
ومعلوم أن الطلاق كان مشروعاً عند اليهود والفرس واليونان والرمان، ولم يمنع إلا في الديانة المسيحية، بعد مضي زمن من نشأتها. وليس الطلاق عيباً، والذين يريدون بالزواج أن لا يحل عقدته إلا الموت، إنما يطمحون للكمال المطلق، ولا يراعون الطبيعة البشرية والضرورات التي تجعل الصبر على عشرة من لا تمكن معاشرته فوق طاقة البشر. وهذا هو السبب الذي دعا الأمم المسيحية إلى الضغط على الكنيسة، حتى أباحت الطلاق. ولكن أباحة الطلاق بدون قيد، على النحو الذي ذكرناه، لا تخلو من ضرر، وإن كانت منافعه أكثر من مضاره، ولذلك وضعت الشريعة الإسلامية للطلاق أصلاً يجب أن ترد إليه جميع الفروع. وهو أن الطلاق محظور في نفسه، مباح للضرورة. وإنه لا ينبغي أن يقع الطلاق بكلمة لمجرد التلفظ بها مما كانت صريحة، فاللفظ لا يجب الالتفات إليه في الأعمال الشرعية، إلا من جهة كونه دليلاً على النية، ولا يتم فيه الطلاق إلا أمام القاضي، في وثيقة رسمية بحضور شاهدين، بعد نصح الزوج أولاً في تحكيم أهل الشروط، وأهل الزوجة ثانية على أن يتقدما بتقرير في حالة إخفاق مسعاهما في الصلح.
إذا كان من حق الرجل أن يطلق زوجته، إذا تعذرت سبل الحياة بينهما، فإن للمرأة أيضاً أن تطلب من القاضي هذا الحق. وإذا اقتنع القاضي بالأسباب التي قدمتها، فإن المرأة لا تفقد أي حق من حقوقها، وتحتفظ بمهرها وامتيازاتها. ومع ذلك لا بد أن نقر بأن ليس ثمة ما يشين امرأة مطلقة، فهي تستطيع العثور على زوج آخر بسهولة، لكن حياة الناس تتأثر على الدوام، من مثل هذه الحرية المعيبة، وإن كان التقدم الحضاري قد جعل مثل هذا الفعل المعيب، أقل انتشاراً بين الطبقات العليا في المجتمع.
لكن الفقهاء يتمسكون بطاهر النص، دون مراعاة لما يترتب على تقليدهم من خطورة وأضرار، تلحق بالأسرة ومستقبل أفرادها. وقد تفننوا في ذلك إلى أبعد حد ممكن إلى درجة حتى أنهم اعتبروا اللفظة القريبة من لفظة الطلاق، تجعل الطلاق واقعاً لا محالة، ويفرقون بها بين المرء وزوجه.
وقد أقسم عميد الأدب العربي الراحل طه حسين، أنه احتقر العلم والعلماء، منذ اليوم الأول الذي حضر فيه درس الدين في المسجد. فقد كان قد سمع الشيخ يقول: "ولو قال لها أنت طالق، أو أنت ظلام، أو أنت طلال، أو أنت طلاه وقع الطلاق، ولا عبرة بتغيير اللفظ "يقول ذلك متغنياً به مرتلاً له ترتيلاً، في صوت لا يخلو من حشرجة، لكن صاحبه يحتال أن يجعله عذباً، ثم يختم هذا الغناء بهذه الكلمة التي أعادها طوال الدرس".
ومضى طه حسين ساخراً بهذا النوع من العلم، الذي يتعالم به ويلقنه لعشرات من طلاب العلم، بعض من اشتهروا من المشايخ الأكابر من علماء الجيل القديم. وكانت هذه السخرية إيذاناً بالثورة العارمة على الجمود والرجعية، وإعلاناً للحركة التقدمية في بلاده العربية، وانضماماً إلى ركب الحضارة العالمية، وتأييداً للمنهج العلمي الذي يحمل مشاعل النور ويطلق الحرية للفكر والضمير.
0 comments:
إرسال تعليق