
الوقت متأخر لا أمل أن يرقع أحدانا ما مزقت الحروب في الآخر، ذاكرتنا المتخمة بالخراب شوهت وجه الزمن، جعلت ماضينا وجود وحاضرنا عدم. لا شيء سوى جدل أجوف، سباب ولعنات تتطاير مع دخان سكائرنا وصوت فيروز الذي يوقظ فينا الحنين إلى أيام زمان بإصرار وعناد.
خيالات واوهام تفر من رأس رجل ضاعت كينونته على متن طائرة عبرت به من عالم يستعبده الجهل إلى عالم يستعبده العقل.
هو جاري نسكن معاً في نفس البناية القذرة في شارع المهاجرين، نلتقي كل يوم في نفس المقهى هاربين من اللاجدوى أنا في متاهة الندم وجلد الذات وهو في الضجيج والضياع في أجساد النساء.
أتخيل بأنني كنت ابا لطفلين وزوجا لسيدة تختلط ملامحها بالصراخ ورائحة الشاي بالنعناع.
لم نعد صالحين لشيء، الغربة والخمسينات تطهو أيامنا في مرجل الروتين والتكرار، النظام يمنع الصخب والفوضى في عالمنا المألوف لأنه لا يحتمل المفاجأة. علينا أن نتجادل بنظام، نسير بنظام، نحب بنظام حتى الجنس علينا أن نمارسه بنظام. لا غالب ولا مغلوب هكذا نخرج من باب الدنيا بنظام.
أتخيل بأنني كنت معلما تزعجه العطلة الصيفية لأنها بلا عمل أو كاتبا مبتدئا يبحث عن نصوصه في سذاجة الواقع. كان لي أسم ينادونني به قبل أن اكون رقما في حاسبات البنوك ودوائر المعوقين.
توقفت دورة الدم في عروق صاحبي المبعثر على الارض مثل ناعور فطس فجأة حماره، سقطت أصابعه من راحة يدي تاركة لأعراض الجلطة أن تمارس صخبها بحرية في جسده المحشو بوهم الكينونة وتحقيق الذات.
اصحابي كانوا يصغون بأهتمام عندما أحدثهم عن خوف رجل الدين من الماركيسية. كنت اتعامل مع وجوه الناس لا أكفهم، مع قلوب النساء لا مؤخراتهن.
حاولت أن اكون أكثر عناد ووحشية من القدر، حملت يده وضممتها براحتي من جديد، صحت بصوت اذعر الموت وزبائن المقهى الجالسين يتفرجون بهدوء.
اخبرتني الممرضة بأن الجلطة ضربت منطقة النطق في الدماغ واحدثت خللا في انتاج اللغة، صار من الصعب على الأخر أن يفهم كلامي، لكنها لم تذكر اي خلل في الذاكرة. أين هي الذاكرة؟
0 comments:
إرسال تعليق