الحل الوحيد للمسألة السورية/ د. أفنان القاسم

 كل الأقلام التي دبجت مقالات المع والضد في المسألة السورية لم تبحث عن حل لها، وهي إن بحثت جعلت من إقصاء الخصم حلاً، وفتحت الأبواب على مصاريعها أمام استعمال كل الطرق، ومنها الأقصى تدميرًا، لتحقيق هذا الإقصاء. كان قلمي أحدها، وربما أول الأقلام التي دعت إلى "الحل الثالث" على الطريقة الجزائرية أيام حرب الاستقلال، يوم كان الشعار "سلمية" هو المدوي، فرفضته المعارضة آنذاك، ولكنها ما لبثت أن غرقت فيه حتى شوشتها، متأخرة، لهذا كان غرقها، بعد أن دُفعت إليه دفعًا ليسهل تصفيتها، وهذا ما خُيّل إلى البعض، فدوت أصوات الموت بدلاً من أصوات الحرية.
 كل المحللين السياسيين من محللي المع والضد لم يفهموا أن للظرف علاقة بالوضع السياسي الذي يتطور يومًا عن يوم، وأن المواقف بالتالي تتطور تبعًا لهذا الظرف أو ذاك، والظرف السوري اليوم يدفع باتجاه موقف عقلاني يُرضي الطرفين، علمًا بأني، في مرحلة أولى، كنت ضد النظام ومع المعارضة، وفي مرحلة ثانية، ضد النظام وضد المعارضة.
 الحل الذي أطرحه يأخذ بعين الاعتبار المأزق التاريخي للوضع السوري الراهن، وأنا أرى حلب ستالينغراد جديدة، وأنا أرى دمشق كموسكو على وشك الاحتراق، وأنا أرى درعا كفردان ثانية، ولكن أيضًا، وأنا أرى الشعب السوري بكل شرائحه وكل طوائفه وكل أعراقه، وهو يعاني من المحن ما لم يعان أحد، حل يحفظ للنظام ماء الوجه، وللمنتفضين الكرامة، وباعتقادي أنه الحل الوحيد الذي يَخرج بسوريا منتصرة مكرمة معززة لا غالب ولا مغلوب فيها.
 بسطرين أوجز الحل: على غرار الأسرة الحاكمة "كنج" في الصين، وامبراطورها "بووي" الذي تسنم العرش، وهو في الثالثة من عمره، يعين حافظ بشار الأسد رئيسًا لخمس سنوات يجري تجديدها ضمنًا من طرف ممثلي الشعب المنتخبين انتخابًا حرًا، يكون خلالها الرئيس الصغير (وأسرته كوصي) الضامن للدستور للقوانين للمؤسسات للحريات كافة، باختصار للمجتمع الديمقراطي، مجتمع تقوده الأغلبية البرلمانية وأداتها التنفيذية التي هي الحكومة.
 بشار الأسد يعلم تمام العلم أن الدعم الروسي-الصيني لن يكون أبديًا، وأن أقل تغيير استراتيجي في هذين البلدين يعني نهاية نظامه، وكذلك المعارضة تعلم تمام العلم أن الوصول إلى قصر المهاجرين لهو من الصعوبة ما يفوق كل خيال، وأن كل ما تفعله اليوم لهو أقرب إلى ما فعله سيزيف من قبلها.
 إذا وافق الطرفان على حلي هذا، وهما سيوافقان حتمًا، إذ ليس هناك من خيار آخر والمأزق كلي والتأخر وبيل العاقبة كالمراوغة، فسأحمل حقيبتي في الحال، وأذهب إلى دمشق دون أن أكون مفوضًا إلا من الشعب السوري نفسه لدى ممثليه الحقيقيين في الحكم والمعارضة داخل سوريا وخارجها، فلا كوفي عنان أنا، ولا الأخضر الإبراهيمي، ولا سيدي الخضر، ولا شكلة على ثدي ستنا الشيخة موزة. الكل يعلم تمام العلم انتمائي إلى لا أحد، والكل يعلم تمام العلم هيبتي العلمية وسمعتي الأدبية ونظافتي السياسية، كل همي إنقاذ الحبيبة سوريا الممزقة اليوم والموحدة المغردة الوضاحة علمًا وحداثة غدًا.
باريس الخميس في 2012.10.04

CONVERSATION

0 comments: