كيف نحافظ على هويتنا الكلدانية في العصر الحديث/ يوحنا بيداويد


قدم هذا البحث الى المؤتمر الكلداني الذي اقامه مؤخرا المنبر الديمقراطي الكلداني في ديتوريت بتاريخ 14-20 /5/2013 ونشر ضمن كتيب الذي صدر بهذه المناسبة. اضعه امام  المهتمين والمثقفين والعاملين من ابناء شعبنا الكلداني و جميع التسميات . ارجو ان تكون الطروحات والافكار مفيدة للجميع بالاخص للناشطين الكلدانيين الذي يقومون بتنشيط الشعور القومي في المهجر والوطن. كما نود ان ننوه ان البحث كتب قبل تسعة اشهر  من الان ، حدثت تغيرا كثيرة خلال هذه الفترة مثل  انتخاب غبطة البطريرك ساكو بطريركا على كرسي بابل للكلدان والقرارات التي اتخذها سينودس الاخير وغيرها.  لهذا ربما تجدون الكثير من الامور لم  يتم التطرق عليها في البحث.
مقدمة البحث:
ان عملية  إقامة المؤتمرات الكلدانية بين حين واخر عملية مفيدة من اجل الاطلاع على الأفكار والطروحات والاراء، ومن ثم توحيد الصفوف بعد الاتفاق على خطة عمل مستقبلية. في الحقيقة كان على المثقفين والقوميين الكلدان ان يبدأوا بهذه المسيرة منذ زمن بعيد.
 اهم الملاحظات التي اراها ضرورية امام المشاركين في المؤتمر:
1-   من اهم الامورالتي يجب ان تكون هدفاً رئيسياً لهذا المؤتمر هي ان يكون التركيز على الاهتمام بمصلحة الشعب الكلداني والمسيحي والعراقي وان يُراعي فيها احترام القيم الانسانية وحقوق كل الشعوب في الوجود ومنها الكلدان.
 
2-   انها حقيقة دامغة لا مفر منها، يجب ان نتذكرها دائما هي ان أننا لا نمتلك العدد البشري الكافي للتأثير على القوميات المحيطة بنا، اي عددنا لا يساعد وليس  لدينا الامكانيات المطلوبة التي تساعدنا للوصول الى اهدافنا، لذلك يجب ان نلتجيء الى الحلفاء. لهذا يجب ان لا نحملَ اية شعارات تعصبية، عنصرية، قومية شوفينية، فوقانية، غير واقعية من الناحية الانسانية والمسيحية والوطنية. نعم لنا هويتنا التاريخية ونريد حمايتها، لكن في نفس الوقت يجب ان نضع امام انظارنا امكانياتنا وخبراتنا والمرحلة السياسية التي يمر فيها الشرق الاوسط والعالم الان و كذلك التوزيع الجغرافي لدى الكلدان والمسيحيين في العالم اليوم.
  
3-  كما اود ان اشدد على نقطة مهمة، حيث ارى  كثيراً من الاحيان بين اسطر مقالات كتابنا او في احاديث المثقفين والسياسيين اثناء الندوات والمؤتمرات من ابناء شعبنا، انهم يحملون اويميلون الى افكار الطائفية الضيقة ذات الصبغة القروية او العشائرية. في هذا المؤتمر يجب ان نوعيَ بل نُوقِف مثل هذه النماذج في تمثيل الكلدان على كافة الاصعدة، لاننا معنيون جميعا بعموم الكلدان وليس بكلدان مدينة او قرية لتفضيلهم على غيرهم، ليس كلدان القوش اهم من كلدان تلكيف او كلدان عنكاوا افضل من زاخو او بالعكس، نعم كلهم كلدان بدون تمييز وإلا، لا خير في عملنا القومي او السياسي ولا حتى في هذا المؤتمر.
 4-    يجب ان يدرس المؤتمر جميع المستلزمات والامكانيات لشعبنا الكلداني ومن ثم يضع استراتيجية طويلة الامد عن كيفية حماية كيانه من الذوبان او الضياع في المهجر.
المحور الاول
 اولاً - دور الاحزاب الكلدانية السياسية:
إنَّ الاحزاب الكلدانية وان كان لها فترة قصيرة في العمل السياسي، لكنها بلا شك يشعرُ مؤسسوها والمُنتمون إليها بالحس القومي والتمثيل السياسي للكدان في الحكومة المركزية و حكومة الاقليم والمحافل الدولية، في نفس الوقت يجب ان نكون موضوعيين وواقعيين في طروحاتنا، إنهم يحتاجون الى جهد اكبر من قبل، لاثبات قدراتهم و زيادة كفاءَاتهم في العمل السياسي، كي يستطيعوا عبور وتجاوز المعوقات التي تواجههم الان. ولهذا نتمنى ان يعوا مسؤولياتهم بهذا الخصوص ويكونوا ديمقراطيين، وكذلك بعيدين من الانانية والمصلحة الفردية وان لا يُضحَكَ عليهم مقابل المصلحة الخاصة التي تُعتَبَرمرضَ جميع الامم الشرقية. بالنسبة لاعضاء الاحزاب هذه بعض اهم النقاط الاخرى التي نراها مهمة ويجب الالتزام بها في عملهم السياسي ومنها:
1-   اعلان أهداف ومباديء الحزب (اعنى اي حزب موجود او سيظهر لاحقاً)

2--   تثقيف الكوادر لإستيعاب معانيها ومحتواها (اعني اهداف ومبادئ الحزب نفسه) لغرض نشرها في المجالس والمؤتمرات والندوات ومراكز الاعلام. اي عمل دعاية حزبية لانفسهم.
3-   ان يكون لدينا طموحاتُ انبعاثِ الحس القومي لدى الكلدان وأن تتوافق مع  المصلحة الكلدانية وتُوظف من أجلها  تحقيقاً للمصالح الوطنية ووحدة العراق. ومحاولة إقامة تحالفات مع الاحزاب العاملة في الساحة العراقية ولا سيما المسيحية منها الاشورية والسريانية  لتشكيل كتلة يكون لها وزنها بين الأقوام والأديان الموجودة في العراق.
4  - تأسيس مواقع واذاعات وإنشاء صحف ووسائل اعلامية أخرى، لأنها الأدوات الوحيدة التي عن طريقها نُعلن عن أهدافنا بل السلاح الوحيد بيدنا الان، ولا يوجد وسيلة اخرى لها الكفاءة في العمل للوصول الى الهدف مثلها.
5-   تحديد ولاية رئيس اي حزب او امين سر اي حزب بدورتين فقط، كي يتم اعطاءُ مجال لغيره من الكوادر للعمل والابداع، تطبيقاً لدورة الحياة نفسها.
6-   طرد اي عضو من امين سر الحزب الى اخر كادر من الحزب في حالة عدم التزامه وخرقه لمبادي الحزب او جلبه السمعة السيئة للحزب، أوعمله من اجل مصلته الشخصية او قبوله الرشوة.
ثانيا - دور الجماهير الكلدانية
الجماهير او الشعب الكلداني لم يتذوق حلاوة الشعور القومي الا قبل فترة قصيرة، و علينا ايصالها إليه الى درجة القمة في فترة قصيرة، نريد ان يصل الى (مرحلة الهذيان او السكران)  لان إثارة روح التضحية (بعيدا عن اي اشكال من العنف) هي اهم مقومات تطور وتقدم وصعود الشعور القومي لأي  شعب عبر التاريخ، ولكن يجب علينا أن نضع أمامَ نظرنا دوماً خمسَ نقاط مهمة في قضية دفع الحس القومي لدى الكلدان الى التطور هي:
أ‌-  أن لا ننسى مسيحيتنا، اي نبتعد عن العنف بأي شكل من الاشكال، لانه لا يفيد لا سيما في العصر الحاضر الا في حالة الدفاع عن الذات، وكما تشرعها القوانين الانسانية والدينية والاخلاقية.
ب‌-  أن لا ننسى انتشارنا في العالم  وهو أمر مخيف، بل اعتبره مرحلة اقتراب من النهاية.

ت‌-  عامل الوقت الضيق، حيث لم يعد امامنا الكافي مِنه.
ث‌-  لا ننسى (مرة اخرى) بأن عددنا محدود سواء في الوطن او في الخارج.
ج‌-   التركيز في الاعلام العام على الروابط العضوية التي تربطنا بالاخوة السريان والاشوريين كمسيحيين. يجب ان نتفق معا ويجب ان نعمل معا،
 وان ننتزع من ايديهم الكثير من القرارات، بخلاف ذلك تنقسم جبهتنا وتظهر خلافاتنا جليَّة امام الاخرين فتسهل عملية تهميشنا اكثر فأكثر كما حدث خلال  السنوات العشر الماضية.

ح‌-   لا ننسى طبيعة مجتمعنا التي اصبحت مادية وميّالة للانغماس في اللذة الذاتية ، فلا نطلب المستحيل بدون التزامنا الشخصي أولاً ثمَّ نطالب المسؤوليين  بالإلزام والتضحية.
 ثالثا-  دور المؤسسة الكنسية
 إن مصير الكنيسة الكلدانية كمؤسسة قائمة حاضراً وفي المسقبل البعيد معتمد على الهوية القومية الكلدانية. وإذا لم تعمل شيئا للدفاع عنها والتشبِّث بها بحزم وبصورة صحيحة. انا اشعر انها سوف تذوب بل سوف تنتهي في الغرب. اما في الشرق فلن يبقى لها من الاتباع الا القليلون. لهذا حينما نطلب من الكنيسة أن تُبديَ اهتماماً أكبر بالهوية او القومية واللغة اننا لا نعني به البعد السياسي بقدر ما نعني البعد الانساني والتُراثي للحفاظ على كينونتنا. في الحقيقة لا استطيع ان لا اذكر التذمر الذي سمعه كل واحد منا بسبب الهجرة المبعثرة التي حدثت لنا دون أن نلحظ للكنيسة اية رؤية واضحة عنها الجميع يتحملون وزرَ هذا التذمر او العتاب، ولهذا خسرنا ولا زلنا نخسر الكثيرَ من جراء النظام الاداري في الكنيسة وموقفه اللاأبالي الذي لم يكن بالمستوى المطلوب، بل الكنيسة نفسها نخرت من جراء ترك الاباء الكهنة كنائسهم والتحاقهم بالدول الغربية بشكل غير نظامي. ليسأل اباؤنا الرروحانيون اين هم من مهاجريهم قياساً بالمهاجرين الاوائل في الارجنتين والبرازيل من الاخوة المسيحيين المارونيين والسريان السوريين. إن حماية الهوية القومية مهمة للكنيسة ككنيسة ايضا، وذلك لن يتم الا بالحفاظ على اللغة.
يجب دعوة رجال الكنيسة الكلدانية الى مثل هذه المؤتمرات ويجب اعطاؤهم المجال ليسألوا او ان يعبروا عن آرائهم، كذلك يجب ان تُوجَّهَ إليهم العديد من اسئلة محرجة عن الحاضر والمستقبل وعن الوضع غير الوُدّي الذي مرت به المسيحية في العراق وبلدان الشرق الاوسط بصورة عامة. يجب ان يعلم آباؤنا ان هذا الامر لم يعد يُحتمَل. ولان مصير مستقبل أجيال الكلدان هو  في ايديكم وهو مرتبط  بمصير الاجيال الحاضرة يا أيها القادة، لهذا يجب المحافظة على  كرامتها وحقوقها ووجودها وتاريخها . املنا ان لا تبقى الكنيسة على ما كانت عليه قبل انتخاب غبطة مار لويس روفائيل الاول ساكو والتي كانت طريقة تفكيرها تعود للوراء على الاقل مئة سنة.
الكنيسة الكلدانية في داخل مؤسساتها ايضا تحتاج ايضا الى الاصلاح. ويجب ان يتم اعطاء الدور للعالمانيين للمشاركة بالقرارات التي  تتخذها الكنيسة. ويجب ان يلتزم كُلُّ واحد من أبناء الإكليروس برسالته وان لا يجتهد او يتمادي في مصلحته الشخصية، وان يتم الإحالة الى التقاعد لكل واحد بلغ سن التقاعد كي يتم اعطاء مجال للاباء الجدد الشباب لإشغال هذه المناصب واخذ دورهم في الحياة.
رابعا - الدعم المالي
يجب ان يتوفَّر للسياسيين والقوميين والمثقفين والمفكرين وحتى رجال الدين المُساندين للقضية القومية عون مالي، وعليهم أن يطالبوا ويشجعوا اصحاب رؤوس الاموال للإستثمار بهدف دعم الموقف السياسي للكلدان ليتسنّى لهم الدفاع عن جودهم القومي والوطني، لأن الحياة لا معنى لها بدون ان يكون للفرد مكانة بين مجتمع خاص به.
خامسا -  وضع ستراتيجيات العمل الميداني
1 - العمل في مجال الرياضة بصورة مكثفة لانها مهمة، بل هي دين العصر كما قال احد الفلاسفة، اعني اقامة بطولات موسمية أو سنوية بين شباب الاندية او الجمعيات او الكنائس.
2- التركيز على اللغة  باقامة مراكز لتعليم اللغة الكلدانية في القرى والمدن عن طريق الكنائس او الجمعيات و المؤسسات الأخرى واصدار منشورات بللغة الام، التحدث في الاذاعات المحلية بنفس اللغة اثناء المقابلات.
3- إقامة مهرجانات ثقافية وشعبية بللغة الام ورصد جوائز قيمة وكبيرة لهذا العمل بحيث تترك الشبيبة والمثقفين يجنون فائدة مادية من هذا العمل.

4-   تشجيع الشبيبة الكلدانية على احتلال مناصب كبيرة وعالية في الدول التي يعيشون فيها والاعتراف بقوميتهم  وابرازها بدون خجل.
5-   تشجيع الطلبة للقيام بالدراسة في الجامعات واختيار مواضيع عن الهوية الكلدانية في اطروحاتهم ومشاريعهم.
6-   تشجيع الكتاب والشعراء لتأليف الكتب عن التاريخ والتراث الى جانب قصص وقصائد واغاني وشعر ضمن الفلكلور الكلداني.

7-   انشاء متحاف محلية في كل مدينة في العالم، تُجمع فيها تُحفٌ واداوت الصنع واجراء عملية التوثيق لها.
المحور الثاني: حول تنمية الوعي القومي
1-   يجب ان نكون حذرين، ان لا نجري عكس التيار الذي يسير معه المجتمع الانساني العالمي، لان لا مفر منه، لأنه سيواصل سيره ولا يهمُّه أن يسحق من يقف مقاوما له، يجب ان نسبق الاحداث و نوجه أبناء شعبنا الى عدم السيرعكس التيار بل معه في الاتجاه المفيد والذي يخدم مجتمعنا.  ما اود ان اقوله هنا هو ان العالم يسير بإتجاه (الرياضة، والفنون بكافة انواعها، تغيير مناهج التعليم في المدارس، الالعاب الالكترونية، مراكز اللهو الاخرى) نود ان نشير ان الالكترونيات والرياضة اكتسحتا العالم من ناحية الاهتمام وغيرتا عقلية الجيل الصاعد بحيث كل واحد منا يرى الفروق الكبيرة في طريق التفكير وتحليل الامور او وزنها  بينه وبين اولاده. لهذا يجب ان نركز جهدنا في هذه الحقول وغيرها كمجتمع وكأفراد ونعمل من خلالها للحفاظ على الذات الكبيرة (الهوية او القومية).
 2-    بالنسبة للمراة  ليست فقط نصف المجتمع بل هي النصف الاهم للمجتمع في هذا العصر، لهذا يجب ان يتم استثمار جهودها على كافة الاصعدة، لا سيما من خلال التربية وزرع حب الهوية القومية للكلدان من خلال تعليمه اللغة  والايمان بالتعاليم المسيحية التي تحافظ على التوازن العقلي للانسان، واحترامه للتقاليد والقيم الاجتماعية التي توارثناها من  اجدادنا لا فقط بسبب حياتهم بل للسبب ذاته – اي حماية ذواتهم من الزوال بين الاعداء.
 3--   اقامة مهرجانات سنوية عالمية في ديترويت، شيكاغو، سانت ديكو، سدني، ملبورن، ويندزور، تورونتو.، والأهم في منادق الوطن؛

 في الخلاصة يجب ان تعاد هذه المؤتمرات في كل سنتين على الاقل من اجل اجراء التصحيح اللازم على المسيرة حسب الظروف السياسية العراقية والدولية .

CONVERSATION

0 comments: