حماس وحرمة الدم/ د. مصطفى يوسف اللداوي


تحكم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مفاهيمٌ ربانية، وقيمٌ دينية، وأحكامٌ شرعية، وضوابطٌ وطنية وأخلاقية، ومناقب فصائلية، لا يمكنها تجاوزها، ولا تستطيع خرقها، أو القفز عليها، مهما كانت الأسباب، وأياً كانت الدوافع، فلا أهداف تغويها، ولا مطامع تعميها، ولا مكاسب تدفعها لارتكاب المحرم دينياً ووطنياً، إذ لا قيمة لأي مكسب إن كان من حرام، ولا بركة في أي عملٍ إن كان يقوم على ظلمٍ وبغيٍ وعدوان، ولا صحة لديها لغاياتٍ تبرر الوسائل، وتحلل المحرم، وتجوز الممنوع، وتسمح بالخطأ وارتكاب الجريمة، والإساءة إلى الآخر، ويلتزم شيوخها وحكماؤها الضوابط والأصول، ويعرفون حِكَمَ الزمانِ وعِبَرَ التاريخ، ومصائر البشر ومصارع الشعوب عندما تطغى قيادتها، ويبطش حكامها، وينشغلون في أنفسهم عن غيرهم، ويلتفتون إلى مصالحهم دون شعبهم.
تدرك حركة حماس حرمة الدم المسلم عند الله سبحانه وتعالى، وفداحة الجرم الذي يرتكبه الإنسان بقتل أخيه الإنسان وحرمانه من الحياة، وحرمان أسرته وذويه وأطفاله من معيلهم وراعي شؤونهم، ويعرف قادتها أنهم مسؤولون عن جزءٍ كبيرٍ من هذا الشعب، وأنهم بحكم مسؤوليتهم وموقعهم مسؤولين عن الجزء الآخر من شعبهم، من خلال إدارتهم للمسار السياسي ونهج المقاومة، ومن خلال علاقاتهم البينية وتلك التي تربطهم مع القوى والفصائل الأخرى، الحاكمة مثلها أو تلك التي تشاركها شرف المقاومة والقتال، مما يشغلهم في البحث عن كل السبل الممكنة الكفيلة بحفظ حياة الفلسطينيين، وحقن دمائهم، وصيانة حقوقهم، وتحسين شأنهم، وتطوير سبل عيشهم، بما يكفل لهم العزة والكرامة، والعيش الهانئ الكريم، في ظل رايةٍ ساميةٍ من العدل، ومظلةٍ ورافةٍ من الأمن والسلامة والأمان.
لا مكان لدى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لعابثٍ في الدماء الفلسطينية والعربية، أياً كانت صفته وهويته، ومهما كانت نواياه وأهدافه، فلا وطنية تبيح الدم، ولا مقاومة تجيز القتل، ولا عقباتٌ تُذللُ بالاعتداء، ولا تبرير للغايات بظلمٍ وباطل، ولا مكانٍ لنيةٍ صافيةٍ ممزوجةٍ بالدم، ولا لغاياتٍ مشروعة تشق طريقها بين أرواح الخلق، ولا دماء تراق بغير وجه حقٍ قصاصاً أو عقوبةً متفق عليها وفق الأصول والأحكام إعمالاً للحق، وتطبيقاً للقوانين، عقاباً للمخالفين وإنصافاً للمظلومين، تطميناً للمواطنين وزجراً للمتربصين، فلا دم يهرق إلا لعدوٍ يحتل أرضنا، ويغتصب حقوقنا، ويدنس مقدساتنا، ويهدد حياة مواطنينا، ويغتال الحياة من مستقبل أطفالنا، وينهب خيرات بلادنا، ويسرق قوت أبنائنا، ولا يهمه غير قتلنا وحرماننا من العيش والحياة، فقتله هو المشروع، وقتاله هو المباح.
في حركة حماس لا موقع لمستهترٍ بحقوق الناس وأقدارهم وأقواتهم، غير عابئٍ بمصالح الخلق، وغير مهتمٍ بحاجات الناس، فلا حاجاتٍ خاصة تميز، ولا مصالح حزبية تفضل، ولا حساباتٍ ضيقة تقدم، ولا مكان لمغامرٍ بحياة المواطنين، ومخربٍ لعلاقاتهم، ومفسدٍ لمصالحهم، ومعطلٍ لأعمالهم، ولا تقدير لأي عملٍ قد يجر إلى ضررٍ أكبر ومفسدةٍ أشمل، تلحق الضرر والأذى بالناس كافة، ولا شئ أعظم اليوم في غزة من لقمة العيش وحبة الدواء ومستلزمات العيش والعمل، وهذه كلها تصل إلى القطاع من أنفاقه التي تربطه كشرايين الحياة مع مصر، فلا مصلحة لوطنيٍ بإغلاقها وحرمان الناس منها، اللهم إلا إذا كان مفسداً، يتعمد إلحاق الضرر بالشعب، ويهمه الإضرار بمصالح المواطنين، والوقيعة بينهم، وتفكيك الروابط الدينية والقومية التي تربط بين الشعبين المصري والفلسطيني.
حماسٌ الحركةُ التي عرفتم وعشتم أيامها الماجدات ومقاومتها العظيمة، وسيرتها الجهادية العبقة، لا تظلم ولا تطغى ولا تبطر ولا تعتدي، ولا تسفك دماً حراماً ولا تهدر حقاً مصوناً، تقدس دم أبناء شعبها، وتحرص على صيانته وحمايته، وتقدس بذات القدر دماء العرب والمسلمين جميعاً، وغيرهم ممن لا عداء معهم، ولا اعتداء منهم، والدماء المصرية التي سفكت كثيراً على أرض فلسطين المباركة، وروت ثراها بالعزيز من دماء أبنائها، لهي الأغلى والأعز، والأثمن والأسمى، نقدرها ونصونها ونخشى عليها وندافع عنها، حرمتها من حرمة دمائنا، وقداستها من طهر دم شهدائنا، مجرمٌ من يسفكها، وكافرٌ من يستبيحها، وخائنٌ من يفرط فيها ويتآمر عليها.
هذه هي مفاهيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الأصيلة وثوابتها الوطنية تجاه الدم العربي والفلسطيني وحرمته، فمن رأى غير ذلك وخلافاً لما سبق، فليرفع صوته ناصحاً أميناً أو محذراً خائفاً، فأبواب الحركة مشرعة، وآذان قادتها صاغية، وقلوب حكمائها رحبة، ولديها من الحكمة ما يجعلها تسمع وتنصت، وتراجع وتنتقد، وتصوب وتقوم، وتتأسف وتعتذر، فهي أمينةٌ على شعبها، ووفيةٌ لأهلها، ومخلصةٌ لربها ودينها، تخافه وتتقيه، وتخشى يوم القيامة سؤاله وحسابه والعرض عليه.

CONVERSATION

0 comments: