احمد القبانجي في ميزان الحداثه وتأثيره على المجتمع العراقي/ احمد البياتي

بادئ ذي بدء أتمنى على القارئ لهذه السطور أن يترك أي فكره مسبقه سواء كانت مؤيدة أو معارضة لما يطرحه أحمد القبانجي ويقرأ السطور بروح الباحث المحايد الذي لا يرضى غير العقل حكماً وعليه أن يعلم أن هذه السطور لم تكتب دفاعا عن الإسلام أو عن مؤسسة معينة فالإسلام بنظري أعز وأكرم من أن يقلل من شأنه المتطرفون سواءاً كانوا اسلاميين او ملحدين او متصيدين، والمؤسسات تستطيع ان تدافع عن نفسها بنفسها إن كانت تسمع وترى وتتكلم !!! ولكن كتبت للأسباب التي ستعرفها حال قرائتك السطور.
ميزان الحداثه :
الحداثة مفردة تم استخدامها لاول مرة في القرن الخامس الميلادي للتمييز بين الحقبة الوثنية والحقبة المسيحية، لذا هي ببساطة تعني التخلي عن الماضي القريب لصالح بداية جديدة واعادة تفسير الأصل التاريخي ليتلائم مع هذه البداية الجديدة. الحداثة أمر متشعب كتشعب الحياة، فهناك الحداثة على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الديني وعلى المستوى الهندسي والإداري وعلى مستوى البنية التحتية وعلى مستوى التقاليد وهكذا إلى ما لا نهايه.
السؤال هو ما علاقه أحمد القبانجي بالحداثه؟ الجواب أن  ما يطرحه أحمد القبانجي محصور بالاتجاه الديني فهذا يعني أن طرحه لن يغيّر الواقع الثقافي أو الإداري أو الخدماتي أو القوانين وغيرها من الأمور التي هي أساس أي مجتمع متطور فلدينا تجارب مثل أوربا وأمريكا واليابان كل مجتمع له توجه ديني مختلف عن الأخر تماماً ولكنّهم يجتمعون بكونهم في رياده العالم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً نتيجة المنظومة التي تدير هذه البلدان التي هي إلى حد كبير متشابة، أطروحه أحمد القبانجي محصوره فيما يمكن تسميته الحداثة على المستوى الديني  وهنا  يجب الالتفات إلى الفرق الكبير بين الأطروحات الإصلاحية التوضحية التي قادها ويقودها  كبار مفكري المسلمين أمثال الدكتور علي شريعتي والدكتور فرج فوده والدكتور عدنان ابراهيم وجمال الدين الأفغاني وغيرهم الكثير  وبين  أطروحه أحمد القبانجي  الحداثوية والمؤلفه من ثلاثه محاور :
الأول: محور يتفق الجميع عليه وهو عدم الرضا عن أداء المؤسسات الدينية القائمة بشكل عام وهي انتقادات واعتراضات موجودة على لسان الجميع وأنا كإنسان علماني في اول قائمة المنتقدين ولا خلاف في انتقاد الممارسات الخاطئة.
الثاني: محور لا قيمة فعلية عملية او عقلية له وإنما مجرد وسيلة لتقوية المحور الثالث، فمثلاً عندما يقول أن اليابان تطورت لأنّها لا تتبع الشريعة الاسلامية وبالتالي الشريعة مضرة ولا قيمة لها، هذا الكلام لا يمكن أن يقنع أي مثقف أو أي شخص عادي لديه اطلاع بسيط على أسباب تقدم الدولة المتحضرة ومن ضمنها اليابان وهو كلام لا يستحق الرد أو الوقوف عنده.
الثالث: وهو المحور الأهم الذي يبلور فكرة أحمد القبانجي الحداثوية وهو محور ضرب الإسلام ومبادئه بالخصوص دون سائر الأديان لقله معلوماته بها كما واضح عندما يتكلم عن المسيحية مثلاً (التقى أحمد القبانجي قبل فتره بأحد رجال الدين المسيحين وقال له بالحرف أن العلاقة في المسيحية هي علاقة بين الأب والابن وهذا أفضل من العلاقه في الإسلام التي هي بين العبد والمعبود، وهذا كلام من لا يفقه شيئا عن المسيحية، حيث أن عيسى حسب المفهوم المسيحي يعتبر ابن حقيقي لله وليس ابن على المستوى المعنوي وعلاقته بالله تختلف عن سائر البشر فهو ابنه الوحيد أما سائر البشر فهم نتيجه علاقه بين الرجل والمرأة).
أحمد القبانجي يستغل التعاطف الذي يحصل عليه نتيجة كلامه في المحورين الأول والثاني وبالتالي هو يستغل عدم الرضا عن الأداء الحالي وهو أداء متخلف بطبيعة الحال للمؤسسات الدينية لتمرير المحور الثالث وعمله هنا يشابه إلى حد بعيد استغلال القوى السلفية لعدم الرضى في الشارع العربي عن أداء الحكام وتوجيهه بالاتجاه الذي يخدم أجنداتهم الدينية والسياسية بعيداً عن حاجات مجتمعاتهم الاقتصادية والإدارية والحضارية.
هذه المحاور الثلاثة لا تطرح أي فكر ممكن أن نقول عنه حداثة فالمحور الأول هو فكر انتقاد ومطالبة بالإصلاح وهي مطالب يتفق عليها الجميع، أما المحور الثاني فهو بعيد كل البعد عن الحداثة وبالرغم من عدم اهميته إلا أنه يساهم في زيادة غفلة المجتمع عن أسباب تخلفه على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي فبدلاً من أن يهتم بتوجيه الناس في سبيل إصلاح أحوالهم عن طريق اتباع الطرق العلمية الحديثة في الإداره والإنتاج و تطوير الجامعات فإنّه يوجههم إلى نبذ إيمانهم ويطلق شعارات مثل "لقد آن الآوان لوضع الشريعة الإسلامية في متحف التاريخ" فيجيبه أحد أتباعه في "مزبلة التاريخ " ويجيب الأخر " هذا ما أكدته الوقائع من خلال تعارضها مع الحداثه "!!!! أبمثل هذا الكلام تبنى الدول ويحارب الفساد؟ وكل منصف يعلم أن الإيمان بالدين الفلاني من عدمه لا علاقة له بتقدم الدول من تخلفها والدول المتقدمة كلها شاهد على ذلك، أمّا المحور الثالث فهو أيضا لا علاقة له بمبادئ الحداثة التي تعني استبدال القديم بشي جديد  لأنّه يقدم بديلاً واضحاً عن القديم في حين أحمد القبانجي فكر مشوش غير واضح المعالم ولليوم يحتار من يستمع له ولا يعرف بماذا يؤمن أحمد القبانجي وكيف يستدل على إيمانه و اعتقاده فهو يكثر من كلمات كنت مخدوعاً ولا نعرف كيف نثبت أنه ليس مخدوعا اليوم بما يطرحه من افكار حول ربه؟ أما كلامه بأسباب تقدم الدول وغيرها فهو بالتأكيد مخدوع ويهرف بما لا يعرف، فاليابان التي تكلم عنها أحمد القبانجي لم تتطور وتتقدم بسبب نبذها لإيمان أفرادها أو الاستنكار لتراثها الديني وإنما اليابان كدولة وجدت نفسها محطمة بعد الحرب العالمية الثانية فكان الحل الوحيد هو تطوير منتوجاتها  لتجد قبولاً في مختلف دول العالم الامر الذي يمكنهم من خلاله بيع منتوجاتهم وشراء الطعام وتم ذلك بخطوات علمية مدروسة لم تبدأ بنبذ الدين والتراث وانتقاد إيمان اليابانين وإنّما بدعوة الدكتور الامريكي "منغ" أحد رواد إدارة الجوده الشاملة ومن تلك اللحظة بدأت ريادة بضائع اليابان في مجال الجودة والموضوع يطول ولا مجال للاسهاب ولكن ببساطه الحداثه بطبيعتها تتطلب فكر واضح المعالم لتجاوز الفكر القديم وهذا غير متوفر في أطروحه احمد القبانجي المشوشة فالحداثة ليست مجرد انتقاد أجوف للموجود وإنما توفير بديل ذو مميزات واضحه ودلائل أكثر اقناعا من السابق.
فكر احمد القبانجي  و المجتمع العراقي
تأثير فكر أحمد القبانجي على المجتمع العراقي لا يختلف كثيراً عن تأثير أي فكر متطرف فلا أعرف ما الفرق بين التكفيري الذي يهاجم قيم الشعب العراقي بالقول والفعل  وبين أحمد القبانجي الذي يقول "محمد كان يكثر من الزواج لرغبته في الحصول على ولد يخلفه في الحكم" أو "الحوزه أسوأ ظاهرة اجتماعيه" فإذا كان الفكرين متفقين في التطرف فأن الفرق بينهما هو إمكانية الفعل، فعدم الفعل هنا يعزى إلى قلة أتباعه ولنا أن نتصور لو أن صدام سمع بفكر أحمد القبانجي أو كَثُرَ أتباعه فما ستكون النتيجه!!! أحمد القبانجي  يوجه مشاعر الطبقة الشعبية المعترضة على أداء المؤسسات الدينية و المؤسسات الحكومية ذات الطابع الديني باتجاه لا يقدم أي حلول فعليه تساهم في القضاء على الفساد والتخلف الإداري والاقتصادي ولنا أن نتصور لو أن احمد القبانجي يقول ما يقوله اليوم في زمن لم يكن للمؤسسات الدينية هذه السطوة في الخمسينيات أو التسعينيات من القرن الماضي فلن يكون لكلامه أي صدى لأن المشكلة كانت في الانظمة الحزبية والعسكرية وليس كما هو الحال اليوم  وهذا دليل آخر على أن كلامه لا علاقه له بطرق تقدم الدول حيث كلامه موجه الى عامل واحد فقط  وهو العامل الديني. باختصار شديد كلامه وجد قبولاً لانه اوجد منفذاً للتعبير عن الغضب وعدم الرضا الشعبي ولكن هذا المنفذ خطير على المجتمع العراقي لسبيبين :
أولا: هو لا يقدم أي حلول لواقع الفساد وتردي الخدمات بالعكس هذا التوجه يدير أعين الناس عن المشكله الحقيقه المتمثلة بتغلغل الفساد تحت ستار الدين اليوم وحزب البعث بالامس والملكية قبل الأمس إلى مؤسسات الدولة نتيجه غياب المؤسسات القانونية والادارية والرقابية الفاعلة. وبالتالي إشغال الناس في صراعات جانبية هي أبعد ما تكون عن توفير الحلول لمشاكلهم والأمثله كثيرة ومنها ما كتبه أحد المقربين منه تعليقا "على صورة امراءه عراقيه تبحث في القمامه حيث قال بالحرف "أنها تبحث في اكوام العمامه" عازيا هذه الحالة الاجتماعية إلى العمائم ولا أدري ما سيكون تبريره لو رأى نفس الصوره في عراق صدام حسين او في روسيا أو أمريكا وهي موجودة. الحل لهذه الظواهر لا يتأتى بترك الدين او تطبيق الشريعة ولا يتأتى بصلاح الحاكم أو صلاح الرعيه وغيرها من الشعارات والتشويشات وإنما الحل هو بنظام الحكم المقنن والمنظم والذي يحاسب الحاكم والرعية إن أخطئوا او تجاوزوا وبتوفير نظام إداري وقضائي ورقابي و ضمان اجتماعي متكامل بغض النظر عن إيمان الرعيه او الحاكم.
ثانيا: هو يزيد من تفكك المجتمع العراقي حيث بالإضافه إلى الطائفيين والخارجين عن القانون هو يعمل على إبراز طابور جديد غاضب على الدين الذي يمثل عقيده الكثير من العراقيين لانه يعتقد أن سبب عدم تطور العراق كاليابان هو الشريعه و هذا الغضب سيوجه باتجاه من يؤمن بهذا الدين بالضرورة لأن الدين ليس شخصاً معنوياً وبالتالي زيادة تنافر شرائح المجتمع بإضافة بُعدٍ جديد بالإضافه إلى الأبعاد المذهبية والقومية الموجودة.
لا بد من الإشاره ايضاً إلى أن بعض من يمجّد ما يطرحه القبانجي هم من المعروفين مجتمعياً بابتعادهم عن الدين وممارساته قبل القبانجي بكثير ونتيجة لأنهم يعيشون في مجتمع يهوى إطلاق الأحكام على الأخرين بمناسبة وبغير مناسبة الأمر الذي وضعهم تحت ضغط عائلي ومجتمعي دائم وخصوصا مدمني الكحول منهم، فإذا بهم يستمعون لشخص معمم يزيل هذا الضغط على الاقل نفسياً وليس هذا فقط وإنما يجعل من تصرفاتهم قمة الحضارة والإنسانية والسبيل الوحيد إلى انقاذ العراق من مأزقه وقبل ذلك يخرجهم من مأزقهم مجتمعياً على الأقل أمام أولادهم وزوجاتهم  فكيف لا يتّخذه هؤلاء صنماً و مفكراً لا نظير له ولا مثيل له.
لا بد من الإشارة إلى أن أحمد القبانجي كذلك يعمد إلى ما يعتقده البسطاء او السائد مجتمعيا وليس دينيا ليلصقه بالدين ومن ثم ينكره على سبيل المثال قوله تعالى (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) يقول أحمد القبانجي أن المسلمين يعتبرون هذه الآية إعجازاً علمياً ولكن هذا غير صحيح لان الآية ما هي إلّا إقرار بأنّه لا يمكن الفرار من حكومه الله ... وهنا أحمد القبانجي يصور نفسه بأنه المصحح والمكتشف لأخطاء المسلمين ولكن المفاجأة أن كل التفاسير تشير الى هذه الآية تؤكد ما ذهب إليه أحمد القبانجي، إذاً من أين آتى أحمد القبانجي بمقوله أن المسلمين يعتبرون هذه الآية إعجازاً علمياً؟؟؟ إنّه فهم بعض الناس وليس فهم المختصين لها، إذاً هو يشير إلى فهم بعض الناس ويلصقه بالدين ثم يستنكره ومن ثم وهنا الطامه الكبرى لا يشير أن مفسيرين الاسلام ايضا يذهبون الى رأيه. ولابد أن أشير هنا أن رأيي الشخصي هو أن الآية تؤكد أنه لا يمكن الفرار من حكومه الله ولكن في نفس الوقت اجدها لا تخلو من الاشارة الى إمكانية النفاذ من اقطار الارض والسماوات بلسطان فالآية تحمل المعنيين.
الخلاصة:
اولا :السطور أعلاه ليست لتكميم الأفواه وإنما جزء من منظومة البحث العقلي والمنطقي وحرية الفكر وحرية انتقاد أي فكر مطروح على الساحة.
ثانيا: ليس كل من ينتقد الدين مثقف والعكس صحيح.كما ان ليس كل من ينتقد الاديان متطرف كالقبانجي والعكس صحيح .
ثالثا :ما يطرحه أحمد القبانجي لم ولن يقدم أي حلول لواقع العراق السياسي أو الاقتصادي وعلى المهتمين بالشأن العراقي فعلاً الاشتغال على دعم وإقرار القوانين والأساليب العالمية التي أثبتت نجاحها في الإداره والاقتصاد والسياسية…الخ، بعيداً عن الشعارات الجوفاء.
ما يطرحه أحمد القبانجي لا يمثل اي حداثة بالاتجاه الديني فالفكر المشوش لا يمكن أن يحل محل أي دين واضح المعالم.
رابعا:فكر أحمد القبانجي يسخر طاقات الشباب المنزعج من آداء المؤسسات الدينية الغير متطرفة، والمؤسسات الدينية التكفيرية لإنشاء فكر متطرف كرد فعل على ما موجود بالساحه الأمر الذي يزيد الطين بله.
خامسا: فكر أحمد القبانجي يستغل طاقات الشباب المنزعج من أداء المؤسسات الدينية المتطرفة وغير المتطرفة بشكل لا يخدم العراق ومستقبله فهو لا يوجه هذه الطاقات بالاتجاه الصحيح للعمل على دعم مسيرة العراق السياسيه والاقتصاديه ودوره هنا لا يختلف كثيرا عن دور المؤسسات الدينية التي ينتقدها هو ولكن نظرته المتطرفة قد تكون عاملاً في زيادة التنافر بين مكونات المجتمع العراقي بإنشاء طابور لا ديني متطرف.
سادسا :السؤال الذي لا يمكنني الإجابة عليه هو هل تأسيس هذا الطابور المتطرف اتجاه الدين ومعتنقيه في المجتمع  هو أحد مقاصد أحمد القبانجي أم هو ناتج عرضي.
سابعا :على المؤسسات الدينيه المبادره بإصلاح ذاتها بذاتها قبل أن تتحول إلى أحفوريات فكرية،
وعليها أن تتفاعل مع ما يطرح على الساحه بالرد والتوضيح .

CONVERSATION

0 comments: