فلا بُـدَّ أن يَسجيـبَ القَـدَر/ مهندس عزمي إبراهيم

قال الشاعر الفنان والحكيم الفيلسوف اللبناني العالمي جبران خليل جبران: "يقولون إذا مررت على العبد وهو نائم لا توقظه ولا تحدثه عن الحرية، ولكني أقول إذا مررت على العبد وهو نائم سأوقظه وسأحدثه عن الحرية."
وقال شاعر الحرية التونسي الشاب أبو القاسم الشابي: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر."
عَبْـرَ تاريخ مصر المتأصل بجذوره في أعماق الوجود، اِتَّصَف المصريون من أي دين ومن أي مذهب وأي ملة، وحتى مَن بلا دين ولا مذهب ولا ملة.. أتصف المصريون بالطيبة والبساطة والسماحة والبشاشة والحكمة والروح الطيبة وخفة الدم وحسن الطباع وحسن الخلق وحسن الظن وتوقع الخير والجد في العمل والوفاء للوطن والولاء للحاكم واحترام الإيمان بتعدد عقائده.  شهد ويشهد بذلك العالم كله مشرقه ومغربه، مدعَّماً في كتب ومراجع ومستندات ووثائق تاريخية، وفي دراسات وأبحاث اجتماعية وعرقية وسياسية.  كما  دُرِّسَ ذلك ويُدًرَّس في مدارس وجامعات ومحافل شعوب العالم أجمع، حتى من احتل مصر وظلم المصريين منهم.. وكما تشهد بذلك الدول الأجنبية المعاصِرة، شرقية وغربية، التي هاجر إليها ويعمل ويعيش بها خيرة المصريين حالياً... مع بعض الاستثناء.
صفات المصري الأصيل من أروع وأنقى الطبائع البشرية، أولا لأنه نشأ على أرض طيبة خصبة مدرة للخير والخضرة والنعمة والعديد من الطيبات فامتلأت نفسه بالرضا والأمان. وثانياً لأنه يعتز بتاريخ حضاري رائع لا مثيل له في العالم.  وما زالت بقايا هذه الصفات الطيبة موجودة عميقة في ملايين المصريين. ونجدها واضحة "مكتمـلة" في قرى مصر، شمالها وصعيدها، بين فلاحيها وعمالها الكادحين وفي البيئات البكر التي لم تُلـوَّث بالأحقاد العقائدية المُحَرَّفة والمتطرفة السوداء، والتي لم تدوسها أقدام المتشددين المتطرفين وميولهم الصفراء.  لكن للأسف، تلك الصفات الروائع ما بقي منها في مصر صار أقل بكثير مما كان.. والسبب في ذلك هو نشر التعاليم الدينية المشوهة والتي ليس فيها من حقيقة الدين وحلاوته أثـر!!!
بطيبة المصري وبساطته، وَثَقَ فيمن يتشدق بالدين، ومن يغرد وينشد ويلحن ويفسر ويفتي ويستغل آيات الدين. ظن المصري الطيب أن كل من يتظاهر بالدين ويتغنى بنغمة الدين ويحمل كتب الدين ويرفع شعار الدين.. متدينــا، ووكيلاً لله على الأرض!!  وما هؤلاء إلا سماسرة الدين ومُسَيِّسيه والمنتفعين من ورائه، خادعي الشباب ومقيديهم بقَسَم الولاء لغير الله والوطن، وخازني وحاملي ومستعملي المتفجرات الأسلحة الثقيلة النارية والبيضاء موجهة لا إلى عدو الوطن بل إلى أشقائهم بالوطن من أي عقيدة وملة ومذهب، لا لهدف إلا لتمكين أقدامهم على بساط الحكم، وتمكين مؤخراتهم على كراسي السلطة، والاستبداد بخير مصر دون أبنائها العاملين الكادحين الأحرار.
والأدهى من ذلك والمُشين أنهم يستعينون بزمرة مأجورة مغرضة مرتزقة من شيوخ النفاق وسماسرة الدين. هؤلاء بدورهم، بدلا من الحث على التآخي بين الموطنين وتعليم الأخلاق وحسن التعامل بين الناس واحترام القيم الإنسانية ينادون في الجوامع والمنابر والمجامع والفضائيات والصحف بالقتل والقتال والجهاد والفوضى وكره الآخر وعدم احترام المنشئات الوطنية والمقدسات حتى من نفس الدين.
انصرف رجال الدين عن واجبهم الذي يفرضه عليهم الدين، إلى سياسة وسلطة ومناصب ومصالح وتجارة، واستغلال البسطاء وابتداع الفتاوي.  فنزلوا بنا وبشبابنا ومجتمعاتنا إلى حضيض عميق. نزلوا بالمصري وبمصر إلى مستوى لم تصل مصر ولا المصري إليه حتى تحت نير أي مستعمر غاشم جبار. ولماذا العجب!!  فإذا كانوا هم أنفسهم على سوء من الخلق والانغماس فيما يشين من جنس وفساد وارتشاء وبذاءة ونفاق وغيره... فكيف لا يخدع بهم المصري الطيب البسيط ويتخذ منهم بعض الجهلاء قدوة.
لم يتصور المصري الطيب البسيط أن الذين أعطاهم ثقته وصوته الانتخابي (رغم الشكوك) وأجلسهم علي كراسي حكم مصر يعقدون اليوم الصفقات المشبوهة مع من كانوا يدعون دائماً أنهم أعداء مصر. يقسمون الوطن جغرافياً ومفاصلا وطوائفاً، ويسرقون مؤسساته وخيراته، ويقتلون حرية التعبير ويتهمون من يكتب الحق بالتكفير والزندقة والخيانة والعمالة، وهم الخائنون. ينعمون بخيرات مصر وتمويل "الأجانـب" من الشرق والغرب المغرضين المخططين لتفتيت مصر، ويتركون المصري الأمين في فقر وجوع وضيق وبطالة وقمع وفوضى وخوف ورعب. لم يكن يتصور المصري البسيط أنهم عُتاة غِلاظ لا يأبهون بإنسانية أو وطنية.. أو بدين!!
هؤلاء من يدعون التدين ويسجنون النساء في حجاب ونقاب وبرقع ودواليب ويحتفظون بهم أوعية للشهوات، ويرفضون التعامل مع شركاء الوطن المؤمنون بالله وبالوطن حتى من نفس دينهم، يسعى منهم من يقوم بعمليه تجميل أنفه ويحرم على النساء تجميل وجوههنَّ، أو حتى إظهار وجوههنَّ وشعورهنَّ التي أهداها الله لهنَّ، وأقصد أيضاً شعورهنَّ أي مشاعرهنَّ وأحاسيسهنَّ كبشر لهنَّ من العقل والرأي والعاطفة ما للرجال، بل ما يفوق ما لدى الكثيرين من الرجال.. هؤلاء من يدعون التدين يدعون بنكاح الوداع ونكاح الأطفال وارضاع الكبير، وأحديثاً جواز تقديم المسلم أمه وأخته وأبنته بل وزوجته للنكاح من شخص آخر (الشيخ أبو حسان هذا الأسبوع) ، وبتحريم مجالسة الأب لإبنته وما شابه ذلك، ويقومون هم بالفعل الفاضح علناً في كل مكان حتى في الطريق العام... وغير ذلك كثير.
مصر، في عصر نهضتها المشرفة في النصف الأول من القرن العشرين (الفترة اليتيمة في الـ 1400 عام تحت الحكم الاسلامي) كانت مسلمة متدينة ديموقراطية مدنية حرة، مزدهرة بالإسلام الحقيقي المتعايش مع البشرية والمتوافق مع الحضارات الراقية المبدعة  الحديثة، بما نسميه اليوم "الاسلام الوسطي" الهاديء السمح الرزين، والمحترم من كل الأديان والشعوب. كانت مصر خالية من قوى وشيوخ النفاق وتجار الدين الداقين طبول الحرب والناعقين بالحقد والفساد والتمييز والتكفير والتدمير. كانت خالية من تيارات الأخوان والسلفيين والوهابيين والجماعات المسلمين والمتأسلمين الارهابيين المتشدقين بالدين وزمرة الشيوخ والفتاوي التافهة.  كانت مصر في حِمى الأزهر الشريف القوي معقل الإسلام، والإمام الشيخ محمد عبده سند الإسلام، وزعيم الشعب سعد زغلول خريج الأزهر، ومصطفى كامل ومحمد فريد وطلعت حرب وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومصطفى لطفي المنفلوطي ومحمود مختار، وغيرهم من أبطال الدين والسياسة ونجوم الاقتصاد والعلم والفن والابداع، حتى عصر مصطفى النحاس، ثم عصر جمال عبد الناصر. وكانت السيدة والفتاة المصرية، مسلمة ومسيحية، موظفة وطالبة، فلاحة وبنت بلد وست بيت لا محجبة ولا منقبة ولا مقنَّعة ولا مخفية "متكلفتة" كالعفريت الأسود.  كنَّ في سفورهنَّ محترمات. عندما كانت مصر كذلك لم يكن بها مثل هذا التحرش الجنسي السائد اليوم وسوء الأدب والفساد والصياعة والضياع والفوضى والهبوط الأخلاقي تحت مظلة التدين المزيف "المستورد"الجاثم على صدر مصر.
بدلا من تعليم الأخلاق وحسن التعامل واحترام القيم الإنسانية في الجوامع والمجامع والمواقع والمنابر والفضائيات والصحف، ينادي "شيوخ النفاق" و"سماسرة الدين" بالقتل والقتال والجهاد والفوضى وكره الآخر وعدم احترام الأديان الأخرى التي أوجدها "اللـــه الخالـــق" في العالم. فماذا نتوقع.. لقد نصب رجال الدين من أنفسهم آلهة ووكلاء لله، وانصرفوا عن واجبهم الذي يفرضه عليهم الدين إلى أطماع سياسية وسلطة ومناصب ووظائف وتجارة وابتداع الفتـاوي.. فنزلوا بنا وبشبابنا ومجتمعاتنا وبتعليمنا وبوطنا إلى الحضيض. ومن ناحية أخرى، إذا كانوا هم أنفسهم على سوء من الخلق والانغماس فيما يشين من جنس وفساد وغيره... فلا عجب أن يقتدي بهم بعض الشباب والرجال بل وبعض النساء.
فيا أبناء مصر الطيبين البسطاء الأحرار.. رجال ونساء، شباب وصبايا، فلاحين وعمال وكتبة ومهنيين ورجال أعمال.. هبوا واتحدوا وحدة وطنية وجبهة واحدة مقدسة مع الجيش والشرطة والقضاء والاعلام النزيه لإنقاذ مصر من تحت كابوس الظلم والاستبداد، واستعيدوها من براثن الذئاب الذين لا يهمهم مصر ولا صالح أبنائها من قريب أو بعيد.
يا بني مصر الطيبة: أعداؤكم قوم لا يعرفون حدود.
** قوم يتشدقون بالدين وهم أبعد الناس عنه.
** قوم يتظاهرون بأنهم جنود الله، وهم سلطويون مستبدون أقرب إلى الشيطان منهم إلى الله.
** قوم غافلون عن العدل والحق.. والعدل والحق إسمان من أعظم وأقيم أسماء اللـــه.
** قوم غافلون عن مباديء الإنسانية، والإنسانية هي جوهر الدين وأساسه الصلد، التي أرسى الله عليها قواعد الدين وقوائمه.
** قوم لا يعملوا لوطنهم ولا للآخرين.  فهم لا يزرعوا ولا يصنعوا ولا ينتجوا ولا يبدعوا، ولكن يعيشون عابثين بالوطن مشيعين للفوضى سالبين لحقوقنا وعرقنا ورغيفنا وأرزاقنا، مُرَفَّهين مُنَعَّمين بدخولهم السخية من مموليهم ومستأجريهم الأجانب، عُربٌ وغُربٌ.
** قوم لا يضيرهم اليوم أنين وآلام وضيق المصري الفقير والجوعان والعاطل والمريض والمجروح، ولا دموع اليتيم والثكلى والأرملة.  غير مدركين أن بعد اليـوم غــد، وأن الغــد وَلادٌ لأبطال الشعوب حاملي شعلة الحرية سواء بيضاء أو حمراء.
يا أخوتي أبناء مصر...
بئس من يظن أنكم عبيد نائمين غافلين هامدين.. لقد وجب الانتفاض وسحب الثقة ممن لم يصونها، وسحب حسن الظن ممن هو ليس أهلٌ لحسن الظن. لقد حَقَّ اليوم بل الساعة أن نطالب بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة والعيش والأمان لنا ولمصر، واالتخلص من المغتصبين والمغرضين والانتهازيين والمتاجرين بدماء الشباب وحرية العباد وكرامة الأوطان
ولا بد... لا بد أن يستجيب القدر.
مهندس عزمي إبراهيـم

CONVERSATION

0 comments: