في يوم الغفران اغفري لنا ما فعلناه بك/ ميساء ابو غنام

اعتدنا وفي كل عام ان نعيش 36 ساعة لربما هي الاكثر غرابة في العالم.....شوارع خالية وحواجز تغلق مداخلها،وسيارات شرطة مبعثرة هنا وهناك،وبعض الطرق الفرعية المتناثرة بين البنايات العربية،هي مقصد اصحاب الديانات الاخرى من مسلمين ومسيحيين......
هذه هي مدينة القدس التي ولدت بها وترعرت بها ورسمت حلمي على جدرانها وشوارعها العتيقة وفوق شرفاتها،اعتدنا في هذا اليوم ان يجلس والدي في البيت ليس لينفذ الوعد الالهي للغفران،وانما لان مشغله قرر في هذا الوقت من السنة ان يتوب الى الله ليتخلص من ذنوبه،في هذا اليوم ومرات عديدة تساءلت عن كل هذه الطقوس الغريبة على طفلة مسلمة وكان الجواب"اليهود عندهم عيد".....
على الرغم من تكرر هذا المشهد سنويا،الا انه لم يترك اثرا بداخلي كما اليوم،هي اللحظات التي ادركت فيها اننا الاقلية،الساعة الثامنة صباحا حيث الشوارع الخالية الا من بعض السيارات العربية وهي تجوب خلسة شوارع الاحياء العربية بخجلها متقاطعة مع سيارات الشرطة على مداخل بسجات زئيف والتلة الفرنسية والنبي يعقوب ورمات شكول وغيرها......
كانت وجهتي مدينة رام الله التي وبعيدا عن يوم الغفران فالطريق اليها تحتاج وقتا طويلا لاننا رهن الوضع على حاجز قلنديا العسكري الذي يفصل بين القدس ورام الله،وبالتالي فان الوقت المتوقع هو ربع ساعة ومع حاجز قلنديا العلم عند الله،ربما دقائق وربما ساعات،ولكن ومع عيد الغفران تكون رحلتك الى رام الله كما هي قصة كريستوفر كولمبوس في اكتشاف الارض،وحاجتك تجعلك مثل قطعة النرد في لعبة الحياة،من اين الطريق واين المخرج وربما تحتاج ان تسير طريق تل ابيب ليفتح لك باب مدخل رام الله.....
ولكن ما الذي اريده من هذا السرد المبعثر بين عجلات مركبتي....القضية ليست بجديدة وربما هي طقوس دينية احترمها بغض النظر عن مضامينها ولكن هذه المضامين قادتني الى ما هو اكبر واشمل واوسع واسوأ.....
نعم هي لعبة الصراع والبقاء على هذه الارض.....ربما مل البعض من حكاية الفلسطينيون وهم يسردون قصتهم معها...............
القيادة الفلسطينية تردد"القدس تهود"المقدسيون يرددون"القدس تهودت"رجال الدين المسلمين والمسيحيين يرددون"القدس في خطر القدس تهود"وحناجر امة عربية مسلمة ومسيحية وبصوتها الخافت "القدس تهود"................
القدس تهود او تهودت او تتهود،ما بين الحاضر والماضي والمستقبل تبلورت قضيتها وكشفت معالمها في يوم الغفران....يوم تابت القدس عن عروبتها وفلسطينيتها ،مدينة اشباح سقطت رموزها وعزتها،اليوم اكتشفت اننا الاقلية صرخنا ونادينا وحذرنا من صراع ديمغرافي على هذه المدينة،طالبنا بدعم القدس ودعم صمود اهلها،طالبنا حوارا مع المجتمع الدولي"يا جماعة القدس تهود"ولكن صمت الاذان وابكمت الافواه واليوم فعلا تهودت.....
سرت خجولة منها في يوم الغفران حين لم اجد لي مكان فيها،منحنية الرأس مغمضة العينين ......انا الفلسطينية العربية ابحث عن افق لطريقي في جوانب شوارعها المهمشة في الاحياء العربية،حينها قابلت بعضا من المركبات بعددها القليل تبحث عن مخرجها مثلي ،وبين نتوءات الشوارع صادفني جندي على حاجز ليرشدني الى طريقي مؤكدا لي انه يوم الغفران.............
استغفر الله واستغفر منك يا قدس على ما اقترفناه بحقك،نحن اقلية في مدينتك المهودة،نحن رذاذ تراب على احجارك وفوق باحاتك، فقد جاء يوم تكفيرهم ليخبرنا اننا لسنا لك ولسنا بك،نحن الان على هامش طرقاتك نحن المقدسيون الذين هجرناك وهجرنا منك ......
في يوم الغفران اغفري لنا ما فعلناه بك

CONVERSATION

0 comments: