من يدعم التكفيريين حقاً؟/ محمود شباط

دأبت بعض وسائل الإعلام على تحميل حكومة المملكة العربية السعودية مسؤولية دعم التكفيريين والإسلام السياسي بأطيافه المتنوعة من أخوان وقاعدة وسلفيين، وبما أن لا شيء يدعم الحقيقة كالحقيقة ذاتها فعلى طالبها أن يستنطق الحاضر والماضي ويستجوب التاريخ.
ما يقوله لنا الماضي القريب أن المملكة العربية السعودية رمت بثقلها السياسي والدبلوماسي والإعلامي والمالي في الكفة المناهضة للإخوان المسلمين في مصر، وعانت من تفجيرات ومحاولات اغتيال قامت بها القاعدة، وعلى قوائم المطلوبين أمنياً قائمة الـ 85 مطلوباً.  
وما يقوله لنا التاريخ بأن الفجوة بين المملكة والمتطرفين ليست جديدة، بل تعود إلى ما يقارب عقود عدة من الزمن، ولاكتشاف أسباب الخلاف - الفجوة لا بد أن نرجع إلى فترة نشأة الإخوان الوهابية، حيث سنحاول أن نضيء على كيفية انبثاق تلك الحركة في عام 1744، عملياتها العسكرية تحت راية آل سعود، وأسباب الافتراق. 
ذكر اللبناني الأميركي جون حبيب في كتابه "محاربو بن سعود في الإسلام Bin Saud Warriors in Islam" ، (والذي أدين له بمعظم ما يرد في هذا المقال من معلومات، لم أضع حولها علامات اقتباس بل عمدت إلى اختصار المضمون) ، يقول جون حبيب: "بحدود أوائل القرن الثامن عشر كانت معظم قبائل البدو الرحل في منطقة نجد قد عادت إلى طقوس العبادات التي كان يمارسها الناس في الجاهلية كعبادة الأوثان والشجرة والصخرة وغيرها. وفي العام 1744 بدأت ظاهرة الإمام محمد بن عبد الوهاب، أحد علماء بلدة العُيَيِّنة الواقعة على بعد حوالي 85 كلم جنوب غرب الرياض، فلجأ إلى الدرعية من حيث انطلقت الحركة الوهابية بجناحين :  الديني يقوده الإمام المذكور الذي كان قد أُبْعِدَ عن بلدته بسبب تشدده في تطبيق الشريعة طبقاً للمذهب الحنبلي. والجناح السياسي بقيادة عبد الرحمن بن سعود أمير الدرعية في حينه".
وحين انتشرت الدعوة الوهابية واتسع نطاق غزواتها وقويت شوكتها بوصولها إلى سوريا والعراق ومصر، أصدر السلطان العثماني أوامره إلى واليه في مصر محمد علي باشا الذي جهَّز حملة عسكرية كبيرة قادها إبراهيم باشا بدأت بالتصدي للحركة الوهابية في العام 1811 وانتهت بسحقها في العام 1819 . 
كَمَنَ جمرُ الوهابية تحت رماد الزمن حوالي تسعة عقود لغاية العام 1901 ، إلى اليوم الذي باشر فيه "الإخوان" بالإسهام بالقتال تحت راية عبد العزيز بن سعود الذي أسس الدولة السعودية الثانية، وحيث تكلل جهوده بتوحيد المملكة بحدودها الحالية في العام 1925.
ما جمعته الجغرافيا بين بن سعود والإخوان لم يُفلح في تكريس الاستمرارية إذ كان لكل منهما نهجه : اعتدال وواقعية وتعقل وحس سياسي فطري وبُعد نظر عند عبد العزيز، يقابله غلو وتطرف وارتجال مواقف "واحتكار الحق والحقيقة" واستعجال قطاف الجهاد عند الإخوان.
بعد إلحاح من الإخوان على بن سعود كي يسمح لهم بالانتقام من الملك حسين الذي كان، كما يقولون، يمنعهم من إداء فريضة الحج وكونه "كافراً" حليفاً للإنكليز، قاموا بغزو الطائف في العام 1924 بقيادة خالد بن لؤي وارتكبوا فيها فظائع دموية أدت إلى دخول مكة سلماً دون طلقة واحدة، مما مهد السبيل لإذعان جدة والمدينة وأدى إلى فتح الباب واسعاً أمام إلحاق الحجاز بنجد.
أثناء تواجد "الإخوان" في مكة عرض عليهم عبد العزيز بن سعود مالاً وسلاحاً وأرضاً على أن يعودوا إلى الرياض، ولكن الإخوان ، وفي ذروة شعورهم بنشوة انتصاراتهم وثقتهم بقوتهم وأعدادهم لم يكن ذلك ما يريدونه، بل أن يكملوا مسيرتهم/رسالتهم الدينية التي يعتقدون بأن الله خصهم بها واختارهم لتحقيقها. سيما وأنهم أرسوا أسس توسيعها، إذ كانوا قد أرسلوا بدعاة وعناصر إلى دمشق وكذلك بألف وخمسمائة منهم إلى سيناء في العام 1922. 
رغم أن إرهاصات الاختلاف بين بن سعود والإخوان بدأت في العام 1919 ، لأسباب عديدة أهمها معارضة الإخوان لاستخدام بن سعود للسيارات وأجهزة التلغراف "كونها رجس من عمل الشيطان" وتحالف بن سعود مع "الإنكليز المسيحيين" ومنعهم من غزو المناطق التي أقيم عليها الأردن لاحقاً، و غزو العراق والكويت والغزو الداخلي. إلا أن تعاون الإخوان مع بن سعود ظل قائماً إلى أن نشبت بين الطرفين معركة سبلة في العام 1928 حيث انتصر فيها عبد العزيز وكسر شوكة الإخوان، ومن بقي منهم خضع على مضض لتسويات وظل كاستمرارية لروح الحركة ونهجها تحت مسمى "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ، وبالتزامن تأسست في مصر حركة الإخوان المسلمين في نفس العام الذي هزمت فيه حركة "الإخوان" في السعودية.  
مرة أخرى نرى بأننا أمام نهجين : نهج يُكفِّرَ الآخر لأنه آخر، ويستنبط أكثر وسائل التخريب سواداً لتدمير اقتصادات ومنشآت بلدان عديدة ، نالت المملكة العربية السعودية نصيبها من تلك الأنشطة الهدامة. وفي الجهة المقابل نهج مناقض أعاد بناء مئات القرى والبلدات في الجنوب اللبناني بعد تدميرها في حرب تموز 2006، ودفع كلفة الكتب والرسوم المدرسية لطلاب لبنان لسنتين متتاليتين، ودعم اقتصاد لبنان الذي كاد يوشك على الانهيار كنتيجة للحرب السالفة الذكر وذلك بإيداع مليار دولار في البنك المركزي ومنح لبنان مليار دولار أخرى.
الوفاء وشهادة الحق يقضيان بالنطق بكلمة الحق، كإنسانٍ أولاً ، وكمواطن لبناني ثانياً، لم أتردد، ولن أتردد في انتقاء الخيار الأفضل. 
 الخبر في 15/08/2013

CONVERSATION

0 comments: