الميدان- القصر- العسكر/ عباس علي مراد

انتهت الجولة الأولى من المرحلة الانتقالية التي تلت الثورة المصرية التي تفجرت في 25 كانون الثاني 2011 واطاحت رأس النظام الذي حوكم بعض رموزه بما فيهم الرئيس السابق حسني مبارك الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة،وذلك للحفاظ على النظام والحد من تفككه كلياً .
تخلل تلك الجولة عمليات شد وجذب سياسي بين القوى الثورية والعسكر والأخوان المسلميين الذين تريثوا دخول الثورة في مراحلها الأولى.
العسكر الذين حكموا مصر منذ ثورة 1952 التي اطاحت الحكم الملكي لعبوا دور الضامن للثورة بينما في الحقيقة قاموا بما تمليه عليهم مصالحهم حيث يمسك العسكر نسبة 40% من الاقتصاد المصري بالاضافة الى النفوذ في مؤسسات وادارات الدولة الأخرى او حتى في القطاع الخاص.
شباب الميدان او شباب الفيسبوك والمتحالفين معهم من ناصريين وقوميين وعلمانيين والذين اشعلوا شرارة الثورة تراجع دورهم مرحلياً بعد خروج مرشحهم من الجولة الانتخابية الرئاسية الأولى ويجدر بالإشارة الى انهم حققوا نتائج مرموقة في تلك الجولة مما يؤهلهم للعب دور سياسي مهم في المراحل الانتقالية التالية من الثورة.
حبس المصريون انفاسهم قبيل اعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتي تم تأجيل اعلانها لاسباب محهولة او لعقد صفقات الى ان تم اعلان فوز مرشح الأخوان المسلمين الرئيس محمد مرسي على مرشح الفلول او العسكر آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك .
والمعروف ان المجلس العسكري استبق نتائج تلك الانتخابات بإجرائين مهمين لهما دلالتهما :
الأول: حل مجلس الشعب المنتخب من خلال قرار المحكمة الدستورية العليا الذراع القضائي للمجلس العسكري والتي كان الرئيس حسني مبارك عيت كل قضاتها.
الثاني: الاعلان الدستوري المكمل او الانقلاب الناعم الذي نفذه المجلس العسكري حيث صادر صلاحيات اساسية من صلاحيات رئيس الجمهورية مما جعل المجلس يملك سلطة اعلى من سلطات المؤسسات المنتخبة التي يجب ان لا تخضع لسلطة اعلى منها حسب استاذ العلوم السياسية بجامعة الاسكندرية عبد الفتاح ماضي.
اكتملت فرحة جماعة الاخوان المسلمين باعلان فوز مرشحهم رغم مصادرة الصلاحيات، وهذا دليل آخرعلى البرغماتية السياسية للأخوان من حيث الانحناء امام عاصفة العسكر القضائية والدستورية تجنباً للعاصفة الامنية، حيث ان الود مفقود تاريخياً بين الاخوان والعسكر الذين حاربوا الأخوان منذ ثورة الضباط الأحرار في عام 1952 الذين حرموهم من العمل السياسي بعد تأمرهم على نظام الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك من خلال فرض الحظر على نشاطاتهم حتى اواسط السبعينات حين سمح لهم الرئيس انور السادات بالعمل السياسي لمواجهة القوميين والناصريين قبل ان ينقلبوا عليه ويغتالوه اثناء عرض عسكري لمناسبة ذكرى حرب تشرين عام 1981 حيث اعاد خلفه حسني مبارك سياسة القمع والاعتقالات التي طالت اغلب رموز الجماعات الاسلامية بما فيها الاخوان المسلمين.
من هنا الى اين؟ وما هي اهم السيناريوهات المستقبلية للمرحلة او المراحل القادمة من الفترة الانتقالية من الثورة المصرية؟
في 30 حزيران الماضي اعلن الرئيس المصري الجديد ولادة الجمهورية الثانية بعد خطاب القسم امام المحكمة الدستورية العليا، مشدداً على الديمقراطية الحقيقية، والدولة المدنية الوطنية والدستورية الحديثة، وغازل القوات المسلحة من خلال الاشارة بدورهم الداخلي في هذه المرحلة وتعهده بعدم المس بحقوقهم لكنه مرر رسالة للعسكر من خلال قوله: ان تقبله مسؤولية الرئاسة "يجلعه مسؤولاً عنهم"، وكان سبق ذلك رسالة اخرى موجهة للعسكر من خلال اداء القسم الرمزي الذي القاه مرسي في ميدان التحرير، وقد ادان الرئيس مرسي النظام السابق لتفريطه بالأمن القومي المصري الذي اتى على حساب دور مصر وتقزيمه.
من جهته مد المجلس العسكري اليد للرئيس الجديد حيث قال المشير محمد طنطاوي"إن القوات المسلحة ستقف مع الرئيس الجديد المنتخب من الشعب واعتبر ان مصر تعيش ميلاداً جديداً لمرحلة ديمقراطية حديثة... واضاف ان المجلس العسكري "ليس بديلاً من الشرعية التي يرتضيها الشعب" حسب جريدة النهار البيروتية الأحد، 1 تموز2012.
واعتبرت بعض القوى الثورية ان قبول الرئيس اداء القسم امام المحكمة الدستورية "اعتراف ضمني بالاعلان الدستوري المكمل" وكذلك بحل مجلس الشعب، ذلك انه جرى العرف ان يؤدي الرئيس المنتخب اليمين امام مجلس الشعب.
اذن المرحلة الماضية فرزت ثلاث قوى سياسية اساسية هي القوى الثورية المتمثلة بشباب الميدان، الاخوان ممثلين بالقصر او الرئاسة والعسكر ممثلاً بالمجلس العسكري.
عليه سواء كان هناك اتفاق صمني بين الاخوان والعسكر لتقاسم السلطة ام لا ،فإن مسار العمل في المرحلة التالية سيظهر الى العلن من خلال الممارسة التي ستظهر التباين سواء في الاسلوب او المقاربة والحدود المسموح العمل بها لكل فريق خصوصاً الممسكين بالسلطة واول التجارب سيكون تشكيل الحكومة الجديدة وما هي الحصص التي سيطالب بها كل فريق .
وقد رأى محمد بريك الخبير بالعلاقات المدنية العسكرية ان هناك ثلاث سيناريوهات ستحكم العلاقة بين الاخوان والعسكر.
الاول: هو وجود تفاهم بين الطرفين.
الثاني: وهو المرجع لدى بريك، فيتمثل في الصدام بين الاخوان والعسكر.
الثالث: فيتخلص في احداث حالة من الضغط الشعبي والثوري ورفض العملية السياسية كلها.
هنا نخلص الى ان المساكنة السياسية رهينة بدور كل فريق فالعسكر حددوا اولوياتهم والتي اصبحت معروفة ،ام الاخوان فأمامهم فرصة تاريخية لنقل مصر التي تراجع دورها الى مصاف الدول الاقليمية الفاعلة واثبات ان الاسلام لا يتعارض مع الحداثة والديمقراطية او السير على خطى الاسلاميين في كل من تركيا او ايران او السعودية او بناء النموذج المصري الذي يشكل حالة طلاق مع النماذج الثلاثة الأخرى.
ام القوى الثورية الاخرى والتي لن تعود الى داخل القمقم بعد ثورة 25 كانون ثاني 2011 فإنها صوف تراقب الطرفين الأخرين لتحديد تحركاتها في المرحلة القادمة.
واخيراً لا نريد اغفال التأثيرات الخارجية والتي لا شك لها دورها، وطبعاً الذي يتماشى مع مصالح الدول او المؤسسات التجارية والمالية الكبرى المؤثرة.
ونختم بالقول هل سيتمكن الجيش والاخوان من تغيير انطباع الشعب المصري صاحب الشعار الشعبي المعروف "اتنين ما لهمش امان الجيش والاخوان"

CONVERSATION

0 comments: