رسالة مفتوحة لسعادة الرئيس محمود عباس/ رائف حسين

– المانيا 

سعادة الرئيس، 
ان استضافتكم لجمع غفير من الاسرائليين لتوضح لهم وجهة نظر الشعب الفلسطيني من الوضع الراهن في فلسطين المحتلة واطلاعهم على حقيقة معاناة شعب فلسطين من قبل دولتهم الطاغية وحكومتهم الفاشية رغم ما تسميه سعادتكم "بالسلام" هي خطوة جريئة تستحق المدح والتقدير ولكن!
أنتم نسيتم أنكم رئيسا لشعب محتل منذ 66 عاما، شعب شرد من أرضه واغتصب وطنه وكرامتة من قبل العصابات الصهيونية وقياداتها المجرمة بدءا من بن غوريون الى نتانياهو ومرورا بالسفاحين الذين تنعتهم بكلمة "صديقي الحميم". أنتم للاسف الشديد رئيس لدولة ممسوخة مقطعة الاوصال، ملوثة بالاستعمار الصهيوني والسبب هو المحتل الغاشم ليس الا. دولتنا، دولتك تعتاش على التسول وفتات الدول المانحة التي ترسم لكم يوما بعد يوم كل خطوة تقومون بها.  تحدثت عن السلام وكان قصدك بيع الوطن بثمن رخيص تسميه سعادتكم  التنسيق الامني "المقدس".
تساءلت بخطابك لماذا عارض البعض أوسلو! سؤال وجيه، ولكن اسمح لي بداية ان أسأل حضرتك قبل أن أجيبك على سؤالك، هل لك يا سعادة الرئيس أن تسرد لنا ما أتى به أوسلو لشعبنا من خيرات سلامك وسلام صديقك الحميم بيرس على مدار 22 عاما؟
أنا أعلم بأنك تؤمن بالديمقراطية، فهيا بك اسأل شعبك بعد 22 عاما ان كان يوافقك الرأي بأن سلامك وسلام أصدقائك الصهاينة، سلامهم الذي تتوق له صدورهم، لماذا الخوف من صوت الشعب؟ لماذا تتمسك بكلام الاخرين وبنصائحم وتترك قوة شعبك وصوته؟ القيادي الحقيقي سعادة الرئيس يتحصن بشعبة ولا يضرب بارادته عرض الحائط. 
لا تقل لي بأنك رئيس منتخب! فأنت أدرى من الجميع بمن أنتخبك من شعبنا! ومتى تم انتخابك، ولأية فترة زمنية! أذكرك بأنك رئيس لشعب عدده 11 مليون شخصا ولست رئيسا لسكان الضفة والقطاع فقط. أنت رئيس لأكثر من خمسة ملايين لاجئ تناسيتهم عندما تنازلت عن حق العودة مقابل رضى أصدقائك محتلي بلدك ومهيني شعبك الأصيل! 
لقد عارضنا أوسلو ليس نكاية بك وبالراحل الرمز ياسر عرفات. نحن عارضنا وما زلنا وسنستمر نعارض نهجا وسياسة تفرطان بحقوق شعبنا. عارضناه لأننا كنا وما زلنا خدما لشعبنا ومصالحه ولأننا نؤمن بأن مصلحة الشعب فوق كل مصلحة.  لم تكن مصلحة شعبنا بتحويل أرضة المحتلة لأرض متنازع عليها كما فعلتم، لم تكن مصلحة شعبنا بالتنازل عن قرارات الشرعية الدولية باعتبارها الأساس لحل عادل وليس موضوعا للمحادثات كما وقعتم في أوسلو. مصلحة شعبنا لم تكن بفتح الباب على مصراعية لقطعان المستوطنين وبرامج الاستعمار الصهيوني. عارضنا اوسلو لانه رسخ التبعية الاقتصادية للمحتل. عارضنا اتفاقا حول شعبنا صاحب الكرامة الى شعب شحاد في المحافل الدولية. عارضناه لأنه رمى اللاجئين وحق العودة في أزقة اللجان المتعددة، وان شئت اسأل الدكتور محمود الحلاج والدكتور ايليا زريق عن الاهانات التي تعرضوا لها في اجتماعات القضاء على حق العودة.
تكلمت بلقائك أن أوسلو كان المدخل لمحادثات بعد قطيعة طويلة بيننا وبينهم وبرأيك هذا انجاز بحد ذاته… نعم كان وما زال انجازا للمحتل وخذلانا لنا… أنتم وفريقكم تتحدثون بينما يسلب أصدقاؤك الصهاينة الأرض وخيراتها. أنتم تجتمعون وهم يقتلون ويعذبون. هل نسيت آلاف البواسل في سجون أصدقائك؟ هل تناسيت كيف أغرقوا غزة بفسفورهم الأبيض وقنابلهم العنقودية بينما تجلس أنت معهم في صالات الفنادق الراقية؟
أوسلو وما تبعه من اتفاقات اذعان أتى لكم ولحاشيتكم فقط ببطاقات ال VIP ولشعبنا بالمذلة. 

سعادة الرئيس، في خطابك وقعت أيضا في أخطاء جسيمة لا تغتفر ولا بد من التنويه بها:
نعم أنت على حق عندما تكلمت عن بشاعة المحرقة. انها من أبشع ما سجله تاريخ البشرية من جرائم وحشية. لكن المحرقة سعادة الرئيس أصابت اليهود والغجر واليساريين من الألمان ولم تصب أبدا "شعب اسرائيل" مثلما تكلمت بخطابك. "شعب اسرائيل"، تلك البدعة الصهيونية، تأسس بعد المحرقة اصلا، وعلى قبور أجدادنا بنوا أساسات "شعبهم" ودولتهم الاستعمارية. أن تقوم بوضع اليهود "وشعب اسرائيل" في خانة واحدة هو نفخ في بوق الصهيونية وضربة لأولئك اليهود الذين يقاتلون الصهيونية، وأنصحك في هذا السياق بأن تعود لكتاب المؤرخ الاسرائيلي موشي زند الذي كتب عن البدعة الصهيونية المسماه " شعب اسرائيل ". آمل أن تكون جملتك هذه زلة لسان وليس منهجا جديدا من مناهجك المدمرة للحركة الوطنية كما عودتنا منذ رحيل الشهيد الرمز أبا عمار! 
لقد قدست في خطابك ما يرفضه الشعب المناضل. أنت رئيس لدولة ممسوخة ولشعب تحت الاحتلال وليس الحاكم بأمر الله لتلقي عباءة القدسية على منكر فاحش كالتنسيق الامني. هذا "المقدس" الذي تكلمت عنه بعنجهية غير مبررة أتى بالويل على شعبنا المحتل وأثكل أمهات المناضلين ويتم المئات من أطفالهم. أنصحك، ان سمح لك أصدقاؤك، بأن تزور أبطالنا في السجون، أن تسأل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وأبو حجلة ماذا كان يسمى التنسيق الأمني في المفردات الفلسطينية عندما كانوا يناضلون ضد المحتل وكنتم أنتم تقطنون ڤيلاتكم في تونس. التنسيق الأمني حول شبابنا في الأجهزة الأمنية الى آلات لحماية المحتل ليس الا.
حاولت أن أفهم كيف ينعت رئيس لشعب محتل رجلا يداه ملطخة بدم الأبرياء من شعبنا "بالصديق الحميم"! بعد تفكير وتعمق لم أجد سوى مصطلحا في علم النفس يسمى "أعراض ستوكهولم" وهو مرض نفسي تتعاطف الضحية المصابة به مع جلادها. مرض أصاب للاسف الشديد العديد ممن يتعاطون السياسة وهواة السياسة من أبناء شعبنا.
نعم سعادة الرئيس، أوافقك الرأي بأن السلاح ليس الحل لطرد الاحتلال والطخطخة دون برنامج نضالي وسياسي لا تفيد، كما وان اطلاق المواسير التي تسمى بالصواريخ فرقعة وأفيونا للشعب لا يجدي بل يضر بالقضية الوطنية، لكن سياساتك وتفاهمات أوسلو الذي تتكلم عنه ليسا أيضا الطريق للخلاص كما أثبتت الوقائع خلال القرنين الماضيين. ولنا الحق أن نسألك عن سياستك البديلة  "للمحادثات" وكم من المال صرفته على النضال الشعبي؟ وكم عملت لتحصن الشعب ضد المحتل؟ ان قواتك الأمنية تعتقل النشطاء الذين يعملون لمقاطعة البضائع الصهيونية  ونشطاء حزبك يطبعون مع العدو الصهيوني ليلا نهارا. 
اضافة لكل ما سبق، تناسيت في خطابك سعادة الرئيس أبناء شعبك في فلسطين المحتلة عام 1948 ونسيت نضالهم من أجل هويتهم وجذورهم الصامدة.  

في النهاية أقتبس ما قاله شاعر فلسطين ابن الجليل الصامد مروان مخول:

"الوضع السياسي سيارة 
يقودها متهورون طاعنون في الكذب 
وفي السن“…
وأهديك أغنية الفنان علاء عزام ابن حيفا الصامده: على شو


CONVERSATION

0 comments: