومؤسساتها الإغاثية والإجتماعية،لأنها تستخدم كدفيئات لتفريخ الإرهاب والخراب وتعميمه على المجتمعات العربية ،وكذلك حظر أي نشاط لها لكون ذلك يرتقي الى مستوى الخيانة وبث أفكار هدامة ومدمرة....وما يحدث في الشام من وحشية في عمليات القتل والذبح،يدلل بشكل واضح بان هذه الجماعات ليس لها علاقة بالبشرية سوى بالأسم،وهي اقرب للوحوش والقطعان من البشر،إنها خطر داهم وحقيقي على المجتمعات العربية،مجازر عدرا العمالية،تكشف إلى أي مستوى من الإنحطاط والبوهيمية وصلت تلك الجماعات،ان لم يجري التصدي لها بكل قوة وصلابة،فإننا سنقف امام كوارث حقيقية تصيب منا مقتلاً كأمة عربية،وعلى الجميع ان يعي بأن رأس المشروع القومي العربي وحوامله السياسية والتنظيمية والفكرية هي المستهدفة والمطلوبة،من تلك الجماعات المنتمية الى فكر الجاهلية،فكر إنكار الآخر واقصائه،فكر دفع الناس للحجر على عقولهم وفكرهم،وإدخالهم في مستنقع الرذيلة والتجهيل والدروشة و"جهاد" النكاح وإنتظار الحور العين والتخلف بكل أشكاله ومسمياته.
نحن في هذا الوطن العربي الكبير عشنا بامان وسلام على مر العصور،لم يلتفت الواحد منا للآخر أو يحاكمه على أساس مذهبيته او طائفيته،بقدر ما كان الالتفات الى مدى انتمائه واخلاصه وخدمته للوطن والأمة والمبدأ والموقف.
واليوم مع اقتراب اعياد الميلاد المجيدة للطوائف المسيحية،يجب ان تكون هذه الأعياد بالممارسة وليس بالقول او التنظير والشعار غير المدعم بالممارسة،اعياد لكل أبناء امتنا وشعبنا الفلسطيني،فهذا الشعب العظيم والمضحي،لم تهب عليه رياح الطائفية والمذهبية،كما هي عليه الان في اكثر من عاصمة عربية،بفعل الجماعات الوهابية والتكفيرية على مختلف مسمياتها....والتي يجب ان يكون الرد عليها من كل مكونات مجتمعاتنا العربية ومركباتها،بان تكون أعيادنا الإسلامية والمسيحية واحدة،يفرح لها الجميع ويحتفل بها الجميع،هؤلاء يريدون قتل البسمة والفرحة والمستقبل عند أبناء هذه الأمة،يريدون زرع الموت والدمار في جسد هذه الأمة،وعلينا عدم منحهم هذه الفرصة.

CONVERSATION

0 comments: