انهزامية العقل في تحديه للنقل في رواية "الأب الأعظم " للكاتب الدكتور حبيب مونسي/ ابو يونس معروفي عمر الطيب

تجتذبني روايات الخيال العلمي فكلها ترتكز على رؤية مستقبلية في تخطيها للزمن الحاضر و استشرافها لزمن مستقبلي غيبي لا تدركه المدارك العقلية للإنسان لا من خلال المخيلة اعتمادا على رؤية علمية أو دينية أو فلسفية ولكن لان معظم كتاب هذه النصوص ينتمون للغرب أو هم من شيعته ، تشبعوا بثقافة مجتمعاتهم فإننا نجد تلك الثقافة بما تحمله من تناقضات وقيم فاسدة لا تقبلها الفطرة الإنسانية مجسدة ظاهرة أو على شكل شفرات ورموز مدسوسة كالسم في الدسم داخل البنية التبليغية لهذه الروايات التي ما من شك أنها لا تخرج عن كونها أداة من أدوات توجيه القارئ إلى الإيمان برؤية أو معتقد يخدم ذلك التوجه والقارئ العربي المشبع بقيم الإسلام سيحد نفسه أمام تحد من نوع آخر يطعن في معتقده فينتابه الارتباك الممزوج بإحساس الغبن وهو يقرأ هذه الروايات أو يراها رأي العين يصنع منها السينمائي صورا اغرائية تضاعف من هيمنة النص على ذهنه ومهما كان تأثيرها الآني قويا مؤثرا في مشاهده تنتهي على نسق يشتهيه القارئ ، فان ذلك الشعور بالغبن لا يزدادا إلا عمقا.
لكن في رواية ” جلالته الأب الأعظم ” للدكتور حبيب مونسي التي بمجرد أن أدركت انتمائها لذلك النوع الأدبي فأقبلت على فصولها برغبة جامحة ليس لكونه وظف النص الديني في الرؤية المستقبلية ولكن لان مشاهدها تتماهى والفطرة الإنسانية السليمة ليس هذا فقط وإنما لامتلاء فصولها بالحيوية والتشويق التي صاغها بمهارة فائقة فكانت الحبكة غاية في الدقة تماسكت عناصرها وحافظت على المسار العام في توظيف النص الديني بشكل مبهر من شأنه أن لا يحدث ارتباكا لدى القارئ حين انتقاله بين فصول الرواية فيعيش الماضي والحاضر والمستقبل في خط زمني صنع فيه الكاتب بمهارة تنامي الصراع بشكل طبيعي ومبرر ، من خلال حضوره في النص من حيث هو كفني يحرك عقارب وبوصلة السرد باقتدار الروائي والناقد فصنع هذا النص، جذابا يمهد لطرح مغاير لما ألفه عشاق الخيال العلمي.
فعلى غرار الطرح أي تبناه الروائي الأمريكي اليهودي الأصل دان براون في روايتيه شفرة دافنشي والرمز المفقود واللتين صنع فيهما من الفكر الماسوني معتقدا يخدم الإنسانية جمعاء مبني على أسس علمية ترعي المعارف وتوطد للعلم واضعا لرموزها جذورا ضاربة في عمق التاريخ البشري مازجا بين الديانة اليهودية والمسيحية مبرزا بذلك فضائل الماسونية ، وموظفا إياها في البنية التبليغية العامة لروايته وبذلك كشف عن نفسه كمنظر للماسونية. ورغم انه اتكأ في رؤاه على نمط عقائدي غير سوي باعتبار أن الماسونية منظمة سرية يهودية الأب وإلام ومنطلقها التلمود الذي يتضمن تعاليم شاذة تجعل من البشر غير اليهود بهائم .. ، و أفضى إلى حقيقة أن كل قادة أمريكا ينتمون إلى الماسونية ويؤكد أن الماسونية كمنظمة لا تزال تنشط بقوة لتؤكد سيطرتها على العالم وقيادته نحو دولة عالمية واحدة.
على غرار هذا الطرح نجد أن الدكتور حبيب مونسي وان توغل في كثير من المفاهيم والمعتقدات الضاربة في عمق التاريخ وصولا إلى جذور الماسونية فعرض رموزها وشفراتها مثله مثل دان براون تماما إلا انه من خلال قراءة مستقبلية للحاضر والماضي وضعها في مكانتها الحقيقية من خلال إبراز صورتها المهيمنة الخفية كاستمرارية لواقع الحال الذي جسده الروائي دان براون ليصل بنا في النهاية من خلال رؤية مستقبلية حتى إن لم تتبدى في العنوان الأصلي “جلالته الأب الأعظم ” فإنها تجلت دلالتها في العنوان الفرعي ” الخطر القادم من المستقبل ” ليصل بنا في النهاية إلى حقيقة مآل ما تدعو إليه هذه المنظمة من منطلق فطري باعتبارها مدرسة عقلية تنبذ كل الديانات السماوية والعادات والأعراف التي تالف عليها بنو البشر وتأخذ بيد العالم إلى مستقبل غامض غموض رموزها تحت ذريعة تحرير العقل البشري من كل القيود الأخلاقية ورغم أن النقاد يجمعون على أن دان براون خرج من الفراغ إلا انه وصل إلى شهرة عالمية ليس لأنه مبدع “قدم ما كان يبحث عنه القراء بالضبط وبأسلوب جديد وبطريقة عرض جديدة حققت قبولية مذهلة لدى الناس”[1] فقط وإنما أيضا لأنه صنع من ماضي الإنسانية وحاضرها فضاءً تألقت فيه نجومية الماسونية في ثوب براق يستجلب ويستهوي إليه البشرية لاعتناقه كمذهب أوحد فإننا نجد الروائي حبيب مونسي في هذه الرواية قد صنع من الحاضر والمستقبل فضاء كشف فيه لؤم و شرور الماسونية كمنظمة يهودية ضاربة بجذورها في الماضي السحيق ، بالارتكاز على نصوص نقلية ” القران والسنة ” ثابتة تنبؤية تحقق الكثير منها في الماضي والحاضر كحقائق ملموسة أودع فيها نظرته الاستشرافية لمستقبل البشرية جمعاء . ويمكن ان نصنف هذا الطرح ان صح التعبير ذا الرؤية المستقبلية التي صنع فيها الدكتور حبيب مونسي من “القران والسنة” منهاجا ينقذ البشرية من مغبة ما وصل إليه العقل البشري من دمار لإنسانيته ولعالمه الذي يعيش فيه .هو بمثابة رد على الطرح الذي تبناه الروائي دان بروان وكذلك الطرح المغاير والمعاكس الذي تضمنته رواية ” The Book of Eli ” تأليف ” غاري ويتا “والذي يبرز فيه كاتبه دور القديس المسيحي الذي يدافع عن نسخة الإنجيل الوحيدة لإنقاذ العالم المدمر وهو نص اعتبره النقاد رد فعل مسيحي عقائدي على الطرح الأول للكاتب دان براون.
من هذا الزاوية التي تتكئ فيها الرؤى المستقبلية للبشرية على صراع العقل مع النقل في الماضي والحاضر والمستقبل والتي جسدتها رواية “جلالته الأب الأعظم “باعتبار أن شخصية الأب الأعظم أو المسيح الدجال يعتبر كحالة إنسانية القمة التي وصل إليها العقل البشري في تحديه للنقل ، فارتأيت أن اجعل من هذا الصراع منفذا للولوج إلى مناقب هذا النص في دراسة بعنوان”انهزامية العقل في تحديه للنقل في رواية جلالته الأب الأعظم ” سيتم نشرها مستقبلا بإذن الله.
 ملك من نسل النبي داوود عليه السلام  عند اليهود

بنية النص الديني
ظهور الدجال و"خفرائه وطلائعه".([31])

تضليل الناس والتسلط عليهم

اتباع بعض الناس للدجال والإيمان به وتقديم الطاعة له

وجود بعض الناس الذين يرفضون الانصياع لأعور الدجال.

بنية النص التراثي
ظهور المهدي الذي يقود المؤمنين وينتصر على الدجال وأعوانه.

الخيال العلمي أو ما بعد الحداثة  
هل استنفذ المخيال العربي المبدع وحيه المستمد من تفاعله مع محيطه القريب داخل واقعه المعاش ؟ ومع البعيد في ميثولوجيا الشعوب السابقة التي اعتبرت أولى المغامرات الإبداعية للمخيلة البشرية ؟ حتى لم يعد المبدع العربي يجد مجالا يُنقع فيه خياله رغم الانفتاح وما وفرته التكنولوجيا من تفاعل فيما بين العناصر المكونة لهذا العالم الذي لم يعد سوى قرية صغيرة صقلت العولمة فيه   المخيال الجماعي ووحدته حتى صار من غير الممكن تجزئة عناصره في توجيهه وتحديده لطبيعة مسيرة المجتمعات وحضاراتها ، من حيث تمكن هذا الفكر العالمي  من تحديد مسيرة الأفراد حتى صقلهم على نمط واحد كما نلمس ذلك  اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فنجد التواصل فيما بين سكان العالم دائم لا تعطله حدود والتخاطب  فيه يتم بوسيلة واحدة  والتفاهم يتم باستعمال رموز لغوية موحدة ومتشابهة ولها نفس الدلالات بل نجد الأمر قد تعدى كل ذلك إلى الطبائع واللباس والآكل حتى صار التأثر بنفس المشاهد واحدا والتعامل مع المواقف له نفس ردة الفعل ".
 ام ترى أن كل المواضيع والأفكار السائدة باتت بائدة مستهلكة حتى في تناصها .. فعكف الروائي العربي على الاستنجاد بعالم الخيال العلمي في كتاباته بعد أن كان يعد بالنسبة اليه عالما مرتبكا يُنظر إليه كأدب غربي لا علاقة له إطلاقا بالمخيال العربي في هويته وعلاقته مع فكر الإنسان العربي وميولاته شانه في ذلك شأن الأغلبية الغالبة في عالمنا العربي المقتدية بالعالم الغربي في كل أمورها العامة والخاصة ... ام تلك كانت ضرورة ملحة تقتضي وضع اليد العربية ولو على جزء صغير من فضاء الخيال العلمي الذي هيمن على الكتابة والسينما بل أصبح كغيره من الصنوف الأدبية الأخرى وسيلة لتمرير رسائل توجيهه تخدم مصالح الشعوب وتُنظِّر لإيديولوجيات ومعتقدات أكثرها فاسد  ، منطلقاتها ماديته تكشف غطرسة الإنسان الغربي ومحدودية أفقه.. ومنطقه القائم على القهر والغلبة.. المعدم من كل مجال للمسالمة والتآخي... لاعتقاده متوهما بأنه محور الكون الذي منه وإليه تنطلق الحقائق ، [2] فنجده في مغامراته وتخطيه للزمن الحاضر يصنع كائنات أسطورية أو أخرى  قادمة من الفضاء يلبسها طباع العدوانية ليلتمس فيما يصنع أحقيته في التسلط على البشرية كمدافع عنها والدافع  ويمكن الحديث هنا على أن النزوع إلى الخيال العلمي بهكذا توجه  هو إحدى أوجه ما بعد الحداثة التي تتمظهر حسب رأي الأستاذين د.سعد البازعي وميجان الروي  في أربعة منظورات ، المنظور الفلسفي الذي يرى أن ما بعد الحداثة دليل على الفراغ بغياب الحداثة نفسها، والمنظور التاريخي الذي يرى أن ما بعد الحداثة حركة ابتعاد عن الحداثة أو رفضا لبعض جوانبها، والمنظور الإيديولوجي السياسي الذي يرى أن ما بعد الحداثة تعرية للأوهام الإيديولوجية الغربية، والمنظور الاستراتيجي النصوصي الذي يرى أن مقاربة نصوص ما بعد الحداثة لا تتقيد بالمعايير المنهجية،  وليست ثمة قراءة واحدة، بل قراءات منفتحة ومتعددة.[3]
خيار الخيال العلمي في السرد العربي كأحد أوجه ما بعد الحداثة..
لا شك أن  المنحى الذي بدأ ينحاه الروائي العربي في تشكيل نصوصه الروائية بلون الحداثة أمر طبيعي في عملية التطور كما في كل الميادين الحياتية الأخرى في مجتمعه مثله مثل الروائي الغربي الذي عمد إلى صناعة الرواية الغربية في شكلها الفني  الحالي مضطرا لمواكبة التطور التكنولوجي الذي شهده مجتمعه بالإضافة إلى توجه القارئ لديهم في أواخر تسعينيات القرن الماضي بحثا عن كل الكتابات ذات النظرة الاستشرافية المستقبلية التي تتنبأ في كل توجهاتها بنهاية العالم وهكذا وجد المبدع العربي نفسه مضطرا في كل الحالات لحرق مراحل الحداثة التي لم يستقر فيها بعد  للولوج مخيرا أو مسيرا إلى عالم كله خيال مبني على فرضيات قد لا يحسن السفر فيه دون التمكن من شفرات عالم التكنولوجيا و سلاحه في ذلك كله الاقتداء بروائيي الغرب فخطى خطواته الأولى على استحياء ليكتب في الخيال العلمي "ذلك العالم الذي هو بمنزلة استعارة أو مجاز عن حالة الإنسان الحالي برأي ديفيد كارتر [4] ويمرر بدوره هو الآخر رسائل تخدم عصبيته على حد تعبير ابن خلدون وهو ما أشارت إليه الدكتورة خوله طالب الإبراهيمي بأنه كل أثر في العملية التبليغية وهي وظيفة الإخبار والتوصيل والإفادة وهي في الحقيقة أساس الوظائف الأخرى إذ أن الوظائف الأخرى يمكن أن تعتبر فرعا  عنها "[5]  وباعتبارها أيضا أي الوظيفة التبليغية ، وظيفة اللسان الرئيسية وتتمثل في نقل الفائدة أو الخبر، وتندرج في الغرض الأصلي من الكلام وهو حصول التبليغ والفهم، وتشمل عناصر دورة الخطاب كلها [6] في السرد الروائي التي سنستقرئ من خلالها المرجعية التي انطلق منها السارد للإطلاع على بعض الجوانب من هويته الأدبية ولا شك أن هذا الإجراء  قد يصبح صعب المنال في بعض النصوص المنغلقة أو المتخيلة في عمومها "خيال تكنولوجي " فلا تكون كافية وحدها للإفصاح عن المسكوت عنه " النص الغائب" ويصبح ضروريا الخروج عن النص بالكلية والإحاطة بالكاتب من خلال استقراء نصوص أخرى  ومن ثمة إقامة ربط بين النص وما يُستشف من هذه الإحاطة ،  وكما أدرجنا تتعقد وتصعب عملية التنقيب حين ندرج إلى عالم الكتابة في الخيال العلمي من خلال وقوفنا وملامستنا للنص الروائي المعنون بـ "جلالته الأب الأعظم "للكاتب الجزائري الدكتور حبيب مونسي .الذي عانق كغيره من كتاب الغرب عالم الخيال مازجا بين التكنولوجيا الحديثة والمتخيل من الرؤى الغيبية ذات العلاقة بالمعتقد ليبلورها كرؤية استشرافية يُحتمل تحققها انطلاقا من حاضرها باعتبارها واقع حال وحقائق علمية ثابتة دون أن يغفل عن توظيف التراث العربي والإنساني في العملية التبليغية. وهكذا نجد أن الكثير من المرجعيات قد تقاطعت في رواية  “الأب الأعظم ” وشكلت  إطارا تفاعلت فيه كل دلالاتها بعمق وهذه المرجعيات هي : المرجعية الأسطورية ، والمرجعية النقلية " القران والسنة " والمرجعية العلمية والمرجعية التراثية .
الوظيفة التبليغية في نصوص الخيال العلمي.
قد لا تُستخلص بعض مرجعيات البنية التبليغية للرواية من القراءة النصية فقط بل يصبح ضروريا التعدي إلى نمط آخر من نصوص الكاتب  التي تتجلى في بعض مقالاته  ومنها  مقاله المعنون بـ "كتب الأستاذ أنور الجندي... رحمه الله عن دعاة الحداثة والشعر.."[7]  والمقال المعنون بـ القرآن الكريم والعصر الحاضر..... تنزلات القرآن الكريم "[8] ومقالات أخرى ولكن من هذين المقالين يمكن أن نستشف أن الدكتور حبيب يونسي يجد في عقول غلاة الحداثة من الأدباء الذين ينبذون كل ما يتصل بهوياتهم وتاريخهم وعقيدة مجتمعهم  هو جنوح وانفصام ويصنفهم ضمن الشواذ  المنبوذين وفي نفس الوقت نجده في المقالة الثانية  ينبذ أولئك المجتهدين في التلاوة والأوراد  حسب تعبيره والذين لا ينظرون إلي القران  إلا باعتباره كتابا منتهيا زمانا ومكانا، فهم يرددونه للبركة والأجر وطلب الثواب.. وينسون أن كلام الله ليس لمن كان قبلهم وحدهم، وليس لهم هم وحدهم، وإنما هو كلام "مفتوح" للبشرية كلها وفي كل أزمنتها وعصورها "هذا من جهة ومن جهة أخرى يحث العقول السليمة على ضرورة إعادة تنزيل القران الكريم حيث يقول: "لن يتجدد القرآن الكريم فينا حيا طريا نابضا إلا من خلال هذا الوعي، وحضوره فينا على هذه الصورة حضور لله معنا كل يوم وكل حين.. [9]
المعتقد الإسلامي كمرجع في الوظيفة التبليغية
انطلاقا من  المرجعية الإسلامية التي تبدو المهيمنة داخل سياقات النص وخارجه فتتمظهر كتوجه الأول في العملية التبليغية باعتبار أن لكل نص روائي بنية تبليغية عامة نستطيع استقراءها باختراق المبنى الحكائي واستنطاق اللغة لكونها لصيقة الوعي الفكري لدى الأمة الواحدة  الذي تشترك فيه جملة من العناصر الفاعلة كاللسان والتاريخ والعقيدة والأحاسيس وجغرافيا المكان وفي هذا يقول العلامة  ابن خلدون "اعلم ان اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده ، وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة الكلام "[10] وفي هذا أيضا نجد "ان عبد القاهر الجرجاني يتعامل مع اللغة على أنها بمثابة الجهاز الإعلامي الذي عن طريقه تنقل تلكم المعلومات المختزلة في الفكر فهي تؤثر فيه تارة وهو يؤثر فيها تارة أخرى "[11] والهدف من عملية التعامل مع اللغة هو الوصول إلى مقصود السارد  وحينها تتجلى مرجعيته المهيمنة التي تعتبر منطلق كل نص روائي إذا نجدها مجسدة تهيمن بشكل متواتر ومتصاعد في تقاطعها مع المرجعيات الأخرى ضمن القصة والخطاب فتتجلى في المسار السردي كأحداث أو تخيلات أو تكون لصيقة بشخصية الشخصيات وفي المبنى الحكائي تتجلى كرؤية فاعلة يتم الاتكاء عليها في العملية التقنية للسرد كصناعة المكان والزمن والشخصيات والألفاظ والعلاقة بين هؤلاء جميعا
سيميائية هزيمة العقل في ألفاظ وحقول النص
بغض النظر عن المعتقد اليقيني للباث والمتلقي على السواء فان أولى سمات الانهزامية في شكلها الإيجابي التي اتسم بها العقل في هذه الرواية التي بين أيدينا هو نزوع الكاتب باعتباره عقلا يمثل المرسل في الوظيفة التبليغية إلى عالم الخيال المحض والتعامل معه من منطلق التسليم بحدوث فكرة متخيلة نشأت وعلقت في ذهنه كترسبات كان التأثير فيها متبادلا حين انصاع لها منطلقا منها وموظفا إياها في العملية التبليغية "الرسالة " مضمرة أو ظاهرة  لخدمة أهداف مهما اتصفت في شكلانيتها بالترفيه والإبداع فإنها تظل تتفاعل مع القارئ  أيديولوجيا و عقائديا و سياسيا و اجتماعيا و فلسفيا وقد نجد ثنائية التأثير والتأثر مرة أخرى هي التي تكشف عن  النص من خلال تبيان المرجعية التي لا تتجلى إلا  بالكشف عن جانب من شخصية الباث والعكس .
ذهب إليه ألان تورين ( Alain Toraine )، إن الحداثة " لا تقوم علي مبدأ وحيـد، و لا علـى مجرد تحطيم العقبات التي تقف في وجه سيادة العقل، إنما هي نتيجة للحوار بين العقل و الذات. 2 بدون العقل تنغلق الذات في هوس هويتها، و بدون الذات يصير العقل أداة للقوة

"لقد شهد المجتمع الغربي جملة من المتغيرات الحضارية والثقافية، كغزو الفضاء، والثورة التكنولوجية، والصواريخ العابرة للقارات، والحروب المدمرة التي أورثت الإنسان شعوراً بالقلق والتشاؤم. ولم تصمد الرواية الغربية أمام هذه التحولات التي مسّت المجتمع والإنسان، فطوّعت شكلها بما يتناسب وهذه التغيرات، واستسلمت للعبث والتشاؤم، ونبذت القيم، وكفرت بالزمان، وحطمت الشخصية الروائية "[12] . وهكذا عرف العالم الغربي هذا النوع من الأدب الذي تعانقت فيه الرؤى والأساطير و الأيديولوجيات والعقائد وتمازج الخيال العلمي مع الخيال السحري ومن حيث المضمون فقد تشابهت في كثير من المناحي والتوجهات .وفي مجملها تتعرض في منطلقها الإيحائي إلى جملة من الاستشرافات العقلية التنبؤية للخطر الأتي من المستقبل ونهاية العالم بطرق وأشكال مختلفة كنتيجة حتمية لجنوح العقل الإنساني وإسرافه في التعامل مع أسباب وعوامل وجوده معتمدا على نظريات عقلية فلسفية ميكافيلية في غاياتها منطلقها الأنانية وحب الذات وإتباع الأهواء ورغم ذلك وفي النهاية فان هؤلاء الكتاب ومن حيث أرادوا تعظيم  العقل واتخاذه كاداة لتحطيم العقبات التي تواجهه ، يقرون في غالبيتهم صراحة أو ضمنيا في كتاباتهم بانهزام العقل كنتيجة حتمية لتهوره رغم أن الأكثرية لا تنطلق من قاعدة دينية عقائدية وهو ذهب إليه ألان تورين ( Alain Toraine )من إن الحداثة لا تقوم علي مبدأ وحيـد، و لا علـى مجرد تحطيم العقبات التي تقف في وجه سيادة العقل، إنما هي نتيجة للحوار بين العقل و الذات. 2[13] ولعله هنا يقصد بالذات الروح المشبعة بالقيم ورغم ذلك  نجدهم وهو ينتقدون ذلك العقل الجانح " المنهزم "يعتقدون في ذات الحين أن العقل كفيل وحده بإجراء عملية التمييز بين ما يضره وما ينفعه انطلاقا من تعريف العقل على انه "الأداة التي  يُميز به الحق من الباطل والصواب من الخطأ  وانه "أي العقل" اسمي صور العمليات الذهنية بعامة وعلى البرهنة والاستدلال خاصة، وانه " أي العقل "هو تلك المبادئ اليقينية التي يلتقي عندها العقلاء جميعا وهي مبدأ الحرية ومبدأ عدم التناقض ومبدأ العلمية [14] ونجد بعضا من هذا المنحى مجسدا في هذه الرواية التي بين أيدينا إذ نجد أن لفظة "العقل" استوعب المساحة الكبرى في النص فتردد اللفظ  118 مرة  ربما كان للتكرار  في المتن السردي للرواية أثره في توجيه المتلقي للتأكيد على أهمية العقل البشري في تحديد مستقبله باعتباره مخيرا لا مسيرا "لأنه سيدعوه إلى إدراك التكرار بوصفه حاملا للمعنى العام للخطاب الروائي"[15]، وهذا التكرار من حيث النسق يطابق أصول كتابة الرواية الحديثة ومن حيث السياق نستشف في كل مرة مدلولا مغايرا يتعارض تارة ويتوافق تارة أخرى مع معناه الوظيفية ، و في المجمل يمكن أن نصنفه ضمن هذا النص الروائي إلى صنفين  فالأول هو العقل الشيطاني "الإنسان الذي خلق الحرب.. خلق الدمار. ..وفسح للموت مجالا لا نقوى على رده، رغم ما كسبت المدنية من تقدم في مجالات العلم والمعرفة ".ص35 الذي يأخذ بيد  البشرية إلى الهلاك صاغرة تقودها شهواتها ص 76 ويتصف بالجنوح والتحرر من كل قيود الإنسانية وهو المعبر عنه في الفقرة التالية  " تحت سيطرة العقل الجبار " ص 198 وأما الصنف الثاني فهو عقل الإجماع  المنشود حسب ما جاء في العبارات التالية :" وإذا ساد الوهم.. واحتجب العقل.. وازداد الحصار.. حل الدمار..[16]  "لأن عقل الإنسان أقوى وأشرف من الآلة. وهو قادر على إبطال مفعولها وقت ما يريد ذلك"ص 196  ولكن يظل هذا العقل تحت وطئ النفس وماديتها وغطرستها التي "تندفع فيه اندفاعها الحيواني في كل مرة، لا تبالي بالقيم 11.وهذا ما يجعل هذا الصنف هو المنشود الذي ينقذ البشرية حسب مقروئية الرواية .  ولكن بعيدا عن السياق الواقعي الذي استوت فيه لفظة العقل على مدار السرد كله يُطرح السؤال أي الصنفين أو العقلين أعقل ..؟ مادام الأمر يتعلق بمادة واحدة لها نفس ميكانزمات التحليل في غياب ضوابط يتم الاحتكام إليها من شأنها أن تحدد مفهوم وحدود الحق والباطل والصواب والخطأ وفي النهاية لا نجد إلا عقل ثالث هو الأخر مجرد من كل أدوات الاحتكام  وليس له أداة تمييز إلا من يلمسه في نتائج الأفعال  باعتبار أن التعرف على وجوده  وأوصافه من أفعال الإنسان في ظاهر البدن فيقال هذا عاقل فعل أفعال العقلاء وهذا مجنون إذا لم يتصف بها.[17] ولكن شهد تاريخ الإنسانية أفعالا "مادية و معنوية من أفعال العقلاء " عقل الإجماع "في مصاحبتها لأجيال متعاقبة وكانت  بدت نتائجها صحيحة بمقياس العقل الآني " عقل الإجماع" في غياب أداة احتكام تميز وتحدد بشكل دقيق مفاهيم القبح والحسن نجد ان التاريخ حكم عليها " بعقل الإجماع " على أنها جنوح" عقل شيطاني "..
إن الاكتفاء بالتطرق إلى العقل الماثل في شقيه القبيح والحسن الذي انسجم مع البؤر الدلالية داخل الرواية من شأنه أن يغلق الجدل دون إن يتم الفصل النهائي في عملية تحديد المفهومين ولكن نجد السارد قد صنع مؤثرات نصية تجلت في شكل صياغات فنية بصعب تحديد تضميناتها والتي لا يمكن إسنادها إلا إلى الراوي " السارد " باعتبار ذلك نصا غائبا . فتجلى العقل الثالث متسمرا في كل خطوة يخطوها المبنى الحكائي أوكلت فيها  إليه مهمة التحكيم داخل النص وخارجه كعملية  توجيه في الوظيفة التبليغية .
وكما أسلفنا فان هذه عملية التحكيم التي لا يُستند فيها إلا للعقل تظل نسبية إن لم نقل باطلة في غياب ضوابط ليست نتاج العقول ومن هكذا منطلق فان الأصناف الثلاثة الماثلة في النص ستظل عقولا غير منطقية محدودية الأفق في تفاوتها وتضاربها وتصارعها  مقارنة مع المفهوم النقلي للعقل الذي اعتمده الدكتور حبيب مونسي كمرجعية يحتكم إلى ضوابطها في رؤية في تحديد القبح والحسن  وهذه الرؤية تتجلى في التواتر الضمني تصاعديا في وصولها الى القمة من خلال الإفصاح عنها في النص بكل جلاء ليكون الحكم من خلالها  بانهزامية كل أصناف العقول ، منهزمة كنتيجة حتمية في تحديها للنقل ومهزومة لأنها تدرك هزيمتها وتصر رغم ذلك على انتهاج المسلك ذاته في كل حراكها  فهي لا تراعي إلا الذاتية العقلية التي " تلهث وراء كل جديد في سبيل اكتساب السيطرة التي تمكنها من إذلال الرقاب " ص 87 وترتكز كلها على عنصر الذكاء واعتماد الحواس كأدوات إدراك وإثبات. ويتراءى لنا عقل آخر وهو العقل الجبار "هذا العقل يا جوراس هو الذي سيفكر بدلنا تفكيرا رياضيا منطقيا دون تعثر..فإن وصل العقل الجبار إلى نتيجة، استحال أن يصل إليها عقل أي إنسان في أطراف الأرض." ص87  وما يلاحظ ان عبارة " العقل الجبار "  تكررت  بشكل لافت  "54 مرة" وهذا لا شك  ليؤكد في اللاشعور شكلا من أشكال الطغيان أو السيطرة العقلية التي تمارس على العقل البشري في توجيهه وقد يكون الكاتب قد اعتمد في بلورة هذه الفكرة انطلاقا مما تم الحديث عنه بشأن برنامج MK-ULTRA الذي نفذته المخابرات الأمريكية CIA بسرية من خلال إجراء تجارب على البشر للتحكم في عقولهم واستبدال أفكارهم بأفكار يتم تحديدها وبرمجتها مسبقاً . وبرنامج MONARCH لاستعباد النساء والأطفال  [18] وهي فكرة ستظل تشكل هاجسا ترى البشرية من خلالها العالم سوداويا ،  "الخوف من الحروب النووية ..الخوف من الآلات الجهنمية التي أصبحت تسيطر على حياة الإنسان وتستعبده. لقد دخلت فكره ، وبيته، وسدت في وجهه المسالك نحو الإنسانية "ص 14 وهذا المشهد يذكرنا بتطور العقل الآلي الذي عالجه الكاتب والمخرج السينمائي جيمس كاميرون في فيلمه المبيد  The Terminator الذي  يسيطر فيه العقل الآلي " الذكاء الاصطناعي " على زمام الأمور وينتهي بإبادة الجنس البشري   ,لتظهر المقاومة ما بعد التدمير من خلال زمن المستقبل ولكن في هذه الرواية التي بين أيدينا لم تكن سيطرة العقل الجبار  مطلقة حيث كان هناك اتحاد بين العقل البشري والعقل الآلي هذه الثنائية هيمنت على عقول البشرية كلها كان فيها العقل البشري هو المدبر والمقرر في النهاية .. وقد عمد كاتبنا إلى ذلك حتى لا يبتعد عن النص الديني .

تماهي النص الديني والنص الروائي
على غرار الطرح أي تبناه الروائي الأمريكي اليهودي الأصل دان براون في روايتيه شفرة دافنشي والرمز المفقود واللتين صنع فيهما من الفكر الماسوني معتقدا يخدم الإنسانية جمعاء مبني على أسس علمية ترعي المعارف وتوطد للعلم واضعا لرموزها جذورا ضاربة في عمق التاريخ البشري مازجا بين الديانة اليهودية والمسيحية مبرزا بذلك فضائل الماسونية ، وموظفا إياها في البنية التبليغية العامة لروايته وبذلك كشف عن نفسه كمنظر للماسونية. ورغم انه اتكأ في رؤاه على نمط عقائدي غير سوي باعتبار أن الماسونية منظمة سرية يهودية الأب وإلام ومنطلقها التلمود الذي يتضمن تعاليم شاذة تجعل من البشر غير اليهود بهائم .. ، و أفضى إلى حقيقة أن كل قادة أمريكا ينتمون إلى الماسونية ويؤكد أن الماسونية كمنظمة لا تزال تنشط بقوة لتؤكد سيطرتها على العالم وقيادته تحت نظام  دولة عالمية واحدة
على غرار هذا الطرح نجد أن الدكتور حبيب مونسي وان توغل في كثير من المفاهيم والمعتقدات الضاربة في عمق التاريخ وصولا إلى جذور الماسونية فعرض رموزها وشفراتها مثله مثل دان براون تماما إلا انه من خلال قراءة مستقبلية للحاضر والماضي وضعها في مكانتها الحقيقية من خلال إبراز صورتها المهيمنة الخفية كاستمرارية لواقع الحال الذي جسده الروائي دان براون ليصل بنا في النهاية من خلال رؤية مستقبلية حتى إن لم تتبدى في العنوان الأصلي "جلالته الأب الأعظم " فإنها  تجلت دلالتها في العنوان الفرعي  " الخطر القادم من المستقبل " ليصل بنا في النهاية إلى حقيقة مآل ما تدعو إليه هذه المنظمة من منطلق فطري باعتبارها مدرسة عقلية تنبذ كل الديانات السماوية والعادات والأعراف التي تالف عليها بنو البشر وتأخذ بيد العالم إلى مستقبل غامض غموض رموزها  تحت ذريعة تحرر العقل البشري كما يُبَيَّن في هذا المشهد من الرواية التي بين أيدينا  "تعالوا إلى مدنية جديدة ، لا سيد فيها ولا مسود. إلى دولة لا تحمل من معاني الدولة ما ألفتموه أنتم، وآباؤكم، وأبناؤكم، ومواليكم، وحكامكم من قبل..تعالوا نحطم القيود المفروضة علينا باسم الإيديولوجيات ، باسم الديانات، والجنسيات، وباسم كل كاذب قام يوما في محفل من المحافل يخدر العقول، ويصرفها عن طهارتها إلى دنس التخمين والافتراء..تعالوا..نقلب كراسي الحكم في كل مكان، ونكسر أعوادها حكاما ومحكومين، ثم نحرقها في النار المقدسة التي ستظهر في كل مكان، لتلتهم ركام الحضارات والثقافات والافتراءات..نحرق كتبنا كلها.. نحرق عاداتنا كلها.."
ورغم أن  النقاد  يجمعون على أن دان براون خرج من الفراغ إلا انه وصل إلى شهرة عالمية ليس لأنه مبدع  "قدم ما كان يبحث عنه القراء بالضبط وبأسلوب جديد وبطريقة عرض جديدة حققت قبولية مذهلة لدى الناس " [19]فقط وإنما أيضا لأنه صنع من ماضي الإنسانية وحاضرها فضاءً تألقت فيه نجومية الماسونية في ثوب براق يستجلب ويستهوي إليها البشرية لاعتناقها كمذهب أوحد فإننا نجد الروائي حبيب مونسي قد صنع من الحاضر والمستقبل فضاء كشف فيه لؤم و شرور الماسونية كمنظمة يهودية ضاربة بجذورها في الماضي السحيق ، بالارتكاز على نصوص تقلية ثابتة تنبؤية تحقق الكثير منها في الماضي والحاضر كحقائق ملموسة أودع فيها نظرته الاستشرافية لمستقبل البشرية جمعاء.  
وفي مقابل هذا نجد السارد قد صنع  في ذات الوقت من البعد الإسلامي غاية تجتمع في طلبها البشرية منطلقا من معتقد ديني سليم يتوافق والفطرة البشرية جمعاء وفي هذا المشهد تظهر دعوى الماسونية للناس بالانضمام إلى أيدلوجيتها اللقيطة .
" تعالوا إلى مدنية جديدة ، لا سيد فيها ولا مسود. إلى دولة لا تحمل من معاني الدولة ما ألفتموه أنتم، وآباؤكم، وأبناؤكم، ومواليكم، وحكامكم من قبل..تعالوا نحطم القيود المفروضة علينا باسم الإيديولوجيات ، باسم الديانات، والجنسيات، وباسم كل كاذب قام يوما في محفل من المحافل يخدر العقول، ويصرفها عن طهارتها إلى دنس التخمين والافتراء..تعالوا..
نقلب كراسي الحكم في كل مكان، ونكسر أعوادها حكاما ومحكومين، ثم
نحرقها في النار المقدسة التي ستظهر في كل مكان، لتلتهم ركام الحضارات
والثقافات والافتراءات..
نحرق كتبنا كلها..  نحرق عاداتنا كلها..
النسق الزمني الصاعد في اتجاه الجانب الغيبي كركن عقدي
إذا كانت الرواية ترتكز على رؤية مستقبلية في تخطيها للزمن الحاضر و استشرافها لزمن مستقبلي  غيبي لا تدركه المدارك العقلية للإنسان إلا من خلال المخيلة اعتمادا على رؤية علمية أو دينية أو فلسفية فإننا نجد أن التدرج الذي وظفه السارد في الزمن الداخلي للحكاية أو المغامرة أو القصة وهو زمن تتالي فيه الأحداث وترتكز بنية الزمن السردي على آفاق المستقبل انطلاقا رؤية دينية عقائدية التسليم يقينيا فيها  بأن هذا الكون َ يسير وفق برنامج ٍ نهايته متوقعة و معروفة ُ حتمية ٌ باعتبار أن الذي حدث فيما مضى من عمر البشرية كان مستقبلا مجهولا ولكن متوقعا من خلال غيبيات تم التلميح إليها صراحة أو بالإشارة في الكتب السماوية السابقة للقران الكريم الذي كان واضحا في الكثير من  آياته من أن للعالم نهاية حتمية  "كما بدأن او الخلق نعيده " 
ما من شك أن الانتقال بين الأزمنة النصية كتاريخ والحكائية كأفعال وأحداث مبنية على رؤى عقائدية ثابتة تؤثر في الزمني باعتبار أن زمن الرواية هو حاضرها والنفاذ منه إلى المستقبل هو الانتقال الذي يخل بالنسق الزمني في تسلسله واستمراريته ويحدث إرباكا في عملية الترتيب التي ينحوها الخطاب في صناعة الزمن الصاعد الذي تتوالى بداخله الأحداث خطّيّا وهذا كله يتطلب تقنيات سردية حتى لا تؤثر على حركية النص خاصة في هذه الرواية التي نجد فيها الشخصية الرئيسية " المسيح الدجال " هي التي تؤطر للنسق الزمني فهي تتحرك وفق أزمنة لا تستوعبها المدارك العقلية لأنها تتواجد في كل الأمكنة وفي زمن واحد وهي أيضا قادرة على مخاطرة الناس من دون كلام فهي تؤثر على العالم من حيث الزمان والمكان وفقا للنص الديني الثابت  ، ورغم هذا الإشكال الا أن السارد وُفيق أمام هذه المفارقات  في حركية السرد
 ظهر التأريخ في بداية الرواية كتجسيد للزمن الفعلي بدءً من الحاضر 2012 ثم توغلت التأريخات الأخرى في غياهب مستقبل مظلم للبشرية يتسم بتحدي العقل للنقل واعتماده على الذكاء في تسيير أموره الحياتية وقد أخذ السرد منحى الرواية الرسائلية المذكراتية المستندة على الاعتراف والاستبطان الوجداني لعدد من شخصيات الرواية لتتشظي الوحدة الحكائية من حيث تسلسل  أحداثها ولكنها تلتقي من حيث الظرف والنتائج لتعيد اللحمة للبمتن الحكائي وتجسد الفكرة العامة  وهذه الشخصيات تتمثل في : الدكتور باركلي. مدير المخبر السري للأسلحة الإستراتيجية ببوسطن  الدبلوماسي فلادمير .ش. كياف الطالب : يونغ..س. طوكيو. كتبت البروفيسورة هيلين.د. أسلو ، الطيار ميزرا..أ. طهران  وتمثل هذه الشخصيات عقول منحرفة تجردت من كل القيم الإنسانية ناهيك عن القيم الدينية انطلاقا من تحديها للنقل فوصلت إلى نهايات مظلمة كانت سببا لانهزام جماعي داخلي مرده إلى فراغ الروح من كل معاني الحياة وكلها في النهاية تختار الموت كمسلك اختياري بعد اعترافها بالانهزام  وفي أسلوب متميز صنع الروائي الدكتور حبيب مونسي انطلاقته متأنية للوصول إلى الكارثة  فقطع أشواطا بانت من حيث النسق الزمني طبيعية " فبدأ بيوم الجمعة .جوان. 2012.ثم الأحد ديسمبر  2018 ويليه الخميس. مارس2020   ثم الأربعاء..فبراير 2025وانتهى إلى يوم  الثلاثاء..جويليا . 2026 حيث تجلت بداية الكارثة "أشراط قيام الساعة " في ظواهر الانتحار والاقتتال والبحث عن الموت بطرق شتى بعد تجريب الانغماس في الشهوات حد الموت وقد تمظهر هذا كله على شكل أسئلة في رسالة البروفيسورة هيلين.د وردت حيث تقول :
أين الأسرة؟ أين الأمومة؟ أين المشاعر والعواطف ؟..أين الأمل ؟.. أين الأحلام ؟إني لا أعرف إلاّ أسماء أحفظها ولا أدرك معانيها.
أين الإنسانية في كل ذلك ؟
أين هي والبشرية نساق نحو نحر نووي ؟ جرثومي !
أين هي والأسرة والمجتمع يقتلهما شيطان الجنس..
أين هي والبشرية تنتحر بالمخدرات والسموم ؟
إنه الموت ! ص 22 و 23
هذه التساؤلات كلها جاءت كنتيجة لحدث سابق إرجاعي حين يرجع السارد على لسان البروفيسورة هيلين.د أسباب الدمار في قولها "أن الباعث الوحيد هو باعث البطن، والجنس فتنقلب موازين القيم انقلابا خطيرا، ساق الأمم نحو متاهة مظلمة تلتقي فيها دروب الحيرة، والضياع، والقلق ص 20   وهذا تناص لما جاء في كتاب الاستقامة لابن تيمية  الذي يرجع  ظهور الجهل" او متاهة مظلمة حسب الراوي " إلى ظهور الكلام في الدين بغير علم وهو الكلام بغير سلطان من الله وسلطان الله كتابه ومن ظهور الزنا ظهور اللواط وإن كان له اسم يخصه فهو شر نوعي الزنا ولكون ظهور شهوات الغي البطن والفرج هي أغلب ما يدخل الناس النار[20] وهكذا رويدا رويدا ينجلي النص الديني في تماهيه مع النص الروائي ابتداء من نهاية الرسالة الخامسة المؤرخة في سنة 2026 حين استحوذ السارد على لغة الخطاب التي جاءت بصيغة " أنا المتكلم المعترف "  ابتداء من الصفحة 42 ليجعل ما قبلها أحداثا ممهدة لما يليها  مستخدما مورثاته ومكتسباته ومعتقده الذي بدا جليا داخل هذا النص وخارجه كما أسلفنا وتعتبر هذه الفقرة كانطلاقة لتحدي العقل للنقل الثابت "كانت شروح والدي العجوز تثير ضحكي لما يقرر اتحاد الله والإنسان في الجسد المادي بعد رياضة روحية، توصل العابد إلى الإشراق الكبرى، فيتم الاتحاد والحلول..وكنت ساعتها أرفض فكرة الإله، " ص 38 هكذا يحيلنا الكاتب إلى الفلسفة الطبيعية  عند اليونان كأول من اعتمد الحلول العام، ومعناه أن  الله حال في كل شيء، وأنه في كل مكان، وهو قول قسم من المعتقدين بالحلول أما القسم الآخر فيتمثل في قول النصارى بالحلول في عيسى عليه السلام، وكقول بعض غلاة الشيعة كالخطابية الذين اعتقدوا أن الله حل في جعفر الصادق، والسبئية الذين قالوا بحلول الله في عليّ، ومثله قول النصيرية فيه، وقول الدروز بحلوله عز وجل في شخص الحاكم.[21]  ويعد الجهم صفوان هو أول قال أن الله حل في مخلوقاته وهو بذاته في كل مكان ،  ونجد أن للسارد موقفا رافضا لهذه الفكرة تتجلى حين صنع من هذا الفكر بداية للتأزم في النص هذا وإذا ربطنا تاريخيا ظهور هذه الفكرة " تقديم العقل على النقل " بمقال  خارج النص للكاتب فإننا سنجد هذا الرفض ظاهرا حين موافقته على تسميتها بالفترة المظلمة التي تبدأ من سقوط بغداد في يد "هولاكو" سنة 1258 بإجماع الدارسين " [22] إذا ما علمنا إن هذا الفكر قد تبلور  وتزعم الفكر الإسلامي مع نشأة المدرسة الفلسفية الإسلامية في القرن الثالث الهجري التي  تبنت فلسفة الاتحاد والحلول ولعل أشهر من تبناه من علمائهم الحلاج الذي ادعى الإلوهية  وفخر الدين الرازي وابن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهم من الفلاسفة  .
المسيح الدجال آو ذلك الخطر القادم من المستقبل.
القارئ في تاريخ روايات الخيال العلمي لا شك سيجد أنها تستشف المستقبل وتستشرفه بشكل صادم أكثرها لا تستوعبه مخيلة القارئ في آنه إلا من حيث هي كخيال مستحيل التحقق ولكن في النهاية يتحقق كله أو جزء منه وان أخذ من الوقت قياس عمر أجيال كثيرة متعاقبة كما هو الحال في رواية "من الأرض إلى القمر" العام 1865  لجول فيرن  التي تحققت بعد قرن من الزمن، ورواية الخيال العلمي قد ينطلق فيها السارد من مجرد أفكار لا قاعدة ولا أساس لها أو قد يستند إلى نظرية علمية بسيطة يعمل على تعقيدها وإطلاق العنان لخياله في تطويرها ، وقد يستند آخر عن معتقد ديني أو أسطوري في صناعة أبطال روايته ، كما في رواية جلالته الأب الأعظم التي اعتمد فيها الدكتور حبيب مونسي على حقائق عقدية غيبية أكد عليها النقل منذ 14 قرنا فمنها ما تحقق ومنها ما لم يتحقق ولكن ظهرت الكثير من علامات تأويلها .وهي التي اعتمدها السارد كسوابق ومقدمات تجلت كلها في الرسائل الخمسة التي تقدمت الرواية والتي نستشفها هنا في هذه الفقرة " ولا هدفا يقصد إلاّ الانتحار! الذي يقضي على خيط الحياة في هذا الجو المكفهر المظلم، الذي يحاصر الناس في بيوتهم، وفي معاملهم، وفي متترهاتهم.يطاردهم في أعمق أعماقهم، فلا تشهد ابتسامة الفأل، ولا إشراقه الأمل. بل تجد سواد الضياع، تغور فيه النفوس، فيصادفها العدم، ويتلقفها الغثيان.ص36 والسبب في ذلك الحرب النووية و الجرثومية وأزمات الاقتصاد، والحرب، والجوع الخراب  وانتشار الكذب، والإغراء والدعاية كل هذا لاشك مرجعه الأحاديث النوبة الكثيرة التي تنبأت بخروج المسيح الدجال كأول العلامات العشر الكبرى للساعة ومن أشراط خروجه وفق الأحاديث النبوية المتواترة انتشار الفساد العام والاضطرابات والفتن والحروب والمجاعات وجفاف الأنهار والبحيرات وتزايد المشاكل والأزمات في الأرض وهو المناخ الذي هيئه السارد قبل ظهور الدجال في هيئة منقذ للبشرية ومخلصها  كشخصية مهيمنة على المشهد فوجدنا تلك العناصر توالت إتباعا في المتن السردي والحكائي  ضمن الرسائل الخمس كما ذكرنا .
ما من شك أن صاحب الرواية عمد إلى ترك العنوان مفتوحا ليثير غموضا دلاليا ومنطقيا لأن "جلالته الأب الأعظم" وان كان لها مرجعية دينية  يمكن اقتفاء أثرها في مضمون المتن السردي والحكائي لفظا ومضمونا  ،فإنها في نفس الوقت  تنفتح على جملة من الدلالات يمكن استقراءها كما يلي في النصوص الدينية المختلفة .
المسيح الدجال  القران والسنة  
المهندس الأعظم أو  السّيد الأول أو الأستاذ الأعظم عند الماسونية
اليهود في انتظار دائم لظهور المسيح "المسيا المنتظر"
 جلالة الأب عند النصارى
المهدي المنتظر لدى الطائفة الشيعية
الأنساق الدالة على النقل الصحيح "القران والسنة " في النص
و يمكن استقراء هذه الدلالات كلها في مضمون المتن السردي فقد تجلت دلالة العنوان وفقا للقران والسنة ضمن النص الروائي في الكثير من مراحل المتن الحكائي كأوصاف لصيقة إما بشخص الرجل المعجزة أو بأفعاله "لقد ظهر الرجل المعجزة..الرجل الذي يحدث الانقلاب المرتجى..الرجل الذي يخلص البشرية مما هي فيه ..تطايرت الأخبار إلى وأنا في حيرتي وشرودي أراجع مقالات والدي، وأتصفح نشرات اجمع، فإذا بالرجل المعجزة يطل من أرض فارس حاملا راية الصلاح، يهدي الأمم الضائعة بفيض من العلم غزير، وحكمة بالغة، تمزج بين التطور التكنولوجي والهدف الأسمى للإنسانية.ص 40
تماما كما اخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ " [23]وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ التِّيجَانُ "[24].
ودائما وفق المرجعية الإسلامية راح يصفه وصفا دقيقا " نظرت في وجهه..رأيت شكلا كأنه اللعنة في وجه الدنيا..لعنة في وجه القيم والموازين.فالرجل قصير القامة، أسمر اللون، دميم الخلقة، أعور ص 41
فكان الوصف مطابقا تماما لما  ما ذكره نبينا صلي الله عليه في أحاديث كثيرة  ومنها الحديث المروى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لا تَعْقِلُوا ،إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلا حَجْرَاءَ فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَر"  [25]
وما ظهور الفتى موسى وما يرمز إليه  إلا التزام السارد بالنص الديني الذي يجعل من نهاية الدجال على يد الرسول عيسى عليه السلام  وان كنا  نجد النص الديني يتطرق إلى النهاية بالتفصيل فيتطرق إلى الكيفية والمكان فان النص الروائي نَأَى بالاحداث  في النهاية نأْيًا مغايرا في شكله سلط فيه السارد الضوء على النقل “القران والسنة” كمنهاج لإنقاذ البشرية من مغبة ما وصل إليه العقل البشري من دمار لإنسانيته ولعالمه فتجسد لط كطرح يوازي ذلك الطرح الذي تضمنته روايةThe Book of Eli  تأليف ” غاري ويتا “والذي يبرز فيه كاتبه دور القديس المسيحي الذي يدافع عن نسخة الإنجيل الوحيدة المتبقية لإنقاذ العالم المدمر وهو نص اعتبره النقاد رد فعل مسيحي عقائدي على الطرح الأول للكاتب دان براون .
 . الأنساق الدالة على الماسونية في النص
تبرز مصطلحات ومفاهيم كثيرة لهلا دلالاتها في تفاعلها مع الاحداث تمظهرت كارقام واشكال ورموز في النص ومن بينها "
قاعة مثلثة الشكل. طاولة مثلثة خلف زاوية المثلث
 الأشكال الهندسية الغريبة، التي جعلت من الثلاثي عنصرا يتكرر في كل تصميم وتشكيل
وطبقات الحكم الثلاثة والثلاثين في أي مكان
الدولة العالمية المقدسة
إذن عرفتم الآن لماذا دمرنا الكنائس والمساجد والمعابد، وحطمنا الأصنام والتماثيل والنصب..ولسنا كما يفهم البعض ملحدين لا نؤمن بشيء، ولكن نحن مؤمنون بجلالتنا، وأبوتنا العامة للناس أجمعين ص 61
وهذا كله نجذه مجسدا كحقيقة يقينية تبذل الأموال الطائلة والجهود العظيمة في سبيل انجازها وحمايتها  وقد تعرضت لها  كتابات كثيرة  تفضح الماسونية وتحذر العالم من مغبة إتباع منهجها ومنها كتاب حكومة العالم الخفية .. [26] حيث يقول الكاتب  أشار البروتوكول إلى نهاية المؤامرة العالمية لليهود، يهود الهجين وقد ظهرت بوادرها حين أعلن "بوش الأب" حين اعتلى عرش الإمبراطورية الأمريكية فـي التـسعينيات "النظـام العالمي الجديد" والدولة القطب الوحيد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي المدبر من قبل اليهود، فكما صنعوه هدموه.
ويذكر ايضا بالقول :" ولا يفوتنا أن نذكر دومًا وقد ذكرنا ذلك من قبل في أكثر من كتاب لنا أن العملة فئة الدولار الواحد الأمريكية تحمل شعار المؤامرة العالمية لليهود، ومكتوب عليها باللاتينية إن مهمتنا قـد . (١) نجحت ومرسوم عليها نجمة داود والرموز الماسونية وشعار النورانيين وعلى اليمين من ظهر فئة الدولار الواحد نجد شعار النورانيين وهو عبارة عن هرم أعـلاه عين تشع بالنور، وأعلى الهرم كلمة: "Annuit Coeptis" وتعني: "مؤامرتنا" قد تكللـت بالنجـاح وأسفل الهرم والشعار كلمة: "Novus Ordo Secloru" ومعناها النظام العالمي الجديد.وهذا ما أعلنه "بوش الأب" وأكمله "بوش الابن" مع بداية القرن الواحد والعشرين.
 الأنساق الدالة على المذهب الشيعي
"يطل من أرض فارس حاملا راية الصلاح، يهدي الأمم الضائعة بفيض من العلم غزير، وحكمة بالغة"
ميزراطهران.
إضافة إلى حقيقة خروجه من إيران الثابتة في الأحاديث النبوية الكثيرة والتي جسدها السارد في هذا المقطع :" "يطل من أرض فارس حاملا راية الصلاح، يهدي الأمم الضائعة بفيض من العلم غزير، وحكمة بالغة"
ميزراطهران.  وهو آمر يُلمس في كتب أكثر أهل الشيعة وعيرهم ، فكلها تجمع ضمنيا على أن المسيح الدجال هو نفسه المهدي المنتظر فقد ذكر المفيد الطوسي قائلا يخرج مع القائم عليه السلام "ويعني به مهديهم المنتظر" من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجـانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا”.[27]
وقد ذكر محمد بن إبراهيم النعماني عن وعن وعن أنه :
"إذا أذن الإمام ويعني به مهديهم المنتظر دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد من فراشه ليلا فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهارا." [28] أليست هذه كلها صفات الدجال بخوارقه التي حدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 الخاتمة
لقد وظف السارد في روايته النص الديني "النقل " وطرحه كحل لما حل بالإنسانية من هزائم ودمار فصنع من ذلك المخلص الذي تنتظره كل الأطياف  وهذا المنحى ليس جديدا بل نجد أن "الرواية العربية المعاصر وظفت  النص الديني بمصادره القرآنية، والتوراتية، والإنجيلية، بالإضافة إلى توظيف الحديث الشريف، والتراتيل الدينية، والفكر الديني، ولاسيما فكرة المخلّص، والفكر الصوفي، الذي حظي باهتمام عدد من الروايات. وقد وظفت الرواية العربية المعاصرة النص الديني على مستويات عديدة، كتوظيف البنية الفنية واستحضار الشخصيات الدينية، وتصوير شخصية البطل في ضوئها، وبناء أحداث الرواية في ضوء أحداث القصة الدينية، بالإضافة إلى التنويع في إدخال النص الديني في الرواية. "[29]
ولكن على غرار التوظيف الذي وُظّف فيه النقل  في الروايات العربية الذي عُمد فيه إلى التوظيف التقليدي كاستثمار فكرة المخلص والتعرض لخوارق الصوفية فإننا نجد الدكتور حبيب مونسي قد وظف النقل من حيث هو كمسلمات غيبية وذلك حين جسد تلك الشخصية الغيبية السلبية " المسيح الدجال "في نتائجها التي هيمنت كعقل بشري في أوج تفوقه باستعمال كل أدوات الهيمنة كالذكاء والتكنولوجيا والاستعانة السحر والمال، والجنس وأخيرا الإبادة الجماعية وكل ذلك كان في إطار الاستمرارية في تحديه للنقل الثابت وغير الثابت ، وكآخر مرحلة من مراحل الصراع بين العقل والنقل و كأعلى مرتبة يصلها العقل البشري منذ بداية الخلق من حيث الذكاء والسيطرة  وكاحلك مرحلة  تمر بها البشرية جراء هذه السيطرة وهو سمي في النص الديني  "الفتنة الكبرى" وهذا ما أورده السارد بتألق ودون الابتعاد عن مرجعيته مجسدا تطاول العقل البشري باعتبار أن المسيح الدجال هو ادمي تحدى كل الأعراف والديانات وادعى في نهاية المطاف الربوبية والالوهية وهو ما تجلى في هذه الفقرة: "ولسنا كما يفهم البعض ملحدين لا نؤمن بشيء، ولكن نحن مؤمنون بجلالتنا، وأبوتنا العامة للناس أجمعين"ص61
 بقدر روح المغامرة التي يستشعرها القاري في صلة اللغة بسياقات النص في هذه الرواية   فانه في المقابل سيستشف من السياقات نفسها استياء السارد من الرؤية الاستفزازية المهيمنة التي يتميز بها العقل الغربي السائد المسيطر الغالب الذي يتخذ من التنوير غاية لتحرير الإنسان مدعيا امتلاكه الحقيقة المطلقة ومنظرا لمستقبل غيبي كفضاء لا يتسع لغيره   وخاضع لسيطرته وقوته. وهذا ما تجسد في مجمل النص إذ نستشعر أن التراكيب البنيوية تضمر ألفاظا تشكل في مجملها نسيجا لغويا يصنع الانكسار واليأس والخراب والدمار كمعادل لانهزامية  العقل البشري التنويري "الغربي" باعتباره الشخصية المعنوية الرئيسية في النص
ولعل هذا ما دفع بالكاتب إلى الاهتمام بالعالم التخيلي الافتراضي في نظر المتلقي الغير مؤمن بالنص الديني الغيبي  محاولة منه القفز إلى ما فوق الحقيقة التي لا تدركها العقول لقصور في مداركها العقلية الحسية في رأيه وهذا ما تجسد في مجمل النص إذ نستشعر أن التراكيب البنيوية شكلت حقولا تضمر ألفاظا تشكل في مجملها نسيجا لغويا يصنع الانكسار واليأس كمعادل لانهزامية  العقل البشري التنويري باعتباره الشخصية المعنوية الرئيسية في النص وقد يتمظهر هذا الرفض وصار أكثر وضوحا حين انحراف السارد إلى الاحتماء بعصبيته فصنع من بنو جلدته العرب النواة الأولى لمقاومة المسيح الدجال والقضاء على مملكته .
 ورغم تماهي النص الديني مع النص الروائي فان العصبية
 "النزوع الأسطوريّ"
  [1]  قراءة في رواية الرمز المفقود لدان براون الكاتب والصحفي مازن الياسري
  [2] تعقيب الدكتور حبيب مونسي على مقدمة القراءة النقدية للرواية على صفحته الفايسبوك
[3]  د.سعد البازعي وميجان الرويليدليل الناقد الأدبي، ص:143.
[4]  ديفيد كارترالنظرية الأدبية، ترجمة: د. باسل المسالمه، دار التكوين، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2010م، ص:130.
[5]   مبادئ في اللسانيات  الدكتورة خولة طالب الابراهيمي  ص 30
[6]  محاضرات في اللسانيات التطبيقية إعــداد : الدكتور نصر الدين بن زروق 
[7]   مقالة بعنوان  كتب الأستاذ أنور الجندي... رحمه الله عن دعاة الحداثة والشعر للدكتور حبيب مونسي  24 مارس 2014
[8]   مقالة بعنوان القرآن الكريم والعصر الحاضر للدكتور حبيب مونسي  الصادر بتاريخ  بجريدة الوطن الجزائري  2014-03-26
[9]  نفس المرجع
 [10]  المقدمة ابن خلدون دار الكتابي اللبناني 1967  ص 1056
[11]  اللسان اللغة والكلام من التفريط السياقي إلى الإفراط النسقي  الدكتور  لزعر مختار  ص 100
[12] ينظر في نظرية الرواية، بحث في تقنيات السرد، د. عبد الملك مرتاض – عالم المعرفة، الكويت، العدد 240 – 1998 ص62 وما بعدها.
[13]  ألان تورين، نقد الحداثة، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، الدار البيضاء، 1997، ص25
[14]   تعرف العقل  معجم الفلسفة تعريف رقم 631
[15]  عبد االله أبو هيف. الإبداع السردي الجزائري. منشورات وزارة الثقافة، الجزائر، 2007، ص:351
[16]  الرسالة الرابعة من رواية الأب الأعظم ص30
[17] أصول العقيدة " العلاقة بين العقل والنقل المحاضرة الأولي ماهية العقل ومدارك اليقين للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني

 [18]  كتاب: "Trance Formation of America" .. القصة الحقيقية لإحدى ضحايا سيطرة وكالة المخابرات الأمريكية على تفكير عملائها. تأليف: "كاثي أوبراين" ضحية التعذيب / "مارك فيليبس" عميل سابق للمخابرات الامريكية CIA
[19]  قراءة في رواية الرمز المفقود لدان براون لمدونة الخاصة بالكاتب والصحفي مازن الياسري
[20]  كتاب الاستقامة حمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس الناشر : جامعة الإمام محمد بن سعود - المدينة المنور الطبعة الأولى ، 1403  ص 457
[21] مصطـلحات الاتحاد والحلول ووحدة الوجود إعداد عبدالعزيز بن غويزي المطيري ص 7
 [22] القـراءة و الحداثـة مقاربة الكائن والممكن في القراءة العربية القراءة التاريخية ص 42

[23]  رواه الترمذي برقم 2163 . صححه الألباني  صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 3398  .
[24]  رواه أحمد برقم 12865
[25] رواه أبو داود برقم 3763 ، والحديث صحيح ( صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 2455
[26] حكومة العالم الخفية .. من يحكم العالم سرا.. أصابع خفية تقود العالم  تاليف منصور عبد الحكيم الناشر دار الكتاب العربي ص129
[27]  كتاب الإرشاد للمفيد الطوسي ص402 
[28]  كتاب الغيبة المؤلف: محمد بن إبراهيم النعماني من مصادر الحديث الشيعية ـ تحقيق: فارس حسون كريم الناشر: أنوار الهدى ص 326
[29]   توظيف التراث في الرواية العربية المعاصرة الدكتورمحمد رياض وتار ص 140

([30]) ينظر الرواية السورية (1967 – 1977)، نبيل سليمان – وزارة الثقافة، دمشق 1982 ص43.
([31]) الإشاعة لأشراط الساعة، ط2، محمد بن عبد الرسول الشهرزوري، تح: موفق فوزي الجبر ـ دار الهجرة، بيروت، دار النمير، دمشق 1995، ص 203.

CONVERSATION

0 comments: