نُقل عن الرئيس اللبناني ميشال سليمان قوله بعد عودته الى لبنان وانتهاء زيارته الاسترالية، وصفه العمل في القنصليات والبعثات الديبلوماسية اللبنانية بما يشبه الماكينة الصدئة الرديئة. اذا كان كلام صاحب الفخامة محقاً، فنحن نزيد عليه قائلين ان جميع ادارات الدولة اللبنانية وقوانينها المتوارثة وأساليب عملها ليست أفضل من ماكينة البعثات الديبلوماسية الصدئة والمهترئة. ونحن لا نحمّل الرئيس مسؤولية ذلك بل نعتبره جزءاً مكملاً للورثة المشؤومة.
لقد مرّ اكثر من ست سنوات على اختيار لجنة خاصة من السياسيين والاخصائيين برئاسة الاستاذ فؤاد بطرس لتعد قانوناً انتخابياً جديداً يقارب المفاهيم العصرية لصحة التمثيل ووضع حد للتجاوزات والرشاوى والتزوير. وقد أعدت اللجنة المذكورة مشروعاً بقي على الورق دون طرحه على الحكومات المتعاقبة ولا على المجلس النيابي، وجرى نقاش حوله في الاعلام دون ان ينشر نصّه الكامل.
وجاء مجلس نيابي جديد بالعودة الى قانون فؤاد شهاب للعام ٠٦٩١. وبدأ الحديث عن اعتماد قانون جديد مستند الى النسبية التي يعتبرها أكثر الخبراء معرفة الطريقة الأقرب الى العدالة وصحة التمثيل الشعبي. وقبل ان ينشر أي نصّ او مقترح يتعلق بالنسبية، انتفض الذين ظنوا ان أعداد نوابهم ستنخفض اذا اعتمد قانون النسبية الذي يعطي كل فريق النسبة العددية التي يحصل عليها في الانتخابات.
على سبيل المثال ستخسر كتلة العماد عون وحلفائه حوالي تسعة مقاعد نيابية في زغرتا، جبيل، كسروان، المتن، بعبدا وجزين.. ولكنها في المقابل قد تحصل على ٧١ مقعداً أو أكثر في الشمال وبيروت والبقاع والشوف وعاليه، وهذا لا يرضي فريقاً معيناً. اذن لن تنفع مشاريع الرئيسين سليمان وبري بدعم النسبية ويمكن اعتبار اعتمادها ساقطاً، والرئيس ميقاتي ينتظر حصول اتفاق بعيد عنه حتى يوافق عليه.
ولا يعرف احد سوى المنجمين لماذا لم يطرح داخل المجلس النيابي خلال ٧ سنوات أي مشروع لقانون انتخابي جديد، بل بقي الجدل والحوار عبر الاعلام والمنابر الكلامية. وكل ما حصل كان »صفقة« اتفاق الدوحة قبل ٤ سنوات والتي أنجزت بعد ان تم تعديل دائرتي بيروت الأولى والثانية لارضاء فريق الحريري.
أما على صعيد إشراك المغتربين في الانتخابات، فحدث ولا حرج عن فضائح الماكينات والرؤوس الصدئة. فقد أطلقت الوعود من الرؤساء السياسيين والروحيين ومن زعماء الكتل والاحزاب باستحداث قانون يتيح للبنانيين المنتشرين المشاركة في انتخابات وطنهم الأم، وأطلق الرئيس الاول وعده منذ وصوله الى منصبه بدعم هكذا قانون وتلاه جميع الرؤساء الآخرين.
لم يصدر اي قانون حتى الساعة، وكل ما حدث كان مقترحات حكومية لم تصل الى المجلس النيابي.
ان الاسوأ من كل هذا هو ان الاكثرية الساحقة من المغتربين - وانا منهم - لا يعرفون ان التسجيل لدى البعثات اللبنانية في الخارج ضروري حتى للذين يحملون الهوية اللبنانية والبطاقة الانتخابية مثلي.
فقد كنت اظن حتى الاسبوع الماضي ان حملي الهوية اللبنانية والبطاقة الانتخابية يخولني ان اثبت اني مسجل على لوائح الشطب الانتخابية وتُفتح لي الابواب لاقترع واختار من اشاء. هذا يعني ان اشراك المغتربين - الذي لن يحصل - سبتم عبر الاسماء المسجلة لدى البعثات فقط.
ان هذا الامر قد يسجل بعض النجاح المحدود في استراليا بسبب تواجد اكثرية اللبنانيين في سدني وملبورن، ولكنه سيكون مأساوياً في الولايات المتحدة ذات الخمسين ولاية وفي البرازيل الشاسعة وغيرهما من بلدان اميركا اللاتينية.
لقد شعرنا دائماً ان الحديث عن اشراك المغتربين ليس جدياً حتى من قبل بعض الذين أبدوا حماساً ودعماً لهذا المشروع. واسباب ذلك كثيرة منها ان اللبنانيين يشككون ببعضهم وبمسؤوليهم ولن يصلوا في حقبة قريبة الى مستوى من الوعي يخوّلهم ان يقترعوا بريدياً او غيابياً او عبر بعثاتهم اللبنانية بمجرد إبراز الوثائق التي تثبت جنسيتهم مثل الهوية او جواز السفر او البطاقة الانتخابية.
اذن الماكينات الصدئة في البعثات اللبنانية في الخارج ليست مسؤولة عن عدم افساح المجال للمغتربين ليشاركوا في الانتخابات، لان الماكينات هذه ليست اكثر من امتداد لفوضى الادارة في الداخل وبقاء الاساليب »العثمانية« مسيطرة على سير الدوائر.
قد يكون حديثنا مبكراً وتشاؤمياً في هذه المرحلة، الا ان التحرك البطيء حيال هذا الأمر على مدى سنوات وسنوات يحملنا على ذلك.
0 comments:
إرسال تعليق