مصريـون متحـدون/ مهندس عزمي إبراهيم


من واقع ثقافتي الهندسية وممارستي للهندسة، أكاديمياً وعملياً، الهندسة هي مهنة تطبيق العلوم الطبيعية والرياضية مضافاً إليها بعض "البهارات" الضرورية كالتناسب مع البيئة المحيطة واللمسات الفنية والذوق الرفيع. الهندسة في أساسها هي مهنة حل المشكلات الحيوية التي تواجه البشرية بأفضل الحلول العملية المدروسة والمحسوبة.
فلو شئنا مثلا إضافة سقيفة لمبنى فممكن أن يأتي مقاول بكمرات ثقيلة وأعمدة ضخمة لدعمها، وهو وفي نظره حل عملي سهل وكفيل لسلامة أرواح من سيستعمل تلك السقيفة من تحتها أو فوقها أو بالقرب منها. ولكنه حل غير اقتصادي ويضيف أحمالا على المبنى وعلى الأساسات لا لزوم لها وقد تسبب انهيارالسقيفة والمبنى. بينما يمكن للمهندس أن يأتي بكمرات وأعمدة أصغر حجماً وأخف وزناً وأذوق مظهراً وأقل تكلفة وفي نفس الوقت أضمن لسلامتها وسلامة من يشغله أو يستعمله.
مثل آخر لتعدد الحلول لأي مشكلة. لو أراد الانسان عبور قناة مائية فله أن يسير أو يسبح عبر مياه القناة لو أمكنه. أو نقدم له قارباً أو سفينة أو طائرة تحمله عبر القناة. أو نمد له جذع شجرة أو مجموعة جذوع من شاطئ لشاطئ ليعبر ماشيأً عليها. أو نصمم له قنطرة صغيرة أو كبيرة أو كوبري فوق القناة أو نفقاً تحتها حسب احتياج الموقع تمكنه من عبور القناة.
في علم البحث عن الحلول لأي مشكلة (هندسية أو غير هندسية) ما يسمي بـ (Brainstorming) ويترجمها جوجل حرفياً بـ (العصف الذهني)، وأفضل ترجمة لها هي (استخراج ما في العقول من أفكار). ففي الهندسة وقبل بدء أي مشروع كبير أو عند مواجهة مشكة حيوية حساسة بمشروع كبير، يجتمع عدد من المهندسين حول المائدة لعرض المشكلة ومناقشة مختلف الاقتراحات والحلول المحتملة التي يأتي بها المشتركون في المناقشة مهما كانت ضعيفة أو سخيفة أو تافهة أوغير جادة، بلا تهكم أو استصغار أو احتقار لأي منها أو لمن قدمها. فمن كل ما يُعرَض سيُستخلص الحل الصواب، أو أفضل الحلول. فتلك المجالس الهندسية هي تقدير (لكل فكرة) و(لكل من يعرض فكرة)، بغض النظر عن قيمة الفكرة أو قدر مقدمها للوصول الي الحل الأمثل.
علمتني الهندسة أيضاً أن من يعارض فكرة عليه أن يقدم فكرة بديلة أفضل منها، وليس فقط أن يفند ما جاء بها من خطأ أو أخطاء. وهذه هي الإيجابية المُجدية مقابل السلبية المُحبطة.
تطبيقاً لتلك المقدمة، وبناء على ما أوضحته بمقاليَّ السابقين عن احتياج الأقباط الشديد لجبهة توحدهم وتتحدث باسمهم سياسياً سعياً لتحقيق حقوقهم، وتقديراً لما أبداه أخوة أجلاء بتعليقاتهم واضافاتهم، وايماني أن التعليقات الجادة هي مقالات مُصَغَّرة لها قيمتها وجدية وجهات نظر كاتبيها، من ذلك يمكنني تلخيص رأيي في هذا الموضوه الهام، في الآتي:
الجبهة او الرابطة أو الوحدة أو الكيان وما شابهها، لا تعبر عن "فكرة" ابتدعها مُفَكر، ولا هي اختراع ملك أحد أبدعها أو تبناها. إنما هي أسماء مترادفة لنزعة طبيعية في الانسان كما هي في الحيوانات والطيور. هي نزعة الانتماء اجتماعياً إلى فصيل يأتلف إليه ويشترك معه في مشاربه، ويجابه معه مشاكل الحياة، بل وليضمن مجرد بقائه وبقاء طائفته على سطح الوجود. والتاريخ مليء بأمثلة الفصائل التي اندحرت، بشرية وغير بشرية، تحت مقولة  "البقاء للأصلح" أو "البقاء للأقوى" أو "البقاء للدموي الأعنف".
وتتواجد تلك النزعة الطبيعية في كل مجتمع: دولة، أو قبيلة، أو أسرة، أو طائفة، أو فصيل ديني، أو اجتماعي كالعمال والفلاحين والصعايدة والبحاروة، أو مهني كالنقابات مثلا. وتلاحظ أيضاً في تجمعات أبناء الوطن الواحد أو الدين الواحد في تآلفهم مع بعض في بلاد الغربة. وأشير إلى هذه "النزعة الطبيعية" لشعب مصر القبطي هنا بـ "اتحاد" الأقباط.
1. الاتحاد هو أمل الأقباط منذ أن كانوا أقباطاً تحت الاستعمارَين الروماني والعربي. واليوم يحتاجها الأقباط أكثر من أي عصرٍ مضى، فهي مسألة وجودهم وتعايشهم بكرامة في وطنهم. ولا ينكر ذلك مصري مسلم أو مسيحي، بمصر أو بالخارج ينظر لما يجري للأقباط تحت حطم الأخوان والتيارات الاسلامية السياسية لمصر.
2. هذا الاتحاد تكفله اليوم الكنيسة، الجبهة المقدسة للأقباط، روحياً واجتماعياً. ولكن فاعليتها السياسية والوطنية والحقوقية غير مكفولة بحكم أنها كنيسة تلتزم بالروحانيات والوداعة والتسامح. الأمر الذي قد يضع الكنيسة أحياناً في موقف التغاضي عن الاغتصابات والتنازل عن الحقوق رغماً عن رئاساتها. من ذلك يتضح أن تكوين اتحاد قبطي وطني سياسي حقوقي للأقباط يتحدث باسمهم ويجابه ما يجابههم من أخطار ضرورة حتمية وسريعة.
3. ولا يقلل انتمائنا لهذا الاتحاد السياسي والحقوقي من انتمائنا للكنيسة جبهتنا الروحية المقدسة. كما لا يتعارض مع حقوقنا في الانتماء للأحزاب المدنية التي تتبنى قضية حقوق الأقباط ضمن مبادئها. فالانعزال الاجتماعي والسياسي ليس في صالح الأقباط.
4. لابد للإتحاد أن يرحب بعضوية وانتماء جميع أبناء الطوائف المسيحية المصرية، بمصر وبالخارج.
5. لابد للإتحاد أن يتبنى تقارب ومساندة الأقليات الدينية أو الاقليمية أو السياسية والعرقية بمصر.
6. لابد للإتحاد أن ينبع من داخل مصر، وأن يدار من داخل مصر، لا من الخارج. وأن يسعى للحصول على مسانده المسلمين المعتدلين بمصر والمصريين بالخارج.
7. لا بد للإتحاد من قائد مسئول، علاوة على كفاءاته وخبراته الشخصية والمهنية، أن يكون ناشطاً له تواصلات مع الاعلام والجهات السياسية والاجتماعية الحساسة بمصر.
8. لابد للإتحاد من مجلس قيادي، يساند قائده، مكون باختيار من كفاءات وخبرات قانونية وسياسية واعلامية واجتماعية، وأن يكون له برنامج هادف بمخطط ومباديء وطنية شفافة. وأن يكون له مكان رئيسي بالقاهرة، ولجان وفروع في أنحاء مصر ترأسها وتديرها قيادات بكفاءات مماثلة على المستوى المحلي بالمحافظات والمدن الكبري وأقسام المدن الضخمة.
***
لقد سبق أن رشحت في مقاليَّ السابقين إسماً من الأسماء المعروفة في موقع الأقباط متحدون لقيادة هذا الاتحاد وهو الكاتب والمفكر والمحلل السياسي والإعلامي المعروف، د. ميشيل فهمي لمعرفتي بكفاءته من خلال كتاباته ونشاطه بالموقع، ولضحالة معلوماتي عن النشطاء الموثوق بهم في الساحة المصرية لبعدي عن مصر. كما دعوت كل من يريد أن يرشح شخصاً يرى فيه الكفاءة لقيادة هذا الاتحاد، أن يقدمه أو يدعوه لتقديم نفسه حتى يتاح الاختيار.
المهم في الأمر أن نجد من يأخذنا ويأخذ آمالنا في الوحدة من حيز الآمال والأحلام والتمني والفكر والكلام والمقالات إلى ساحة التنفيذ وعالم الوجود الواقع العملي. لا تبحثوا عمن لا يخطئ أو من لم يخطئ فهذان ليس لهما وجود بين البشر. ليس بيننا أنبياء بل حتى الأنبياء يخطئون. وليس بيننا ملائكة.
غني عن التنويه أن الأراء والبنود أعلاه قابلة للتنقيح والإضافة مِمَّن يهمهم الأمر من الأخوة الكرام الكتاب والمعلقين والقراء الجادين الإيجابيين. الهدف الأكبر في طرحي هو إقرار ضرورة تكوين الاتحاد القبطي من داخل مصر وبأي إسم وطني والحاجة الماسة إليه اليوم قبل الغد. فالغد خطير خطير خطير، جَدّ خطير!!!
أرجو من كل قبطي جاد وإيجابي تشجيع تكوين هذا الاتحاد فوراً وتشجيع من يحمل لوائه حتى يكون الأقباط "مصريون متحدون"
*******
مهندس عزمي إبراهيم

CONVERSATION

0 comments: