مسكينة طرابلس، هي الضحية دائماً يستغلها السياسيون والمغامرون وأهل التآمر في الداخل والخارج. يستغلون فقراءها ومحروميها واندفاع ابنائها القومي. ان طرابلس مدينة منكوبة بالاهمال يحاولون ارضاءها بفتات الهبات ويستغلون سواعد شبانها لتنفيذ المآرب وزرع الفتن.
لقد عانت طرابلس خلال سنوات الانتداب، ولم تكسب شيئاً من حقبة الاستقلال، ودفعت ثمناً باهظاً خلال حروب الميليشيات والحركات المتأسلمة وعلى يد قوات الهيمنة »الشقيقة«... الى جانب ذلك فقد هجرت طرابلس ٠٠٤ مؤسسة صناعية انتاجية، وانتقلت المدارس الخاصة الرئيسية الى الاقضية المجاورة، ويوظّف أثرياؤها استثماراتهم بعيداً عنها، وتمتلك معرضاً دولياً عرف كل شيء الاّ ان يكون معرضاً دولياً حقيقياً.
ان هذا الواقع أفسح المجال لتسلل النفوذ السلفي بدعم مالي خارجي، وهذا ما حوّل طرابلس الى مدينة قابلة للانفجار. وقد كان وزير الداخلية مروان شربل على حق حين تجرّأ ودعا الحكومة الى معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس. لا يصدق أحد ان إقدام قوى الأمن على استدراج مطلوب واعتقاله مسألة تؤدي الى إغلاق مدينة وتعريض سكانها الفقراء لمزيد من الحرمان، ولكنها »قلوب ملآنة« كما يقول المثل العامي.
لقد عالجنا موضوع التوّاقين الى الحرب والخنادق واصحاب احلام الامارات وورثة فتح الاسلام في مقالات سابقة، وأبدينا التوجس من تصريحات النواب الشماليين وغيرهم التي استهدفت الجيش اللبناني قيادة وضباطاً بتوجيه التهم العشوائية دون حساب او رادع. وقد ازدادت الحملة حالياً بعد الحادث الذي قتل فيه الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه.
دعونا نصدق جدلاً ان احد الضباط او الجنود أخطأ او أطلق النار عمداً على المغدورين بقصد القتل.. فهل هذا مبرر لضرب وحدة الجيش واتهام قيادته بالانحراف وتلقي الأوامر من سوريا وايران وغيرهما؟
في شهر شباط ٧٠٠٢، وقعت حادثة عرفت بحادثة مار مخايل في الشياح. ففي تظاهرة لبعض الاهالي هناك احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، حضرت قوى الجيش وحصل إطلاق للنيران ما أدى الى وقوع ثمانية قتلى من الاهالي بينهم مسؤول حركة امل في المنطقة وبقية الضحايا من أنصار حزب الله... وقد تأكد ان تلك الحادثة كانت مدبرة للايقاع بين قوى الجيش النظامي ومسلّحي حزب الله، وتم اتفاق على تطويق الحادث بعد اعتقال المسؤولين الذين تورطوا فيه من داخل المؤسسة العسكرية.
ان ما حدث في عكار ليس أخطر من حادث مار مخايل، وقد استنكره القاصي والداني على الرغم من ان بيان الجيش أصرّ على ان سيارة المغدورين لم تمتثل لاشارة حاجز الجيش النظامي... وقد بدأت قيادة الجيش تحقيقاً مع العناصر الذين تم توقيفهم بمشاركة السلطة القضائية، وهذا يكفي في هذه المرحلة. ولا نعتقد ان من يمتلك الحد الأدنى من التعقل يساوره شك بانحراف مسؤولي الجيش النظامي.
فهل من الضروري نقل الاحتجاجات والتظاهرات الى بيروت وصيدا وتأجيج المشاعر والغرائز؟... انه لمن حق أي مواطن ان يتظاهر ويعبر عن رأيه. ولكن ظروف لبنان على باب موسم الاصطياف الذي ينتظره الكثيرون تختلف وتتطلب الحكمة والرويّة والتعقل.
لقد أثار إقدام بعض الدول العربية على نصح رعاياها بمغادرة لبنان القلق... ليس لخسارة الزائرين والسياح فقط بل لأن بعض هذه الدول معنية بالشأن اللبناني والتدخل بالقضايا الداخلية واستعمال الاراضي والمياه اللبنانية لتهريب الأسلحة الى الداخل السوري... فهل تتوقع هذه الجهات انفجاراً شاملاً، ام انها خطوات احترازية ورسالة الى الحكومة اللبنانية لتكون أكثر شراسة تجاه الحكم السوري وتتغاضى عن تهريب المقاتلين والاسلحة؟..
ان اتهام الجانب السوري باشعال النار في لبنان او العمل على تسعيرها لا يستند الى وقائع في الوقت الراهن، لان الجانب السوري يعاني ما يعانيه في الداخل وليس بامكانه التطلع الى خارج حدوده، وليس استدراج ابناء الطائفة العلوية في طرابلس الى مناوشات أكثر من اختلاق ذرائع لاتهام سوريا بعد التشكيك بدور الجيش. ولكن بعض تصريحات السيد رفعت علي عيد غير ضرورية في هذه المرحلة وتتسم بالصبيانية التي تجد من يستغلها ويتاجر بها.
ان لبنان حالياً امام خيار مصيري وخلاصُه في دعم الجيش النظامي ليكون درعاً واقياً للجميع وليس في التشكيك بدور هذا الجيش. وقد أصيب الكثيرون بالهلع والخوف عندما سمعوا ان الجيش اللبناني أخلى بعض المواقع والحواجز في عكار والشمال. فالسلاح الذي ظهر مع المواطنين العاديين ليس بريئاً كما انه ليس من مكدسات الحرب الاهلية، والذين ناشدوا المواطنين ليحتفظوا بأسلحتهم الشخصية انما يشاركون في الفوضى وتعبيد الطريق نحو حرب جديدة.
يشعر الجميع ان النفوس معبأة وألسنة السياسيين آلية لا تتوقف بأساليب عشوائية بعيدة عن تحكيم الضمائر... حفظ الله لبنان من هؤلاء.
0 comments:
إرسال تعليق