انتخابات بلدية الناصرة: يجب وقف الصراع بين الجبهة وعلي سلام!/ نبيل عودة

اجواء معركة الانتخابات في الناصرة بدأت تتضح وتشغل المواطنين، وهذا أمر طبيعي. 
عبرت عن رأيي باكرا في مقال سابق حول واقع الجبهة ورؤيتي حول اختيار مرشح لرئاسة البلدية، وما زلت على قناعة ان ترشيح رامز جرايسي ، سيضر برامز جرايسي على المستوى الشخصي ولا انكر انه المع الأسماء واكثرها قبولا للمواطنين في الناصرة. من جهة أخرى لا يمكن قبول هذا العجز الذي تبديه الجبهة من موضوع هام للغاية، اختيار مرشح جديد لرئاسة بلدية الناصرة، يواصل طريق رامز جرايسي التطويرية. هل غاب عن حزب هام وأكبر الأحزاب العربية، الفهم البديهي لقاعدة ان النجاح هو عملية متواصلة بلا انقطاع، يجيء الجديد ليواصل ما بدأه سابقه، طريق باتجاه واحد وليس طريقا باتجاهين؟ لم تُحضر اسماء جديدة خلال العشرين سنة الماضية لذلك سنجعل الطريق ذات الاتجاه الواحد تخالف قوانين السير(والطبيعة) بان تعود المركبة التي وصلت الى نهاية طريقها من نفس الطريق، أي عكس خط السير، لأننا لم نجهز مركبتنا لتواصل الطريق؟! 

هذا تفكير لا يليق حتى بالمراهقين وهو في جوهر فقدان الحركات الفكرية والسياسية لمكانتها ودورها وسقوطها بشكل مؤذ ومؤلم. لا اكشف سرا اننا كنا شهودا خلال العقود الماضية على خروج  من التاريخ (تاريخها)  لأهم قوة سياسية فكرية ونضالية رافقت الجماهير العربية منذ نكبة شعبنا كدرع وفر له امكانيات الصمود، تجديد  الذات والانطلاق من جديد، واضحت جسما سياسيا تقليديا ومتوقعا في تفكيره وفي نهجه!!

ان غياب منظمة المجتمع المدني ( التنظيم الحزبي في حالتنا) القادرة على ضبط تنظيمي وسياسي وبلدي، ورصد التغيرات والمتطلبات المستقبلية ، هو العائق الكبير والكئيب الذي يواجه قائمة الجبهة ومرشحها (المجهول حتى الآن) للرئاسة في هذه المعركة الانتخابية التي اتوقع ان تكون مصيرية وصعبة. 

من الواضح اني مقتنع بأفضلية الجبهة، لأسباب عديدة، أهمها الحفاظ على مجتمع مدني حضاري بعيدا عن القبلية والطائفية البغيضة. وأن هذا الجسم السياسي هو المؤهل أكثر من غيره على رسم طريق التطور البلدي للمرحلة القادمة والحفاظ على مكانة الناصرة كعاصمة سياسية للجماهير العربية. بعيدا عن مغامرات قومجية بواجهة "نسائية" ملطفة. وبعيدا عن فكر غيبي مطلق راينا نتائجه في عالمنا العربي!!

الجبهة في مسيرتها ارتكبت أخطاء كثيرة، ليس في الناصرة فحسب ، بل في الوسط العربي عامة، فقدت طلائعيتها في ادارة مجتمعنا المدني وسلطاتنا البلدية. نقدي ليس من منطلق عداء. افهم ان البعض سيرفع امامي شعارات بالية مضحكة حول الأولويات التي تبنى على اساسها استراتيجيات سياستهم: "نناضل ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية  ونحن حزب ماركسي لينيني نؤمن بالصراع الطبقي وانتصار البروليتارية العالمية ولا ننزلق عن مبادئنا". كلام مللناه يقود الى فقر فكري رهيب ينفي  العقلانية وتحديث الفكر حسب المعطيات الاجتماعية والسياسية المتجددة.. بكلمات اخرى نحن في عصرالحداثة التنويرية، لم يعد من الممكن التقوقع تحت مظلة فلسفية لا نرى بديلا لها  ولا ننفي عظمتها، اشكالية هذا الموقف هو الانغلاق عن فلسفات عظيمة بحد ذاتها،  الحضارة الحديثة انتجت ما لم تنتجه الفلسفة الطبقية، دولة القانون والتناوب الديمقراطي للسلطة واعلان حقوق الانسان والمواطن وحرية المعتقد، ولكنه ليس موضوعي اليوم.  

 اخطاء الفترة السابقة كبيرة وكانت قاتلة في معظم البلدات العربية. تحولنا من تنظيمات جبهوية هي النجم الأعلى في بلداتها،الى قوائم  تتصيد تحالفات عائلية. بكلمات اخرى، هذه اشارات لفقدان المصداقية السياسية والفكرية ولم تنزل علينا من السماء في يوم غائم، بل هي نتيجة التفكك الفكري والتنظيمي للقوة السياسية التي وقفت وراء بناء الجبهة واطلاقها في جميع البلدات العربية.

اخص بالذكر مدينة الناصرة التي استطاعت الصمود لأكثر من 38 سنة، وآمل ان تصمد 38 سنة أخرى، رغم اني لست متفائلا كبيرا نتيجة استمرار الضعف في صفوف الحزب الشيوعي القائد المفترض للجبهة. ما انقذ الوضع في الناصرة وجود رئيس بلدية دينامي ومهني، عمل بتفان وانكار للذات مكرسا كل طاقاته من اجل مدينته وأهلها.

مؤسسات الجبهة في الناصرة تلاشت، اختفت. لا يمكن ان ننسى ان تأسيس الجبهة رافقه تأسيس روابط للأكاديميين ، للتجار والحرفيين وللطلاب الجامعيين. هل من ضرورة لأذكركم ان رابطة الأكاديميين في الناصرة كانت تعد ما يقارب 600 عضو نشيط، وقامت بدور هام في حياة المجتمع النصراوي؟ لم يتوقف نشاطها على موضوع ايصال الجبهة لإدارة البلدية فقط، بل امتد نشاطها الى الزوايا الاجتماعية، الثقافية والتربوية،  دورا كبيرا لعبته رابطة التجار والحرفيين التي جمعت معظم تجار وحرفيي الناصرة،  دورا مماثلا وهاما كان لرابطة الطلاب الجامعيين ابناء الناصرة ( 300  طالب جامعي على الأقل) مجتمعين مع الحزب الشيوعي في الناصرة شكلوا جبهة الناصرة التي انجزت أكبر انتصار تاريخي سياسي وحضاري في تاريخ الأقلية العربية في اسرائيل بالوصول الى ادارة اكبر واهم مدينة عربية، ونشر اسلوبها الجبهوي ، نهجها ، مركباتها وفكرها بين الجماهير العربية في مختلف بلداتها.

في مرحلة متأخرة ( بعد انشقاق المجموعة التي عرفت باسم "الحركة التقدمية") اصدرنا مجلة لرابطة الجامعيين ، صدر منها 4 اعداد باسم مجلة "الطريق" كنت مساهما في تحريرها ، توقفت مع بدء تفكك رابطة الجامعيين واندثار تجمع التجار والحرفيين واختفاء رابطة الطلاب الجامعيين لأسباب تتعلق برؤية خاطئة، ان الجبهة يجب ان تكون جسما واحدا بدون تنظيمات مختلفة .

 امتدت رياح الناصرة (التي انتصرت جبهتها عام 1975) لتشمل كل وسطنا العربي اولا، ووصلت رياح الناصرة الى الضفة الغربية في الانتخابات التي اوصلت القيادات الوطنية الفلسطينية لرئاسة السلطات المحلية بهزيمة كبيرة للاحتلال الاسرائيلي وروابط قراه وعملائه... هل سأل احد نفسه كيف اختفت هذه القوى التي شكلت وتشكل زبدة المجتمع العربي  ووجهه الأكثر اشراقا ونافذته للمستقبل؟!

انشقاق الجبهة وتشكيل الحركة التقدمية  بعد عدة سنوات من انتصار الجبهة في الناصرة كان نتيجة اخطاء تراكمت، كان الانشقاق احتجاجا على اسلوب عمل ونهج. اختفت التقدمية وهو امر طبيعي لتنظيم طارئ لكن الانشقاق ترك آثارا سلبية تتواصل حتى اليوم. اليوم نجد ان القائم بأعمال رئيس بلدية الناصرة على سلام، قرر ان يخوض الانتخابات بقائمة مستقلة منافسا على رئاسة البلدية. 

قرأت مختلف البيانات، بيانات علي سلام وبيانات الجبهة. اقول بمسؤولية، ارجو فهم موقفي بالمنطق العقلي وليس بالمشاعر والغرائز. من حق علي سلام ان يخوض معركة الانتخابات بقائمة مستقلة، كنت افضل ان لا يحدث ذلك. علي سلام سيؤثر طبعا على الجبهة، ولكن تأثيره الأكبر سيكون على القوائم الأخرى بما فيها القائمة الاسلامية. يجب وقف المعركة الاعلامية ضد علي سلام وان يوقف علي سلام ايضا صراعه مع الجبهة. معركة الجبهة وعلي سلام ليست في هذه الساحة وليس في مناطحة بعضهما البعض، بل اضعاف القوى التي تريد اعادة الناصرة للانغلاق الاجتماعي والفكري والطائفي!!

علي سلام يرفض انهاء نشاطه البلدي كما قررت الجبهة ويريد ان يعود نائبا للرئيس او قائما بالأعمال، هذا حقه الديمقراطي، لا ارى انه سيتجاوز هذه الخانة  وآمل ان ينجح بكسب اصوات لا تصوت عادة للجبهة.

المنطق السياسي السليم ان ترى الجبهة بعلي سلام شريكا في المستقبل، بشروط مختلفة عن شروط كونه جزء من الجبهة. من المهم جدا عدم تفريغ غضب الصعوبات التي تواجه اختيار مرشح من الجبهة لرئاسة البلدية ضد علي سلام.

الجبهة اليوم ليست الجبهة قبل 20 – 30 سنة. الصراع ضد علي سلام لن يفيد في هذه المعركة الانتخابية بل سيلحق الضرر الكبير بالجبهة وبمستقبل الناصرة.

الموقف يجب ان يتمحور حول اختيار مرشح قادر على احتلال المساحة الكبيرة التي سيتركها رامز جرايسي. والتركيز على المنافس الرئيسي للجبهة الذي يشكل تهديدا للمجتمع المدني الحضاري المتآخي والرافض للطائفية في الناصرة. 

اعتقد ان علي سلام ايضا يجب ان ينهج بعقلانية في دعايته الانتخابية، الجبهة ليست عدوه ، بل منافسته، وهذا يختلف كثيرا. لأن نقده للجبهة او تهجمه عليها هو سيف ذو حدين ، سيطوله أيضا بصفته نائبا وقائما بالأعمال ضمن قائمة الجبهة ونهجها خلال سنوات طويلة. 

لتتوقف بيانات الجبهة ضد علي وبيانات علي ضد الجبهة ، هناك منافسة وليس عداء او صراعا. والتفكير منذ اليوم بتركيبة البلدية القادمة!! 

nabiloudeh@gmail.com

CONVERSATION

0 comments: