تاريخ عائلة 2-3/ محمد فاروق الإمام

سليمان الوحش الذي تحدثنا عنه في الحلقة الأولى خلف ابنه علي ثعلباً ماكراً هو حافظ الأسد، الذي تمكن من الانخراط في الجيش السوري مدعوماً من حزب البعث الذي كان ينتمي إليه، وكانت أولى خياناته وغدره محاولاته فصم عرى الوحدة التي جمعت مصر مع سورية، حيث قام، وهو يعمل في القصر الجمهوري بمصر عام 1960، بتشكيل اللجنة العسكرية التي ضمت إلى جانبه كلاً من صلاح جديد ومحمد عمران، وهما ينتميان إلى نفس طائفته، بهدف زعزعة الاستقرار في الجمهورية العربية المتحدة وتأييد الداعين إلى انفصال سورية عن مصر، ووقع الانفصال وراح هذا الثعلب ينشط، رغم إبعاده من الجيش، في الإعداد لانقلاب مع رفاقه في اللجنة العسكرية تحت هدف معلن هو "عودة الجمهورية العربية المتحدة" وفي الحقيقة كان السعي لتكريس الانفصال والاتجاه إلى تبني انقلاب تقوده اللجنة العسكرية، وتم ذلك في فجر يوم 8 آذار 1963 بعد غدرهم بحلفائهم من الضباط الناصريين، وبعد أن استولى حزب البعث على السلطة، أعيد الأسد إلى الخدمة العسكرية من قبل صديقه ورفيقه في اللجنة العسكرية مدير إدارة شؤون الضباط آنذاك المقدم صلاح جديد، ورقي بعدها في عام 1964 من رتبه رائد إلى رتبة لواء دفعة واحدة، وعين قائدًا للقوى الجوية والدفاع الجوي.
وبدأت اللجنة العسكرية بتعزيز نفوذها وكانت مهمته توسيع شبكة مؤيدي وأنصار الحزب في القوات المسلحة. وقامت اللجنة العسكرية في 23 شباط 1966 بقيادة صلاح جديد ومشاركة منه بالانقلاب على القيادة القومية لحزب البعث والتي ضمت آنذاك مؤسس الحزب ميشيل عفلق ورئيس الجمهورية أمين الحافظ ليتخلى بعدها صلاح جديد عن رتبته العسكرية لإكمال السيطرة على الحزب وحكم سوريا، بينما تولى الأسد وزارة الدفاع.
وبدأ هذا الثعلب الماكر مع لجنته العسكرية يتآمر على ضباط الجيش السوري من الوطنيين المحترفين غير المسيسين، والاستعاضة عنهم بضباط احتياط لا يمتلكون الخبرة ولكنهم يجيدون الولاء الأعمى، حتى إذا ما شنت إسرائيل عدوانها على سورية في 5 حزيران 1967 لم تجد أمامها جيشاً تحاربه فاحتلت الجولان والقنيطرة في ستة أيام بعد انسحاب هذا الثعلب منها، وكان في حينها وزيراً للدفاع، دون دفع أو مدافعة، وقد أصدر بياناً بسقوط القنيطرة ولما تسقط بعد، كما أصدر أمراً بالانسحاب الكيفي لأفراد الجيش السوري الذين راحوا يهرولون من الجبهة لا يلوون على شيء، مخلفين أسلحتهم التي كان بعضها لا يزال في صناديقه ودشمه وهنغاراته لم تر النور أو يزال عنها الشحم، وراح هذا الثعلب يتخلص من رفاقه الواحد بعد الآخر إلى أن وصل الدور إلى رفيقيه الأقربين "محمد عمران وصلاح جديد"، حيث تم اغتيال الأول واعتقال الثاني ليبقى في سجنه حتى وفاته، ويخلو لهذا الثعلب الميدان دون منافس وينفرد بحكم سورية بانقلاب قاده في 16 تشرين الثاني 1970، ويجعل من سورية مزرعة له ولأسرته وللمافيا التي اختارها كأفراد لتدور في فلكه وتسبح بحمده وتلعق تراب حذائه.
وذراً للرماد في العيون وتدليساً على السوريين والشعوب العربية شارك الأسد السادات في حرب تشرين/أكتوبر 1973 بهدف استرجاع الأرض التي اغتصبتها إسرائيل من العرب في حرب حزيران 1967، فعبرت القوات المصرية قناة السويس وحطمت خط بارليف ورفعت العلم المصري في سماء سيناء، أما قوات الأسد فقد انكفأت فارة إلى عمق الأراضي السورية أمام القوات الصهيونية التي وصلت إلى مسافة 54 كيلو متر من دمشق، لتصبح عاصمة الأمويين تحت رحمة المدفعية الإسرائيلية، لتتدخل أمريكا وتضغط على إسرائيل لتتوقف وتعقد فيما بعد اتفاقية فك الاشتباك مع الأسد، والتي تضمنت فيما تضمنت من بنود سرية أن يتعهد الأسد بحماية حدود إسرائيل الشمالية، مع تنازله عن 34 قرية وقعت بيد الصهاينة أثناء تلك الحرب المسرحية، ولتدخل مرتفعات الجولان في صمت كصمت القبور لنحو أربعين سنة فيما بعد لا يعكر الأجواء فيها أزيز رصاصة واحدة.
وعند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وقف هذا الثعلب الغدار إلى جانب صفوي قم ضد العراق لثماني سنوات أنهك خلالها الاقتصاد السوري وجعل الشعب السوري من أفقر شعوب المنطقة وفي مقدمتها تخلفاً وفساداً، دعماً لإيران في عدوانها على العراق.
ولم يكتف هذا الثعلب الماكر بما أفسد في البلاد وما أنشأ من قلاع أمنية تعدُّ على الناس حركاتهم وسكناتهم وأنفاسهم وتتدخل في أدق تفاصيل حياتهم، بل راح يستفز الناس بالتطاول على دينهم وأعراضهم وأموالهم ويضيق عليهم سبل العيش ويدفع بالوطنيين والأخيار والمثقفين إلى المنافي والسجون والمعتقلات، ويفتعل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، حتى إذا ما وصل إلى ذروة مقاصده ارتكب بحق المواطنين الآمنين المجازر والمذابح البشعة التي اقترنت باسمه ليحوز عن جدارة على لقب "جزار سورية"، فلم تخلو مدينة أو بلدة أو قرية من ارتكاب مجازره البشعة والتي توجت بمجزرة حماة الكبرى والتي قتل فيها ما يزيد على 30 ألف مواطن بين رجل وشيخ وطفل وامرأة وتدمير ثلثي المدينة وتسوية أبنيتها بالأرض، وتهجير ما يزيد على 300 ألف مواطن فروا من المدينة نجاة بأنفسهم، وكان ذلك في شباط من عام 1982.
وتقمص هذا الثعلب دور المدافع عن المقاومة وحمايتها ودعمها وتأييدها حتى إذا ما دخل لبنان بحجة وقف الحرب الأهلية تنكر للمقاومة الوطنية اللبنانية وفتك بالفلسطينيين وشتت شمل فصائلهم وألقى الوقيعة بين تنظيماتهم، ومن ثم إجبار منظمة التحرير على مغادرة لبنان وعلى رأسها الزعيم ياسر عرفات، وعمل مع طهران على قيام حزب اللات الطائفي الذي كان ولا يزال ذراع الدولة الصفوية في طهران، وجعل منه القوة الوحيدة في لبنان بعد أن جرد الجميع من أسلحتهم وعتادهم وفرق بينهم.
ولم يكتف هذا الماكر الغدار بكل الذي فعله بحق الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، ولم يرتو من كل هذه الدماء التي سفحها في تل الزعتر والكرنتيا والنهر البارد والبداوي وبيروت وطرابلس ودمشق وحلب وحماة، بل استنفر كل جيشه ليشارك في التحالف الثلاثيني الذي قادته الولايات المتحدة ضد الأشقاء في العراق.
وطوى الله صفحة عمر هذا الطاغية تلاحقه لعنات أرواح عشرات الألوف ممن طالت يده الباغية أعمارهم وقضوا على يده إما في مجازر ارتكبها أو مذابح دبرها أو معتقلات أو سجون اختفوا وراء قضبانها.

CONVERSATION

0 comments: