أنطوني ولسن / SPIRIT OF THE HORSE

في غفلة من الزمان قرر الأولاد الذهاب إلى " الجولد كوست " في ولاية "  "كوينزلاند " . ياولاد أنا تعبان صحتي لا تحتمل ركوب الطائرة ، لأ يابابا إحنا معاك وربنا طبيعي معاك ومعانا وإنت وماما لكما مدة زمنية طويلة لم تخرجا خارج البلد وأهي فرصة نكون كلنا مع بعض .

عاشق الطيران أصبح يخشى ركوب الطائرة . محب للسفر إن كان محلي أو على مستوى العالم صار يخاف الخروج بعيدا عن المنزل والحي . لكن الذي سافر ألى معظم محافظات مصر ومدنها وقراها بما في ذلك بلاد النوبة وشبه جزيرة سيناء وفي أستراليا ذهبنا إلى ملبورن أكثر من 10 مرات وإلى كوينزلاند وبالأخص إلى الجولد كوست أكثر من عشرين مرة وبالطائرة ، متردد ولا يريد البعد عن المنزل . لكن ما باليد حيلة إذا بقيت ستبقى زوجتي معي ، وفي هذا ظلم وإجحاف في حقها وخاصة أن أولادي وعائلاتهم هم المسافرون .كذلك لم تلتقي زوجتى والعائلة بالأخت والصديقة فاي صديقة العمر والتي إختارت الجولد كوست موطنا لها منذ  فترة طويلة ،الحقيقة لم تتركنا لحظة واحدة خلال فترة إقامتنا منذ وصولنا إلى عودتنا مما زاد من بهجة الرحلة . لهذا كله  كان عليّ أن أتوكل على الله والعمر واحد والرب واحد .

لن أخوض كثيرا في تفاصيل وجودي هناك منذ أن هبطت بنا الطائرة في مطار  كولونجاتا والأستعدادات التي أعدت لي للنزول من الطائرة ليس كبقية الركاب على سلم . لكن إنتظرت حتى غادر الجميع الطائرة وبقيت مع زوجتي وإبنتى الصغرى في إنتظار الآلة الكهربائية التي ستأخذنا إلى أرض المطار . وهناك كانت في إنتظاري مضيفة أرضية ومعها كرسي خاص بالمتقاعدين . أجلستني وبدأت في السير ، لكن إبنتي شكرتها وأخبرتها أنها ستقوم هي بالعمل .

بإختصار لن أطيل عليكم وأدخل في موضوع المقال عن روح الخيل .

الجولد كوست بلد سياحي من الدرجة الأولى إن كان في السكن أو في الحياة والأماكن المتعددة للترفيه وللأكل والسهر . ستجد هناك سياح من جميع شعوب العالم وخاصة من العرب . الجو معتدل ماعدا يوم واحد هبت عاصفة رعدية ، ومع ذلك الطرقات مليئة بالحركة .

قرر الأولاد وعائلاتهم الذهاب لمشاهدة هذا الأستعراض للخيل وما فعله المستوطنون الإنجليز في أستراليا . ذهبنا جميعا وكان عددنا يقترب من 13 بالإضافة إلى حفيدتي الصغيرتين .

كان من الطبيعي أن يبحث أولادي عن مكان لأستريح قبل أن ندخل إلى مكان الأستعراض . المكان بجملته على طراز قرى الريف الإنجليزي . المدخل مليء بالناس من جميع الأجناس بما فيهم أسترال . وقفت أمام طرابيزة على جانبيها " دكك " للجلوس وكانت جميعها مشغولة بالناس . عندما رأني أحد الجلوس وقف وأمسك بيدي وساعدني على الجلوس وفعل أخرون كانوا جلوسا وأجلسوا زوجتي وإبنتي ، أما الباقون من أولادي فكانوا مشغولون بالحجز .

 تم حجز أماكنا وبدأنا ندخل حيث يتم الأستعراض بعد أن أعطيّ لكل منا بما في ذلك الطفلتين " قبعة " رعاة البقر . طمعت زوجتي في " قبعتين " لحفيديها في سيدني فأعطتها السيدة ما طلبته بإبتساة حلوة مرحبة .

شغلنا الصف الأول لعدم إستطاعتي الصعود إلى الصفوف العليا . لا يقل عدد الحضور من المشاهدين عن ألف مشاهد مابين رجال ونساء وشباب من الجنسين مع الأطفال . أمامنا حلبة الأستعراض محاطة بسياج عازلة ومنعوا التصوير . أرض الحلبةعلى شكل مراعي الغنم والبقر في الريف الأسترالي . على اليمين شاشة عرض كبيرة جدا . أسفل الشاشة منزل على الطراز الأول للسكان الجدد النازحين من المملكة المتحدة ، وزيهم زي رعاة البقر . على جانبي الشاشة على يمين وشمال المنزل يوجد باب في كل ناحية يفتح ويغلق أتوماتيكيا دون أن تلاحظ لدخول راكبي الخيول من رعاة البقر ، والجانب الآخر للخروج منه أو دخول إستعراضات أخرى مثل السيارات القديمة وعربات السفر التي تجرها الخيول . بإختصار كلا البابين الحركة مستمرة بين دخول وخروج .

الشاشة ترى عليها مشاهد من رعاة البقر أو الغنم أو الخيول . وأنت جالس تشاهد ما يظهر على تلك الشاشة الكبيرة بما فيها مشاهدة أكبر صخرة في العالم . تتنقل بك الكاميرا من مشهد إلى آخر ومن رعاة غنم إلى رعاة بقر أو سباق الخيل . كل هذا يظهر لنا على الشاشة وفي وسط إندماجنا تمر من أمامنا مشاهد حية مما كانت على الشاشة . شاهدنا طائرة " هليكوبتر " صغيرة كانت تحلق فوق عدد من الأغنام وتساعد " الكلب " في تجميعهم خلف الراعي راكب الحصان . في وسط هذا المشهد دخلت الغنم والكلب والراعي وكانت المفاجئة أن الطائرة دخلت أيضا من فتحة في الشاشة لم نراها لأن كل ما نراه الشاشة وما يعرض عليها .

أثناء الأستعراضات كانت الشابات الأستراليات يمررن على الزوار يقدمن عصير " الليمون " أو الماء أو " النبيذ " لمن يشرب في همة ونشاط طوال فترة الأستعراض . بعد ذلك حمل الشباب والشابات صحون الطعام الموضوعة داخل حامل وتقديمه إلى الناس مع إبتسامة عذبة مرحبة تفتح شهيتك للأكل والمشاهدة .

قضينا فترة أكثر من أربع ساعات ونحن نشاهد كل ما يحببك في الخيل وحياة الريف من يوم الإستيطان إلى لحظة وجودنا ومشاهدتنا لهذه الأستعراضات الرائعة.

عندما عدنا إلى سيدني وجلست لأكتب ما شاهدت وأضيف إليه أهمية السياحة والأهتمام بالسياح بغض النظر عن من هم أو ما هي جنسياتهم ودياناتهم وعقيدتهم أو لونهم أو حتى ما يرتدون لأنهم ضيوف كرام جاءوا للأستمتاع بوقت طيب ومشاهدة ما يمكن مشاهدته من جمال طبيعي وحياة مسالمة . يرحبون بك ويقدمون لك الأطعمة أشكالا وألوان . وتستمتع بمشاهدة مياه المحيط من جانب ، و مشاهدة مياه النهر من جانب أخر .

أخذني خيالي بعيدا عن سيدني وعن الجولد كوست وعن الخيل وعن كل شيء ماعدا مصر والسياحة في مصر . وجدت نفسي أعيش في الخمسينات حيث بداية معرفتي بمصر ومدن مصر والزيارات المتعددة لأماكن الأثار والمتحف المصري . أيام الأحترام فيها لكل ضيف أو ضيفة من أي بلد ووطن عند مجيئهم للسياحة وكيف كنا نستقبلهم . إستمر خيالي في التحليق إلى الستينيات وأتذكر ذهابي إلى أسوان وكان معي الزميل فايز لنلحق ببقية الزملاء من محافظات أخرى مثل الفيوم.

صادف وجودنا وجود شاباتان أجنبيتان من هولاندا . من الطبيعي أن تدور بيننا أحاديث مطولة فهما كانتا متجهتان إلى الأقصر . في خلال الساعات الطوال في كابينة بقطار رقم 88 المتجه إلى أسوان والأحاديث المتفرعة والمختلفة تارة عن أثارنا وعظمتها ، وأتذكر كم المعرفة لديهما عن أثار مصر . وتارة أخرى عن هولاندا والحياة هناك . إنسجام وكلام يطول شرحه بعد تبادل الأسماء والعناوين ووصولنا إلى محطة مدينة الأقصر  . ودعناهما بكل إحترام . نزلتا ووقفتا على رصيف المحطة . بقيتا واقفتان على الرغم من تحرك القطار وهما يلوحان لنا بأيديهما مودعين حتى أن بعد القطار بعيدا عن رصيف محطة مدينة الأقصر .

تذكرت هذا كله وتبادل المعرفة والصداقة بيننا وبين السائحتين بكل إحترام وتفاهم . لم نتطرق إلى الدين ولا المذاهب ولا السياسة . بل كانت أحاديثنا عن الآثار والحياة في مصر وأمستردام وهولاندا على العموم .

مرت السنون وهاجرت إلى أستراليا . بعد 5 سنوات من الهجرة ذهبت إلى القاهرة عام 1976 في طريقي إلى شيكاغوا لدعوة عائلتي " أبي وأمي وأشقائي وشقيقاتي " للأحتفال بعيد ميلادي الأربعين . في القاهرة ذهبت إلى المتحف المصري في زيارة للمتحف . صدمتي كانت كبيرة للأهمال الملحوظ للأثار المصرية . لفت نظري إحدي المكلفات من هيئة الأثار المنوط بها مرافقة السياح وشرح تاريخي لكل ما هو في المتحف . كانت ترافقها سيدة أجنبية كبيرة في السن . إستمعت إلى بعض من الحوار بينهما فكانت دهشتي كبيرة عندما إستمعت إلى السيدة المرشدة السياحية وهي تتحدث عن الدين . طبيعي لا غبار عن الحديث عن الدين . لكن نحن في المتحف المصري وكان يجب أن يكون الحديث عن الآثار المصرية . ومن هنا إستشعرت الخطر الزاحف على مصر من تسلط الأخوان ومن على شاكلتهم في خراب مصر . وكم بكيت بدموع ساخنة عند زيارتي لمصر وزوجتي وإبنتي وحفيدتي وإبني وزوجته عام 1991 لما رأيته من تغير إلى الأسوأ في كل شيء .

توقعت ما سيحدث للسياحة في مصر في مثل هذا الجو الكئيب . وقد صدق حسي . بل ما زاد من قلقي على مصر سفر صديقة زوجتي إلى مصر منذ سنوات قليلة ماضية وجلوسها في مترو الأنفاق وتجلس إلى جوارها سيدة محجبة . ركبت القطار من إحدى المحطات سيدة أخرى محجبة ، فما كان من الجالسة المحجبة أن نظرت إليها بنظرة إحتقار وشخطت فيها قائلة " فزي يا كافرة وخلي المؤمنة تقعد " !!.. ولا تعليق .. وهكذا إنهارت السياحة وإنهارت مصر . كل الذي نرجوه في هذه الأيام أن تكون الصحوة الحالية ، صحوة يقظة وإعادة الوجه الحضاري لمصر من جديد وتعود مصر إلى ما عرفت به من أمن وأمان ومحبة وتبدأ عجلة العمل الجاد في الدوران يغلفها الأمل في حياة أفضل لكل المصريين وتعويض سنوات الضياع والتهميش التي كادت أن تقضي على مصر والشعب المصري .

في الختام ألف مبروك لمصر والشعب المصري لا أقول لإنتصاره في معركة الدستور ، لكن لأنه إستيقظ من غفوته وعرف حقيقة من خدعوه فهزمهم بنعم لدستور الشعب .

سيدتي أمي أختي إبنتي وزوجتي لكم كل تحية وإحترام لموقفكم المشرف وفرحتكم التي أظهرتموها بالزغاريد ورقص الفرح . مبروك علينا كلنا أينما كنا أو تواجدنا على أرض مصر أو خارج مصر .

CONVERSATION

0 comments: