لبنان أخضر و"اللبننجي" أغبر يونس الإبن و"خناقهْ مع ألله"/ شوقي مسلماني

الإعلاميّة غيدا يونس سألتْه، وهو الشاعر الذي صلّى في محراب لبنان منذ وعى حتى يوم رحيله إلى عالم الأبديّة وجعل لبنان كائناً بأرزته "قبل أن يكون الكون" عمّا ستسمع من شعرِه؟. قال لها ببساطة إنّه سيسمعها قصيدة بعنوان: "خناقه مع ألله"!. استغربت الإعلاميّة يونس هذه البداية وقالت له بمداعبة ومشاكسَة في آن: "كتار اللي رح يزعلوا منّك"!. قال لها: "اسمعيني بالأوّل". 
وأنشد: "يوميّه بركع وبصلّي \ ولمّا بصلّي صوتي بعلّي \ حتى طلّ عليّ ألله \ نار ونور تجلّى وقلّي \ جينا تفضّل شو مطاليبك؟ \  قلتلّو نحنا محاسيبك \ شايف شو كنّا وشو صرنا \  وشو كتير علينا تجاريبك؟ \  قلّي: سلامة فهمك يا ابني \ اللبناني كتير متعّبني \ بيغطس بالسبعة وذمّتها \ وبيقلّك الله مجرّبني". 
هكذا يفتتح قصيدته الشاعر الراحل يونس الإبن "خناقهْ مع ألله" التي وإن هي سابقة في الزمن فهي لا تزال معاصرة، ومن مصاديق هذه المعاصرَة هي إنّ لبنان الذي "الزمن يشيب وهو لا يشيب" هو اليوم في حال من بؤس على كلّ صعيد وعلى الصعيد الأمني في الطليعة وذلك بالتوازي مع شحن النفوس بأبشع المذهبيّة العنصريّة وبالتوازي مع اشتباك الدين بالسياسة التي ما دخلت ديناً إلاّ عجّلت بخراب مجتمعه وبيئته. 
ليتابع الشاعر يونس الإبن ناقلاً مقالة الله: "قصدي خلقت الدنيي كلاّ \ متل اللي قاعد عم يتسلّى \ لكن إنتو اللبننجيي \ خلقتو عشره تنعشر الله \ ولمّا وقعتوا ليّ ارجعتوا \ ارجعتوا ضيّعتوني وضعتوا \ قسّمتوني، أزّمتوني \ وزّعتوني وتوزّعتوا \ صرتوا كلمن بدّو ياني \ إمشي خلفو عالعمياني \ وكلمن ع زوقو يصلّي \ ويجرّب يعطيني متيلي \ يطلب منّي الموت لخيّو \ بآيه منقّايه بترتيلي \ ولو ماني ألله وما شا الله \ لبننتوني وجنّنتوني". 
ولم يقل الشاعر الراحل يونس الإبن مقالة الله إلاّ بعدما هو ذاته عاينها واقعيّاً: عايشها وخبرها وآلمته وأدمته، ولا يزال اللبناني يطلب لأخيه اللبناني الموت ويجعل من ذلك هدفه الأسمى أو واسطة العقد من أحلامه البائسة، فهو أبعد من أن يكون لبنانيّاً، هو بالواقع "لبننجي" بكلّ ما في هذه التسمية من استخفاف وسخرية واتّهام وإدانة، مثلما توحي بالتجارة السوداء والنخاسة المعاصرة. 
وإذ يقول الشاعر الذي غنّت له صباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وغيرهم نقلاً عن الله المستنكِر "لبننتوني وجنّنتوني" فإنّه يجعل من طريق متّهمي يونس الإبن ذاته بالتضخّم اللبناني وبالقوميّة اللبنانيّة وبالوثنيّة اللبنانيّة في حرج وصعوبة وضيق حيث من التضخّم والقوميّة والوثنيّة "اللبنانيّة" أن ينسب اللبناني لنفسه ما ليس فيه أو له ويعظّمه تعظيماً والحال إنّ الشاعر يستنكر هذه اللبننة المغلقة التي آخر مطافها الجنون. 
ويتابع الشاعر قارئاً: "قلتلّو هون بتسمحلي \ قلّي تفضّل، جود، اشرحلي \ وفهِّمني شو دخّل ألله \ بغطسة لبنان بهل وحلي \ هل لبنان خلقتو أخضر \ مكسي بالأندى وبالأنضر \ لمّا خلصتو من تهديمو \ ارجعتوا لنغمة ألله قدّر \ نسيتوا شو جنّيتوا؟ \ نسيتوا اللبناني شو صاير صيتو؟ \ طابت للسكران السكره \ ما فكّر إنّو في فكره \ لا امبارح خاطر ع بالو \ ولا همّوا شو جايي بكرا". 
وهكذا باعتقادي ما دام لبنان في هذا المأزق حيث الشاعر يردّد "شو دخّل ألله بغطسة لبنان بهل وحلي" و"لمّا خلصتوا من تهديمو" فيما الله خلق لبنان بالأصل "كلّه أخضر وأنضر وأعلى وأجمل ولوحات مرسومة بريشة الخلود" فإنّ شاعرنا يونس الإبن الذي صنع مساره الخاصّ في القصيدة العاميّة التي خرجت من القصيدة الزجليّة وطامحة بقوّة امتداداً من ميشال طراد الرائد ومروراً بكلّ الأسماء المعروفة: سعيد عقل، إيليّا أبو شديد، عاصي الرحباني، طلال حيدر، جوزف حرب، وغيرهم، طامحة لأن ترث عرش "العاميّة" فإنّ شاعرنا الصريح بجماليّة عالية وحساسيّة جماليّة، وبعد كلّ هذه الأحلام التي لم تجبه عاصفة، يستطيع القول إن لبنانه أخضر و"اللبننجي" أغبر وما ذلك إلاّ من باب صراخ مرارات هذه المرحلة التي على كلّ لبناني لبناني لا "لبننجي" أن يتحمّل مسؤوليّاته فالنار ستأتي على الجميع. 
ويتابع الشاعر في الحوار المتلفز الأخير، والذي لم يبثّه تلفاز حتى اليوم أي حتى بعد انقضاء أكثر من خمسة أشهر على رحيل الشاعر عن 86 عاماً، نقلاً عن الله : "هلّق قلّي شو مطلوبك؟ \ طبعاً مش نادم ع زنوبك \ أو جايي تستغفر عدلي \ تا تفرِّق نوري ع دروبك \ جايي تطلب إرمي خصمك \ والعزّه سجّلها بإسمك \ والقوّه الفيي اضربها بألفين \ ونزّلها بجسمك \  وخصمك جايي بطنِّه ورنِّه \ وطالب إمحيك متمنّي \ مين المنكن بيسمع منّي \ ومين المنكن سامع منّي \ يا لبناني البدّو يصلّي \ ويخلّي صوتو يوصلّي \ يفهم إنّو الله الخالق \ ما ميّز ملِّه عن ملِّه \ حلّي المرّة بكلمه حرّه \ وعلّي بإيمانك لبنانك". 
إذن، وإن تعثّرت الملل والنحل اللبنانيّة في العثور الدائم على ما يجمع فلا أقلّ من أن يذكِّرها الشاعر جميعاً، وهو الذي آثر الإبتعاد منذ سنوات عن الأضواء قهراً، إنّ الله ليس لملّه، هو ليس للمسلم ولا للمسيحي ولا للسنّي ولا للشيعي ولا للماروني ولا للأرثوذكسي ولا للدرزي ولا لأحد، فالجميع هم أبناء الله، بل لبنان عباءة الجميع الواحدة. 
ويختم الشاعر قصيدته "خناقهْ مع ألله" قائلاً: "ومن يوما يوميي بصلّي \ وصوتي لأعلى فوق بعلّي \ ومن يوما شو ما قالولي \ بتزكّر الله شو قلّي".
Shawki1@optusnet.com.au

CONVERSATION

1 comments:

Unknown يقول...

حياكم الله؛ لقد ابدع الشاعر اللبناني الغريق بوصف المأساة اللبنانية.