وطن مأزوم وليست مسألة حوار/ عباس علي مراد

قبيل انعقاد جلسة الحوار الاخيرة والتي كانت مقررة في 24 تموز الماضي برزت الى العلن مواقف عدة للافرقاء،  دفعت برئيس الجمهورية الى تأجيل الجلسة الى 16 اب الحالي مما تقدم يُستنتج ان هناك ازمة البعض قد يعتقد انها ازمة حوار ولكن نظرة في المواقف وعلى التاريخ نجد ان الازمة ليست كذلك انما هي مسالة وطن مأزوم. 
في الماضي الغير بعيد أبداً كان شعار وحدة المسار والمصير وترابط المسارين الشعار الأثير الذي كان يتغنى بترداده العديد من القيادات اللبنانية حتى عشية خروج الجيش السوري من لبنان العام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ليعود معظم تلك القيادات وتنقلب على موافقها السابقة 180 درجة طبعاً هذا ما كان ليحصل لولا ادراك القيادات اللبنانية انه ليس هناك من شعب يحاسب ولا من يحزنون ولأنهم في قرارة انفسهم يعرفون انهم يقودون قطعان تدور كيفما يدورون ولا من حاجة لهم الى تبرير او شرح وهذا لا ينفي وجود بعض القيادات التي تلتزم الموقف الوطني والسياسي الثابت والمبدئي حيث القناعات راسخة.
قد لا يحتاج المرء للعودة الى تاريخ تأسيس الكيان اللبناني في العام 1920 ليدرك ان الوطن اللبناني مأزوم وتكفي البداية من تاريخ الاستقلال عام 1943 ليدرك ان اسس الأزمة قد زرعت في جنبات الدستور الذي وضع جانباً لتحل محله الصيغة او العرف الذي امسك بخناق الوطن من اجل اطلاق يد الطوائف والعائلات السياسية التي اخذت تنفجر بين يديها أزمات متتالية اولها محاولة بشارة الخوري تمديد رئاسته ثم الثورة ضد الرئيس كميل شمعون في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي(1958) وصولا الى توقيع إتفاق القاهرة بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1969 وانفجار أزمة 1973 بين الجيش والمنظمات الفلسطينية وصولاً الى الانفجار الكبير والحرب الاهلية عام 1975 والتي يستحسن بعض اللبنانيون  تسميتها حروب الاخرين على ارض لبنان والتي استمرت 15 عاماً تخللها اجتياحيين اسرائيليين 1978 و 1982 ودخول قوات الردع العربية وانتهت الى اتفاق الطائف الذي اصبح الدستور الرسمي الجديد. رغم وضوح التعديلات الدستورية التي ادخلها اتفاق الطائف الا ان الاتفاق لم ينجُ من اطلاق النار عليه من المعارضين او وصفه بإتفاق الضرورة  او اتفاق وقف الحرب التي بدأت تأخذ منحى آخر بعد دفن "المارونية السياسية" ليحل محلها " السنية السياسية" التي ولدت ما عرف بالترويكا في تقاسم الحكم و مقدرات البلاد بعيداً عن نصوص الاتفاق هذه السياسة ادخلت الوطن في نفق المديونية التي بدأت تتضخم بشكل صاروخي لتثقل كاهل المواطن والاقتصاد اللبناني. في العام 2000 بعد انتصار المقاومة وطرد اسرائيل من معظم الاراضي اللبنانية المحتلة بدأت تظهر على الساحة "الشيعية السياسية" خصوصاً بعد عدوان اسرائيل في تموز 2006 الذي ادى الى فقدان الثقة بين مكونات القوى اللبنانية خصوصاً في ظل غياب ضابط الاوركسترا السوري والتي ادت الى احداث 7 أيار 2008 بعد محاولة الحكومة التي كان يراسها الرئيس السنيورة السيطرة على شبكة اتصالات المقاومة، فكان اتفاق الدوحة الذي ادخل بطريقة ما  نظام المثالثة في تقاسم السلطة.
استقرت الامور الى ان تفجّر ما عُرف "بالربيع العربي" ومع تفجر الوضع في سوريا دخل لبنان في منطقة فقدان الوزن وانتهجت الحكومة سياسة النأي بالنفس بتشجيع قوى عربية وغربية واقليمية ،والتي ما هي الا عملية انتظار لنتائج الأحداث في سوريا ،اكثر من عنوانها البراق لأن الواقع يشي بغير ذلك ولا ترجمة عملية لهذا النأي.
كل الاطراف وفي قرارة انفسهم يعلمون علم اليقين ان اي نوع من التفرد لن يؤدي الا الى مزيد  من دورات العنف التي قد تتأخر حيناً وتتقدم احياناً اخرى خصوصاً عندما يدخل العنصر الخارجي الذي يستثمر في العصبيات لإذكاء نار الفتنة الطائفية والمذهبية عبر التعبئة حتى من نواب الامة التي يُفترض بهم انهم يمثلون ابناء الوطن حيث يتوزعون على منابر التفرقة المرئية المسموعة والمكتوبة متناسين هموم المواطن المعيشية والحياتية بطرق واساليب تنتهك القوانين والقيم وابسط حقوق المواطن والتركيز على خطاب فئوي يعزز الفرز والانغلاق،وهذا ما ركز عليه الاسبوع الماضي نداء 1 آب للمطارنة الموارنة  الذي حذر من انحلال الوطن:( أمام أخطار الانهيار الكبير والوصول الى فشل العقد الوطني- الإجتماعي، يطلق الآباء صرخة تحدي كبرى من خطر
تزامن هذا الفشل مع المتغيّرات السياسيّة الكبرى الحاصلة في في المنطقة،قد تشكل لا سمح الله الشرارة التي في اندلاعها قد يبدأ انحلال لبنان..) ولا تقل خطورة عن تحذير المطارنة معلومة رئيس المجلس النيابي نبيه بري وان لم يكن متأكد من صحتها بعد والتي مفادها أن رئيس دولة اوروبية ابلغ جهة لبنانية قبل نحو 15 يوماً ما حرفيته :لبنان يتجه الى قيدرالية سوسرية وعلى القوى السياسية اللبنانية كافة تتمتع بالتعقل ،ولا تعارض هذا المشروع لان معارضته ستهز استقرار لبنان
وفي نظرة سريعة على موقف القوى السياسية من القضايا الوطنية المطروحة، فأن المرء ليس بحاجة الى ميكروسكوب الى تظهير تلك المواقف سواء كانت حول الحوار وشروطه ومن ضمنها سلاح المقاومة او الاستراتيجية الدفاعية والتعيينات الادارية او قانون الانتخاب والتجاذبات التي  ترافق اقرار اي قانون وغيرها يدرك المرء ان الانقسام الأفقي والعامودي بين قوى 8 و 14 آذار ما هو الا تغطية لمواقف طائفية ومذهبية فحيث يرتضي البعض النسبية ترتفع اصوات الآخرين تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور وهكذا دواليك حتى عرض انتخاب كل طائفة لنوابها حسب التوزيع المعمول به لاقى اعتراض بعض القوى السياسية لانه اما يهدد اكثرية فائمة او متوقعة في انتخابات قد لا تحصل في العام 2013.
والطامة الكبرى اذا ما نودي بتطبيق الدستور او اتفاق الطائف او تعديله من اجل وضع البلد على السكة الصحيحة من اجل تحصينه ضد الازمات الموسمية، حتى ولو كانت هذه الدعوات صادرة عن رموز لها وزنها فجأة يصبح الاتفاق كأنه وحي منزل ولا يُمس وطبعاً تكون المواقف حسب ما تقتضيه مصلحة الزعيم او الطائفة او المذهب .وهنا لا بد من الملاحظة ان بنود مهمة في الأتفاق تم تناسيها ويعاد نبشها وتلميعها عندما تقتضي مصلحة احد الاطراف اعادة الاضاءة عليها ومنها على سيل المثال لا الحصر انشاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي وانشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وتطبيق اللامركزية الادارية
في زحمة التجاذبات يبقى الوطن اسير معلق على مشجب القضايا الاقليمية ومصالح ارباب الطوائف والمذاهب والعائلات لذلك ندرك لماذا تم تأجيل الحوار الذي اصبح مشروطاً، فهل يرتفع اللبنانيون الى مستوى التحدي الوطني وصون لبنان؟! 

CONVERSATION

0 comments: