قبل عام كامل وعدة ايام كتبنا المقال الاول عن احداث سوريا وكان بعنوان »قبل ان يطلق الرصاص على القلب«، أبدينا فيه المخاوف والقلق الشديد من بوادر خطة خطيرة هدفها إلحاق سوريا بالعراق دماراً وقتلاً جماعياً ونهب ثروات الاجيال القادمة.
وقلنا في ذلك المقال المبكر: ان السكين على العنق والذعر يسود جميع الاوساط من ان يطلق الرصاص على قلب الامة... وذكرنا حينذاك ان الاستجابة لصوت الشعب فضيلة والخضوع لارادة الجماهير فخر لاي قائد.. وتوقعنا كما توقع كل من بقيت في شرايينه نقطة دماء او ذرّة من الكرامة ان تتمكن القيادة السورية من احتواء ما جرى ويجري بالحسنى والاستجابة لما تطالب به شرائح كبيرة من المجتمع وهي محقة في الكثير من هذه المطالب والتطلعات، دون ان نُسقط من بالنا قوى التآمر التي تنتظر حصول اي تفسخ في جدار الصمود العربي لتطلق قذائفها وضغائنها.
بعد عام كامل وبعد انتظار حصول انقلاب من النظام على نفسه باجتذاب نخبة مفكري المعارضة المتواجدين في الداخل وإشراكهم جدياً في الحوار والتغيير وإقامة هيكلية جديدة تقطع الطريق على الخطة العربية - الاميركية العلنية وتقلب المشهد على رؤوس اصحابه، خابت التوقعات والظنون وبقي كل شيء في مكانه واقتصرت مجابهة النظام على اتهامات التآمر والطعن في الظهر. انها اتهامات حقيقية، ولكن اساليب الرد عليها اقتصرت على العويل وتكرار الشعارات البالية بعيداً عن اي معالجة ميدانية جريئة.
في مطلع السنة الثانية اين اصبحنا؟ لقد تبدلت الامور وغُرزت الخناجر في الاعناق وأُطلق الرصاص في كل الاتجاهات وسقط ألوف الضحايا ودُمّر الاقتصاد الوطني واصبحنا امام حرب كونية على سوريا هذه بوادرها:
١- لقد طالبت اميركا وفرنسا والسعودية وتركيا وعشرات الدول الاخرى بتسليح المعارضة بذريعة الدفاع عن النفس مما يعني ان الحرب الاهلية اشتعلت عملياً وجديّاً.
٢- طالب امين عام الجامعة العربية مجلس الامن الدولي باتخاذ قرار وفق البند السابع يجيز لمجلس الامن تكليف قوات الاطلسي او غيرها قصف وتدمير ما تشاء من اهداف على الاراضي السورية كما جرى مع صربيا وليبيا، وهذا يعني انها حرب كونية.
٣ - اعتراف ٤٧ دولة من اصدقاء سوريا »المخلصين جداً« بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي وحيد للشعب السوري.
٤ - اعلان رئيس المجلس الوطني السوري المعارض خلال مؤتمر اسطنبول عن تخصيص رواتب ثابتة لضباط وجنود الجيش السوري الحر ولجميع المقاتلين من معارضي النظام، مما يعني ان مئات ملايين الدولارات تدفقت على المعارضة واركانها باسلوب اسخى مما كانت تتلقاها المعارضة العراقية قبل اجتياح اميركا للعراق وتدميره.
ماذا تعني الدعوة الى تسليح المعارضة؟ إنه قرار أممي باشعال حرب اهلية في سوريا، ووقود هذه الحرب جاهزة لان دعاتها يملكون الحطب الضروري لإضرام نار هذه الحرب... كانت دوائر البنتاغون الاميركية تقدر كلفة العشرة آلاف مقاتل في أفغانستان بحوالي المليار دولار سنويا تُصرف على الاجور، العتاد، الآليات، الذخائر، الغذاء، الملابس والطبابة، هذا للمقاتلين غير النظاميين... مصادر مجلس غليون تقول ان عدد المقاتلين في صفوف المعارضة سيصل الى مئة ألف قريباً، فكم هو عدد المليارات التي تسلمها البروفسور السوربوني برهان غليون سلفاً؟
ان الحرب الاهلية باتت أمراً واقعاً - نرجو ان نكون مخطئين - ولكن هل تصمد كل من روسيا والصين على مواقفهما في مجلس الامن لمنع الغارات الاميركية - الاوروبية على سوريا؟ ان الاجابة السريعة على هذا السؤال تأتي لمصلحة النظام في سوريا، ولكن الى اي مدى سيعاند الموقف الروسي - الصيني اذا اشتد أوار الحرب الاهلية لا سمح الله؟ هل تواصل الدولتان دعمهما لدمشق ضد ٠٩ بالمئة من دول العالم؟
ان مبادرة كوفي انان وتحركاته لا معنى لها لان المعارضة لا ترضى بالحوار مع النظام، ولا تعترف بمعارضة الداخل التي تعتبر معارضة صادقة غير متواطئة قضى معظم اعضائها سنوات طويلة في السجن.. من جانب آخر تعتبر الدول العربية والاجنبية شبه مجتمعة ان القوى الامنية السورية والجيش النظامي هي المسؤولة الوحيدة عن عمليات القتل في الوقت الذي تأكد فيه ان ٠٤ - ٠٥ بالمئة من الضحايا قتلوا بسلاح المعارضة المسلحة التي لا تنفي مقاومتها ومعاركها مع القوات الحكومية.
لقد حضر هنري برنار ليفي الناشط الصهيوني المؤتمر الاول للمعارضة السورية في باريس وتوقع حرباً اهلية طويلة، وهو صاحب الخبرة والممتلك للمعلومات. وقد وصلنا الى ما توقعه المذكور بسرعة.
انها حرب اهلية، حرب كونية تستهدف سوريا الدولة والكيان والموقف. وربما يتذكر عرب اليوم، بمن فيهم اركان النظام في دمشق، تهاونهم خلال اجتياح العراق واستقبالاتهم الحارّة لكولن بويل بعد ايام من سقوط بغداد والقبول بطروحاته. ولسنا ندري كيف كانت مشاعر اعضاء الوفود العربية خلال حضورهم مؤتمر القمة الذي كان على قياس »عرب اليوم« حيث حضروا ظهراً وهربوا مذعورين ليلاً على اصوات القذائف دون ان يشاهدوا العراق المفكك المدمّر الذي دخل احتلاله سنته العاشرة.
لقد اعلنت دمشق انتهاء معركة إسقاط الدولة، وحبذا لو كان هذا مؤكداً في وجه الهجمة الكونية التي حوّلت ربيع العربان وآمالهم مطايا للسلفية والعودة الى ممارسات القرون الوسطى.
قبل سنة ختمنا مقالنا بما يلي: »ان الآمال كبيرة بان يقدم الرئيس الاسد على خطوات تاريخية مفاجئة ليجد حوله حصناً منيعاً وجيلاً جديداً واعداً وأملاً للأمة كلها..«.
يبدو ان الآمال الكبيرة اصبحت صغيرة او ربما تبخرت كلياً، والسلاح الوحيد لمواجهة المؤامرات ما زال مقتصراً على الغوغائية والهتاف بالشعارات الفارغة وتسوّل الحلول. فيا لهول الكارثة. هل يجوز ان تهرق دماء آلاف السوريين الابرياء بعيداً عن الجولان، بعيداً عن ارض المعارك الحقيقية، بعيدا عن مجابهة الاعداء الحقيقيين؟.. من المسؤول؟!
0 comments:
إرسال تعليق