من أدب أعوام الحصار/ د. عدنان الظاهر

 معروفة أعوام الحصار المضروب والمفروض على العراق خلال تسعينيات القرن الماضي وأوائل سنيّ القرن الحالي حتى الغزو وسقوط صدام حسين ونظام حكمه في التاسع من شهر نيسان 2003 .
عانى العراقيون جرّاء هذا الحصار ما عانوا حتى سمعنا بالأعاجيب وما هو أكثر غرابةً من أكبر الغرائب. لست بصدد التعرّض لتفاصيل تلك الأعاجيب فقد باتت معروفة لكني وددتُ أنْ أؤرّخَ لجانب منها من خلال ما كان يصلني من رسائل وما جمعتُ من رسائل وصلت إلى بعض المعارف والأصدقاء العراقيين تُفصحُ    عمّا هم فيه من ضيق وحاجة وعوز وما يطلبون من نقود وملابس وأدوية . أعرض هنا خُلاصات للبعض من هذه الرسائل التي تسرّبتْ إلى خارج العراق خلال الأعوام 1991 ـ 1996 . سأتحفّظ على ذِكر الإسماء لأنَّ أصحابها ( أو بعضهم ) ما زالوا على قيد الحياة. كما سأكتب هذه الرسائل بلغتها وبكلماتها كما جاءت دون أنْ أتدخّل إلتزاماً بمبدأ الأمانة وأحترام ذكرى الغائبين أمواتاً وأحياءً .. علماً أنها في المتوسط لغة جيدة في العرض والتعبير والقواعد.
الجزء الأول
الرسالة الأولى / 
بسم الله الرحمن الرحيم
السبت 28/12/1991 
أخي ..
تحياتنا وأشواقنا راجياً لكم دوام الصحّة .. صحتنا جيدة لله الحمد.
لم أذهبِ إلى (...) منذ مدّة تزيدُ على خمسة أشهر لعدم وجود سيارة عندي حيث بعتها لأكمل بناء المُشتمل المُرفق بالبيت واستقرضتُ مبلغاً آخرَ وعلى كل فقد أكملتُ بناءه وتسجيله في دائرة العقاري ( الطابو ).
أرسلُ لك مع رسالتي هذه تصويرين حسب طلبك ولو أنها قديمة ولكنها تفي بالغرض.
لم يتسنَ لي إبداء شُكري وتقديري لك على الهدايا المرسلة مع الأخ (...) وبالمناسبة إنَّ القاط كان خالياً من حذائه لستُ أدري هل نسيته أم تناسيته فهل تعتقد بأنه سأكون أفندي حافي أو تريدني أفندي ( مِن صُدُك ) ؟ فلا بأس إنْ وصلني منك حذاء جوزي قبغلي نمرة 43 حتى يكتمل الشمل ويدعو لك بطول العمر.
وختاماً تقبّلْ أحر الأشواق والأمنيات لك وللعائلة الكريمة واسلمْ.
أخوك / توقيع

رسالة أخرى
بسم الله الرحمن الرحيم
الإثنين 11/5/1992 
أخي العزيز
قبلاتنا وأشواقنا ونرجو لك الصحة التامة .. صحتنا جميعاً والعائلة والأهل جيدة.
في إحدى المناسبات جلس جنبي (...) فكانت ذكرياته معك ومع بعض الأصدقاء وخصَّ منهم دكتور (...) وطلب مني إبلاغك سلامهما وتحياتهما فأليك ما طلب مني مع الممنونية.
أخي ـ
ولدنا (...) في حاجة إلى بعض المساعدة فهلاّ أسديتها له وأكون شاكراً لصنيعكم وممتنّاً له ويكونُ فضل كبير في عُنقي حيث أنه يحتاج إلى تبديل جواز سفره وتأشير دفتر خدمته ( فحص سنوي ) وهذا يحتاج أيضاً إلى الحصول على ورقة عمل من السفارة مقابل ثمن بالعملة الأردنية 500 ديناراً تقريباً.
أنا لا أستطيع مساعدته بأي حال من الأحوال لظروفنا المادية والمعاشية الصعبة جداً جداً وأعتقد أنك تسمع بذلك.
أرجو أنْ لا تقطع الرسائل وإذا كان بالإمكان الإتصال بنا تلفونياً لسماع صوتك فلا تبخلْ علينا بذلك.
توقيع.

رسالة أخرى 
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمعة 31/7/1992 
أخي العزيز 
أشواقنا جميعاً فرداً فرداً وبلا إستثناء .. نحنُ بخير ...
إستلمتُ رسالتيك مرة واحدة في الأسبوع الماضي وأعتذر أنَّ ( ... ) أعاد إليك الحذاء الذي أرسلتَ لي عن طريقه لأنه لا يستطيع دفع الأجور الكمركية . وعلى كلٍّ فمَثَلنا الآن هو ( أنْ تسمع بالمعيدي خير من أنْ تراه ) فلنظلَّ في الإنتظار والترقب لذلك ( المشحوف / يقصد الحذاء ) العتيد علّنا نحظى به ويحظى بنا وبورك بك يالمركوب ( الحذاء ) الجديد السوجري ( يقصد الإنكليزي فلقد كنتُ حينذاك في بريطانيا ) !
شُكراً لوصاياك ( السكّرية ) ولو أني ملتزمٌ بها أشد الألتزام منذ عام 1983 ولكن بعض الأحيان أكون ضعيفاً تجاه بعض ( المواجيل ) وانزل دايف ( دايف كلمة إنكليزية لها علاقة بالسباحة ) حسب الأصول كما إني أهملتُ مدة طويلة إجراء الفحوص اللازمة وفجأةً اكتشفتُ تردّي صحتي فراجعتُ الطبيب الإختصاصي والتزمتُ بالحمية والآن حافظتُ على وزني 70 كلغم ونسبة السكّر قبل الفطور ما بين 100 ـ 110 وبعد الأكل تتراوح بين 140 ـ 200 وهي نسبة جيّدة ومع ذلك فإني مُلتزم بالرجيم وسأحافظ عليه إنشاء الله .
شكراً للهديّة وشُكراً لموقفك النبيل من (...) وهذا هو عهدي بك.
أكرر السلامات والتحيات من الجميع واسلمْ.
توقيع
ملاحظة : ما كانت زمن كتابة هذه الرسالة من عام 1992 ... ما كانت هناك أزمة وضائقة ونتائج الحصار لم تظهرْ بعدُ لذا كان مزاج كاتب هذه الرسالة رائقاً ممازحاً  يسوق النكات والطرائف . لكن بعد حين ستظهر نتائج الكارثة على غالبية العراقيين ومن خلال ما سأنشر من رسائل.
رسالة أخرى   
بسم الله الرحمن الرحيم
بغداد
الجمعة 24/12/1993 
أخي العزيز 
تحيات الجميع فرداً فرداً لكم جميعاً وأيضاً فرداً فرداً مع أطيب التمنيات .... وتساقط الثلج والبرد القارص.
إستلمنا بريدكم الحلو مع ما فيه ولكم ألف شكر ولا أقول ولو جاء متأخراً بعض الشئ ولا أريدك تنادي كما يغني مُغني البادية في شعره السويحلي :
يا ذيبْ ليش اتعوي
حالكْ مثل حالي !!
فهلاّ من قطعة شعرية تصف الحالة ولكنها شرطَ أنْ تكون تفاؤليّة تُدعّم المعنويات وتترس الجيوب الخاوية الهاوية على عروشها !!
أخي : ليست الحاجة إلى الحذاء فقط ولا إلى الدواء فحسب فالحاجة أكبر وأكبر ! وعلى كلٍّ أُكرر الشُكر والثناء على هذا الشعور الأخوي ويا ليت تبعث ما تستطيع من مواد ( أيّة ) مواد مع طارش وإنْ تعذّرَ ذلك الطارش فما خفَّ حمله وغلا ثمنه كما يُقالُ وأنت سيّد العارفين بقولي هذا .
ملاحظة : الفرق واضح بين وضعية ونفسية ومضمون هذه الرسالة والرسالة التي سبقتها فهي تعكس تدهور الأوضاع المعاشية للعراقين بعد مرور عام واحد وأكثر بقليل.
الرسالة الثالثة 
بسم الله الرحمن الرحيم
الأحد 13/3/1994 
أخي العزيز 
إلحاقاً لرسالتي المرفقة أودُ أنْ أُبيّن ما يلي :
1 وصلني بريد ( ... ) ومعه إستيضاحاتك التي سبقَ وأنْ أجبتُ عليها في تلك الرسالة التي كتبتها قبل إطلاّعي على الرسالة
2 تمّ الإتصال مع الأخ ( ...) أيضاً هذا اليوم وقرأتُ له مقطع الرسالة الخاص به حول التايرات والمركوب [ يقصد الحذاء ] ... والإجابة في الرسالة الأخرى..
3 وصل كلُّ ما أرسلته من الأول وإلى الآخر وحتى طرد الملابس فأرجو أنْ تطمئنَّ على ذلك ..
4 قصيدتك الرمزية حلوة ولكنْ الذئاب تعوي ليلاً ونهاراً تسرح وتمرح ... وتعوي .... إرجعْ إلى الماضي فالذئاب موجودة ولم تزلْ لماذا ؟ من المسؤول ... هل التاريخ وحده أم الناس ! ولماذا الناس ؟! مَنْ غَلبهم إلى هذا الحد الذي وصلوا إليه ؟! هل التبلّد أم هل المادة التي فتحت ولم تزلْ قرائحهم و ... و .... وعلى أية حال لا يزال الإيمان بكل شئ وفي كل شئ هو المحور المُعوَّل عليه لقلع الأسنان وعودة ليلى إلى حبيبها ... واسلم .
5 الطرد الأول وصلَ بسرعة فائقة و ( ... ) يوصيك به خيراً : جينز رقم 32 أبو النعلجة .
توقيع
الرسالة الرابعة 
بسم الله الرحمن الرحيم
بغداد الثلاثاء 9/4/1996 
أخي العزيز 
سلامٌ عطر وتحية وشوق وأرجو لكم دوام الصحّة
صحّتنا لله الحمد وأمورنا على الماشي ( أبراضة امشي براضة ) كما تقول الأغنية ...
أخي ـ شُكراً لطردكم الأخير وتمَّ استلامه وفيه ما تشتهي الأنفسُ وتلذ خاصةً الأسود والجوزي !! ولستُ أدري كيف خطر ببالك أنْ ترسلَ لي جاكيت أخضر وأنا لستُ من لابسي هذه الألوان ! وعلى كلٍّ تربّصَ له ( ... ) / ضرّتي حالياً وأبدله مع بلوز ست ( ... ) وهكذا كشخ به مع الحذاء الأسود وفانيلتين مع ... على كل شُكراً وألف شكر لكل ما أرسلته وأريدُ أنْ أُذكّركَ والذكرى تنفع المؤمنين أليس ل ( ...) نصيب ؟! آملُ أنْ يكونَ من لندن إنْ شاءَ الله. وقد استلم (...) حصّته كاملة وحسب الورقة المُرفقة بالطرد تفصيليّاً .
آمل أنْ تتصلَ بنا تلفونيّاً من لندن إنْ استطعتَ وكذلك آملُ أنْ لا تنقطع رسائلك عنّا .
أُكرر أنه تمَّ استلام جميع ما في الطرد وحسب الورقة المُرفقة معه .
توقيع
تعقيبات : كاتب هذه الرسائل رجل قوي الشخصية ثابت الجنان لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية ساهمتا في تشكيل وتكوين بنائه النفسي المتوازن الذي جمع فيه الثبات والصمود وتحمّل المصائب مع السخرية مما كانوا فيه زمان الحروب والحصار والعوز والجوع ثم روح النكتة . أسلوبه اللغوي متين ولغته سليمة .
نلاحظ حرصه على إبتداء رسائله بالبسملة ! يطلب العون من قوى خارج ذاته يحسبها تساعده وتقف معه وتشد أزره !

الجزء الثاني
مجموعة أخرى من رسائل أعوام الحصار كتبها أشخاص آخرون نرى في بعضها ظاهرات مختلفة حيث ارتجاج الثقة بالنفس والضعف أمام الحصار والمرض والجوع ثم الإلحاح في طلب المساعدات والأدوية والمزيد من النقود . لم يذكرْ كاتب هذه الرسائل السنين بل إكتفى بكتابة تاريخ اليوم والشهر. إستغرقت هذه الرسائل الأعوام 1992 ـ 2000 وإنها لا تبدأ بالبسملة .
الرسالة الأولى 
24/6 
أخي الورد
تحية حب واحترام وتقدير. سؤالنا عنكم وعن أحوالكم .
عزيزي : للمرة الثانية أكتب لكم بناءً على طلبكم حيث كتبتُ لكم رسالة في الأسبوع الماضي ولعلها الآن بين أياديكم ... أكتب لكم ثانيةً وأقولُ لكم إنًّ صحّتي جيدة جداً ولله الحمد وإني أخرجُ من البيت إمّا ماشياً  على الأرجل ( أضرب قدم ) وإما بالسيارة إذا دعت الحاجة إلى ذلك فأرجوك أنْ لا تقلق وأول أمس كنتُ في ضيافة ( ... ) وكان الغداءُ عال العال.
أخي :
أُكرر لك الشُكر والتقدير للمرة الثالثة وإني على إستعداد لتقديمه إليكم رابعاً وخامساً .... إلخ .
عزيزي
أرجوك لا تفكّرْ بموضوع الحذاء حيث أني لا أحتاجه في الوقت الحاضر وبالمناسبة فقد تسلّمتُ البلوز وكان الإرسالُ في محله حيث أنَّ بلوزاتي قديمة ( ما ينطلع بيها ) وألبسها مع الدشداشة في البيت . وكذلك وصلت القُمصان لكن عندي منها الكثير الكثيرعدا الفانيلة أُم الرقبة فهي هدية جميلة ومحترمة ولا بأس من زوج أخر منها وفَرِد !
توقيع
رسالة أخرى 
11/6 
أخي الورد
منذُ مدة طويلة لم أكتب لك وحان الوقتُ لأنْ أُحرر لك هذه الرسالة مبتدئاً بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته سائلاً عن صحتك والعائلة شاكراً لك ما قدّمتَ وأخّرتَ ومن باب الإعتراف بالجميل فأنتَ أخ الرجولة ومُفرّج الكربات وقت الشدائد التي ستزول إنشاء الله ولكنْ يبقى الفضلُ ثابتاً في الجِنان وكل ما وصلنا منك كان في محله حيثُ رممتُ السيّارة ـ إلاّ الباتري ـ لغلاء سعره وكذلك صلّحنا المُجمّدة إلاّ الثلاّجة ... المهم لك منّا الشكر والإمتنان.
أخي
قبل العيد بثلاثة أيام وصلنا إشعار من دائرة الطرود ف ( عضّت دشداشتي بسنوني ) وذهبتُ مُسرعاً وبعد إجراء المراسيم الكمركية أخذتُ الطرد ورجعتُ إلى البيت و ( ذبيتْ زَرِك ) في الكارتون لعلّي أجد الموعود ولكنْ لم أجدْ الحذاء ... المهم ... وزّعتُ المحتويات حسب توزيعك لها . وفي اليوم التالي وصلني البلوز الصوف فكان فرحنا في العيد فرحتين . 
الآن يحقُّ لي أنْ أسأل عن ( ...) و ( ...) وعن صحتهما ودراستهما وكذلك عن السيدة (...) . أما الفانيلة أُم الرقبة فكانت من نصيب (...) وفرحت بها فرحاً شديداً وهي تهديك تحياتها ونجحت إلى الصف الثاني متوسط.
من المفيد أنْ أُقدّمَ لك عذري عن رداءة الخط حيث إني تركتُ الكتابة منذ عقود من الزمن ولا أحتاج القلم إلاّ مرّةً واحدة كل ثلاثة أشهر للتوقيع على قائمة الراتب.
أخي : أمس كان موعد خطوبة (...) وكان الواجب يقضي أنْ أحضرَ حسب طلب والدتها لكنَّ الحرَّ كان حائلاً دون ذلك ... المهم أنهم بحالة جيّدة .
أخوك / توقيع

رسالة أخرى
27/5
أخي الأعز
تحية حب واحترام وكل يوم تزداد إليكم الأشواق وسماع الأخبار إذْ بعثتُ لكم قبل هذا أربع رسائل ولكن لم يردني منكم أيُّ جواب حتى أنك لم ترسلْ لنا بطاقة معايدة والآن أقولُ لكم أسعد اللهُ أيامكم وأعاد عليكم العيد وأنتم بأحسن حال وأوفر صحةً .
صحّتي كما هي إذْ أقومُ كل يوم 26 من الشهر بالفحوص الدورية عند اللجان الإستشارية وعلى النحو التالي :
100 دينار أجور فحص العين
450 ديناراً شراء القطرة
50 ديناراً فحص الضغط
275 ديناراً حبوب الضغط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجموع : 875 ديناراً مع العلم أنَّ كل هذا يجري في المستشفيات الحكومية ولو جرى ذلك في الخارج لكان المبلغ مضروباً في 10 أو أكثر.
أما بخصوص الطرد فقد وصلنا وفرحنا به بما احتواه ودفعنا عليه الكمارك والمهم هو القمصان فكلها كبيرة 
( L ) 
ونصف ردن أظنّكَ نسيتَ أني لا ألبس مثل هذه القمصان بل ألبس قميص ردن ومتوسط
( M ) 
خالص الدعاء لكم بالموفقية وكمال الصحة .
توقيع

رسالة أخرى
4/11 الجمعة مساءً
أخي الورد
تحية حب وحنان ... سُررنا لتحسّن صحتك أما ركوب الدرّاجة فيمكن حالياً الإستعاضة عنها بدراجة 3 عجلات ....
يوم الأربعاء 1/11 زارتنا (...) و (...) وبعد تناول العشاء رغبن الكتابة إليك فلم أُمانع وصباح اليوم بعثتُ بالرسالتين مشفوعتين برسالة منّي وما أنْ رجعتُ إلى البيت وجدتُ ساعي البريد يحمل إلينا رسالتك المؤرّخة 26/10 فكررنا الشكر لله على تحسّن صحّتك ودعونا لك بدوام العافية كما سُررنا بالتصاوير فشكراً لك على هذه الهدية الغالية.
تسألُ كيف أقضي الوقت ؟ فأذكّركَ بالحكمة القائلة ( الما عندة شغل يلعب .... ) كما أنه لطول ما أجلس  ... فركسن وعندما أشعر بالملل أخرج للتجوّل في المنطقة إو إلى الكاظمية أو إلى أي مكان. 
اليوم زارنا آل (...) وتناولنا طعام الغداء سويّةً على شرف سلامتك وجل أحاديثنا كانت تدور حول ذكركم وكانت الوجبة الرئيسة من الطعام طيراً يُسمّى بَشّةْ مع الدولمة وعند المساء خرج الجميع ومعهم (...) لمشاهدة إحدى التمثيليات في مسرح 14 رمضان.
أما فيما يخص القرطاسية فإنَّ وزارة التربية قد تكفّلت بتجهيز كافة الطلبة بالكتب والقرطاسية ... أما الطلب إليك بإرسال قرطاسية فهو من باب ( الطِلِب ) ليس إلاّ فلا تقلق.
بالمناسبة ... أرجو أنْ لا تنزعج فأسألُ إذا كان بالإمكان مساعدة (...) بالحصول له على قبول للتوسع في دراسة إختصاصه ( الإحصاء والحاسبات ) حيث أنه تخرّج هذا العام من الجامعة وهو يرغب مواصلة الدراسة بعد أداء الخدمة العسكرية.
يوم الجمعة القادم ستتم خطوبة (...) على إبنة عمّته وقد طلبوا منّا المشاركة ... ومن الجدير بالذكر أنَّ (...) إبن المرحومة (...) شاب لطيف وذكي وهو في المرحلة الرابعة بكلية الطب.
بمناسبة زحف البرد عندكم فنحنُ ومنذ أربعة أيام والأمطار لم تكف عنّا وأول أمس قمنا بفرش أرضية الدار لإتقاء البرد كذلك قمنا بشراء كمية كافية من النفط للصوبات فأهلاً وسهلاً بالشتاء وعندنا له ملابس تقينا من ضرره.

رسالة أخرى
2/10
الحمدُ لله في علاه ... الحمدُ لله على السلامة
أخي :
تحية وأشواقاً حمدنا الله عزَّ وجلَّ كثيراً حيث أول أمس وصلتنا رسالتك المؤرّخة في 21/9 وكانت تحمل بين طيّاتها الكثير والكثير ولكن الأهم هو سلامتك وأوصيك بالإبتعاد عن أكل الدهنيات.
حالَ تسلّمي رسالتك إتصلتُ بالحاجة (...) وأخبرتها بأنك أرسلتَ وصل إرسال الطرد فأجابت بأنهم استلموا الطرد لذا أرجو أنْ لا تقلق ولا تراجع دوائر البريد فالطرد المرسل إلى (...) وصلَ.  وكما أخبرتك سابقاً وفي أحد الطرود كان لي بلوز وكذلك الطرد المرسل لي إستلمته في حينه. أُكرر بأنَّ كل الطرود وصلت ولم يعُدْ هناك مجال للشك والإنكار.
أمّا بخصوص (...) فقد اشترينا لها حذاءً وشحّاطة وقرطاسية كافية أما طلبها حذاء الرياضة فلإرتفاع سعره في بغداد إذْ يناهز الألفي ديناراً.
توقيع

رسالة أخرى
12/11 
أخي
تحية حب واحترام
أرجو أنْ تكونَ بخير وصحة ممتازة راجين لكم الموفقية وهدوء البال.
إننا بخير ولله الحمد وقد داهمنا البردُ بدون سابق إنذار مما اضطرني إلى إرتداء الملابس الشتوية بدون كوي.
أعتقدُ هذه الرسالة السادسة ولم يصلنا منك سوى رسالة واحدة .
أخي
سبقَ وأنْ كتبت لك الست (...) تطلبُ نوعاً من الدواء إسمه فلدين وأنا لا زلتُ أراجع لإستلام حصّتي من الدواء ، أما القطرة فأجد صعوبة للحصول عليها وهي خاصة للحساسية المهم إني أُراجع بانتظام فلا تقلق والله هو المُشافي والمُعافي .
الآن الساعة العاشرة مساءً و (...) و (...) تأكلان البرتقال وتدعوان لك بالعز والرخاء.
الجميع بخير يزفون لك السلام والتحيات.
أخوك / توقيع.

الجزء الثالث
رسالتان من سيّدتين في العراق لقريب لهما مقيم خارج العراق.
الرسالة الأولى
بغداد ـ الرصافة
1/11/1994 
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز أبو ...
تحياتنا وأشواقنا جميعاً نهديها إليكم عسى أنْ تكونوا بصحة وعافية ونحمد الله على سلامتك من العملية .... لقد سبق لي أنْ أجريتُ عملية إستئصال حصوة في المرارة.
لقد مرّت علينا سنوات طويلة عِجاف ضقنا فيها المرارة والألم.
لقد تقاعدتُ عن الوظيفة لمدة أربع سنوات ولسوء الحالة الماديّة رجعتُ إلى الوظيفة رغم أنَّ الراتب لا يكفي مصرف يومين فقط.
توقيع / أم ...
الرسالة الثانية من سيدة لأحد أقاربها
أخي العزيز أبو ...
تحية عطرة وأشواق حارة أبعثها إليكم من أعماق قلبي المشتاق لرؤيتكم عسى أنْ تكونوا بخير وسالمين دوماً.
صحتنا جيّدة ولكن الشئ الذي يؤلمني ولا يُريحني هو ما نمرُّ به من ظروف معاشية جداً قاسية حيث أنَّ ولدنا (...) لا يداوم إلاّ يومين في الأسبوع وذلك لقلّة المواصلات بيننا وبين بغداد إضافةً لمعاناة الطريق أما ولدنا الآخر (...) فهو جندي وإنشاء الله ستنتهي هذه المعاناة والمرارة التي أُلاقيها بسبب الحصار وتعود الحياة والأيام لطبيعتها.
ملاحظة :
( المال مالُ الله والصخي حبيب الله والله يُجزي المُحسنين )
توقيع
تعقيب مني : هذه جملة شهيرة في العراق يستعطي الشحّاذون بها مستدرّين شفقة وإحسان المارّة في الشوارع والطُرُقات في العراق.
يسخرون ... يسخر العراقيون رغم الجوع والحصار وظلم وقسوة النظام الحاكم يومذاك. روح السخرية متأصلة فيهم لكثرة ما نالهم من أذى وحيف وتقتيل على مدى قرون وقرون فهانت الحياة في عيونهم ولم يبقَ أمامهم إلاّ السخرية والضحك الدامع.
لا أعرف ما حلّ بمراسلات الفترة الممتدة بين 1996 حتى إلى التاسع من نيسان 2003 يوم وعام سقوط نظام الطاغية الدموي الفاشي المجنون ! لم يصلني شئ منها ولم يزودني الأصدقاء بها.

CONVERSATION

0 comments: