لقد أصبحت الكتابة عن الحياة السياسية في لبنان تشبه مطاردة الرياح او البحث عن واحة صغيرة في الصحراء الكبرى او في الربع الخالي . ففي لبنان فقط تجد الرؤساء يناضلون بجد لعرقلة اعمال حكومتهم، وتجد الاصوليات الظلامية تزايد بالادعاءات الديمقراطية والحريات العامة في الوقت الذي توالي فيه الانظمة القروسطية، حتى عمّت الحيرة المواطنين بين اختيار الاستبداد والحكم الفردي او نظام القبيلة وعشوائية الفتاوى.
ليس هذا النهج جديداً على الساحة اللبنانية المتمرّسة بالتبعية والتطلع دائماً الى ما وراء الحدود. وبعد ان توقفت او أوقفت الحرب الاهلية وحتى انهاء الوصاية، بزغ أمل جديد ومُنتَظَر بقيام جيش نظامي فرض نفسه على الساحة رغم حرمانه من الأعتدة الحديثة القادرة على حماية الوطن من أعداء الخارج.
ان الجيوش في البلدان الراقية لا تستعمل لفرض الأمن في الداخل ولتأمين الوحدة الوطنية. ولكن في البلدان النامية او الصاعدة باتجاه بناء دولة حديثة متماسكة، تبقى الجيوش النظامية القوية هي الأمل الأول لتحقيق ذلك.
لقد أثبت الجيش اللبناني جدارته منذ الانتفاضة الكبرى في مطلع العام ٥٠٠٢ بعد استشهاد رفيق الحريري حين أدار الدفّة الامنية طوال أشهر من التظاهرات الحاشدة دون هدر نقطة دم واحدة مما اثار دهشة واعجاب الداخل والخارج، وكوفىء قائد الجيش بإسناد الرئاسة الأولى اليه.
ولكن بروز جدارة الجيش وتماسكه مسألة لم تعجب الذين ظنوا ان لبنان مزرعة او إمارة تدار من قبل فريق انفصل عن الهيمنة الاولى ليمارس هيمنة جديدة، وكان هدفه الاول التشكيك بالجيش اللبناني ومحاولة زجه في معارك داخلية مثل مجابهة العصابات الاصولية المسلحة والتحريض على تفجير معارك قتالية مع المقاومة على غرار معارك جرود الضنية قبل اكثر من عقد ونهر البارد وعنجر مروراً بحادثة مار مخايل التي أخفيت اسرارها واحداث ٥ و٧ ايار ٨٠٠٢ التي نجا منها لبنان وجيشه بما يشبه المعجزة.
وبعد ان فشلت المحاولات غير المباشرة لضرب وحدة الجيش اللبناني وافتضاح النوايا المذهبية لبعض الساسة، انتقلت المعركة الى العلن واصبح التهجم على الجيش وقياداته مهمة بعض اعضاء المجلس النيابي وقادة الاصوليات الاسلامية والمسيحية الحالمة بإقامة الامارات والكانتونات. وهنا نذكر ان الاصوليات والحركات الظلامية ليست مسلمة إذ هناك قوى مسيحية حلمت بالكانتونات والاقطاع الفردي قبل غيرها بقرون وقرون.
كانت الدعوة الى اقامة الامارات والكانتونات حلماً راود البعض، رأيناه كما غيرنا بعيد المنال والتحقيق. ولكن بعد ان سيطرت على الساحة فتاوى وآراء القرضاوي وآل الشيخ والشهال ورضوان السيد مدعومة بإرث شاكر العبسي وكتائب عبدا لله عزام، بتنا نشعر ببعض الخطر رغم تماسك الجيش الوطني والدعم الرسمي والشعبي له.
ان المربك هو محاولة اصحاب هذه الفتاوى والآراء سرقة الربيع العريي وتحويله الى زمن حجري جليدي. وبعد ان ساند أيمن الظواهري من كهوف تورابورا »الربيع المنكوب«، تذكّر العديدون ان الظواهري هذا كان احد تلاميذ عبد الله عزام مؤسس القاعدة مع بن لادن والذي يتزعم تلميذه توفيق طه التخطيط لتفجير ثكنات ومراكز الجيش اللبناني والذي قاد عدة اعتداءات سابقة على هذا الجيش.
كيف تتبدل الامور والاحداث لا ندري. وعندما نقرأ عن مفاوضات اميركية مع حركة طالبان الافغانية، لا نعود نستغرب ان نرى قريباً زعيم البيت الابيض يعتذر من اعضاء القاعدة ويدعو الى تشييد نصب تذكاري لأسامة بن لادن في احدى باحات البيت الابيض. أليست السياسة مصالح لا تعرف العداوة الدائمة؟... رحم الله ونستون تشرشل.
يعيش لبنان حالة من الترقب والخوف من المستقبل القريب بسبب الاحداث السورية. ولا يخفي الكثيرون خوفهم على مصير الجيش وتماسكه الذي يعني وحدة وتماسك الوطن.
ان الوضع العربي لا يدعو الى الاطمئنان، وفجور المال النفطي هو اكثر ما يهدد الدول التي لا تسير في الاتجاه المرسوم للقضاء على اي صوت يرتفع ضد دعاة وحماة السلفيات المتعددة المذاهب والانتماءات التي لا يستفيد منها سوى الكيان الصهيوني الذي يتفرج على ما يجري ضاحكاً متشفياً... والآتي أعظم.
ان احلام الطامحين الى اقامة الامارات والكانتونات لم تعد اكثر من اوهام وكوابيس تراود بعض المفجوعين بخسارة السلطة. ولكن مجرد تمسكهم بهذه الاوهام قد يؤثر على الوضع اللبناني الهش والقابل للاشتعال دائماً.
0 comments:
إرسال تعليق