محاولة اغتيال قانونية...الجزء التاسع/ فراس الور

خارجي : 
فُنْدُق مِنْ فَنَادِقْ القَاهِرْة الراقِيَة، في داخِلْ مَقْهَى في بَهُو الفُنْدُق، التَوْقيت مَسَاءاً   

داخلي : 
يكونان الرائِدْ حَسَن نَصًار و المُحَقِقَة راوِيَة جادالله جالِسَيْن في المَقْهَى يَتَحاوران حَوْلَ ما حَدَثَ مَعَهُم اليوم في الباطِنِيَة، و تَكون ملامِحْ الإجْهَاد و الصَدْمَة مَرْسومَة على وُجْهِهُم مِنْ متاعِبِهِم الوَظيفِيَة، 

المُحَقِقَة : أنا مازِلْت مَصْعوقَة مِنْ ما جرى اليوم،

المُعاوِنْ : انا مَصْدوم مِنْ امْرَيْن، مَنْظَر رأْسِ الحاجِبْ و الدِماء تَنْزِفْ مِنْهُ و التَنْظيم الذي كَشَفَهُ لنا اسْتِجوابِنَا لِلْحاجِبْ...

المُحَقِقَة بِتَوَتُر : لَمْ يُكْمِل الكَلِمَة...قال هايرو ثُمَ الرصاصَة كَتَمَتْ باقي الكَلِمَة، و كأَنًهُم كانوا يُنْصِتون لِلْحوار الدائِرْ بَيْنَنا، 

المُعاوِنْ : هَذِهِ مافيا كَبيرَة جداً و مُنَظَمَة، لا أُخْفي عَليكِ قَدْ نَكون مُراقَبين حَالياً، الذي تَصَرًفَ مَعَنا بِهَذِهِ الجُرأة قَدْ يَلْعَبْ لُعْب كَبير جداً مَعَنا في المُسْتَقْبَل،

يَلْتَفِتْ مِنْ حَوْلِه قَليلاً ثُمَ يُنادي : جارْسون،

المُحَقِقَة : أنا اريد بَعْضَاً مِنْ اليانْسون لِتَهْدَءْ اعْصَابي قَليلاً،

المُعاوِنْ لِلْجارسون الذي يَقْتَرِبْ مِنْهُم : واحِدْ يانْسون و فِنْجَان قَهْوَة وَسَط لَوْ سَمَحْت،

يَذْهَب الجارسون لِيُكْمِلْ حَديثُه لِلْمُحَقِقَة : ما هي الخُطْوَة القَادِمَة؟ هَلْ سَنُكْمِل اجراءات التَحْقيقات بِمُفْرَدِنا؟ امْ سَنَطْلُب مِنْ مَكْتَب التَحقيقات المَرْكزي مُسَاعَدَتِنا؟

المُحَقِقَة بإسْتِيَاء : يا إلهي لا تُكْمِل حَديثَكْ، في آخِرْ مَرًة تَعامَلوا بِقَضِيَة مَعَنا انْتَهَى الأمْر بِمُشْكِلَة كُبْرى بَيْني و بَيْن رئيس الجِهَاز، كانَتْ قَضِيَة تَهْريب اثار و كان المُتَوَرِطْ بها اسْم مِنْ الاسْمَاء الكبيرة بالدَوْلَة، دَخَلَ عَليً رَئيسْ التَحْقيقات المَرْكَزي و كأَنًهُ الرَجُل الوَحيد الذي سَيُخَلِصْ البَشَرِيَة مِنْ مَشَاكِلَهُم، و بِكُل تَكَبُر و عَظَمَة قال لي خِطًةَ العَمَل، و حينَمَا انْتَهى طَلَبْ مني التَعاوُن بِنَتْفيذِها،

المُعاوِنْ : هَلْ تَنازَلْتِ لَهُ و اطَعْتي اوامِرَهُ،

المُحَقِقَة بِقَليل مِنْ الحَزْم : قَطْعَاً لا، فأنا و هُوَ رُتْبَتُنا عَقيد، و هُوَ رئيس جِهاز كَما انًني اراس جِهاز امْني بالدَوْلَة، المَوْضوع انًهُ بَعْدَ طول مُراقَبَة عَمَلِيَات الرجل المَشْبوه تَبَيًنَ انًهُ يُهَرِب اثار بالتَعاون مَعْ مالِكْ شَرِكَة مِلاحِيَة و يَتَقاسَموا الارْبَاح بَيْنَهُم، و كان مِنْ المَفْروض يَسْتَلِموا شُحْنَة جَديدَة لَيْلاً بِمينَاء مَهْجور عَنْ طَريق قوارِبْ توزيع صَغيرَة الحَجْم، و المُشْكِلَة انً وَكْرَهُم مَتين و العِصابَة بالعَادَة ما تكون مُسَلَحَة جيدا بِهَذِهِ الاثْنَاء، فأراد زميلي مُداهَمَةْ الميناء، اعْتَرَضْتُ و قُلْتُ لَهُ نُريد مُداهَمَة المَخْزَنْ لأنً حَجْم الحِراسَة اقَل هُنَاك، اصَرً بِكُلْ غُرور على رأيُه فَقُلْتُ لَهُ انً رجالي لَنْ يُشارِكوا بِهَذِهِ العَمَلِيَة لأنًهُ قَدْ يُقْتَلْ بها الكثير مِنْ افراد جِهازَنا، اصَرً عَليها و هَدًدَني انًهُ سَيُبَلِغْ رؤسائي بِعَدَمْ تَعاوُني...

المُعاوِنْ : متى حَصَلَتْ هَذِهِ القِصَة؟

المحققة : منذ اربعة سنين، قبل الثورة بسنة تقريبا،

المُعاوِنْ : هَلْ عاقبوكِ؟

المُحَقِقَة : لَمْ يَنْجَح بِتَبْليغ رُؤَسَائي، كانَتْ فَضيحَة كُبْرَى، المافيا قَضَتْ على نِصْف قوام القُوَة الذي اخَذَها مَعَهُ، ذَهَبَ ضَحِيَة مُداهَمَتْ القوارِبْ عِشْرين رَجُل مِنْ الأَمْن مَعْ الاَسَف،

المُعاوِنْ مُؤَكِداً : نَعَمْ...تَذَكًرْت هَذِهِ الحادِثَة، كانَتْ صَدْمَة لِلْراي العام فِعْلاً...لَمْ أَكُنْ اعْلَم انًكِ كُنْتِ مِنْ الضُباط المَسْؤلين...

المُحَقِقَة :  أَخَذَ تَوْبيخ عَليها لا مَثيلَ لَهُ، و لَمْ نَنْجَحْ لِغَايَةْ الآن بِمَسْك هذا الرَجُل فَجَمًدَ نَشَاط جَماعَتِهِ بَعْدَ هَذِهِ الكارِثَة، و لَمْ تَنْجَحْ القُوَة وَقْتَها بِمُصَادَرَة القِطَع المُهَرَبَة مِنْ شِدَةْ نيران العِصَابَة، كانَتْ قِطَعْ بِقيمَة مائَة مَلْيون دولار و قَدْ اسْتَبْسَلَتْ المافيا بالدِفاع عَنْها، 

المُعاوِنْ : المِسْكين زَميلُكِ، أنا مُتأَكِدْ انَهُم اسْتَغنوا عَنْ خَدماتِه، 

المُحَقِقَة : لا تَخَفْ، واسِطَتَهُ قَوِيَة، 

يَضْخَك المُعاوِنْ مَعْ المُخَقِقَة قليلا ثُمً يُعاوِد السُؤال و الجارسون يَقْتَرِب مِنْهُم : ما هي الخُطْوَة التالِيَة؟ نَحْنُ على الارْجَح سَنَمْضي بِمُفْرَدِنا، 

المُحَقِقَة : صِدْقاً انا لا اسْتَطيع التَفْكير حالِياً، لِنَحْتَسي ما طلبنا ثُمَ لِيَمْضي كُل واحِدْ مِنَا الى مَنْزِلِه، و في الغَدْ سَيَتَسَنا لنا التَفْكير بِصُورَة احْسَن، 

يَسْأل الجارسون بِلَبَاقَة الضيافَة المَعْهودَة : لَوْ سَمَحْتُم اليانوسن لِمَن؟

المُحَقِقَة : لي، 

يَضَعْ الجارسون كوب اليانْسون امام المُحَقِقَة و القَهْوَة امام المُعاوِنْ، ثُمَ يَضَعْ امامَهُم مِلْعَقَة صَغيرَة لِلْتَحريك و بَعْض مِنْ اكياس السُكَر الصَغيرَة و يَمْضي في سَبيلِه، 

المُعاوِنْ : انْتَ على حَقْ، و لَكِن اتَعْلَمي؟ يَجِبْ انْ اشْرِكَكِ بِشُعور يُراوِدُني مِنْ وَقْتِ وقوع جَريمَة قَتْل الحاجِبْ، يَقول لي ان تَحْقيقاتَنا سَتَتَوَسًعْ خارِجْ اطار جَريمَة قَتْل القاضي في المَحْكَمَة،

تَنْظُر اليهِ فَجْاَة المُحَقِقَة و تَقول : هَلْ هَذِهِ غَريزَتُكْ المِهَنِيَة امْ ماذا بالضَبْط...

تُمْسِك اكْيَاس السُكَر ثُمَ تَنْظُر الى المُعاوِنْ و هُوَ يُجيب : نَحْنُ امام جَريمَتي قَتْل و قَتْل مُنَظَم...الحاجِبْ قُتِلْ عَنْ طريق بُنْدُقِيَة قَنَاص و غالِباً تكون هَذِهِ المافيات تَعْمَلْ بالمَمْنوعات او بأَنْشِطَة مَحْظورَة ...

فَجْأَة تَنْظُر المُحَقِقَة الى وَرَقَة السُكَر الصَغيرة بَيْنَ يَدَيْها، تُديرُها بَيْنَ اصابِعِها لِبُرْهَة مِنْ الزَمَن ثُمَ تَرْتَسِم على وَجْهِها تعابير الصَدْمَة، يَسْالها المُعاوِنْ و هُوَ يَشْرَب القُهْوَة،

المُعاوِنْ : ماذا هُنَالِكْ،

المُحَقِقَة : قَدَرُنا بالغَدْ حَدًدَهُ كيس السُكَر،

المُعاوِنْ : ماذا تَقْصيدين؟

تُعْطي المُحَقِقَة كيس السُكَر الصَغير لِزَميلِها و تَأْمُرُه : اقراء الكيس و قول لي ما رايُكْ،

يَقراء المُحَقِق بِصَوْت مَسْموع : الشُرْكَة الوَطَنِيَة لِتَغْليف السُكَر،

يَنْظُر الى الكيس لِبِضْعَةِ ثواني و يَقول : البَلْطَجي...شَرِكَة تَغْليف السُكَر...و لَكِنًهُ قال مَحَل هايرو

المُحَقِقَة : انْظُر الى الجِهَة الثانِيَة لِلْكيس، 

يَنْظُر الى الجِهَة الثانِيَة لِتَرْتَسِم ملامِحْ المُفاجاة على وَجْهِه، فَيَقول : تُوَزِعُها مَحَلات هايروجليفكس، رُبَما كان صاحِبُنا البَلْطَجي فِعْلا مِنْ ذوى الامْلاكْ، 

المُحَقِقَة : لَيْسَتْ عِنْدَنَا أَيًةْ أَدِلًة أَوْ أَفْكَاْر لِتُنيرْ لَنَا الطَريقْ...فَقَطْ صِدْفَةْ تَطَابُقْ أَسْمَاءْ...

المعاون : ولَكِنًهَا بِدايَة...

يَنْتَهي هذا المَشْهَد هُنَا، 

*******

خارجي : 
مَنْزِل خال شيرين ابْنَة الوَكيل في السَيِدَة زينب - في الظهيرة في اليوم التالي 

داخلي : 
تكون شيرين في هذا المَشْهَد جالِسَة على سَريرها تَبْكي مِنْ الحُزْن و الخَوْف مِنْ والِدِها الذي يُعارِض دُخولها عالَمْ الفُنون و التَمْثيل، و يكون بِجانِبِها عُلْبَة صَغيرَة مِنْ المَحارِمْ تَسْحَب مِنْها وَرَقَة مِنْ حين لآخر لِتَجْفيف دُموعِها التي تَنْهَمِر بِكَثْرَة مِنْ عُيونِها، فَتُفَكِر بِذاتِها، 

شيرين : لماذا والدي يَتَصَرًف معي هَكَذا؟ لماذا لا يَتَفَهًمْ دوافِعي مِنْ التَسْجيل بِمَادَة الدرامة و التَمْثيل؟ ما هي جَريمَتي؟ هُنالِكْ طُلاب كُثْر يُسَجِلون بِهَذِهِ المادَة في كُلْ عام و هُمْ مُسْلِمون و يُصَلون الصَلاوات على مواعيدِها و يَصومون رَمَضان بالكامِلْ و لا يُقَصِرون، لماذا والدي عَكْسُهُم تماماً و يَقِفْ امام رَغْبَتي الدراسِيَة؟ بَسيطَة...سأُحاوِلْ انْ أُناقِشَهُ لَعَلًهُ سَيَتَفَهًم دوافِعي، و إذا رَفَضَ سأَطْلُب مِنْ خالي ان يُهَيٍئ لي هَذِهِ الغُرْفَة على الدوام كي اسْكُن بها و اكُمَلْ دِراسَتي...خالي يُحِبُني أكْثَر مِنْ والدي و لَنْ يُمانِع اقامَتي عِنْدَهُ، و لَكِنْ فالنَفْرِض انً والدي اصَرً ان آتي مَعَهُ الى البَيْت؟ رُبَما سَيَضْرِبُني و يَجْبِرُني انْ آتي مَعَهُ، 

تَنْهَضْ مِنْ على السَرير و تَسير الى شُرْفَةِ غُرْفَةِ النَوْم و تَفْتَح بابَها، تَسير في الشُرْفَة و تَسْتَنْشِق الهواء الطَلْق و الرَطِبْ، تَنْظُر الى السَمَاء المُلَبَدَة بالغُيوم قَليلاً ثُمَ الى البِنَايَة امامَهُم، و تَكون هَذِهِ البِنَايَة مُؤَلَفَة مِنْ خَمْسَة طوابِقْ و في الشَقَة امام شُرْفَتِها ترى مِنْ خِلال نافِذَتِها إمرأة مُنْهَمِكَة في العَمَل بِمَطْبَغ مَنْزِلِها، فَتَارَة تَقِفْ عِنْد فُرْن الغاز تَتَفَقًدْ الوِعَاء الحديدي التي تَطْهو بِهِ، و تارَة تَقِفْ بِجَانِبْ مِغْسَلَةِ المَطْبَخ تُقَطِعْ بَعْض مِنْ الخَضْروات اللازِمَة لِلْطَعام على الغاز، و بَعْدَ دَقيقَة مِنْ الزَمَن و هي واقِفَة تُحَرِك الطَعام في الوِعَاء الحَديدي يَدْخُل شاب عَليها اصْغَرَ مِنْها بالسِنْ و يَبْدَءْ بالضَحِك مَعَها، تَسْأَل ذاتَها، 

شيرين: رُبَما يكون اخاها الأصْغَر او ابْنِها...احَسْدِكَمُ على هذا الضَحِك فآخِرْ مَرًة ضَحِكْتُ بها مَعْ اهلي كانَتْ مُنْذُ سِنين...

فَجْأَة يُمْسِكْ الشاب كوبَ ماء و يَرْشِقْ بِهِ المَرأة، تَضْحَك ثُمَ تُلْحَق بِهِ و يَخْتَفِيَا عَنْ الأنْظَار...تَنْظُر شيرين الى شَقَة اسْفَل التي كانَتْ بها المَرأة في المَطْبَخ فَتَرى رَجُل يَحْضُن زَوْجَتَهُ بِحُنو دافئ، و تَكون يَدْ مِنْ يَدَيْه حَوْلَ خَصْرِها و بالآخرى يَقْلِب على مَدْفَأَة بَعْض مِنْ الكَسْتَناء، تَبْتَسِم لِلْمَنْظَر و تُفَكِر بِذاتِها...

شيرين : ياه، آخِرْ مَرًة حَضَنَ والدي والدتي بها كانَتْ رُبَما مِنْ ارْبَعَةِ سَنين، او رُبَما خَمْسَة...او رُبَما لا يَحْضُنْها بالمَرًة امامي بِمَا انًهُ مُتَدَيٍنْ او مُتَعَصِبْ...لا أعْلَم شَيْئ؟

تُكْمِل النَظَر الى الثُنائي و تَقول في ذاتِهَا: كان احياناً يُعامِلُها امامي بِقَسْوَة،

تَدْمَع عُيونُها مَرًة ثانِيَة و هي تُفَكِر : لماذا اسْهَل عَلينا بِمُجْتَمَعِنا الشَرْقي اظْهَار القَسْوَة عِوَض عَنْ الحُب؟ لماذا اظْهَار المَشاعِر عِنْدَنا حَرام و مُمَارَسَة القَسْوَة علانِيَة اهْوَن بِكَثير؟ حرام انْ يُقَبِلْ الرَجُل إمْرَأَتَهُ امام اوْلادِهِ و في الشارِعْ و حَرام ان يَضُمَها بِحُنو و حَلال إنْ ضَرَبَها، كَمْ مَرًة تَعَذًبْتُ و انا ارى والدي يُعامِلْ والِدَتي بِقَسْوَة و كَمْ مَرًة بَكيتُ مِنْ هَذِهِ المَناظِر المُؤْلِمَة التي تَتَكَرًرْ امامي، لا يُعْطي مُجْتَمَعِنا الهَمَجي خاطِرْ لأَذِيَة مَشاعِر الأولاد بالأُسَر التي تَشْهَد مَشاكِلْ عُنْف بَيْنَ الزَوْجَيْن، لَيْسَ مُهِمْ ما تَفْعَلُه هَذِهِ المَشاكِل بِنَفْس الأولاد...المُهِمْ انْ يَسْتَمِر هذا الصراع انْ وُجِدَ الى ان يَنْتَصِر أحَدْ افرادِهْ، و لَكِنْ بَعْدَ ماذا؟ بَعْدَ انْ يَتِم ارْهاق نَفْسِيَة الأولاد و اسْتِنْزاف طاقَةْ تَحَمُلِهِم،

تُمْعِن النَظَر الى الثُنائي الهائِمْ بِحُب بَعْض و تقول : يا لَيْت أهلي يَتَمَتًعوا بِتَفاهُمِكُم، يا لَيْتَهُم يَعْلَموا كَمْ ارتاح جينَمَا أخْلُد الى بَيْتِ خالي لأَتَلَذًذْ بالهُدوء المَوْجود بِبَيْتِهِم،

تَسْتَفيق شيرين مِنْ غَفْوَة الخواطِرْ و لِذَة مُشَاهَدَة الثُنائي على صَوْت هُدى و هي تُنادي،

زوجة الخال: شيرين؟ شيرين؟ حَبيبَتي،

تَسْتَدير شيرين الى الخَلْف لِتَجِد زَوْجَة خالها واقِفَة في مَدْخَل الشُرْفَة و بِيَدِها صَيْنِيَة عليها كوبين مِنْ الشاي، و يَكْسو وجْهَها ملامِحْ الخَوْف عليها فَتَقول :

زوجة الخال: ألا تَشْعُري بالبَرْد يا شيرين؟

تُجيب شيرين مُطَمْئِنَة : لا يا هُدى، أنا بخير،

تَضَعْ زَوْجَة الخال الصَيْنِيَة على السَرير بِسُرْعَة و تَسْحَب بِقَلَق شيرين مِنْ يَدِها الى داخِلْ الغُرْفَة مُوَبِخَة : لا يَجِبْ انْ تَخْرُجي بِهَذا المَوْسَم مِنْ دون مِعْطَف، سَتُصابي بالبَرْد يا حَبيبَتي، هذا اهْمَال سأعاقِبَكِ عَلَيْه في المَرًة القادِمَة،

تَتًجِهْ زَوْجَة الخال الى خِزانَة الغُرْفَة و تَفْتَح بابَها، تَأْخُذ مِنْها مِعْطَف و تَقول آمِرَة : هيا إلْبِسي هَذِهِ لِتَشْعُري بالدِفْئ مِنْ جَديد،

تأْخُذْ يَدْ شيرين في يَدِها قَليلاً و تَقول : جَسَدُكِ بارِدْ، هيا اجْلِسي و اشْرَبي بَعْضَ الشاي الساخِنْ،

تَسْأَل و هُمَا يَسيران نَحْوَ السرير بِقَلَق : بِماذا كُنْتِ تُفَكِرين في الخارج، نَادَيْتُكِ كَثيراً الى انْ لَفَتُ انْتِباهُكِ، بماذا كان ذِهْنُكِ شارِدْ؟

تأخُذْ شيرين رَشْفَة مِنْ الشاي و تَقول : انا آسِفَة لأَنَني سَبَبْتُ لَكِ هذا القَلَق، و لَكِن...

تَتَوَقًفْ لِمُقاوَمَة دُموعِها التي تَكون على وَشَكِ الإنْهْمَار ثُمَ تَتَمالَكْ نَفْسَها قَليلاً و تَقول، 

شيرين بِغَصًةِ أَلَمْ : أَلًمَني مَنْظَر لِجيرانِكُم في البِنَايَة الثانِيَة، كان هُنالِكَ رَجُل مَعْ امرأته يَحْضُنان بَعْض بِحُنو كَبير و كانا يَتَناولا بَعْضْ مِنْ الكَسْتَناء...مَنْظَرَهُم و هُمْ يَحْضُنان بَعْض كان جَميلاً جداً و جَعَلَني احاوِلْ انْ اتَذَكًرْ متى رأَيْتُ اهْلي بِحَالَةِ حُبْ آخِرَ مَرًة...و سَرَحْتُ بِهَذا التَفْكير طَويلاً الى انْ سَمِعْتُ صَوْتَكِ يُناديني...

تأخُذْ زَوْجَةَ الخال رَشْفَة مِنْ الشاي و تُجيبْ : أنا اعْلَمْ يا بُنَيًتي انً هُنالِكَ جُرْح كبير في قَلْبَكِ مِنْ مَشاكِل اهلكِ، بالعَكْس...أنا اعْذُرُكِ، في اكْثَرَ مِنْ مُناسَبَة وَضَعْتُ لَوْم كَبير عَلَيْهِم كَيْفَ يَتَشاجروا مَعْ بَعْض امامَكِ، 

شيرين : افْتَقِدُ الحنُو بَيْنَهُم كَثيراً...احاوِلْ عَزْلَ نَفْسي عَنْ مُحيطِهِم قَدْرَ المُسْتَطاع، 

تَنْهَضْ مِنْ مَكانِها و كوب الشاي بَيْن يَديها و تُكْمِل : و لَكِن كَيْفَ و انا اعيشُ مَعَهُم بِنَفْس المَنْزِل؟ 

تَقول زَوْجَة الخال بِنَبْرَة مُتَعاطِفَة : يَجِب ان تَتَمالَكِ نَفْسَكِ قَدْرَ المُسْتَطاع و تَتَحَمًلي و تَتَحَلًيْ بالصَبْر، حَاوِلِ التَرْكيز على دُروسَكِ، إذا لَمْ تَفْعَلي ذَلِكَ سَتُؤَثٍرْ هَذِهِ المَشاكِلْ على دُروسَكِ،

شيرين بِتَساؤل و أَلَمْ : قولي لي كَيْف؟ كَيْف و هُمَا يَقْلِبا كَيَان المَنْزِل مِنْ حين لآخَرْ لِغابَة صِراع كَبيرَة، انْتِ لا تُقيمي مَعَنا لِتَري الحالَة التي وَصَلوا لها و خُصوصاً بَعْد مُجْرَيات الثَوْرَة، لَمْ يَعُد الوَضْع بَيْنَهُما يَتَعَلًق بِوِجْهات النَظَرْ، اصْبَح يَتَمَحْوَر حَوْلَ اسْبَاب سِيَاسِيَة و مَنْ وِجْهَةِ نَظَرِهْ صَحيحَة أكْثَر مِنْ الثانِيَة...

زَوْجَة الخال بِنَبْرَة مُلِحَة : و دُروسًكْ يا شيرين؟ يَجِب انْ تَتَحَلًيْ بالصَبْر و يَجِبْ انْ تَبْتَعِدي عَنْ مَشَاكِلْ اهْلَكِ قَدْر المُسْتَطاع، هَلْ سَتُضَيٍعي مُسْتَقْبَلُكِ بِسَبَب مَشاكِل أهْلُكِ، 

تَنْهَض هُدى مِنْ مَكانِها و تَسير الى حَيْثُ تَقِفْ شيرين و تَقول : اهْلُكْ اسًسوا نَفْسَهُم و انْجَزوا دِراسَتَهُم الجامِعِيَة و قَطَعوا شَوْطْ طَويل و ناجِحْ في الحَيَاة، و الآن حانَ دَوْرُكِ، مِنْ حَقًكِ انْ تَسيري بِنَفْس دَرْب النَجاح، اوْعِديني يا شيرين انْ تَنْتَبهي لِدِراسَتُكِ أكْثَر، و دَعي مَوْضوع اهْلُكِ لي و لِخَالَكِ، سَنُحاوِلْ التَكَلُم مَعَهُم،

شيرين بِتَوَتُر : بِصَراحَة انا على يَقينْ انً المَشَاكِلْ بَيْنَ اهْلي سَتَزْداد، خُصوصاً مَعْ قراري بالإنْتِسَاب بِتَخَصُصْ الفُنون، ابي لَنْ يَرْحَمَني و سَيَزيد مِنْ هُجومِهِ على أمي لأنً حِزْبَها يُؤْمِن بِتَحَرُرْ المَرأة،

زوجة الخال : أنا اعْتَقِدْ انً اصْرارُكِ على مَوْقِفَكِ سَيُجْبِرَهُ على المُثول لِرَغْبَتُكِ بالنِهايَة،

شيرين و الخَوْف بِعَيْنَيْها : لَنْ يَتَفَهَمْ مَوْقِفي بَتاتاً و سَيُعارِضْني الى ان اُغَيٍرْ تَخَصُصي، سَيُعارِضْني الى انْ احُقَقْ ارادَتَهُ، هَكَذا يَفْعَل بِأُمي، 

زَوْجَة الخال بِتَأَثُر : لَنْ يَفْعَلْ، بالعَكْس قُوًةْ اصْرارُكِ على مَوْقِفَكِ قَدْ تَجْعَلُه يَلينْ، 

شيرين : ابي لَيْسَ مِنْ النَوْع الذي يَلينْ بِسُهولَةْ تِجَاه رَغْبَةِ النِسَاء..سَيَكون قاسي مَعي لِيُجْبِرَني على التَخَلي عَنْ ارادَتي،

تَسير شيرين بالغُرْفَةْ قَليلاً ثُمَ تَتَوَقًفْ امام الشُرْفَة و تَسْرَحْ بها لِبِضْعَةِ ثواني ثُمَ تُكْمِل : أبي يَظُنُ انً الفُنون المَسْرَحِيَة و التَمْثيل هي أفَةْ يَجِب القَضَاء عَلَيْها مِنْ المُجْتَمَع، لا يُؤْمِنْ بها و حتى نَادراً ما اُشاهِدُه على التِلْفَاز يُتابِعْ عَمَل اسْلامياً، مُسْتَحيل ان يَفْهَمْ عَليْ..

زوجة الخال مَصْعوقَة : كَيْفَ يعيش هَذا الإنْسَان؟ ألا يَسْمَع موسيقى...

شيرين : لا فَهُوَ لا يَسْمَع اي نَوْع مِنْ الموسيقى إلًا الموسيقى الدينِيَة، أنا احِبُها و لَكِن احِبْ ان اسْمَع لِفَيْروز ايضاً، لأم كُلْثوم، لِعَبْدالوَهاب...انا بَشَرْ فالموسيقَة مَمْنوعَة بالمَنْزِل...هَلْ تَعْلَمي انًني اخَبِئْ شرائِطْ امْ كُلْثوم و عَبْدِالوَهاب بِمَخْبَئ سِرِي في غُرْفَتي و لا اضَعُهُم في المُسَجِل إلًا عِنْدَما يَكون ابي خارِجْ المَنْزِل...

زوجة الخال بِغَضَب : لا هذا كَثير، ماذا حَصَل لوالِدُكِ يا شيرين، لَمْ يَكُن مُتَشَدِداً لِهَذِهِ الدَرَجَة حينَ تَعَرًفَ بِوالِدَتُكِ،

شيرين : بَيْتي قَبْلَ الثَوْرَة بِبِضْعَةِ اشْهُر و خِلالِها تَحَوًلَ الى جَحيم يا هُدى...

تَنْظُر الى الشُرْفَةِ مَرًة ثانِيَة و تَقول مُتَوَسِلَة : ارْجوكِ يا هُدى، انا قَرًرْتُ قَرار نِهائي...قَرار اتًخَذْتُه و انا اكَلِمَكِ....رَتِبي لي هَذِهِ الغُرْفَة، اريدُ انْ اُقيمَ عِنْدَكُم في مَنْزِلِكُم رَيْثَما اكْمُل دراستي...شُرْفَةْ مَنْزلي...أنا خائِفَة...

تَقْتَرِب مِنْها زوجة خالها و تَسْأَلُها بِقَلَقْ : ماذا بها شُرْفَة مَنْزِلُكِ...

تَنْظُر شيرين الى زوجة خالها و نَظرات التَوَسُل تَمْلَئ عَيْنَيْها و تَقول : هَلْ تُنْقيذيني مِنْها؟

زوجة الخال : ماذا تَقْصِدي يا حَبيَبتي؟

شيرين : مِنْ الضَيقْ و عَدَمْ قُدْرَتي على تَحَمُل الضُغوطات التي أنا فيها...فَمِنْ الثَوْرَة بِبِلادي الى اجواء بَيْتي المَشْحونَة بالمَشاكِل مُنْذُ فَتْرَة الى ضَغْط الدِراسَة...راوَدَتْني مَرًة مِنْ المرات رَغْبَة في ان اُلْقي نَفْسي مِنْ شُرْفَةِ بَيْتي...و لَكِنْ لَمْ أجِدْ القُوَة لأَفْعَلَها، خِفْتُ لأَنً الفِكْرَة راوَدَتْني

تَصْرُخ زوجة الخال مِنْ صَدْمَةِ ما سَمِعَتْ : ما هَذا الكَلام؟! هَلْ تَمْزَحي؟! 

تَهُزُ راسَها ناكِرَة : هذا واقِعْ يا هُدى، 

تَضُم زوجة الخال شيرين بِحُنو و تَقول : أشْعُر مِنْ الصَعْب تَصْديقُكِ، فِعْلاً أكاد لا اصَدِقْ انًني اسْمَع هذا الكَلام مِنْكِ، لَوْ كَرًرْتي هَذِهِ الجُمْلَة مَرًة ثانِيَة لَنْ اُسَامِحَكِ على الإطْلاق، فَهِمْتي يا بُنَيًتي، مِنْ هَذِهِ الًلحْظَة سَتَعيشي هُنَا و في هَذِهِ الغُرْفَة التي كانَتْ تَعيشْ بها سَناء قَبْل انْ تُسَافِرْ مَعْ زَوْجِها الى امْريكا، فهي فارِغَة تَماماً،

تَنْظُر زَوْجَة الخال بِتَمَعُن الى شيرين لِدَقيقَة مِنْ الزَمَنْ و كَأَنًها فَهِمَتْ شَيْئَاً لِلْتَوْ بِذِهْنِها ثُمَ تُكْمِلْ بِنَبْرَة قَلِقَة : سَتَعيشي هُنَا و مُنْذُ هَذِهِ الًلحْظَة سَتَنْسي مَشاكِلْ اهْلُكِ و لَنْ تُفَكِري الًا بِدُروسُكْ، هَلْ تَفْهَمي؟ الإنْتِحار لَنْ يَجْلِبْ لَكِ إلا غَضَبْ الله و الحِرْمان مِنْ جَنًةِ الرَحْمَن، الحَيَاة مَليئَة بالفُرَصْ و الحَيَاة حُلْوَة إنْ تَعَوًدْنا أنْ نَنْظُر اليها بالتَفاؤُلْ المَطْلوب، هُنالِكَ انْسَان رائِعْ بِداخِلُكِ دَفَنَهُ الإكْتِئاب و الأَلَمْ لِأَعْمَاق كَبيرَة في داخِلْ اليَأْس الذي يُسَيْطِر عَليْكِ، سأُساعِدُكِ انْ تُعيديه الى الحَيَاة و ان تَلْمَسيه مِنْ جَديد...ثِقي باللهِ ثُمَ بي يا بُنَيًتي و لا تَفْقِدي ايْمَانَكِ باللهِ، هَلْ تُعْطيني هَذِهِ الثِقَة؟  

تَبْتَسِم شيرين و تَقول: اعِدُكِ يا هُدى،

فَجْأَة يَتَبَدًل سُلوك هُدى مِنْ حَزين و مُتَوَتِر الى سُلوك بِهِ ثِقَة اكْثَر، و كَأَنًها اخَذَتْ قَرار فَجْأَةً سَبًبَ لها الراحَة، تَسير بِثِقَة الى شُرْفَةِ المَنْزِل و تُغْلِقُها بالمُفْتاح فَتَرُدَ شيرين بِنَبْرَةْ إرْتِباك على فِعْلَةِ زَوْجَةِ خالها : لا داعي لِكُلْ هذا الخَوْف يا هُدى، راوَدَني هذا الشُعور مَرًة فَقَطْ و لَكِنْ بِصَراحَة لَمْ أجِدْ الجُرأة لأفْعَلَها كما قُلْتُ لَكِ...رُبَما سأحْتَاج انْ اسير لأَسْتَنْشِق بَعْضْ مِنْ الهَواء النَقي...

زَوْجَة الخال بِنَبْرَة أُمْ آمِرَة و حازِمَة : سَاُعْطيكِ المِفْتاح عِنْدَما تُثْبِتي لي انًكِ بالنُضوج الكافي و تَتَمَتًعي بالمَسْؤلِيَة الكافِيَة لَيَكون بِحَوْزَتَكِ، و إذا ارَدْتي ان تَخْرُجي لِلْتَنَزُه الى الشُرْفَةِ او خارج المَنْزِل يَجِبْ ان أكون مَعَكِ، يَجِبْ انْ تَعِديني انْ تَلْتَزمي بِدُروسَكِ أكْثَر، بَرْنامَجُكِ اليومي بَيْت جامِعَة فَقَطْ و الإلْتِزام بِدُروسُكْ واجِبْ مُقَدَسْ عِنْدي، يَجِبْ انْ تُريني نَتائِجْ امْتِحاناتُكْ و شَهادات الجامِعَة بِصورَة دَوْريَة، مَفْهوم،

تعود البَسْمَة الى ثَغْرِ شيرين رويداً رويداً و تَعودُ علامات الراحَة الى وَجْهِها، تَبْتَسِم قَليلاً زَوْجَة خالها عِنْدَما تَرى تعابير شيرين الجَديدَة، تُكْمِلْ زَوْجَة الخال بِنَبْرَة حازِمَة : هَذِهِ الأَوامِرْ تُنَفَذْ بالحَرْف هُنا، مَفْهوم؟ اي اسْتِخْفاف بهذا البَرنامَجْ غَيْر مَقْبول عِنْدي يا شيرين،

تَسير الى الخِزانَة زَوْجَة الخال و تَفْتَح بابَها، تُبْعِد الثِيَاب المُعَلًقَة قَليلاً ثُمَ تَنْحَني لِتَلْتَقِطَ مِنْها فَلَقَة و خَيْزَرانَه،  تَبْتَعِد شيرين الى الوَراء بِضْعَةَ خَطوات مِنْ المُفاجأة و الصَدْمَة و هي تَنْظُر الى اداة التَهْذيب بِيَدي هُدى، تَقول زَوْجَة الخال : هُنالِكَ شَيْئ آخَر لا تَعْلَميه عَنْ طَبْعي بِتَرْبِيَة اولادي،

تُجيبْ شيرين بِرَهْبَة : والِدَتي لَمْ تَسْتَخْدِمْها إطْلاقاً بالمَنْزِل، 

تُكْمِل زَوْجَة الخال بِحَزْم : كُل امْ لها طَبْعُها الخاص، أنا صَدْري حَنون على اولادي جداً و لَكِنَني شَديدَة في نَفْسَ الوَقْت، في حال شَعَرْتُ بِضَرورَة اخْراجِها مِنْ الخِزانَة لَنْ أتأَخَر في ان اغْلِق باب هَذِهِ الغُرْفَة عَلينَا و حينَها سآمُرُكِ بِخَلْعِ نَعْلَيْكِ و سأُعَلِقْ ارْجُلَكِ مْنَها بِكُل سُهولَة...

تُكْمِل بِنَبْرَة تَوَعُد امْ لإبْنَتِها : صَدِقيني يا بُنَيًتي وَقْتُ ارْتِكاب الخَطَئ كُلْ اوْلادي جُلِدَتْ اقْدامَهُم بِهَذِهِ الفَلَقَة التي بَيْنَ يَدي و مَهْمَا كانوا اثْنَاء العِقاب يَطُلبوا الرَحْمَة ما كُنْتُ اكُفْ العَصاة عَنْهُم إلًا بِحُلول آخِرْ جَلْدَة كُنْتُ اُقَرِرُها لَهُم...لا اريد انْ اسْمَعْ مِنْ اولادي الًا ثَلاثَةِ كَلِمات هُما تَحْتْ امْرُك ماما،  

تُجيب شيرين بِرَهْبَة : تَحْتَ امْرُكِ، سأَعِدُكِ بالإلْتِزام بأوامِرُكِ...

تُجيب زَوْجَة الخال : مُنْذُ هَذِهِ الًلحْظَة اسْمي ماما هدى، مَفْهوم، احْتَرمي فارِقْ السِنْ بَيْني و بَيْنُكْ يا بُنَيًتي، 

شيرين مُطيعَة : تَحْتَ أمْرُك،

تُعيدْ زَوْجَة الخال الفَلَقَة و الخَيْزَرانَة الى الخِزانَة و تَتًجِهْ الى باب الغُرْفَة، و قَبْلَ انْ تُغادِر تَنْظُر الى شيرين مَرًة ثانية و تَقول بِقَليل مِنْ الغَضَبْ : بَيْتُكِ طابِقْ ارضي و لَيْسَ عِنْدَكُم شُرُفات عالِيَة،

تَرْتَسِم على شيرين ملامِحْ الخَوْف مَرًة ثانِيَة و هي تُصْغي لِهُدى، تُحاوِلْ التَبْرير : أنا...أنا...أنا كان قَصْدي...لَمْ أكْذِب...

زوجة الخال : انا لَطالَما عَرَفْتُك بِنْت صادِقَة و مُهَذَبَة، و لا اُحِبْ مَنْ يَكْذِب علي، لا أعْلَمْ ماذا افَسِر كلامُكْ بالضَبْط، على العُموم اذا كان مُرادُكْ مِنْ وَراء كلامُكْ اخافَتي فَقَدْ نَجَحْتي بُنَيًتي، انْتِ لا تَعْلَمي غَلاوَتُكِ عِنْدي انا و خالُكْ، انْتِ لا شَكْ تُعانينْ مِنْ بَعْض الإكْتِئَاب و الإرْهَاق و تُريدي الهُروب باي ثَمَنْ مِنْ مَنْزِلِكُمْ و انْ اسْتَعْمَلْتِ هَذِهِ الكَذِبَة كَوَسيلَة ضَغْط عَلَيْنا فلا بأس، اشْعُر مَعْ مُصابُكِ، سأفْتَح لَكِ المَجال لِتَهْربي كَيْفَما تَشَائين مِنْ هَذِهِ الظُروف الصَعْبَة، ولَكِنْ اكْتَشَفْتِ ما لَمْ تَتَوَقًعيه عَني و هُوَ الحَزْم لِتَدْفَعي الثَمَنْ انْ كانَتْ قِصًةَ التَفْكير بالإنْتِحار كَذِبَة، لا بأس سامِحيني فَطَبْعي شَديد مَعْ مَنْ اُحِبْ، و هَذِهِ الشِدَة لِمَصْلَحَتُكِ، و ان كانت حقيقة تَسْتَطيعي انْ تَحْسِبيها عِلاج لِحَالَتُكْ و دافِعْ لِتَتَحَسًني و تَنْتَبهي لِدُروسُك و مُسْتَقْبَلكِ فإقامتك ببيتي سَتَكون الفُرْصَة التي تَحْتاجينها لِتُرَكزي على امور ايجابية كَثيرَة بحياتكِ، يَجِبْ انْ تَتَحَمًلي عواقِبْ قرَاراتُكِ، أملي ان يَرْدَعَكِ هذا الإختبار و يُرَبيكِ اكْثَر، 

تُغْلِق الباب زوجة الخال ورائَها و تَضْحَك قَليلاً و هي تَسيرْ الى صالَة المَنْزِلْ، و تَقول بِذاتِها : سَتَتَأَقْلَم مَعْ طَبْعي و لا ضَرَرْ مِنْ الصَدْمَة التي تَلَقَتْها مِني، حَبيَبة قَلْبي شيرين كَمْ اُحِبُها مِثْل بَناتي، و كَمْ هي عَطِشَة لِحَنان و حَزْم أُمِها، و لَكِنْ اين امُها مِنْ العِنايَة بها، كان الله بِعَوْنِها فَيَتَوَزًعْ وَقْتِها بين نَشاطات الحِزْب الذي تَشْهَدْ ذُرْوَة بِسَبَب الأحوال الحالِيَة و بَيْنَ اطْبَاع زَوْجِها، فِبِحَيَاة دَوْلَت ثَوْر هائِجْ بِحاجَة لِتَرْويض، كان الله يِعَوْنِك يا دولت،

تَنْتَقِل بِنَا الكاميرا الى غُرْفَة شيرين مَرًة ثانِيَة لِتُرينا اياها مُرْتَبِكَة بَعْض الشَيئْ، فَتُؤَنب ذاتِها : ماذا فَعَلْتِ يا شيرين؟ انْتِحار؟أَلَمْ يَكُنْ بإسْتِطاعَتي انْ اُفَكِر بِعُذْرِ قَهْري آخَرْ اُجبِرْ اهلي على القُبول بإقامَتي بِبَيْت خالي؟ بَسيطَة، ألمُهِمْ انًني اقْنَعْتُ هُدى بِدَعْمي بِهَذا القرار،

تَمْلئ وَجْهَها الرَهْبَة فَجْأَة و تُكْمِل : الفَلَقَة و الخَيزَرانَة مِنْ حين لآخر مِنْ هُدى و لا المَبيتْ بِمَنْزِل ابي و ضُغوطاتِهْ لأُغَيِر تَخَصُصي،     

CONVERSATION

0 comments: