العودة إلى الوطن حلم قد تحقق/ محمد فاروق الإمام

بداية أريد أن أنوه إلى أن ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو التعليقات التي جاءت على مقالي السابق (وعدت رغم أنف الأسد)، وخاصة تلك التعليقات التي جاءت في موقع (دنيا الرأي) والتي وصفتني بأنني شبيه بأحمد الجلبي وأنني عدت إلى الوطن على أنقاض الدولة السورية، وأردت من مقالي هذا أن أضع الإخوة المعلقين أمام فصل من فصول حياتنا المأساوية في ظل حكم البعث الذي سرق الوطن وسجن أهله منذ ما يزيد على نصف قرن!!
فارقت سورية عام 1981 مرغماً بعد إصدار حافظ الأسد للقانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين بأثر رجعي، وانتظرت طوال 32 سنة - كحال عشرات الآلاف أمثالي - أن يراجع حافظ الأسد نفسه ويلغي هذا القانون الجائر ونعود إلى الوطن لنشارك في بنائه ودفع عجلة التنمية فيه، وطال الزمن وتوالت السنوات دون أن يلوح لنا أي بارقة أمل في العودة إلى الوطن، رغم ما كان يجري في بعض الأحيان من مفاوضات بين قيادة الجماعة ومبعوثي النظام الذين كانوا على درجة عالية من جسم النظام وأعيانه، فقد كان يصل الطرفان إلى اتفاق كنا نظن أنه انفراج وأن العودة باتت قاب قوسين أو أدنى، لنفاجأ بأن السيد الرئيس لم يقبل بما توصل إليه وفده مع الجماعة، وعلى العكس من ذلك لم يقم النظام بأي مبادرة حسن نية، فقد كان يلاحق أفراد الجماعة في الداخل والخارج؛ فيسجن ويغتال.
كبر الأولاد وتزوج بعضهم وصرت جداً كحال الآلاف ممن يقاربوني سناً وتوزعوا في بلاد الله الواسعة طلباً للأمان والرزق، وكنت أتنقل ببقايا عائلتي بين الفترة والأخرى بين دول ومدن إلى أن استقر بي المقام في الأردن نهائياً، ووجدت عملاً دائماً في مجالي (الإعلام)، وبين الفترة والأخرى كان أولادي الصغار مع أمهم يزورون سورية وكانوا طبعاً يخضعون للمساءلة والتحقيق ما بين حلب ودمشق ويتعرضون للمضايقة، ولكنني كنت أصر على نزولهم ليبقوا على تواصل مع تراب الوطن والأهل والعشيرة.
في عام 1995 أصر ولدي الثاني على النزول إلى البلد لتأدية الخدمة العسكرية ولم أحل دون رغبته؛ رغم ما كان ينتابني من الخوف والقلق عليه مما قد يواجهه من أزلام النظام وعملائه.
نزل وأدى الخدمة العسكرية لثلاث سنوات دون أية مشاكل تذكر كان فيها مثال الانضباط والنظام والحرفية ومكان احترام من رؤسائه وزملائه، وبعد أن أنهى الخدمة الإلزامية أراد الزواج وتم خطوبة الفتاة التي اختارها، وقبل الزفاف بيوم واحد جاءه طرّاق الليل وأشباح الظلام واقتادوه إلى جهة مجهولة عرف فيما بعد أنه اقتيد إلى المخابرات (فرع فلسطين بدمشق) السيئ الذكر حيث خضع للتعذيب الوحشي لأكثر من ثلاثة أشهر؛ أحيل بعدها إلى المحكمة العسكرية التي حكمت عليه بالإعدام بموجب القانون 49 الذي يجرم المنتمي للإخوان المسلمين ويحكم عليه بالإعدام، علماً أن ابني هذا غادر سورية وكان عمره 6 سنوات، ثم خفف الحكم إلى 12 سنة، ثم أفرج عنه عام 2006 بعد 8 سنوات بموجب عفو أصدره بشار الأسد الذي خلف أباه في الحكم، وبعد اعتقاله حرمت أسرتي من مغادرة سورية ومنعت من الحصول على جواز السفر وبقيت حبيسة في الداخل، مما انعكس ذلك على حياتي وقد كسا الشيب رأسي وحطت الكهولة بدني، وقد أصبحت وحيداً أعيش كوابيس الآلام والأحزان والأوجاع.
قبل قيام الثورة بأكثر من سنة حضر ثانية طراق الليل وأشباح الظلام ليقتادوا ولدي ثانية من مكان عمله إلى جهة مجهولة، علم فيما بعد أن من أخذه عناصر من المخابرات الجوية، ليتعرض لأقسى أنواع التعذيب الوحشي الذي يفوق ما تعرض له سابقاً في فرع فلسطين.
وقامت الثورة وانطلقت شرارتها وعمت المظاهرات المدن السورية، فأصدر بشار عفواً عاماً عن السجناء والمعتقلين أمام الضغط الشعبي، ولكن ولدي لم يفرج عنه إلا بعد ثلاثة شهور من إصدار العفو، فخرج والحقد يعتصر قلبه على هذا النظام بعد أن تفاجأ بوفاة أمه حزناً عليه، فالتحق من فوره بالثورة وكان في مقدمة الشباب الذين اختاروا العمل العسكري لمواجهة النظام، وخاض مع إخوانه العديد من المعارك الأسطورية ضد النظام وكان الانتصار يرافقه في كل المعارك التي خاضها حتى انتهى ليكون أحد قادة أهم لواء في الجيش الحر، وهو الآن يشرف على أهم المواقع المحررة في مدينة حلب، ليلتحق به أخويه اللذين هما أصغر منه سناً، وكان هذا مثار فخر واعتزاز لي توجته في قراري النهائي في العودة إلى الوطن والاستقرار في ربوعه لأضع نفسي وخبرتي وإمكانياتي في خدمة الثورة وبالكيفية التي يريدها الثوار لي، وأدعو كل إخواني والسوريين عامة للعودة السريعة إلى الوطن.. فالوطن بحاجة إلى كل واحد منا!!   

CONVERSATION

0 comments: